القوانين الوطنية والإجهاض غير الآمن
أبعاد التغيير
بقلم: مارج بيرير (*)
ملخص:
يمكن بالكامل تجنب الإجهاض غير الآمن وما يقترن به من اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن. وتقدم هذه الورقة تحليلاً للعلاقة بين الأسس القانونية للإجهاض – الواردة بالقوانين الوطنية – والإجهاض غير الآمن، ارتكازًا على دراسة غير منشورة, وبالاستعانة بتقديرات الإجهاض غير الآمن والوفيات الناجمة عنه وفقًا للمعلومات المستقاة من مصادر تقدير حالات الإجهاض غير الآمن والوفيات المقترنة به في عام ٢٠٠٠ . وعلى الرغم من أن الأسس القانونية وحدها قد لا تعكس طريقة تطبيق القانون أو نوعية الخدمات المقدمة، فقد وجدنا نمطًا واضحًا في أكثر من ١٦٠ بلداً يشير إلى أن التشريعات التي تبيح الإجهاض على أساس طيف واسع من الأسباب تسفر عن انخفاض حالات الإجهاض غير الآمن وانخفاض كبير في حالات الوفاة الناجمة عنها، مقارنة بالتشريعات التي تقيد الإجهاض بدرجة كبيرة. وتوضح البيانات أيضًا أن أغلب حالات الإجهاض تصبح آمنة أساسًا – أو فقط – عندما يحدث توافق بين الأسباب التي تطرحها النساء للإجهاض والأسس القانونية للإجهاض. وهى الأطروحة التي تفرض نفسها في مجال الصحة العامة بهدف الوصول إلى قانونية الإجهاض على أوسع أسس ممكنة. وقد شكلت مجموعة واسعة من الأفعال, على مدار القرن الماضى، جزءاً من حملات وطنية تستهدف تقنين الإجهاض الآمن، وضمت: إصلاح القوانين، وتقديم خدمات آمنة، وكفالة جودة الرعاية, وتدريب مقدمى الخدمات, وتقديم المعلومات والدعم للنساء. ويُعد الإجهاض الآمن خدمة صحية جوهرية للنساء، ولا تقل أهميته للصحة الجنسية والإنجابية عن أهمية موانع الحمل الآمنة والحمل الآمن وتقديم الرعاية عند الولادة. وعلى الرغم من وجود معارضة قوية ومعوقات هائلة في بعض الأحيان, فقد أخذت مقتضيات الصحة العامة تكتسب أرضية في العديد من أجزاء الكوكب.
* Global Perspectives National Laws and Unsafe Abortion: The Parameters of Change. Marge Berer. Reproductive Health Matters: 2004; 12 (24 supplement) 1- 8.
الكلمات المفتاحية:
قوانين الإجهاض وسياساته، معدلات حدوث حالات الإجهاض غير الآمن, الوفيات المقترنة بالإجهاض, أعمال المناصرة، والعملية السياسية.
كان تقليص مشاكل الصحة العامة المرتبطة بالإجهاض غير الآمن، واحدًا من أهم أهداف برنامج عمل المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذي عقد عام ١٩٩٤ . لقد مضت بالفعل عشر سنوات من العشرين سنة المكرسة لتحقيق هذا الهدف. ويُعد تحسين صحة الأمهات, من خلال تقليص وفياتهن إلى الثُلثين مع حلول عام ٢٠١٥، واحدًا من ثمانية من الأهداف الإنمائية للألفية. وتُشكل الوفيات الناجمة عن مضاعفات الإجهاض غير الآمن ١٣% من جميع وفيات الأمهات. (1) وبالتالي, يصبح الإجهاض الآمن بالنسبة للنساء جزءًا مهمًا أيضًا من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
ويمكن بالكامل تجنب الإجهاض غير الآمن * وما يقترن به من اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن. ويبدو واضحًا أن البيانات المتوفرة والعدد المتزايد من الدراسات – بما في ذلك الدراسات التي يشتمل عليها هذا المطبوع الذي تُنشر فيه هذه الورقة البحثية – تشير إلى بطء التقدم, وإن كان تقدمًا مطردًا، في اتجاه تقليص الإجهاض غير الآمن وإصلاح قوانين الإجهاض وسياساته وممارسته من أجل تحقيق الفائدة لصحة النساء وحياتهن في أنحاء العالم كافة. في عام ۲۰۰۰ – أحدث المعلومات المتاحة – قدرت حالات الإجهاض غير الآمن بحوالي ۱۹ مليون حالة, كلها تقريبا فى البلدان النامية. ومع ذلك، وبالمقارنة بعام ١٩٩٥, يبدو أن بيانات عام ۲۰۰۰ توضح انخفاضاً في معدلات الإجهاض غير الآمن بالنسبة لجميع مناطق البلدان النامية ما عدا جنوب آسيا الوسطى وشمال أفريقيا. كما يبدو أيضًا وجود انخفاض في عدد الوفيات من مضاعفات الإجهاض غير الآمن، من عدد يصل تقديره عام 1995 الی ۷۸۰۰۰ إلى عدد وصل تقديره عام ٢٠٠٠ – ٦٨٠٠٠. (1)
الأسس القانونية للإجهاض، والإجهاض غير الآمن والوفيات المقترنة به
لقد تراكمت الأدلة المستقاة من عدد متزايد من البلدان بما يشير إلى أن الإجهاض عندما يصبح قانونيًا على أسس اجتماعية اقتصادية عريضة وبناء على طلب المرأة، وعندما تتوفر الخدمات الآمنة ويسهل الوصول. إليها، فإن الإجهاض غير الآمن يختفي، وتتقلص إلى حدها الأدنى وفيات الأمهات وحالات اعتلال صحتهن المرتبطة بالإجهاض. وقد تجلى ذلك بوضوح في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين، وفي رومانيا وجنوب أفريقيا في التسعينيات، وأمكن توثيقه بشكل جيد فى البيانات (3 – 5) ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن اختبار منهجى في البلدان المختلفة حول العلاقة بين القوانين الوطنية حول الإجهاض وحالات الإجهاض غير الآمن والوفيات المقترنة بالإجهاض.
تُعتبر هذه الورقة البحثية بمثابة تقرير حول تحليل العلاقة بين الأسس القانونية للإجهاض في القوانين الوطنية والإجهاض غير الآمن، وذلك بالاستعانة بمعلومات مستقاة من مصادر مستخدمة لتقدير حالات الإجهاض غير الآمن والوفيات المقترنة به في عام ٢٠٠٠. إن أكثر من ١٦٠ بلدًا ضمها التحليل كانت هي تلك البلدان التي تتوفر فيها المعلومات القانونية وتقديرات الإجهاض غير الآمن. وقد أمكن الحصول على البيانات المتعلقة بالنساء في الفترة العمرية ما بين ١٥ – ٤٩ سنة في تلك البلدان من بيانات “قسم السكان” بالأمم المتحدة, (6) . وهو ما يصدق أيضًا على البيانات المتعلقة بالوضع القانوني للإجهاض. (7) كما أمكن تقسيم أسس الإجهاض القانوني في القوانين الوطنية إلى ست فئات, تتراوح من قيود شديدة إلى إتاحة الخدمة بناء على الطلب (انظر إلى الشكلين الأول والثاني).
وتتسم الفئات الست بأنها تراكمية ولا تستبعد بعضها البعض. وهو الأمر الذى يعنى أن البلدان التي تتضمنها القائمة ٣ – حيث الإجهاض قانوني في حالات الاغتصاب و / أو سفاح المحارم – تبيح الإجهاض أيضًا على الأسس الواردة في الفئتين ۱ و ۲ بهدف إنقاذ الحياة, والحفاظ على صحة المرأة. وبالمثل, نجد أن البلدان التي تبيح الإجهاض بناء على الطلب تبيح أيضًا جميع الأسس
الواردة فى الفئات من ١ إلى ٥ . هذه هي الحال في جميع البلدان تقريباً – التي يبلغ عددها ١٦٧ وشملها تحليل معدلات الإجهاض غير الآمن، وفى البلدان (١٦٥) التي درست فيها حالات الوفيات المرتبطة بالإجهاض. لكن الحال ليست كذلك فى أربعة من تلك البلدان حيث الإجهاض قانونى للحمل الناتج عن الاغتصاب و / أو سفاح المحارم، وغير قانونى إذا كان الهدف يتمثل في الحفاظ على صحة المرأة. ومع ذلك، فإن تلك البلدان الأربعة متضمنة في الفئة رقم 3. أما البلدان الثلاثة التي تعتبر الإجهاض غير قانونى فى جميع الظروف، فنجدها متضمنة في الفئة ١.
يبين الشكل رقم ١ وجود ارتباط واضح بين الأسس القانونية للإجهاض ومعدلات الإجهاض غير الآمن. كما يوضح أن متوسط معدل الإجهاض غير الآمن لكل 1000 امرأة يبلغ ۲۳ في بلدان الفئة ١ (٥٤ بلدا)، و ٢٣ في بلدان الفئة ۲ (۲۸ بلدا)، و ٢٥ فى بلدان الفئة ۳ (۱۰ بلدان). هذه هي الحال حتى على الرغم من أن معدل الإجهاض غير الآمن يختلف بدرجة كبيرة في بلدان الفئة 1 البالغ عددها ٥٤ بلداً (من ٥ إلى ٦٥) ، وفى بلدان الفئة ٢ البالغ عددها ۲۸ بلداً.
لا يبدأ معدل الإجهاض غير الآمن في التغيير إلا في ١٣ بلداً بالفئة ٤ – وهى البلدان التي تبيح الإجهاض أيضًا فى حالات تشوه الجنين، حيث انخفض متوسط معدل الإجهاض غير الآمن إلى ١٠ حالات لكل ۱۰۰۰ امرأة فى سن الإنجاب. ويبدو التناقض أكثر وضوحاً في البلدان التي تبيح الإجهاض أيضًا لأسباب اقتصادية أو اجتماعية (۱۰ بلدان)، أو بناء على الطلب (٥٢ بلدا) – حيث تتراوح معدلات الإجهاض غير الآمن في المتوسط بين صفر و ۲ لكل ۱۰۰۰ إمرأة على الترتيب.
شكل (۲)
وتجدر الإشارة إلى أن الوفاة من الإجهاض غير الآمن تتأثر بوضوح أيضًا بالسياق القانوني (الشكل ٢). فبينما يبلغ متوسط نسبة الوفيات ٣٤ لكل 100.000 من المواليد الأحياء في بلدان الفئة ١ حيث الإجهاض مباح فقط من أجل إنقاذ حياة المرأة (أو غير مباح على الإطلاق). هناك بلدان ترتفع فيها النسبة لتصل إلى ٣٠٠ لكل 100.000 من المواليد الأحياء. وفي البلدان التي تبيح ممارسة الإجهاض لإنقاذ حياة المرأة والحفاظ على صحتها، نجد المتوسط مرتفعًا إلى حد ما بحيث يصل إلى ٥٥. وبعد ذلك تنخفض نسبة الوفيات مع كل أساس جديد للإجهاض، وصولا إلى ١٠ حالات وفاة لكل 100.000 من المواليد الأحياء في البلدان التي تبيح ا
لإجهاض في حالات تشوه الجنين, وتنخفض إلى صفر و1 في البلدان التي تضمها الفئات ٤ و ٥ التي تبيح الإجهاض لأسباب اقتصادية واجتماعية وبناء على الطلب, على الترتيب.
ربما يكمن السبب الأساسى وراء بداية انخفاض معدلات الإجهاض غير الآمن ونسبة الوفيات بدرجة جوهرية – بموجب القوانين فى الفئات من ٤ إلى ٦ – في
تقلص أغلب الأسباب التي تطرحها نساء هذه الفئات لإجراء الإجهاض. وبالتالى، تصبح أغلب حالات الإجهاض آمنة فى الأساس – أو فقط – عندما تتفق الأسباب التي تطرحها النساء لإجراء الإجهاض مع الأسس القانونية للإجهاض، أى لا يقتصر الأمر على حماية صحة المرأة وحياتها أو تشوه الجنين، وإنما أيضًا لأسباب اجتماعية واقتصادية، والأهم: بناء على طلب المرأة.
على أن هناك عدداً من التحذيرات التي تجدر الإشارة إليها فيما يتعلق بتلك البيانات. أولاً، نظراً, لصعوبة جمع البيانات حول الإجهاض غير الآمن، عندما يكون الإجهاض مقيداً بدرجة كبيرة, فإن المعلومات المتاحة لا تكون جديرة بالثقة على نحو كامل . ومع ذلك، فإن عدم تقديم المعلومات أو تقديم معلومات أقل من الواقع من شأنه تعزيز الأنماط الموضحة فى الشكلين ۱ و ۲ بدلاً من تقليصها. ويجرى جمع بيانات البلدان المختلفة من مجموعة من المصادر، بما في ذلك سجلات المستشفيات وبيانات المسوح. وعلى الرغم من وجود تفاوت كبير في جودة وتغطية البيانات بين البلدان، فإن تقديم معلومات منقوصة يظل أكثر ترجيحًا من تقديم معلومات مبالغ فيها، ولن يغير بدرجة كبيرة من الأنماط الموضحة.
ثانيًا، ما يطرحه القانون على الورق لا ينعكس بالضرورة في عملية التنفيذ من جانب خدمات الصحة. وعلى سبيل المثال، تجرى ممارسة الإجهاض في بعض البلدان من أجل الحفاظ على صحة المرأة بدنيًا وذهنياً, الأمر الذي يفسره – على نطاق واسع – المتخصصون في مجال الصحة بما يتيح للعديد من النساء النفاذ إلى خدمات الإجهاض الآمن. وربما يمثل ذلك سبب قلة حالات الإجهاض غير الآمن والوفيات الناجمة عن الإجهاض فى تلك البلدان. وعلاوة على ذلك، نجد في البلدان التي تضع قيوداً صارمة على الإجهاض أن مقياس الرعاية الصحية الكلية يتراوح من مرتبة مرتفعة إلى مرتبة فقيرة . ويمكننا افتراض وجود بعض النساء على الأقل في تلك البلدان (أى البلدان التي تتيحه) قادرات على النفاذ إلى خدمات الإجهاض الآمن، وإن كان غير قانوني.
وعلى العكس من ذلك، وحتى عندما يتيح نص القانون ممارسة الإجهاض (كما فى الفئتين ٥ و ٦)، قد لا تتوفر نوعية جيدة من الخدمات أو قد لا يتيسر النفاذ إليها على نطاق واسع، أو قد تكون مهارات مقدمى الخدمات والوسائل التي يستخدمونها غير مناسبة أو عتيقة الطراز أو غير آمنة. وهو الأمر الذي يفسر سبب استمرار ارتفاع معدلات الإجهاض غير الآمن ونسب الوفيات أعلى كثيراً من الصفر في مثل تلك البلدان. ونجد, في واقع الأمر، أن البلدان الواردة بأى من الفئات الست ولديها نسب مرتفعة لحالات الوفاة نتيجة الإجهاض غير الآمن، هي على الأرجح البلدان التي لديها أقل قدر من خدمات الرعاية الصحية الفعالة وأقل قدر من إمكانات النفاذ إلى تلك الخدمات: مما يجعل مضاعفات الإجهاض غير الآمن والوفيات الناتجة عنه أكثر ترجيحًا.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات, تشير البيانات الواردة في الشكلين بوضوح إلى أن التشريعات التي تبيح الإجهاض على أسس واسعة تؤدى إلى تقليص حالات الإجهاض غير الآمن وتقليص عدد الوفيات الناجمة عنه، مقارنة بالتشريعات التي تقيد الإجهاض بدرجة كبيرة.
في السنوات العشر التي مضت منذ الموافقة على برنامج عمل المؤتمر الدولى للسكان والتنمية وتدوين الأهداف الإنمائية للألفية، نجح عدد من البلدان في تقنين الإجهاض على أسس واسعة، وبدأ في تدريب مقدمي الخدمة: وبالتالي أصبح الإجهاض والخدمات المقترنة به أكثر أمانًا بالنسبة إلى نساء تلك البلدان. وشهدت بلدان أخرى اقتراحات بسن قوانين أقل تقييدًا من الماضى، أو جرى تشريعها بالفعل. ومع ذلك، لا تزال هناك بلدان أخرى عجزت برلماناتها الوطنية عن تقنين الإجهاض بسبب صوت واحد فقط. وعلاوة على ذلك, فإن عشر سنوات من رعاية ما بعد الإجهاض – فيما يتعلق بمضاعفات الإجهاض غير الآمن بدأت نتائجها تظهر أخيراً. ومما يتسم بالأهمية أيضًا وجود عدد قليل من الوفيات والمضاعفات الخطيرة, في كثير من البيئات التي تتسم بقيود قانونية، عندما تستعين النساء بالإجهاض الطبي، وهو اتجاه جرى جمع البراهين عليه للمرة الأولى منذ أكثر من ١٠ سنوات. (8) وفي المجمل، تُعبر هذه الاتجاهات عن آثار فعلية وإمكانية إيجابية للصحة العامة بالنسبة إلى المرأة، ومن المهم كفالة استمرارها.
لقد شهد القرن الماضي شكلاً وطيفًا واسعًا من الأنشطة التي تضمنتها الحملات الوطنية من أجل الإجهاض الآمن والقانوني. وتضم هذه الأنشطة ما يلي: تعديل قوانين الإجهاض، وتقديم الخدمات الآمنة، وإدخال التدريب في المناهج الطبية للأطباء والمستوى المتوسط من مقدمي الخدمة، وتوفير المعلومات والدعم للنساء, وكل تلك الأنشطة انخرطت فيها مختلف الأطراف المعنية من العديد من مجالات الخبرة.
وفي أغلب البلدان التي شهدت نجاح المعارضة لقوانين الإجهاض الصارمة وتغبيرها، كانت التحالفات الوطنية أو المحلية واسعة النطاق قد تشكلت وضمت الناشطات فى مجال صحة المرأة، والمولدات، وأطباء أمراض النساء، وغيرهم من الأطباء والممرضات والقابلات، فضلاً عن مقدمى الرعاية الصحية، ومديرى الخدمات الصحية، والباحثين في المجال الطبي. والإحصائيين, وعلماء الاجتماع، ومقدمي خدمات تنظيم الأسرة, والمحامين, والقضاة، وصناع السياسة, والبرلمانيين, والهيئات الحكومية وغير الحكومية, والمتخصصين فى اقتصادات الصحة, والصحفيين, وقادة المجتمع المحلى, والنقابيين، والنساء والجماعات النسائية على المستوى الشعبي، ناهيك عن الفنانين والروائيين, والمخرجين. وتدريجيًا, وجد كل من يؤمنون بأن النساء يجب ألا تعانى وتموت نظرًا لوجود حمل غير مرغوب فيه, أنهم يعملون معًا من أجل “…. التأثير في الوعي العام والرأى العام، والتخلص تدريجيًا من الآراء التقليدية حول الإجهاض“. (9)
في بعض الأحيان, كان هذا النشاط يبدأ بعدد قليل فقط من الناس. وأحيانًا كان الأمر يستغرق عقدًا من الزمان أو أكثر قبل التوصل إلى كتلة حرجة – أو عندما تثير انتباه الجمهور حادثة نموذجية – يصبح عندها حدوث التغيير مرجحاً. وبالفعل، هناك حملات استمرت لمدة ٣٠ – ٤٠ سنة قبل تشريع قانون جيد، ثم استغرق الأمر عقداً آخر لتنفيذه بالكامل. ومن المأمول أن هذا القدر من الوقت لن يكون ضرورياً في المستقبل، نظراً لزيادة عدد البلدان التي تقتنع بفوائد الإجهاض الآمن.
أما النساء اللآتى سبق لهن الإجهاض، والناشطات في مجال صحة المرأة اللاتى يخبرن قصصهن، فيمكنهن إضفاء وجه إنسانى على الإجهاض من خلال وسائل الإعلام والمطبوعات، ومن خلال الدراما وأداء الأدوار, وفى الاجتماعات العامة. إن القصص الشخصية، وليس البيانات فحسب, تساعد على عدم تجاهل تبعات الإجهاض غير الآمن، لقد تحدثت النساء الشهيرات بصراحة في عديد من البلدان (من بين الأمثلة العديدة, هناك ألكساندرا كولونتاى فى روسيا السوفيتية السابقة, وسيمون دي بوفوار فى فرنسا)، لكن مفتاح النجاح يتمثل في إشراك النساء على مستوى القواعد الشعبية، فضلاً عن إشراك مقدمى الرعاية الصحية, والروابط المهنية, وصناع السياسة، فهذا هو أوثق طريق لتحقيق إصلاح النظامين القانوني والصحي.
يجب أن يتولى قطاع الصحة العامة مسئولية كفالة توفير الإجهاض الآمن، سواء طبيًا أو جراحيًا مع الإقرار بأن القطاع الخاص (غالبًا غير الربحي) في بعض البلدان يعوض عن فشل خدمات الصحة العامة في هذا المجال. وفى حالات عدم قدرة قطاع الصحة العامة على تولى هذه المسئولية، يصبح تمكين العيادات غير الهادفة للربح بديلاً حيوياً، وقد حقق نجاحاً في كثير من البيئات عبر أنحاء الكوكب. كما بات واضحاً ضرورة قيام الحكومات بتنظيم خدمات الإجهاض في القطاعين العام والخاص في جميع البلدان من أجل ضمان جودة الرعاية، والمعاملة الإنسانية، والاستخدام الآمن للوسائل, وتوفير الخدمات مجاناً أو بتكلفة تقدر عليها حتى أفقر النساء. وقد قامت منظمة الصحة العالمية في عام ۲۰۰۳ (١٠) بطبع ونشر إرشادات حول أفضل السياسات والممارسات المرتكزة بصرامة على الأدلة ومبادئ الصحة العامة، ويجب اعتبارها قراءات ضرورية في جميع البلدان.
وعلى الرغم من أن المضاعفات الخطيرة للإجهاض غير الآمن يمكن أن تسفر عن الوفاة إن لم تُعالج في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، فإن الإجهاض الإرادى يُعد واحدًا من أكثر الإجراءات الطبية المعروفة اليوم بساطة وأماناً، وتصل درجة الأمان إلى حد كبير بحيث لم يعد ضروريًا للمولد أو طبيب أمراض النساء أو أي طبيب آخر أن يتولى بنفسه تقديم هذه الخدمة في الغالبية العظمى من الحالات. ومن ناحية أخرى, يجب أن تكفل السياسات الوطنية تدريب مقدمي الخدمة من المستوى المتوسط لتوفير الإجهاض الطبي والجراحي في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل، على مستوى الرعاية الأولية، وفى الشهور الثلاثة الثانية من الحمل (الإجهاض الطبي) على المستوى الثانوى. ومن الضروري أن يصبح التدريب جزءاً إلزامياً من المنهج الدراسي، وأن يتاح عبر التدريب أثناء العمل للراغبين من مقدمي الخدمة. وعلى الرغم من المقاومة التي يمكن أن تترتب على ذلك، فإن هذه القضية يجب مواجهتها، وخاصة في البلدان التي تعاني نقصاً في الأطباء الراغبين أو القادرين على إجراء الإجهاض، وهو الأمر الذى يؤدى فى حد ذاته إلى الحد من إمكانات النفاذ إلى الخدمات.
لقد صار توسيع وكحت الرحم, لسنوات عديدة الآن, وسيلة عتيقة الطراز للإجهاض، ويُعد استمرار استخدامها مسئولاً عن ارتفاع مستوى المضاعفات في كثير من البلدان. إن استمرار انتشار استخدام توسيع وكحت الرحم فى كثير من البلدان النامية (*) والبلدان في مرحلة الانتقال يعتبر فشلاً للمهن الطبية في مجال ممارسة الطب المبنى على الأدلة. لقد تأخرت الجمعيات الطبية المهنية فى شن الحملات من أجل الإصرار على إحلال أسلوب تفريغ الرحم بالشفط محل توسيع وكحت الرحم. وهناك دعوات أيضًا لزيادة مستويات إنتاج أدوات التفريغ بالشفط وتوسيع نطاق توزيعها، سواء من أجل المساعدة على إيجاد الطلب أو من أجل تلبيته.
وهناك أيضًا الإجهاض الطبى – باستخدام عقاري ميفبريستون أو ميسوبروستول – والذي يُعد أمنًا وفعالاً, ويمكن أن يتولى تقديمه الآن مقدمو الخدمة من المستوى المتوسط. ونظرًا لأن العقارين غير مسجلين في براءات،
يمكن إذن تصنيعهما كعقاقير حيوية وقبول استخدامهما في جميع البلدان التي تبيح قوانينها الإجهاض في أي حالة من الحالات.
ولا يوجد أى عدد لإجراء عملية الإجهاض دون تخفيف الألم، على الرغم من وجود تقارير واسعة النطاق تشير إلى أن هذه الممارسة تعتبر شكلاً من أشكال عقاب المرأة لسعيها للإجهاض. هناك حاجة لشن حملات بين المهنيين في مجال الصحة لزيادة حساسيتهم تجاه أسباب لجوء النساء إلى الإجهاض، ولمواجهة وشجب السلوك القاسي والعقابي غير المقبول: بما في ذلك ما يحدث للنساء اللاتي يدخلن إلى المستشفيات بسبب مضاعفات الإجهاض غير الآمن. (۱۲) وهناك ضرورة أيضًا لشن الحملات بين المتخصصين في مجال الصحة من أجل تقليص الشعور بالوصمة الناجم عن إجراء الإجهاض, ومن أجل جذب أولئك المتعاطفين مع احتياج النساء للإجهاض ولتدريبهم كمقدمي خدمة، والسعي نحو اعتبار تقديم خدمات الإجهاض مسار عمل مقبول.
وهناك ضرورة لإعطاء مزيد من الانتباه إلى الإجهاض في الشهور الثلاثة الثانية من الحمل، حيث يكون الإجهاض غير آمن بوجه خاص في البيئات المقيدة قانونًا، وأحد الأسباب المهملة والخفية لوفيات الأمهات. (13) إن تقنين الإجهاض في شهور الحمل الثلاثة الأولى بناء على الطلب يُعد خطوة مهمة للأمام، لكنه لا ينفى الحاجة إلى الإجهاض فى الشهور الثلاثة الثانية من الحمل – ليس على أساس تشوه الجنين فحسب، وإنما أيضًا بالنسبة للنساء الأكثر عرضة للتأثر ولم يقدرن على الوصول إلى خدمات الإجهاض في فترة مبكرة.
ترتبط أسباب سعى النساء للإجهاض ارتباطاً وثيقاً بحياتهن، حتى وإن كان الآخرون لا يجدون أسبابهن مقبولة تمامًا . وعلى سبيل المثال، يمكن القول إن الإجهاض المبنى على انتقاء جنس المولود، أى إجهاض الأجنة الإناث هو نتيجة لتدنى وضع النساء في المجتمع, ويتفاقم نتيجة للسياسات السكانية التي تحد من حجم الأسرة. ولا يمكن عدم إجازته قانونًا من خلال فرض قيود على الإجهاض، ناهيك عن القيود المفروضة على استخدام فحص السائل الأمنيوسي والموجات فوق الصوتية أو غير ذلك من أنواع التكنولوجيا التي تسمح بتحديد جنس الجنين. إن انتقاء جنس الجنين، بوصفه شكلاً من أشكال التمييز ضد البنات, لن يختفى إلا عندما تحظى الطفلة والمرأة بقيمة عالية وبترحيب داخل الأسرة وفي المجتمع مثلها مثل الطفل والرجل. (14, 15)
في جميع مناطق البلدان النامية تتصدر المراهقات والشابات قائمة حالات الإجهاض غير الآمن، وغالبًا في ظل محدودية أو انعدام إمكانات الحصول على موانع الحمل قبل أو بعد الحمل غير المرغوب.
وكجزء من الأمومة الآمنة، يجب الاستعانة بحملات نشر المعلومات حول علامات الخطر من المضاعفات التالية للحمل والولادة، وحول علامات الخطر من مضاعفات الإجهاض، فضلاً عن أماكن تقديم المساعدة.
وقد تشكل وسائل الإعلام قوة سلبية أو إيجابية مهمة في الحملات الرامية إلى الإجهاض الآمن والقانوني. ومن المهم السعة لإشراك الصحفيين ووسائل الإعلام في هذه القضية، وزيادة حساسيتهم تجاهها, وإشراكهم في العمل الوطنى من أجل تحقيق الإجهاض الآمن.
وأخيرًا وليس آخراً، يجب أن تسعى المنظمات غير الحكومية والحكومات والهيئات بين الحكومية سعياً نشطًا نحو الاستعاضة عن هيئات التمويل أو المساعدات الاقتصادية التي تفرض عليهم رقابة أو تمنعهم من العمل من أجل تحقيق ومناصرة أو توفير الإجهاض الآمن والقانونى – مما يشكل انتهاكات لأهدافهم في مجال الصحة العامة، فضلاً عن انتهاك حقوقهم الديموقراطية واستقلالهم الذاتي، ناهيك عن دعمهم لحقوق المرأة.
من النادر بالفعل أن تجد امرأة يمكنها القول إن الإجهاض لم يمس حياتها أبدًا . لقد آن الأوان لكسر حاجز الصمت فى عدد كبير من البلدان والتوقف عن الاعتذار عن إجراء الإجهاض. إن الإجهاض الآمن يُعد بمثابة خدمة صحية جوهرية للنساء. لا تقل أهميته للصحة الجنسية والإنجابية عن أهمية وسائل منع الحمل الآمنة، ورعاية الحمل والولادة الآمنين, والتحرر من القسر والعنف فى العلاقات الجنسية، وتوفير إمكانات الوصول إلى وسائل ممارسة الجنس الآمن.
“… وإلى أن نصل إلى اعتبار إجراء الإجهاض ممارسة مقبولة أخلاقيًا، مثلها مثل استخدام موانع الحمل، لا يمكننا القول بأن النساء قد اكتسبن حقوقهن الإنجابية بشكل كامل“. (16)
إن الأغلبية الساحقة من النساء الساعيات إلى الإجهاض هن أمهات بالفعل أو غير مستعدات بعد ليصبحن أمهات. لا تقدر بعضهن بعد على توفير الدعم لطفل آخر، وهناك الأخريات اللاتي يعتبرن الحمل مفروضاً عليهن. وهناك البعض اللاتي لا يمكنهن تحمل العبء الناتج عن تشوهات الجنين والأخريات اللاتي لا يرغبن في أن يصبحن أمهات على الإطلاق. إن كل امرأة تسعى إلى الإجهاض، تفعل ذلك لأنه ضرورى بغض النظر عن أسبابها، إنه جسدها، وهذه حياتها، ويجب احترام قرارها.
“بعد مرور سنة ، يمكنني أن أقول بشكل مؤكد أننى اتخذت القرار الصحيح. لم أعانه من أى أسف، أو ذنب, أو ألم… إنه فقط الشعور بالراحة لقدرتي على تصحيح خطأ كان يمكن أن يبدل حياتى إلى الأبد… هل كان الجنين بداخلى حيا بشكل ما؟ نعم, بالطبع. هل كانت هذه الحياة مكافئة لحياة الكبار بحيث نقول إن حقوقه كان يجب أن تفوق حقوقى؟ كلا. هل أعتقد أننى ارتكبت جريمة قتل؟ كلا. هل أندم ؟ هل أشعر بالأسف؟ كلا“. (١٧)
توضح هذه الورقة بجلاء أن التشريع، عندما يبيح الإجهاض على أسس واسعة، يؤدى الى انخفاض حالات الإجهاض غير الآمن وانخفاض الوفيات الناتجة عن الإجهاض غير الآمن، مقارنة بالتشريع الذي يضع قيودًا صارمة على الإجهاض. وتُعد هذه الحجة من أهم الحجج المقنعة والقوية من منظور مجال الصحة العامة, لتقنين الإجهاض على أوسع أسس ممكنة. وتكمن قيمة إصلاح قانون الإجهاض في حماية النساء وإنقاذ حياتهن: وهو أمر لا يحتمل الخلاف. وعلى الرغم من قوة المعارضة أحيانا والتراجعات المفجعة في أحيان أخرى، فإن مقتضيات الصحة العامة قد أخذت تكتسب أرضية في أجزاءك عديدة من العالم.
إنني أدين بالشكر إلى كل من قام بمراجعة هذه الورقة وتقديم النصح والمعلومات، بالإضافة إلى جميع المؤلفات/ المؤلفين الذين ترد أوراقهم فى هذا العدد من المجلة.
* محررة مجلة الصحة الإنجابية، والرئيسة المشاركة للاتحاد الدولى للإجهاض الطبي، لندن، المملكة المتحدة
* يعرف الإجهاض غير الآمن بوصلة إجراء لإنهاء الحمل غير المرغوب، إما عن طريق الأشخاص الذين يعتقدون المهارات الضرورية أو في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من المقاييس الطبية، أو كلاهما“. (2)
* في الهند, على سبيل المثال, لا يزال توسيع وكحت الرحم مستخدمًا فى ٨٩% من حالات الإجهاض, بل يعتبر أيضًا وسيلة “للتأكد” بعد تفريغ الرحم بالشفط, كما تشير دراسة حديثة أُجريت في ست ولايات. (11)
1-World Health Organization . Unsafe Abortion : Global and Regional Estimates of the Incidence of Unsafe Abortion and Associated Mortality in 2000. Geneva : WHO , 2004. Full references
available at : < http://www.who.int/reproductivehealth / publications / unsafe_abortion_estimates_04 / estima tes.pdf > .
2-World Health Organization . The Prevention and Management of Unsafe Abortion . Report of a Technical Working Group . Geneva : WHO , 1992 .
3-Cates W. The first decade of legal abortion in the United States : effects on maternal health . In : Douglas Butler J , Walbert DF , editors . Abortion , Medicine and the Law . New York : Facts on File Publications , 1986. p.307-21 .
4-Johnson BR , Horga M , Fajans P. A strategic assessment of abortion and contraception in Romania . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 184-194 .
5-Reproductive Rights Alliance . Five year review of the implementation of the Choice on Termination of Pregnancy Act 92 of 1996. Johannesburg : Progress Press , 2002. Cited in : Cooper D , et al . Ten years of democracy in South Africa : documenting transformation in reproductive health policy and status . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 ) : 70-85 .
6-United Nations Population Division . World Population Prospects 2002. Document POP / DB / WPP / Rev.2002 / 4 / F1 . New York : UN , 2003 .
7-United Nations Population Division . World Abortion Policies 1999. New York : UN , 1999 . ( Wall chart )
8-Costa SH , Vessy MP . Misoprostol and illegal abortion in Rio de Janeiro , Brazil . Lancet 1993 ; 341 : 1258-1261 .
9-Shakya G , Kishore S , Bird C , et al . Abortion law reform in Nepal : women’s right to life and health . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 75-84 .
10-World Health Organization . Safe Abortion : Technical and Policy Guidance for Health Systems . Geneva : WHO , 2003 .
11-Duggal R , Barge S. Abortion Services in India : A Situational Analysis . Abortion Assessment Project – India . Mumbai : CEHAT and Health Watch , 2004. Reported in : Duggal R , Ramachandran V. The Abortion Assessment Project – India : key findings and recommendations . Reproductive Health Matters , 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 122-129 .
12-Steele C , Chiarotti S. With everything exposed : cruelty in post – abortion care in Rosario , Argentina . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 39-46 .
13-Walker D , Campero L , Espinoza H , et al . Deaths from complications of unsafe abortion : misclassified second trimester deaths . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 27 38 .
14-Kishwar M. Abortion of female fetuses : is legislation the answer ? Reproductive Health Matters 1993 ; 1 ( 2 ) : 113-115 .
15-Löfstedt P , Luo S , Johannson A. Abortion patterns and reported sex ratios at birth in rural Yunnan , China . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 ) : 86-95 .
16-Løkeland M. Abortion : the legal right has been won , but not the moral right . Reproductive Health Matters 2004 ; 12 ( 24 Suppl . ) : 167-173 .
17-At : < www.imnotsorry.com > . Accessed 12 January 2005 .