الكتاب المقدس وفقًا لحواء
عرض: منى إبراهيم *
الكتاب المقدس وفقا لحواء: المرأة والكتاب المقدس في عصرنا والعصور القديمة هو كتاب لكالن ميريفي، وهو سكرتير تحرير مجلة الأتلانيتك منثلي. وقد تم نشر الكتاب في نيويورك من دار نشر بيتر دانسون في عام 1998، ويقع في ٣٠٢ صفحة. وينقسم الكتاب إلى افتتاحية وأحد عشر فصلاً بالإضافة إلى تذييل وبيبليوجرافية وحواشي وسبت لأسماء الأعلام.
وينصب اهتمام الكاتب في هذا الكتاب علي دراسة صورة المرأة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد من وجهة نظر النسويات والنسويين علي اختلاف اتجاهاتهن البحثية واهتمامتهن الإنسانية في محاولة للإجابة علي أسئلة مثل: هل كانت المرأة شخصية محورية في عالم إسرائيل القديم الذي تميز بالعداء والعشائرية، بالرغم من الصورة المغايرة التي عادة ما يرسمها الإنجيل؟ وهل تعني قصص الخلق حقيقة أنه ينبغي اعتبار المرأة كائنا تابعا للرجل, كما أدت بنا قرون من التفسير إلى الاعتقاد؟ وكيف قامت المرأة بدور النبية وما مغزي القيام بهذا الدور؟ وفي العهد الجديد، هل يمكن إقامة الحجة علي أن بعض حواريات عيسى قد احتللن مكانة قيادية مثلهن في ذلك مثل تلاميذه من الرجال؟ وإذا كان هذا قد حدث، فكيف تم التقليل من مكانتهن؟ وهل يمكننا معرفة ما إذا كانت النساء قد قمن بكتابة بعض أجزاء الإنجيل العبراني أو العهد الجديد؟
ويعتقد الكاتب أن هدف النسويات والنسويين من محاولة الإجابة علي هذه الأسئلة هو الاعتقاد السائد، وغير القابل للمناقشة، أن الإنجيل العبراني والعهد الجديد يتعاملان مع المرأة بخشونة ويقدمان صورة ظالمة لها علي عدد كبير من الأصعدة. ولذا فهناك حاجة لمعرفة السبب في هذا. والاعتقاد السائد بين مجموعة من النساء أن هناك ماض آخر ينتظر الكشف عنه كما أن هناك عقيدة أخرى بين مجموعة معينة من الباحثات بأن استعادة الماضي قد تساعد علي تغيير الحاضر، أي أنه قد يساعد على إقامة الحجة علي إعطاء النساء فرصة لشغل مناصب دينية يتم استبعادهن منها في الوقت الحالي.
يتناول الفصل الأول من الكتاب بالعرض والتحليل دور اللغة والترجمة والتفسير في تكوين صورة لخلق المرأة كتابع للرجل من حيث أن خلقها قد جاء متأخرا عن خلقه لكي تقوم علي خدمته، بل وإلقاء اللوم علي حواء – التي استسلمت أولا لغواية الحية– في خروج البشرية من الجنة، والذي تم تفسيره لقرون عديدة علي أنه سبب لحرمان المرأة من القيام بالوعظ وبتولي المناصب الكنسية. ويلقي الكتاب ضوءاً خاصا علي حقيقة طالما غابت عن الأذهان وهي أن حركة البحث النقدي والتاريخي في الكتاب المقدس، وهي ثورة بدأت خلال القرن التاسع عشر، اقتصرت حتى عهد قريب علي الرجال فقط، وبالتالي لم يخطر ببال هؤلاء الباحثين أن الطريقة التي يصور بها الكتاب المقدس المرأة أو، وهو الأهم، يقصر عن تصويرها، قد تكون مادة للدراسة، بل لم يخطر ببالهم أن كيفية تعامل الكتاب المقدس مع المرأة قد تكون طريقة غير مناسبة، كما لم يخطر ببالهم أن طريقتهم هم أنفسهم في التعامل مع المرأة قد تكون غير مناسبة.
أما في الفصل الثاني، فيستعرض ميرفي دور اليزابيث كادي ستانتون في إعادة تفسير الأجزاء التي تتناول المرأة في الكتاب المقدس في كتابها إنجيل المرأة والمنشور في عام 1895، وفيه تحاول ستانتون أن تجيب علي بعض الأسئلة ومنها علي سبيل المثال: هل تعني حقيقة قطعة معينة – ولتكن عصيان حواء في الإصحاح الثالث – ما قد قيل أنها تعنيه من قبل المفسرين الذكور علي مدي قرون سابقة؟ وهل من الممكن قراءة هذه الفقرات في ضوء آخر؟ وأي من القصص والفصول التي يمكن اعتبارها، من وجهة نظر المرأة، غير مقبولة وبالتالي إهمالها– بمعني حذفها من النصوص التي تعتبر ثابتة؟
وفي نفس الفصل يعرض الكاتب لكتاب ازدهار المرأة للطبيب والمحامي الألماني هذرشيوس كورنيليوس أجريبا فون نيتشييم الذي قلل من شأن استخدام الكتاب المقدس كأساس لتمييز الذكور (بدون التقليل من شأن الكتاب المقدس في ذاته)، فقد لاحظ ينتشييم أن تدرج الخلق في الكتاب المقدس يتحرك من الأقل شأنا إلى الأعلى شأنا ومن ثم فإن خلق حواء بعد آدم يعني أنها أرفع منه شأنا، كتب أيضًا أن الرجل، أي آدم، ذو عيب خلقي: فقد كان، علي أية حال، فاقدا لأحد أضلاعه، ومن وجهة أخرى، قامت بعض النسويات بتحليل دور بعض نساء الكتاب المقدس من أمثال مريم، أخت موسى التي سميت بالنبية (سفر الخروج 15: 20) والتي ساعدت بني إسرائيل علي الخروج من أرض مصر، واستر زوجة ملك الفرس التي أنقذت اسري بني إسرائيل من الذبح علي يدي هامان (استر ۸).
وقد تمثلت المرحلة الأولى من البحث النسوي في الكتاب المقدس في فكرة أنه يسيئ للمرأة من حيث أنه قد أسيئت ترجمته أو استخدامه. أما المرحلة الثانية فهي في النظرة للإنجيل علي أنه يسئ للمرأة بطبيعته، وقد غذي هذا الاعتقاد المناخ الثقافي المحيط بدراسة الكتاب المقدس من قبل باحثين محدثين، غالبا ما يكونون علمانيين.
وفي الفصل الثالث وهو بعنوان “بيد امرأة” يقدم الكاتب لمنهج جديد في دراسة الكتاب المقدس وهو المنهج النقدي – التاريخي الذي يقوم علي التعامل مع الكتاب المقدس بطريقة موضوعية وليست لاهوتية،بمعني التعامل معه علي أنه نص قديم دون التعرض لصفته الدينية، مما استدعي من الباحثين والباحثات – اللائي زاد عددهن زيادة كبيرة منذ أوائل الستينيات – إلمامًا كبيرًا بمصطلحات وتقنيات النقد التحليلي. فبدأ الباحثون والباحثات في تحقيق النص الأصلي للكتاب القدس بما يعينه هذا من التعرف علي أخطاء النساخ ومحاولة إصلاحها بالإضافة إلى التعرف على هوية من حاولوا نقل نص الكتاب المقدس من عصر إلى عصر ومن لغة إلى لغة أخرى. ويتصل بهذا منهج آخر يحاول الإجابة علي أسئلة مثل: من كتب النص؟ في أي مكان؟ في أي وقت؟ وتحت تأثير أي من نماذج الكتابة الأدبية؟
ويعرض الفصل للدراسات التي قامت بها كل من فيليس ترايبل وماري دالي كنموذجين للاستفادة من هذه المناهج في دراسة الكتاب المقدس من وجهة نظر المرأة، حيث قامت ترايبل بدراسة بعض قصص سفر التكوين في محاضرة بعنوان “هدم الذكورية في تفسير الكتاب المقدس” وفيها تحاول ترايبل استعادة الكتاب المقدس كمصدر روحي للمرأة بعد تبرئة المرأة من تهمة إخراج البشرية من الجنة وهي التهمة التي لازمتها لعصور طويلة من التفسيرات. فقد زعمت ترايبل بأن قصتي الخلق المذكورتين في الكتاب المقدس لا تقولان بما دأبت هذه التفسيرات علي ترديده، فالقصة الأولي تقول بأنه قد تم خلق الرجل والمرأة في نفس الوقت، أما القصة الثانية فهي تقول بأن آدم خلق أولا من طين ثم خلقت المرأة، والتي سميت فيما بعد بحواء، من ضلع الرجل، وبدا خلقها كنوع من الاستطراد. فهل يجب أن تعد المرأة تابعة للرجل لمجرد أنها خلقت بعده في إحدى قصتي الخلق؟ تقول ترايبل أن مجرد خلق المرأة كفعل تال لخلق الرجل لا يعني التبعية والدنو وإلا كان الإنسان أقل مرتبة من الحيوان حيث أن سفر التكوين 24: 1- 27 يعلن بصراحة أن خلق الإنسان كان تاليا لخلق الحيوان، بل ومن الخطأ أساسا اعتبار المخلوق الأول رجلا حيث إن كلمة آدم في العبرية، كلمة خالية من الجنس وتعني البشرية، كما أن خلق المرأة من ضلع هذا المخلوق يعني أنها الأكمل في الخلق، حيث اكتمل جنسي البشرية بعدها، وهي لم تخلق من طين. وبالتالي تعد فيليس ترايبل من أهم المؤيدين لعدم إهمال إعادة قراءة الكتاب المقدس عبر العصور حيث إن إعادة قراءته في ضوء كل عصر تسفر عن تلميع بعض الأحجار الكريمة التي نستطيع استخدامها في عصرنا مثل شخصية يافث في العهد الجديد.
أما ماري دالي فقد ركزت في كتابها الأول “الكنيسة والجنس الثاني” علي دور الدين، وخاصة الكاثوليكية، في قهر المرأة. فقد قالت في هذا الكتاب: أن مؤلفي العهدين القديم والجديد هم رجال عصرهم، ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأنهم قد تحرروا من التحامل ضد المرأة في عصورهم، مما عرضها للفصل من الجامعة واعتبارها امرأة مجنونة وساحرة. ولكن فصلها قد تسبب عنه الكثير من الاعتراضات والمظاهرات مما أجبر الجامعة على إعادتها إلى وظيفتها بل وتثبيتها في هذه الوظيفة.
أما في الفصل الرابع، فيقدم الكاتب لرؤية كارول مييرز لصورة الرب في العهد القديم من وجهة نظر نسوية حيث تزعم مييرز أن صورة المرأة في بعض كتب الكتاب المقدس تمثل تصورا اجتماعيا لدور المرأة في مجتمع بني إسرائيل ولكنه ليس بالضرورة تصويرا للحياة اليومية لهذا المجتمع القديم بناء علي أنه هناك فرق بين التصورات العامة للمجتمع وبين الواقع الاجتماعي للحياة اليومية. ومن جهة أخري، يعرض هذا الفصل لرؤية مييرز لصورة الرب في العهد القديم من حيث كون رب بني إسرائيل محايد الجنس، بل إنه عندما كان يتم وصف الرب مجازيا كانت تستخدم كل من الصور المجازية الذكورية والأنثوية معا، أما الحديث عن الرب كأب فهو تطور متأخر جدا في دين بني إسرائيل وكانت فكرة الرب الأب هذه هي بداية أيضًا للعصر الأبوي الحالي.
ويقدم الفصل الخامس، وهو بعنوان كلمات الحكمة لبعض أفكار دراسة الكتاب المقدس نيكفا فريمر – كينسكي، وهي من الباحثات النسويات المتمسكات بأهمية الدين في حياة المرأة فهي تقول “مع أنني أصبحت نسوية قوية جداً، فلم يكن لدي أبداً هذا الغضب ضد الدين الذي انتاب كثيرًا من زميلاتي، حيث أنني دائما ما عانيت في العالم غير الديني، ويستطرد كاتب الكتاب: “عانت أكثر من مرة التنوير من رجال العلم المحدثين” (صـ ٨٨). ومن هنا انطلقت فريمر في تمحيص آيات الكتاب المقدس بحثا عن تقديم عادل للمرأة بين سطوره، وقد خلصت إلى أن الكتاب المقدس هو كتاب يذكر أسماء الكثير من النساء، بل ويعطيهم أدوار بطولة متعددة فمنهن أربع نساء أطلق عليهن اسم نبيات وهن: مريم وهولده ونودياه وامرأة أشعيا، كما أن ثلث حالات تسمية الأطفال المذكورة في الكتاب المقدس تمت من قبل نساء ولهذا معني كبير حيث أن هذا الفعل يضع لمعطي الاسم سلطة علي حامل الاسم (صـ ١٠٠)، هذا بالإضافة إلى تقديم شخصيات ذات قوة ونفوذ مثل استر وايزابيل اللتين يذكر أنهما قد كتبنا خطابات، ومن هنا يبرز السؤال: هل كانت المرأة تتلقى تعليما في ذاك الحين، أم أن القراءة والكتابة قد اقتصرت علي بعض الحالات الخاصة مثل بنات الملوك، وهي حالة إيزابيل؟ وهل يمكن، بناء علي هذا، أن تكون المرأة قد قامت بكتابة بعض الأسفار مما يفسر هذا الحضور القوي للمرأة في بعض الأسفار؟ ومع الاعتراف بأن هذا قد يكون احتمالا بعيدا في عصر لم يكن الكثير من الرجال يعرفون القراءة والكتابة، تبرز فكرة أن المرأة قد ساهمت في كتابة العهد القديم بطريقة غير مباشرة عن طريق انتقال بعض القصص والأغاني الشعبية، التي هي عادة من إبداع النساء، إلى أسفار العهد القديم، وهذا ما كشفت عنه نصوص نجع حمادي.
وبينما ينصب الاهتمام في الفصل الخامس علي البحث في الصور الإيجابية للمرأة في الكتاب المقدس، فإن الفصل السادس يقدم بعض الصور السلبية للمرأة كغاوية ومخادعة في بعض قصص الكتاب المقدس من خلال دراسات بعض كتابات النسويات من أمثال استر فاكس وسوزان ومايكي بال لدور المرأة في هذه القصص ومقارنته بدور الرجال فيها وفي غيرها. فعلي سبيل المثال يقدم الفصل قصة شمشون ودليله التي يتم تصوير دليله فيها علي أنها امرأة مخادعة أغوت شمشون وأوقعته في شباكها، في حين تم تقديم شمشون كرجل شريف وحسن النية، بالرغم من عدم وجود توصيف لشخصية أيهما في الكتاب المقدس، بل أنه كثير ما يتم إغفال حقيقة أن من دفع دليله لما قامت به هم مجموعة من الرجال كما يتم التقديم في الفصل لمحاولات النسويات في المقارنة بين ما تتعرض له المرأة من عقاب في حالة ارتكاب لخطأ ما بينما ينجو الرجل بأخطائه كما هو الحال مع إيزابيل التي تأكلها الكلاب كعقاب علي هذا جرائمها، بينما يمنح الملك داوود الذي يخدع زوجته المخلصة ويرتكب جريمة الزنا فرصة للتوبة. وتمتد المناقشة لتشمل مقارنة فداء إسحاق ابن إبراهيم بكبش عظيم قبل ذبحه، بينما تقدم ابنة (القضاة 11) كأضحية دون محاولة لفدائها، ودون حتى منحها اسما في الكتاب المقدس.
ويتناول الفصل السابع، وهو بعنوان “هل كان المسيح نسوياً؟” بعض صور التعامل الإيجابي مع المرأة في العهد الجديد مثل تشجيع المسيح لماري علي تلقي العلوم الدينية دون الانشغال بالأعمال المنزلية، من وجهة نظر بعض الباحثين أمثال ليونارد سويدلر، ولكن تقديم المسيح كزعيم لثورة اجتماعية راديكالية يثير حفيظة بعض النسويات، ومن بينهم كاثلين كورلي التي تزعم أن المسيح ما هو إلا رجل من أبناء عصره، وهو عصر كانت للمرأة فيه بعض الحقوق، علي عكس ما يشاع، ومنها حق الزعامة وحق تطليق نفسها. كما تعزي كورلي تقديم الصور الإيجابية للمرأة في العهد الجديد إلى محاولة لجذب جماهير النساء للدعوة الجديدة، وإن كانت هذه الصور في مجموعها تخص المرأة في دورها التقليدي ككائن تقل مرتبته بالضرورة عن مرتبة الرجل، فحتى في قصة ماري ومارثا التي يشجع فيها المسيح ماري علي تلقي العلم، تجلس ماري تحت قدميه وتظل صامتة طوال حديثه، وكان بالأحرى بنسوى أن يجلسها بجانبه ويسمح لها بمناقشته کند له.
وفي الفصل الثامن، وهو بعنوان “مولود لامرأة“، يقدم كالن ميرفي عرضا لبعض الدراسات الإنجيلية الخاصة بالسيدة مريم العذراء وما قدمته هذه الدراسات، وخاصة النسوية منها، حول مكانة مريم في العهد الجديد ومغزي عذريتها، حيث تركز بعض الدراسات النسوية علي عدم ذكر أية معلومات تاريخية عن مكان ميلاد مريم واسم أبويها بالرغم من كونها أم المسيح وما يعطيه هذا لها من مكانة. أما عذرية مريم فقد سببت الكثير من الحساسية لدى بعض الكاتبات النسويات، حيث رأين في هذه العذرية والإعلاء من شأنها في العهد الجديد دلالة علي إدانة الحس الجنسي عند المرأة، وخاصة عند بعض المفسرين الذين يصرون علي عذرية مريم حتى بعد ولادتها للمسيح، حتى أنهم يفسرون ذكر أخوة وأخوات ليسوع صراحة في النص الإنجيلي علي أنه ذكر مجازي بينما هم في حقيقة الأمر أبناء عمومة أو هم أبناء يوسف من زواج سابق، في محاولة لنفي تهمة إقامة العلاقات الجنسية عند مريم حتى في إطار الزواج.
ويتناول الفصل التاسع من الكتاب قضية الزعامة الدينية للمرأة من خلال عرض لوجهة النظر السائدة بعدم إمكانية المرأة تولي المناصب الكنسية العليا بحجة أن المسيح نفسه كان رجلاً وكذا جميع تلاميذه الاثني عشر، أما وجهة النظر الأخرى فمن المفارقة أنها تأتي من قبل بعض النسويات من داخل المؤسسة الكاثوليكية نفسها وتقوم حجتهن علي أن وجود المرأة في المناصب الكنسية القيادية سوف يدعم من أركان المؤسسة الدينية التي تقوم في مجملها علي السيطرة الذكورية في حين أن الهدف هو إعادة خلق المسيحية من منظور راديكالي جديد. أما النسويات المؤيدات لوجود المرأة ضمن نسق القساوسة فيقمن حجتهن علي أن المرأة قد تولت مناصب دينية رفيعة منذ بدايات اليهودية الأولي وتستشهدن بحالات روفينا ومارين وصوفيا وفيتوريا وبولا وجودينيتا وغيرهن من النساء اليهوديات، حيث أنه رغم قلة عدد النساء بالنسبة لعدد الرجال في هذه الحالة إلا أن عددهن ليس بالقليل أيضًا وبالتالي كان تهميش دورهن هو مجرد وجه آخر لتهميش دور المرأة في كل المجالات بصفة عامة.
وفي الفصل العاشر يتم التركيز علي قصة مريم المجدلية في العهد الجديد والدور المحوري الذي لعبته هذه الشخصية في قصة قيامة المسيح واكتشافها للقبر الفارغ، فبينما تتخذ الباحثات المتخصصات في دراسة الكتاب المقدس من هذه الواقعة دليلا علي أهمية هذه المرأة في حياة المسيح ويخلصن من هذا إلى أهمية دور المرأة بصفة عامة، يحاول بعض الدارسين الآخرين للعهد الجديد تهميش هذا الدور استنكارًا لأن يكون هناك قبل هذا الدور إلهام للمرأة في أحد أهم أحداث العهد الجديد، وخاصة إذا كانت هذه المرأة عاهرة في سابق عهدها. وترجع النسويات هذا التجاهل أيضًا لما كان ما بين مريم المجدلية وبطرس من صراع خفي حتى أن بولس لا يذكر مريم المجدلية علي الإطلاق فيمن يظهر لهم المسيح بعد القيامة وتزعم إحداهن وهي كارين كينج أن بطرس كان أقل تلاميذ المسيح ذكاءًا وكان كثيرًا ما يثبت خطأه، ومن وجهة نظر بطرس كانت مريم كثيرة الكلام والأسئلة، ولكن في النهاية يثبت أنها علي حق. ومن هنا، حسب رؤية كينج كان علي المسيحيين الذكوريين، كما هو الحال عند أصحاب الديانات الأخرى، تشويه سمعة هذه المرأة الجنسية – خاصة – حتى لا ترقي إلى مرتبة النبوة وهي طريقة متعارف عليها للتقليل من شأن المرأة في الحياة الدينية.
وفي الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب يتم التركيز علي إنجيل بولس وكيف أن موقفه من المرأة يتميز بالتناقض بين إنصاف المرأة والإعلاء من شأنها بصفتها مساوية للرجل وبين التقليل من شأنها بصفتها تابعة للرجل ومسخرة لخدمته والتسرية عنه، وهذا من خلال بعض الآيات المؤيدة لكلا الموقفين. ولكن الفصل يحتوى أيضًا علي بعض التفسيرات التي قدمتها بعض النسويات لمثل هذه المواقف حيث تري روس سي. كريمر أنه يمكن تفسير هذه التناقضات بأنها إضافات تم نسبها لهذا الإنجيل في عصور لاحقة من قبل الرجال الذين نسخو الإنجيل علي مر العصور والذين تميزوا بشدة التقوى والإخلاص، ولهذا يجب قراءة نص بولس على أنه يمكن أن ينسب إليه في معظمه ولكن جزءًا منه أيضًا ينتمي بوضوح لفكر هؤلاء الرجال.
وبهذا يقدم كالين ميرفي في هذا الكتاب دراسة وافية لصورة المرأة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتفسيراتهما المختلفة من وجهة نظر بعض النسويات والنسويين من دارسي الكتاب المقدس والباحثات في مجال الدراسات اللاهوتية. وتخلص القارئة لهذا الكتاب إلى أن هناك اتجاهين رئيسين لتناول هؤلاء النسويات للكتاب المقدس، أحدهما يقوم علي الزعم بضرورة تجاهل ما يختص بالمرأة في الكتاب المقدس، وإن لم يكن الكتاب بأكمله حيث أنه ملئ بالصور السلبية للمرأة وبالتعاليم التي تكرس تبعية المرأة للرجل ودنو شأنها بصفة عامة. أما الاتجاه الآخر فيقوم علي إعادة قراءة الآيات الخاصة بالمرأة في العهدين القديم والجديد قراءة جديدة في ضوء النظريات المختلفة للنقد النسوي مع اعتبار أن الصور السلبية التي تنسب إلى الكتاب المقدس ما هي إلا تفسيرات قدمها ذكور، هم في مجموعهم نتاج مجتمعاتهم الأبوية، وبالتالي توجد مساحة كبيرة للاختلاف مع كثير من هذه التفسيرات، وخاصة عند مضاهاتها بآيات أخرى تقدم صورا أكثر إشراقا يصعب معها تصديق القول بأن الكتاب المقدس معاد للمرأة.
The Word According to Eve: Women and Bible in Ancient Times and Our Own. Cullen Murphy, Boston, New York, Houghton Mifflin Company. A Peter Division Book, 1998
* أستاذة مساعدة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب/ جامعة القاهرة، عضوة بفريق “قالت الراوية” – ملتقى المرأة والذاكرة.