موقف قضاء المحكمة الدستورية
هناك أربع وثائق أساسية يمكن من خلالها استيضاح موقف المحكمة الدستورية العليا من عمل المرأة قاضية حكم الدستورية ٢٣ لسنة ١٦ قضائية. قرار تعيين المستشار تهاني الجبالي. تقرير هيئة المفوضين في طلب التفسير ١ لسنة ٣٢ (قضائية). قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير ١ لسنة ٣٢ (قضائية).حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ۲۳ لسنة ١٦ قضائية “دستورية” القاضي بعدم دستورية البند السادس من المادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، وذلك فيما نص عليه من ألا يعين عضو بمجلس الدولة من يكون متزوجًا بأجنبية حيث اعتبرت المحكمة الدستورية العليا أن هذا البند عدوانًا على الحياة الخاصة والحق في اختيار الزوج ربما يرى البعض أن هذا الحكم بعيدًا عن موضوع الكتاب إلا أن فريق الإعداد رأى من الأهمية عدم تجاهله لكون يتناول شروط التعيين بمجلس الدولة لذا فهو ذا صلة غير مباشرة بموضوع الكتاب.
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم ۱۸ مارس ۱۹۹5 الموافق ۱۷ شوال ١٤١٥ه.
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم ۲۳ لسنة ١٦ قضائية “دستورية“.
المقامة من
السيد المستشار/ تيمور مصطفى كامل
ضـد
1 – رئيس الجمهورية بصفته
2 – السيد الدكتور/ رئيس مجلس الوزراء بصفته
3 – السيد المستشار/ وزير العدل بصفته
٤ – السيد المستشار/ رئيس مجلس الدولة بصفته
الإجراءات
بتاريخ ٢٥ يونيو سنة ۱۹۹٤ أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية البند السادس من المادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ بشأن مجلس الدولة.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة فيها بجلسة اليوم.
المحكمة – 1
بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد عين بوظيفة مندوب بمجلس الدولة اعتبارًا من أول أكتوبر سنة ۱۹۷۲. ثم تدرج بوظائف المجلس القضائية إلى أن عين مستشارًا. وإذ أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم ٦٠ لسنة ۱۹٨٧ بتعيينه في وظيفة وكيل عام بهيئة النيابة الإدارية، فقد أقام الطعن رقم ٣٦٧٩ لسنة ٣٣ ق أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة طالبًا الحكم بإلغاء هذا القرار، وإهدار كافة الآثار القانونية المترتبة عليه، ناعيًا عليه بطلانه لصدوره بناءً على طلب كان قد عرض فيه النقل من مجلس الدولة إلى هيئة النيابة الإدارية، حال أن ذلك الطلب لم يكن نابعًا عن إرادة حرة، بل كان وليد إكراه تفاديًا لإنهاء خدمته لزواجه من أجنبية وأثناء نظر دعواه الموضوعية، دفع المدعى بعدم دستورية البند السادس من المادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، فقد صرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ قد حددت الشروط التي يجب توافرها فيمن يعين عضوًا بمجلس الدولة، ومن بينها الشرط المنصوص عليه فى بندها السادس الذي ينص على ما يلي: [ألا يكون متزوجًا من أجنبية، ومع ذلك يجوز باذن من رئيس الجمهورية الإعفاء من هذا الشرط إذا كان متزوجًا بمن تنتمي بجنسيتها إلى إحدى البلاد العربية]، وكانت المادة ٦ من مواد إصدار ذلك القانون قد نصت على عدم سريان الشرط المنصوص عليه فى البند ٦ المشار إليه على أعضاء مجلس الدولة المتزوجين من أجنبيات عند العمل بالقانون رقم ٥٥ لسنة ۱۹59 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فإن مؤدى هذين النصين مجتمعين أن عدم الزواج من أجنبية شرط لازم للتعيين أو البقاء عضوًا في ذلك المجلس، وهو شرط لا استثناء منه إلا في إحدى حالتين أولاهما أن يقرر العضو بعد العمل بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ المشار إليه الزواج من أجنبية تنتمى بجنسيتها إلى إحدى الدول العربية، ويأذن رئيس الجمهورية فى الزواج منها وثانيتهما أن يكون زواج العضو بالأجنبية قائمًا وقت العمل بقانون المجلس الملغى رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩ المشار إليه.
وحيث إن المدعي ينعى على البند السادس المشار إليه مخالفته للدستور بما نص عليه من عدم جواز زواج عضو مجلس الدولة بأجنبية، قولاً بأن هذا الحظر يناقض مبدأ تكافؤ الفرص ويخل بالحماية القانونية المتكافئة اللذان كفلتهما المادتان ٨، ٤٠ من الدستور، ويهدر كذلك ما للمواطنين من حق فى تولى الوظائف العامة على النحو المقرر بالمادة ١٤ وأساس ذلك، أن النص المطعون فيه اختص أعضاء مجلس الدولة بمعاملة مجحفة قصرها عليهم، وذلك بأن الزمهم – دون غيرهم من نظرائهم الذين ينهضون بأعباء الوظيفة القضائية – بألا يتزوج أحدهم من أجنبية، مسقطًا بذلك – ودون ما غرض مشروع يقتضيه الصالح العام – الحق الطبيعي لكل إنسان في أن يختار لحياته شريكًا يسكن إليه فى إطار من المودة والرحمة.
وحيث إن الحرية الشخصية أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها، لا قوام لها بدونها، إذ هي محورها وقاعدة بنيانها، ويندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها، ومن بينها الحق في الزواج وما يتفرع عنه من تكوين أسرة وتنشئة أفرادها وكلاهما من الحقوق الشخصية التي لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها. ولا تعمل كذلك بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التي يعيش الفرد في كنفها، بل تعززها وتزكيها وتتعاظم بقيمتها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها وإذ كان الزوجان يفضيان لبعضهما البعض بما لا يأتمنان غيرهما عليه، ولا يصيغان سمعًا لغير نداءاتهما، ويتكتمان أخص دخائل العلائق الزوجية لتظل مكنوناتها بعيدًا عن إطلال الآخرين عليها، وكان امتزاجهما يتم فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان من خلالها ويتوجان بالوفاء جوهرها، ليظل نبتها متراميًا على طريق نمائها وعبر امتداد زمنها، وكانت علاقة الزوجية – بأوصافها تلك – تعد نهجًا حميمًا وتبعًا صافيًا لأدق مظاهر الحياة وأبلغها أثراً، فإن الزواج يكون – في مضمونه ومرماه – عقيدة لا تنفصم عراها أو تهن صلابتها، وتصل روابطها في خصوصيتها إلى حد تقديسها. ولا يجوز بالتالي التدخل تشريعيًا في هذه العلائق للحد من فرص الاختيار التي تنشئها وتقيمها على أساس من الوفاق والمودة، وذلك ما لم تكن القيود التي فرضها المشرع على هذا الاختيار عائدة في بواعثها إلى مصلحة جوهرية لها ما يظاهرها، تسوغ بموجباتها تنظيم الحرية الشخصية بما لا يهدم خصائصها. ذلك أن تقييد الحرية الشخصية لغير مصلحة جوهرية، لا يغتفر. وبوجه خاص إذا أصابها في واحد من أهم ركائزها بأن تعرض دون مقتضٍ لحق من يريد الزواج في اختيار من يطمئن إليه ويقبل طواعية عليه، ليكونا معًا شريكين في حياة ممتدة تكون سكنًا لهما ويتخذان خلالها أدق قراراتهما وأكثرها ارتباطًا بمصائرهما، وبما يصون لحياتهما الشخصية مكامن أسرارها وأنبل غاياتها.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن حق اختيار الزوج لا يمكن أن يكون منفصلاً عن خواص الحياة العائلية أو واقعًا وراء حدودها، إذ يتصل مباشرة بتكوينها. وهو كذلك من العناصر التي تؤثر في تكامل الشخصية الإنسانية باعتباره مبلورًا لإرادة الاختيار فيما هو لصيق بذاتية كل فرد a Private Autonomy of Choice، وكاشفًا عن ملامح توجهاته التي يستقل بتشكيلها. ولا يعدو إنكاره أن يكون إخلالاً بالقيم التي تقوم عليها الحرية المنظمة. Ordered Liberty وهو كذلك يناقض شرط الوسائل القانونية السليمة، وما يتوخاه من صون الحرية الشخصية بما يحول دون تقييدها بوسائل إجرائية أو وفق قواعد موضوعية لا تلتئم وأحكام الدستور التي تمد حمايتها كذلك إلى ما يكون من الحقوق متصلاً بالحرية الشخصية، مرتبطاً بمكوناتها، توقيًا لاقتحام الدائرة التى تظهر فيها الحياة الشخصية في صورتها الأكثر تآلفًا وتراحمًا.
وحيث إن إغفال بعض الوثائق الدستورية النص على الزواج كحق، وما يشتمل عليه بالضرورة من حق اختيار الزوج، لا ينال من ثبوتهما. ولا يفيد أن تلك الوثائق تتجاهل محتواهما أو أنها تطلق يد المشرع في مجال القيود التى يجوز أن يفرضها على مباشرة أيهما. ذلك أن هذين الحقين يقعان داخل مناطق الخصوصية التي كفل صونها دستور جمهورية مصر العربية بنص المادة ٤٥ التى تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. يؤيد ذلك أن أبعاد العلاقة بين النصوص الدستورية وربطها ببعض، كثيرًا ما ترشح لحقوق لا نص عليها، ولكن تشى بثبوتها ما يتصل بها من الحقوق التي كفلها الدستور، والتي مع تعد مدخلاً إليها بوصفها من توابعها أو مفترضاتها أو لوازمها. وكثيرًا ما تفضى فروع بعض المسائل التي نظمتها الوثيقة الدستورية، إلى الأصل العام الذي يجمعها، ويعتبر إطارًا محددًا لها. ولا يكون ذلك إلا من خلال فهم أعمق لمراميها واستصفاء ما وراءها من القيم والمثل العليا التي احتضنها الدستور. فالحق في التعليم – وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – يشتمل على حق كل مواطن في أن يختار نوع التعليم الذي يراه أكثر اتفاقًا مع ميوله وملكاته، وأن يتلقى قدرًا من التعليم يكون مناسبًا لمواهبه وقدراته. والحق فى بناء أسرة وفق الأسس التي حددها الدستور بنص المادة ٩ منه يعنى أن يكون للآباء والأوصياء حق اختيار وسائل تنشئة أطفالهم أو من هم فى رعايتهم، وألا يحملوا على اختيار نوع من التعليم يكون نمطيًا أو دون مداركهم. وما حرية الاجتماع – ولو خلا الدستور من النص عليها – إلا إطار لحرية التعبير يكفل إنماء القيم التى تتوخاها، ويمنحها مغزاها، وبوجه خاص كلما كان الاجتماع مدخلاً لحوار بين المنضمين إليه حول المسائل التى تثير اهتمامهم – ولو لم يكن هدفها سياسيًا – بل كان نقابيًا أو مهنيًا أو قانونيًا أو اجتماعيًا. كذلك فإن حرية التعبير وحرية الصحافة المنصوص عليهما في المادتين ٤٧، ٤٨ من الدستور، لا تعنيان مجرد إبداء الآراء قولاً وطباعتها لنشرها، ولكنهما تنطويان على الحق فى تلقيها وقراءتها وتحقيقها وتعليمها، وليكون فهمها وإمعان النظر فيها كاشفًا عن حقيقتها. ودون ذلك فإن الحماية التى كفلها الدستور لهاتين الحريتين، لن تكتمل سواء في نوعها أو مداها.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تمثل أغوارًا لا يجوز النفاذ إليها، وينبغى دومًا – ولاعتبار مشروع – ألا يقتحمها أحد ضمانًا لسريتها، وصونًا لحرمتها، ودفعًا لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها، وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التى بلغ تطورها حدًا مذهلاً، وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثرًا بعيدًا على الناس جميعهم حتى فى أدق شئونهم، وما يتصل بملامح حياتهم، بل وببياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهبًا لأعينها ولآذانها. وكثيرًا ما ألحق النفاذ إليها الحرج أو الضرر بأصحابها. وهذه المناطق من خواص الحياة ودخائلها، تصون مصلحتين قد تبدوان منفصلتين، إلا أنهما تتكاملان، ذلك أنهما تتعلقان بوجه عام بنطاق المسائل الشخصية التي ينبغى كتمانها، وكذلك نطاق استقلال كل فرد ببعض قرارته الهامة التي تكون – بالنظر إلى خصائصها وآثارها – أكثر اتصالاً بمصيره وتأثيرًا فى أوضاع الحياة التي اختار أنماطها، وتبلور هذه المناطق جميعها – التى يلوذ الفرد بها، مطمئنًا نحرمتها ليهجع إليها بعيداً عن أشكال الرقابة وأدواتها – الحق في أن تكون للحياة الخاصة تخومها بما يرعى الروابط الحميمة في نطاقها، ولتن كانت بعض الوثائق الدستورية لا تقرر هذا الحق بنص صريح فيها. إلا أن البعض يعتبره من أشمل الحقوق وأوسعها، وهو كذلك أعمقها اتصالاً بالقيم التي تدعو إليها الأمم المتحضرة.
ولم يكن غريبًا فى إطار هذا الفهم – وعلى ضوء تلك الأهمية – أن يستخلص القضاء في بعض الدول ذلك الحق من عدد من النصوص الدستورية التى ترشح مضموناتها لوجوده وذلك من خلال ربطها ببعض وقوفًا على أبعاد العلاقة التي تضمها، فالدستور الأمريكي لا يتناول الحق فى الخصوصية بنص صريح. ولكن القضاء فسر بعض النصوص التي ينتظمها هذا الدستور بأن لها ظلالاً Penumbras لا تخطئها العين، وتنبثق منها مناطق من الحياة الخاصة تعد من فيضها E manations، وتؤكدها كذلك بعض الحقوق التي كفلها ذلك الدستور، من بينها حق الأفراد فى الاجتماع. وحقهم فى تأمين أشخاصهم وأوراقهم ودورهم ومتعلقاتهم في مواجهة القبض والتفتيش غير المبرر. وحق المتهمين فى ألا يكونوا شهودًا على أنفسهم توقيًا لإدلائهم بما يدينهم. وكذلك ما نص عليه الدستور الأمريكى من أن التعداد الوارد فيه لحقوق بذواتها، لا يجوز أن يفسر بمعنى استبعاد أو تقليص غيرها من الحقوق التي احتجزها المواطنون لأنفسهم.
وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية وإن نص فى الفقرة الأولى من المادة ٤٥ على أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، ثم فرع عن هذا الحق – وبنص الفقرة الثانية منها – الحق في صون الرسائل البريدية والبرقية والهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال تقديرا لحرمتها، فلا يصادرها أحد أو ينفذ إليها من خلال الاطلاع عليها إلا بأمر قضائي، يكون مسببًا ومحدودًا بمدة معينة وفقًا لأحكام القانون، إلا أن هذا الدستور لا يعرض البتة للحق في الزواج، ولا للحقوق التى تتفرع عنه كالحق فى اختيار الزوج بيد أن إغفال النص على هذه الحقوق لا يعنى إنكارها، ذلك أن الحق في الخصوصية يشملها بالضرورة باعتباره مكملاً للحرية الشخصية التي يجب أن يكون نهجها متواصلاً Rational Continumm ليوائم مضمونها الآفاق الجديدة التي تفرضها القيم التى أرستها الجماعة وارتضتها ضوابط لحركتها، وذلك انطلاقًا من حقيقة أن النصوص الدستورية لا يجوز فهمها على ضوء حقبة جاوزها الزمن، بل يتعين أن يكون نسيجها قابلاً للتطور، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر The Supposed Tune of Times.
وحيث إن الأصل المقرر وفقاً لنص المادة 9 من الدستور أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وكان على الدولة – بناء على ذلك – أن تعمل على الحفاظ على طابعها الأصيل وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد مع تأكيد هذا الطابع وتنميته في العلاقات داخل المجتمع، فإن الأسرة فى هذا الإطار تكون هى الوحدة الرئيسية التي يقوم عليها البنيان الاجتماعي، إذ هى التى تغرس فى أبنائها أكثر القيم الخلقية والدينية والثقافية سموا وأرفعها شأناً، ولا يعدو الحق فى اختيار الزوج أن يكون مدخلها باعتباره طريق تكوينها. وهو كذلك من الحقوق الشخصية الحيوية التى يقوم عليها تطور الجماعة واتصال أجيالها، ومن خلالها يلتمس الإنسان تلك السعادة التي يريد الظفر بها.
وحيث إن الحق فى اختيار الزوج يندرج كذلك – فى مفهوم الوثائق الدولية – في إطار الحقوق المدنية الأساسية التى لا تمييز فيها بين البشر. وهو يعد عند البعض واقعًا في تلك المناطق التي لا يجوز التداخل فيها بالنظر إلى خصوصياتها، إذ ينبغى أن يكون للشئون الشخصية استقلالها، وألا يقل قرار اختيار الزوج فى نطاقها أهمية عن ذلك القرار الذى يتخذ الشخص بمقتضاه ولدًا إخصابًا وإنجابًا.
ولئن جاز أن يؤثم المشرع أفعالاً بذواتها فيما وراء الحدود الشرعية للعلائق الزوجية كالزنا، وأن يتخذ من التدابير ما يكون كافيًا لردعها، فإن ما يقيم هذه العلائق على أساس من الحق والعدل ويصون حرمتها لا يقل ضرورة في مجال حمايتها وتشجيعها.
ولا يجوز بالتالي أن يركن المشرع – ولغير مصلحة جوهرية – إلى سلطته التقديرية ليحدد على ضوئها من يتزوج وبمن، ولا أن يتدخل فى أغوار هذه العلائق بعد اكتمال بنيانها بالزواج، ذلك السلطة التقديرية التى يملكها المشرع وإن كان قوامها أن يفاضل بين البدائل التي يقدر مناسبتها لتنظيم موضوع معين وفق ما يراه محققًا للصالح العام، إلا أن حدها النهائي يتمثل في القيود التي فرضها الدستور عليها بما يحول – وكأصل عام – دون أن يكون المشرع محددًا لمن يكون طرفًا في العلاقة الزوجية، أو رقيبًا على أشكال ممارستها بعد نشونها، وبوجه خاص فيما يستقلان به من شئونها، ذلك أنه من غير المتصور أن تقع الشئون العائلية في نطاق الحق في الحياة الخاصة، لتنحسر الحماية التي يكفلها هذا الحق عن قرار اختيار الزوج، وهو أداة تأسيس الأسرة والطريق إليها.
ولا ينبغي كذلك أن يكون حق الشخص فى أن يتخذ ولدًا، منفصلاً عن الحق في الدخول في العلاقة الشرعية الوحيدة التى لا يوجد إلا من خلالها.
وحيث إن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية تؤكد الحق في الحياة الخاصة بنهيها عن التلصص على الناس وتعقبهم فى عوراتهم. يقول تعالى [ ولا تجسسوا ]. وهي كذلك تحض على الزواج لمعانٍ اجتماعية ونفسية ودينية باعتباره عقدًا يفيد حل العشرة – على وجه التأبيد – بين الرجل والمرأة ويكفل تعاونهما. والنصوص القرآنية تدعو إليه وتصرح به، إذ يقول تعالى [ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء ] ويقول سبحانه [ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ] ويقول جل علاه [ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية ]
والزواج فوق هذا مستقر الأنفس وقاعدة أمنها وسكنها، ولا قوام لقوة الأسرة وتراحمها بعيدًا عنه إذا التزم طرفاه بإطاره الشرعى، وتراضيا على انعقاده ذلك أن الزواج شرعًا ليس إلا عقدًا قوليًا يتم ممن هو أهل للتعاقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين في مجلس العقد، وبشرط أن تتحقق العلانية فيه من خلال شاهدين تتوافر لهما الحرية والبلوغ والعقل، يكونان فاهمين لمعنى العبارة ودلالتها على المقصود منها. ومن الفقهاء من يقول بأن للمرأة البالغة العاقلة أن تباشر الزواج لنفسها، ذلك أن الله تعالى أسنده إليها بقوله عز وجل [ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره ] وقال عليه السلام [ الأيم أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن من نفسها ].
وحيث إن المواثيق الدولية تؤيد كذلك حق اختيار الزوج. ومن ذلك ما نصت عليه المادة ١٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/ 12/ ١٩٤٨ من أن لكل من الرجل والمرأة – إذا كانا بالغين – حق التزوج وتأسيس أسرة دون قيد يقوم على العرق أو الدين أو الجنسية. وتردد حكم المادة ١٦ من هذا الإعلان، اتفاقية التراضي بالزواج والحد الأدنى لسنه وتسجيل عقوده (٧/ 11/ ١٩٦٢ ) Convention on Consent to Marriage, Minimum Age for Marriage and Registration of Registration كذلك فإن حق التزوج واختيار الزوج Choice of Spouse مكفولان بنص المادة 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (۲۱/ 12/ 1965)International Convention on the Elimination of all Forms of Racial Discrimination وتؤكد الفقرة الثانية من المادة ٢٣ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (16/ 12/ ١٩٦٦) International Covenant on Civil and Political Rights حق الرجال والنساء الذين بلغوا سن الزواج فى أن يكونوا أزواجًا، وأن يقيموا لهم أسرًا وترعى المادة ٦ من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة (7/ 11/ ۱۹۹۷) Declaration on the Elimination of Discrimination against Women حقها في اختيار الزوج بملء حريتها وعدم التزوج إلا برضاها التام وتتمتع المرأة وفقًا لنص المادة ١٦ من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (18/ 12/ ۱۹۷۹) Convention on the Elimination of all Forms of Discrimination against Women بحق مساوٍ للرجل في اختيار الزوج، وفى ألا يتم الزواج إلا برضاها الكامل.
وتنص المادة ٨ من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والموقع عليها في روما بتاريخ 4/ 11/ ١٩٥٠ من الدول الأعضاء فى مجلس أوروباConvention for the Protection of Human Rights and Fundamental Freedoms على حق كل شخص فى ضمان الاحترام لحياته الخاصة ولحياته العائلية، ولا يجوز لأي سلطة عامة التدخل في مباشرة هذا الحق إلا وفقًا للقانون، وفى الحدود التي يكون فيها هذا التدخل ضروريًا في مجتمع ديمقراطي لضمان الأمن القومى أو سلامة الجماهير أو رخاء البلد اقتصاديًا، أو لتوقى الجريمة أو انفراط النظام أو لصون الصحة أو القيم الخلقية أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ويجب أن يقرأ هذا النص متصلاً ومترابطًا بالمادة ۱۲ من هذه الاتفاقية التي تنص على أن لكل الرجال والنساء عند بلوغهم سن الزواج، الحق فيه، وكذلك فى تأسيس أسرة وفقًا لأحكام القوانين الوطنية التى تحكم مباشرة هذا الحق، وبمراعاة أمرين أولهما: أن جوهر الحق في الزواج ليس إلا اجتماعًا بين رجل وامرأة في إطار علاقة قانونية يلتزمان بها، ولأيهما بالتالي أن يقرر الدخول فيها أو الإعراض عنها. ثانيهما: أن الحقوق المنصوص عليها في المادتين ۸، ۱۲ من تلك الاتفاقية – وعملاً بمادتها الرابعة عشرة – لا يجوز التمييز فى مباشرتها لاعتبار يقوم على الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو العقيدة أو الرأي السياسى أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو المولد أو الثروة أو الانتماء إلى أقلية عرقية أو بناءً على أي مركز آخر.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان البين من القوانين التى نظم بها المشرع أوضاع السلطة القضائية، وآخرها قانونها الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٦ لسنة ۱۹۷۲، أن الشروط التي تطلبها لتولي الوظيفة القضائية فى نطاق جهة القضاء العادي لم يكن من بينها يومًا قيد يحول دون زواج رجالها بأجنبية، بما مؤداه انتقاء اتصال هذا الشرط بالأداء الأقوم لمسئوليتها باعتباره غريبًا عنها، وليس لازمًا لمباشرة مهامها على أساس من الحيدة والموضوعية.
وحيث إن المشرع أكد هذا المعنى وتبنى هذا الاتجاه، حين اختص المحكمة العليا – الصادر بشأنها القرار بقانون رقم ٨١ لسنة ۱۹6۹ – بالرقابة القضائية على دستورية النصوص القانونية جميعها، وكذلك بعد أن حلت محلها المحكمة الدستورية العليا – الصادر بإنشائها القانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۹ – لتكون رقيبًا على تقيد السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالضوابط التي فرضها الدستور في مجال إقرار النصوص القانونية أو إصدارها. فقد أطلق المشرع – بهذين القانونين حق أعضاء هاتين المحكمتين فى اختيار الزوج، التزامًا بأبعاد الحرية الشخصية، وصونًا لحرمة الحياة الخاصة اللتان كفلهما الدستور بنص المادتين ٤١، ٤٥ وكذلك حين جرم كل اعتداء عليهما بنص المادة 57، ولم يجز فوق هذا إسقاط المسئولية الجنائية أو المدنية الناشئة عن هذا العدوان بالتقادم بل إن عدم إدراج حكم مماثل للنص المطعون فيه فى قانون المحكمة الدستورية العليا التي تعلو هامتها فوق كل جهة من خلال ضمانها سيادة الدستور، وتوليها دون غيرها فرض القيود التي يتضمنها في إطار الخصومة القضائية، وارتقاء رقابتها على الشرعية الدستورية إلى أكثر أشكال الرقابة القضائية مضاء وأبعدها أثرًا وأرفعها شأنًا، يعني أن تقرير هذا الحكم لا يتصل بجوهر وظيفتها القضائية، وأن اقتضاءه منفصل عن الشروط الموضوعية الأوضاع ممارستها.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما تنص عليه المادة ١٦٧ من الدستور من أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط تعيين أعضائها ونقلهم، ذلك أن هذا التفويض لا يخول السلطة التشريعية أن تقرر فى مجال تولى الوظيفة القضائية من الشروط ما يكون دخيلاً عليها، مُقحمًا على الضوابط المنطقية لممارستها، منفصلاً عما يكون لازمًا لإدارتها، نائبًا عما يتصل بصون هيبتها أو يكون كافلاً لرسالتها بل يجب أن تكون القيود التي يفرضها المشرع على تولى الوظيفة القضائية عائدة فى منتهاها إلى أسس موضوعية تقتضيها مصلحة جوهرية، وهو ما قام النص المطعون فيه على نقيضه ذلك أن المشرع وإن جاز أن يفرض في شأن الزواج شروطًا إجرائية لضمان توثيقه بصورة رسمية ولإشهاره قطعًا لكل نزاع، بل وأن يقيده بضوابط موضوعية كتلك التي تتعلق بأهلية المتعاقدين ودرجة القرابة المحرمة، إلا أن التنظيم التشريعي للحق فيه، بما ينال من جوهره ممتنع دستوريًا.
وحيث إن تبرير النص المطعون فيه بمقولة أنه يتناول أعضاء بهيئة قضائية يطلعون بحكم وظائفهم على عديد من أسرار الدولة ويفصلون فيما هو هام من منازعاتها، ويحسون مصير قراراتها، وأن المشرع صونًا منه لهذه المصالح قدر ألا يلي أعباء تلك الوظيفة القضائية إلا هؤلاء الذين ينتمون إلى الوطن انتماء مجردًا، متحررين من شبهة التأثير الخارجي عليهم، وهو ما يقع إذا تزوج أحدهم بأجنبية، مردود بأن المحكمة الدستورية العليا – التي خلا قانونها من هذا الشرط – تباشر رقابتها القضائية على الشرعية الدستورية ذاتها، وهي أبلغ خطرًا وأكثر اتصالاً بالمصالح القومية الحيوية، بل أنها تستخلص من النصوص الدستورية تلك القيم التي ارتضتها الجماعة لتؤسس عليها ركائز بنيانها وتعبد الطريق لتقدمها. كذلك فإن فهمها لأحكام الدستور ومناهجها في التأصيل والتفريع هي أدواتها إلى إبطال النصوص التشريعية بما يجردها من قوة نفاذها وأحكامها هي التي ترد المواطنين جميعهم وكذلك السلطات العامة – على تعدد أفرعها وتباين تنظيماتها – إلى كلمة سواء يكون الدستور من خلالها مهيمنًا على الحياة بكل صورها.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءًا بدستور ۱۹۲۳ وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال أعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققًا للصالح العام.
ولئن نص الدستور في المادة ٤٠ منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها، هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظورًا فيها، مرده أنها الأكثر شيوعًا في الحياة العملية ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزًا دستوريًا، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة ٤٠ من الدستور ما لا تقل عن غيرها خطرًا سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها أو الحريات التي يمارسونها لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي أو انتمائهم الطبقي أو ميولهم الحزبية أو نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها، وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونًا للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد اختص أعضاء مجلس الدولة بشرط أورده هذا النص لغير مصلحة جوهرية، ومايز بذلك بينهم وبين غيرهم ممن ينهضون بأعباء الوظيفة القضائية ويتحملون بتبعاتها رغم تماثلهم جميعًا في مراكزهم القانونية، فإن النص المطعون فيه يكون مفتقرًا إلى الأسس الموضوعية التي ينبغي أن يقوم عليها، ومتبنيًا بالتالي تمييزًا تحكميًا منهيًا عنه بنص المادة ٤٠ من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه يقيد كذلك حق العمل – وما تفرع عنه من الحق في تولي الوظائف العامة – المكفولين بالمادتين ١٣، ١٤ من الدستور، ذلك إن إعمال هذا النص يستلزم إنهاء خدمة المعينين بمجلس الدولة على خلاف أحكامه، ويحول دون تعيين أعضاء جدد فيه لمجرد اختيارهم الزواج من أجنبية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفًا لأحكام المواد ۹، ۱۲، ۱۳ و١٤، ٤٠، ٤١، ٤٥ من الدستور، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المشرع بعد أن قضى بألا يعين عضوًا بمجلس الدولة من يكون متزوجًا بأجنبية، أورد استثنائين من هذه القاعدة يخول أولهما رئيس الجمهورية أن يأذن بإعفاء من يريد الزواج بعربية من حكمها، وينص ثانيهما – وقد ورد بالمادة ٦ من قانون إصدار قانون مجلس الدولة – على إعفاء أعضاء مجلس الدولة المتزوجين من أجنبيات عند العمل بالقانون رقم 55 لسنة ١٩٥٩ في شأن تنظيم مجلس الدولة من الخضوع للحظر المقرر بالنص المطعون فيه، متى كان ذلك وكان هدم القاعدة التى تضمنها هذا النص وإبطال العمل بها، يعنى أن الاستثناء منها قد صار واردًا على غير محل، باعتبار أن الاستثناء من قاعدة قانونية يفترض دومًا بقاءها، فإن إبطال النص المطعون فيه تبعًا للحكم بعدم دستوريته، يستتبع زوال هذين الاستثناءين معًا وسقوطهما.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية البند السادس من المادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، وذلك فيما نص عليه من ألا يعين عضو بمجلس الدولة يكون متزوجًا بأجنبية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
قرار تعيين الأستاذة تهاني الجبالى عضواً بالمحكمة الدستورية
العليا
قرار رئيس جمهورية مصر العربية
رقم ٢٦ لسنة ٢٠٠٣
رئيس الجمهورية
بعد الاطلاع على الدستور
وعلى قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٩
وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية
قرر
(المادة الأولى)
يعين عضوًا بالمحكمة الدستورية العليا كل من:
السيد المستشار الدكتور/ عادل عمر حافظ شريف.
السيدة الأستاذة/ تهاني محمد الجبالي.
(المادة الثانية)
ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
صدر برئاسة الجمهورية فى ۱۹ ذي القعدة سنة ١٤٢٣ه
(الموافق ٢٢ يناير سنة ٢٠٠٣م )
حسنى مبارك
نشر بالجريدة الرسمية – العدد ٥ – في ٣٠ يناير سنة ٢٠٠٣
تقرير هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا فى الطلب رقم ١ لسنة ٣٢ قضائية (تفسير) المقدم من وزير العدل بشأن تفسير نصي البند (۱) من المادة (۷۳)، والفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢، وذلك بناءً على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
بسم الله الرحمن الرحيم
المحكمة الدستورية العليا
تقرير هيئة المفوضين
في الطلب
رقم 1 لسنة ٣٢ قضائية ” تفسير “
المقدم من
السيد المستشار وزير العدل
تقديم
يتعلق الطلب المعروض بتفسير نصي البند (۱) من المادة ٧٣ والفقرة الثالثة من المادة 83 من القانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، واللذين يجرى نصهما على ما يلي:
المادة ٧٣:
“يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة:
أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة“
المادة ٨٣:
” يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي جمعية عمومية خاصة تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشار لمدة سنتين.
وبعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس.
ويعين باقى الأعضاء والمندوبين المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية.
ويعتبر تاريخ التعيين أو الترقية من وقت موافقة الجمعية العمومية أو المجلس المشار إليه حسب الأحوال“
المبحث الأول
وقائع الطلب
بتاريخ ١٨ من فبراير سنة ۲۰۱۰ ورد كتاب السيد المستشار وزير العدل، الرقيم ٦٠ م ف سري والمؤرخ في ١٧ من فبراير سنة ۲۰۱۰، بطلب تفسير نصي البند (۱) من المادة 73 والفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢.
وحيث تخلص واقعات الطلب في أن السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء قد طلب، بموجبه كتابه الرقيم ۱٥۰۸/- 1 المؤرخ في ١٧ من فبراير سنة ۲۰۱۰، إلى السيد المستشار وزير العدل تقديم طلب تفسير النصين الأنف إيرادهما إلى المحكمة الدستورية العليا، وذلك استنادًا إلى سبق مخاطبة السيد المستشار وزير العدل له، بالكتاب رقم ١٦٤ المؤرخ في ١٦ من فبراير سنة ۲۰۱۰، والذي تضمن أن الخلاف قد شجر بين المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية بالمجلس حول تفسير نصى البند (۱) في المادة ۸۳ من قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ والفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من ذات القانون، بشأن جواز تعيين السيدات في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، وصاحب السلطة في الموافقة على هذا التعيين، حال حوزاه، وما إذا كانت هذه السلطة للمجلس الخاص وحده، ومدى خضوعه في ممارسته لها لرقابة الجمعية العمومية للمجلس. فقد ارتأى المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة جواز تعيين السيدات بالوظائف القضائية بالمجلس، وأنه المختص بالموافقة على هذا التعيين، وأعلن بالفعل عن فتح باب تقديم السيدات للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بالمجلس، في حين رفضت الجمعية العمومية ذلك الأمر. وتضمن ذات الكتاب أن المسألة، محل الخلاف، بالغة الأهمية، إذ فضلاً عن تعلقها بالعديد من المبادئ الدستورية السامية، ومن أهمها حقوق المواطنة والحق في المساواة، فإن العمل قد جرى في الهيئات القضائية الأخرى، وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا وجهه القضاء العادي على تعيين النساء في وظائف القضاء، وبموافقة المجالس المماثلة للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة؛ ارتكانًا لنصوص تتطابق مع النصين المعروضين، وهو ما يستتبع ضرورة الوقوف على التفسير الصحيح لهذين النصين، مما يستنهض اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير القوانين والقرارات بقوانين. فكان أن تقدم وزير العدل بطلب التفسير الماثل.
وقد ثبت بكتاب السيد المستشار وزير العدل، بطلب التفسير، أن المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة ووافق على مبدأ تعيين السيدات بمجلس الدولة، وأعلن بتاريخ 24/ 8/ ۲۰۰۹، بمقتضي الإعلان رقم ۲ لسنة ۲۰۰۹، عن قبول طلبات الراغبين في شغل وظيفة مندوب مساعد بالمجلس من الجنسين، بيد أنه، وبتاريخ 15/ 5/ ٢٠١٠، ورفضت الجمعية العمومية لمجلس الدولة قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بالموافقة من حيث المبدأ على تعيين السيدات بوظائف مجلس الدولة.
وأنه لما كانت المادة ٨٣ من القانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ بشأن مجلس الدولة تنص على أنه ” يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي جمعية عمومية خاصة تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين اللذين شغلوا وظيفة مستشار لمدة سنتين.
ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس.
ويعين باقي الأعضاء والمندوبين المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية
ويعتبر تاريخ التعيين أو الترقية من وقت موافقة الجمعية العمومية أو المجلس المشار إليه حسب الأحوال “
وكان البند (۱) من المادة ۷۳ من ذات القانون قد جرى على أنه ” يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة:
أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة“
وكان الخلاف قد ثار بين جهتين من جهات مجلس الدولة حول تفسير النصين نفي الذكر من وجهيين، الأول: ما إذا كانت سلطة تعيين المندوبين المساعدين بمجلس الدولة، والمنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة ۸۳ والمشار اليها آنفًا، رهنًا بموافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة دون غيره، أم أن تقيد سلطة المجلس الخاص في هذا الصدد. أما الأمر الثاني: فهو ما إذا كان نص البند (۱) في المادة ٧٣ يقصر التعيين على الذكور من المصريين دون الإناث، أم أن النص يتسع ليشمل الجنسين؟ بحيث لا يكون من مجال للمحاجة حول هذا الامر قانونًا. إذ انقسم الرأي في تفسير النصين المشار إليهما، ففى حين ذهب المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة إلى تبني الرأي القائل بأن قانون مجلس الدولة يسمح بتعيين السيدات الإدارية بوظائف المجلس الخاص في شأن التعيين لوظيفة المندوب المساعد، وأن نص المادة ٧٣ من قانون المجلس يسمح بمنع تعيين السيدات بالمجلس.
المبحث الثاني (1)
في قبول الطلب
تمهيد:
تنص المادة ١٧٥ من الدستور على أنه: ” تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص القانونية وذلك كله على النحو المبين في القانون “، وبالبناء على النص الدستورى وردت المادة ٢٦ من القانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۹ بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا ناصة على ” تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الاهمية ما يتقضي توحيد تفسيرها ” كما نصت على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية“.
والبين من مطالعة المادتين أنهما قد أوردتا الشروط الموضوعية والشكلية لقبول طلب التفسير أن فأوردت أولادهما، المادة ٢٦ الشروط الموضوعية، حين أوردت ثانيتهما، المادة ٣٣/ 1، شروط القبول الشكلية، وسنتناول بالبحث تبيان هذه الشروط جميعًا، بادئين بشروط القبول الشكلية، فالموضوعية منها، ونبين مدى وفاء طلب التفسير الماثل بمتطلباتها؛ توصلاً للرأي في قبول طلب التفسير محل التقرير.
أولاً: الشروط الشكلية لقبول طلب التفسير:
ىيبين من مطالعة المادة ۳۳/ 1 من قانون المحكمة الدستورية العليا وجوب توافر صفة مخصوصة فيمن يتقدم بطلب التفسير، إذ حصرت المادة هذا الحق في شخص وزير إلى طبيعة الحقوق التي تنظمها وزن المصالح المترتبطة بها، فإذا كان دورها في تشكيل العلائق الاجتماعية موضوعها محدوداً، فلا يجوز تفسيرها. بما مؤداه أن النصوص القانونية التى لا تنحصر أفاقها، بل يكون مداها متراميًا هي وحدها التى يجوز تفسيرها إذا صدر بها قانون أو قرار بقانون، لينحسر هذا الاختصاص عما دونها شكلاً وموضوعًا.
ثانيهما: أن تتكون هذه النصوص – فوق أهميتها – قد أثار تطبيقها فيما بين القائمين على إنفاذ أحكامها، خلافات حادًا يتعلق بمضمونها عند إعمالها، مؤديًا إلى تعدد تأويلاتها، لتختل وحده المعايير اللازمة لضبطها، بما يؤول عملاً De facto إلى التميز فيما بين المخاطبين بها، فلا يعاملون وفقًا لقاعدة قانونية استقر مضمونها، بل كان تطبيقها متفاوتًا بما يخل بمساواتهم أمام القانون De jure وهي مساواة يجب ضمانها بين اللذين تتماثل مراكزهم القانونية.
ثالثًا: مدى توافر شروط القبول الشكلية والموضوعية في الطلب المطروح:
لا شكل في أن الشروط الشكلية قد توافرت في طلب التفسير المعروض، إذا أن مقدم الطلب هو المستشار وزير العدل؛ وبناءً على طلب قدم إليه من السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء، وقد تضمن الطلب النصين المراد تفسيرهما، ووجه الخلاف بشأنهما، والأهمية العملية لهذين النصين، وأرفق صورة من كتاب رئيس مجلس الوزراء إليه، ومن ثم تكون شرائط القبول الشكلي قد توافرت للطلب الماثل.
أما عن شروط القبول الموضوعية للطلب؛ فلا مجال للمحاجة في أن توافر الشرط الأول، فالنصان موضوع الطلب هما نصان تشريعيان، تضمنهما قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، ويغدوان، بالتالي، نصوصًا مما تختص المحكمة الدستورية بتفسيرها.
وكذلك فإن أمر توافر ثاني شروط القبول الموضوعية، أهمية النص محل التفسير، واضح جلي، حيث لا يحتاج عناء البحث، فالنصان يتصلان بولاية القضاء الإدارى ومدى جواز تقلد المرأة المناصب القضائية بمجلس الدولة، بعد أن تولت القضاء بالمحكمة الدستورية العليا والقضاء المدني والجنائي، وهما متصلان، أيضًا، بتوزيع السلطات والاختصاصات بين التنظيمات المؤسسية داخل مجلس الدولة، ومدى تداخل هذه الاختصاصات، و ضوابط ممارستها، والحدود الفاصلة بين سلطات التكوينات الوظيفية بالمجلس، وهى أمور هامة كلها، تتداخل ومبادئ وقواعد على الدستور بتنظيمها وتفصيلها بالأساس؛ إذ تتعلق بتنظيم ولاية القضاء وتقلد مناصبه، والقائم على شؤون هذا التنظيم، وحقوق المواطنة، وكفالة الدولة لتكافؤ الفرص، والحق في المساواة بين الرجل والمرأة، في إطار من مبادئ الشريعة الاسلامية، كما تتعلق أيًا بمدى وفاء مصر بالتزاماتها الدولية المبينة في المعاهدات الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية، واتفاقية منع التميز ضد المرأة “السيداو“، وغيرها، ومن ثم فإنه إزاء أهمية هذه المواضيع، ينبغي حسم أمر تفسير النصوص المنظمة لها، بحيث يستقيم أمر ارتقاء المرأة منصة القضاء عامة، والإداري خاصة، على أساس راسخ لا يتطرق إليه شك، ويقين لا تشوبه شائبة، تصونًا لرسالة القضاء، وتحوطًا لأحكامه.
بيد أن توافر ثالث شروط القبول الموضوعية، قيام خلاف في التطبيق، يحتاج منا إلى تفصيل، ذلك أن الخلاف بين المجلس الخاص للشؤون للإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية به في شأن تعين المرأة في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، يثير أربع إشكاليات يتعين حسمها جميعاً قبل القطع في مسألة مدى توافر الشرط الثالث من الشروط القبول الموضوعي الطلب التفسير.
أول هذه الإشكاليات: هل الخلاف الناشب بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة والجمعيات العمومية به متعلق بالنصين محل طلب التفسير؟ وثاني الإشكاليات.
هل يصلح أن يستنهض الخلاف في فهم تشريعي وتفسيره بين تكوينات وظيفية تتبع ذات الجهة القضائية سلطة المحكمة الدستورية في التفسير؟ أما ثالثها فيتعلق بمدى وجوب إلزام التفسير الذي اعتنقه كل جهة من الجهتين المختلفتين؟ ورابع هذه الإشكاليات وآخرها يدور حول تأثير وجود سلطة قانونية لإحدى الجهتين المختلفتين في حسم النزاع لصالح التفسير الذي اعتنقته هي أو الجهة الأخرى.
1 – تعلق الخلاف الناشئ بين المجلس الخاص الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية بنصي البند (1) من المادة ۷۳ والفقرة الثالثة من المادة ۸۳ من قانون مجلس الدولة رقم ٧٣ لسنة ١٩٧٢:
مدار النزاع بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية به هو مدى جواز تعيين المرأة بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، ففي حين أفصح المجلس الخاص عن رأيه بجواز هذا التعيين، وأن نص البند (۱) من المادة ۷۳ المتضمنة للشروط الواجب توافرها فيمن يعين في هذا المنصب يسمح بذلك، بدلالة إعلانه عن فتح بابًا التقدم لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة للخريجات، ارتأت الجمعية العمومية للمجلس أن تفسيرها لذات النص يعطيها الحق في تقرير حرمان المرأة من تقلد تلك الوظيفة. ولا مجال للمحاجة في أن هذا الأمر لا يتعلق بتفسير النص، بل هو أمر يتعلق بمخالفة نص فلا يتصور، في المنطق المستقيم، أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة، والتي تضم شيوخ قضاة المجلس ممن يتولون قضاء المشروعية، ويناط بهم صون الحريات وحماية حقوق المواطنين من عسف جهة الإدارة، أو قال لا يتصور، عقلاً ومنطقًا، أن تتغول هذه الجمعية بذاتها على حقوق مقررة للأفراد في قانونها، وتعصف بمراكز قانونية في طور التكوين، وقد يكون بعضها قد تكون بالفعل، دون استناد إلى تفسير يغاير تفسير المجلس الخاص لنص المادة ٧٣ من قانون المجلس، يكون قد وقر في ضمائر أفرادها فاعتنقته جمعيتهم، وأفرغت معتنقها قرارًا: تناهض به قرار المجلس الخاص المتكئ على التفسير المغاير لذات المادة، وهو ما يقطع بوجود تفسيرين مختلفين للمادة ٧٣ من قانون مجلس الدولة، تبني كل من المجلس الخاص والجمعية العمومية أحداهما، فالقول بغير ذلك يوقع في الروع أن إحدى الجهتين، أو كلتاهما، عمدت إلى مخالفة القانون، والافتئات على حقوق الأفراد، وهو ما نربأ بهؤلاء القضاء الأجلاء عن مقارفته وننزههم في حومته، ونقطع باستبعاده، ولا تأبه له في تكوين رأينا.
أما عن أمر الخلاف في تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من قانون المجلس، والدائر حكمها حول من له الحق في تقرير أمر التعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، وهل هو اختصاص استشارى للمجلس الخاص، أم تشاركه فيه، أو على الأقل تراقب كيفية ممارسته الجمعية العمومية لمجلس الدولة ؟ فهو خلاف وضاح جلي، إذ فسر المجلس النص آنف الذكر بما حاصله أن حق التعيين لوظيفة مندوب مساعد هو حقه الخالص، فكان أن بحث بما حاصله أن حق التعيين لوظيفة مندوب مساعد هو حقه الخالص، فكان أن بحث شرائط التعيين في هذه الوظيفة منفردًا، وأعلن عن فتح باب قبول أوراق الراغبين في شغلها، وأجرى المقابلات مع، وحين أن الجمعية العمومية اعتنقت تفسيراً مخالفاً للنص؛ قوامه أن لها سلطة وصائية في هذا الشأن، بدلالة الدعوى لعقد جمعية عمومية في شأن تعيين المرأة في وظيفة مندوب مساعد، وإدراجه، موضوعًا وحيدًا، جدول أعمالها، وطرحه للمناقشة والتصويت، ثم اتخاذ قرار في شأنه. إذ لا يتصور في العقل والمنطق أن شيوخ مجلس الدولة من القضاة المتقدمين المحترمين،حماة الشرعية، يتدخلون في شأن لا يقرر القانون لهم، بحسب تفسيرهم لنصوصه، حقاً فيه اغتصاباً لسلطة أنيطت بغيرهم، وافتئاتًا على مناطات الاختصاص، وهم أول من يعلم أن رقابة الإلغاء التى يمارسها القضاء الإداري، الذي يشرفون بالعمل في محرابه، ما انبنت، أول أمرها، إلا على الطعن بمخالفة مصدر القرار الاختصاص المنوط به قانونًا!
2 – مدى صلاحية الخلاف بين تكوينات وظيفية تتبع ذات الجهة القضائية حول تفسير نص تشريعي في استنهاض لسلطة المحكمة المحكمة الدستورية في تفسير:
يثور تساؤل حول مدى وجوب أن يثور الخلاف في تفسير نص تشريعي بين جهات مختلفة لا يجمعها رابط مؤسسة واحد، يسوغ أن تحتكم تلك الجهات إلى تكوين قانوني خاص يعلوها جميعًا، ويكون له الكلمة الفصل في أمر الخلاف في تفسير، وفي حال وجود هذا التكوين القانوني، فهل يجب عرض أمر الخلاف في التفسير عليه أولاً: وطبقًا للآليات المنصوص عليها في قوانين تلك الجهات، أو يسوغ عرض الأمر مباشرة على المحكمة الدستورية العليا ليكون لقولها الفصل في أمر الخلاف؟ وبغير دخول في تفاصيل الآراء التى قيلت في هذا الشأن، وبغض النظر عن رأينا الخاص في هذا الموضوع، فإن اطراد العمل في المحكمة الدستورية العليا قد كفانا مؤونة الاختلاف، إذ استقرت المحكمة، في قرارتها التفسيرية، على أن الخلاف في تفسير نص تشریعی بین دائرتين تتبعان ذاتع جهة القضاء يستنهض بذاته، إذا ما توافرت باقي الشروط، ولاية المحكمة الدستورية في شأن التفسير، ومن ثم يكون الخلاف بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة وبين الجمعية العمومية لمستشارى المجلس، والتابعين لذات الجهة ط مجلس الدولة ” كافيًا بذاته، على مذاهب المحكمة الدستورية العليا، لتوفير ولايتها في الفصل في الطلب.
3 – مدى وجوب إلزامية التفسير الذي اعتنقه كل من جهة الجهتين المختلفتين:
نعني بذلك التساؤل، مدى اشتراط أن تكون كلتا الجهتين قد أفرغت تفسيرها في صورة قرارات أو احكام ملزمة ذات حجية بتوافر الاختلاف في التفسير، أم يكفي للقول يمثل هذا الاختلاف، أن يتخذ أحد التفسرين، أو كلاهما، شكل تقرير أو فتوى توصية غير ملزمين. ذهبت المحكمة الدستورية العليا، في غير قرار بالتفسير، إلى كفاية أن يكون النص قد أثار خلافًا في التفسير، بغض النظر عما إذا كان موضوع هذا الخلاف قد أخر شكل حكم ملزم أم تشكل في صورة فتوى أو تقرير غير ملزمين، فقد اعتدت المحكمة الدستورية العليا في إحدى طلبات التفسير، للقول بتوافر اختصاصها، بخلاف في التفسير كان أحد حديه تطبيق لإدارات وزارة الداخلية، كما اعتدت ذات المحكمة بتباين بين دوائر محكمة النقض في تعريف الهيئات القضائية، حال أن هذا الخلاف أفرغ في تقارير متعلقة بطعون انتخابية خاصة بانتخابات مجلس الشعب، رغم أن ما تنتهي إليه هذه التقارير، على الراجح في العمل، غير صحة العضوية، إذ ليس شرطًا لممارسة المحكمة اختصاصها أن يكون اختلاف التطبيق قد ثار بين جهات تتمتع أعمالها بالحجية. وذهبت المحكمة، كذلك، إلى القول يتوافر شروط قبول طلب تفسير، لوجود خلاف في التطبيق، حال كون الخلاف قد قام بين أحكام ملزمة باته صادرة من محكمة النقض وبين فتاوى للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، وهي فتاوى غير ملزمة، وهو ما قطع، بأن مذهب المحكمة الدستورية العليا في قبولها التفسير، لا يستوجب ما يقع، بأن مذهب المحكمة الدستورية العليا في قبولها طلب التفسير، لا يستوجب حجية ملزمة لأي من التفسيرين اللذين يتنازعان النص محل طلب التفسير.
4 – أثر وجود سلطة قانونية لإحدى الجهتين المختلفتين تتيح لها حسم النزاع لصالح التفسير الذي اعتنتقه هي أو الجهة الأخرى:
يدق الأمر حيث يثور اختلاف التفسير بين تكوينين مؤسسين يتبعان جهة واحدة ويكون لأحد التكوينين سلطة قانونية، تمكنه قانونًا، من مراجعة التفسير المخالف لتفسيرها لتصويبه وإمضاء تفسيرها هى للنص القانوني، كحال الاختلاف في تفسير نص بين محكمة استئناف ومحكمة النقض، أو بين محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا. وواقع الأمر أن المحكمة الدستورية العليا قد عرض عليها أمر تفسير المادة ٦ من القانون رقم ٢٥ لسنة 1966 في شأن إحالة جرائم بعينها إلى القضاء العسكري، وكان أحد وجهي الخلاف في التفسير، على نحو ما ورد بكتاب المستشار وزير العدل حينئذ ما اعتنقه حكم المحكمة القضاء الإداري، وكان الوجه الثاني للخلاف، فضلاً عما ذهب إليه حكم في إشكال صادر من المحكمة العسكرية العليا، ما ورد من تفسير للنص بأسباب الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا حين نظرها الطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، سالف ذكره، وقد انتهى حكم المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء حكم محكمة القضاء الإداري، وبالرغم من ذلك الإلغاء اعتبرت المحكمة الدستورية أن خلاف التفسير قائم، وقبلت نظر الطلب، بل إنه في مناسبة أخرى ثار الخلاف حول تفسير نصين قوانين، هما نصا المادتين من الخامسة والسادسة من القانون رقم ۳۸ لسنة ۱۹۷۲ في شأن مجلس الشعب، بين عدد من دوائر محكمة القضاء الإداري وعدد من دوائر المحكمة الإدارية العليا، بيد أن الدائرة العامة لتوحيد المبادئ حسمت الأمر، بمقتضى اختصاصها المقررة بالمادة ٥٤ مكررًا/ ١، المضافة إلى قانون مجلس الدولة بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤، وذلك قبل إحالة طلب التفسير للمحكمة الدستورية العليا من المستشار وزير؛ بناءً على طلب الدكتور رئيس مجلس الشعب، وبالرغم من حسم خلاف تفسير، والذي، دار رحاه بين المحاكم مجلس الدولة دون غيرها، بالحكم الصادر من هيئة المبادئ فإن قرار التفسير انتهى إلى قبول الطلب، تأسيسًا على الخلاف الذي كان قد وقع بين دوائر محكمة القضاء الإداري وانعكاس ذلك الخلاف على قرارات وزارة الداخلية، ولم تأبه المحكمة الدستورية العليا لحسم الخلاف بين محاكم مجلس الدولة بحكم الهيئة وقبلت طلب التفسير.
لما كان جماع ما تقدم، وعلى هدى مما استعرضناه من قرارات ومبادئ للمحكمة الدستورية العليا، فإن أمر الخلاف في تفسير نصي البند (۱) من المادة ٧٣ والفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، والقائم بين المجلس الخاص لشؤون الإدارية والجمعية العمومية للمجلس، وبصرف النظر عن الطبيعة القانونية لما صدر عن الجمعية العمومية ومدى الحجية المقررة له، سواء كان ما صدر عنها قرارًا ملزمًا للمجلس الخاص، أم كانت توصية غير ملزمة له، وبقطع النظر عن مدى إمكانية تغليب المجلس الخاص لتفسيره الذي اعتنقته الجمعية العمومية، يكون قد تحقق، على نحو يتوافر معه الشرط الثالث من شروط القبول الموضوعي لطلب التفسير.
الخلاصة:
يتضح مما سبق أن الطلب المقدم من المستشار وزير العدل في شأن تفسير نصي البند (۱) من المادة ٧٣، والقفرة الثالثة من المادة ۸۳ من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، قد استوفى شروطه قبوله الشكلية والموضوعية، فقد قدم من وزير العدل بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء، وانصب الطلب على نصين تشريعين من نصوص أحد القوانين المكملة للدستور، قانون مجلس الدولة، والصادر بقرار من رئيس الجمهورية، وقد نشب خلاف تفسير النصين بين جهتين من جهات مجلس الدولة، ومن ثم يكون طلب التفسير قيمنا بالقبول.
في موضوع طلب التفسير
تمهيد:
بعد أن انتهينا في القسم السابق، من التقرير، إلى الرأي بقبول طلب التفسير لتوافر شرائط قبول الشكلية والموضوعية، فإننا سنعالج في هذا القسم تفسير النصين محل الطلب الماثل، فنقدم التفسير ببسط المناهج المختلفة لتفسير النصوص التشريعية، ولبين منهج المحكمة الدستورية العليا في تفسير النصوص، ثم نعرض لتفسير النصين محل طلب التفسير.
المطلب الأول
في مناهج تفسير النصوص التشريعية
تقديم:
التفسير لغة: لفظ مشتق منى مادة “ف س ر” وفسر الشئ فسراً أوضحه، والتفسير هو الشرح والبيان.
وللتفسير، في المصطلح القانوني عده تعريفات فيذهب البعض إلى أنه استظهار إرادة النص من ثنايا الألفاظ والعبارات التى منها يكون، توطنة لتطبيقه على نحو يلائم تطور الحياة ويحقق غاية القانوني، دون مساس بألفاظه أو عباراته، ودون صرف إرادته عن مقصدها، ويذهب آخرون إلى أنه الوقوف على ما تتضمنه القاعدة القانونية من حكم، والبحث عن الحكم الواجب إعطاؤه لما قد يعرض في العمل من فروض لم تواجهها القاعدة القانونية من حكم، والبحث عن الحكم الواجب إعطاؤه لما قد يعرض في العمل من فروض لم تواجهها القاعدة القانونية، وذهب فريق إلى أن تفسير التسفير التشريع هو توضيح ما أبهم من ألفاظه وتكميل ما اقتضب من نصوصه، وتخريج ما نقص من أحكامه، والتوفيق بين أجزائه المتناقضة.
ووجه الخلاف بين التعاريف السالفة يرتكز بالأساس حول ماهية دور المفسر للقاعدة القانونية، وما إذا كان دوره محض كشف الغموض الدلالي لافلاظ النص محاولاً، قدر الإمكان، استلهم إرادة المشرع لحظة وضع النص، وفي حدود المعاني المباشرة للألفاظ والتراكيب اللغوية التي يشكل منها النص محل التفسير، أو أن دوره هو سير أغوار النص، وتقصي مرايمه، وتخليقه كائنًا متجددًا يتلاءم مع الواقع المتطور الذي يطبق النص خلاله، يحث يصلح النص، قدر الإمكان، في مواجهة التطورات والمستجدات التى طرأت عبر الزمان الذي انضقي منذ لحظة وضع النص إلى لحظة تطبيقه، وذلك كله دون التعسف في التفسير، أو الجهاد الفاظ وتراكيبه اللغوية، وتحميلها فوق ما تحتمله دلالاتها اللغوية أو مدلولاتها الاصطلاحية، أو إخراج النص على نسقه العام عبر سياقاته المتعددة، سواء التاريخية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية أم غيرها.
وقد انعكس اختلاف المنظور لطبيعة الدول الذي يلعبه التفسير في شأن تطبيق القواعد القانونية، على المناهج التى وضعت لتفسير القواعد والنصوص القانونية؛ فكان أن ظهرت ثلاثه مناهج رئيسية للتفسير تبنتها مدارس ثلاث، هي على الترتيب الزمني: منهج الكيان الذاتي للنصوص أو مدرسة التزام النص، ومنهج التفسير التاريخي أو الاجتماعي والذي اعتنقته المدرسة الاجتماعية، ومنهج التفسير المتطور أو الحر وهو وليد جهد وأفكار المدرسة العلمية.
منهج الكيان الذاتي للنصوص “مدرسة التزام النص“:
ظهرت هذه المدرسة في فرنسا عقب النهضة التشريعية الهائلة في مفتتح القرن التاسع عشر، وارتكزت في الأساس على فكرة مفادها أن القانون ما هو إلا مشيئة الدولة وإرادة المشروع، وأن لا شئ وراء التشريع في مصادر موضوعية، أو دونه من مصادر رسمية، وأن هذه التشريعات جمعت فأوعت، وتنبأت بكل ما يعرض في المستقبل من فروض، ومن قم فقد أضفت هذه المدرسة على النصوص قدسية كبيرة، ولما كان القانون لا يصدر إلا عن إرادة واعية بصيرة هي إرادة المشرع، فتفسير النصوص، من ثم، يجب أن يقف عند إرادة المشرع، ومن ثم يتحتم للوقف على مضمون القاعدة القانونية الوقوف على إرادة المشرع الحقيقة إن وجدت، فإن لم توجد؛ يكن من مناص من الالتجاء إلى إرادته المفترضة.
ويلجأ المفسر، تبعًا لهذا المنهج، في بحثه عن الاؤادة الحقيقة للمشرع إلى استخدام ثلاثه طرق هي: طريقة التفسير اللفظي، ثم طريقة التفسير المنطقي، وأخيرًا طريقة التفسير التاريخي. أما إذا لم يتوصل المفسر إلى كشف الإرادة الحقيقية للمشرع باستخدام الطرق متقدمة الذكر، فإنه يتجه إلى البحث عن إرادة المشرع المفترضة باستخدام طرق القياس المنطقى سواء بمفهوم الموافقة، أم بمفهوم من باب أولى، أم بمفهوم المخالفة، فإن قصرت كل هذه الوسائل في كشف الإرادة المفترضة للمشرع، وإيجار حلول لما يستجد في العمل من فروض، يلجأ المفسر إلى استخلاص بعض المبادئ والنظريات العامة من نصوص التشريع المختلفة، ونسبة هذه النظريات افتراضاً للمشرع، ثم استخدامها، من بعد، لاستخراج الحلول اللازمة لمواجهة الفروض المستجدة، وبحسبان أن هذه النظريات هي ما قصد الشارع ابتداء، والمعبرة إرادته الضمنية.
المنهج التاريخي أو الاجتماعي “المدرسة الاجتماعية“:-
ظهرت هذه المدرسة في ألمانيا في أوائل القرن العشرين، وهي تنظر إلى نصوص القانون بحبسانها خلقًا ذاتيًا، ينبعث من الجماعة، فالنصوص تنفصل عن إدارة واضعها، وتكون لها حياة خاصة مستقلة تتصل بالحياة الاجتماعية والمتفاعلة فيها، فالنصوص لا تفسر بإرادة المشرع الحقيقة أو المفترضة، لانفاصالها منذ وضعها عن هذه الإرادة، وأضحى لها كيان مستقل وثيق الصلة بالظروف الاجتماعية المتطورة، وأنما تفسر وفقًا لما تكون عليه هذه الظروف وقت التفسير.
نظرية التفسير المتطور أو الحر “المدرسة العلمية“:-
وقد ظهرت هذه المدرسة على يد الفقيه الفرنسى “جينى” وارتكزت على وجوب عدم أخذ القانون كشكل يحمل طابع الدولة في صورة تشريع، وإنما كجوهر تألف من حقائق ومختلفة طبيعية وتاريخية وعقلية ومثالية، ومن ثم فإنه عند تفسير النص يجب الوقوف أولاً على الإدارة الحقيقة للمشرع وحده، دونما يسمي بإرادته المفترضة، فإذا لم يتمكن المفسر من الوقوف على الإرادة الحقيقة للمشرع، لجأ للمصادر الرسمية الأخرى للقانون وأهمها العرف، فإن عجز التمس سبيله في البحث الحر، وهو ما يقصد به رجوع المفسر إلى جوهر القانون بحقائقه المختلفة، إلى رجوعه إلى الواقع في حياة الجماعة، وإلى فكرة التى يفترض في النصيين القانونيين محل التفسير أنهما قد عبرا عنها، وذهبت المحكمة في توكيد مذهبها وأنها تقف عند الدلالات المباشرة للنصوص؛ استقصاء لإرادة المشرع الحقيقة، ولو أدى ذلك إلى الكشف عن عدم دستورية النص المراد تفسيره، وأنها لا تتصدى فى هذه الحالة للفصل في دستورية النص؛ لخروج ذلك عن ولايتها حال تفسيرها النصوص، إذ قررت “وحيث إنه غني عن البيان أن اختصاص هذه المحكمة بالنسبة لتفسير النصوص التشريعية لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها، ذلك أن المادة (٢٦) من قانون المحكمة الدستورية العليا لا تخونها سوى استقصاء إرادة المشرع من خلال استخلاصها دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية إنما ترد دومًا إلى هذه الارادة وتحمل عليها حملاً، وساء كان المشرع حيث صاغها مجانبًا الحق أو منصفًا، وساء كان مضمونها ملتمًا مع أحكام الدستور أم كان منافيًا لها، ولا يتصور بالتالي أن يكون طلب تفسير النصوص المذكورة تفسيرًا تشريعيًا متضمنًا أو مستنهضًا الفصل في دستوريتها لتقرير صحتها أو بطلانها على ضوء أحكام الدستور.
وحيث إن قرارات التفسير الصادرة من هذه المحكمة قد تواترت على أنها قد خولت سلطة تفسير النصوص التشريعية بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين تفسيرًا تشريعيًا ملزمًا يكون كاشفًا عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محددًا مضمونها لتوضيح منا أبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعترها من تناقض قد يبدو من الظاهر تقريره إياها بلا زيادة أو ابتسار، وتستعين المحكمة في سبيل ذلك بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره وبأعماله التحضيرية الممهدة له.
ومن ثم يمكن أن نخلص إلى أن المحكمة الدستورية العليا تلجأ، حين تصديها لطلبات التفسير، إلى تمحيص الدلالات اللغوية لألفاظ النص، مع وضعها في سياقها التاريخي والمعرفي لحظة ميلاد النص، مستعينة في ذلك بالأعمال التحضرية التي سبقت ميلاد النص أو عاصرتهن. مستهدية بالأصل التاريخي له، وبالتطور الذي طرأ عليه منذ ظهوره في اللحظة الأولى وحتى تشكله في وضعه الراهن.
هناك منهج آخر من مناهج التفسير نراه أوفق عند تفسير النصوص، وهو منهج التفسير الغاني للنصوص. وينبني هذا المنهج على عدد من المرتكزات الأساسية:
الأول: إن النصوص التشريعية لا تقصد لذواتها، فالمشرع لا يتدخل إلا لحل إشكالية لا سبيل إلى حلها سوي بتدخل تشريعي. الثاني: حين يتدخل المشرع ليضع نصًا تشريعيًا فإنه يستهدف تحقيق غايه معينة، هي هدفه المباشر، أو الأمر، من وضع النص، وهي حماية مصلحة بعينها، يراها أولى بالرعاية حين يضع النص.الثالث: أن المشرع يستهدى في حلوله التشريعية، أو هذا ما يجب عليه، بقيم المجتمع ومعتقداته، يستلهم أفكاره، ويعبر عن أمانية وطموحاته. الرابع: يضع المشرع نصب عينيه تخومًا وضوابط لنصه التشريعي؛ ينبغي ألا يحيف عليها أو يحيد عنها، وهذه التخوم والضوابط، بالأساس، هى مقتضيات النظام العام، والقواعد الدستورية المطبقة، والمبادئ والقيم التي يمكن أتطلق عليها ما فوق الدستورية، ونقصد بها تلك المبادئ والقيم التي استقرت في ضمير الجماعة البشرية عبر أطوار تقدمها على درج الرقى والتمدن، بحيث أضحت ولا يتصور أن تخلو الدساتير المختلفة منها، بل ويتعين على أى مشرع أن يلتزم فحواها، ويعمل مقضاها، ولو لم تتضمنها صراحة الوثيقة الدستورية، ومنها، مثالاً لا حصرا، حماية حرمة المساواة، وكفالة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ورعاية حريتي الرأي والعقيدة، وتحقيق المساواة، وكفالة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وحماية هذه القيم هو الهدف غير المباشر، أو الثانوي، لأي نص تشريعي، الخامس: أن المقصود اي نص تشريعي، استشرافا للمستقبل، أن يقرر علاجًا نهائيًا للإشكالية محل تدخله، حرصًا على استقرار المعاملات وثبات الأوضاع القانونية، السادس: أن النص كمضمون فكرى لا يتحدد إلا من خلال الشكل الذي يتجسده عبره، والوعاء الذي يصب في داخله، أعني المفردات والصياغات اللغوية التي يصاغ بها، واللغة ومفرادتها في تطور مستمر، بحيث تتطور وتختلف الدلالات والمفاهيم المستفادة من الألفاظ والعبارات تبعًا لتطور المجتمع ومفاهيمه،السابع: فوق ذلك؛ فإن النص القانوني كحل لمشاكل اجتماعي، أي يتعلق بما يثور داخل جماعة ما من علاقات، وما يتولد عنها من إشكاليات، ينفصل، بمجرد إقراره عن واضعه ليتفاعل مع مجتمع يتطور دوماً، فيؤثر فيه ويتأثر، على نطاق التطبيق والتفسير، به.
ولما كان ذلك ؛ فإن تفسير أي نص لا يتصور أن يتجمد عند لحظة ميلاد النص وظهوره في مجال التطبيق للمرة الأولى، بل يتعين أن يتطور التفسير بحسب المتغيرات التي تطرأ على المجتمع، والقيم التي تسوده لحظة التفسير، وإلا حكمنا على التشريعات بالجمود والتصادم مع مقتضيات التطور، وحرمنا المجتمع ثمار تفاعلها الحر، وألزمنا انفسنا بضرورة التعديل المستمر للتشريعات، حال إمكان استبقائها، مع تطوير تفسيراتنا لها.
ولا يهدف التفسير الغائي، الذي رأى أفضلية اتباعه عند تفسير النصوص، إلى التحلل كلية من دلالات ومعاني الألفاظ والتركيبات ومعاني الألفاظ والتركيبات اللغوية المكونة للنص محل التفسير، كما لا يسعى أيضًا إلى إهدار الظرف التاريخي الذي وضع فيه النص، أو الالتفات عن إرادة المشرع، بل يهدف هذا التفسير إلى وضع معيار بنضبط به التفسير عند وجود عدة احتمالات مختلفة لتفسير نص ما، ليهدي المفسر للتفسير الذي يتخيره من بين احتمالات التفسير المتعددة. وينحو هذا التفسير إلى جعل الغاية المباشرة أو الأولية، من وضع النص محددًا للاختيار، محاولاً في الآن ذاته ألا يتنافر التفسير مع مقتضيات النظام العام، والقواعد الدستورية المطبقة، والمبادئ والقيم ما فوق الدستورية بحسبان حمايتها والحفاظ عليها الغاية غير المباشرة، أو الثانوية، لأي نص تشريعي، وذلك دون ما عسف أو تحوير للنص من مراميه وأهدافه، وهو ما يمكن المفسر من مواكبة وملاحقة التطور الحثيث للجماعة بالرغم من بقاء النصوص على حالها دون تغيير، مع تلاقي إمكان أن ينقلب تفسيره إلى تعديل للنص المفسر أو خلفه نصًا جديدًا مختلفًا.
ويبدأ المفسر، حسب المنهج المشار إليه، في تحديد معاني ألفاظ النص ودلالات عباراته، فإذا لم يكن للنص بحسب الدلالات اللغوية سوى معني واحد؛ تعين على المفسر التزامه، أما اذا تعددت احتمالات التفسير، دون أن يكون هذا التعدد وليد تعسف في فهم المعاني، أو إجهاد للألفاظ والمباني، كان على المفسر، حينئذ، أن يستهدى بالغاية الأولية من النص، أي بالمصلحة التى وضع النص لحماتيها، فيرجح المفسر التفسير الأكثر رعاية للمصلحة بالنص، مع ملاحظة أن عليه مراعاة قدر الإمكان، أن يحترم التفسير الذي ترجحه القواعد سالفة الإشارة إليها، بحسبانها محققة للغاية الاسمي لأى تشريع، وهو الانتصار للمفاهيم الدستورية، وإعلاء المبادئ والقيم التي وقرت في ضمير المجتمع، وذلك كله دون أن يخرج النص عما تتحمله دلالته اللغوية، أو يناهض آليات التفسير المنطقي، ولو أدي إلى إهدار مفاهيم الظرف التاريخي الذي تولد النص من خلاله مادامت الجامعة قد تجاوزتها، ولم يكن لهذا الظرف وتلك المفاهيم تأثير دلالي كامن داخل ثنايا النص يمنع الالتفات عن هذا التأثير، فحالئذ يتعين على المفسر إلا يصيح بتأثيرات هذا الظرف التاريخي الكامن في تلابيب النص، ويلتزمها ولو تعارضت مع القيم المتطورة للجماعة، فالتفسير الغاني ليس وسيلة لتخليق نص من عدم، أو لإهدار دلالات اللغة وموجبات المنطق الاستدلالي، بل هو اعادة تشكيل لمفاهيم نص قائم ليساير قيم الجماعة ومكتسباتها الدستورية في اللحظة الآنية، لحظة التطبيق، في حدود ما تسمح به واسئل التفسير المعتبرة.
وليس فيما سبق، من وجهة نظري تعارف مع منهج المحكمة الدستورية العليا، فإن كانت المحكمة قد ذهبت في قراراتها التفسيرية إلى اعتناق مدرسة التزام النص، مدخلة عليها تطويرًا يناسب تطور آليات التفسير، فقد أفصحت في غير حكم لها، في الدعاوى الدستورية عن اعتناقها ما يقرب المنهج الغائي في التفسير، فذهبت إلى أنه عند تعدد تفسيرات نص ما، تعين تأويل النص، بكافة الوسائل المعتبرة في التفسير، فذهبت إلى أنه عند تعدد تفسيرات نص ما، تعين تأويل النص، بكافة الوسائل المعتبرة في التفسير، بما يعصمه من تفسيرات نص ما، تعين تأويل النص، بكافة الوسائل المعتبرة في التفسير، بما يعصمه من الوقوع في حومة المخالفة الدستورية، أى إنها تأخذ بالتأويل الذي يتواءم مع المبادئ من المقرر أن الرقابة على الدستورية لا تستقيم موطنا لإبطال نصوص تشريعية يمكن تأويلها – بمختلف طرق الدلالة المعتبرة – على وجه بعصمها من المخالفة الدستورية المدعي بها، بل يجب – وبوصفها رقابة متوازنة لا يجوز التدخل بها إلا لضرورة ملحة تقتضيها – أن تكون مبررة بدواعيها كي لا يكون اللجوء إليها اندفاعًا، أو الاعراض عنهم تراخيًا وقد أفصحت المحكمة عن وجوب التزام المفسر بعد تفسير النص بما لا تحتمله عبارته توصلاً لالتفاقه مع الدستور، وهو ما بينا أن التفسير الغاني يعتبره، فقضت بأنه ” ولئن كان صحيحًا أن لرقابة القضائية التى تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية لا تستقيم موطنًا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلاً يجنبها الوقوع في هاوية المخالفة الدستورية، الا أنه من المسلم أيضًا أنه اذا ما استعصي تفسير النصوص المطعون عليها بما يوائم بين مضمونها وأحكام الدستور، فإن وصمها بعدم الدستور يغدو محتماً، إذ لا يسوغ أن تفسر النصوص القانونية قسراً على وجه لا تحتمله عباراتها يستقيم مع فحواها بقصد تجنب الحكم بعد دستوريتها.
وحيث إنه استعراض مناهج التفسير المختلفة سنبدأ في تفسير نصي البند (۱) من المادة ۷۳ والفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱٩٧٢ محل الطلي، على هدى مما أوضحنا سلفًا من المنهج الذي تخيرناه لتفسيرهما.
في تفسير نص البند ( أ ) من المادة ۷۳ من قانون مجلس الدولة
تمهيد:
تشكل المادة ٧٣ أولى مواد الفصل من الباب الرابع من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، والمعنون في “تعيين والترقية، وتحديد الأقدمية، ويجرى نصها على أنه “يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة:
أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة
أن يكون حاصلاً على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجهورية مصر العربية أو على شهادة أجنبية معادلة لها وأن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك.
أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.
ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رد إليه اعتباره.
أن يكون حاصلاً على دبلومين من دبلومات الدرسات العليا أحدهما في العلوم الإدارية أو القانون العام إذا كان التعيين في وظيفة مندوب.
ألا يكون متزوجا بأجنبية، ومع ذلك يجوز بإذن من رئيس الجمهورية الإعفاء من هذا الشرط إذا كان متزوجًا بمن تنتمي جنسيتها إلى إحدى البلاد العربية.
ألا تقل سن من يعين مستشارًا بالمحاكم عن ثمان وثلاثين سنة ولا تقل سن يعين عضوًا بالمحاكم الإدارية والتأديبية عن ثلاثين سنة ولا تقل سن من يعين مندوبًا مساعدًا عن تسع عشرة سنة.
وقد ثار الخلاف بين المجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العامه به؛ بشأن ما إذا كان الخطاب في هذه المادة في بندها الأول ينصرف إلى كل المصريين من ذكور وإناث ممن توافر في شأنهم سائر الشروط الواردة بباقي بنودها، أم أن دلالات النص. تجعله قاصراً على الذكور فحسب، ومقطع النزاع ينحصر في أن المشرع استخدم ألفاظ التذكير فى النص دون التأنيث، فهل لذلك من دلالة في التفسير أم لا ؟
والمقضي تطور النص الماثل في القوانين السابقة، منذ إنشاء مجلس الدولة عام ١٦٤٦، يجدها قد إطردت، جميعها، على ذات الصياغة “استخدام صيغه المذكر“، فقد أحالت المادة ٢٣ من القانون رقم ۱۱۲ لسنة ١٩٤٦ أول قوانين مجلس الدولة، في شروط من يعين عضوًا في مجلس الدولة، أو في إحدى وظائفه الفنية، وبالعودة إلى قانون استقلال القضاء رقم ٦٦ لسنة ١٩٤٣، نجد أن مادته الأولى تنص على أنه: ” يشترط فيمن يولى القضاء:
أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة
ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية وعن أربعين سنة اذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف أو بمحكمة النقض والابرام.
أن يكون حاصلاً على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجهورية مصر العربية أو على شهادة أجنبيه معادلة لها وأن ينجح في الحالة الاخيرة في امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك.
ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجلس التأديب لأمر مخل بالشرف.
أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة.
في حين نصت المادة ٥٢ من القانون ١٦٥ لسنة ۱۹٥٥، الواردة في الفصل الأول من الباب الرابع المعنون بـ “في الوظائف الفنية” على أنه يشترط فيمن يعين عضوًا بمجلس الدولة:
أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة
…………..
…………..
وورد نص المادة المقابلة في القانون ٥٥ لسنة 1959، المادة ٥٥، والواردة في ذات السياق الواردة فيه المادة السابقة، على أنه: “يشترط فيمن يعين عضواً في مجلس الدولة:
أن تكون له جنسية الجمهورية العربية المتحدة ويكون متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة
…………..
…………..
وقبل أن نشرع في تفسير النص، تبين أن محكمة القضاء الإدارى، ومنذ منتصف القرن الثالث، ومع بدايات العمل في مجلس الدولة ذهبت دون خلاف إلى أن تفسير النص يتسع ليشمع المصريين من الجنسين ولا ينحسر في الذكور منهم.
رأينا في تفسير النص:
مدار الفصل فى تفسير النص هو الوقوف على مدلول لفظ ” من ” في عبارة ” يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة “، واستخدام صيغة التذكير في كلمة مصريًا ” وباقي عبارات النص، لبيان مدى اتساعهما، ليشمل مدلولهما المصريين من الجنسين، أو ضيقهما ليقتصرا على الذكور دون الإناث.
دلالة كلمة من:
من في اللغة العربية الآتية:
۱ – شرطية يجزم الفعل المضارع في شرطها وفي جوابها نحو: (من يعمل سوائ يجز به)
استفهامية نحو: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدان)، ونحو: قال (قال ربكما يا موسي) وإذا قيل: من يفعل هذا ألا زيد ؟ فهي من الاستفاهمية، دل الأسلوب معها على معنى النفي، ومن قوله تعالى: في التنزيل العزيز (ومن يغفر الذنوب إلا الله)
موصلة نحو: (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض)
نكرة موصوفة، وبهذا تدخل عليها (رب)
ومنه قول سويد:
رب من انضجت غيظا قلبه قد تمني لى موتا لم يطع
و” من ” المستخدمة في النص المعروض هى اسم موصول مشترك، وإذا استخدمت “من” اسمًا موصولاً فإنها تتسع لكل من يعقل ذكرًا كان أم أنثي، فحين يقول رب العزة: ” ولله يسجد من في السموات والأرض ” فإن ” “من تنصرف إلى الجميع ممن يعقل، وهم الرجال والنساء، ولا تقتصر على طائفة منهم دون الأخرى، وهو ما يحدد بنا إلى القول أن استخدام النص المراد تفسيره للفظة “من” مطلقة، تجعل دلالة النص تنصرف إلى الجنسين.
بيد أنه قد تقوم شبهة في بعض الأذهان، من أن “من” المطلقة قد قيدت دلالتها باستخدام صيغة التذكير في لفظة النص، حين كان في مقدور واضع النص أن يذاكر المصري والمصرية…. الخ، أن هو أراد المساواة بين الجنسين في تقليد الوظائف الفنية لمجلس الدولة، فإن رد هذه الشبة يستلزم بيان حكم استخدام ضيغ التذكير في النصوص.
قدمنا أن هناك شبهة قد تثور في أذهان البعض؛ بأن المادة ۷۳ قد قصدت إلى قصر التعين على الذكور دون الإناث، لأنها أتت في جميع مواضعها مستخدمة صيغة التذكير ولم ترد فيها صيغة التأنيث.
والأصل في استخدام اللفظ بعلامة الذكورة أنه تناول الذكور والإناث جميعًا عند الاختلاط، ولا يتناول الإناث المفردات، ذلك أن عادة أهل اللسان تغليب علامات الذكورة عند الاختلاط وإدخال النساء عند الخطاب تبعًا للذكور…. وما فيه عرف ظاهر فهو بمنزلة الحقيقة بطريق العرف والشرع، وايد ذلك قوله تعالى: “قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ” والقاتل آدم وحواء عليهما السلام، وقال تعالى: ” ولأبويه لكل واحد منهما السدس ” والمراد الأب والأم، وكل خطاب هو مطلق في القرآن مما يشترك فيه الرجال والنساء يتناول الفريقين بالاتفاق، ومن يكون استخدام لفظ “مصريا” وإن جاءت بصيغة التذكير إلا أنه يتسع لكل مصري ذكرًا كان أو أنثى ولا يقتصر على الذكور فقط، وما استخدم التذكير إلا امتثالاً لدواعي ضبط المعتادة في التشريع، فالدستور أسمى القوانين يتحدث دوما بصيغة المذكر، في حين يقصد الذكور والإناث جميعاً، ولم يجدل أحد في ذلك أو يقل غيره.
وقد يصير البعض شبهة أخرى في أن هذا الفهم الدلالي المطلق للفظ مصري، يقيده العرف وضروات احترام مبادئ الدستور؛ اتكاء على المنهج الغائي في تفسير، ذلك أن الشريعة الاسلامية، في زعم البعض تمنع من تولى المرأة القضاء، وأن مفسر النص يجب أن يتقيد بالقيود العرفية والمحددات الدستورية لدلالات الألفاظ، فيختير من بين الدلالات والمعاني المختلفة التي تتحملها الألفاظ، تلك التى تجعلها منفقة مع تلك المعدات وهذه القيود.
بيد أن هذه الشبهة سرعا ما تنداح، دون بالغ جهد، بالنظر إلى ما يأتي:
أولاً: إن منعم النزر في النص يجد الدليل على انتقاء التقييد، ذلك أن الغاية الأولية، المباشرة، من النص هي توفير أفضل العناصر للعمل بالهيئات القضائية، والأفضلية مناطها الاجتهاد والأهلية، وهي أمور لا عبرة للجنس في توافيرها أو إطراحها، ومن ثم يجب أن يستفيد المجتمع من كل العناصر المؤهلة والصالحة لتقلد القضاء، كما وإن من حق المجتمع، بل من واجبه، أن يحمي استثماراته، التي أنفقها على النابهات من الخريجات لتسخدم استخدامًا أمثل، وينتفع بها منفعة قصوى، وهو ما يؤيد الأخذ بالالة المطلقة للفظ مصرى، حتى لا يحرم القضاء من بعض أفضل العقول القانونية دون ما سبب معتبر.
ثانيًا: إن الغاية الثانوية، غير المباشرة للنص المعروض هى احترام القيم والمفاهيم الدستورية، وعلى رأسها كفالة الدولة الفرص، وإعمال حقوق المواطنة، واحترام مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة…… الخ تؤدى بنا إلى ذات التفسير
ثالثًا: ان استفهام مبادئ الشريعة الاسلامية، عند التشريع، وإن كانت مصدرًا أساس لكل نص تشريعي، وبعد احترامها غاية ثانوية، بالمعنى الذى أوضحناه على أى نص آخر في الدستور بحسبانها مقيدة له، هي المبادئ المستمدة من النصوص قطعية الثبوت والدلالة، أما حال تباين الآراء حول أمر ما، فإن التخير بين هذه الآراء ينبغي أن ينضبط بعضها البعض، وتشكل تكاملاً كليًا، فإذا كانت بعض الآراء في الفقه الاسلامى قد حظرت عمل المرأة في القضاء، في حين إباحته آراء أخرى، فإن الواجب الأخذ بالإباحة، استنادًا إلى تكامل نصى المادة الثانية والمادة ۱۱ من الدستور مع مقتضى المادة ٤٠ منه، وتكون المساواة في تولى القضاء بين الجنسين هي الغاية الثانوية، واجبة الاعتبار، عند تفسير النص الماثل فهى التي تؤيدها الدستورية، بما فيها احترام مبادئ الشريعة الاسلامية ومقاصدها الكلية.
رابعًا: إن احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية، هي غاية ثانوية أخرى من الغايات التي يجب أن يلتزمها النص التشريعي، ويعمل على أحقيقها، وليس من شك في أن المساواة في تقلد وظائف القضاء هو ما يتفق مع التزامات مصر الدولية، المتولدة عن انضمامها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية، واتفاقية حظر ضد المرأة (السيداو) وغيرها من المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان.
خامسًا: إنه لا يؤبه لما يزعمه البعض من دور للعرف وقيم المجتمع السائدة في تقييد المفهوم الدلالي لألفاظ النص محل التفسير، وصرفها إلى الدلة الضيق، أى فهم النص على أساس أن المخاطبين به الذكور وحدهم دون الإناث، ذلك أن القول بوجود هذا العرف وتلك القيم قول بغير دليل لا يمكن إثباته، بل نستطيع القول، دون وجل أن العكس هو الأصح، ذلك أن العرف المخصص للفظ العام، أو بالتعبير الأصولى (دلالة التخصيص) هو استثناء لا يقوم إلا بدليل، ومراده في القانون دلالة الاصطلاح، وليس العرف بمعناه القانوني، اى أن المشرع يكون قد تعارف عند صياغة النص على استخدام لفظة عامة بدلالة خاصة تختلف عن مضمون عبارتها اللغوية العادية، وهو ما يفتقر النص محل التفسير الدليل على توافره مثله، بل إن مقارنة صياغة النص محل التفسير وصياغة نصي المادتين الرابعة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقرار بقانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۹ و ۳۸ من قانون السلطة القضائية والصادر بالقرار بقانون رقم ٤٦ لسنة ۱٩٧٣، المتزامن صدوره مع صدور قانون مجلس الدولة، يذهبان بنا إلى عكس ذلك، أى إلى توكيد إطلاق دلالات النص، إذ نجدهما يستخدمان صياغة التذكير، ورغم ذلك فسر كل من المجلس الأعلى للهيئات القضائية قبل استبداله، والجمعية العامة لمحكمة الدستورية العليا / ومجلس القضاء الأعلى على الإطلاق دونما تقييد أو صحر في الذكور دون الإناث، فأضحى تولى المرأة أمر القضاء حتمًا مقتضيًا منذ نحو عقد من الزمان، فتولت المرأة مقاليد القضاء في أسمى المحاكم وأجلها شأناً، المحكمة الدستورية العليا، ثم تبعتها عدد غير يسير من فضليات القاضيات، يضلعن اليوم بولاية القضاء في كافة محاكم القضاء العادي، يشاركن زملاءهن حمل أمانة القضاء بكافة الدوائر المدنية والجنائية والاقتصادية، مما يقطع بأن قيم المجتمع وأعارفه لا تمج أو تستنكر تولى المرأة القضاء.
٣ – خلاصة الرأى:
من جماع ما تقدم نستطيع الجزم بأن لفظة “مصريًا” الواردة في البند (۱) من المادة ۷۳ من قانون مجلس الدولة، تشمل المصريين والمصريات دون تمييز بينهم وعلى ذلك يكون تفسير المعتبر للمادة سالفة الذكر أن التعيين في وظائف مجلس الدولة يستع ليشمل المرأة بجانب الرجل على نحو ما سيرد في منطوق الرأى
في تفسير الفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من قانون مجلس الدولة
تمهيد:
قبل البدء رأينا في تفسير النص الثاني من النصين، محل التفسير الماثل، يتعين توضيح عدة أمور أراها جوهرية:
أننا سنقصر على التعرض لأمر التعيين في وظائف مجلس الدولة من درجة المنودب وحتى المستشار، فضلاً عن وظيفة المندوب المساعد دون غيرها من الوظائف القضائية الأخرى بمجلس الدولة ؛ بحسبان أن الفقرة المطلوب تفسيرها قاصرة على هذه الوظائف.
أن قرار تعيين كافة أعضاء المجلس هو قرار مركب آخر حلقاته صدور قرار جمهوري بالتعيين، بيد أننا لن نتناول طبيعة دور رئيس الجمهورية، باعتباره رئيس الدولة، في إصداره، وما إذا كان ذو طبيعة رقابية أو وصائية، بحسبان ذلك أمراً خارجاً عن موضوع التفسير.
أننا لن نتعرض لطبيعة العلاقة بين الجمعية العمومية للمجلس بحسبانها التكويني المؤسسي الأقدم نشأة، والذي يضم في عضويته جمع قضاة المجلس من درجة المستشار على الأقل، وبين المجلس الخاص للشئون الإدارية الذي يضم رئيس المجلس وأقدم أعضائه، سوى في نطاق الفقرة الثالثة من المادة ۸۳ دون غيرها، إذ سيبقى مجال الرقابة المتبادلة بينهما، سائر الأمور الأخرى المتعلقة بشؤون المجلس وأعضائه، محلاً لبحث ليس مجاله هذا التقرير.
إن المرجع في تحدينا لأمر الاختصاص بتعين أعضاء مجلس الدولة حتى وظيفة المستشار، هي فحوى عبارات نص المادة ۸۳ /3 من قانون المجلس بعد تعديها، مستهدين كذلك، بالتطور التاريخي للنص ذاته، مع مقارنته بالنصوص المقابلة فى قوانين مجلس الدولة المتعاقبة، واضعين نصب أعيننا غايات النص الأولية منها والثانوية، ومن باستعراض التطور التاريخي لأوضاع كل من المجلس الخاص للشؤون الإدارية و الجمعية العمومية بمجلس الدولة.
التطور التاريخي لنشأة كل من المجلس الخاص للشؤون الإدارية والجمعية العمومية بمجلس الدولة والوظائف المنوطة بهما:
إذا كنا سنستعين ضمن آليات بحثن هذا بالمقارنة بين النصوص المختلفة التي نظمت التكوينات المؤسسن محل التنازع؛ فقد كان لزامًا علينا، قبل الولوج في تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة، وهو ثاني النصوص محل طلب التفسير، أن تستعرض الوضع التاريخي لتكوين المجلس الخاص للشؤون الإدارية والجمعية العمومية بمجلس الدولة، والوظائف المنوطة بكليهما عبر القوانين المتعاقبة التي نظمت العمل في مجلس الدولة منذ القانون رقم ۱۱۲ لسنة ١٩٤٦ وحتى القانون الساري اليوم وهو القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢.
الوضع في القانون رقم ١٢٢ لسنة ١٩٤٦:
خلا أول القوانين المنظمة لمجلس الدولة من تنظيم لمجلس خاص للشؤون الإدارية في حين نظمت مادته السابعة عشرة بشأن الجمعية العمومية للمجلس؛ إذ نصت في فقرتها الأولى على أن “تشكل الجمعية العمومية لمجلس الدولة من جميع مستشاريه ولا يكون انعقادها صحيحًا إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها“، وبينت الفقرة الثانية من ذات المادة اختصاصاتها، بنصها على أنها “تختص، فيما عدا ما هو مبين بهذا القانون بالمسائل الآتية:
مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والمراسيم والقرارات التي يتولى قسم الشريع صياغتها.
إعداد التشريعات التفسيرية التى يصدرها مجلس الوزارء في الأحوال التى يخوله القانون فيها هذا الحق.
(ج) إبداء الرأي مسببًا في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التى تحال عليها بسبب أهميتها من أحد الوزراء أو من رئيس أحد مجلس البرلمان أو من رئيس مجلس الدولة.
وأوردت المادة ۲۱ من ذات القانون اختصاصًا للجمعية العمومية فيما يتعلق بتعيين الأعضاء الفنين بالمجلس، وهم من دون المستشار، إذا جعلت أمر تعيينهم بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل بعد أخذ رأي الجمعية العمومية، أى أن الجمعية العمومية للمجلس كان لها، في بدء عمل مجلس الدولة، اختصاص صريح في تعيين الأعضاء الفنين في المجلس ممن هم دون درجة مستشار؛ بأن جعل القانون تعيينهم رهين أخذ رأي الجمعية.
الوضع في ظل القانون رقم ١٦٥ لسنة ١٩٥٥:
ظهر المجلس الخاص للشئون الإدارية كأحد التكوينات المؤسسية داخل مجلس الدولة، للمرة الأولى، بمقتضى القانون رقم ١٦٥ لسنة ١٩٥٥ بتنظيم مجلس الدولة، فنصت المادة ٥٧ على تشكيله من سبعة أعضاء، برئاسة رئيس المجلس وعضوية وكيلي المجلس والوكلاء المساعدين، فإن لم يستوف العدد من الوكلاء المساعدين، استكمل التشكيل من المستشارين بحب أقدمتهم، ونصت المادة على اختصاص هذا المجلس المستحدث بالموافقة على تعيين أعضاء المجلس وتحديد أقدمتهم وندبهم وإعارتهم، إضافة إلى باقى الاختصاصات المبينة بالقانون.
وبالرغم من استحداث القانون رقم ١٦٥ لسنة ١٩٥٥ للمجلس الخاص كتكوين مؤسسى حاكم في شأن الشؤون الإدارية المختلفة لأعضاء المجلس، فإنه قد أبقى في الآن ذاته على الجمعية العمومية للمجلس، فنص عليها في المادة ٤٧، محافظًا على تشكيلها من جميع مستشارى المجلس، وأناط رئاستها رئيس المجلس، بيد أنه في سبيل إقامة توازن بين التكوين المؤسسي الجديد “المجلس الخاص ” وبين التكوين القديم “الجمعية العمومية” فالنص من اختصاصات الجمعية العمومية؛ فجعل اختصاصها الرئيس، إلى جانب ما هو مبين في القانون، وضع اللائحة الداخلية للمجلس.
كما قلص القانون، في المادة ٥٥، من سلطات الجمعية في شأن تعيين الأعضاء إذ قصر دور الجمعية العمومية، في شأنهم، على الموافقة على تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه والوكلاء المساعدين، أمام ما عدا هؤلاء من الأعضاء الفنين، فناط تعيينهم باقتراح المجلس الخاص، بيد أن هذا التقليص في السلطات، كان تقلصياً ظاهريًا لا حقيقيًا، ذلك أن الاختصاص المعطى لمجلس الخاص بصدد التعيينات لم يكن طليقًا من قيود أو كل وضعها للجمعية العمومية للمجلس، إذ أردف النص أن اقتراحات المجلس الخاص، في شأن التعيينات، يكون على النحو المبين بلائحة المجلس، وهي اللائحة التى تختص بوضعها الجمعية العمومية كما أسلفنا، أي أن الجمعية العمومية للمجلس بقيت مسيطرة، ولو بطريق غير مباشر، على تعيين الأعضاء دون الوكلاء في المساعدين، بمقتضي سلطاتها في تقييد المجلس الخاص بالضوابط التى ترتئيها، وتفرغها نصوصاً لائحة المجلس؛ ليلتزم المجلس الخاص بإتباعها.
الوضع في ظل القانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩:
بمناسبة الوحدة مع سوريا تم إعادة تنظيم مجلس الدولة، فكان أن صدر القانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٥٩، والذي أبقى الوضع على الحال الذي كان عليه في ظل سابقه، فلم يشمل المجلس الخاص الذي نصت على تشيكله واختصاصه المادة ٦٠ من القانون ولا الجمعية العمومية التي نص عليها في المادة ٥٠ منه، ولا أمور التعيين التي نص عليها في المادة ٥٨، أى تغيير جوهري، اللهم إلا تغيرات لفظية تتفق مع استحداث منصب نائب رئيس المجلس وإلغاء منصب الوكيل المساعد، وأناطت سلطة إصدار القرار النهائي بالتعيين لرئيس الجمهورية بدلاً عن مجلس الوزراء في القانون السابق.
الحال بعد صدور القرار بقانون رقم ۸۲ لسنة ۱۹٦٩ بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية:
استأثر المجلس الأعلى للهيئات القضائية، بموجب المادة الثانية من قانونه، بكافة الاختصاصات المقررة لمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس في كل ما يتعلق بشؤون الأعضاء تعيين ونقلاً….. الخ، ومن ثم يكون كل من المجلس الخاص والجمعية العمومية قد فقد اية سلطة في مجال تعيين الأعضاء أو المندوبين المساعدين على حد سواء.
الشأن في ظل القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢:
بعد صدور دستور ۱۹۷۱ أن محتما إعادة تنظيم الهيئات القضائية، فكان أن صدر القراران بالقانوين رقمي ٤٦ و ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، لينظم على التوالى شؤون القضاء ومجلس الدولة.
وفي حين صدر القانون خالياً من أى أثر للمجلس الخاص للشؤون الإدارية، أعاد في مادته الرقمية ٦٨ تشكيل الجمعية العمومية للمجلس، فنص على تكوينها برئاسة رئيس المجلسي وهو إصدار اللائحة الداخلية للمجلس.
وانتظمت المادة ٨٣ أمر تعيين أعضاء المجلس فنصت على أن “يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ويعين نواب رئيس المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
ويعين باقي الأعضاء والمندوب المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية“.
ثم عدلت فقرتها الأولى بمقتضى القانون رقم ١٧ لسنة ۱۹۷٦ فصارت “يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وأخيرًا، وعلى أثر صدور القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤، والذي أعاد المجلس الخاص للشؤون الإدارية، بإضافته المادة ٦٨ مكررًا، والتى جرى نصها على أن “ينشأ بمجلس الدولة مجلس خاص للشؤون الإدارية برئاسة رئيس مجلس الدولة وعضوية أقدم ستة من نواب رئيس المجلس، وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه يحل محله الأقدم فالأقدم من نواب رئيس المجلس.
ويختص هذا المجلس بالنظر في تعيين أعضاء مجلس الدولة وتحديد أقدميتهم وترقياتهم ونقلهم وندبهم خارج المجلس واعارتهم والتظلمات المتصلة بذلك وكذلك سائر شئونهم على الوجه المبين في هذا القانون.
ويجد أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتصلة بمجلس الدولة.
ويجتمع هذا المجلس بدعوى من رئيسه وتكون مداولاته سرية وتصدر القرارات بأغلبية أعضائه“؛ تم تعديل نص المادة ٣ مرة أخرى ؛ بالتبعية، ليصبح النص الآتي ” عين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي جمعية عمومية خاصة تشكل رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلاته والمستشارين الذين شغلوا وظيفة لمدة سنتين.
ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس.
ويعين باقي الأعضاء والمنودبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية.
يعتبر تاريخ التعيين أو الترقية من وقت موافقة الجمعية العمومية أو المجلس المشار إليه حسب الأحوال “زهي المادة التى تشكل فقرتها الثالثة النص الثاني المطلوب تفسيره.
رأينا في تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من قانون مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤:
إن إجراءات وشروط التعيبين في الوظائف القضائية لا تتحدد إلا بقانون، فلا يمكن للمشروع تسلب اختصاصه وإناطته بمشرع لائحي، وذلك هو مقتضى نص المادة ١٩٧ من الدستور والتي تنص على أنه “يحدد القانون للهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشيكلها، ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونلقهم.
بالبناء على ما تقدم فلا مجال للمحاجة أن الجمعية العمومية السلطة الأعلى في تيسير كافة شؤون المجلس، بزعم أن لها، بمقتضي نص المادةة ٢٦/ 2 من قانون مجلس الدولة، إصدار اللائحة الداخلية للمجلس، وأنها تستطيع، بهذه المثابة، أن تضمن اللائحة ما تراه معبراً عن إرادتها فى أى بشأن من شؤون المجلس، ذلك أن هذه الاختصاص مقرر بشأن أية أمور من أمور المجلس عدا تلك احتجزها المشروع الدستورى للقانون، فلا يمكن أن تتدخل الجمعية العمومية لتنظيمها، حينئذ، بنص لائحى، فضلاً بقرارتها، وإن أفرغتها في صورة نصوص لائحية، نص ما، أو أن تقيده، أو تخالفه من باب أولى.
الأصل أن المشرع اذا عدل نصًا أمرًا ما، واستبدل، عبر التعديل، اختصاصات كانت معطاة لسلطة البديلة ما يخولا إياها أخرى، فإن ذلك يكون مقصودًا بأن تستأثر السلطة البديلة بالاختصاص دون ما مشاركة من السلطة المستبدلة اذا عدل تشريعًا بما شأنه نقل الاختصاص بأمر ما من جهة إلى أخرى، فإن أثر التعديل يتجه حتما إلى سلب الاختصاص من الجهة الأولى وتجريدها من أى سلطة لها في هذا الشأن، وإسناده إلى الجهة الثانية وقصره عليها، ما لم ينص صراحة على خلاف ذلك.
بالبناء على كل ما تقدم؛ فإنه بمطالعة نص المادة ۸۳ من قانون مجلس الدولة، نجده مكوناً من أربع فقرات، خصصت كل من فقراته الثلاث الأول لأمر تعيين طائفة من أعضاء مجلس الدولة، أفردت كل فقرة للطائفة التى تعالج أمرها حكماً خاصاً، وأن اشتركت الفقرات جميعًا في تقريرها أن مصدر القرار النهائي بالتعيين هو رئيس الجمهورية.
ففي حين عالجت الفقرة الأولى، من المادة، أمر تعيين رئيس مجلس الدولة، وجعلت شأن تعيينه رهنًا بأخذ رأي جمعية عمومية خاصة، ليست الجمعية العمومية للمجلس المنصوص عليها في المادة ٦٨ من القانون، إذا اشترطت الفقرة الا يشاركه في عضوية هذه الجمعية إلا من توافرت فيه خبرة خاصة، معيارها مضى سنتين على الأقل في شغل وظيفة مستشار، حين إبداء رأيها، بأن تحصر اخيتارها بين نواب رئيس مجلس الدولة دون غيرهم سواء من باقي أعضاء المجلس أم من نظراء نواب رئيس المجلس في الجهات القضائية الأخرى.
أفردت المادة فقرتها الثانية لتعيين نواب المجلس ووكلائه، جاعلة تعيينهم رهنًا بموافقة، وليس أخذ رأى، الجمعية الجمعية العمومية للمجلس المنصوص عليها في المادة ٦٨ من قانون المجلس. بينما اختلف الوضع كلية بصدد تعيين المستشارين ومن دونهم من أعضاء المجلس وكذا المندوبين المساعدين، فأوكل نص الفقرة الثالثة أمر تعيينهم إلى المجلس الخاص دون أن تشاركه في ذلك سلطة أخرى، سواء الجمعية العمومية العادية أن تلك الخاصة.
فإذا كان المشرع، في نص واحد، قد غاير بين التكوينات المؤسسية التي نيط بها سلطة تعيين القضاة بمجلس الدولة، فإن هذه المغايرة لا تكون عبثًا، بل هي مقصودة لاعتبارات قدرها واضع النص، وتوازنات أراد تحقيقها، فأفرغ مراده في عبارات جلية واضحة، لا تحتمل لبساً ولا تأويلا، ويكون المشرع قد قصد أن يستأثر كل تكوين من التكوينات المؤسسية المنشأة داخل المجلس باختصاصه المحدد قانونًا، ولا يستطيع أى منها أي يحيف على سلطات الآخرين.
ويؤيد هذا النظر التطور التشريعي للنص المعروض، ومقارنته بما يقابله في التشريعات السابقة. ففي حين كان تعيين كافة الموظفين الفنين بالمجلس لا يتم إلا بعد أخذ رأي الجمعية العمومية لمجلس الدولة بمقتضى المادة ۲۱ من القانون ۱۱۲ لسنة ١٩٤٦، صار أمر تعيين أعضاء المجلس من درجة مندوب مساعد وحتى مستشار، في القانونين رقمي ١٦٥ لسنة ١٩٥٥ و55 لسنة ١٩٥٩، في يد المجلس الخاص وحده، غير أن سلطة المجلس الخاص لم تكن مطلقة في هذا الشأن، إذ قيدت بوجوب مراعاة ما يرد باللائحة الداخلة بمجلس الدولة والتي تضعها الجمعية العومية للمجلس، مما يعني إيلاء تلك الجمعية سلطة غير مباشرة في هذا التعيين وذلك بموجب نص المادة ٥٥ من القانون رقم ١٦٥ لسنة ۱۹٥٥ ونص المادة 58 من القانون رقم ٥٥ لسنة 1959، وتبدل الوضع كليًا بصدور قانون المجلس الأعلى للهيئات القضائية رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩، والذي أخرج شؤون التعيين، بالكلية، من اختصاص كل من الجمعية العامة والمجلس والخاص، وركزها في يد المجلس الأعلى للهيئات القضائية، بيد أن الأمر ما لبث أن تعدل تاريخيًا بصدور القانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، فبقى اختصاص التعيين حتى وظيفة مستشار في يد المجلس الأعلى للهيئات القضائية وحده، والسماح للجمعية العمومية للمجلس ببعض الاختصاصات في شأن تعيين نواب رئيس المجلس إذ تشارك الجمعية المجلس الأعلى بقدر، فجعل لها اختصاص ترشيحهم وللمجلس الأعلى إبداء الرأى، ثم اتسع اختصاص الجمعية العمومية جزئيًا بصدور القانون رقم ١٧ لسنة ۱٩٧٦، ليشمل اختصاصها بالترشيح وكلاء رئيس المجلس إضافة إلى نوابه، على النحو السالف طرحه، بصدور القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤، وإنشاء المجلس الخاص للشؤون الإدارية، ورغبة من المشرع إعطائه قدرًا أوسع السلطات، ما اقامه توازن بين التكوينات المؤسسية المختلفة داخل المجلس، تم توزيع الاختصاصات بالتعيين بين جمعية عمومية خاصة، والجمعية العمومية المنصوص عليها في المادة ٦٨ والمجلس الخاص للشؤون الإدارية، وعلى عكس القوانين السابقة لم يقيد المجلس الخاص في شأن التعيينات بلائحة المجلس، والتى ظلت شأناً خاصاً للجمعية العمومية، وما كان في وسعه أن يفعل إن أراد، امتثالاً للضوابط الدستورية الواردة في المادة ١٦٧ من الدستور، وهذا ما يقطع بأن المشرع قد قصد بهذه المغايرة في الأحكام ذلك التوزيع الاستشارى للاختصاصات، ومن ثم يكون التفسير اللفظي والتاريخي للنص قد تأيد وتعزز باستخدام المنهج الغائي.
خلاصة الرأي:
من كل ذلك، نستطيع أن نقطع أن التفسير الصحيح لنص الفقرة الثالثة في المادة ٨٣ من القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ في شأن مجلس الدولة، هو أن سلطة التعيين في وظائف مجلس الدولة؛ بدءًا من وظيفة المندوب المساعد وحتى وظيفة المستشار، رهنًا بإرادة المجلس الخاص للشؤون الإدارية بالمجلس دون غيره، وأن هذه السلطة المقررة له هي سلطة استنثارية، لا تشاركه فيها الجمعية العمومية للمجلس.
لذلك
نری:
أولاً: أن لفظة “مصرياً” الواردة في البند (۱) في المادة ٧٣٦ من قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ غير قاصدة على الذكور دون الإناث، وأن النص يتسع لتعيين الخريجين ذكورًا وإناثًا ؛ إذا توافر فيهم باقي الشروط المطلوبة في القانون.
ثانيًا: أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين وباقي أعضاء المجلس حتى درجة مستشار هو اختصاص استشاري للمجلس الخاص للشؤون الإدارية ولا تشاركه فيه الجمعية العمومية للمجلس بأي صورة من الصور
المقرر
المستشار/ حاتم حمد بجاتو
رئيس هيئة المفوضين
قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن طلب وزير العدل بتفسير نصي البند (۱) من المادة (۷۳)، والفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة المنعقدة يوم الأحد ١٤ مارس سنة ٢٠١٠م الموافق ٢٨ من ربيع أول سنة ١٤٣١هـ.
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد القادر عبد الله وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر أمام محمد حسن أمين السر
أصدرت القرار الآتي
في الطلب رقم واحد لسنة ٣٢ قضائية “تفسير“
المقدم من السيد المستشار وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من فبراير ۲۰۱۰، ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار وزير العدل بطلب تفسير نصي البند (۱) من المادة (۷۳)، والفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲، وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.
وبعد تحضير الطلب أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن السيد رئيس مجلس الوزراء قد طلب تفسير البند (۱) من المادة (۷۳) من قانون مجلس الدولة الذي ينص على أنه ” يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة (۱) أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة، وكذا تفسير الفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من القانون ذاته والتي يجري نصها كالتالي: “ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية” وأوضح رئيس مجلس الوزارء بأنه قد ثار خلاف بين المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس بشأن تطبيق هذين النصين فيما يتعلق بمدى جواز تعيين السيدات فى وظيفة مندوب مساعد بالمجلس، وصاحب السلطة في الموافقة على هذا التعيين – حال جوزاه – وما إذا كانت السلطة للمجلس الخاص وحده، ومدى خضوعه في ممارسته لها لرقابة الجمعية العمومية للمجلس، نظرًا مال لهذه المسألة من أهمية بالغة تتصل بالمبادئ الدستورية ومن أهمها حقوق المواطنة والمساواة مما يستلزم ضرورة الوقوف على ومن أهمهما حقوق المواطنة والمساواة مما يستلزم ضرورة الوقوف على التفسير الصحيح لهذين النصين ذلك أن المجلس الخاص وافق على جواز تعيين السيدات بالوظائف القضائية بالمجلس باعتباره مختصًا بذلك وأعلن بالفعل في ٢٤/ 8/ 2009 عن فتح باب تقدم السيدات للتعين في وظيفة مندوب مساعد بالمجلس، في حين رفضت الجمعية هي العمومية في 15/ 2/ 2010 لذلك بحسبانه داخلا في اختصاصها، وأضاف رئيس مجلس الوزراء في كتابه إلى وزير العدل، أنه لما كانت المحكمة الدستورية العليا – وفقًا لقانونها – هي المختصة بتفسير نصوص القوانين إذ أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية منا يقتضي توحيد تفسيرها، فإنه يطلب اتخاذ إجراءات عرض طلب التفسير على المحكمة الدستورية العليا لتصدر قرارها بتفسير نص البند (۱) من المادة (۷۳) من قانون مجلس الدولة لبيان ما إذا كانت لفظة “مصريًا” الواردة به تتسع للمصرين من الجنسين، أم تنحصر في الذكور منهم دون الإناث، وتفسير نص الفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من القانون ذاه، لبيان ما إذا كانت سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة في شأن تعيين المندوبين المساعدين بالمجلس هي سلطة استنثارية أم لا ؟ وما إذا كان للجمعية العمومية لمجلس الدولة أى اختصاصات في هذا الشأن.
ومن ثم تقدير وزير العدل بطلبه الماثل.
وحيث إن المادة (۱۷٥) من الدستور تنص على أن ” تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص التشريعية، وذلك كله على الوجه المبين في القانون “. وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (٢٦) من قانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۹ على أن “تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية، والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها“.
وحيث إن البين من هذين النصين، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها في مجال التفسير التشريعي المنصوص عليه في قانونها – وعلى ما جرى به قضاؤها – يخولها تفسير النصوص ملزمًا للناس أجمعين، نافذًا في شأن السلطات العامة، والجهات القضائية على اختلافها، تكشف فيه عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها، محددًا لدلالتها تحديدًا جازمًا لا تعقيب عليه، ولا رجوع فيه، وقوفًا عند الغاية التي استهدفها من تقريره أياها، بلوغًا إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها، حتى تحدد نهائيًا المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها، على ضوء هذا التفسير الملزم.
وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية – وفقًا لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – أن تكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية، تتحد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص – فضلاً عن أهميته – قد أثار في تطبيقه خلافا سواء بالنظر إلى مضمونه أو الآثار التي يروتبها، ويقتضي ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصياً على التوفيق متصلاً بذلك النص في مجال إنفاذه إلى تعدد تأويلاته، وتباين المعايير التي يتنقل إليها من صورته اللفظية إلى جوانبه التطبيقية ليؤول عملاً إلى التميز فيما بين تطبيقاته بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه ضماناً لتطبيقه تطبيقاً متكافئًا بين جميع المخاطبين به.
وحيث أنه بالنسبة لطلب تفسير البند (۰۱) من المادة (۷۳) من قانون مجلس الدولة والذي يجري نصه على أنه: “يشترط فيمن يعين عضوًا في مجلس الدولة (١) أن يكون مصريًا متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة. فإنه مع التسليم بأهميته، لم يثر خلافًا في التطبيق، إذ لم ينازع أحد في انطباقه على كل من يحمل الجنسية المصرية. ولم يختلف الرأي حول تفسير مدلوله، ومن ثم يكون طل التفسير في هذا الشق منه قد افتقد قبوله لعد توافر شرائطه القانونية، متعينًا معه – والحال كذلك – التقرير بعدم قبوله
وحيث إنه عن طلب تفسير الفقرة الثالثة من المادة (۸۳) من قانون مجلس الدولة المشار إليه والتي تنص على أن: “ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون” فقد توافر الشرطان اللذان تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير بالنسبة لهذا النص، وذلك لما وقع في شأنه من خلاف في التطبيق بين المجلس للشئون الإدارية، والجمعية العمومية للمجلس، وقد تجلت أوجه هذا الخلاف فيما وقفت عليه المحكمة مما هو ثابت بالأوراق – في تضارب قرارات المجلس الخاص ذاته في هذا الشأن، ثم في تعارضها مع ما أصدرته الجمعية العمومية، ففي اجتماعه بتاريخ ۲٤/ 8/ 2009 وافق المجلس بالإجماع على الإعلان المقترح للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة من خريجي كلية الحقوق، والشريعة والقانون، والشرطة دفعتي ۲۰۰۸، ۲۰۰۹ وفي اجتماعه يوم ۱٦/ 11/ 2009 وافق المجلس بالإجماع على بدء المقابلات الشخصية للمتقدمين للتعيين في وظيفة مندوب مساعد من دفعتي ۲۰۰۸، ۲۰۰۹ وفقًا للجدول الزمني المعروض، وبجلسة ۱۸/ 1/ 2010 نظر المجلس “ضمن بند ما استجد من أعمال” المذكرة المقدمة من بعض السادة المستشارين أعضاء مجلس الدولة برغبتهم في عقد جمعية عمومية لمناقشة أمر تعيين المرأة في المناصب القضائية (الفنية) بالمجلس، وقد اختلف الرأي بين السادة المستشارين أعضاء المجلس الخاص فيما إذا كان موضوع تعيين الإناث من اختصاص المجلس الخاص أم أن للجمعية العمومية لمستشاري المجلس اختصاصًا في هذا الأمر، وقد وافقت أغلبية أعضاء المجلس الخاص بهذه الجلسة على السير في إجراءات التعيين للدفعتين ۲۰۰۸، ۲۰۰۹ وفي حال انعقاد الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة تعرض توصياتها على المجلس الخاص ليتخذ القرار النهائي في هذا الشأن. وبتاريخ ۱٥/ 2/ 2010 عقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة اجتماعًا بأن تعيين المرأة في الوظائف الفنية (القضائية) بمجلس الدولة – انتهي إلى برفض الجمعية بالأغلبية تعيين المرأة، وأصدرت قرارها بناء على هذه النتيجة برفض تعيين المرأة في الوظائف الفنية (القضائية) بمجلس الدولة مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات بشأن تعيينها في تلك الوظائف، كما وافقت الجمعية على إصدار بيان في خصوص قرارها المشار إليه جاء فيه: تؤكد الجمعية العمومية لمجلس الدولة على أن جميع المسائل الهامة ومنها ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع الماثل يتعين عرضها على الجمعية العمومية لمجلس الدولة لتتخذ بشأنها القرارات المناسبة، وفي هذا السياق تؤكد الجمعية العمومية على أن قراراتها الصادرة في هذه الجلسة هي قرارات ملزمة ويتعين اعمال مقتضاها شأنها سائر قرارات الجمعية العمومية لمجلس الدولة.
ومفاد ما تقدم – في مقام إبراز الخلاف القائم بين الجهتين المذكورين – أن الجمعية العمومية للمجلس في اجتماعها يوم 15/ 2/ 2010 أسبغت على ما صدر عنها وصف “قرار” برفض تعيين المرأة في الوظائف بالمخالفة لما كان المجلس الخاص قد أصدرها من قرارات واتخذه من إجراءات، وقد أعقبت الجمعية العمومية قرارها ببيان أكدت فيه على اختصاصها بكل ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع المعروض، وأن قرارتها في هذا الشأن ملزمه ويتعين اعمال مقتضاها. وقد انداحت دائرة هذا الخلاف وتعمقت، وتعددت أطرافها – وتمثل ذلك في صدور قرار رئيس مجلس الدولة رقم ۹۲ لسنة ۲۰۱۰ بتاريخ ۲۲/ 2/ 2010 والذي نص في مادته الأولى على أن ” تستكمل إجراءات تعيين من تقررت صلاحتيهم من بين المتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد من خريجي وخريجات دفعتی ۲۰۰۸، ۲۰۰۹ وذلك بعد استيفاء التحريات اللازمة واجتياز الكشف الطبي تمهيدًا للعرض على المجلس الخاص لاستصدار قرار رئيس الجمهورية بهذا التعيين. مرجحًا في هذا المجال – حسبما يتبين من ديباجة القرار السالف ذكره القرارات الصادرة من المجلس الخاص بالموافقة على اتخاذ إجراءات تعيين المندوبين المساعدين على القرار الأخير للمجلس الصادر بالرفض.
وحيث أن النص التشريعي السابق ذكره محل طلب التفسير انتظمه قانون مجلس الدولة، وهو من قوانين السلطة القضائية، ويعد أحد القوانين المكملة للدستور، فضلاً عن أنه يتعلق بتحديد سلطة التعيين بالنسبة للوظائف القضائية بالمجلس. ينبئ عن بالغ أهمية هذا النص وهو ما يستوجب توحيد تفسيره، فيكون عمل المحكمة الدستورية العليا تحديدًا لما هيتها من خلال الاعتماد على كل العناصر التى تعينها على استخلاص حقيقتها، كالأعمال التحضيرية التي تتصل بالنصوص القانونية محل التفسير، وكالوثائق التاريخية التي عاصرتها أو تقدمتها، وكان لها شأن في بلورة هذه النصوص، أو التمهيد لها، أو الإيحاء بها، باعتبار أن ذلك كله يقود إلى استظهار إرادة المشرع، فلا يكون ما قصده منها إلا عين التفسير ذاته الذي قررته المحكمة.
وحيث إن البين من تطور قوانينى مجلس الدولة أن أول قوانين المجلس وهو الصادر برقم ۱۱۲ لسنة ١٩٤٦ قد خلت نصوصه من تنظيم لمجلس خاص للشئون الإدارية، في حين نظمت المادة (١٥) منه طريقة تشكيل المجلس وتعيين أعضائه فنصت على أن ” يشكل مجلس الدولة من رئيس ووكيل ومن مستشارين ويكون تعيينهم وإلحاقهم بالأقسام بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل وموافقة الجمعية العمومية.
ثم حددت المادة ١٧ من القانون ذاته كيفية تشكيل الجمعية العمومية للمجلس وبينت اختصاصاتها فنصت على أن ” تشكل الجمعية العمومية لمجلس الدولة من جميع مستشاريه ولا يكون انعقادها صحيحًا إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها. وتختص، فيما عدا ما هو مبين بهذا القانون بالمسائل الآتية:
مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والمراسيم والقرارات التي يتولي قسم التشريع صياغتها.
إعداد التشريعات التفسيرية التي يصدرها مجلس الوزراء في الأحوال التي يخولها القانون فيها هذا الحق.
(ج) إبداء الرأي مسببًا في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التي تحال عليها بسبب أهميتها من أحد الوزراء أو من رئيس أحد مجلسي البرلمان أو من رئيس الدولة.
قد يصدر بعد ذلك قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 9 لسنة ١٩٤٩ ونص في المادة ٤٢ على أن “يكون تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه ومستشاريه وموظفيه عدا المندوبين المساعدين بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل……… ويكون تعيين المندوبين المساعدين بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأي الجمعية العمومية المجلس……..”
ثم مصدر القانون رقم ١٦٥ سنة ١٩٥٥ ناصا في المادة ٥٥ على أن “يكون تعیین أعضاء مجلس الدولة بقرار من مجلس الوزراء وموافقة الجمعية العمومية لذلك المجلس، أما من عدا هؤلاء من أعضاء المجلس، أما عن عدا هؤلاء من أعضاء المجلس يقترح المجلس الخاص للشئون الإدارية تعيينهم على الوجه المبين في اللائحة الداخلية…….”
وإذ صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 1 لسنة ۱۹٦٨ بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية فقد استأثر المجلس بموجب المادة الثانية من قانونه، بكافة الاختصاصات المقررة للمجلس الخالص للشئون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية قد فقدا أية سلطة في مجلس تعيين الأعضاء أو المندوبين المساعدين على حد سواء. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ خلوا من النص على وجود المجلس الخاص للشئون الإدارية بينما أعاد في المادة ٦٨ تشكيل الجمعية العمومية المجلس، فتنص على تكوينه برئاسة رئيس المجلس وأن تضمن كافة مستشاري المجلس، وأبقت المادة على الاختصاص الرئيسي للجمعية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ويعين نواب رئيس المجلس وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
ويعين باقي الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية ” ثم عدلت الفقرة الأولى من المادة الاخيرة بمقتضى القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٧٦ فصارت ” يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأي المجلس الأعلى للهيئات القضائية ” وأخيرًا صدر القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸٤ والذي أعاد المجلس الخاص للشئون الإدارية بإضافة المادة ٦٨ مكررًا، والتي جرى نصها على أن ينشأ بمجلس الدولة مجلس خاص للشئون الإدارية برئاسة رئيس مجلس الدولة وعضوية أقدم ستة من نواب رئيس المجلس، وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه يحل محله الأقدم فالأقدم من نواب رئيس المجلس.
ويختص هذا المجلس بالنظر في تعيين أعضاء مجلس الدولة، وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم ونقلهم وندبهم خارج المجلس وإعارتهم والتظلمات المتصلة بذلك، وكذلك سائر شئونهم على الوجه المبين في هذا القانون.
وجيب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتصلة بمجلس الدولة.
ويجتمع هذا المجلس بدعوى من رئيسه، وتكون جميع مداولاته سرية، وتصدر القرارات بأغلبية أعضائه “كما تم تعديل نص المادة 83 مرة أخرى بالتبعية ليصبح كالتالي: ” يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس، بعد أخذ رأي جمعية عمومية خاصة، تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشارًا لمدة سنتين.
ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاءه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس.
ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية…..” وهذه الفقرة الثالثة من المادة الأخيرة هى النص الثاني المطلوب تفسيره.
وحيث إن البين من التطور التاريخي السالف البيان أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين قد تبادله كل من المجلس الخاص للشئون الادارية والجمعية العمومية للمجلس، حتى استقر أخيرًا بالقانون رقم ٤٧ لسنة ۱۹۷۲ ليصبح الاختصاص المجلس الخاص.
وحيث إن المادة ١٦٧ من الدستور تنص على أن ” يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها، ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونلقهم ” ومقتضى إعمال هذا النص الدستوري أن إجراءات وشروط التعيين في الوظائف القضائية لا تحدد الا بقانون، و مؤدى ذلك أن المجلس الخاص للشئون الإدارية – طبقًا لحكم الفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من قانون مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨٤ – هو السلطة المختصة بالموافقة على التعيين في وظيفة “المندوب المساعد” وأن القانون – بالنسبة لهذه الوظيفة – لم يمنح الجمعية العمومية اختصاصها في هذه المجال وإذا كانت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تختص بإصدار اللائحة الداخلية للمجلس، إلا أنها لا تملك أن تنظم بها أموراً احتجزها المشرع الدستورى للقانون.
وهذه المغايرة قد عمد إليها المشرع قصداً لاعتبارات قدرها، فأفرغ إرادته في عبارات أرادته في عبارات أراد بها أن يستأثر كل صاحب اختصاص في ممارسة اختصاصه المحددة قانوناً، دون أن يتحيف على اختصاص الآخرين.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن التفسير الصحيح لنص الفقرة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة هو أن الاختصاص بالموافقة على التعيين في وظيفة المندوب المساعد معقود – للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة دون الجمعية العمومية.
وحيث إن المحكمة وهي تباشر ولايتها في مجال تفسيرها للنصوص التشريعية الواردة بنص المادة (٢٦) من قانونها، فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون محددًا لدلالتها تحديداً قاطعاً، كاشفًا عن حقيقتها، ليندمج هذا القرار في تلك النصوص باعتباره جزءًا منها، لا ينفصل عنها، ومن ثم يرتد إلى تاريخ العمل بها، ليكون نفاذها – على ضوء التفسير التشريعي لمضمونها – لازمًا منذ سريانها.
لهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على نص الفقرة الثالثة من المادة ٨٣ من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢
قررت المحكمة
أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين بمجلس الدولة معقود للمجلس الخاص للشئون الإدارية دون الجمعية العمومية للمجلس.
أمين السر
رئيس المحكمة