الفصل الخامس: موقف قضاء مجلس الدولة

التصنيفات: غير مصنف

موقف قضاء مجلس الدولة

الوثيقة الأولى: عائشة راتب وقضية تعيينها بمجلس الدولة القضية رقم ٣٣ لسنة ٤ قضائية جلسة ٢٠ من فبراير سنة ١٩٥٢ ميعاد الستين يوما. بدؤه. من النشر أو الإعلان أو العلم الحقيقي. مصلحة في الدعوى. طعن الاتحاد النسائى فى قرار إداري استند في ترك المدعية في التعيين إلى عدم ملاءمة تعيينها لأنوثتها. توافر المصلحة. قرار إدارى. مناسبة اصداره. ترخص الجهة الإدارية. شرطه. وظائف عامة. قصر بعضها على الرجال دون النساء، يدخل في مناسبة إصدار الأمر الادارى.لا معقب من المحكمة.شرطه. ۱ – ميعاد رفع الدعوى طبقًا للمادة ۱۲ من قانون مجلس الدولة هو ستون يوما من تاريخ نشر القرار أو إعلان صاحب الشأن به وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أنه في حالة عدم نشر القرار أو عدم إعلانه فلا يبدأ الميعاد إلا من تاريخ العلم بالقرار وأن المعول عليه في ذلك هو العلم اليقيني لا الظني ولا المفترض. ٢ – إن الاتحاد النسائي جمعية تقوم علي الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية وإذ كان القرار المطعون فيه قد استند في ترك المدعية في التعيين في وظائف مجلس الدولة الفنية إلى عدم ملاءمة تعيينها بسبب أنوثتها فإنه يكون للاتحاد ولاشك مصلحة محققة في التدخل دفاعًا عن مبادئه وقياما على أداء رسالته. ٣ – لا جدال في أنه في غير الأحوال التي تقيد فيها سلطة الإدارة التقديرية بنص في قانون أو لائحة أو بمقتضي قاعدة تنظيمية عامة التزمتها يصبح التقدير من إطلاقات الجهة الإدارية تترخص فيه بمحض اختيارها فتستقل بوزن مناسبات قرارها وبتقدير ملاءمة أو عدم ملاءمة إصداره بما لا معقب عليها في هذا الشأن من محكمة القضاء الإداري مادام لم يثبت أن قراراها ينطوي على إساءة استعمال السلطة. أما ما يذهب إليه الدفاع عن المدعية من أن تقدير الملامة يجب أن يقوم على أسباب معقولة وأن هذه الأسباب تخضع لرقابة المحكمة حتى تتبين أن جهة الإدارة لم تجاوز وحدود السلطة التقديرية المخولة لها، فإنه يتنافى مع حرية الإدارة في مباشرة سلطتها التقديرية ويهدم استقلالها في تقدير مناسبات الأمر الإداري وملاءمة إصداره وهو أمر تأباه قواعد القانون الإداري التي استقرت على أنه لا وسيلة للتعقيب على هذه السلطة إلا بعيب إساءة استعمال السلطة وإنه ليس لهذه الحكمة أية رقابة على المناسبات التي تحمل الإدارة على تقدير الملاءمة أو عدم الملامة في إصدار قراراها أو على الاعتبارات التي تراعيها في ذلك إلا إذا قام الدليل المقتع على أن هذه الاعتبارات تنطوي في ذاتها على إساءة استعمال السلطة. 4 – قصر بعض الوظائف كوظائف مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الآخر أن يكون وزنا لمناسبات التعيين في هذه الوظائف تراعي فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد دون أن يكون في ذلك لاحط من قيمة المرأة ولا نيل من كرامتها ولا غض من مستواها الأدبي أو الثقافي، ولا غمط لنبوغها وتفوقها ولا إجحاف بها، وإنما هو مجرد تخيير الإدارة في مجال تترخص فيه لملاءمة التعيين في وظيفة بذاتها بحسب ظروف الحال وملابساته كما قدرتها هي، وليس في ذلك إخلال بمبدأ المساواة قانونًا – ومن ثم فلا معقب لهذه المحكمة على تقديرها مادام خلا من إساءة استعمال السلطة.

أقامت المدعية هذه الدعوى بصحيفة أودعتها سكرتيرية المحكمة مع مذكرة شارحة وحافظة بمستنداتها في ٢٧ من أكتوبر سنة ١٩٤٩ قائلة انها حصلت على اجازة القوانين المصرية في سنة ١٩٤٩ بدرجة جيد جدًا بعد أن ظفرت فى جميع سنة الدراسة بالدرجة ذاتها وهى من درجات الامتياز التى تؤهلها لأية وظيفة قضائية، وأن مجلس الدولة أعلن عن وظائف مساعدي مندوبين حرف بتشغل من الحاصلين على درجة ممتاز أو درجة جيد جداً فتقدمت بطلب إلى المجلس في ١٦ من يوليه سنة ١٩٤٩ ترشح نفسها لإحدى هذه الوظائف واذ كان عدد المتقدمين لها ممن توافرت فيهم شروطها يزيد على عدد الوظائف اعتمد المجلس فى اختياره على الدرجات التي حصل عليها مقدمو الطلبات وطبقًا لهذا المقياس كانت المدعية تحسب أنها في عداد المختارين وكانت بالتالي تترقب أن تفوز بإحدى هذه الوظائف إلا أن قرار التعيين صدر خلوًا من اسمها رغم أحقيتها القانونية فى التعيين مما ينطوي على إساءة استعمال السلطة لذلك تطعن المدعية فى تعيين الطالب الذى حل محلها فى القرار الذى أغفلها وتطلب تعديل ذلك القرار بحيث يشملها التعيين مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ومع حفظ حقها في التعويض وقد أشارت المدعية في صحيفة دعواها إلى حديث جرى مع وكيل المجلس قال فيه أنه لا يوجد مانع من الوجهة القانونية من تعيينها و لكن من الوجهة الواقعية فهذا شيء جديد على المجلس وإلى حديث آخر مع رئيس المجلس حسبت فى أثنائه أن الرأى قد استقر على قبولها كان الشك قد داخلها فى ختامه ثم زاولتها شكوكها حين نشرت الجرائد نبأ تعيينها لكن حدث بعد ذلك أن طلب إليها وكيل المجلس الحضور لمقابلته وأخبرها أن أمر تعيينها عرض على وزير العدل فتردد معاليه ولم يشأ أن يتحمل المسؤلية وحده وعرض الأمر على رئيس الوزراء فطلب إليه الرئيس التريث لأن تعيين المدعية يتنافى مع السياسة العامة للدولة ثم عرض عليها وكيل المجلس التعيين في الشهر العقارى أو فى المحاكم الحسبية أو في وزارة الشئون الاجتماعية على أن يكون تعيينها في إحدى هذه الجهات مقدمة لتعيينها في المجلس ولكنها رفضت هذا العرض وعقب ذلك صدر القرار المطعون فيه.

وفي المذكرة الشارحة تكلمت المدعية بإسهاب عن حقوق المرأة وما وصلت إليه منها في البلاد الأجنبية و فى مصر وعن كفاحها في سبيلها في العصور المختلفة وقالت إن إنكار تلك الحقوق إنما يرجع إلى الرجال الذين يفكرون بعقلية قديمة موروثة من تقاليد الأجيال البالية تدفعهم إلى المكابرة ثم لخصت أدوار التطور في جهاد المرأة المصرية حتى فتحت أمامها أبواب العلم فوصلت إلى آخر مراحله وحتى اقتنع رجال الدين بحق المرأة في العمل.

وانتهت من ذلك كله إلى القول بأن عدم تعيينها ينطوى على إساءة استعمال الحق مما يستوجب الإلغاء والتعويض.

وقد ردت الحكومة على ذلك بمذكرة أو دعتها فى ٣٠ من نوفمبر سنة ١٩٤٩ طلبت فيها الحكم برفض الدعوى مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقالت فيها إن المدعية تستند في دعواها إلى أن ثمت حقاً قانونياً لها فى التعيين في حين أنها لم تتبين ماهية هذا الحق أو مداه أو الأساس الذى بنى عليه ولذلك جاءت الدعوى خلوا من السند القانوني.

واستطردت الحكومة إلى أن القرار المطعون فيه وقد صدر في ١٧ من سبتمبر سنة ١٩٤٩ لا تشوبه شائبة لأن للوزير الحق فى التعيين والاختيار بما يراه محققًا للمصلحة العامة. ولأن التعيين قد تم وفقًا للقوانين واللوائح إذا توافرت فى من شملهم القرار جميع الشروط التي يتطلبها القانون فى تعيينهم ولأن التعيين فى الوظائف من المسائل الجوازية لا الوجوبية. وأن الخطاب الذي تلقته المدعية من مجلس الدولة لا يعدو أن يكون إجراء باستكمال التحريات ثم قالت عما ورد بالمذكرة الشارحة أنه جدل يدور حقوق المرأة وتطور هذه الحقوق فلا صلة له بموضوع الدعوى. وبعد وضع التقرير في الدعوى عين لنظرها جلسة ۲۹ من نوفمبر سنة ١٩٥٠ وفيها وفي الجلسات التالية سمعت أقوال الطرفين على الوجه المبين بمحاضرها وقد طلب السيدة سيزا نبراوى بجلسة ٢٩ من نوفمبر سنة ١٩٥٠ التدخل في الدعوى من الاتحاد النسائي منضمة إلى المدعية وقررت المحكمة قبولها بهذه الصفة ودفعت الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن طلبات المدعية فيها لا تهدف إلى إلغاء القرار المطعون فيه وإنما تهدف إلى تعديل ذلك القرار بحيث يشملها التعيين ولا تملك المحكمة إصدار قرارات بتكليف جهة إدارية بإجراء أمر معين هو من وظيفة هذه الجهة. كما دفعت بعدم قبولها تدخل الاتحاد النسائي لأنه جاء بعد قوات الميعاد المنصوص عليه في المادة ۱۲ من قانون مجلس الدولة من جهة ولانتفاء المصلحة من جهة أخرى. وفى المذكرة الختامية عدلت المدعية طلباتها إلى طلب الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تركها فى التعيين مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة – وكانت المتدخلة قد صممت قبل ذلك على الطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى بحسب مفهومها وهي إلغاء القرار الصادر ثم أرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.

بعد تلاوة التقرير وسماع ملاحظات الطرفين والاطلاع على الأوراق والمداولة.

أ – عن الدفع بعدم الاختصاص: –

من حيث أن مبنى هذا الدفع أن طلبات المدعية بالصيغة التى وردت بها في صحيفة الدعوى إنما تهدف إلى تعديل القرار المطعون فيه بحيث يشملها التعيين في حين أن محكمة القضاء الإدارى لا تملك إصدار قرارات بتكليف جهة الإدارة إجراء أمر معين هو من وظيفة هذه الجهة، كما لا تملك المحكمة من باب أولى أن تحل محلها في إصدار مثل هذه القرارات، وعلى ذلك تكون المحكمة غير مختصة بالنظر في تلك الطلبات.

ومن حيث إن طلبات المدعية فى مجموعها إنما تهدف إلى الإلغاء وأن القصد من صياغتها على الوجه الذى وردت به في صحيفة الدعوى هو تبيان النتيجة المترتبة على الإلغاء والمصلحة التي تترقبها المدعية من القضاء به ومع ذلك فقد أصبح الدفع غير ذى موضوع بعد إذ عدلت المدعية طلباتها إلى الحكم بالإلغاء صراحة، وبعد إذ فسرت المتدخلة هذه الطلبات بأنها ترمى إلى إلغاء القرار المطعون فيه. ومن ثم يكون الدفع فى غير محله متعينًا رفضه.

ب عن الدفع بعدم قبول تدخل الاتحاد النسائي: –

من حيث إن مبنى هذا الدفع أن طلب التدخل غير مقبول لأمرين أولهما أنه جاء بعد فوات الميعاد المنصوص عليه فى المادة ۱۲ من قانون مجلس إذا لم تتقدم به المتدخلة إلا في ٢٩ من نوفمبر سنة 1950 بينما صدر القرار المطعون فيه فى ١٧ من سبتمبر سنة ١٩٤٩ وأقيمت الدعوى في ٢٧ من أكتوبر ١٩٤٩ فيكون طلب التدخل والحالة هذه قد تقدم بعد فوات ميعاد الستين يومًا.

والأمر الثاني ليس النسائى مصلحة شخصية ومباشرة في الدعوى، بينما قد أستقر فضاء هذه المحكمة على أنه يشترط فى القرار المطعون فيه أن يمس حالة قانونية خاصة بالطاعن تجعل له مصلحة شخصية ومباشرة فى طلب إلغائه فى حين أنه لا يمكن القول بأن للاتحاد المذكور حالة قانونية تتأثر بالقرار المطعون فيه كما استندت الحكومة فى الدفع بعدم قبول الدعوى إلى وجه ثالث أبدته بجلسة ۲۹ من نوفمبر سنة 1950 مؤداه عدم قيام صفة الاتحاد في التدخل ولكن الحكومة أغفلت هذا الوجه فى مذكرتها الختامية بعد أن تناولته المتدخلة بالرد بالجلسة ذاتها وفي ذاتها وفى مذكرتها الختامية وقدمت قرارًا من مجلس الاتحاد النسائي بإنابتها في التدخل في هذه الدعوى باسم الإتحاد كشخص معنوى له حق التقاضي.

ومن حيث إنه فيما يتعلق بالشطر الأول من الدفع وهو الخاص بفوات الميعاد فإن الميعاد رفع الدعوى طبقًا للمادة ١٢ من قانون مجلس الدولة هو ستون يومًا من تاريخ نشر القرار أو إعلان صاحب الشأن به وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أنه في حالة عدم نشر القرار أو عدم إعلانه فلا يبدأ الميعاد إلا من تاريخ العلم بالقرار وإن المعول عليه في ذلك هو العلم اليقيني لا الظني ولا المفترض، وقد قررت المتدخلة أنها لم تعلم بالقرار المطعون فيه إلا في الأسبوع السابق لتدخلها واذ لم يقم دليل على علمها به قبل ذلك فيكون التدخل قد حصل فى الميعاد. اما بالنسبة إلى الشطر الثانى من الدفع وهو الخاص بمصلحة الاتحاد النسائي في طعنه فقد بان للمحكمة أن ذلك الاتحاد جمعية تقوم على الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية والسايسية واذ كان القرار المطعون فيه قد استند في ترك المدعية فى التعيين فى وظائف مجلس الدولة الفنية إلى عدم ملائمة تعيينها بسبب أنوثتها فإنه يكون للاتحاد ولا شك مصلحة محققة في التدخل دفاعًا عن مبادئه وقيامًا على أداء رسالته ومن ثم يكون الدفع من وجوهه فى غير محله متعينًا رفضه.

ج – عن الموضوع: –

من حيث أن المدعية تستند فى طعنها إلى أن التعيينات قد تمت على مقتضى قاعدة تنظيمية عامة أساسها أن يراعى في التعيين ترتيب المرشحين بحسب مجموع درجات كل منهم في امتحان الليسانس، وأن التزام هذه القاعدة كان يقتضى تعيينها لأنها تكون على أساسها الثامنة في ترتيب المرشحين بينما الوظائف التى تم التعيين فيها فعلاً كانت إحدى عشر وظيفة، ولكن ولكن هذه القاعدة خولفت بالنسبة إليها، فيكون القرار المطعون فيه مخالفًا للقانون لمخالفته للقاعدة التنظيمية العامة التى التزمتها الإدارة، كما أنه مخالف من ناحية أخرى لمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور بالمعنى الذى أجمع عليه رجال الفقه ومؤداه أن المساواة واجبة بين جميع من هم في مراكز قانونية متساوية بصرف النظر عن الأصل أو اللغة أو الدين أو الجنس أو اللون أو أي امتياز آخر وأنه وإن كانت المدعية تسلم بمبدأ الملاءمة فى التعيين باعتباره سلطة تقديرية للإدارة إلا أن تقدير الملاءمة أو عدمها يجب أن يقوم على أسباب معقولة تخضع لرقابة المحكمة وأن من أمثلة الملاءمة المقبولة قصر وظائف التمريض فى بعض البلاد على السيدات دون الرجال إذ ترجع إلى أسباب نفسية أقرها الطب وعلم النفس وكذلك قصر وظائف الكتابة بالآلة الكاتبة على السيدات لما أثبتته التجارب العلمية من أن المرأة أسرع في العمل وأكثر دقة وجدلاً فلا يجوز للرجال الطعن في قرار عدم قبولهم فى هذه الوظائف بدعوى الإخلال بمبدأ المساواة مادامت المخالفة بنيت على أسس علمية مسلمة تتفق والصالح العام. إذ الواقع من الأمر أن المخالفة لصورة من الصور المنظمة لمبدأ المساواة على أساس جواز التفاوت في المعاملة بحسب اختلاف المراكز القانونية وعلى ذلك يلزم معرفة أساس عدم الملاءمة في تعيين المدعية، فإذا كان هو عدم ملاءمة المرأة للوظائف الحكومية عمومًا فذلك مردود بأن الحكومة توظف المرأة في كثير من الوظائف فى فروع الحكومة المتعددة كوزارة الشئون الاجتماعية ووزارة المعارف ووزارة الصحة وغيرها. وإذا كان هو عدم ملاءمة المرأة لوظائف وزارة العدل فهو مردود أيضًا بأن هذه الوزارة وظفت نساء كثيرات في الشهر العقاري والمحاكم الحسبية، وإذا كان هو عدم ملاءمة المرأة لوظائف مجلس الدولة بصفة خاصة فهو مردود كذلك بأن هذه الوظائف أقل تعرضًا للجمهور من وظائف الشهر العقاري والمحاكم الحسبية – أما إذا قيل بعدم ملاءمة منصب القضاء للمرأة، فإن إثارة مبدأ الملاءمة في هذه المرحلة سابقة لأوانها، لأن وظائف مجلس الدولة التي هي دون منصب الاستشارة في محكمة القضاء الإداري ليست وظائف قضائية، بل إنها لا تختلف عن الوظائف في الوزارة الأخرى من حيث طبيعة عملها، بل لعلها أقل شأنا من ناحية الإلزام إذ الآراء التي يبديها الموظف فيها استشارية غير ملزمة بينما وظائف الدولة الأخرى يملك شاغلها الكثير من سلطة التقرير والأمر.

ومن حيث إن دفاع الحكومة فى هذه الدعوى يقوم على أن سلطة التعيين في الوظائف هي سلطة تقديرية من إطلاقات الإدارة فترخص وحدها في تقدير ملاءمة إصدار قرارات التعيين بما يحقق الصالح العام بلا معقب عليها من محكمة القضاء الادارى مادام قراراها لا ينطوي على إساءة استعمال السلطة وأن كفاية من يشغل الوظيفة ومقدرته على القيام بأعبائها أنها هي أمور نسبية يترك تقديرها للوزير المختص بما له من سلطة تقديرية فى تعيينه وتستطرد الحكومة إلى أن القاعدة التنظيمية المقيدة للسلطة التقديرية لا يقررها إلا من يملك اصدار القرار الاداري وهو في الحالة المعروضة وزارة العدل، وهى لم تقرر قاعدة معينة يمكن القول بأنها خالفتها بالنسبة إلى المدعية. أما المناقشات التى دارت فى الجمعية العمومية لمجلس الدولة، فانها لا تقيد وزارة العدل، لأن الجمعية العمومية لا تملك المناقشة إلا فيما يعرض عليها من ترشيحات في حين أن الترشيحات لم تشمل المدعية، ولذلك لم تصدر الجمعية العمومية قرارًا بشأنها وانما أصدرت قرار بالموافقة على ترشيحات وزارة العدل – بيد أنه إذا كان ثمة قاعدة تنظيمية اتبعتها الوزارة في التعيين فقد تضمنت هذه القاعدة عدم تعيين المرأة فى وظائف المجلس، وقد صدر القرار المطعون فيه وفقًا لذلك، ولكن المدعية تذهب إلى أن من حقها أن تطعن على الأساس الذي قامت عليه القاعدة المذكورة، والحكومة لا تقرها على ذلك، لأن وضع القواعد التنظيمية العامة من أخص أعمال السلطة التنفيذية وهى لا تخضع فى ذلك لرقابة ما باعتبارها قوامة على تنظيم ادارة دفة الحكم فلا تسأل عنها إلا أمام سلطات معينة وفقًا لأحكام الدستور، وبعد أن أشارت الحكومة إلى نص المادة الثالثة من الدستور التي تنص على المساواة بين المصريين في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك لسبب يرجع إلى الأصل أو اللغة أو الدين. قالت أنه فيما عدا ذلك من الأمور يكون التمييز جائزًا كالتمييز بسبب الجنس مثلاً ثم استندت إلى أن العرف لم يستقر بعد على أن تتولى المرأة مناصب القضاء وما يتصل به، وأن الشريعة الإسلامية لا تسوى بين الرجل و المرأة، كما استندت في تدعيم وجهة نظرها إلى بعض آيات القرآن الكريم وإلى حديث شريف، وكذلك إلى ما أصدرته جبهة الأزهر فى بيان للناس وفيما أسمته صيحة الحق في موضوع المرأة المسلمة وانتهت الحكومة من كل ذلك إلى طلب الحكم برفض الدعوى.

ومن حيث أن الحاضر مع المتدخلة في الدعوى أثار أبحاثاً شتى في مرافعته وفي مذكرته، منها بحث في عاطفية المرأة وتقديس الأنوثة ومركز المرأة القانوني والاجتماعي قديمًا ومركزها في العصور الوسطى في أوربا ومساواة المرأة للرجل في أوربا، وبحث آخر في تولى المرأة لمناصب القضاء فى أمريكا وروسيا والدول الاسكندنافية و تشيكوسلوفاكيا وتركيا، وكذلك في فرنسا التي سبقت جميع الدول فى هذا المضمار إذ بلغ عدد القاضيات في المحاكم الجزئية ٩٠٠ من ۳۱۰۰ قاض وبلغت إحداهن مرتبة الاستشارة بمحكمة النقض والإبرام، وبحث ثالث في مركز المرأة في الشريعة الإسلامية التى سوت بين الذكر والأنثى فى التكاليف والحقوق حتى السياسية منها ثم استطرد إلى بحث فى المرأة و القضاء في الإسلام – وخلص من كل ذلك إلى أن الشريعة الاسلامية خلو مما يحول دون تقلد المرأة منصب القضاء، وأن المذهب الذي تقوم عليه الفتيا في مصر هو المذهب الذى يجيز ذلك، كما استطرد إلى أن الأصل في الدستور هو المساواة بين الذكور والإناث في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وأن الإخلال بهذا المبدأ هو إخلال بقاعدة دستورية اجتماعية من أسس المجتمع المصرى، ثم نعي على القرار المطعون فيه أنه لا يهدف إلى مصلحة عامة. اذ لا مصلحة يمكن تحقيقها من أن يستبدل بالممتاز من هو أقل امتيازًا منه – وهو يعنى بذلك أن من حل محل المدعية بعد تركها يليها في الترتيب بحسب القاعدة التنظيمية. فهو من هذه الناحية دونها في الامتياز وانتهى من كل ما تقدم إلى أن القرار المطعون فيه واجب الإلغاء لمخالفته الدستور ولانطوائه على سوء استعمال السلطة بدافع من الهوى وإرضاء نزوات شخصية.

ومن حيث إنه لا جدال فى أنه فى غير الأحوال التى تقيد فيها سلطة الادارة التقديرية بنص في قانون أو لائحة أو بمقتضى قاعدة تنظيمية عامة التزمتها يصبح التقدير من إطلاقات الجهة الإدارية تترخص فيه بمحض اختيارها فتستقل بوزن مناسبات قرارها وبتقدير ملاءمة أو عدم ملاءمة إصداره بما لا معقب عليها فى هذا الشأن من محكمة القضاء الإدارى ما دام لم يثبت أن قرارها ينطوى على إساءة استعمال السلطة.

ومن حيث أن الدفاع عن المدعية مع تسليمه بهذا المبدأ يذهب إلى أن تقدير الملاءمة يجب أن يقوم على أسباب معقولة وأن هذه الأسباب تخضع لرقابة المحكمة حتى تتبين أن جهة الادارة لم تجاوز حدود السلطة التقديرية المخولة لها.

ومن حيث أن هذا الذى يذهب إليه الدفاع عن المدعية يتنافى مع حرية الإدارة في مباشرة سلطتها التقديرية ويهدم استقلالها فى تقدير مناسبات الأمر الادارى وملاءمة إصداره وهو أمر تأباه قواعد القانون الادارى التى استقرت على أنه لا وسيلة للتعقيب على هذه للسلطة إلا بعيب إساءة استعمال السلطة وأنه ليس لهذه المحكمة أية رقابة على المناسبات التى تحمل الإدارة على تقدير الملاءمة أو عدم الملاءمة فى إصدار قرارها أو على الاعتبارات التي تراعيها في ذلك إلا إذا قام الدليل المقنع على أن هذه المناسبات والاعتبارات تنطوى فى ذاتها على إساءة استعمال السلطة ذلك أن الإدارة فى تقدير ظروف الأمر الإدارى وملاءمة إصداره تحتاج بطبيعة وظيفتها إلى قسط كبير من حرية تقدير مناسبات العمل وملابساته ووزن مختلف السيل التي يصح أن مسلكها لتتخير منها أفضلها فيما تجريه من تصرفات وهذه الحرية فى التقدير التي لابد منها للإدارة كي تستطيع القيام بوظيفتها من حيث ملاءمة إصدار قرارها أو عدم إصداره لا يمكن أن تستقيم إذا أخضعت لرقابة القضاء من ناحية تقدير الأفضلية أو لأرجحية أو الاستحسان أو المعقولية وما إلى ذلك وإلا لأدى هذا إلى عرقلة الدولاب الإدارى، والمدعية تسلم كما سلف بيانه بمبدأ الملاءمة في التعيين فى وظائف الحكومة بل ضربت أمثلته على ترخيص الإدارة في هذه الملاءمة بقصر التعيين في بعض الوظائف على أحد الجنسين دون الآن كأفضلية قصر وظائف التمريض على النساء دون الرجال مع أنه لم يثبت عجز هؤلاء عن القيام بمثل هذه الوظائف دون أن يكون فى ذلك إخلال بمبدأ المساواة قانونًا، وإنما الأمر فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون مجرد تخيير لإدارة في مجال سلطتها التقديرية لأفضل الطرق وأقومها فيما تجريه من تصرفات إدارية كذلك قصر بعض الوظائف كوظائف مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الآخر أن يكون وزنا لمناسبات التعيين فى هذه الوظائف تراعى فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد دون أن يكون فى ذلك حط من قيمة المرأة ولا نيل بكرامتها ولا غض من مستواها الأدبى أو الثقافى، ولا غمط لنبوغها وتفوقها ولا اجحاف بها، وإنما هو مجرد تخيير الإدارة فى مجال تترخص فيه لملاءمة التعيين فى وظيفة بذاتها بحسب ظروف الحال وملابساته كما قدرتها هى. وليس فى ذلك إخلال بمبدأ المساواة قانونًا ومن ثم فلا معقب لهذه المحكمة على تقديرها مادام خلا من إساءة استعمال السلطة الأمر الذى لم تقدم المدعية عليه دليلاً وأنما أشارت إشارة عابرة فى مذكرتها إلى أن مجرد تركها وتعيين من يليها في ترتيب الدرجات ينطوي في ذاته على إساءة استعمال السلطة لأنه كان يتعين على الإدارة أن تعينها في الوظيفة مادامت حصلت على درجة الترتيب فى النجاح التى تؤهلها للتعيين بحسب القاعدة التنظيمية خاصة فقط بدرجة الكفاية العلمية – وهى إحدى النواحى التى تقدرها الإدارة عند التعيين وليست كلها فالى جانب هذه الناحية تقدر الادارة نواحى أخرى كالحالة الصحية والحالة الاجتماعية وظروف البيئة والعرف والتقاليد وشتى المناسبات الأخرى – تلك التى تترخص الادارة في تقديرها جميعا بلا معقب عليها من هذه المحكمة مادام لا ينطوى تقديرها على إساءة استعمال السلطة كما سلف إيضاحه ومن ثم تكون الدعوى على غير أساس سليم من القانون فلا يسع المحكمة سوى رفضها.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة برفض الدفعين الفرعيين وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبقبولها وبقبول السيدة سيزا نبراوى بصفتها وكيلة الاتحاد النسائى خصمًا ثالثًا فى الدعوى وفى الموضوع برفضها وألزمت المدعية والخصم الثالث بالمصروفات وبمبلغ ۱۰۰۰ قرش مقابل أتعاب المحاماة مناصفة بينهما.

(صدر هذا الحكم من الدائرة الثانية المشكلة برياسة حضرة صاحب العزة السيد على السيد بك وكيل المجلس وبحضور حضرات أصحاب العزة حبشى إبراهيم سمرى بك وسيد على الدمراوي بك والسيد إبراهيم الديواني بك ومحمد ذهني بك المستشارين)

عائشة راتب وقضية تعيينها بهيئة قضايا الدولة

القضية رقم ٢٤٣ لسنة ٦ القضائية

جلسة ٢٢ من ديسمبر سنة ١٩٥٣

( أ ) قبول الدعوي تحويل طلب المحامية إلى جهة أخري. يعتبر قرارًا بالرفض. الطعن فيه. قبول.

(ب) دستور. مبدأ المساواة بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات. حرمان المرأة بوجه مطلق من تولى الوظائف العامة. يتعارض مع هذا المبدأ. عدم تعيين المدعية في إحدي وظائف النيابة استنادًا إلى أن الوقت لم يحن بعد لتوليها هذه الوظيفة لا يتعارض مع مبدأ المساواة ما دام الثابت أن هذا التقدير يعتبر بغير تعسف.

(ج) وظائف عامة. عدم تعيين المدعية في وظيفة من وظائف النيابة استندا إلى أن الوقت لم يحن بعد لتوليها هذه الوظيفة ليس معناه إقرار قاعدة عامة تقضي بأن المرأة لا تصلح في أي زمان لتولى هذه الوظائف.

إن إحالة طلب المدعية التعيين بإدارة قضايا الحكومة إلى النيابة الحسبية طوعًا لأمر مدير الإدارة ونزولاً على إرادة وزير العدل يعتبر قرارًا برفض تعيين المدعية في وظيفة محامية بإدارة قضايا الحكومة يؤيد ذلك أنه قد أجريت بعد ذلك التاريخ تعيينات في وظائف المحامين بتلك الإدارة ومن ثم يكون الدفع بعدم القبول لعدم تعيين القرار المطعون لا أساس له ويتعين رفضه.

لا مشاحة في أن المبادئ العليا الدستورية تقضى بمساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات ومقتضى هذه المساواة عند تطبيقها على الوظائف والأعمال العامة هو عدم جواز حرمان المرأة على وجه مطلق من تولى هذه الوظائف والأعمال وإلا كان في ذلك تعارض مع مبدأ المساواة إخلال بهذا المبدأ الجوهري من المبادئ العليا الدستورية وذلك يقتضى أن يترك للإدارة سلطة التقدير فيها إذا كانت المرأة بالنسبة إلى منصب معين أو إلى وظيفة بالذات قد انتهت بها مدارج التطور إلى حد الصلاحية لتولى هذا المنصب أو هذه الوظيفه فإن رأت الإدارة أن المرأة قد قطعت هذا الشوط واستوفت أسباب الصلاحية كان للإدارة بل عليها أن تفتح للمرأة الباب الذى فتحته للرجل دون أي إخلال بالمساواة فيما بينهما وقد ظهرت صلاحية المرأة المصرية في العصر الذي نحن فيه لمناصب وأعمال كثيرة، منها الطب والتمريض والتعليم وكثير من الأعمال في وزارة الشئون الاجتماعية وزارة الأوقاف ووظائف النيابة الحسبية والشهر العقاري بل إن المرأة لتؤثر على الرجل في بعض من هذه الأعمال لما تتميز به من صفات خاصة فإيثارها على الرجل فى هذه النواحي من النشاط لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وتفريعا على ما تقدم يكون للإدارة أيضًا أن تقدر في غير تعسف ما إذا كان الوقت لم يحن بسبب بعض الاعتبارات الاجتماعية لأن تتولى المرأة بعض المناصب والوظائف العامة والإدارة فى ذلك تترخص بمقتضى سلطتها التقديرية في وزن المناسبات والملابسات التى تحيط بهذه الأعمال مستهدية فى ذلك بظروف البيئة وما تفرض التقاليد من أوضاع وحدود ولا معقب على الإدارة فى هذا التقدير مادامت تلتزم فيه وجه المصلحة العامة ما للإدارة أن تقدر ما إذا كان الوقت قد حان لقيام المرأة ببعض الواجبات العامة كالخدمة العسكرية متى تنوعت ضروب هذه الخدمة بحيث تصبح المرأة صالحة لبعضها.

إنه مهما يكن من أمر تصرف الإدارة فى هذه الدعوى فلا ينبغي أن يستخلص من هذا التصرف أن الإدارة قد أقرت قاعدة عامة مطلقة تقضي بأن المرأة المصرية لا تصلح في كل زمان لتولي مناصب القضاء ووظائف النيابة العامة وإدارة القضايا، فقاعدة عامة مطلقة على هذا النحو لا يجوز، تأسيسًا على ما تقدم، التسليم بها كما لا يجوز الاحتجاج للقول ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء فإن من نصوص الفقه الإسلامي ما لا يمنع من تقليد المرأة المسلمة مناصب القضاء متي كانت صالحة لذلك – وقد جاء في البدائع للكاساني (جء ۷ ص ٣) تعداد لشرائط الصلاحية لتقلد القضاء ولم يرد من بينها شرط يقضي بأن يكون القاضي رجلا بل ورد العكس من ذلك إلا يقول صاحب البدائع وأما الذكورة فليست من شروط جواز التقليد في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة“.

المحكمة

بعد تلاوة التقرير وسماع ملاحظات الطرفين والاطلاع على الأوراق والمداولة.

عن الدفع بعدم القبول:

من حيث إن الحكومة أسست الدفع بعدم قبول الدعوى على أن المدعية لم تبين القرار الذي لم تعين فيه كما لم تعين الوظيفة الخالية التى تريد الالتحاق بها.

ومن حيث إن المدعية قد أثبتت في صحيفة دعواها أنها تقدمت في ٥ من أبريل سنة ١٩٥٠ إلى إدارة قضايا الحكومة طالبة تعيينها محامية ثم شفعت الطلب بخطاب مسجل مؤرخ في ١٦ من أبريل سنة ١٩٥٠ لتتبين مصيره فجاءها الرد في ۱۹ من أبريل سنة ١٩٥٠ من سكرتير عام إدارة قضايا الحكومة بأن طلبها قد أحيل إلى النيابة الحسبية طوعًا لأمر مدير الإدارة ونزولاً على إرادة وزير العدل.

ومن حيث إن هذا يعتبر قرارًا برفض تعيين المدعية فى وظيفة محامية بإدارة قضايا الحكومة لا سيما وأن الحكومة لم تتعرض فى مذكرتها لتفسير تلك البيانات يؤيد ذلك أنه قد أجريت بعد ذلك التاريخ تعيينات فى وظائف المحامين بتلك الإدارة ومن ثم يكون الدفع بعدم القبول لا أساس له ويتعين رفضه.

عن الموضوع:

ومن حيث إن المدعية تنعي على الحكومة أنها قد استهدت فى قرارها المطعون فيه بفتوى من دار الإفتاء تضمنت أن تولية المرأة غير صحيحة مع أنها لو استلهمت القواعد الدستورية وقوانين البلاد جميعًا لأوحت إليها بعدم وجود أي نص يقضي بحرمان المرأة من تولى الوظائف العامة.

ومن حيث إن الحكومة دفعت الدعوي بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تخير الإدارة في مجال تترخص فيه لملاءمة التعيين فى وظيفة بذاتها وليس فى ذلك إخلال بمبدأ المساواة قانونًا.

ومن حيث إنه لا مشاحة فى أن المبادئ العليا الدستورية تقضي بمساواة المرأة للرجل في الحقوق والوجبات.

ومن حيث إن مقتضي هذه المساواة، عند تطبيقها على الوظائف والأعمال العامة هو عدم جواز حرمان المرأة على وجه مطلق من تولى هذه الوظائف والأعمال، وإلا كان في ذلك تعارض مع مبدأ المساواة وإخلال بهذا المبدأ الجوهري من المبادئ العليا الدستورية.

ومن حيث إن ذلك يقتضي أن يترك للإدارة سلطة التقدير فيما إذا كانت المرأة بالنسبة إلى منصب معين أو إلى وظيفة بالذات قد انتهت بها مدارج التطور إلى حد الصلاحية لتولي هذا المنصب أو هذه الوظيفة فإن رأت الإدارة أن المرأة قد قطعت هذا الشوط واستوفت أسباب الصلاحية كان للإدارة، بل عليها أن تفتح للمرأة الباب الذى تفتحه للرجل دون أي إخلال بالمساواة فيما بينهما وقد ظهرت صلاحية المرأة المصرية في العصر الذى نحن فيه لمناصب وأعمال كثيرة منها الطب والتمريض والتعليم وكثير من الأعمال في وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الأوقاف ووظائف النيابة الحسبية والشهر العقاري بل أن المرأة لتؤثر على الرجل في بعض من هذه الأعمال لما تتميز به من صفات خاصة، فإيثارها على الرجل في هذه النواحي من النشاط لا يعد إخلالاً بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

ومن حيث إنه تفريعا على ما تقدم يكون للإدارة أيضًا أن تقدر فى غير تعسف ما إذا كان الوقت لم يحن بسبب بعض الاعتبارات الاجتماعية لأن تتولى المرأة بعض المناصب والوظائف العامة والإدارة فى ذلك تترخص بمقتضى سلطتها التقديرية في وزن المناسبات والملابسات التي تحيط بهذه الأعمال، مستهدية في ذلك بظروف البيئة وما تفرض التقاليد من أوضاع وحدود ولا معقب على الإدارة فى هذا التقدير ما دامت تلتزم فيه وجه المصلحة العامة كما للإدارة أن تقدر ما إذا كان الوقت قد حان لقيام المرأة ببعض الواجبات العامة كالخدمة العسكرية متي تنوعت ضروب هذه الخدمة بحيث تصبح المرأة صالحة لبعضها.

ومن حيث إنه مهما يكن من أمر تصرف الإدارة فى هذه الدعوي فلا ينبغي أن يستخلص من هذا التصرف أن الإدارة قد أقرت قاعدة عامة مطلقة تقضي بأن المرأة المصرية لا تصلح في كل زمان لتولي مناصب القضاء ووظائف النيابة العامة وإدارة القضايا. فقاعدة عامة مطلقة على هذا النحو لا يجوز، تأسيساً على ما تقدم التسليم بها. كما لا يجوز الاحتجاج، للقول بغير ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء، فإن من نصوص الفقه – الإسلامي مالا يمنع من تقليد المرأة المسلمة مناصب القضاء متى كانت صالحة لذلك وقد جاء في البدائع للكاساني (جزء۷ ص ۳) تعداد لشرائط الصلاحية متقلد القضاء ولم يرد من بينها شرط يقضي بأن يكون القاضي رجلاً، بل ورد العكس من ذلك إذ يقول صاحب البدائع: “وأما الذكورة فليس من شروط التقليد في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة “.

ومن حيث إن الإدارة. مع ذلك، قدرت فى هذه الدعوي أن الوقت لم يحن لتتولى المدعية منصبًا في إدارة القضايا أو فى النيابة العامة ولم يثبت المحكمة أن هذا التقدير قد شابه تعسف أو انحراف، فلا معقب لها عليه ومن ثم بتعين رفض طلب المدعية.

فلهذا الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوي وألزمت المدعية بالمصروفات.

(صدر هذا الحكم من الدائرة الأولى المشكلة برياسة السيد الدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري وبحضور السادة عبد العزيز الببلاوي وبعد الرحمن نصير وعلى بغدادي ومحمد عبد الخبير المستشارين).

 

شارك:

اصدارات متعلقة

النسوية الإلغائية في فلسطين
نصائح من اجل بيئة عمل آمنة للنساء
نصائح للنساء لضمان السلامة خلال الحمل والولادة والوقاية من كوفيد19
الإجهاض القسري في نيجيريا وسؤال العدالة الانجابية
اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10