الفتاة:
بناء شخصية الفتاة في الأدب النسائي المعاصر
عرض: سهى رأفت (*)
يقع كتاب الفتاة – تراكيب بناء شخصية الفتاة في الأدب النسائي المعاصر في 171 صفحة بالإضافة إلى المقدمة التي قامت بكتابتها معدة الكتاب روث و. ساكستون. أما عن فصول الكتاب البالغ عددها تسعة فصول فقد كتبتها أستاذات أكاديميات ومتخصصات في الآداب والتاريخ وعلم النفس ومهتمات بصفة خاصة بالأدب النسائي. وتؤكد ساكستون في مقدمتها (xxix- xi) أهمية التيمة الأساسية للكتاب والتي كانت محور المناقشة التي دارت في إحدى الجلسات في مؤتمر MIA الذي عقد في واشنطن عام 1996. فمنذ ذلك الحين قررت ساكستون تبنى فكرة صدور كتاب عن صورة الفتاة التي تنشأ في المجتمع الأمريكي أو البريطاني أو حتى دول العالم الثالث كما صورها الأدب النسائي المعاصر في نهاية القرن العشرين. وبالطبع يعد موضوع الكتاب موضوعًا خصبًا للمناقشة والبحث والتنقيب كما أنه متعدد الجوانب ويعكس رؤى يتوافق بعضها البعض أو يتناقض كليًا وخصوصًا بسبب تنوع الباحثات والمناهج العلمية التي تقوم على أساسها موضوعات البحث. وتستفيض ساكستون في حديثها عن أوجه الاختلاف بين صورة الفتاة في الأدب النسائي المعاصر وصورتها في عهود سابقة وكذلك تنوع القضايا المحيطة بعالم الفتاة في الوقت الحالي خاصة تلك القضايا التي تتعلق بنظرتها إلى “الذات”، أو علاقاتها بالآخر في داخل مجتمع ذكوری مازالت تحكمه ثوابت كثيرة. وتشير ساكستون إلى تأثر الأدب المعاصر بالأدب في القرن التاسع عشر وخصوصًا أعمال الأدبيات الشهيرات مثل: جورج اليوت والأختين برونيه، كما يختلف معه تمامًا لأن الفتاة المعاصرة أكثر صمودًا من فتاة الماضي التي قتلتها الظروف وقهرتها الأقدار والأخطار، أما عن الفتاة في الأدب المعاصر فهي قادرة على مواجهة المعاناة النفسية والجسدية، بل وتتحدى تلك المعاناة بأساليب عديدة من أهمها القيام بسرد الحكايات والتعبير عن الذات. وتصف روث المقالات الموجودة في الكتاب بأنها تشبه الحوار الذي يكمل بعضه البعض الأخر. فيعكس رؤى جديدة حول متغيرات العصر التي تتعلق بالفتاة اليوم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فهناك تيمات في الأدب المعاصر تدور حول المفاهيم الجديدة لرؤية جسد المرأة أو قضايا الأمومة وجمال الشكل ورؤية الذات للذات والكثير من التيمات التي تتشابك خيوطها في النص الأدبي الواحد. وتؤكد روث أن صورة الفتاة في الأدب النسائي حالياً تختلف ليس فقط عن صورتها في أدب القرن 18 و 19 بل عن صورتها في الأدب الذي ظهر منذ عشرين عامًا مضت حيث أصبح هناك تركيز واضح على تصوير الفتاة كبطلة للسرد أي أصبح أسلوب السرد هو ما يمنح الرواية الأدبية بعداً جديداً ويعطى لها قيمة أدبية عالية. وتعدد روث الكثيرات من الأديبات المعاصرات من جذور وأجناس عرقية مختلفة ولكن تجمعهن تجربة الهجرة من الوطن الأم إلى أرض الأحلام في الولايات المتحدة الأمريكية. وعند سرد تجربة الهجرة في تلك الروايات يسير خط نضوج الفتاة النفسي والذاتي والعقلي بصورة متوازية مع انخراط الفتاة واندماجها في داخل المجتمع الأمريكي، وفي الروايات المعاصرة يعتبر جسد الفتاة رمزاً لأرض المعارك التي تخوضها الفتاة فعندما ترغم الفتاة أو تجبر على فعل شيء ما يكون هذا رمزاً إلى إرغامها على الاستمرار أو البقاء في مرحلة طفولتها دون السياح لها بالنضوج، ويعتبر النظام الغذائي الخاص بالرشاقة أو الملابس غير المريحة من أنواع الأنظمة الذكورية التي تقع الفتيات في فخها خصوصاً عندما يرغبن في أن يكن جميلات ومحبوبات في المجتمع. وتستعرض روث بعض الفروق بين الفتى والفتاة من حيث تطورهما النفسي وخصوصاً في مرحلة المراهقة عندما يؤثر فيهما المجتمع تأثيرًا بالغًا يدفع بالفتاة إلى الصمت في معظم الأحيان. وتؤكد روث أن هذا الكتاب بدأ بطرح سؤال وهو “كيف حاولت الكاتبات المعاصرات تصوير التركيبة الخاصة بشخصية الفتاة في الأدب النسائي؟” ويساهم هذا الكتاب إلى حد ما في طرح الحوار حول ذلك التساؤل وإن كان الكتاب لا يستعرض هذه القضية بشكل واسع. في الفصل الأول ص (1- 19) كتبت الباحثة “برندا دالى” تحت عنوان “إلى أين تذهب، إلى أين نحن ذاهبات في نهاية القرن؟- الفتاة محور الصراع الثقافي في رواية جويس كارول أوتس الموديل”. تستخدم برندا دالى تحليل كتابات جويس أوتس في مقارنة فتاة التسعينيات ومثيلاتها من فتيات الستينيات والسبعينيات قبل ظهور الحركة النسائية في أمريكا. الفتاة البطلة في قصص الستينيات تتشابه مع بطلة السبعينيات في مسألة القيام بالبطولة لروايات وقصص تعكس رؤى نسائية. أما عن بطلة التسعينيات مثل تلك البطلة في قصة أوتس الموديل فقد تغيرت تركيبة شخصيتها فأصبحت أكثر ثقة في النفس، تحمل سلاحاً للدفاع عن نفسها، ولكنها أيضًا تتعرض للكثير من الأخطار مثل التحرش الجنسي والاغتصاب. وتعتبر شخصية المغتصب على وجه العموم شخصية مركبة هي شخصية “الأب- المغتصب”. وتستخدم هذه الشخصية كرمز للمجتمع الأبوي الذكوري الذي يغتصب الكثير من حقوق المرأة. وتسترسل دالى في سرد أحداث القصة “موديل” وخصوصاً إبراز شخصية الأب المغتصب الغامضة وشخصية الفتاة المنقسمة الذات حيث تبدأ ذات الفتاة في الانقسام في مرحلة المراهقة عندما يبدأ المجتمع في تشكيل الفتاة في قدراتها وأفكارها. وتستند دالى في تحليلها للشخصيات إلى نظريات فرويد حول وضع الأب والأم بالنسبة للأبناء، وكذلك تفسيرات فرويد لما يسمى بالهلاوس والذكريات وتأثير تلك العناصر على اختيارتها في الحياة. وتؤكد دالى أن الفتاة التي تحمل سلاحاً لا تستطيع حماية نفسها فالمغتصب يعمل على تضليلها في معظم الأوقات والأحيان. وتعمل أوتس في قصتها على تحدي الكثير من المفاهيم السائدة في المجتمع الذكوري. كما تعمل على التأكيد على رسالة واضحة وهي مطالبة الآباء بالاستماع إلى بناتهن حتى يستطعن قهر العقبات التي تواجههن. ويحمل الفصل الثاني عنوانًا هو “السيطرة على الذات – الدمي- جنون البيتلز والخسارة” بقلم الباحثة جينا هو سكنشت. تستعرض الكاتبة قصة فيلم قصير هو “قصة فتاة” لجين كامبيون كما تقوم بتحليل رواية العيون الأكثر زرقة لتوني موريسون، والحجرة الدموية لآو الدم والشجاعة في المدرسة الثانوية من حيث استخدام تلك الأعمال الأربعة للرموز التي تعكس معاني كثيرة في حياة الفتاة في مرحلة المراهقة. وتقوم قصة الفيلم على إبراز الفروق ما بين الفتاة التي ترغب في تحقيق ذاتها والافتراضات التي تجعلها مقبولة اجتماعيًا، ويستخدم الفيلم الرموز من عرائس الباربي أو فريق البيتلز الغنائي الشهير في معالجة قضايا مثل قضايا الجنس ومحاولة اكتساب مهارات وخبرات في الحياة والعلاقات الاجتماعية في مرحلة المراهقة. وترمز عرائس الباربي للقالب الإجتماعي الجامد الذي توضع فيه الفتاة. ويتعرض الفيلم لقضايا زنا المحارم، وخصوصاً بين الفتاة والأب أو حمل الفتاة سفاحًا. تلعب الموسيقى دوراً حيوياً في التعليق على الأحداث. أما فريق البيتلز فيرمز إلى المشاعر الجنسية العنيفة في سن المراهقة عند الفتاة. أما في رواية موريسون فترمز العرائس إلى المجتمع الأمريكي من ذوى البشرة البيضاء والذي يلعب دورًا أساسيًا في قهر الفتيات من ذوات البشرة السمراء من خلال بثه لمتعقدات راسخة عن جمال الشكل للفتاة البيضاء دون سواها أو الترابط الأسرى أي تلك العناصر التي يفتقره المجتمع الأسود، وتؤثر سلباً على حياة الفتاة السمراء البشرة إلى حد قد يجعلها تفقد صوابها كما حدث لبيكولا بطلة رواية العيون الأكثر زرقة لتوني موريسون. وكذلك تتناول الروايتان الحجرة الدموية والدم والشجاعة في المدرسة الثانوية قضية تفكيك الموروثات الاجتماعية والأساطير الشائعة والتي تدور حول قولبة حياة الفتاة في داخل المجتمع الذكوري، وذلك من خلال استخدام الأساليب الساحرة في السرد، فتعتمد الفتيات في الروايتين على رفض الواقع وتحديه. وقد كتبت الفصل الثالث (ص43- 56) وعنوانه “أرض المعركة الخاصة بجسد الفتاة المراهقة” الباحثة برندا بودرو. ويتناول هذا الفصل المشاكل المتعلقة بجسد الفتاة الصغيرة مثل الإصابة بمرض الإيدز أو حمل الفتيات المبكر أو اضطرابات التغذية أو الاكتئاب النفسي. وهكذا تقول بودرو على جسد الفتاة إنه في مثل تلك الحالات يتحول هذا الجسد إلى أرض للمعركة. وتربط الكاتبة ما بين النظرة السلبية أو الإيجابية لجسد الفتاة وبين العلاقات الاجتماعية. فهي تتهم المجتمعات بمحاولات إهانة المرأة والسيطرة عليها باستخدام جسد المرأة كوسيلة، وتستعرض الكاتبة بعض المشاكل التي تطرحها روايات تتناول العلاقة ما بين المراهقة وجسدها، مثل رواية ساندرا بركلى الانجذاب القادم وتستخلص الباحثة أنه على المراهقة تحدى المفاهيم السائدة في المجتمع الذكوري حتى تستطيع أن تنجو وتحقق ذاتها. وتقول الكاتبة إنه من خلال تحليل بعض الروايات نجد أن الفتيات يشعرن بالغربة عن أجسادهن وخصوصاً مع صمت الأمهات، الأمر الذي قد يزيد من إحساس الفتيات بغربتهن مما يجعلهن يقهرن أجسادهن بأنفسهن عن طريق العمل كعاهرات أو استسلامهن لمحاولات الاغتصاب المستمرة من قبل الأب أو زوج الأم أو حتى الاستسلام للرغبة القوية في تغيير أشكالهن الخارجية كلون البشرة أو شكل الشعر. وبهذا تكون الباحثة برندا بوردو قد غطت جانباً مهماً من الجوانب التي تؤرق الفتاة في سن المراهقة وهو صراعها النفسي والعاطفى تجاه نظرتها لجسدها وخصوصاً في هذه السن الحرجة. في الفصل الرابع (ص 57- 78 ) تحت عنوان “عندما يغلق الباب الخلفي ويصبح الفناء الأمامي خطراً” كتبت الباحثة ديبورا كادمان عن الفضاء الذي تحتله كل فتاة في بعض روایات تونی موریسون، تؤكد كادمان أن الفتيات المراهقات في روايات موريسون يعشن في فضاء مغلق تماماً من جميع النواحى وإن كان مفتوحاً على ساحة مليئة بالأخطار الجسدية والمخاوف الميتافيزيقية المحيطة بالفتاة السوداء. ومن هذا المنطلق تتناول الباحثة رواية موريسون الشهيرة محبوبة حيث تحتمى بطلة الرواية المراهقة دنفر بجدران منزلها وتتقوقع داخل مخاوفها حتى تكاد تفقد ذاتها وأمها إلى الأبد. تنجو دنفر بحياتها عندما تخرج من فضائها الشخصي والزمني لتعود إلى فضاء في الزمن الماضي لتتفهم دوافع الأم عند قتل أختها الصغيرة. ومن هنا تؤكد الباحثة أن فضاء المراهقات يسيطر على أفكارهن وتصرفاتهن. وتتناول كادمان روايات سولا والعيون الأكثر زرقة وأنشودة سليمان لنفس الكاتبة، تونی موریسون، حيث تقوم بتحليل لشخصيات الفتيات المراهقات فتتعرض لفكرة الصداقة بين اثنتين من الفتيات تمردتا على واقعهما وعاشتا في أخطار بعيدًا عن فضاء التقاليد والعادات التي تقضى على ذات الفتاة وهويتها. وتتشابه الفتاتان في العيون الأكثر زرقة وأنشودة سليمان حيث ترفض كل منهما بشرتها السمراء وجمالها الأفريقي وتفضل أن تخرج إلى فناء الأخطار لتحاكي الفتيات من ذوات البشرة البيضاء فينتهى الأمر بالأولى إلى الجنون والثانية إلى الموت. وفي النهاية تقول الباحثة كادمان إن الفتاة شخصية محورية في روايات تونى موريسون. كما أن أدب موريسون يراعي التكوينات للفضائيات التي تعيش بداخلها كل فتاة، كما تهتم بربط الفتيات في ذهن القارئ برموز صارخة وصور واضحة. في الفصل الخامس تتحدث الباحثة إلينور آن ووكر تحت عنوان “احتمالات- حبكة روايات- ونهايات تسبب الدوار” وتتناول الباحثة الروايات التي تتطور وتنمو فيها شخصية الفتاة بعد صراع من أجل الوصول إلى نهاية ترضى هذه الشخصية النسائية ويدور الصراع في هذه النوعية من الروايات حول محاولات تحقيق الذات وبناء هوية في داخل مجتمع ذكوري يقاوم هذا الصراع ويحاول إحباطه. وتؤكد ووكر أن الكاتبات يحاولن تطويع الحبكة الروائية والصور النمطية واستخدام التعددية في وجهات النظر لتصوير “غربة” الفتاة عن ذاتها وعن المجتمع الذي تعيش فيه قبل خوض المعارك من أجل تحقيق الذات. وتقوم الباحثة بتحليل روايات للكاتبة جيل ماكوركل حيث تبين كيف تقتبس ماكوركل الحبكة الروائية من قصة حياة مشاهير مثل هيلين كلر وآن فرانك. كما تعتمد على نصوص أدبية تعود إلى أواخر ق 19 وأوائل في 20. ففي بعض الروايات تحاول الفتيات البحث عن “هوية” من خلال تقمص شخصية من شخصيات المشاهير من النساء. كما تتعرض الكاتبة لكثير من الخبرات التي تكتسبها الفتيات في سن مبكرة مثل تجارب الاغتصاب والوقوع في الحب الرومانسي والهروب من الواقع إلى أرض الخيال، وذلك في قالب رحلة حياة تصل بصاحبتها إلى النضوج فهي تستطيع بالفعل أن تخطو خارج حدود وعيها المراهق البسيط لتدخل حياة جديدة تتمتع فيها بقدر كبير من الثقة بالنفس والقدرة على الاختيار. في الفصل السادس (ص 95 – 105 ) بقلم رينيه ر. كيرى تحت عنوان “أنا لست جبانة صغيرة – الفتاة وضمير المتكلم في سرد الرواية المعاصرة”، تقول الباحثة كيرى، إن السرد الروائي باستخدام ضمير المتكلم لا يوحي بأن الراوي ممكن أن يكون ما زال في مرحلة بناء الشخصية أو بناء الهوية الذاتية. ولذلك فإن الراوية من الفتيات تلك التي تستخدم ضمير المتكلم “أنا” لا يمكن أن تكون “جبانة صغيرة” وتؤكد الباحثة أن تلك الراوية الصغيرة هي أهل الثقة وهي مقنعة تمامًا، غير بريئة ولا تعانى بسبب فقدانها لبراءتها. مفهوم البراءة هو مفهوم اجتماعي يفرضه المجتمع على شخصية الفتاة المراهقة الصغيرة حيث يتوسم فيها الجميع النقاء والطهارة والبساطة والسذاجة وأن تكون بدون خطيئة. ويعتبر سرد الفتيات الصغيرات للروايات هو تفكيك أدبي لنظرة المجتمع والافتراضات التي يفترضها في الفتاة التي تتمرد بل وترفض أن تتصف بتلك الصفات السابق ذكرها. وتشير الباحثة إلى معاناة الفتيات الصغيرات مع عالم الكبار الذين يرفضون السماع عن رغبات الفتيات الجنسية أو يجبرن هؤلاء الفتيات على الصمت طويلاً، وتقوم الباحثة بتحليل ثلاث روايات لكاتبات في فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين. حيث تؤكد أن الفتاة الراوية في الأدب المعاصر تتحدى تعريفات القرن العشرين عن العزلة والتشتت الذهني. فهي واعية، ناضجة وقادرة على التحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل وهي لا تخشى الزمن وما يهددها من أخطار، وأخيرًا الفتاة الراوية هي أهل للثقة تمامًا. الفصل السابع (ص 107 – 118) كتبته ديان سيمون تحت عنوان “سن البلوغ في مصيدة التاريخ- قصة جاميكا كينسيد السيرة الذاتية لآمي”. تتناول الباحثة ديان سيمونز رواية جاميكا كينسيد Jamica Kincaid بالتحليل، كما فعلت الباحثة رينيه كبرى في الفصل السابق، وتركز الباحثة هذه المرة على استخدام المنهج النقدي “ما بعد الاستعمار” في تحليلها للنص الأدبي آن چون قائلة إن مرحلة سن البلوغ عند الفتيات ذوات البشرة الملونة لا يمكن أن تكون مرحلة سعيدة. ففي رواية آن چون ترمز الكاتبة كينسيد للظلم والقهر الاستعماري من خلال شخصية أم الفتاة آن چون. تلك الأم الصارمة التي تتسبب في نظرة الفتيات إلى أنفسهن نظرة دونية. وتؤكد سيمونز أن استخدام الأم كرمز للقهر هو أمر متكرر. أما عن رواية كينسيد السيرة الذاتية لآمي فهي تدور حول فتاة يتيمة الأم وبالتالي فهي لا تمتلك أي بارقة أمل في أن تتلقى أي نوع من أنواع الحب والرعاية وخصوصًا لأنها تحيا حياة في داخل مجتمع التفرقة العنصرية يبجل كل ما هو أبيض البشرة ويحتقر كل ما هو دون ذلك. إن أكثر ما يميز تحليل الباحثة هو الربط ما بين الحياة الشخصية للفتيات وما بين الحياة العامة والاستعمارية التي تقهر الفتاة المراهقة عند سن البلوغ. وتقوم الكاتبة كينسيد بقلب الأدوار في رواية السيرة الذاتية لآمي وذلك عندما تتزوج الفتاة المراهقة اليتيمة الضعيفة من رجل من رجال الاستعمار، أبيض البشرة، فتحوله إلى إنسان ضعيف وذليل وأسير حبها وعشقها. وهكذا تستطيع الانتقام وتتربع الفتاة الضعيفة فوق عرش السيطرة بسبب إدراكها ووعيها للعلاقات الإنسانية ما بين القوى والضعيف. وتحت عنوان “السرد الهدام” كتبت الباحثة ج إيزابيل س. أنيفاس الفصل الثامن ص (119- 134). وفي هذا الفصل تقوم الباحثة بتحليل رواية الكاتبة چانيت وينترسون ليس البرتقال هو الفاكهة الوحيدة حيث تؤكد الباحثة أن الأسلوب الذي استخدمته الكاتبة في سرد الرواية يطلق عليه أسلوب “الهدم” لأنه يرمز إلى حياة النساء اللاتي يعشن في الرواية. وتدور أحداث تلك الرواية في بريطانيا حول أسرة من الأسر العاملة المكافحة تحكمها أعراف وتقاليد ومفاهيم سائدة. وتقوم فتاة (مثلية) تنتمى لهذه الأسرة بسرد الأحداث. فتحاول هذه الفتاة أن تشرح من خلال السرد طبيعة الخلاف ما بين الأعراف والأيديولوچيات الثقافية السائدة و”الذات” التي تتوق إلى النمو والتطور. وتشير الباحثة إلى استخدام بعض الحواديت الخيالية وحواديت السحر التي تتعلق وتتداخل خيوطها مع الخيوط الرئيسية في الرواية وبالتالي تساهم في بناء “ذات” الفتاة بطلة الرواية. والباحثة تستخدم نظريات العالم النفسي “چاك لاكان” الخاصة باستخدام اللغة في السرد الروائي وذلك لتحديد الهوية الجنسية للراوي. وبما أن البطلة الراوية مثلية فهناك تناقض لغوى بين ما تقول وبين اللغة السائدة في المجتمع الذكوري الذي يرفضها. وتوضح الباحثة كيف هدم السرد الروائي ذلك الطريق المستقيم الذي تسير فيه البطلة عادة نحو التطور والنمو فهناك “عوامل تحفيز” للفتاة تدفع بها إلى التطور، بل وتشير إلى قدرتها على تغيير المفاهيم السائدة في المجتمع. وتتناول الباحثة على وجه العموم أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الرواية وروايات أخرى. تتشابه هذه الرواية مع غيرها لأنها تبين نوعية العلاقات العامة ما بين الشخصيات كعلاقة الأم بابنتها وخصوصًا عندما تكون الأم رمزًا لوضع القيم والتقاليد الاجتماعية الجامدة كجزء لا يتجزأ من حياتها وحياة بناتها. فهناك نوع واحد فقط من السلوك القويم. والجديد في الأمر أن الفتاة الراوية تعيد ما تتعلم من الأم بأسلوب جديد تمامًا وأهم التيمات الموجودة في تلك الرواية هي تيمة البحث عن الهوية الجنسية. وتستخدم الكاتبة السخرية كأداة مهمة في هدم السرد الروائي حيث تناقش الواقع في المجتمع الذكوري والأدوار التقليدية التي تلعبها الشخصيات وتتحداها. ويتناول البحث في الفصل التاسع حواديت المهاجرات من مختلف البلدان إلى أرض الأحلام في أمريكا. فتكتب الباحثة روز ماری مارانجولی چورچ مقالاً تحت عنوان ” ولكن هذا حدث في بلدة أخرى – الفتاة في مرحلة الصبا وسرد المهاجرات إلى أمريكا في الوقت المعاصر”. وينقسم هذا المقال إلى ثلاثة أجزاء. ففي الجزء الأول تقوم الباحثة بتحليل ثلاث روايات أدبية لكاتبات ملونات وتدور التيمة الأساسية المشتركة بين الروايات الثلاث حول تجربة هجرة الفتيات من الوطن الأم إلى الولايات المتحدة في فترة التسعينيات. أما في الجزء الثاني فتستعرض الكاتبة وجهات نظر النقاد في الشخصيات من الفتيات بطلات الروايات، أما الجزء الثالث فهو يناقش طريقة قراءة تلك النصوص بأسلوب يتماشى مع استخدامها لأغراض تعليمية. في الجزء الأول تشير الباحثة إلى مرحلة ما قبل الهجرة بالنسبة للفتيات في سن الصبا والمراهقة. وتعتبر هذه الروايات من النوع الذي يحكي عن مراحل نضوج الفتاة وتطورها النفسي على مدار عدة سنوات. وكذلك يقوم البناء الروائي على سرد أحداث انتقال البطلة من الوطن الأم للهجرة إلى أمريكا ويعتبر الانتقال والهجرة من مكان إلى مكان رمزًا لنمو الشخصية حيث يسير الحدثان في خط متوازٍ. وتؤكد الباحثة استخدام السخرية في هذه النوعية من الروايات والتي تجبر القارئ على أسلوب خاص في القراءة، كما تشير إلى أن نوعية القارئ الذي يستمتع بقراءة تلك الروايات، هو القارئ الذي ما زال في سن صغيرة والذي يستمتع بالقراءة عن التيمات الرئيسية التي ترد في تلك الروايات مثل تيمة التسامح والقدرة على المعارضة وفقدان البراءة ومناهضة الاستعمار. وفي الجزء الثاني من المقال تشرح الباحثة ما يمكن أن نتعلمه نحن المدرسون والطلاب عن كيفية قراءة مثل هذه النوعية من النصوص. بحيث تقدم هذه الروايات تحديًا واضحًا للروايات التي كتبتها نساء من ذوات البشرة البيضاء. وتستعرض الباحثة مجموعة من التعليقات التي وردت على غلاف الروايات حيث يشير معظمها إلى نضوج الشخصيات بالفعل وذلك عندما تندمج بصورة شبه كاملة في داخل المجتمع الأمريكي حيث تعيش الجنسيات المتعددة وإن كان الألم والمعاناة من أهم الجوانب المصاحبة لعملية النضوج. وفى الجزء الثالث والأخير تقترح الباحثة بعض الطرق لتدريس روايات لكاتبات ملونات البشرة مع مراعاة توصيل مفاهيم المقاومة الموجودة في النص وخصوصًا مع توضيح الفروق بين هذه النصوص والقوانين السياسية والاقتصادية التي وضعها المجتمع الأمريكي وأثرت سلبًا على جنسيات عديدة من المهاجرين. ويعتبر هذا الكتاب من المراجع المتخصصة التي تستطيع الباحثة الأكاديمية الاستفادة منه أكثر من القارئة العادية وخصوصًا القراء الذين يهتمون بدراسة الأدب النسائي المعاصر. وترجع تلك المسألة إلى مستوى الكتاب العلمي المرتفع ولغته التقنية الدقيقة وطرح الكتاب للعديد من النظريات النقدية الحديثة والمتخصصة، وكذلك لأن كاتبات المقالات هن جميعًا باحثات أكاديميات. وتتميز مقالات الكتاب بالتتويج أي أنه بالرغم من وجود تيمة محورية مثل تيمة “شخصية الفتاة” في جميع المقالات فإن كل بحث على حدة يختلف من حيث المنهج النقدي أو استناده إلى نظريات علم النفس والاعتماد على علماء مثل فرويد ولاكان في التحليل للشخصيات والرموز في بيئة اجتماعية معينة. وكذلك تختلف وجهات نظر الباحثات اختلافات جوهرية حتى حين يتناولن الأعمال الأدبية نفسها لبعض الكاتبات المعاصرات، ومن الملاحظ أن هناك أعمالاً وكاتبات قد تكرر وجودهن في الأبحاث مثل چاميكا كينسيد وتونی موریسون صاحبة جائزة نوبل للأدب في التسعينيات ويدل هذا على أن هؤلاء الكاتبات قد أثرن بالفعل في ساحة الأدب النسائي المعاصر وخصوصًا بسبب طرحهن لقضايا النوع والجنس والعرق ومردود تلك القضايا على حياة الفتيات والنساء على وجه العموم، اللاتي يعانين بسبب لون البشرة الملون من أكثر من نوع واحد من الظلم. فتصارع الفتاة تلك الظروف التي تقهرها حتى تصل إلى مرحلة النضوج وإثبات الذات. وبالرغم من وجود الكثير في محتوى هذا الكتاب القيم فإن هناك جوانب أكثر في انتظار البحث، فبالطبع هناك للحديث بقية عن موضوعات “الفتاة” في الوقت المعاصر.الهوامش
(*) Ruth O. Soxton. The Girl: Constructions of the Girl in Contemporary Fiction by Women, New York: St., Martin’s Press, 1998.
سهى رأفت: أستاذة مساعدة بقسم اللغة الإنجليزية، جامعة حلوان، وعضوة بمؤسسة المرأة والذاكرة.