العولمة وقضايا المرأة والعمل
«العولمة وقضايا المرأة والعمل» هو عنوان الكتاب الصادر عن مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – كلية الآداب – جامعة القاهرة في العام 2002، وأعد تحرير الكتاب الأستاذ الدكتور عبد الباسط عبد المعطى والأستاذة الدكتورة اعتماد علام، ويقع الكتاب في أربعة أبواب تتضمن ست عشرة دراسة هي أعمال الندوة العلمية لمركز الدراسات والبحوث والخدمات المتكاملة بكلية البنات، جامعة عين شمس، و تناولت أربعة محاور على التوالي : المرأة والمشاركة السياسية، المرأة وسوق العمل، المرأة والمجتمع المدني، وأخيرًا المرأة والتنمية.
رغم مرور ثماني سنوات على صدور هذا الكتاب لكنه لا يزال يحتفظ بأهميته وبضرورة الإطلاع على الدراسات التي أعدتها مجموعة من الباحثين والباحثات ناقشت قضايا أساسية تخص النساء ولا تزال مثار جدل حتى الآن، فضلاً عن أن هذه الدراسات تحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليها وعلى ما خرجت به من نتائج وتوصيات أغلبها للأسف لم يخرج لحيز التنفيذ ولم تلتفت له بدرجة كافية جميع الأطراف المعنية .
تناول الباب الأول ثلاثة فصول حول المشاركة السياسية للمرأة، فجاء الفصل الأول بعنوان «المرأة في المشاركة السياسية بين النصوص التشريعية والواقع الاجتماعي» وهي دراسة للدكتورة سهير عبد المنعم إسماعيل، قدمت عرضًا للأطر التشريعية المتعلقة بحماية حق المرأة في المشاركة السياسية، وأوضحت كيف أن تلك الأطر لا تضمن تمتع المرأة بالحقوق الواردة بها، نظرًا لمعوقات عديدة منها شخصية ومجتمعية تتشابه، لتجعل للمرأة وضعية اجتماعية دونية بالنسبة للرجل، وهو ما يعد من أهم معوقات حصول المرأة ليس فحسب على حقوقها السياسية، بل على أي من حقوقها باعتبارها إنسانًا.
نظرًا لأن المشاركة السياسية بالنسبة للمرأة هي القاطرة لحماية حقوقها جميعًا، وتحقق لها مشاركتها الفعالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو ما يتطلب تعديلاً تشريعيًا لإعمال حق المرأة في الحصول على نسبة من المقاعد في المجالس النيابية، وفي مراكز صنع القرار كإجراءات خاصة تمثل مرحلة انتقالية لتخطى ظروف عدم المساواة.
طالبت الباحثة بنظام أمثل للانتخاب يحقق مزيدًا من المشاركة الفعالة للمرأة وانحازت إلى النظام الانتخابي الألماني الذي يجمع بين نظام الانتخاب بالقائمة ونظام الانتخاب الفردي، مع تعديل قانون الأحزاب بإعطاء حصة للمرأة على قوائم الأحزاب مع تقرير حوافز للأحزاب ترتبط بعدد أعضاء الحزب .
ترى الباحثة أن هذا الإجراء السابق يجب أن يسانده ما يلي:
أولاً: وعى عام بقضايا المرأة وبالثقافة الديمقراطية التي تعضد قيمة المساواة وأهمية المشاركة السياسية للرجال والنساء على حد سواء لمواجهة ميراث من السلبية يتطلب تفعيل المناخ الديمقراطي بصورة أكثر ايجابية.
ثانيًا: الاهتمام بتوفير إطار لإعمال حقوق المرأة جميعًا على مستوى الممارسة بما يساهم في تنمية قدرات المرأة والارتفاع بخصائصها العلمية والعملية لإعدادها إعدادًا سليمًا لأداء دورها الرئيسي في إعداد الأجيال، وفي المواطنة الفعالة لمواجهة تحديات المستقبل كبداية مهمة لتحديث مصر.
تضمن الفصل الثاني دراسة بعنوان «دور المرأة في المشاركة السياسية: دراسة على عينة من المشتغلات بالعمل السياسي بمحافظة الشرقية» للدكتور أسامة إسماعيل عبد الباري كشفت هذه الدراسة عن انخفاض مستويات المشاركة السياسية بين الرجال عامة وبالتالى ضعف المشاركة السياسية للنساء، لكن هذا لم يمنع ظهور حركة نسائية مصرية تلعب دورًا إيجابيًا على المستوى السياسي تبنته الصفوات النسائية في المجتمع المصري، لكن لا تزال أمام هذه الحركة الكثير حتى تثمر مشاركة سياسية فعالة للمرأة.
على مستوى دوافع المرأة لكي تشارك سياسيًا فقد اتضح أن الدافع الرئيسي يتمثل في محاولة لإثبات كيان ووجود المرأة على المستوى الاجتماعي والسياسي، وتغيير نظرة المجتمع للمرأة على أن كيانها منزلها وأسرتها فحسب، وقد ساعد على ذلك تطور وضع ومكانة المرأة بفعل عوامل التعليم والعمل الذي انعكس على اتساع محيط علاقتها الاجتماعية، وأثر ذلك إيجابيًا على مستوى الوعي لديها.
أما على مستوى المعوقات أمام المرأة التي تحول دونها ودون المشاركة السياسية فقد أكدت الدراسة تبرئة ساحة المشرع القانوني والدين من الحيلولة بين المرأة والمشاركة السياسية، وتمثلت هذه المعوقات في القيم الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع والناتجة عن القصور في الوعي السياسي داخل المجتمع بصفة عامة وعند المرأة بصفة خاصة، فضلاً عن العقلية الجماعية التي تنظر للمرأة من خلال العقيدة الراسخة في إطار الجانب البيولوجي فحسب والازدواجية الفكرية التي يعاني منها المثقفون.
في ضوء هذه المعطيات الواقعية فان مستقبل المشاركة السياسية للمرأة مازال أمامه وقت طويل حتى يمكن القول بوجود دور سياسي فعال للمرأة على مستوى المجتمع نظرًا لأن معوقات هذا المستقبل ليست عوامل مادية بقدر ما هي عوامل اجتماعية وثقافية لا يمكن تغييرها بين يوم وليلة.
حمل الفصل الثالث عنوان “انحسار المشاركة السياسية للمرأة المصرية في صنع القرار السياسي (مؤشرات ومحددات) «للدكتور محمود مصطفى كمال»، وخلصت الدراسة إلى وجود انخفاض حاد في تمثيل المرأة في البرلمان سواء على المستوى القومي أو وفقًا للمقارنات الدولية وذلك في مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والمواقع الوزارية والحزبية، في حين يتحسن قليلاً في مجال العمل النقابي وخاصة العضوية، ومجال العمل في السياسية الخارجية، من ناحية أخرى يكشف التحليل عن محدودية تداول التمثيل السياسي واحتكار البعض لتلك المواقع عبر فترة طويلة وضعف هذا التمثيل إقليميًا «الوجه البحري – الوجه القبلى لصالح الأول»، أو على المتصل الحضري والريفي لصالح الأول.
وعلى الرغم من إسهام البرلمانيات في مناقشة السياسات العامة فإن مساهمتهن محدودة في النشاطات البرلمانية الأولى وخاصة الاستجوابات، ومن ناحية أخرى كشف التحليل عن ارتباط ممارسة بعض البرلمانيات بالجذور العائلية ذات التاريخ السياسي.
بصفة عامة يرتبط انحسار المشاركة السياسية للمرأة في مواقع صنع واتخاذ القرار السياسي بالعوامل التالية:
1. الموروثات الثقافية التقليدية بما في ذلك نمط التنشئة والمرجعيات الثقافية المفسرة لتوزيع الأدوار والصراع فيما بينها والموجه لهذا التوزيع وسيادة ثقافة التمييز العامة والحزبية والإعلامية.
2. نمط النظام الانتخابي ارتباطا بالمتغيرات الاقتصادية.
3. الانتهاء الطبقي والوعي السياسي ارتباطًا بنمط الأدوار وتوزيعها وفقًا للطبقة، ونسبة الأمية، وطبيعة الأداء البرلماني للمرأة وخبراتها ومهاراتها، إضافة إلى ذلك فإن مناخ التحولات العالمية الراهنة أو العولمة سوف ينعكس ضمن تأثيراتها، في ضوء المتغيرات القطرية على وضع المرأة ومن ثم مشاركتها السياسية والتي تحتاج إلى دراسات أخري.
ركز الباب الثاني على «المرأة في سوق العمل» من خلال أربعة فصول تطرقت لعدد من القضايا المهمة منها «العولمة ومشاركة المرأة في سوق العمل الرسمي: مقاربة نظرية ومنهجية» للدكتورة اعتماد محمد علام، وهدفت الدراسة إلى التعرف على أوضاع المرأة في المشهد العالمي الذي تحركه عملية العولمة، وتداعياتها على هذا المشهد والسياسيات والمداخل الحديثة التي تنتهجها الدول المتقدمة في مواجهة التداعيات السلبية لعملية العولمة بما يحقق الوجود القوى في السوق العالمية، ولا يتأتى هذا إلا باتجاه هذه الدول إلى تبنى مداخل نظرية جديدة تهتم بتعظيم الموارد البشرية من خلال سياسيات التدريب التحويلي وإعادة التدريب للقوة العاملة بها، واتخاذ جميع الوسائل التي تضمن تعظيم دور المرأة في سوق العمل، أيضًا ناقشت الباحثة كيف تراجعت مصطلحات اقتصادية ظلت إلى وقت قريب معاملات يقاس عليها معدل الإنتاج والدخل القومي ونظرًا لأن هذه المعاملات أغفلت قيمة الوقت الذي تقوم به المرأة في ممارسة أنشطة ذات طابع اقتصادي سواء داخل محيط الأسرة أو خارجها، كان ضروريًا أن يعاد صياغة مفهوم العمل ليضم جميع النشاطات الاقتصادية المأجورة وغير المأجورة لاسيما التي تؤديها المرأة.
كما أبرز هذا الفصل مداخل نظرية مهمة يتبناها المخططون في الدول المتقدمة، منها مدخل نوعية الحياة ببعديه الذاتي والموضوعي، وانعكاس هذا كله على تعظيم الدور الاقتصادي للمرأة، إضافة إلى مدخل المشاركة والذي يقوم على عدم التفرقة في تقدير الإنتاج الاقتصادي بين الرجل والمرأة.
کما يعرض الفصل لعدد من السياسات والمداخل الخاصة بتفعيل دور المرأة في ظل التغيرين الكمي والكيفي في سوق العمل بفعل الثورة الميكرو إلكترونية.
أثارت الدراسة قضية على قدر كبير من الأهمية وهي مساهمة المرأة المصرية في سوق العمل بمفهومه الجديد،وذلك من خلال الرجوع إلى بعض المؤشرات الإحصائية التي تعكس التحول في مشاركة المرأة، حيث تعكس هذه المؤشرات اقتحام المرأة مجالات عمل جديدة ذات مهارة متخصصة «الحاسبات الالكترونية والاتصالات والهندسة»، كما دخلت المرأة مجالات كانت مقصورة على الرجال مثل «مشغلى السفن والطائرات وفنييها».
وعن «المرأة وسوق العمل في ضوء التشريعات المصرية» أعدت الدكتورة «سحر مصطفى حافظ» دراسة قسمت فيها تشريعات العمل التي تنظم حق مساواة المرأة في العمل إلى قسمين:
القسم الأول: تشريعات لا تتسم بالتفرقة ضد المرأة في مجال المساواة وفي تشجيع فرص متكافئة وضمانات متساوية دون أي تمييز تشريعي، ولا يشوبها قصور تشريعي لكن تقف أمام تطبيقها صعوبات ومعوقات تحول دون ممارستها للحقوق المتساوية في مجال العمل الواردة فيها لأسباب اقتصادية أو عوامل اجتماعية وثقافية أو لتصور غياب للوعي العام، مما ترتب على ذلك فجوة بين التشريع والتطبيق أو القانون والواقع في كفالة حق المساواة للمرأة المصرية في العمل أطلق عليها «تمييز تطبيقي» وهي المعوقات التنظيمية والمجتمعية.
القسم الثاني: تشريعات تتسم بالتفرقة ضد المرأة ويشوبها قصور قانوني وذات تمييز تشريعي، فعلى الرغم من وجود المبدأ الإنساني المهم في الدستور المصرى «مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز» وانعكاس قيمة العدالة حيث إن المصريين جميعا متساوون أمام القانون لا تفرقة بينهم ودون تمييز، لكن مازالت التفرقة القانونية والتمييز التشريعي سائدين، فيحيل الدستور المصرى لتعزيز هذه الحقوق إلى قوانين وتشريعات أخرى وتنظيمها، ومن خلال عملية الإحالة هذه تفقد النصوص الدستورية مضمون المساواة الفعلية بين الجنسين سواء رجلاً أو امرأة، فنجد كثيرًا من التشريعات والقوانين لا تعترف بالمرأة كإنسان له حقوق وعليه واجبات مما يجعلها غير قادرة على المشاركة الحقيقية في التنمية الشاملة للمجتمع المصري.
حاولت الدكتورة إجلال إسماعيل حلمي الإجابة عن سؤال حول «إعادة الهيكلة الرأسمالية : تمكين أو تهميش للمرأة المصرية؟» واستخدمت دراسة حالة لعينة من المستفيدات من الصندوق الاجتماعي.
يتضح من دراسة الحالة أن هناك وعيًا بأن لدى المرأة مشكلة اقتصادية نتيجة انخفاض راتب الزوج أو المعاش وأن الحل يكمن في اشتغالها بالعمل الحر وإن تكون سيدة أعمال ، ولكن عدم وجود رأس المال المناسب دفعها للسعى إلى مصادر خارجية للحصول على قرض من الصندوق الاجتماعي، وكانت مفردات دراسة الحالة مدركات لأهمية الابتكار والقدرة على المبادرة والإقدام على إحداث تغير في أسلوب تفكير هؤلاء النساء، وحث المحيطين بهن على مساعدتهن لتحقيق الهدف المنشود خاصة أنه ليس هدفًا فرديًا بل لصالح الأسرة والمجتمع.
أوضحت الدراسة أن ما يثار في الأدبيات عن أن تمكين المرأة سيقضى على تبعيتها الاجتماعية والسياسية لم يكن محور اهتمام مفردات الدراسة، فالهدف اقتصادي بالدرجة الأولى وليس القضاء على تبعية المرأة وقهر الرجل، إن محور اهتمام المرأة أن تنال فكرة العمل الحر التأييد والقبول الثقافي والاجتماعي من المحيطين بها.
كما أثيرت قضية العمالة المؤقتة من خلال دراسة بعنوان «إعادة الهيكلة الاقتصادية والعمالة المؤقتة : دراسة حالة المرأة في سوق العمل الحضري» أعدتها الدكتورة أمال عبد الحميد محمد، ومن النتائج التي خلصت إليها الدراسة أن تنامي العمالة المؤقتة نتاج لعوامل خاصة بإعادة الهيكلة الاقتصادية وما نجم عن الخصخصة والبطالة والفقر، فإذا كانت إعادة الهيكلة تهدف إلى إقامة هياكل اقتصادية جديدة تتواكب مع متطلبات العولمة، وتعمل بآليات الاقتصاد الجديد، حيث المرونة في التشغيل والمهارة، فهي تفضل العمالة المؤقتة في سوق العمل، وخاصة فائقة المهارة .
تعمل العمالة المؤقتة في كل القطاعات، وخاصة القطاع الخاص، ويتوقع مستقبلا أن تتحول كل العمالة به إلى عمالة مؤقتة، حيث الاهتمام بتكثيف رأس المال وتراكم الثروات أكثر من تكثيف العمالة وبهذا تصبح العمالة أطراف خيوط شبكة يتحكم فيها صاحب العمل ويحركها وفقًا لما يعود عليه من منافع إذ يشغلها وقت الإنتاج ويسرحها في حالة الركود، ويظهر التلاعب وغياب الشفافية في العقود والأجور والتحكم في التشغيل والاستغناء، وبالتالي ضياع حقوق العمال خاصة التأمينية وافتقار الاستقرار والأمان الوظيفي.
وفي الوقت ذاته كما ذكرت الدراسة يعد أصحاب الأعمال هم أيضًا شبكة أخرى يتحكم فيها أصحاب قوى الإنتاج الأكبر المقيدون بظروف ومتطلبات وآليات سوق العمل، التي هي الأخرى تدخل في إطار شبكة أخرى تحركها القوى الاقتصادية في الاقتصاد العالمي، وبهذا يتلاعب بالعمالة جملة من أطراف خيوط شبكة تدخل في دوائر شبكات أكبر.
توضح المؤشرات الإحصائية تزايد نسبة المنخرطات في سوق العمل ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ليس في نسبة المشاركة ولكن في مواقع الأعمال التي تشغلها المرأة، فصحيح أن العولمة أتاحت فرص عمل للعمالة النسائية في مجالات الاتصال والإعلام والشركات السياحية والاستثمارية إلى أنها تدخل في منافسة مع الرجل في سوق العمل وفي الغالب يكون لصالح الرجل، وإذا كان الخطاب النسائي يدعو إلى التحرر والمساواة فان الواقع المعيش يظهر بصورة مغايرة لذلك إذا يظهر التحيز ضدها وتظل مقبولة في إطار المفاهيم والنظرة الثقافية التي تضعها في قوالب مهنية نمطية وخاصة الأعمال الشبيهة بالعمل المنزلي وبهذا تتكرس فكرة التمييز وتهميش دورها.
وتشير الدراسة إلى أنه إذا كنا نتحدث عن التحيز ضد المرأة في سوق العمل وفقًا للنوع فإنه يظهر في سوق العمالة المؤقتة تمييز بين العمالة النسائية نفسها إذ يفضل أصحاب الأعمال بالقطاع الخاص العمالة النسائية غير المتزوجة على اعتبار أنها أكثر تفرغًا وأقل تغيبًا.
ويعد دوران العمالة إحدى القضايا المهمة في سوسيولوجيا العمل وهي إشكالية مهمة في دراسة العمالة المؤقتة، حيث الالتحاق بالعمل فترة والخروج منه فترة أخرى ويزيد من معدل العمالة في القطاع الخاص.
كما أشارت الباحثة إلى أنه في ظل السياق الحالي من حيث التحولات العالمية والمجتمعية تولد هموم جديد للعمالة، فإذا كان العامل الثابت في حالة تمكين من الوظيفة حيث الاستقرار والأمان الوظيفي والأجر الثابت فإن العامل المؤقت في حالة تهميش أو كما يتردد على ألسنتهم «هانتشرد»، حيث عدم الاستقرار وفقدان الآمان الوظيفي وإن جاز القول «وأد الأمان الوظيفي» الناجم عن إدراكهم أنه من السهل الاستغناء عنهم في أي لحظة وفي أي وقت يشاءه صاحب العمل، وبالتالي ضياع الحقوق التأمينية وغير ذلك ويعكس المثل الشعبي القائل: «إن فاتك الميرى ….. » قدرًا من الحقيقة حيث إن حلم العامل المؤقت أن يتحول إلى عامل ثابت؛ ولكن يتبخر هذا الحلم مع متطلبات الاقتصاد الجديد.
عن المرأة في المجتمع المدني جاء الباب الثالث احتوى على عدد من الدراسات منها دراسة عن «علاقة المرأة بالمنظمات الأهلية» أعدتها الدكتورة «منى السيد حافظ عبد الرحمن»، وكشفت عن أنه رغم مشاركة المرأة في المنظمات الأهلية والعربية فإن هناك أسبابًا عديدة لعبت دورًا بالغًا في محدودية المشاركة والفاعلية، لعل من أهمها حداثة نشأة وتكوين القطاع الثالث في العالم العربي، وضآلة وعى المجتمعات العربية بدور المرأة وفاعليتها في القطاع الأهلى، وقصور الحماس لنشاطتها في هذا المجال وشخصنة المنظمات الأهلية والممارسة الشكلية للديمقراطية داخل تلك المنظمات.
في سياق متصل، أعدت الدكتورة «فاطمة يوسف القاینی» دراسة بعنوان «القيادات النسائية المصرية وموقفها من بعض قضايا ومشكلات المجتمع»، خلصت إلى وجود مجموعة من المعوقات أمام اندماج المرأة ومشاركتها ترتبط بالدولة، وهي تتمثل في القيود التي تفرضها الدولة بسبب نزعتها الأبوية على المشاركة السياسية للمرأة، وتنصب بالأساس على عدم قيام الدولة بتوفير خدمات تمكن المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، وترتبط بقصور التشريعات الحالية في مراعاة الظروف والتقاليد التي ترتبط بالعمل العام للمرأة، وعدم تنفيذ القوانين الخاصة بفتح حضانات لأبناء العاملات في المؤسسات العامة، والأخطار الصادرة عن الرجل، وكذلك الهوس الناجم عن الخوف من النجاح المتزايد للمرأة، الأمر الذي يجعله يطالب بعودتها إلى المنزل، مع غياب المفاهيم الديمقراطية والشعور بعدم جدوى العمل السياسي لدى المرأة،وعدم اهتمام الأحزاب بالتثقيف السياسي للمرأة، وعدم احترام حقوق الإنسان، وكذلك المفاهيم التقليدية حول تقسيم الأدوار لصالح الرجل في الحياة العامة، وعدم الاهتمام بإبراز الدور النسائي في المجال السياسي ومجال الحياة العامة، ضعف الحالة الاقتصادية للمرأة بسبب عدم رغبة الشركات في توظيف المرأة في العمل، وكذالك النظرة المتدنية للمرأة، كما أن المرأة أقل دخلاً وأكثر بعدًا عن جماعات الضغط والمصالح، إضافة إلى انسحاب المرأة جزئيًا من سوق العمل بشكل يجعلها أقل قدرة على العمل العام.
کما توصلت دراسة أعدها الدكتور «حامد الهادي» بعنوان «المرأة والجمعيات الأهلية بين التهميش والتمكين: دراسة ميدانية في قرية الغار بالشرقية» إلى أن المرأة تقوم بدور ملموس في العمل التطوعي بالمجتمع مادام بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، وأن المجتمع يدعمها في ذلك حيث التطوع ظاهرة موروثة ساهمت المرأة ومازالت فيها بنصيب وافر، لكن الرجل نصف المجتمع يقف حجر عثرة أمام محاولات المرأة للتمكين في الجمعيات الأهلية، ويلعب دورًا واضحًا في تهميشها برضا وقناعة، بل تمت الهيمنة الذكورية على الإناث في أغلب الحالات مما يؤكد صدق مقولات «جرامشي» في هذا الشأن، لذا تبين للباحثة أنه ليس هناك رضا عام بين الإناث عن أوضاعهن الاجتماعية تجاه العمل التطوعي وخاصة داخل المؤسسات الرسمية، وإن كان مسموح به بشكل غير رسمى وبشرط أن يتم بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، ويفضل أن يتم من خلال المنزل حيث تتمكن المرأة من أداء أدوارها الأساسية داخل منزلها ويضاف إليها العمل التطوعي.
أما المحور الرابع والأخير فجاء بعنوان «المرأة والتنمية» تحت هذا المحور جاء عدد من العناوين المتنوعة، منها دراسة بعنوان «دور المرأة في التنمية المحلية في سيناء: صور الواقع واحتمالات المستقبل». كشفت الدراسة عن مشاركة المرأة في حرف يدوية ظلت تحتل أعلى النسب في المشاركة الاقتصادية، وارتفاع نسبة مشاركة الأنثى في مجالات التنمية المختلفة في المناطق الحضرية عنها في باقي المناطق، وأن المرأة التي يعمل زوجها بالأعمال الإدارية أكثر الفئات مشاركة في مختلف مجالات التنمية، وأن المرأة غير المتزوجة وصغيرة السن أكثر مشاركة في مجالات التنمية، فضلاً عن أنه كلما ارتفع مستوى التعليم زادت نسبة مشاركة النساء، فضلاً عن أن القطاع غير الربحي وهو القطاع الأهلى الذي يعمل خارج نطاق الحكومة وخارج نطاق السوق قد أثبت فاعلية في تشغيل أعداد كبيرة من النساء فى العريش وبئر العبد.
أبرزت الدراسة ظاهرة لا يمكن إغفالها في سوق العمل في شمال سيناء وهي أن العمل بالرعي والزراعة هو جزء لا يتجزأ من مسئولية المرأة السيناوية، و يتم في إطار التزامات عائلية ولا يمكن إغفال قيمته الاقتصادية وله قيمته العالية داخل الأسرة وهي لا تتقاضى أجرًا عليه .
من الدراسات التي تناولها هذا الباب دراسة بعنوان «التيار النسوى والعمل الأكاديمي في مصر .. كلية البنات نموذجًا» أعدتها الدكتورة «سامية قدرى ونيس»، وخلصت الدراسة إلى ما أسمته ببعض الحقائق عن الحركة النسوية الأكاديمية في مصر، وتمثلت في وجود انقسام داخل الحركة النسوية المصرية، فالحركة الأكاديمية لا تسير موازية للحركة الاجتماعية التي نشطت في المجتمع، ولا يحدث التقاء في كثير من الأحيان بينهما، وهذا يجعل الحركة النسوية المصرية تختلف عن مثيلاتها التي ظهرت في المجتمعات الغربية، على الرغم من تشابه النشأة الأولى لكل منها، كما أن الاهتمام بقضايا المرأة أكاديميًا لا تعكس حركة منظمة، بل إنها تعد «موضة» ظهرت كنتيجة للاهتمام العالمي بقضايا المرأة.
عن «العائد الاجتماعي من تعليم المرأة» أعد الدكتور «حافظ فرج أحمد» دراسة أبرز من خلالها أهمية وضرورة تعليم المرأة واعتبره أهم العوامل التي تقف وراء التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فبالتعليم تستطيع المرأة كما يستطيع الرجل تجاوز الواقع واكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للحياة، فضلا عن أهمية التعليم للمرأة للحفاظ على صحة أسرتها ورعايتها للصحة النفسية لأبنائها، والتعامل الحسن معهم ومتابعتهم في الدراسة.
وفي الختام تضمن الكتاب التوصيات التي خرجت من الندوة والتي قدمت ونوقشت على مدى ست جلسات في يومين كاملين ومن بين هذه التوصيات :
-
تطوير البرامج التي تمكن المرأة العاملة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية .
-
ضمان مشاركة المرأة في مختلف القطاعات في ظل العولمة وأيديولوجيتها الجديدة.
-
إرساء القواعد لوضع استراتيجية إعلامية تتناول موضوعات المرأة بما يحقق تقدمها.
-
الحرص على تصحيح الأفكار الخاطئة والتقليدية الخاصة بوضع المرأة والتي تشيع في الخطاب الإعلامي في المجتمع.
-
توعية المرأة بحقوقها السياسية والقانونية وتحقيق مساندة أفضل لها في مواجهة الضغوط المعوقة للوصول إليها.
يحسب للقائمين على هذه الندوة تجميع هذه الدراسات في كتاب وتوثيقها، مما يساعد على الوصول إليها والاطلاع عليها، فكثير من الأبحاث والدراسات المهمة يصعب الحصول عليها بعد الانتهاء من مناقشتها في ندوات أو مؤتمرات.
تكمن أهمية الكتاب في تقديمه صورًا متعددة لتأثيرات العولمة على النساء في مجالات مختلفة وهي المشاركة السياسية والعمل والمجتمع المدني والتنمية، وتناولت الدراسات هذه المحاور السابقة من خلال جوانب متعددة منها التشريعية والقانونية، والواقع الاجتماعي والثقافي، من الإيجابي أيضًا أن هذه الدراسات لم تركز على النساء في الحضر فحسب بل رصدت بعض الدراسات الميدانية واقع النساء في بعض المناطق الريفية والبدوية، ولكن يؤخذ على الكتاب عدم تناوله للتعقيبات والمداخلات التي أثيرت أثناء الجلسات، وما طرح من رؤى ووجهات نظر مختلفة ومتنوعة، مما كان يسهم في تقديم مساحة أوسع من المعرفة، ويثرى النقاشات حول القضايا التي تناولها الكتاب، فضلاً عن أن التوصيات التي خرجت بها الندوة اتسمت بالعمومية، ولم تحدد الجهات المنوط بها تنفيذ هذه التوصيات .