بعد تصاعد حدة ووحشية العدوان الإسرائيلي الأخير مند شهر مارس الماضي، تصاعد نشاط الحركة السياسية، والشعبية المصرية المساندة للقضية الفلسطينية، وكان للمجتمع المدني من منظمات حقوق الإنسان ولجان دعم، ومنظمات نسائية دور بارز في التعبير عن الرفض للعدوان الإسرائيلي الوحشى على الشعب الفلسطيني وسارعت بالتعبير بشتى الوسائل عن دعمها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني الباسل ومقاومته المشروعة.
مظاهرات نسائية
وقد شهدت المنظمات النسائية نشاطًا ملحوظًا في هذا الصدد، فتكون ائتلاف من مجموعة من المنظمات النسائية قامت بالدعوة إلى مظاهرة نسائية أمام السفارة الأمريكية، تلتها مظاهرة احتجاجية أمام مقر الصليب الأحمر يوم 11 أبريل ۲۰۰۲، لتقديم عريضة إلى هيئة الصليب الأحمر بالقاهرة تطالبها بإعلان الممارسات الإسرائيلية الوحشية ضد الجرحي والمستشفيات ومنعها لسيارات الإسعاف من الوصول مما يعوق الصليب الأحمر من تأدية مهامه. وكان من بين هذه المنظمات “مركز دراسات المرأة الجديدة، ملتقى المرأة والذاكرة، ملتقى الهيئات لتنمية المرأة، مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف، جمعية نهوض وتنمية المرأة،… كما شاركت المجموعة في أسبوع التضامن مع “جنين” الذي دعت إليه اللجنة الشعبية المصرية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية. فنظمت يومًا تضامنيًا في نقابة المحامين شهد العديد من الأنشطة منها عرض أفلام عن نضال الشعب الفلسطيني، وعمل معرض صور وكاريكاتير تفضح المجازر الإسرائيلية، كما تمت طباعة فانلات عليها صورة الشهيدة وفاء الإدريسي وكتيب بعنوان “حتى لا ننسى” يسجل المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في مصر وفلسطين ولبنان ابتداء من مذبحة فندق الملك داوود بفلسطين عام 1946 وصولاً إلى مذبحة طيرة في لبنان 17/ 9/ 2002.
ورغم ذلك يزعم البعض أن الحركة النسائية المصرية منعزلة عن قضايا وهموم المجتمع، ومنغلقة على القضايا النسائية فقط. لذلك قررنا أن نستكشف الآراء حول هذا الموضوع.
اتهام مفتعل
رد علينا الدكتور شريف حتاتة بتساؤل: “إذا كانت المنظمات النسائية منغلقة على قضاياها فمن المنفتح على قضايا المجتمع؟ الأحزاب!، المنظمات غير الحكومية! المجلس القومي للمرأة؟! هذا الاتهام مفتعل فالمجتمع كله في حالة ركود وإذا وجدت أي فرصة للعمل السياسي ينهض الشباب والنساء والرجال. ففي الأحداث الأخيرة بعد حصار رام الله نظمت المنظمات النسائية أكثر من مظاهرة نسائية، كما شاركت في العديد من الأعمال العامة في ذلك الوقت، ولكنني مازلت لا أفهم لماذا تتهم المنظمات النسائية بالذات بالتقصير، فمن الذي يقوم بالدور إذًا؟ أين دور الحزب الوطني مثلاً، لماذا لا يسأل عن دوره؟ بصراحة لا يوجد نشطاء في البلد إلا المنظمات الإسلامية التي تحاصر المرأة وترى أنها سبب الفساد ولابد من حبسها في المنزل، والحكومة تغمض أعينها عن ذلك كله، أما إذا حاولت إحدى المنظمات النسائية أن تناقش قضايا جادة نسائية خالصة ومشتركة أيضًا تواجه غالبًا ضغوطًا قويةً، وفي ظل هذه الظروف أرى أن المنظمات النسائية أكثر نشاطًا من المنظمات الأخرى وتواجدها في حد ذاته في مثل هذه الظروف يعتبر إعجازًا.
وترى هالة كمال، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة وعضو ملتقى المرأة والذاكرة، أن هذا الاتهام غير صحيح، وتؤكد أننا إذا كنا سنتكلم عن تركيز النساء على قضاياهن فعلينا ألا نتوقع أن تتبنى فئة من المجتمع قضايا النساء أكثر من النساء أنفسهن. ويؤكد التاريخ المصري الحديث أنه في أوقات المد الوطني كانت النساء تغير من أولوياتهن وتنخرط في العمل الوطني، وأوضح مثال على ذلك ثورة 1919 التي سجلها ودونها التاريخ حيث خرجت النساء لا للمطالبة بحقوقهن إنما طالبن بالاستقلال للوطن وأرجئت المطالبة بحقوقهن إلى ما بعد ثورة ۱۹۱۹.
وهناك مثال آخر ينبع من واقعنا الحالي، فمع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وحصار شهر مارس الماضي، ركزت معظم المنظمات النسائية – إن لم يكن كلها – نشاطها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، كان ذلك في إطار مجموعة من المنظمات النسائية كونت تحالفًا من أجل التعبير عن التضامن مع مأساة الشعب الفلسطيني، وأوضح فعاليات هذا التحالف يتجلى في التجمع الذي تم أمام مقر الصليب الأحمر الدولي يوم 15 أبريل الماضي، وقامت النساء المشاركات في التجمع بتقديم بيان مشترك حمل توقيع مجموعة من المنظمات النسائية، وبحضور عضوات المنظمات، وتعبئة العشرات من النساء والرجال من الجماهير العامة. وأضافت هالة كمال أن المنظمات النسائية قامت بما لم تقم به أي جهة في مصر مثل تجمع مايو الماضي أمام تمثال نهضة مصر، أي أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة حيث طالبت النساء بمقاطعة إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي واتخذت في ذلك موقفًا سياسيًا واضحًا، بالإضافة إلى مشاركة المنظمات النسائية في كل أشكال التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وعن نشاطات ملتقى المرأة والذاكرة في هذا الصدد، قالت هالة كمال أن المرأة والذاكرة جزء من هذا التجمع النسائي كما أن عضوات المرأة والذاكرة يقمن بعمل ارشيف لشهادات النساء في الأراضي المحتلة المنشورة عبر الانترنت على سبيل توثيق معاناة ومقاومة الشعب الفلسطيني.
مسيرة النضال
وتقول د. نوال السعداوي: السؤال هو أين القضايا النسائية؟ كل قضايانا تدفن؟ لماذا لا ترتبط هذه القضايا؟ كل القضايا يمكن ربطها، فالختان الجسدي مرتبط بالختان العقلي والتقطيع في الجسد قهر مثل قهر الشعب الفلسطيني، الربط بين القضايا النسائية والقضايا الوطنية مطلوب في هذا الوقت، وأذكر عندما حاولنا الربط بين القهر الأبوى والطبقي على المستوى الدولي ووقفنا ضد حرب الخليج عرضنا أنفسنا للخطر وأغلقت الحكومة جمعية تضامن المرأة العربية سنة 1991. في هذا الوقت استنكروا واعتبروا أن حرب الخليج ليست من شأننا ولكنها ليست كذلك، والقضية الفلسطينية أيضًا من شأننا ، وأخيرًا أقول إن القهر الأبوي لا ينفصل عن قهر الاحتلال الاسرائيلي وإننا نحتاج إلى الربط والترابط بين القضايا الدولية والمحلية… القضايا العامة والخاصة،، إن المرأة لها رأي في السلم والحرب لابد أن يسمع ويحترم“.
وتؤكد شاهندة مقلد، عضو ملتقى الهيئات لتنمية المرأة والمدافعة عن حقوق الفلاحين، أن الحركة النسائية حركة مواكبة للنضالات الوطنية تنهض مع المجتمع وتعاني حالات الجذر حين يتعرض لها المجتمع، ويؤكد التاريخ ذلك بدايةً من ثورة 1919، ومرورًا بمشاركة النساء في لجان العمال والطلبة سنة ١٩٤٦ وأثناء المراحل اللاحقة حين يحدث نهوض وطني عام تنهض المرأة لأنها جزء من المجتمع.
وحديثًا شكلت الانتفاضة الفلسطينية تطورًا في الحركة السياسية العالمية خاصة في مصر فالقضية الفلسطينية جزء من اهتمام مصر بشكل عام والمرأة المصرية بشكل خاص فالمرأة هي التي بادرت بإنشاء اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كانت هذه اللجنة فكرة مجموعة من النساء المناضلات ثم توسعت وانضم إليها العديد من النساء والرجال فيما بعد، وفي إحصائية أجريت حديثًا تبين أن التبرعات التي تلقتها اللجنة الشعبية معظمها من النساء من جميع الطبقات وهذا يفسر أن المرأة هي دائمًا في مقدمة النضال الوطني.
قدن المظاهرات
وتقول راجية محمد شوقي إن النساء نشطن بشكل فردي ومن خلال المنظمات في جميع الأنشطة المساندة للشعب الفلسطيني، كما كانت هناك نسبة كبيرة من الكتابات النسائية المساندة للقضية الفلسطينية. لقد شاركت النساء بشكل شخصي في معظم أنشطة اللجنة الشعبية للتضامن مع انتفاضة الفلسطينيين، كما أن هناك تحركات أخرى دعت إليها منظمات نسائية مثل مظاهرتين إحداهما أمام السفارة الأمريكية والأخرى أمام السفارة الإسرائيلية وكانت نسائية خالصة.
وترى راجية أيضًا أن النساء مشاركات في الأنشطة المختلفة كما أن لهن طريقتهن في التعبير عن رأيهن في الظروف السياسية خاصة الحرب لأن النساء دائمًا هن الأكثر تضررًا بالفقر والجوع، وتؤكد الاحصائيات صحة هذا الكلام في أثناء الحروب تتعرض النساء للاغتصاب والفقر والتشريد. ولم تكن الحركة النسائية منعزلة عن المجتمع في فترة من فترات التاريخ ويرجع ذلك إلى إدراك المرأة، تحريرها مرتبط بالتحرر الوطني والمقولة فيها افتراض أن المطالبة بالحقوق النسائية ينقص من حقوق الوطن، ولكن هذا غير صحيح، ففي الغرب والكتلة الشرقية السابقة تحرر المجتمع وتحررت النساء إلى حد ما ولكن ما زال هناك استغلال واقع عليهن أكثر من الرجل. فهناك أوضاع تاريخية أحدثت خللاً في موازين القوى في المجتمع فالمسألة إذن ليست أوتوماتيكية ويجب أن يستمر النضال الوطني والنضال النسائي جنباً إلى جنب.
وعن أنشطة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف تشير راجية إلى أن القضية الفلسطينية مازالت تحتل الصدارة لأنها قضية مصيرية بالنسبة للوطن والنساء الأكثر تضررًا دائمًا من سوء الأوضاع، وقد توارت القضايا النوعية، ليست لأنها قليلة الأهمية ولكن لأن القضايا الوطنية لها الأولوية الآن.