أوضاعهن تؤكد انتهاك الدستور والاتفاقيات الدولية
تنص المادة 40 من دستور جمهورية مصر العربية على أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة“، ومع أن النص الدستوري يساوي بين المواطنين جميعًا أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة فإن قانون العمل الموحد جاء مخالفًا لهذه المادة في المادة 97″ منه، حيث ينص على أنه” يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل العاملات في الزراعة البحتة“، وهذا النص موجود في الفصل الثاني والخاص بتشغيل النساء، ويتضح من القراءة الأولية لهذا النص انطوائه على تمييز واضح: حيث عرفته منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم “111” والتي صدقت عليها مصر، سنة 1960 على أن مصطلح (تمييز) يعني: أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي، ويكون من شأنه إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستخدام أو المهنة، أي أن قانون العمل يناقض إحدى اتفاقيات العمل الدولية التي صدقت عليها مصر، بل واتفاقية الغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة التي صدقت عليها مصر أيضًا والمستوحى منها هذا التعريف، وأيضًا الدستور الوطني.
القانون رقم 80 لسنة ١٩٣٣ هو أول قانون يصدر لتنظيم عمالة النساء في مصر، وحدد فترات الراحة الأسبوعية وساعات العمل وحظر العمل الليلي لهن، كما حدد نطاق سريانه في مجالين فقط هما النساء العاملات في التجارة والصناعة واستثنى العاملات في الزراعة، ومنذ ذلك التاريخ صدرت عدة قوانين لتنظيم العمل مثل القانون 41 لسنة ١٩٤٤، والقانون رقم 317 لسنة ١٩٥٢: انتهاء إلى القانون رقم ١٢ لسنة ۲۰۰۳ والمعروف باسم قانون العمل الموحد. واستثنت كل هذه القوانين النساء العاملات في الزراعة من تطبيق قانون العمل أو دخولهن تحت مظلة الضمان الاجتماعي دون مبرر واضح، أما عن القانون الوحيد الذي تناول حقًا من حقوق المرأة العاملة في الزراعة وهو قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة ١٩٥٢، حيث ألزم المشرع وزير الزراعة بعمل لائحة تتضمن الحد الأدنى لأجر العامل الزراعي واللافت للنظر أن هذا القرار نص أن يكون الحد الأدنى للعامل الزراعي ١٨٠ مليمًا للرجل و ۱۰۰ مليم للأولاد والنساء والبنات.
ومع ذلك فقد تم استثناء هذه الفئة من تطبيق قانون العمل عليهن ويعني أنه تم استثناؤهن من تطبيق المواد التي تضمن لهن حقوقهن وتنظم واجباتهن مثل: اشتراطات السلامة والصحة المهنيتين، التعويضات الناتجة عن إصابات وأمراض العمل، الراحة الأسبوعية مدفوعة الأجر، إجازات الوضع، تحديد ساعات العمل اليومية، حظر العمل الليلي،… إلخ.
وقد أعطى قانون التأمين والضمان الاجتماعي فرصة لمن يعملون في القطاع غير المنظم للاشتراك في خدمة الضمان الاجتماعي واستحقاق المعاش عن طريق دفع اشتراك شهري، لكن هذا الحق غير معروف لعدم وعي المعنيين، به ولأن أغلبية من يعملون في القطاع غير المنظم أميون أو محدودو التعليم، بالإضافة إلى ضآلة هذا المعاش وعدم كفايته للحاجات الأساسية حتى لأفقر المواطنين.
ومن أسباب صعوبة خضوع عمال الزراعة البحتة لقوانين العمل أنهم يمثلون:
1 – عمالة موسمية.
۲ – عمالة غير منتظمة.
3 – عدم وجود مكاتب تشغيل (معظم العمالة تأتي عن طريق مقاولي الأنفار 46.9% – وهذا ما يحظره قانون العمل الموحد في المادة 16 منه ويعاقب عليه بالغرامة – ثم العلاقات الشخصية أو صاحب العمل مباشرة) كما ورد في دراسة ميدانية لحسنين كشك ومحمود مرتضي بعنوان احتياجات الحماية التشريعية للمرأة العاملة في الزراعة في القرية المصرية.
4 – ضعف وعى العمال الزراعيين بحقوقهم خاصة النساء منهم.
5 – غياب دور المنظمات النقابية واتحادات العمال
حجم جهد النساء في الاقتصاد الزراعي في مصر
النساء مسئولات عن:
40% من الإنتاج الحيواني في مصر.
45% من العمالة المسئولة عن إنتاج القطن.
40% من العمالة المطلوبة لإنتاج المحاصيل في الدلتا.
75% من العمالة المطلوبة لجنى محصول البرسيم في مصر.
٨٣% من الأعمال المطلوبة لزراعة وتخزين القمح.
۷۲% من الأعمال الخاصة بزراعة وتسميد الذرة.
٤٥% لتجهيز فول الصويا.
تشير دراسة الدكتور كاملة منصور بعنوان المرأة في الزراعة المصرية، بالإضافة إلى أن الفلاحات المصريات يقمن بإزالة الحشائش وتجهيز الأرض وتربية الحيوانات والطيور، وصناعة منتجات الألبان بجانب أعمال المنزل.
مقاول الأنفار هو مكتب العمل المتنقل
ومن المفارقات أن قانون العمل الموحد صدر يوم ۱۷/ 4/ 2003 ناصًا بشكل صريح على استثناء العاملات في الزراعة البحتة من تطبيق قانون العمل الموحد عليهن. وفي يوم ٢٠/ 6/ 2003 صدقت مصر على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١۲۹ والخاصة بالتفتيش على العمل في الزارعة أي بعد حوالي 67 يومًا فقط من صدور القانون. وقد نصت المادة (1) فقرة (٢) من هذه الاتفاقية على ألا تستبعد أي منشأة زراعية من النظام الوطني لتفتيش العمل، بل أن الاتفاقية حددت وظائف تفتيش العمل في المادة (6) فقرة ( أ ) بمراعاة تطبيق (القانون) على العمال الزراعيين مثل استخدام المرأة والأحداث، ومن ضمن مهام هذه اللجنة أو أيًا ما كان اسمها تعريف السلطة المختصة بجوانب النقص التي لا تغطيها الأحكام القانونية بشكل محدد. ومن اللافت للنظر أن مصر لم تصدق على الاتفاقية رقم 110 والخاصة بشروط استخدام عمال المزارع. ومع ذلك صدقت على الاتفاقية رقم ١٢٩ والخاصة بالتفتيش على العمل في الزراعة، كما صدقت أيضًا على الاتفاقية رقم 63 والخاصة بالأجور وساعات العمل في الصناعة التحويلية، بما في ذلك التشييد والبناء والزراعة والتي تلزم المصدقين عليها بعمل إحصائيات ومسوح وتقارير دورية. للعمالة المذكورة وإمداد المنظمة بهذه التقارير مع توضيح دور الدولة في تنظيم وحماية هذه الصناعات والعاملين فيها، أتسائل مثلكم من محتويات هذه التقارير خاصة بعد صدور قانون العمل الموحد، كذلك أيضًا الاتفاقية رقم 101 والتي صدقت مصر عليها سنة 1956 والخاصة بالإجازات المدفوعة الأجر في الزراعة والمهن المرتبطة بها “أجازة” سنوية مدفوعة الأجر بعد فترة خدمة مستمرة لدى نفس صاحب العمل، فهل سمع أحدكم عن هذه الإجازة منذ عام 1956 وحتى الآن؟ بل إن هذه الاتفاقية تتمادي وتتجاوز حدود كل قوانين العمل الوطنية في المادة الثالثة منها، حيث تلزم الدول المصدقة بأن تحدد القوانين أو اللوائح الوطنية أو الاتفاقيات الجماعية أو قرارات التحكيم أو بأي طريقة أخرى تقرها السلطة المختصة الفترة الدنيا اللازمة من الخدمة المستمرة والحد الأدنى لمدة الإجازة السنوية المدفوعة الأجر، بل وتحكم بالبطلان على أي اتفاق يتضمن التنازل عن الإجازة مدفوعة الأجر، وتلزم أيضًا الدول المصدقة على الاتفاقية بإرسال بيان عام كل سنة توضح فيه طريقة تنفيذ هذه الأحكام، أي أننا حتى الآن قدمنا حوالي 48 بيانًا، وما زلت أتساءل عن مضمونها. وللحق فقد أصدر وزير القوى العاملة والهجرة السابق “أحمد العماوي” قرارًا بإصدار لائحة منظمة لتشغيل العمالة غير المنتظمة رقم ٢١٣ بتاريخ ٤/ 10/ 2003 وينص على تشكيل لجنة متابعة العمالة غير المنتظمة يكون من ضمن مهامها اقتراح القواعد المنظمة لتشغيل هذه الفئات واشتراطات السلامة والصحة المهنية، وبحث مشاكل العمالة غير المنتظمة ووضع مقترحات بحلولها، ودراسة التشريعات الصادرة بشأن العمل غير المنظم ووضع التوصيات المقترحة، ودراسة معايير العمل الدولية والعربية، وتقديم مقترحات بشأن التصديق عليها، ودراسة طلبات الترخيص لمكاتب تشغيل العمالة غير المنتظمة، طبع بطاقات مسلسلة لهؤلاء العمال، أتمنى أن تكون هذه اللجنة موجودة فعلاً وتباشر عملها. هذه الفوضى التشريعية التي تشهدها علاقات العمل الزراعية التي تخالف الدستور الذي ينص في المادة 151 الفقرة الأولى على أن الاتفاقيات والمعاهدات التي تصدق عليها مصر يكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها، أي أن اتفاقيات العمل الدولية المصدقة عليها مصر ومنها الاتفاقيات السابق ذكرها – تساوي مثلاً قانون العمل الموحد المناقض لها في الجزء الخاص باستبعاد العاملات الزراعيات من مجال التطبيق القانون، وكذلك اتفاقية إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة، بل إن هذه المادة مخالفة للدستور كذلك.