قرنان يطيح بهما القانون
ليس مصطلح العمل الأهلي بدعة ولا موضة جديدة وافدة على مجتمعنا من كواكب أو قارات مجهولة، فقد عرفت مصر العمل الأهلي بكل ما يحمل من معان ودلالات، منذ أوائل القرن التاسع عشر، حيث نشأت أول جمعية أهلية عام ١٨٢١، وهي الجمعية اليونانية بالإسكندرية وتوالي بعدها إنشاء الجمعيات الثقافية، مثل: جمعية معهد مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859 وجمعية المعارف عام 1868 والجمعية الجغرافية عام ۱۸۷۸ وجمعية المساعي الخيرية القبطية عام ١٨٨١.
وقد نشأت الجمعيات الأهلية كاحتياج موضوعي للتعبير، عن واقع بدأ فيه طرح رؤي حول الهوية المصرية، والإصلاح الاجتماعي، وامتدت أنشطة الجمعيات الأهلية، وتعددت أنماطها ومجالات عملها إلى التعليم والصحة والثقافة والرعاية الاجتماعية. وهنا نشير إلى أن الخدمات التعليمية والصحية كانت محور نشاط الجمعيات الأهلية في مصر، وكما هو معروف فقد تم إدخال التعليم الجامعي لأول مرة في مصر بجهود جمعيات العمل الأهلي، كما قامت جمعيات العمل الأهلي – خاصة بعد الاحتلال البريطانى لمصر.
دستور 1923 كفل الحق فى تكوين الجمعيات
يدور في الحركة الوطنية بالدعوة لمواجهة النفوذ البريطاني واستبداد الحكام والدعوة لمبادئ الحرية والمساواة والإخاء.
ومع اتساع نشاط جمعيات العمل الأهلى وانتشارها وازدياد أعدادها ومساهمتها الفعلية في مواجهة المشكلات الاجتماعية والسياسية، أصبحت واقعًا وجزءًا من المجتمع المدني الحديث، وبصدور دستور عام ۱۹۲۳ الذي كفل عددًا من الحقوق والحريات، منها: حق تكوين الجمعيات، وقصر سلطة حلها على القضاء انتشرت الجمعيات الأهلية في مصر. وكانت الجمعيات تخضع للقانون المدني – حتى عام 1945 – الذي أعطي صلاحيات واسعة للجمعية العمومية، كما أعطى سلطة إلغاء القرارات المخالفة، وحل الجمعية للقضاء.
وعلى الرغم من فرض رقابة الدولة على الجمعيات الأهلية بصدور القانون رقم 49 لسنة 1945، الذي اشترط موافقة وزارة الشئون الاجتماعية على تسجيل الجمعيات، وبذاك أعطى الوزارة الحق في الرقابة وأيضًا الحق في طلب حل الجمعية، لكن بعرض الأمر على المحكمة الابتدائية ورغم فرض قيود بقانون عام 1945 إلا أن الوضع كان أكثر حرية مما يواجهنا الآن ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين، وتلك المواجهة التي وصلت لحد المنع بقرار أمني، فهل نتطلع إلى الحرية التي كفلها دستور ۱۹۲۳؟ أم أننا سنبدأ من جديد معارك لا تنتهى لإسقاط القوانين المكبلة للحريات سيئة السمعة. معارك سوف نواصل فيها العمل لترسيخ مفهوم وأسس وضرورة العمل الأهلى كجزء أساسي من المجتمع المدني؟ والتاريخ سطر في صفحاته حقائق عن هذا الدور، ربما لم يقرأها من شرعوا مواد قانونية تقتل العمل الأهلي.
التعليم والصحة والثقافة ومقاومة الاستعمار معارك خاضها العمل الأهلي
المعركة مع القوانين
ويشارك مركز دراسات المرأة الجديدة مع شبكة المنظمات غير الحكومية المصرية في النضال ضد قانون الجمعيات، المقيد لحريات المجتمع المدني رقم ٣٢ لعام 1964، والقانون البديل له رقم ١٥٣ لسنة ١٩٩٩.. ذلك القانون الذي يضع القيود لأحد المنع والتجريم على العمل الأهلى، ويؤكد سطوة الحكومة عليه بوضع رقيب إداري يمنع ويمنح: مما يفرغ العمل المدني والأهلى من مضمونه، وقد تم الطعن على ذاك القانون وقضت المحكمة بعدم دستوريته، ووفقًا لنص الحكم: إن القضاء بعدم دستوريته يكون معينًا لإلغائه وذاك دون الخوض فيما اتصل ببعض نصوصه من عوار دستوري موضوعي.
الأمن يفرض
ثم يصدر القانون رقم 84 لسنة ٢٠٠٢، الذي لا يختلف من حيث القيود المفروضة عن سابقه المطعون عليه والمحكوم بعدم دستوريته، وبموجب نصوص القانون التي تلزم منظمات العمل المدني بالتقدم لوزارة الشئون الاجتماعية بطلب إشهار وقيد.. تقدمت مؤسسة المرأة الجديدة في ٦/ 4/ 2003 بطلب قيد وإشهار إلى إدارة الجمعيات بمديرية الشئون الاجتماعية بالجيزة، وفي ٢/ 6/ 2003 يصل من الجهة الإدارية خطاب رسمي موجه إلى: السيد الأستاذ/ مفوض المرأة الجديدة تحت التأسيس.
وبعد التحية الطيبة؟؟ هذا نص الخطاب: إيماء للطلب المقدم من سيادتكم في ٦/ 4/ 2003 بشأن قيد وإشهار المؤسسة المذكورة لدينا.. نحيط سيادتك علمًا بأنه قد ورد إلينا خطاب من مديرية أمن الجيزة برقم ٩٨١ يفيد بعدم موافقة الجهات الأمنية على قيد المؤسسة المذكورة.
وللعلم لم ينص القانون على موافقة الجهات الأمنية – وهنا لابد أن نتساءل عن مبررات اعتراض الجهات الأمنية على مركز دراسات، ذكرنا أهدافه وأنشطته فيما سبق، وقد نجد الإجابة في البيان الذي أصدره المركز ردًا على رفضه،
وجاء فيه: إن ذاك الموقف يؤكد من جديد مخاوف النشطاء بخصوص إساءة استغلال قانون الجمعيات لتقييد حرية العمل الأهلى وفاعلية المجتمع المدني:.
وتتواصل الرحلة لتصل إلى ساحات القضاء ليؤكد المركز ونشطاء حقوق الإنسان من منظمات ومراكز وجمعيات وأفراد تضامنهم في الدعوى، ويقدمون دفاعهم عن حقهم الدستوري في التنظيم والتجمع والتعبير، مؤكدين أهمية مؤسسات المجتمع المدني الذي قضت به المحكمة الدستورية مؤكدة أن منظمات المجتمع المدني هي رابطة العقد بين الفرد والدولة: إذ هي كفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية في بناء المجتمع عن طريق بث الوعى ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء وتعبئة للجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معًا.
الرحلة بدأت
وأكد بيان مؤسسة المرأة الجديدة، فور صدور الحكم أن هذا الحكم يمثل سابقة في الرحلة الراهنة من نضال المجتمع المدني المصري، وأن طريق النضال الديمقراطي للمجتمع المدني المصري ما زال في بدايته.
ليس من أجل تسجيل بقية المنظمات غير الحكومية فحسب، بل من أجل توسيع مساحة الممارسة الديمقراطية في بلادنا والنضال ضد كل القوانين غير الديمقراطية، ومنها قانون الجمعيات 84 لسنة ۲۰۰۲.
وأكد بيان المؤسسة الدور المهم الذي يقوم به القضاء المصري في دعم القوى الديمقراطية وأنه حصن القوى الوطنية والديمقراطية ضد التدخلات الأمنية السافرة، والمتزايدة والتي تشكل عائقًا حقيقيًا أمام تطور المجتمع المدني في بلادنا.
كما أكد البيان أهمية الدعم غير المحدود، الذي تلقته المؤسسة عن طريق البيانات والمشاركة بالحضور أمام المحكمة، بما في ذلك تمثيل زميلات محاميات وزملاء محامين من مصر والبلدان العربية في هيئة الدفاع عن هذا الحكم التاريخي ليس إلا خطوة في سلسلة من المعارك والنضالات الديمقراطية. وبصدور الحكم، فإن الرحلة لم تنته.. بل بدأت،
من التشكيل إلى المحكمة