قصتي! – أماندا تود

في 7 سبتمبر 2012 نشرت مراهقة كندية تدعى أماندا تود مقطع فيديو على موقع يوتيوب بعنوان “قصتي: المعاناة، التنمر، الانتحار، إيذاء الذات”. لم تنطق أماندا في الفيديو، الذي بلغت مدته 9 دقائق، بكلمة واحدة، واكتفت بعرض بطاقات مكتوبة واحدة تلو الأخرى. ما كتبته أماندا روى قصتها التي بدأت قبل ذلك الحين بحوالي ثلاثة أعوام، عندما كانت لا تزال في الثالثة عشر من عمرها، تدرس بالصف السابع (الأول الإعدادي)، وقد انتقلت لتوها إلى مدينة جديدة لتعيش مع والدها. اعتمدت أماندا على المحادثة المرئية Video Chat على الإنترنت للتعرف على أصدقاء جدد في مدينتها ومدرستها الجديدتين، ومن خلال خدمة المحادثة بدأت المراهقة الصغيرة في تلقي عبارات الإعجاب بجمالها، ثم بدأ شخص في الإلحاح عليها لتظهر له صدرها العاري على الكاميرا. قاومت أماندا إلحاح الشخص الغريب طوال عام قبل أن ترضخ لمطلبه، ولتبدأ بذلك معاناتها التي استمرت حتى انتحارها في 10 أكتوبر 2012.

هدد الشخص الغريب أماندا بإرسال صورتها العارية إلى عائلتها وزملائها بالمدرسة إن لم تقدم له “عرضًا”، أي أن تظهر على الكاميرا عارية وتنفذ ما يأمرها به. ومن خلال ذلك حصل على مزيد من الصور لها. ولكن برغم رضوخ أماندا لمطالب هذا الشخص فوجئت بأن صورتها يتم تداولها على الإنترنت. أخطرتها الشرطة بذلك في الرابعة من صباح أحد أيام إجازة أعياد الميلاد عام 2010. العامان التاليان من عمر أماندا القصير كانا سلسلة من الوقائع المتكررة: الانتقال من مدينة إلى أخرى، ومن مدرسة إلى أخرى هربًا من ملاحقها الذي مع ذلك كان يتمكن من إيجادها في كل مرة، وفي كل مرة يصل إلى معارفها، زملاء الدراسة، ومدرسيها، إلخ وينشر الصور بينهم. يتلقى زملاؤها بالمدرسة المعلومات ويستخدمونها لإذلالها، تعاني من الضغوط النفسية، تلجأ إلى المشروبات الكحولية، وتتدهور حالتها، فتبدأ في إيذاء جسدها، وتحاول الانتحار، وتمضي وقتًا في المستشفى، ثم يعايرها زملاؤها بأنها “خريجة مصحة نفسية”. لم تخرج أماندا يومًا من هذه الدائرة حتى نجحت محاولتها الأخيرة للانتحار، بعد شهر من نشرها للفيديو الذي كان استغاثة وطلبًا للمساعدة لم يستجب إليها أحد.

فقط بعد موت أماندا أقبل الناس على مشاهدة مقطع الفيديو الخاص بها، فارتفعت مشاهداته إلى 1.6 مليون مشاهدة خلال ثلاثة أيام فقط بعد انتحارها. اليوم تخطت مشاهدات الفيديو 14.8 مليون مشاهدة. لم تكن معاناة أماندا سرًا طيلة العامين السابقين على موتها، علم بها كثيرون، وبعضهم أبلغ الشرطة عن تعرضها للابتزاز الجنسي من خلال شبكة الإنترنت، ولكن الشرطة أبلغت والديها بأنه “ليس ثمة ما يمكن فعله”. اليوم، بعد عشرة أعوام من موت أماندا، بدأت منذ شهر يونيو 2022 محاكمة الشخص الذي لاحقها واستغلها وابتزها واستمتع بفضحها مرة بعد أخرى.

الطريقة التي صدمت بها قصة أماندا الملايين، في كندا والعالم، توحي بأنها حالة استثنائية نادرة التكرار، ولكن الحقيقة على عكس ذلك تمامًا. اليوم، بعد عشرة أعوام من انتحار أماندا أصبح ما نعرفه عن ملايين الحالات المشابهة لحالتها أكثر كثيرًا مما كان حينها، ولكنه لا يزال غير كاف لمواجهة التكرار المستمر لهذه الحالات وغيرها مما يندرج تحت ما نسميه اليوم بالعنف السيبراني ضد النساء، أو العنف ضد النساء من خلال أدوات التكنولوجيا الرقمية. لماذا يصعب على مجتمعاتنا عبر العالم كله أن تتعامل بفعالية مع ظاهرة بهذا الاتساع، وينتج عنها هذا القدر من الإيذاء والضرر الذي يبلغ في أحيان كثيرة إلى فقدان الأرواح؟ جذور العجز المجتمعي عن وقف العنف السيبراني ضد النساء هي ذاتها جذور العجز المجتمعي عن وقف العنف ضد النساء بصفة عامة، وقبل ذلك عن وقف جميع صور التمييز ضد النساء.

لفهم تفصيلي أكثر لظاهرة العنف السيبراني ضد النساء تطرح جيسيكا ويست (Jessica West) في ورقة بعنوان “العنف السيبراني ضد النساء” (Cyber Violence Against Women) (West, 2014) مجموعة من الأسئلة الرئيسية، هي:

  • بأي طريقة تختبر النساء العنف السيبراني ضدهن؟

  • كيف يؤثر هذا النوع من العنف على حياة النساء؟

  • كيف تقاوم النساء وتقفن في وجه هذا النوع من العنف؟

  • كيف يستجيب المجتمع للنساء اللاتي يتعرض للعنف السيبراني؟

يوضح تقرير للمعهد الأوروبي للمساواة الجندرية (European institute for Gender Equality)، الصادر عام 2017، أن العنف السيبراني ضد النساء والفتيات لم يتم بعد تطوير مفهوم واضح له بشكل كامل، كما أنه وحتى وقت صدور التقرير، لا يوجد تشريع أوروبي قانوني للتعامل معه. وتكمن المشكلة في الوصول إلى تعريف محدد للعنف السيبراني ضد النساء أولًا إلى أن مفهوم العنف السيبراني ذاته لا يزال في حاجة إلى وضع إطار واضح له في ظل شيوع عدم الاعتراف بأن الأفعال الممارسة من خلال الوسائط الإلكترونية وفي مقدمتها شبكة الإنترنت يمكن اعتبارها عنفًا بالمعنى الدارج. وتقول سوزي دن (Suzie Dunn) في فصل بعنوان “هل هو عنف حقا؟ تأطير إساءة المعاملة الميسرة تكنولوجيًا” (Is it Actually Violence? Framing Technology-Facilitated Abuse as Violence)، في “دليل إمرالد الدولي للعنف والإساءة الميسرين بالتكنولوجيا” (The Emerald International Handbook of Technology-Facilitated Violence and Abuse):

عند مناقشة مصطلح “العنف الميسر تكنولوجيًا” يُطرّح دائمًا سؤال: “هل هو عنف حقًا؟” وذلك بالرغم من أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان مثل عهد الأمم المتحدة عن التخلص من كل صور التمييز ضد النساء (صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979)، قد اعترف منذ وقت طويل بأن الإساءة العاطفية والنفسية هي من صور العنف بما في ذلك كثير من صور الإساءة الميسرة تكنولوجيًا (الأمم المتحدة، 2018). ولكن مشرعو القوانين والجمهور العام لا يزالون حائرين في إجابة سؤال ما إذا كانت السلوكيات المؤذية التي تسهلها التكنولوجيا هي حقًا صور من العنف.

ما يميز العنف السيبراني بصفة عامة هو السهولة الأكبر لارتكابه نتيجة “لمجهولية مرتكبي العنف على الإنترنت” (West, 2014)، مما يؤدي إلى شعور الجناة بأنهم يتمتعون بحصانة ضد العقاب. ومن ثم فإن هؤلاء الذين قد لا يْقدمون على ممارسة العنف في الحياة اليومية خارج الإنترنت، يمكن أن يجدوا في أنفسهم الشجاعة الكافية لممارسته من خلال وسيط يسمح بإخفاء هويتهم. وعلى جانب آخر، يتميز العنف السيبراني بأن الضرر الناشئ عنه طويل الأمد وفي أغلب الأحيان يمكن أن يتجاوز عمر ضحيته بسبب “الاستدامة الرقمية”، أي حقيقة أن المحتوى الموجود على الإنترنت، نظرًا لإمكان نسخه وتداوله وإعادة تخزينه عددًا لا نهائيًا من المرات، يستحيل تمامًا ضمان اختفائه سواء كان ذلك تلقائيًا أو حتى مع السعي المتعمد إلى محوه. ومن ثم فإن المحتوى المسبِّب للضرر يظل يطارد ضحاياه طيلة عمرهم منتجًا مزيدًا من الآثار التي لا يمكن ضمان أن تقل حدة الأضرار الناجمة عنها مع مرور الوقت.

ولكن حتى مع الاعتراف بأن العنف من خلال الوسائط الرقمية والتكنولوجيا هو عنف حقًا، لا تزال ثمة صعوبة لدى الكثيرين لفهم الخلفية الجندرية التي تميز العنف السيبراني عندما يُمّارس ضد النساء والفتيات تحديدًا. ويوضح تقرير المعهد الأوروبي للمساواة الجندرية السابق الإشارة إليه أن كثيرًا من الأدلة الإحصائية تضع حدًا فارقًا واضحًا بين معدلات وصور وآثار العنف السيبراني ضد النساء وبين مثيلاتها ضد الرجال، فقبل أي شيء، “النساء هدف لأشكال بعينها من العنف بمعدل غير متناسب مع نسبة اتصالهن بشبكة الإنترنت مقارنة بالرجال”. وينقل التقرير عن مسح أجرِّي في ألمانيا شارك فيه أكثر من 9000 مستخدم ومستخدمة في مدى عمري من 10 إلى 50 سنة أن “النساء يرجح أن يتعرضن للتحرش الجنسي ، والملاحقة، على الإنترنت بمعدل أكبر كثيرًا جدًا من الرجال، كما أن آثار هذه الصور من العنف كانت صادمة أكثر لضحاياها.” كذلك ينقل التقرير عن مسح لمركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) بالولايات المتحدة أنه بالرغم من أن الرجال من المرجح أكثر قليلًا أن يتعرضوا أكثر من النساء لصور مخففّة نوعًا من التحرش على الإنترنت (مثل السباب والإحراج)، فإن النساء (وبخاصة الشابات في المدى العمري من 18 إلى 24 عاما) يتعرضن بمعدل أكبر كثيرًا لأنواع حادة من التحرش السيبراني، وبصفة خاصة للملاحقة السيبرانية والتحرش الجنسي على الإنترنت.” ويضيف التقرير أن:

الدلائل الحالية توضح أن النساء يختبرن صور العنف والأذى الناتج عنها بطريقة مختلفة عن الرجال.

على جانب آخر يقول التقرير أن:

الخبراء يحذرون من فهم العنف السيبراني ضد النساء والفتيات كظاهرة منفصلة بشكل عام عن العنف في العالم الحقيقي، في حين أنه في الواقع من الصواب أن نراه كامتداد للعنف خارج الإنترنت.

فعلى سبيل المثال، تأخذ ملاحقة الشركاء (الأزواج وشركاء العلاقات الحميمية) الحاليين والسابقين نفس الأنماط على الإنترنت كما هو الحال في الواقع غير الافتراضي ومن ثم فعند ممارستها على الإنترنت ينبغي أن تندرج تحت العنف الصادر عن الشريك الحميمي، وقد تم فقط تيسيرها بواسطة التكنولوجيا. ويذكر التقرير أن دراسة أجريت بالمملكة المتحدة قد وجدت أن أكثر من نصف حالات العنف السيبراني (54%) قد تضمنت مصادفة أو معرفة سابقة في العالم غير الافتراضي.

ويؤكد جميع ما سبق الحاجة إلى فهم ودراسة العنف السيبراني الموجه ضد النساء في إطار التمييز الجندري ضدهن بصفة عامة، وكامتداد للعنف ضدهن على أرض الواقع غير الافتراضي.

يمكن أن يبدأ عملنا على تطوير تعريف محكم ودقيق للعنف السيبراني ضد النساء باستخدام التعريفات ذات الصفة القانونية الموجودة حاليًا للعنف ضد النساء بصفة عامة، وكمثال لتعريف محكم بلغة القانون للعنف ضد النساء نجد أن العهد الصادر عن المجلس الأوروبي حول منع ومكافحة العنف ضد النساء والعنف المنزلي (Council of Europe Convention on preventing and combating violence against women and domestic violence)، في إسطنبول، تركيا، عام 2011، يٌعرِّف العنف ضد النساء بأنه “انتهاك لحقوق الإنسان وأحد صور التمييز ضد النساء وهو يعني:

كل أفعال العنف المبنية على أساس النوع الاجتماعي والتي تؤدي إلى، أو من المرجح أن تؤدي إلى، أذىً بدني، أو جنسي، أو نفسي، أو اقتصادي، أو إلى معاناة ضحيته، ويدخل في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال.

ومن ثم فالعنف السيبراني ضد النساء والذي لا يمكن فصله بأي حال عن العنف ضد النساء بصفة عامة يمكننا تعريفه بنفس الصيغة، دون استبعاد أي من صور الأذى المتضمنّة في هذا التعريف، حيث أن مصطلح “تؤدي إلى” لا يشترط أن يكون ذلك بشكل مباشر، فأفعال العنف السيبراني التي تؤدي إلى تشويه السمعة على سبيل المثال يمكن بكل تأكيد وحسب السياق الاجتماعي والثقافي أن تؤدي إلى أذى بدني يصل إلى القتل، وإلى أذى جنسي يصل إلى الاغتصاب، في حين من الواضح بالطبع تحقق صور الأذى النفسي والاقتصادي (فقدان العمل على سبيل المثال) وكذلك معاناة الضحية نتيجة للعنف السيبراني.

الاستدراج والاستغلال الجنسي

هذا النوع من العنف هو ما تعد قصة أماندا تود التي بدأنا بها هذه الورقة نموذجًا لها. وتتعرض الفتيات خاصة الأصغر سنًا على أعتاب سن المراهقة لهذا النوع من العنف أكثر من غيرهن، وذلك لقلة خبرتهن في التعامل مع الرجال البالغين، ولتلهفهن للحصول على تأشيرة دخول عالم البالغين. الطبيعة الجندرية لهذا النوع من الاستغلال الجنسي لا مجال للشك فيها فكما تقول وست:

الطريقة التي استغل بها الرجال أماندا لتخلع ثيابها أمام الكاميرا على الإنترنت هي جندرية بالأساس. لقد دعوها بالجميلة وتغزلوا فيها. هذا النوع من الاهتمام من الجنس الآخر شديد القوة في ثقافتنا التي تربي الفتيات ليكون لهم تقدير متدن للذات وليكن منتقدات لأجسادهن. (West, 2014, p. 4)

هذا نوع من العنف السيبراني بامتياز، فأدوات التكنولوجيا والاتصالات التي تتيحها شبكة الإنترنت وغيرها من التكنولوجيات الرقمية فتحت أبوابًا عديدة لصور لا نهاية لها من تعقيد العنف الذي يُمّارس ضد النساء في العالم غير الافتراضي بإضافة أبعاد جديدة له على الإنترنت ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

قصة الاغتصاب الجماعي في مدينة ستوبنفيل الأمريكية تقدم نموذجًا واضحًا لهذا النوع من العنف. في هذه الواقعة استغل مجموعة من طلبة المدرسة الثانوية بالمدينة وهم أعضاء فريق الكرة الأمريكية بالمدرسة غياب زميلة لهم عن الوعي فقاموا باغتصابها بشكل جماعي، ولم يكتف الجناة بذلك، ولكنهم افتخروا بفعلتهم وقاموا بنشر تعليقات كارهة للنساء وعنيفة على شبكة الإنترنت مصحوبة بصور التقطوها للفتاة بينما كانوا ينتهكون جسدها العاري، كما سجلوا مقاطع فيديو وهم يفخرون بما قاموا به، ودعوا الفتاة بالجسد الميت وسخروا من أنها كانت “أكثر موتًا من زوجة أو جاي سمبسون واغتُصبّت أكثر منها.” (West, 2014, p. 4)

تنقل وست أيضًا عن الكاتبة الأمريكية تولا فوسكولوس في مقال نشرته على الهافنجتون بوست تصف فيه الاعتداء قائلة:

إذلال عنيف دون تردد ودون إحساس لفتاة شابة، هي من نفس عمرهم وتتردد على نفس دوائرهم، كان يفترض فيهم أن يقوموا بحمايتها، ومع ذلك اختاروا نخزها بأصابعهم وأقدامهم وانتهاكها واغتصابها، كما لو أنها كانت جمادًا، لعبة جنسية لتسليتهم وإرضاء رغباتهم. (West, 2014, p. 5)

ولكن هذا السلوك الخالي من الإحساس لم يقتصر على الجناة وحدهم، فالطلبة في المدرسة بعد هذه الأحداث دعوا الضحية بالعاهرة، وشجعوا الجناة بتعليقاتهم وضحكاتهم. وتلقت الضحية تهديدات بالقتل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ووجه إليها اللوم على العنف المُمّارس ضدها ثم لاحقًا على “تدمير حياة” الأولاد (الجناة) عندما أبلغت الشرطة عن الواقعة. ومجددًا لم يقف الأمر عند هذا الحد، فعندما أدانت محكمة للأحداث الجناة، كان أعضاء من المجتمع، بل وحتى وسائل إعلام كبرى مثل السي إن إن والناشيونال بوست صريحين في دعمهم للجناة واستيائهم عن فقدانهم للمستقبل المشرق الذي كان في انتظارهم، وعبروا عن عدم موافقتهم على سلوك الضحية. وأخيرًا حتى القاضي الذي نظر القضية وحكم فيها وجّه حديثه إلى الشباب في نفس عمر الجناة في سياق إصداره للحكم ناصحًا لهم ب “ناقشوا فيما بينكم كيف ينبغي أن تتحدثوا إلى أصدقائكم، كيف تسجلون الأشياء على وسائل التواصل الاجتماعي”. (West, 2014, p. 5)

الملاحقة السيبرانية هي ملاحقة باستخدام وسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية على الهاتف أو الإنترنت. وتتضمن الملاحقة الوقائع المتكررة والتي قد تكون أو لا تكون أفعالًا خبيثة في ذاتها، ولكن بجمعها معًا تقوض شعور الضحية بالأمان وتسبب الضيق والخوف والفزع. وقد تتضمن الأفعال:

  • إرسال بريد إلكتروني، رسائل نصية أو فورية عدائية أو تهديدية.

  • نشر تعليقات عدائية حول الضحايا على الإنترنت.

  • مشاركة صور أو مقاطع فيديو حميمية للضحية على الإنترنت أو من خلال الهاتف.

وحتى تُعتّبر هذه الأفعال ملاحقة سيبرانية ينبغي أن تقع بشكل متكرر وأن يرتكبها الشخص نفسه.

يمكن للتحرش على الإنترنت أن يأخذ صورًا كثيرة، ولكن يمكن حصر أهمها في:

  • البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية غير المرغوبة ذات المحتوى الصريح جنسيًا.

  • المقاربات غير المهذبة أو العدائية على مواقع التواصل الاجتماعي أو في غرف الدردشة.

  • التهديدات بالعنف البدني و/أو الجنسي من خلال البريد الإلكتروني، أو الرسائل النصية.

  • خطاب الكراهية، ويعني اللغة المهينة والمحتقرة والتي تهدد أو تستهدف واحدة بناء على هويتها (النوع الاجتماعي لها) وغيره من الصفات (مثل التوجه الجنسي أو الإعاقة).

الأعمال الإباحية دون تراضٍ تُعرّف أيضًا بالاستغلال السيبراني أو “البورن الانتقامي”، ويتضمن التوزيع من خلال الإنترنت لصور أو مقاطع فيديو ذات محتوى صريح جنسيًا دون رضا الضحية التي تظهر في هذه المواد. وغالبًا ما يكون مرتكب هذا النوع من العنف هو شريك حميم سابق قد حصل على الصور أو مقاطع الفيديو في إطار العلاقة السابقة. ولكن مرتكبي هذه الأفعال ليس من الضروري أن يكونوا شركاء حميميين حاليين أو سابقين، وقد لا يكون الدافع دائمًا هو الانتقام. يمكن للجاني أن يحصل على الصور باختراق حاسوب الضحية أو حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أو هاتفها، ويمكن أن يكون الهدف هو إحداث ضرر حقيقي لحياة الضحية في العالم غير الافتراضي، مثل التسبب في فقدانهن لوظائفهن.

كان ثمة العديد من الحالات المنشورة لضحايا من النساء تعرضن لنشر محتوى إباحي يتضمنهن دون موافقتهن خلال الأعوام الأخيرة. وحسب نتائج الأبحاث المجراة حول الظاهرة، كان 90% من ضحايا البورن الانتقامي من النساء، وأن أعداد الحالات في تزايد. كما أن ثمة عدد متزايد من المواقع المتخصصة في نشر البورن الانتقامي، حيث ينشر مستخدميها المحتوى الإباحي مصحوبًا ببيانات الضحايا مثل بريدهن الإلكتروني وأسماء حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى عناوين منازلهن وأماكن عملهن.

تسعى سكينة النصراوي في فصلها الذي كتبته بعنوان “مكافحة العنف السيبراني ضد النساء والفتيات: نظرة عامة لإصلاحات التشريعات والسياسات في المنطقة العربية”، ضمن “دليل إمرالد الدولي للعنف والإساءة الميسرين تكنولوجيا”، إلى إثبات أن “التكنولوجيا تسهم في ازدياد العنف السيبراني ضد النساء والفتيات وهو ما بدوره يؤدي إلى عواقب اجتماعية واقتصادية حادة تؤثر عليهن.” (Al-Nasrawi, 2021, p. 493)

بعض الإحصاءات الدولية عن العنف السيبراني ضد النساء تأخذ المنطقة العربية في الاعتبار، ومنها تقرير لمفوضية “النطاق الواسع” (منظمة تابعة لكل من الاتحاد العالمي للاتصالات ITU، وهيئة اليونسكو)، والذي كان من نتائجه أن 73% من النساء في العالم قد تعرضن للعنف السيبراني، وأن النساء عرضة للتحرش على الإنترنت 27 ضعفًا مقارنة بالرجال. (UN-BC-DDWGBG, 2015)

تتناول عدة تقارير محلية في البلدان العربية إحصاءات حول العنف السيبراني ضد النساء، ومن نتائج ما توصلت إليه:

توصلت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثات المصريات، نشرتها الدورية المصرية لعلوم الطب الشرعي، أن الإناث في مصر معرضات بشدة للعنف السيبراني، حيث أن 41.6% من بين عينة بحثية قدرها 356 امرأة وفتاة، قد تعرضن للعنف السيبراني خلال عام 2019. (Hassan, Khalifa, Desouky, Salem, & Ali, 2020). وذكرت 45.3% من المستجيبات للدراسة أنهن قد تعرضن للعنف على الإنترنت عدة مرات خلال السنة. في 92.6% من الحالات كان الجاني شخصًا غير معروف للضحايا. وتوضح نتائج الدراسة أن الصور الأكثر شيوعًا للعنف هي كما يلي: 41.2% تلقين صورًا أو رموزًا ذات محتوى جنسي: 26.4% تلقين إهانات عبر البريد الإلكتروني آو الرسائل النصية؛ 25.7% تلقين منشورات أو تعليقات عنيفة أو مهينة؛ 21.6% تلقين صورًا إباحية أو عنيفة مهينة للنساء؛ و20.3% قد تلقين ملفات خبيثة (بها فيروسات إلكترونية) من خلال البريد الإلكتروني. معظم الضحايا اللاتي شملتهن الدراسة (79.9%) قد اختبرن آثارًا نفسية في صورة غضب، قلق، وخوف.

حظر المعتدي كان سبيل المقاومة الأكثر شيوعًا. إضافة إلى ذلك، لم تُبلِّغ أي من المستجيبات للدراسة الشرطة، وهو ما قد يكون له أسباب عديدة، فقد تخشى الضحايا الإضرار بسمعتهن من خلال إبلاغ الشرطة ونشر الأمر أو لقلة وعيهن بالقوانين التي تدين العنف السيبراني.

في المغرب، أظهر تقرير المسح الوطني الثاني للعنف ضد النساء والذي تصدره وزارة الشباب والثقافة والتواصل أن نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف بلغت 54%، وأن 13% من النساء اللاتي تم تسجيل استجاباتهن قد تعرضن للعنف على شبكة الإنترنت، من بين هؤلاء بلغت أعمار 30% منهن ما بين 18 إلى 25 سنة، وكانت 46% منهن حاصلات على درجات جامعية عالية.

في الأردن، أجرت هيئة اليونيسف دراسة في عام 2020 أظهرت أن أكثر من نصف الشباب قد تعرضوا وتعرضن للتنمر من خلال شبكة الإنترنت على الأقل لمرة واحدة. وفي دراسة أجرتها رابطة الاتصالات التقدمية في فلسطين وُجد أن ثلث النساء الفلسطينيات قد تعرضن للتحرش الجنسي على شبكة الإنترنت.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات