الفعاليات النسوية حول العذرية واختبارات فحص العذرية في تركيا
تاريخ النشر:
2016
اعداد بواسطة:
التحدث والكتابة عن جنسانيتنا:
الفعاليات النسوية حول العذرية واختبارات فحص العذرية في تركيا *
الكتابة لا تسكت الصوت، بل توقظه، وفوق كل شيء تعيد الحياة إلى العديد من الأخوات الغائبات. (آسيا جبار، “فانتازيا”) الأدوات في أغلب الأحوال حكايا، حكايا أعيدت روايتها، نسخ تعكس وتفكك الثنائيات الازدواجية التراتبية حول الهويات المتبناة. (دونا هوارد، “مانیفستو سيبورغ”) صرت ناشطة نسوية أتحدث وأكتب حول العذرية. مناقشاتنا في الجماعة النسائية التي تأسست داخل جامعة بوغازيتشي حول العذرية والجنسانية، ومختلف الأنشطة التي انخرطنا بها، شكلت جميعًا وبشتى الطرق معتقداتي النسوية وشعوري بالذات. أما الكتابة بعد سبع سنوات حول الفعاليات التي قمنا بها فهي فوق كل شيء محاولة لإعادة الحياة إلى ذاتي (الغائبة). لقد تمثلت أدواتنا في تلك الفترة في التحدث والكتابة عن قصص العذرية والجنسانية. أما الأداة التي سأستخدمها الآن فهي إعادة رواية تلك القصص والحكايا، إضافة إلى تقديم نبذة عن أنشطتنا وفعالياتنا آنذاك. اختبارات فحص العذرية الإجبارية ليست العذرية مجرد قضية عابرة ينبغي على الفتاة التعامل معها إلى أن يحين موعد الزواج. فهي تمثل (وهذه حقيقة قابلة للنقاش) واحدًا من أهم المفاهيم التي تحدد وتعرف جنسانية المرأة وتتحكم بها في تركيا. ففي عام ١٩٩٢، أقدمت فتاتان على الانتحار في مدينتين واقعتين في جنوب تركيا بسبب إجبارهما على إجراء “اختبار فحص العذرية”، وهو اختبار تؤخذ فيه الفتاة إلى الطبيب لتقرير ما إذا كان غشاء بكارتها سليمًا أم لا. وقد يطالب بإجراء هذا الاختبار أفراد العائلة ذاتها أحيانًا، أو مسؤولو الدولة، بناء على طلب من مدير مدرسة للطالبات مثلاً، أو من قائد الشرطة للتحقيق في إحدى القضايا، أو من مؤسسات الدولة حين تتقدم امرأة بطلب للعمل في وظيفة حكومية. وقد أدى خبر موت الفتاتين إلى قيام مظاهرات احتجاج نسائية في كل من اسطنبول، وأنقرة, وأزمير. ففي أنقرة، تجمعت عدة جماعات نسائية معًا وبدأت حملة أطلقت عليها اسم “لا لاختبارات العذرية! إنه جسدي!” 1 وصدرت نشرة بعنوان Yeter (كفى) خلال الحملة التي استمرت ستة أشهر، نشر في نهايتها كتيب تضمن تحليلاً للعذرية باعتبارها قضية وللحملة بوصفها عملية سياسية. في اسطنبول، كانت الاحتجاجات متفرقة، فقد عقدت عدة لقاءات بين ناشطات الحركة النسوية لمناقشة القضية، لكن لم يتم تنظيم أية حملة. في حين عملت الجماعة النسائية في جامعة بوغازيتشي، التي كنت عضوة فيها، على تسييس القضية طيلة السنة، وذلك من خلال الدعوة إلى لقاءات داخل وخارج الجامعة، إضافة إلى إصدار نشرتين حملت الأولى عنوان “عن العذرية” والثانية “عن الجنسانية”، والمشاركة في معرض الكتاب الوطني بمنصة حول العذرية. وفي أزمير أيضًا, اجتمعت النساء للاحتجاج على حادثتي الانتحار واختبارات فحص العذرية الإجبارية. لم يكن للفعالية النسوية تأثير مباشر على القضية عامي ١٩٩٢ و١٩٩٣. فيما يتعلق بإحداث تغييرات على النظام القانوني. لكن تمت تعبئة وسائل الإعلام وحشد تأييد الرأي العام. ومنذ ذلك الحين، أصدرت جمعية الأطباء عدة بيانات توصي فيها الأطباء بوجوب رفض إجراء فحوصات العذرية الإجبارية تحت أي ظرف من الظروف. وفي عام 1994، أصدرت لجنة حقوق الإنسان تقريرًا بعنوان “المسألة مسألة سلطة: سيطرة الدولة على عذرية المرأة في تركيا”، وأعلنت أن اختبارات العذرية الإجبارية تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية في السيادة على الجسد وخصوصيته. وفي عام ١٩٩٨، احتلت قضية العذرية الصدارة مرة أخرى حين أعلنت وزيرة المرأة وشؤون الأسرة، ايشلاي سايغن، في إحدى المقابلات أنها مع إجراء اختبارات العذرية، حيث قالت: “وماذا لو انتحرت بعض الفتيات بسبب هذه الممارسة؟ نحن بحاجة إليها لحماية أطفالنا. إن مجتمعنا هذا يحمل قيمًا معينة”. وعندما نشر هذا التصريح، نظمت الجماعات النسائية حملة مشتركة وطالبت باستقالة الوزيرة. لم تستقل الوزيرة، لكنها فقدت منصبها بعد شهرين مع تغيير الحكومة. وسرعان ما تبنى قضية اختبارات العذرية وزير شؤون حقوق الإنسان ووزير العدل، وصرح الاثنان بأن اختبارات العذرية تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان. وقد أدت الجهود التي بذلتها الوزارتان إلى صدور مرسوم وقعه وزير العدل في يناير من عام ١٩٩٩، اعتبر قيام مسؤولي الدولة بإجراء اختبارات العذرية لأغراض تأديبية وبدون موافقة الفتاة/ المرأة المعنية أمرًا غير قانوني. وتبعًا للمرسوم، لا يمكـن فـرض إجراء اختبار العذرية إلا في القضايا الجنائية المتصلة بالاغتصاب والدعارة غير القانونية، حين لا يكون أي دليل آخر كافيًا لإثبات الدعوى. كما أصدر وزير التربية الوطنية بيانًا قال فيه إنه سيمنع المسؤولين الإداريين في المدارس من إجراء أية تحقيقات تتعلق بعذرية/ شرف طالباتهم. لكن لم تتخذ أية خطوات فعلية بهذا الشأن حتى الآن. يتصل موقفنا الآن باختبارات العذرية واستخدامها من قبل الدولة. فقد جرت محاولات لمنعها أو الحد من استخدامها، لكن لم تبذل حتى الآن أية جهود نظامية لإلغاء الممارسة. وهنالك مشكلتان لا يتم التعامل معهما من خلال هذه التغيرات المتزايدة في النظام القانوني. أولاً، توجـد مـواد في قانون العقوبات تعطي قيمة كبيرة لـ “العرض” وتفرق بين الجرائم المرتكبة ضد النساء وتلك المرتكبة بحق الفتيات (الفتاة هي “العذراء” بالتعريف). وطالما بقيت هذه المواد موجـودة في قانون العقوبات، سوف تظل اختبارات العذرية ممارسة ضرورية لتحديد العقوبة المناسبة اعتمادًا على وضع غشاء بكارة الضحية، لا سيما في حالات الاغتصاب.علاوة على ذلك، لا يحل المشكلة أيضًا اقتصـار استخدام اختبارات العذرية في الحالات الأخرى على موافقة الفتاة، فالضغوط التي تمارسها العائلة والمجتمع عمومًا تجعل من الصعب رفض إجراء الاختبار، لأنه يفسر كمحاولة لإخفاء الانحلال الأخلاقي. وطالما ظل المجتمع يسبغ قيمة كبيرة على العذرية، ويعتبر الشرف شيئًا يملكه الرجل، لكن تحمله المرأة في جسدها، سوف تستمر اختبارات العذرية الإجبارية، أو التهديد بإجرائها، في تحديد جنسانية المرأة وعلاقتها بجسدها. ولهذا السبب، شملت الفعاليـة النسوية المناهضة لاختبارات العذرية المساءلة الشاملة لمفهوم العذرية ومحوريته في تحديد جنسانيتنا. سوف يعتمد ما يلي من هذه الدراسة على قصصنا المتعلقة بالعذرية، وجهودنا المبذولة لمناقشة مركزية المفهوم (وفي بعض الحالات، تأثيره المميت). وسوف أقدم في القسمين التاليين مقتطفات من منشورات الجماعات النسائية في إسطنبول وأنقرة خلال عامي ۱۹۹۲ و ۱۹۹۳ ، لأبين كيف تم اختبار ومناقشة العذرية والحملة المتصلة بها. وأنا أراها قصصًا تسلط الضوء على أهمية الفعالية النسوية، والصعوبات التي لاقتها عند التصدي للقضايا المتعلقة بجنسانيتنا. “عن العذرية” و”عن الجنسانية” أود الإشارة هنا إلى بعض كتابات الجماعة النسائية في بوغازيتشي في إسطنبول. 2 وقد جاء في مقدمة نشرة “عن الجنسانية” ما يلي: نحن جماعة نسائية من جامعة بوغازيتشي، نجحنا في الاجتماع معًا برغم الاختلافات فيما بيننا. في السنة الماضية (١٩٩١)، قمنا بتنظيم سلسلة من المناسبات (جرت فيها مناقشات، ومحاورات، وحفلات موسيقية) خلال الأسبوع الأول من شهر مارس للاحتفال بيوم المرأة العالمي. بعد هذه المناسبات، استمرت جماعتنا باللقاء لمناقشة الكتب التي قرأناها وتبادل خبراتنا وتجاربنا كنساء. وبالنسبة للشهرين الماضيين، قمنا بتنظيم لقاءات في الجامعة (في مؤسسة ملاذ المرأة) للتباحث بشأن مسألة “العذرية”. تتناول هذه النشرة بعضًا من تلك المناقشات. ونحن نخطط لإصدار نشرة أخرى خلال الأشهر القادمة. وفي حالة عدم الاجتماع بكن في اللقاءات التي سوف ننظمها حول هذه القضية … نأمل منكن قراءة نشراتنا القادمة … ونحن نهدي هذه النشرة الناطقة باسم جماعتنا إلى كل النساء في تاريخنا غير المعترف به، النساء اللاتي نجحن، من خلال الاحتجاجات والكتابات خلال الحقبة العثمانية، ثم منذ عام ١٩٨٢، في فتح آفاق جديدة أمامنا وتقديم يد العون لنا لتطوير الوعي النسوي. (الجماعة النسائية في جامعة بوغازيتشي)ظهرت فكرة الحملة أول ما ظهرت حين التقينا في “مؤسسة ملاذ المرأة” لمناقشة مسألة العذرية. أما السؤال الأهم الذي طرح فتمحور حول ما إذا كانت الحملة ستتصدى لاختبارات العذرية أم لمفهوم العذرية على وجه العموم. وحين استقر الرأي لدينا على الخيار الثاني، كنا ندرك الصعوبات التي سنواجهها. وطيلة فصل الصيف، ناقشنا مسألة العذرية واحتمال تنظيم الحملة. وفي كل مناقشة، كنا نكتشف بعدًا مختلفًا من أبعاد القضية وندرك مركزية العذرية في حماية التراتبية القائمة في المجتمع. ولربما تكون هذه النشرة، وغيرها مما نريد نشره، هي الحملة التي سوف ننظمها. أو ربما سوف نهز العالم مع النساء اللاتي سوف يشاركننا التفكير ونعيد تحديد وتنظيم حملة أوسع معًا. (إسرا Esra)
لكي نفهم اختبارات العذرية، نحتاج أولاً إلى فهم المعنى الاجتماعي للعذرية. والقيام بذلك يعني البدء بتفكيك النموذج الأبوي في المجتمع. وربما يرى العديد من النساء أنه من الجنون التصدي لهذا الوحش متعدد الرؤوس حين لا يكون لدينا أي خيار سوى النوم في ظله، لكننا بحاجة إلى الخروج من تحت جناحه بأسرع ما يمكن، لأنه من خلال سيطرة الرجال على جنسانيتنا، يحددون أجسادنا، ويتحكمون بهويتنا، ويحكمون قبضتهم على عملنا ومستقبلنا. (كان Can)
لماذا تعتبر العذرية على هذه القدر من الأهمية؟ كيف تمكن أول رجل مارسنا معه الجنس (حدث أنه كان الزوج) من السيطرة على أجسادنا ؟ كيف “تمتلك” النساء أجسادهن؟ كيف يشكّل المجتمع الجنسانية بطريقة تحمل فيها العذرية المعنى الذي تحمله؟ … لقد حاولنا في مناقشاتنا حل غموض الكيفية التي يتم بها تدخّل السلطة في فهمنا للجنسانية … أما النتيجة النهائية التي توصلنا إليها فهي أن مسألة العذرية تتصل بالمنافسة بين الرجال أكثر من اتصالها بنا, معشر النساء. لقد أصبحنا أهدافًا، لا للعلاقات الجنسية وحسب، بل لصراع الرجال على السلطة عمومًا … وإذا لم نبدأ بتفكيك الجنسانية في منظورها الذكوري، وإن لم نعد تحديدها وتعريفها من منظورنا الخاص, فسوف تبقى أجسادنا مجرد “أشياء” في الجنسانية بصيغتها الحالية إضافة إلى وضعنا في الحياة الاجتماعية، ولن تتمكن امرأة أبدًا من أن تقول: “إنه حقًّا جسدي أنا”. (عائشة غول Ayse Gul).
أيتها النساء! هل جلسنا يومًا وفكرنا فيما يعنيه الشرف؟ فلنفعل ذلك سويًا، هل أملك حقًا “شرفًا” أدعي أنه حقي، وأحدده وأعرفه من منظوري الخاص أو أتنازل عنه؟ وإن فعلت ذلك، لماذا يلوث أبي أو شقيقي … يديه بالدم حين أختار الاستمتاع بجنسانيتي دعونا نفكر: ألا توجد علاقة بين أن يكون الرجل سيد المرأة في المنزل، وبين التنافس المستمر على الوصول إلى السلطة وامتلاكها في كل جانب من جوانب الحياة؟ بالمناسبة، لقد انتهى عصر الإماء والجواري، ولكن ماذا عن عصر الخليلات والمحظيات؟ (غوكشين Gokcen)
إن اليوم يشبه كل الأيام، ولن يكون الغد مختلفًا. فحين أسير في الشوارع، سوف أتعرض للمضايقة والتحرش عدة مرات. وسوف أقاتل لحماية جسدي في الأماكن المزدحمة. (لكن حتى لو تمكنت من حماية جسدي، ماذا عن صحتي العقلية، وجهازي العصبي؟ سوف يحملان دون شك آثار هذا القتال.) غضبي هو غضبك. مشاعر اليأس التي تسيطر عليّ تشبه مشاعرك … لم أتعرض للاغتصاب، ولم يرسلوني لإجراء اختبار العذرية، لكني أعرف بوجود خطأ فادح وأن الوقت قد حان لتغيير وضعنا، العاصفة التي تجتاح كياني هي إرادة التغيير، وتصحيح الخطأ، عاصفة تقول إن هذا ليس قدرك. أنت، نحن، كلنا معًا، لسنا وحدنا. أنا أعرف. لأن غضبي هو غضبك، غضبي هو غضبك. (أوزليم Ozlem)
أفكر باليوم التالي على أول علاقة جنسية خضتها. حتى ذلك اليوم، كانت أفكاري واضحة. لقد استنكرت كافة المحرمات المتعلقة بجسدي دون مساءلة أبعادها الاجتماعية. قاومت فكرة العذرية، أو قاومت بالأحرى فكرة الزواج وأنا عذراء. قدم الزواج لي باعتباره حقيقة حياتية، ولذلك كان احتجاجي عليه ينطلق حينذاك من منظور أراه الآن ساذجًا: “لا أريد الزواج من رجل يقيمني على أساس عذريتي”. ظننت أنني متأكدة تمامًا من هذه النقطة. وأتذكر الصدمة التي أصابتني والحنق الذي شعرت به في اليوم التالي لعلاقتي الجنسية الأولى حين أدركت أنه لا رجوع إلى الوراء وأنني أعاني من شعور مروع بالذنب. فكرت بأن العذرية لم تعد مهمة بالنسبة لي. ما الذي كان يحدث؟ (بدون توقيع)
دارت هذه الحملة حول موضوع يصعب كثيرًا تسييسه كنا نفتقد اللغة المناسبة لذلك، لم يكن يكفي القول “إنه جسدي!” … نحن بحاجة إلى إيجاد لغة تسمح لنا بإشراك النساء الأخريات، لا الاعتماد على كليشيهات ومفاهيم فقدت معانيها لابتذالها وكثرة استعمالها. نحن بحاجة إلى كلمات تعبر عن غضبنا المشترك، وتدعو النساء إلى التشارك في الغضب وتجعلهن يشعرن بأننا نقف إلى جانبهن (لكن اللغة السياسية تتحول إلى لغة اصطلاحية طنانة بسرعة لا تصدق وترسم حدودًا فاصلة بدلاً من تسهيل الاتصال). قد يبدو ذلك مفارقة، لكنني أعتقد أن اكتشاف هذه الحقيقة كان واحدًا من إنجازات الحملة … لقد دارت إحدى النقاشات الرئيسية في أول لقاءين حول أهداف الحملة. وعلى الرغم من أن نقطة الانطلاق كانت اختبارات العذرية الإجبارية، إلا أننا فكرنا بأن علينا التصدي لقضية العذرية ككل، لا الاختبارات فقط. ولذلك، قمنا بتحديد هدفين رئيسيين. أولاً، التصدي لاختبارات العذرية، والأماكن التي تجري فيها، والأشخاص الذين يجرونها. ثانيًا، محاولة تسييس المحرم (taboo) المتعلق بالعذرية وتوضيح الرعب الذي نعانيه جميعًا نتيجة هذا المحرم … كانت الحملة بمثابة عملية “تأنيث” لكافة النساء اللاتي شاركن فيها … وكانت ناجحة جدًا فيما يتعلق بمشاركة عدد كبير من النساء فيها وشكلت خبرة مهمة في حياتنا. (أكسو Aksu)
إن كون هذه الحملة لم تصبح معركة نضالية تجري في الشوارع هي مسألة تتصل بالتأكيد بطبيعة القضية. فالعذرية ليست قضية يسهل نقاشها أو تسييسها. وحتى حين كنا نتحدث عن المسألة فيما بيننا، كان الحديث يتحول إلى قضايا مثل التحرش الجنسي الذي اعتدنا النقاش حوله أكثر … ومع اقتراب الحملة من نهايتها، أعتقد أن أهم ما حققناه أننا أقمنا شبكة تتمتع بالقدرات الكامنة والمرونة الكافية لجعل البدء في القيام بحملات جديدة أمرًا ممكنًا. (أوزليم و. . Ozlem O)
لا نستطيع، كنساء، أن نميز دائمًا التدخلات في جنسانيتنا؛ أو أن نراها كتدخلات. كما وجدنا صعوبة في التعبير عن تأثير العذرية في تشكيل حياتنا، وشخصياتنا، وأجسادنا. ومن الصعب أيضًا التحدث عن أجسادنا، أو نشاطاتنا الجنسية، ولا يعود السبب في ذلك إلى عدم رغبتنا في الكلام، بل لأننا لا نعرف الكيفية … لا نستطيع أن نجد الكلمات المناسبة … إذ يصعب على النساء التحدث عن أنفسهن بلغة صممت لتعبر عن مشاعر الرجال. (غيي – إيفرين Gaye – Evren)
أيتها الطالبة، لقد عشت حياتك معتمدة على نفسك. أنت التي تعودين من العمل بعد الساعة التاسعة مساًء، يمكن أن يأخذوك لإجراء اختبار العذرية أيضًا. لا ليس من الضروري أن تعيشي في سكن الطالبات، أو مدرسة داخلية، أو مستشفى الأمراض العقلية، أو السجن، لمواجهة اختبار العذرية. كلنا معرضات لهذا التهديد … إن من الإرهاب سجن النساء ضمن تصنيفات مثل متزوجات أو عذراوات أو عاهرات أو مطلقات، وعدم إعطائهن أية حقوق أخرى. أدعو الجميع إلى قول “حسبكم كفي!” (أوزكان Ozcan).
دعونا، كنساء، نعلم بناتنا الوقوف على أقدامهن والعيش اعتمادًا على أنفسهن، بدلاً من حماية عذريتهن وتجهيزهن للخضوع لهيمنة الرجل، دعونا نساعد النساء من حولنا، النساء اللاتي يحاولن العيش كما يردن، بدلاً من تهميشهن بسبب تحدي الأفكار الراسخة. فحياتهن تضيف غنى وثراء إلى حياة النساء. حياتهن تشبه منفذًا يخترق الأسوار المحيطة بنا. دعونا نساعدهن. لأن خسارتهن تعني خسارتنا أيضًا. الضغوط علينا تتكثف حين تحل بهن الهزيمة. دعونا نقف إلى جانب النساء حين تخضع أجسادهن وحياتهن للسيطرة، وحين يمنعن من بناء حياتهن. (سلمی Selma).
“أجسادنا هي ذواتنا، الأجساد خرائط السلطة والهوية” (دونا هاراواي، “مانیفستو سيبورغ”) لقد تطورت الحركة النسوية التركية في الثمانينيات، ونجحت في تسييس عدد من الجوانب المهمة في حياة المرأة قبل أن تصبح العذرية قضية أساسية. أما الحملة المستمرة منذ مدة طويلة ضد العنف داخل المنزل فقد أدت إلى تأسيس ملجأين مستقلين للنساء في كل من إسطنبول وأنقرة. وفي بدايات التسعينيات، حين أردنا تسييس قضية العذرية واختبارات العذرية, كان هذان الحيزان النسائيان، مع “مركز مصادر ومكتبة المرأة”، على درجة كبيرة من الأهمية. كان هناك أيضًا تراث من النقاشات النسوية حول الجنسانية والسياسة الجنسية. أما شعار “إنه جسدي!” فقد رُفع أول مرة في حملة ضد التحرش الجنسي.
لكن فعالياتنا اتصفت أيضًا بعدم الاستمرارية والافتقار إلى التواصل اللذين أصابا العديد من الجماعات النسائية في مختلف أنحاء العالم. وحين أصبحنا شابات ناشطات في الحركة النسوية في البدايات المبكرة من التسعينيات، لم يكتب سوى القليل جدًا (باستثناء بضع مقالات موضوعية) حول قضية الجنسانية كما خبرتها الناشطات النسويات (فيما بين أنفسهن وبينهن وبين الرجال). علاوة على ذلك، وباعتبارنا عضوات في الجماعة النسائية في جامعة بوغازيتشي، لم نكن على علم بفعاليات الجماعات النسائية في أنقرة ونشاطهن في مجال الجنسانية. وحتى حين علمنا، لم نقم أية وسائل للاتصال أو التضامن. وحين نظرت إلى الماضي وقرأت ما كتبته النساء في أنقرة، وما كتبناه نحن، أدركت حجم القضايا المشتركة بيننا رغم عدم اتصالنا المباشر، ومدى ما يمكن أن نتعلمه من بعضنا بعضًا.
وعندما قرأت ما كتبناه عن العذرية واختبارات العذرية ملأ كياني الغضب والإثارة والحب والحنين إلى الماضي: الغضب من حقيقة اضطرارنا لمعاناة مثل ذاك الألم من أجل اكتشاف أجسادنا وجنسانيتنا؛ والإثارة لتذكر العملية الحميمة التي تم من خلالها تبادل خبراتنا وتجاربنا كنساء؛ والحب لكل صديقاتي وأولئك اللاتي لم أحظ حتى بلقائهن وناضلن بشدة لجعل عملية التبادل هذه ممكنة؛ والحنين الذي خلقته العملية، وتلك الشجاعة التي كنا نتمتع بها. أذكر كم كان صعبًا توزيع نشراتنا على صديقاتي وصديقي وأمي وأبي وأشقائي. أذكر أيضًا الخوف الذي تملكنا ونحن نجهز “منصة العذرية”؟ في معرض الكتاب الوطني. وكيف وقفنا بفخر واعتزاز أمام شعاراتنا حول العذرية والجنسانية، وكيف قرأها وعلق عليها مئات الأشخاص خلال المعرض ثم في الجامعة. ومع أنني اليوم أقوى بكثير، إلا أنني أتساءل: هل أملك الشجاعة الكافية لفعل نفس الشيء مرة أخرى، والكتابة حول نشاطي الجنسي ودعوة العالم لمشاركتي به؟ في الحقيقة لا أدري.
تشكل أجسادنا خرائط للسلطة والهوية في آن واحد. فالسلطة لا تقوم فقط بقمعنا، بل تعمل بصورة مؤثرة على خلق هويتنا، وإحساسنا بأجسادنا، وجنسانيتنا. واختبارات العذرية الإجبارية هي أفعال عنف، بغض النظر عما إذا فرضتها العائلة أو الدولة. وكما يذكر تقرير منظمة حقوق الإنسان، تعتبر انتهاكات جوهرية لسيادة الإنسان على جسده وخصوصيته، وينبغي علينا أن نبذل قصارى جهدنا للاحتجاج على البيئة القانونية التي تسمح بهذه الفحوصات والاختبارات. لكن في الوقت الذي نقدم فيه الأدلة والحجج ضد الاستخدام المباشر للسلطة على أجسادنا، نحن بحاجة لحل غموض ومعارضة الأساليب التي تقوم من خلالها النساء باستيعاب تلك السلطة واستبطانها. وكيف نصبح غريبات عن أجسادنا في عمر مبكر؛ وكيف تحدد وتعرف أفعالنا بالحاجة إلى حماية عذريتنا؛ وكيف أصبحنا نعطي قيمة لأنفسنا من خلال عذريتنا؛ والأهم من كل ذلك، كيف يحدد مفهوم جنسانيتنا علاقاتنا بالرجال وبالنساء الأخريات وبكافة أشكال السلطة في المجتمع.
تشير كتابات نساء إسطنبول وأنقرة معاً إلى الحاجة للإقرار بمحورية العذرية في عملية تحديد هوياتنا كنساء في تركيا والتصرف تبعًا لها. لكن اللغة الضرورية لتسييس القضية ليست متوفرة وتتطلب الكثير من العمل والجهد. ويوافق معظمنا على عدم وجوب تقييم الحملات التي ننظمها بنتائجها النهائية وحسب، فمثلما كتبت أكسو (Aksu) في مقالتها، فإن نجاح الحملة ضد اختبارات العذرية يكمن في “مشاركة العديد من النساء فيها، وفي كونها تشكل تجربة مهمة في حياتنا”. إن عملية تجمع النسوة معاً، وتشكيل شبكات من التضامن، والعمل على إيجاد لغتنا الخاصة والقادرة على حل غموض الطرائق التي تحدد عبرها هويتنا من قبل السلطة، تعادل في الأهمية والقدرة على التغيير النتائج النهائية الملموسة، ومن خلال هذه العملية التدريجية تصبح المسألة “الشخصية” قضية “سياسية” بالفعل.
إننا نأمل في المزيد من هذا التحول من “الشخصي” إلى “السياسي”، ومزيد من التضامن في المستقبل.
* عائشة غول التيناي. “التحدث والكتابة عن جنسانيتنا: الفعاليات النسوية حول العذرية واختبارات فحص العذرية في تركيا”. المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية. تحرير: بينار إيلكاركان، ترجمة معين الإمام. المدي, ٢٠٠٤، ص 445- 455.
1 من الصعب إيجاد ترجمة أدق لعبارة “Bedenimiz bizimdir” من “إنها أجسادنا” أو “أجسادنا ملك لنا”.
2 “عن العذرية” (١٩٩٢)، و”عن الجنسانية” (۱۹۹۳)، عنوانان لنشرتين أصدرتهما في إسطنبول الجماعة النسائية في جامعة بوغازيتشي، ووزعت كلتاهما من قبل الأعضاء (رجالاً ونساًء)، كما بيعت في المكتبات الكبرى في إسطنبول وخلال معرض الكتاب الوطني في دورتي نوفمبر ١٩٩٢ ونوفمبر ١٩٩٣. وكانت كافة عضوات الجماعة في العشرينات من العمر ومن طالبات الجامعة. وقد ضمت النشرتان حوالي عشرين مقالة، أما عدد المساهمات في إصدارهما فكان أكثر من ذلك. وقد قمت بانتقاء عدد من هذه المقالات وترجمة مقتطفات منها، وقد كانت عملية الاختيار بالغة الصعوبة، كما أتحمل وحدي مسؤولية أوجه القصور المتعلقة بالاختيار والترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
3 شاركت في حملة “لا لاختبارات العذرية! إنه جسدي!” نساء من مختلف الأعمار (بمن فيهن بعض الأمهات) وأسهمن في إصدار الكتيب (نوفمبر ۱۹۹۳، منشورات بريشيمبي) الذي ضم إحدى عشرة مقالة. وقد قمت بالاختيار من بينها والترجمة إلى اللغة الإنجليزية. وجميع الترجمات الواردة هنا هي مقتطفات قصيرة من مقالات أطول.