المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية
المداخلات في الأفرع المعرفية
العلوم السياسية
في مجال العلوم السياسية اتجه البحث والتحليل حول الثقافات الإسلامية إلى التركيز على السياسة كجوهر للدين. إن هذا التناول منتشر بشكل خاص بين المحللات والمحللين المتبنيين منظور الاختبيار العقلاني الذين يميلون إلى تفسير صحوة الممارسات الإسلامية في إطار سياسي حتمي ويختزلون الحركات إسلامية الطابع في “القومية” و“المعارضة الراديكالية” والصراع من أجل “الدولة الإسلامية” ومنظومات أخرى سهلة التعريف للنشاط السياسي. وتميل الغالبية العظمى من العلماء السياسيين إلى التركيز على الإسلام السياسي، ومن ثم على المعارضة والتشدد السياسي، ويتجاهلون أمورًا مثل التدين والورع، والقليلون منهم يبحثون في التوافق بين المقدس والسياسي داخل الرؤية الإسلامية للعالم.
وقد قامت روث ماكفيي، وهي عالمة سياسية بارزة تعمل في جنوب شرق آسيا، في مقال بليغ منذ ٢٠ عامًا تقدم فيه عرضًا نقديًا لمجال السياسة، قائلة: “السياسة ليست هي جوهر الدين“، وهو نفس الموقف الذي ورد عند كل من هيفنر وهورفاتيتش في كتاب أحدث عن الإسلام في عصر الدول القومية (Hefner and Horvatich, Islam in an Era of Nation- States 1997). وتقدم ماكفيي، التي كتبت الكثير عن إندونيسيا، نقدًا ممتازًا لعدم قدرة الباحث العلماني والباحثة العلمانية على فهم الإسلام كدين: “الأفكار والمعتقدات الدينية لا تمنح وضعًا مستقلاً وإنما تدرج ضمن فئات مثل السياسة أو علم النفس التي يملك علماء الاجتماع لها مفردات تحليلية متكاملة ومفهومة” (MeVey 1981, 282).
إن التحليلات التي تقدمها العلوم السياسية للإسلام (على الأقل في إقليم جنوب شرق آسيا الذي أعرفه أكثر من غيره) يهيمن عليه الباحثون الذكور الذين لا يملكون سوى القليل ليفولوه عن سياسات الجندر (Hefner 2000, Scott 1998, 1995, Emmerson 1976, 1999, Collier forthcoming, Aspinall 2001). ورغم أن الوضع قد تغير كثيرًا في العقد الأخير، حيث ظهر عدد كبير من النساء الباحثات اللاتي أنتجن أعمالاً خلاقة عن النساء في الثقافات الإسلامية، ومنهن من تدربن في العلوم السياسية لكن الكثيرات منهن لسن في أقسام العلوم السياسية وإنما في أقسام التاريخ والدراسات الإقليمية (بما في ذلك الدراسات الآسيوية) والدراسات الإسلامية والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والقانون وغيرها. إنني اقترح هنا ألا نقصر نقاشنا على هؤلاء الباحثات والباحثين الذين حصلوا على تعليمهم بالأساس في دوائر إنتاج المعرفة الأوروبية الأمريكية والغربية المهيمنة، وإنما أن نحاول أن ننتقل نقلة نوعية من حيث الجغرافيا والمنظومة، أي أن نرسم خريطة مضادة بعيدة عن “الأراضي الإسلامية الرئيسية” و“المراكز المهيمنة في مجال إنتاج المعرفة“، وأن نشمل باحثات وباحثين محليين من إندونيسيا وماليزيا وباقي أنحاء جنوب شرق آسيا، لم يتلقوا تعليمًا في العلوم السياسية ولكنهم أنتجوا تحليلات أصلية وقوية للسياسة والجندر في الثقافات الإسلامية. وسوف يعني ذلك حدوث مواجهة، إن لم يكن الرفض الكامل، لبعض من الحدود التقليدية والضيقة لما يشكل العلوم السياسية.
فباستثناء بعض الدراسات النسوية والتاريخية والأنثروبولوجية الممتازة التي تنظر إلى الإسلام كممارسة اجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية، نجد أن الغالبية من تحليلات العلوم السياسية للإسلام، خاصة في جنوب شرق آسيا، تحاول أن تختزله في السياسة. إن حجة روث ماكفيي، لا تزال قيمة إلى يومنا هذا. فهي تستنكر:
موقف الكثيرين من علماء الاجتماع الغربيين الذين يعتبرون العقائد الإيمانية غير هامة إلا فيما تعكسه من سلوك سياسي أو اقتصادي أو أي سلوك دنيوي آخر. ومن هنا يبدو الدين وكأنه تعبير عن بعض الظروف النفسية والاجتماعية وبالتالي فليس من الضروري اعتبار الجدال الدائر في داخله جدالاً هامًا في حد ذاته. وهكذا يمكن للشخص – مثل ما نجده عند بيكوك – كتابة تقرير عن العلاقة بين الحداثة الإسلامية وروح الرأسمالية دون التطرق ولو مرة واحدة إلى مسألة الربا، رغم كونها قصية مركزية في علاقتها بالموضوع، وبمذهب “المحمدية” والمدارس الفكرية الإسلامية الأخرى المنتشرة. إن النظرة إلى الدين على أنه مؤشر على شيء آخر هو أمر جذاب بشكل خاص لطلاب السياسة الذين يريحهم اعتبار التماهي التاريخي ما بين المجموعات الدينية الإندونيسية والمنظمات السياسية يعني أن الجهاد في سبيل السلطة السياسة هو الهم الأساسي للدين (MeVey 1981, 282).
وتصر ميرل ريكليفس، وهي باحثة قديرة في الإسلام في جنوب شرق آسيا على أنه “إذا كنت تنوين دراسة الظواهر الإسلامية يجب أن تكوني أولاً جاهزة لوضع احتمال بأن يكون الناس مؤمنين فعلاً بما يقولون أنهم يؤمنون به. وفي العلوم السياسية أيضًا، كثيرًا ما ينظر إلى الإيمان من منظور أوجه الاستفادة منه” (Merle Ricklers, personal correspondence 2003).
وعلى عكس الدراسات التي أجريت في جنوب شرق آسيا حيث لم يدرس الإسلام بما يكفي، يبدو أن دراسات الشرق الأوسط تركز على الإسلام أكثر من اللازم. لكن كلا من باحثة العلوم السياسية إصلاح جاد في جامعة بيرزيت (Islah Jad 1990, 1995)، وباحثة علم الاجتماع دينيز كانديوتي في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن (Deniz Kandiyoti 1991)، وباحثة علم الأنثروبولوجيا سوندرا هيل في جامعة كاليفورنيا (Sandra Hale 1996) يؤكدن على أن تفضيل الدين والإسلام على اعتبار أنهما العنصر الوحيد المهيمن على الحياة الاجتماعية هو أمر إشكالي، لأن الدين يبقى أحد أوجه الحياة الثقافية إلى حين يتم تناوله من منظور سياسي.
وتقول دايان سينغرمان، وهي باحثة في العلوم السياسية تعمل في مجال الشرق الأوسط، أنه يبدو أن هناك الكثير من الباحثين والباحثات في العلوم السياسية في دراسات الشرق الأوسط الذين يتناولون قضايا النساء في الثقافات الإسلامية. ويمكن الرجوع على سبيل المثال إلى الكتابات التالية: ما كتبته دايان سينغرمان عن المشاركة السياسية والتنمية والأسرة والشبكات والسياسات المحلية في مصر (Diane Singerman 1998, 1997, 1996, 1995)، وميرفت حاتم عن الخطابات القومية حول المواطنة والتحديث والدولة والأسرة والتحول الليبرالي في الاقتصاد والسياسة (Mervat Hatem 2001, 1999, 1996, 1995), ولوري براند عن النساء والدولة والتحول الليبرالي في السياسية (Laurie Brand 1998)، وشيلا كارابيكو عن المجتمع المدني في اليمن (Sheila Carapicon 1998)، وسيمونا شاروني عن الجندر والمقاومة النسائية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي (Simona Sharoni 1995)، وآرلين ماكلويد عن النساء العاملات، والموجة الجديدة من الحجاب، والتغيير في القاهرة (Arlene Macleod 1991)، وجانين كلارك عن التحول الديمقراطي والمجتمع المدني (Janine Clark 2000)، وليسا ويدين عن السياسة والبلاغة والرموز في سوريا المعاصرة (Lisa Weeden 1999)، ونهله عبده ورونيت لينتين عن النساء والسياسة في المواجهات العسكرية (Nahla Abdo and Ronit Lentin 2002)، وإليانور دوماتو ومارشا بريبستاين بوسوسني عن النساء والعولمة (Eleanor Doumato and Marsha Pripstein- Posusney 2002)، ودونا لي بوين وإيفيلين ايرلي عن الحياة اليومية في الشرق الأوسط الإسلامي (Donna Lee Bowen and Evelyn Early 1993)، وكتابات أزاده كيان ثيباوت عن النشاط السياسي للنساء في إيران (Azadeh Kian- Thiebaut 2002)، وروكسان إيوبين عن الأصولية الإسلامية وحدود العقلانية الحديثة (Roxanne Euben 1999). وإذا بحثنا فيما يتجاوز العلوم السياسية فسوف نجد عددًا من الأعمال التي كتبتها باحثات نسويات عن السياسة رغم أنهن تخصصن في مجالات أخرى، مثل روضه آن كنعانه التي كتبت دراسة إثنوغرافية من منظور الأنثروبولوجيا الطبية، ونالت عليها جائزة، عن استراتيجيات النساء الفلسطينيات في إسرائيل (Rhoda Ann Kannaneh 2002)، وماري لايون التي كتبت في الأدب المقارن عن حدود الجندر وأزمة القومية (Mary Layoun 2001).
من أكثر الأعمال إثارة للإعجاب، والتي ظهرت في إقليم آسيا والمحيط الهادي في مجال دراسات السياسة والنساء والثقافات الإسلامية، هي تلك التي تقع في داخل إطار العلوم السياسية وتتجاوز حدودها التقليدية وميالة إلى الدراسات البينية فيما يتعلق بالتراث الخطابي للمسلمين. والأعمال المتميزة التي تناولت السياسة والنساء والثقافات الإسلامية أنتجتها نسويات من مختلف التخصصات، وبشكل خاص ممن تخصصن في التاريخ والأنثروبولوجيا والدراسات الدينية والدراسات الإسلامية والدراسات الإقليمية، وتشمل الأعمال الأولى التي قامت بها سارتونو كارتوديردجو عن مشاركة النساء في حركات الاحتجاج والتمرد الفلاحية في منطقة جاوه الريفية (Sartono Kartodirdjo 1973)، والروايات التاريخية المتعددة التي كتبتها برامويديا أناتا توير حول الجندر والاستعمار والوطنية (Primoedya Anata Tour 1957, 1988, 1995 among many)، ونانسي بيلوسو عن التحكم في الموارد والمقاومة في جاوه وبشكل عام في إندونيسيا (Naney Peluso 1992)، وكتابات هندرو سانغكويو عن الشبكات الإدارية وتغلغل الدولة (Hendro Sangkoyo 1998)، ونورما ساليفان عن القيادة والسادة والإداريين وعلاقات الجندر في جاوه الحضرية (Norma Sullivan 1994)، وسوزان بيلي عن القديسين والآلهات والملوك (Susan Bayly 1989)، وأنا غايد عن الدراسة القرآنية في الموسيقى والتلاوة الدينية في إندونيسيا (Anna Gade 2003)، وماساكو إيشي عن النساء المسلمات والتغير الاجتماعي والصراع المسلح في جنوب الفيليبين (Masako Ishii 2000)، وإصدارات مجموعة “الأخوات في الإسلام” ومقرها في مدينة كوالالمبور في ماليزيا، والتي شاركت نوراني عثمان في تأسيسها، وكتاب جوليت كونينغ وأخريات عن النساء والمنزل في إندونيسيا (Juliette Koning 2000). وبشكل أكثر عمومية هناك عديد من الكتاب في جنوب وجنوب شرق آسيا، وهم من الباحثين والممارسين والمثقفين، رجالاً ونساء، ممن لا يجرون خطوطًا جامدة بين ما هو ثقافي وما هو سياسي: ومنهم على سبيل المثال عبد الرحمن وحيد (باحث إسلامي والزعيم السابق للحزب السياسي “نهضة العلماء“، ورئيس إندونيسيا السابق)، برامويديا أنانتا توير (روائية ومؤرخة وشاعرة ومعتقلة سياسية لفترات طويلة وفدائية سابقة في الكفاح القومي)، تشاندرا مظفر (أكاديمية ماليزية وناشطة حقوق إنسان وشخصية ثقافية عامة)، وان عزيزة وان إسماعيل (سياسية ماليزية وزعيمة معارضة ومحللة سياسية وزوجة أنور إبراهيم)، نورتشوليش مجيد (باحثة إندونيسية وشخصية ثقافية عامة)، أزيوماردي أزرا (الرئيسة الإندونيسية لمعهد الدولة للدراسات الإسلامية، IAIN, وشخصية ثقافية عامة)، إمها أينون نجيب (شاعرة وكاتبة وناشطة سياسية)، وردة حافظ (نسوية وباحثة ومديرة “تحالف فقراء الحضر” في جاكارتا)، نورشاهباني كاتجاسونغكانا (محامية ونسوية وباحثة قانونية)، غويناوان محمد (شخصية ثقافية عامة وشاعرة وباحثة)، سيزار ماجول (باحث إسلامي من الفيليبين والعميد السابق لجامعة الفيليبين وناشط حقوق المسلمين)، محمد محبة خان (أستاذ العلوم السياسية والإدارة العامة وعضو لجنة الخدمة العامة في بنغلاديش) وغيرهم كثيرون.
وإذا انتقلنا إلى المتخصصين والمتخصصات في العلوم السياسية بالمعني الدقيق للكلمة، أي هؤلاء الذين تلقوا تعليمهم في العلوم السياسية وكتبوا عن السياسة والنساء والثقافات الإسلامية في إقليم آسيا والمحيط الهادي فإن الصورة سوف تكون أكثر محدودية. هناك عدد قليل من الباحثين والباحثات وخاصة ممن قدموا مساهمات هامة وأثروا ليس فقط على مجال تخصصهم الإقليمي (جنوب شرق آسيا) وإنما أيضًا على أقاليم وتخصصات أخرى، مثل جيمس سكوت (James Scott 1998, 1985), وبينيديكت أندرسون (Benedict Anderson 1972, 1983, 1998). لكن، ورغم أنهما قاما بأعمالهما الميدانية في مجتمعات إسلامية بدرجة كبيرة، في كل من ماليزيا وإندونيسيا على التوالي، إلا أن الباحثين تعرضا للنقد بسبب قلة اهتمامهما بالإسلام كقوة دينية واجتماعية طاردة (أنظري / أنظر على سبيل المثال نقد ليلى أبولغد لأعمال سكوت، ونقد كل من هيفنر وهورفاتيتش لأعمال أندرسون: Lila Abu- Lughod 1990, Hefner and Horvatich 1997 ). وهناك عرض نظري مفيد للفروق الجذرية بين الأفكار عن السلطة في العلوم الاجتماعية الأوروبية والأمريكية الحديثة والأفكار عن السلطة في الثقافات السياسية في إندونيسيا، وذلك في مقال بينيديكت أندرسون عن فكرة السلطة في ثقافة جاوه (Benedict Anderson, The Idea of Power in Javanese Culture). والمقال به بعض الإشكاليات، منها مقاربته “الثقافية” المحلية/ القومية التي تؤكد على “الخصوصية الفريدة” لثقافة جاوه، وافتقاد المقال إلى الملاحظات العميقة، وإهماله أبعادًا وسبل التعبير عن السلطة الأنثوية، وتهميشه للإسلام كقوة طاردة قوية (Hefiner and Horvatich 1997). ومع ذلك، ورغم تلك العيوب، إلا أن علماء السياسة من غير المتخصصين في جنوب شرق آسيا يستمرون في الإشارة إليه كمصدر موثوق فيما يتعلق بموضوع السلطة، وذلك لأن المحاولات الأخرى لتجاوزه لم تنجح في تقديم تحليل أكثر إقناعًا وعمقًا لموضوع السلطة. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، من المهم أن نتذكر وجود أفكار عن السلطة، كما يصفها أندرسون “مستقلة تمامًا عن منظور العلوم السياسية الحديثة بل وفي كثير من الأحيان معارضة لها جذريًا (Anderson 1972). وهو تذكير هام للنسويات بضرورة صياغة تحليل للسلطة أكثر تعددية وبعيد عن التعميم. ورغم افتقاد هؤلاء المنظرين السياسيين الذكور إلى تحليل متعمق للجندر وإلى تحليل أكثر تعقيدًا للثقافات الإسلامية، إلا أن النسويات العاملات في مجال خطابات السلطة والنظرية السياسية استعرن منهم وتأثرن كثيرًا بتحليلاتهم النظرية.
يسود في مجال العلوم السياسية توجه أساسي فيما يخص المناهج المستخدمة، ألا وهو تفصيل العقلانية العلمانية في إنتاج النظريات حول السلطة والحكم والحركات الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، نجد في الأدبيات الصادرة حديثًا عن الإسلام في جنود الفيليبين وجنوب تايلاند أن جميع الدراسات تقريبًا، التي تعتبر في صدارة ما هو مكتوب في هذا المجال، لا تقول الكثير عن الإسلام كممارسة دينية واجتماعية وإنما تميل إلى التركيز على السياسة كجوهر للدين (أنظري/ أنظر على سبيل المثال: Collier 2002, Abinales 2000, McKenna 1998, Danguilan-Vitug and Gloria 2000, Che Man 1990). وأغلب تلك الدراسات لا تقول شيئًا أو تقول القليل عن النساء أو سياسات الجندر، باستثناء رسالة دكتوراه حديثة في العلاقات الدولية كتبتها باحثة يابانية هي ماساكو إيشيي (Masako Ishii 2000). وبين الأعمال الحديثة عن إندونيسيا الصادرة عن باحثات وباحثين مقيمين في أوروبا وأمريكا، تركز غالبية الدراسات على ذلك المجتمع الإسلامي المتشدد، باستثناء عالمي الأنثروبولوجيا جيمس سيغل (James Siegel 1969, 1979) وجون بوين (John Bowen 1991, 1993, 1998) حيث يسود أعمالهما تناول الإسلام باعتباره حركة سياسية (أنظري/ أنظر على سبيل المثال: Hefner 2000, Aspinall 2001, Kell 1995, Morris 1983, 1985, Van Dijk 1981, Emmerson 1976, 1999). وحتى الجيل الأخير من رسائل الدكتوراه المستكملة حديثًا ومن طالبات وطلاب الدراسات العليا ممن يتخصصون في أقسام العلوم السياسية ومن العاملين في مجال جنوب شرق آسيا نجدهم يميلون إلى الاستمرار في نفس المنظومة (أنظري/ أنظر مثلاً: Jacques Bertrand 2002, 2000, Ed Aspinall 2001, Suzaina Kadir 1999). فعلى سبيل المثال، غالبية رسائل الدكتوراه التي تناولت الإسلام في إندونيسيا بحثت في الحركات السياسية الإسلامية، مثل “نهضة العلماء” و“إندونيسيا المسلمة” و“المحمدية“، أو في تاريخ المعارضة السياسية الإسلامية. والعديد من ورشات العمل العاملة في المجال، والتي تم تنظيمها من قبل مجلس بحوث العلوم الاجتماعية أو جمعية الدراسات الآسيوية أو مشروع كورنيل لإندونيسيا الحديثة، أشارت إلى أن الدراسات الميدانية التي تتناول الدين والأدب والثقافة والفنون منذ نهاية الحرب الباردة، على الأقل في أمريكا الشمالية، كانت ضمن أقل الأبحاث حظًا، سواء من حيث التمويل وعدد طلاب الدكتوراه، على حين أن الأبحاث الموجهة من قبل السياسات والمصالح الوطنية والأمن العالمي في مجالات الاقتصاد والعلوم السياسية عادة ما تحصل على غالبية التمويل بسبب المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية لهيئات التمويل الحكومي وغير الحكومي. وفي هذه اللحظة التاريخية ببدو أن موضوعات مثل آليات وإدارة الصراع ودراسات الأمن العالمي وسيل فض الصراع ودراسات السلام وحقوق الإنسان وإدارة التنمية هي الأكثر انتشارًا وشعبية.
أما نقطة الضعف الأخرى المتعلقة بالمنهج تتمثل في التهميش والتكتل المستمر في داخل مجال العلوم السياسية لدراسات النساء والجندر (باستثناء النظرية النسوية ضمن مجال النظرية السياسية). حيث قد يؤكد بعض المتخصصين في العلوم السياسية أن “دراسات الجندر أصبحت موضوعًا مقبولاً بدرجة ما كموضوع للبحث، وأنه قد شاع استخدام الجندر أو مناقشته كفئة تحليلية حتى في الدوائر الرئيسية من العلوم السياسية (Singerman, personal correspondence 2003)، لكن الباحثة ج. آن تيكنر في كلية العلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا، حين طلب منها إبداء رأيها في فرع النظرية النسوية داخل مجال العلاقات الدولية كتبت قائلة: “حين طلب مني أن أكتب أفكاري كان أول ما طرأ على ذهني هو صعوبة التناول النقدي لمثل هذا التخصص الشاب. فرغم وجود اختلافات فيما بين نسويات العلاقات الدولية، إلا أن الانخراط في النقد الذاتي بدا لي أمرًا سابقًا لأوانه حيث أن المقاربات النسوية لا تزال تناضل من أجل أن تجد من يستمع إليها في مجال لم يكن حتى الآن مفتوحًا أمام مقاربات الجندر” (Tickner 2002).وقد تردد هذا النقد في تأملات نسويات أخريات في مجال العلاقات الدولية ممن نشرت أعمالهن في كتاب هارفي وبريتشر (Harvey and Brecher 2002)، بما فيهن كريستين سيلفستر، ماريشيا زاليفسكي، ف. سبايك بيترسون، ل. هـ .. م. لينغ، جان جيندي بيتمان (Christine Sylvester, Marysia Zalewski, V. Spike Peterson, L. H. M. Ling, and Jan Jingy Pettman).
ومن المثير للاهتمام أنه حتى روث ماكفيي، التي قدمت واحدًا من أغنى وأعمق التحليلات الفكرية للإسلام في جنوب شرق آسيا والتي كانت واحدة من النساء القليلات من جيلها اللاتي فتحن مجالاً جديدًا في العلوم السياسية وفي دراسات جنوب شرق آسيا، لم يكن لديها الكثير لتقوله عن النساء أو علاقات الجندر. إن غالبية تحليلات العلوم السياسية لديها الكثير لتقوله عن العلاقات العرقية والعلاقات الطبقية وعلاقات التراثية الهرمية الاجتماعية الأخرى، لكنها نادرًا ما تتناول علاقات الجندر. ومن ناحية أخرى فإن المتخصصات والمتخصصين في العلوم السياسية الذين يقدمون تقارير غاية في الرقي عن التحليل النسوي للسلطة، والذين بدلوا التخصص بشكل راديكالي من خلال النقد القوي للتناول التقليدي للعلاقات الدولية والنظرية السياسية والقانون الدولي والاقتصاد العالمي، يميلون إلى تفضيل منظور عقلاني علماني يعير قليلاً من الاهتمام إلى دور الدين والاستعمار وآثار ما بعد الاستعمار كعوامل تأثير قوية. (ومن بينهم: Cynthia Enloe 1989, 1999, 2000; Carole Pateman 1989, 1996; Wendy Brown 1988, 1995, 2002; Jennifer Nedelsky 1990; Nancy Fraser 1989, 1994, 1998, Seyla Benhabib 2000, 2002; Anne Norton 1986, 1988, 1993; Christine Sylvester 2001; V. Spike Peterson 1992; Rebecca Cook 1994).
وطبقًا لما ورد في عدد خاص من مجلة علامات (Signs) عن “السياسة العالمية والنساء وبناء السلام” والذي قامت عليه باحثات العلوم السياسية كارول بيتمان وج. آن. تيكنر وجوديث ستيم (Carole Pateman, J. Ann Tickner, and Judith Stichm)، هناك مجالات أقل تطورًا في النظرية النسوية تخضع تقليديًا لهيمنة الذكور وهي “تجارة السلاح العالمية، وإعادة تعريف الأمن، وصنع السلام، وبناء السلام، وحفظ السلام، وتفتيت الدول وإعادة البناء الديمقراطي للمجتمعات والحكومات، ومسائل قضايا الجندر في تدخلات الهيئات العالمية حكومية وغير حكومية في مناطق النزاعات. “ومن المثير للاهتمام في هذه اللحظة التاريخية، وفي ضوء أحداث ۱۱ سبتمبر ۲۰۰۱ وتفجيرات بالي في أكتوبر ۲۰۰۲، فإن الأماكن التي تثير أسئلة مليئة بالتحديات بخصوص تلك القضايا هي أماكن تقع في أقاليم ذات نسبة عالية من السكان المسلمين.
أصبحت الدراسات المقارنة في الجندر والمجتمعات الإسلامية مجالاً متناميًا ومبدعًا. وحيث أن الأطر النسوية للدراسات المتعلقة بالجندر والمجتمعات الإسلامية تكون في العادة متأثرة بالأبحاث التي تتناول العالم العربي على وجه الخصوص، فإن الحديث عن نظام مختلف وأكثر مساواة في مجال الجندر في أماكن مثل إقليم آتشبه في سومطره ومناطق أخرى من آسيا يبدو وكأنه يمضي “عكس تيار” الفرضيات التقليدية فيما يخص النساء المسلمات (Scars 1996, Ong and Peletz 1995, Brenner 1998, Blackwood 1995, Whalley 1993, Tanner 1974, Siegel 1969, Siapno 2002, Elliston 1997). ورغم أن جنوب شرق آسيا هو الإقليم الذي يضم أضخم كتلة من السكان المسلمين في العالم، إلا أنه لم يتم تناوله بعد في الأعمال التي تتناول العالم الإسلامي والتي تركز بالأساس على البلدان الإسلامية “المركزية“، ألا وهي الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا (أنظري/ أنظر مثلاً: Abu- Lughad 1998. Tohidi and Bodman 1998, Afkhami 1995. Afkhami and Friedl 1997, Kandiyoti 1991, Fernea and Bezirgar 1977, Beck and Keddie 1978).وفي مجال دراسات جنوب شرق آسيا، قد يكون تهميش الإسلام والجندر هو نتيجة لأن بعض البحوث النسوية في إندونيسيا، خاصة من ذلك النوع الذي يتبنى النموذج العقلاني العلماني الغربي، لم تكن على استعداد للاشتباك مع الإسلام وجوانب من التراث الخطابي الإسلامي. وبعض الأعمال غير التقليدية عن النساء والثقافات الإسلامية في مجموعة جزر الملايو وإندونيسيا لم تقم بها نسويات وإنما باحثون رجال يكتبون عن الحياة الجنسية والرجولة (على سبيل المثال لا الحصر: Benedict Anderson, “The Happy, Sexy, Indonesian Married Woman as Transexual” 1996; James Siegel. The Rope of God 1969 and “Curing Rites, Dreams, and domestic Politics In a Sumatran Society” 1978; Merle Ricklerfs’s writings on Ratu Pakubuwana in 1998 and in EWIC, vol.1; Henk Maier. “The Laughter of Kemala al- Arifin: The Tale of the Bearded Civet Cat” 1991; and Chandra Jayawardana, “Women and Kinship in Acheh Besar, Northern Sumatra” 1977).
وهناك عديد من الأعمال النظرية الجيدة عن النساء ودراسات الجندر في الثقافات الإسلامية في جنوب شرق آسيا، وقد كتبت في الأغلب بواسطة متخصصات في الأنثروبولوجيا (مثل: Laurie Scars 1996, Aihwa Ong 1987, Mary Steedly 1993, and Anna Tsing 1993). لكن، ورغم حدة ذكاء تحليلاتهن للنساء والجندر، إلا أن فهمهن للتراث الخطابي الإسلامي هو فهم محدود للغاية. ومن المثير للاهتمام أن تكون أعمال الباحثات النسويات في استراليا، وهي الأكثر قربا من إندونيسيا، أكثر عمقاً في تناولهن لدراسة النساء في الثقافات الإسلامية عن نظيراتهن في أمريكا الشمالية، وقد يكون ذلك بسبب التحول في المنظور نتيجة للنقلة الجغرافية عبر القارات. (أنظري/ أنظر على سبيل المثال كتابات كل من: Kathy Robinson, Virginia Matheson- Hooker, Susan Blackburn, and Barbara Hatley، وكلهن مشاركات بالكتابة في هذه الموسوعة).
هناك عدد من المجموعات المختلفة في داخل الجدال الدائر حول علاقات الجندر في المجتمعات المسلمة. وهناك معسكران على وجه الخصوص ينتجان تأويلات متنازعة، يضم المعسكر الأول الباحثات النسويات المسلمات اللاتي يعرضن فهمًا متعاطفًا، بل يكاد أن يكون اعتذاريًا، عن النساء في المجتمعات الإسلامية. وفي رد فعل قوي لما يعتبرنه موجات استعمارية من النسوية الغربية (الأوروبية والأمريكية) ومن العالم الأول، تميل هؤلاء النسويات إلى القول بأن الإسلام لا يضطهد النساء. وقد تم التعبير عن هذا الموقف أثناء مؤتمر الأمم المتحدة حول المرأة في بكين عام 1995، حين بدا وكأن النساء الأفريقيات المسلمات يلجأن إلى الإسلام لمقاومة “هيمنة الغرب” حيث أصبحت النسوية الغربية هي أقوى رموز الهيمنة الغربية. أما المعسكر الثاني فيتكون من الناشطات النسويات المسلمات في العالم الثالث ومن بينهن من تعرضن شخصيًا للاستهداف من قبل الأصوليين الإسلاميين، فدعاة حقوق الإنسان، والمحاميات والمحامون المطالبون بحقوق النساء، يواجهون يوميًا بانتهاكات حقوق النساء باسم الإسلام، على سبيل المثال: هينا جيلاني وأسما جاهانغير من باكستان، والنساء اللاتي يكتبن بصوت نسوي راديكالي عن تحيز الإسلام ضد النساء وعن اضطهاد النساء باسم الله، تسليمه نسرين في بنغلاديش، نوال السعداوي في مصر، فاطمة مرنيسي في المغرب، وردة حافظ ونورشاهباني كاتجاسونغكانا في إندونيسيا، الراحلة فوروغ فاروقزاد وكتاباتها عن إيران، والباحثات وناشطات حقوق الإنسان اللاتي يكتبن في إصدارات منظمة النساء في ظل القوانين الإسلامية، والنسويات الإندونيسيات مثل وردة حافظ وليس ماركوس ناتسير في جمعية تنمية الريف والمجتمع (P3M)، وشخصيات ثقافية أخرى من منظمة جارينغان للإسلام الليبرالي. إن هؤلاء النسويات المسلمات لا يقدمن أية تنازلات بشأن إدانتهن للتحيز ضد النساء في تفسير القرآن الذي يقوم به رجال الصفوة السياسية والدينية، أو في النزعة التقليدية البائدة والتعريف والتطبيق الجامدين لقوانين الشريعة، وما أدى إليه ذلك كله من إخضاع النساء.
إن النسويات المسلمات في إندونيسيا، واللاتي تبنين التزامًا سياسية قويًا نحو تنظيم الجماهير في مواجهة ظروف العمل الاستغلالية، خاصة فيما يتعلق بوضع النساء العاملات، أنتجن نقدًا شديدًا للحركات المعاصرة التي تستهدف إعادة إحياء الإسلام (على سبيل المثال: (Chusnul Mariah 1998, Lies Marcoes Natsir 2002, 1998 ). وتقول وردة حافظ، مديرة تحالف فقراء الحضر في جاكارتا:
العلاقات بين النساء والرجال هو أحد المجالات التي يتم تجنبها في الأغلب باسم التغيير في حركة الإحياء الإسلامي، لأن التغييرات في هذا المجال سوف تمس مصالح الذكور الفردية والاجتماعية. لذلك، فإن المجتمع الإسلامي في إندونيسيا، والذي لا يزال يسوده إلى حد كبير الرجال، هو مجتمع منشغل بالتغيير وأكثر استعدادًا لإحداث تغييرات، بل وتغييرات جذرية، في النظم الاقتصادية والسياسية. لكن حين يتعلق الأمر بعلاقات الجندر، فإنهم يرغبون في الحفاظ على الوضع القائم من خلال مختلف التبريرات الدينية المنتزعة من سياقها التاريخي” (Hafidz 1993, 41).
إن الجدل حول النساء في المجتمعات الإسلامية مستمر منذ بعض الوقت. وتتناول بعض عالمات الدين والنسويات هذا الموضوع على مستوى “الفلسفة البحتة” للقرآن ويتساءلن بشأن شرعية الشريعة والحديث بممارسة “الاجتهاد“. ويعرف محمد إقبال الاجتهاد على أنه مبدأ الحركة في بنية الإسلام: فمن منطلق القانون الإسلامي يعني بذل الجهد لتكوين حكم مستقل بشأن مسألة قانونية. وهذه الفكرة … لها أصولها في آية معروفة من القرآن (Iqbal 1986, 117).
إن غالبية الدراسات الحالية في الثقافات الإسلامية، وخاصة في ضوء أحداث 11 سبتمبر وتفجيرات بالي وتبعات “الحرب على الإرهاب“، تميل إلى إعادة إنتاج خطاب يتناول الطابع الأصولي الانحيازي للإسلام والفرضية القائلة بأن الإسلام سلطوي في أساسه. وفيما يتعلق بدراسات الجندر في الثقافات الإسلامية كان تأثير ذلك سلبيًا إلى حد كبير: حيث أدى إلى تأكيد للفزع الشعبي التقليدي من القانون الإسلامي باعتباره أكثر قمعًا للنساء من القانون العلماني. وعلى العكس من ذلك نجد باحثين مثل جيمس سيغل ودانيال ليف وجون بوين (James Siegel 1969, Daniel Lev 1972, John Bowen 1998) الذين أوضحوا من خلال الكتابة عن السياق الإندونيسي أن قانون الأسرة الإندونيسي أكثر مساواة وأكثر دعمًا لحقوق النساء خاصة في مجالات الميراث والطلاق. وهناك كم كبير من الأدبيات التي تؤكد على أن النساء في إندونيسيا، بل وفي جزر جنوب شرق آسيا بشكل عام، يتمتعن بوضع أرقى من النساء في جنوب آسيا ومجتمعات إسلامية أخرى. ونجد أن دانيال ليف، وهو عالم سياسي قام بأبحاث مكثفة عن المحاكم الإسلامية في إندونيسيا، يفسر ذلك بما يلي:
لقد كان قانون الأسرة الإسلامي في إندونيسيا ولفترة طويلة هو أكثر القوانين ليبرالية في العالم الإسلامي. فعقود الزواج مرنة ومفصلة، وذلك بفضل الضغوط والنصائح التي قدمتها المنظمات النسائية في العقود الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك فإن المكاتب والمحاكم الدينية كانت متعاطفة مع النساء اللاتي يعشن تجارب زواج سيئة … إن التعامل المتحرر نسبيًا مع هموم النساء في المحاكم الدينية هو في حد ذاته دليل على موقف وتأثير النساء في الكثير من أرجاء إندونيسيا (Lev 1996, 193- 194).
إن الجدل الدائر حول الجندر والقانون الإسلامي في السياق الأكبر في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي الأوسع هو جدل معقد، ومع ذلك فإن التحليلات لا تتوقف عن إعادة إنتاج فرضيات شديدة التبسيط، تقول بأن القانون العلماني والحداثة هما أكثر تحريرًا للنساء. ويقول طلال أسد بأسلوب مقنع في نقدم للخطاب السائد عن طابع الأصولية المنحازة في الإسلام:
إن الأيديولوجيات الإسلامية الدينية والقانونية والسياسية ليس لها دلالة أصولية تشكل عقول المؤمنين بها بأسلوب يمكن التنبؤ به. بل هي جزء من مؤسسات متغيرة ومن خطابات يمكن أن تكون، وفي كثير من الأحوال تكون بالفعل، محل معارضة وإعادة تفسير. ولكي نفهم الحدود السلطوية لتلك المعارضات يجب أن نركز على الخطابات الدينية وسط ظروف تاريخية معينة لا في إطار أيديولوجية إسلامية أصولية مفترضة. لأن طريقة إعادة إنتاج “كلمة الله” والوضع (السياسي) الذي تخاطبه هما اللذان يحددان معًا مدى قوتها، لا الأشكال الحرفية واللغوية النص المقدس منتزعًا من سياقه (Asad 1980, 465).
في العلوم السياسية والحكم، خاصة في المجالات الفرعية من النظرية السياسية، الإدارة العامة والسياسة العامة، وبدرجة أقل في السياسة المقارنة والعلاقات الدولية، يدور تركيز البحث حول الموضوعات ذات طابع السردية العظمى (meta-narrative) والتي تميل إلى تعميم الأفكار المجردة مثل الحكم (المحلي والوطني والعالمي)، والنظريات حول الدول الضعيفة والقوية والأنواع المختلفة من نظم الدولة (على سبيل المثال: الدولة الاستعمارية، الاشتراكية، الرأسمالية، الإسلامية)، وبناء الدولة القومية، والنزعة القومية، وبناء المؤسسات، والإدارة العامة، وإدارة التنمية، والدراسات الأمنية، والعسكرة، والمشاركة السياسية، والفساد، والإصلاح، والسلطة، والثورات والحركات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية (مثل العرق، الطبقة، الجندر) وموضوعات أخرى ذات الصلة. لكن طالما أننا لا تناول حالات “الغياب” أو “النقص” أو “التهميش في تلك العملية فإن الأرجح أن القليل يمكن أن يقال أو يعرف عن غالبية النساء الفقيرات في المجال العام وفي القطاع الرسمي من السياسة الذي يتكون في أغلبه من الذكور ويهيمن عليه الذكور. أو في أحسن الأحوال سوف تواجهنا “الصعوبة الخاصة المتمثلة في عدم استرجاع سوى أصوات نساء الطبقة الوسطى ونساء النخبة عند دراسة القضايا الوطنية” (Abu- Lughod 1998, 24).وفي هذا الصدد نجد أن أعمال الباحثات النسويات الأقدم والباحثات الأكثر شبابًا تفتح مجالات جديدة (أنظري/ أنظر على سبيل المثال: Kenaaneh 1995, Jad 1995, Hatem 1999, Sharoni 1995, Harders 2002, Carapico 1998, Brand 1998).
والأرجح أن المتخصصين والمتخصصات في العلوم السياسية، وتحديدًا من داخل فرع النظرية السياسية، والذين نادرًا ما يقومون بأعمال ميدالية إثنوغرافية ويعتمدون بالأساس على المصادر المطبوعة، خاصة الوثائق الرسمية، لن تتاح لهم فرصة الالتقاء بأفكار وأنشطة وأدوار النساء في المجتمعات التابعة أو التعرف على فاعليتهن السياسية. إن ثقافة الأبوية الكلاسيكية هي ثقافة قوية في مجال الأدبيات المطبوعة، أما التخصصات الفرعية من سياسة مقارنة أو علاقات دولية فيبدو أنها واعدة بدرجة أكبر في تناولها للنساء والثقافات الإسلامية وذلك نتيجة لانفتاحها على التناول من منطلق المقاربات عبر التخصصات، مثل دراسات ما بعد الكولونيالية وما بعد الحداثة والدراسات الإسلامية ودراسات النساء والجندر، وكذلك لما تتمتع به هذه التخصصات من طابع إبداعي في استخدام المصادر بما في ذلك التراث الشفهي. تقول فرزانه ميلاني، وهي باحثة إيرانية في الأدب المقارن، إذ تكتب عن أوجه التوازي بين إسكات صوت النساء في الحيز العام وحجاب أجساد النساء قائلة: “تعيش النساء عزلتهن ليس مجازيًا وغيبيا فحسب وإنما أيضًا على مستوى المكان والجسد والكلمة، في عزلتهن الاجتماعية والثقافية والصمت المفروض عليهن” (Milani 1991, 7). كما يمكن أن نضيف أنهن يعشنها أيضًا من خلال انغلاق الباحث غير القادر على قراءة أوجه حضورهن.
وفي مواجهة تحدي العلوم السياسية الرسمية المستندة إلى الاختيار العقلاني وتحليلات الإعلام التقليدي للثقافات الإسلامية، والتي تميل بعضها إلى العنصرية وكراهية الأجانب، والأحكام المسبقة المعادية للمسلمين، أو حتى الآليات الأقل وضوحًا المتمثلة في الانغلاق والتشيؤ في المجال الأكاديمي، يبرز أمل واضح يتمثل في المقاربات المنهجية المتنوعة للباحثين والممارسين والمؤرخين الإسلاميين والقيادات الدينية والإداريون الفلاسفة، رجالاً ونساء، في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، الذين لا يبالغون في تفضيلهم للنظرية السياسة المتمركزة في أوروبا وأمريكا. وحيث أن هؤلاء الباحثات والباحثين الممارسين كانوا بشخصهم بشكل أو بآخر منخرطين في الحكم والسياسة العملية والممارسة على أرض الواقع فإن إدراكهم العميق للمنظومات التقليدية الخاصة بسياسات السيد – العميل، والفساد، والحكم والتعقيد، يجعلهم أكثر تنوعًا وحساسية على المستوى الفكري، وأكثر راديكالية في تعدد معرفتهم اللغوية والثقافية، والأقدر على خلق مساحات متعددة تتيح مواجهة الحكمة الموروثة مواجهة راديكالية. ومن منطلق صراعهم لخلق التوازن بين النظرية والتطبيق، والمعرفة والالتزام، ومع إقامتهم في بلاد العالم الثالث، نراهم يؤكدون على أن الأكاديميين الغربيين لا يملكون اليد العليا الأخلاقية في التنظير حول الأخلاقيات السياسية وعمليات التحول الديموقراطي والشفافية والمحاسبة (وإن كانوا كثيرًا ما يتصرفون وكأنهم يملكون هذا الحق). إن المثقفات من الشخصيات العامة في جنوب شرق آسيا اللاتي يأخذن دور الدين ونظم الاعتقاد المحلية مأخذ الجد هن مثال على هؤلاء الباحثين في كل من إندونيسيا والفيليبين وماليزيا وبورما وبنغلاديش (نورشاهباني كاتجاسونغكانا، وردة حافظ، سيلفيا تيوون، ماريتيس دانغويلان فيتوغ، شیلا کورونيل، وان عزيزة وان إسماعيل، أونج سان سوو كيي)، ومن بينهم أيضًا هناك شخصيات عامة ثقافية من الذكور الحساسين لقضايا الجندر مثل تشاندرا مظفر، ونور تشوليش مجيد، وأزيوماردي أزرا، ومحمد شافي أنور، ومحمد محبة خان، وكثيرين غيرهم. وعلى الأقل بالنسبة لإقليم جنوب شرق آسيا يمكن القول بأن تحليلاتهم النظرية التي تفتح مجالات جديدة في تحليل السياسة والحكم هي من الناحية الفكرية أكثر عمقًا وأقل تبسيطًا من الأعمال التي ينتجها الباحثون والباحثات في العلوم السياسية ممن يميلون إلى العمل أساساً من داخل المنظومات الأوروبية والأمريكية.
أود أن أشكر ديان سينغرمان وميرل ريكلفس وسعاد جوزيف على تعليقاتهن النقدية على هذه المداخلة.
P. Abinales, Making Mindanao. Cotabato and Davao in the formation of the Philippine nation-state, Quezon City 2000.
B. Anderson, The idea of power in Javanese culture in Claire Holt (ed.), Culture and politics in Indonesia, Ithaca, N.Y. 1972, 1–69.
——, The happy, sexy, Indonesian married woman as transexual, in Laurie Sears (ed.), Fantasizing the feminine in Indonesia, Durham, N.C. 1996, 271–94.
T. Asad, Ideology, class and the origin of the Islamic state, in Economy and Society 9:4 (1980), 450–73.
E. Aspinall, Modernity, history and ethnicity. Indonesian and Acehnese nationalism in conflict, in Review of Indonesian
and Malaysian Affairs 36:1 (2001), 3–33.
S. Bayly, Saints, goddesses, and kings. Muslims and Christians in South Indian society, 1700–1900, Cambridge 1989.
L. Brand, Women, the state, and political liberalization. Middle Eastern and North African experiences, New York 1998.
D. L. Bowen, and E. A. Early (eds.), Everyday life in the Muslim Middle East, Bloomington, Ind. 1993.
J. R. Bowen, Qur’an, justice, gender. Internal debates in Indonesian Islamic jurisprudence, in History of Religions 38:1 (1998), 52–78.
S. Carapico, Civil society in Yemen. The political economy of activism in modern Arabia, Cambridge 1998.
W. K. Che Man, Muslim separatism. The Moros of southern Philippines and the Malays of southern Thailand, Singapore 1990.
J. A. Clark and R. B. Kleinberg (eds.), Economic liberalization, democratization and civil society in the developing world, Basingstoke 2000.
K. Collier, The Bangsamoro “revolution.” Class and factional dynamics of an ethnonationalist struggle, in The dynamics
and management of internal conflicts in Asia, East-West Center Papers (forthcoming).
E. A. Doumato and M. Pripstein-Posusney (eds.), Women and globalization in the Arab Middle East. Gender, economy, and society, Boulder, Colo. 2002.
D. A. Elliston, “Engendering nationalism. Colonialism, sex, and independence in French Polynesia,” Ph.D. diss., New York University 1997.
C. Enloe, Maneuvers. The international politics of militarizing women’s lives, Berkeley 2000.
R. Euben, Enemy in the mirror. Islamic fundamentalism and the limits of modern rationalism, Princeton, N.J. 1999.
A. Gade, Perfection makes practice. Learning, emotion and the recited Qur’an in Indonesia, Honolulu 2003.
W. Hafidz, Misogyny dalam fundamentalisme Islam, in Jurnal Ulumul Qur’an (1993), 38–41.
S. Hale, Gender politics in Sudan. Islamism, socialism, and the state, Boulder, Colo. 1996.
F. P. Harvey and M. Brecher (eds.), Critical perspectives in international studies. Millennial reflections on international studies, Ann Arbor 2002.
M. Hatem, The microdynamics of patriarchal change in Egypt and the development of an alternative discourse on mother-
daughter relations. The case of A’isha Taymur, in S. Joseph (ed.), Intimate selving, Boulder, Colo. 1999, 191–208.
R. Hefner, Civil Islam, Muslims, and democratization in Indonesia, Princeton, N.J. 2000.
R. Hefner and P. Horvatich (eds.), Islam in an era of nation-states. Politics and religious renewal in Muslim Southeast Asia, Honolulu 1997.
M. Iqbal, The reconstruction of religious thought in Islam, Lahore 1986.
M. Ishii, Stories of Muslim women in the Philippines. Armed conflict, development and social change, Tokyo 2000.
I. Jad, Claiming feminism, claiming nationalism. Women’s activism in the Occupied Territories, in A. Basu (ed.), The
challenge of local feminisms, Boulder, Colo. 1995, 226–48.
C. Jayawardena, Women and kinship in Acheh Besar, Northern Sumatra, in Ethnology 16:1 (January 1977), 21–38.
S. Kadir, The Islamic factor in Indonesia’s political transition, in Asian Journal of Political Science 7:2 (1999), 21–44.
R. A. Kanaaneh, Birthing the nation. Strategies of Palestinian women in Israel, Berkeley 2002.
T. Kell, The roots of the Acehnese rebellion, 1989–1992, Ithaca, N.Y. 1995.
M. M. Khan, Problems of democracy. Administrative reform and corruption, in BIISS Journal 22:1 (2001), 1–24.
J. Koning, R. Saptari, M. Nolten, and J. Rodenburg (eds.), Women and households in Indonesia. Cultural notions and social practices, Richmond, Surrey 2000.
D. Lev, Islamic courts in Indonesia, Berkeley 1972.
T. McKenna, Muslim rulers and rebels. Everyday politics and armed separatism in the southern Philippines, Berkeley 1998.
A. E. Macleod, Accommodating protest. Working women, the new veiling, and change in Cairo, New York 1991.
R. McVey, Islam Explained, in Pacific Affairs 54:2 (1981), 260–87.
L. Marcoes-Natsir, Ketika Kain Batik Menjadi Mukena, in Jaringan Islam Liberal, 10 November 2002, at <www.Islamlib.com>.
F. Milani, Veils and words. The emerging voices of Iranian women writers, Syracuse, N.Y. 1992.
V. S. Peterson (ed.), Gendered states. Feminist revisions of international relations theory, Boulder, Colo. 1992.
A. Reid, The blood of the people. Revolution and the end of traditional rule in Northern Sumatra, Kuala Lumpur 1979.
M. Ricklefs, The seen and unseen worlds in Java: 1726–1749. History, literature and Islam in the Court of Pakubuwana II, Honolulu 1998.
J. C. Scott, Weapons of the weak. Everyday forms of peasant resistance, New Haven, Conn. 1985.
——, Seeing like a state. How certain schemes to improve the human condition have failed, New Haven, Conn. 1998.
L. Sears (ed.), Fantasizing the feminine in Indonesia, Durham, N.C. 1996.
S. Sharoni, Gender and the Israeli-Palestinian conflict. The politics of women’s resistance, Syracuse, N.Y. 1995.
J. Siapno, Gender, Islam, nationalism and the state in Aceh. The paradox of power, co-optation and resistance, New York 2002.
J. Siegel, The Rope of God, Berkeley 1969.
——, Curing rites, dreams, and domestic politics in a Sumatran society, in Glyph (1978), 18–31.
D. Singerman, Avenues of participation. Family, politics, and networks in urban quarters of Cairo, Princeton, N.J. 1995.
N. Sullivan, Masters and managers. A study of gender relations in urban Java, St. Leonards, N.S.W. 1994.
C. Sylvester, Feminist international relations. An unfinished journey, Cambridge 2001
M. A. Tétreault and S. Ranchod-Nillson (eds.), Women, states and nationalism. At home in the nation? New York 2000.
J. A. Tickner, Feminist theory and gender studies. Reflections for the millennium, in F. P. Harvey and M. Brecher (eds.),
Critical perspectives in international studies. Millennial reflections on international studies, Ann Arbor 2002, 321–9.
M. D. Vitug and G. M. Gloria, Under the crescent moon. Rebellion in Mindanao, Quezon City 2000.
L. Weeden, Ambiguities of domination. Politics, rhetoric, and symbols in contemporary Syria, Chicago 1999.
Q. Wictorowicz, The management of Islamic activism. Salafis, the Muslim Brotherhood, and state power in Jordan, New York 2001.