هل تستطيع المنظمات الأهلية مواجهة تأنيث الفقر

رغم أن ظاهرة الفقر ظاهرةً تاريخيةً تضرب بجذورها في الاختلالات الهيكلية في بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أنها تتفاقم بشدة في العقود الأخيرة كنتيجة مباشرة لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، حيث توضح الإحصائيات المتاحة عن الفقر أن ربع سكان مصر على الأقل فقراء بكافة المقاييس، وأن ربعًا آخرًا يعيشون على هامش الفقر. تتفاوت درجة الفقر بين المناطق المختلفة، ويزداد فقر الإناث بشدة في صعيد مصر. وقد ترتب على ذلك ظواهر اجتماعية سلبية بالغة الدلالة ترتبط بالفقر والبطالة والأمية والعمالة الهامشية. وغير المنتظمة. وللأسف تتسم البرامج الحكومية للتخفيف من حدة الفقر بمحدوديتها الشديدة بالنسبة لحجم الظاهرة، سواء من حيث نسبة المنتفعين منها (أقل من 10 ملايين من أصل ٢٦ مليونًا من الفقراء) أو من حيث هزال قيمتها (حوالي عُشر قيمة الحد الأدنى لسلة الغذاء في المتوسط).

وكما هو معروف، فإن أي تدهور في الأحوال المعيشية إنما تنعكس نتائجه الأكثر سلبية أول ما تنعكس على أكثر فئاته هشاشةً وضعفًا، وتأتى النساء في مقدمة هذه الفئات (التي تضم الأطفال وكبار السن) نظرًا للتحيزات الاقتصادية والاجتماعية ضدهن، وتجئ العلاقة المتبادلة بين فقر الدخل وفقر القدرات لترسم منحنى شديد التدهور لأوضاع النساء في المجتمع، وتصبح ظاهرة انتشار النساء الفقيرات حقيقةً مجسدة، ويُصبح مصطلح تأنيث الفقر انعكاسًا معبرًا لهذا الواقع.

وباستعراض الظروف الاجتماعية والاقتصادية للنساء في مصر.

  • في مجال التعليم أدت زيادة تكاليف المعيشة بصفة عامة، وتكاليف التعليم بصفة خاصة إلى آثار سلبية على تعليم الإناث, خاصةً مع سيادة تقاليد وقيم منحازة ضد المرأة، وتصبح الأولوية في التعليم للذكور. وتوضح بيانات عام 94 أن معدلات الأمية في مصر كانت 61.2% بين الإناث في الفئة العمرية 15 سنة الإناث، فأكثر مقابل34.6% بين الذكور في نفس الفئة العمرية، وهي واحدةٌ من أعلى معدلات أمية النساء في الشرق الأوسط.

  • أما في مجال الصحة فإن النساء الفقيرات من أقل الفئات الاجتماعية التي تنال الرعاية الصحية، خاصةً فيما يتعلق بالحمل والولادة. فمعدل وفيات الأمهات مرتفعٌ نسبيًا في مصر، حيث تصل إلى ١٧٤ حالة كل 100 ألف ولادة. والفقيرة الأمية في سن الإنجاب هي الأكثر تعرضًا للوفاة أثناء الحمل والولادة.

فالتوسع في الخدمات الصحية المقدمة من القطاع الخاص يتواكب مع الانخفاض النسبي لمستوى الإنفاق العام على الصحة. والنقص في توفير خدمات الرعاية الصحية العامة يؤثر في المقام الأول على الفقيرات الأميات، وعلى الريفيات الفقيرات.

* في مجال سوق العمل: مع تقلص فرص العمل المتاحة في القطاع الرسمي لتطبيق سياسات الحد من التوظف التي تصاحب برامج التكيف الهيكلي، مثل الإحالة إلى المعاش المبكر وخاصةً الإناث، وعدم تشغيل الخريجين الجدد، فإن النساء تأتي في مقدمة ضحايا هذه السياسات. وتزداد معدلات البطالة بينهن. من جانب آخر تواجه النساء الفقيرات ظروفاً اقتصادية صعبة، فمع الارتفاع المستمر في الأسعار وانخفاض قيمة النقود الحقيقية، فإن نسبةً كبيرةً منهن تتجه إلى العمل في القطاع غير المنظم، حيث يواجهن منافسةً شديدة لكثرة أعداد المتعطلين، مما يدفعهن لقبول الأعمال متدنية المستوى ومنخفضة العائد، حيث ظروف العمل شديدة التدني في القطاع غير المنظم، فلا تطبيق لنظام التأمينات الاجتماعية، ولا قانون العمل، وساعات العمل الطويلة، ولا توجد إجازات مدفوعة الأجر، ولا تتوفر عادةً الشروط الصحية ولا قواعد الأمن والسلام المهنية أو الرعاية الصحية. وبهذا تخضع النساء للاستغلال المكثف والإجحاف بحقوقهن من قبل رب العمل، لأنهن غالبًا ما يدخلن سوق العمل في هذا القطاع بدون تعليم ولا تدريب ولا خبرة سابقة بالعمل. ورغم ذلك غالبًا ما تلجأ النساء للعمل بهذا القطاع، فمن ناحية يمثل عائد عملهن ضرورةً حياتية، وقسمًا هامًا في ميزانيات أسرهن، ومن ناحية أخرى لا توجد البدائل المتاحة على صعيد العمل المنظم، سواء الحكومي أو القطاع الخاص.

النساء المعيلات لأسر

ومع تدهور الأوضاع المعيشية لمعظم الأسر الفقيرة ظهرت في العقود الأخيرة وبشكل لافت، ظاهرة النساء المعيلات لأسر. وتشير التقديرات إلى أن نسبة الأسر التي تعولها نساء تتراوح بين ٢٠ – ٢٥% من إجمالي عدد الأسر المعيشية، وترتفع هذه النسبة إلى حوالى 35% في بعض الأحياء الفقيرة والعشوائية. وقد لوحظ أن الأسر التي تعولها نساءٌ أكثر فقرًا من تلك الأسر التي يعولها ذكور، فمتوسط الدخل السنوى للأسر التي تعولها إناث لا يتعدى نسبة 79% من المتوسط المناظر للأسر التي يعولها الذكور، وهو ما يوضح أن هناك ارتباطًا بين دخل الأسرة ونوع عائلها. وتوضح حالة العمل مؤشرًا هامًا لفقر وضعف الأسر التي تعولها إناث، فبينما يعمل 7.3% من الشريحة العمرية 6- 15 وأطفال الأسر التي تعولها إناث لمساعدة أسرهم ماليًا، فإن النسبة المناظرة في الأسر التي يعولها ذكور لا تتعدى 3.8% مما يتضح معه أن وضع الأسر التي تعولها إناث أكثر هشاشةً اقتصاديًا واجتماعيًا.

دور المنظمات الأهلية في مواجهة الفقر

تتخذ إسهامات المنظمات الأهلية لمواجهة الفقر عمومًا وفقر الإناث على وجه خاص عدة أشكال، فهناك منظماتٌ تركز على مساعدة النساء على إقامة المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، سواء بأن تلعب دور الوسيط بين الصندوق الاجتماعي وبين النساء، أو تقديم القروض عن طريق تدبير موارد من جهات مانحة أجنبية مثل منظمة اليونيسيف وغيرها. وهناك منظماتٌ أخرى تركز على مواجهة فقر القدرات بالعمل على بناء وتطوير مهارات النساء، كبرامج محو أمية النساء والتوعية الصحية وتعليم الفتيات المتسربات من التعليم. كما تتخصص بعض المنظمات النسائية في تقديم المساعدة القانونية للفقيرات.

ورغم أهمية دور المنظمات الأهلية؛ فلابد من ملاحظة أنه أولاً/ يتميز بالمحدودية، فرغم أن عدد المنظمات الأهلية المسجلة في وزارة الشئون الاجتماعية يبلغ ١٤٠٠٠ جمعية، إلا أن التقديرات الفعلية لعدد الجمعيات التي تلعب أي دور محسوس، عددٌ يتراوح بين ۲۰۰۰ و ٤٠٠٠ جمعية على أحسن تقدير. وثانيًا/ تعاني معظم هذه المنظمات من الضعف المؤسسي، ومحدودية الكفاءات الإدارية لدى الأغلبية الساحقة منها، مما يجعل دورها رغم نبل المقصد وأهمية المثال محدودًا بالنسبة لحجم ظاهرة الفقر على المستوى القومي. ثالثًا/ تواجه القطاع الأهلى العديد من المعوقات القانونية والقيود الإدارية التي تضعها وزارة الشؤون الاجتماعية.

وهكذا يُمكننا القول أنه رغم المبادرات والجهود الريادية التي تبذلها العديد من المنظمات غير الحكومية في مواجهة الفقر، إلا أن حجم تلك المبادرات يعد شديد التواضع بالنسبة لحجم الظاهرة نظرًا لمحدودية العمل الأهلى، بسبب القيود المفروضة عليه، والتي تكبل المنظمات الأهلية وتعوق قدرتها على الاستجابة الفعالة لاحتياجات النساء الفقيرات.. مما يجعل فائدتها بالغة المحدودية بالمقارنة بفداحة الظاهرة على المستوى القومي.

 

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات