الكفاح من أجل إصلاح قانون الإجهاض في تايلاند

الكفاح من أجل إصلاح قانون الإجهاض في تايلاند

أندريه ويتاكر (*) 

ترجمة أحمد محمود

ملخص: الإجهاض في تايلاند غير قانوني باستثناء الحالات التي يشكل الإجهاض فيها خطرًا على صحة المرأة، أو إذا كان الحمل نتيجة لاغتصاب أو غير ذلك من الجرائم الجنسية. وتقدم هذه الورقة استعراضاً تاريخيًا للجدل حول الإجهاض في تايلاند اعتماداً على الإبحاث التي أُجريت في الفترة من ۱۹۹۷ إلى ۲۰۰۱ من أجل دراسة إنتوجرافية وتاريخية. وقد تم الحصول على المعلومات من التقارير الإعلامية منذ عام 1950 في الصحافة الصادرة بلغة التاي واللغة الإنجليزية، واستعرض للسجلات البرلمانية ومقابلات مع ١٠ إخباريين مهمين. بدأ الجدل بشأن الإصلاح القانوني في عام ١٩٧٣ ، وفى عام ۱۹۸۱ تمت الموافقة على مشروع لتعديل القانون في مجلس النواب إلا أنه لم يحظ بالموافقة في مجلس الشيوخ، وكان ذلك مرجعه في المقام الأول إلى جهود الحشد التي قام بها تشاملونج سريموانج زعيم التحالف الديني ذي القاعدة العريضة الذي كان له دور أساسي في حركة معارضة الإصلاح منذ ذلك الحين. وتقدم الحكومة الحالية المنتخبة ديمقراطيًا في تايلاند أفضل أمل حتى الآن للإصلاح، وإن ظل الإجهاض قضية حساسة من الناحية السياسية، حيث تقدم بطريقة ذات صبغة عاطفية في الصحافة للتصدي لجهود الإصلاح. وقد تشكلت مؤخرًا شبكة دفاع جديدة تشمل مجموعة من المنظمات النسائية، والنشطاء فى مجال الصحة العامة، والأكاديميين، والصحفيين. ويمكن للمقترحات الحالية المقدمة من الجهات الحكومية والمهنية الطبية أن تجعل الإجهاض متاحاً لبعض النساء، ولكن أغلب النساء اللائي يسعين للإجهاض لأسباب اجتماعية واقتصادية وبغرض تنظيم الأسرة، فسوف يضطرون للبحث عن الإجهاض بأي وسيلة تمكنهن.

* The Struggle for Abortion Law Reform in Thailand.

Andrea Whittaker. Reproductive Health Matters 2002; 10 (19):45 – 53

كلمات مفتاحية:

الإجهاض السري وغير الآمن، قانون وسياسة الإجهاض، البوذية، تايلاند طوال الثلاثين عاماً الماضية كان الإصلاح القانوني لقوانين الإجهاض في تايلاند موضوع نقاش وجدل. فالقانون الحالي يحظر الإجهاض إلا عندما يقوم به ممارس طبي من أجل صحة المرأة أو إذا كان الحمل نتيجة لاغتصاب أو اتصال جنسي غير قانوني (1). وتُعرف”الصحة” في هذه الحالة تعريفاً ضيقًا باعتبارها ما يهدد صحة المرأة الجسمانية. بالرغم من عدم قانونية الإجهاض فإن التقديرات تشير إلى إجراء ما بين ۸۰۰ ألف و ٣٠٠ ألف عملية إجهاض سنويًا. ومع أن غالبية تلك العمليات يجريها ممارسون طبيون مدربون، يظل الحصول عليها مشكلة بالنسبة للعديد من النساء، كما يتم استخدام تقنيات يحتمل أن تكون غير آمنة مثل التدليك والحقن التي تعطى في الرحم والعضل والأدوية التي تتناولها المرأة بدون استشارة طبيب. وبالإضافة إلى الوفيات نتيجة للمضاعفات الناجمة عن عمليات الإجهاض غير القانوني، يتم الإبلاغ عن مضاعفات أخرى تشمل الإصابة والعدوى والعقم، وهو ثمن باهظ يتحمله جهاز الصحة العمومية التايلاندي (1 – 7). وتتكفل مداهمات الشرطة بين الحين والآخر لعيادات الإجهاض لتنفيذ القانون بتكريس مناخ عدم الآمان والسرية الذي يسم تجربة الإجهاض. وتقدم هذه الورقة رواية لتاريخ الإصلاح القانوني في تايلاند والاحتمالات المتاحة أمامه حاليًا. وهي مستمدة من الأبحاث التي أُجريت في الفترة من عام ١٩٩٧ إلى عام ٢٠٠١ من أجل دراسة إثنوجرافية وتاريخية للإجهاض غير القانوني. والمعلومات مأخوذة من التقارير الإعلامية في الفترة من عام 1950 إلى عام ٢٠٠١ في الصحافة الصادرة باللغتين الإنجليزية والتاي، واستعراض للسجلات البرلمانية، ومقابلات مع ١٠ إخباريين رئيسيين من بينهم عاملون في المنظمات غير الحكومية المعنية بالأمر، وبرلمانيون سابقون، وناشطون، وموظفون حكوميين. وغطت المقابلات مشاركتهم الشخصية في القضية.

يظل الحمل غير المخطط معضلة شائعة بالنسبة للنساء بالرغم من ارتفاع معدل استخدام وسائل منع الحمل في تايلاند. وطبقًا لتقارير المكتب الإحصائي القومي فإنه في عام ۱۹۹۷ كان انتشار استخدام وسائل منع الحمل بالنسبة للنساء المتزوجات في سن الإنجاب (١٥ – 44) 75.2%. وحبوب منع الحمل هي الشكل الأكثير شيوعاً من وسائل منع الحمل التي يستخدمها المتزوجون (28.4%) ويليها في المرتبة الثانية تعقيم النساء (23.9%) (۱۳). وأظهرت دراسة أجريت مؤخراً على ٨٠ امرأة كان حملهن غير مخطط أنه بالرغم من استعمال كل النساء اللائي شملتهن الدراسة لإحدى وسائل منع الحمل فقد حملن إما لأنهن استخدمن تلك الوسيلة بطريقة غير صحيحة، أو توقفن عن استخدامها بسبب آثارها الجانبية، أو أن الوسيلة نفسها لم تحقق الأثر المطلوب. وكانت معرفة النساء المتزوجات بوسائل منع الحمل محدودة، وكذا قدرتهن على الوصول إلى المعلومات وكن يملن إلى الاعتماد على الوسائل ذات معدلات الفشل المرتفعة مثل عد الأيام والامتناع عن الجماع (14).

وثق عدد من الدراسات في تايلاند حدوث عواقب صحية ومراضة ووفيات، وكذلك ممارسات وصفات مقدمي الإجهاض (٣ – 6 ، 8 – 12) ، في المناطق الحضرية تجرى عمليات الإجهاض في السر وبواسطة عاملين طبيين مدربين في العيادات والمستشفيات الخاصة. وتتفاوت نوعية الرعاية في تلك العيادات وترتفع التكلفة بسبب عدم قانونية العملية. ومع ذلك فإن الكثير من النساء القرويات الفقيرات ليست لديهن موارد مالية للوصول إلى تلك العيادات.

وتأتى أحدث المعلومات من دراسة شملت العديد من القطاعات مولتها منظمة الصحة العالمية، أجريت في عام ۱۹۹۹ في ٧٦ مقاطعة. ومن بين إجمالي 45990. امرأة ترددن على للمستشفيات العامة بأعراض ذات صلة بالسقط التلقائي أو الإجهاض أجرى لـ ٢٨.٥% منهن عمليات إجهاض متعمد (19.54 مقابل كل ۱۰۰۰ ولادة حية). إلا أن ذلك المسح لم يتمكن من جمع بيانات من المستشفيات والعيادات الخاصة، ولذلك فمن المرجح أن يكون هذا التقدير أقل من الواقع. ووثقت الدراسة ١٤ حالة وفاة نتيجة للتسمم الدموي (0.11%) في أعقاب عمليات الإجهاض المتعمد. وأظهرت المقابلات مع عينة من ٤٥٨٨ امرأة أن أسبابهن الأساسية للإجهاض اجتماعية اقتصادية (56.8%) أو ذات صلة بتنظيم الأسرة، مثل الحمل في سن غير مناسبة، أو الحمل على فترات قريبة، أو تحقق حجم الأسرة المرغوب (34.4%). وشملت وسائل تحفيز الإجهاض حقن أو إدخال مواد في القناة المهبلية (40.6%) أو اللبوس المهبلي (13.6%) أو الأقراص التي تؤخذ عن طريق الفم (11.6%) أو التدليك (11%). كما حاولت ١٢% من النساء اللائي أجريت معهن مقابلات تحفيز الإجهاض بأنفسهن، وعانت ٤٠% منهن من مضاعفات خطيرة، بما في ذلك النزيف (8.11%) والتسمم الدموي (12.4%) ومرض التهاب الحوض (۱۲%) وثقب الرحم (7.4%) (٢).

تشير الأبحاث التي أجريت في شمال شرق تايلاند (15، 16) إلى أن التكنيك الأكثر شيوعًا الذي تستخدمه النساء القرويات هو استخدام عشب محفز للإجهاض معروف باسم”يا ساتري” (دواء النساء) أو”يا خاب ليوات” (دواء لإنزال الدم) ومن بين ١٦٤ امرأة قروية أجريت معهن مقابلات في أحد المسوح، استخدمت ١٦% منهن”يا ساتري” لتنظيم حيضهن (١٥). وتستخدم نساء كثيرات عقاقير دوائية يشيع توفرها. وأُبلغ كذلك عن استخدام عقار الميسوبروستول وقد جرى تقييد استخدامه مؤخراً، بحيث لا يتوفر إلا من خلال وصفة طبية من أحد المستشفيات (۱۷).

يعتبر الإجهاض عملاً مدمراً للحياة، ويمثل بالتالي”باب” (خطيئة) بوذية خطيرة. وقد أفادت العديد من النساء القرويات أن خوفهن من الـ”باص” هو السبب في اختيارهن الاستمرار الحمل غير المخطط له. في وعمليات الإجهاض التي تُجرى بعد”الإحساس بحركة الجنين” في الشهر الثالث أو الرابع تعتبرها النساء تنطوي على قدر أكبر من النقص من عمليات الإجهاض التي تتم قبل ذلك (١٦).

تشير”بينيت راتانكول” الخبيرة في مجال أخلاقيات العلوم الحيوية إلى أنه بالرغم من رفض البوذية ذات الصبغة المؤسسية للإجهاض، فإن معظم البوذيين التايلانديين يتفقون على سبيل وسط بشأن أخلاقية الإجهاض (١٨). وهذا”السبيل الوسط” واضح في عدد من الدراسات التي أجريت على القبولية الاجتماعية للإجهاض التي تبين أن الجمهور التايلاندي على استعداد للسماح بالإجهاض في ظروف بعينها غير مسموح بها حاليًا طبقًا للقانون (۱). وفي عام ۱۹۸۲ اكتشف معهد الدراسات السكانية (19) أن غالبية النساء الريفيات والحضريات المستجيبات وافقن على الإجهاض عندما لا يكون بإمكان الأمهات المريضات عقلياً أو المعوقات تربية الطفل، أو إذا كان هناك احتمال حدوث مرض وراثي. وأيد نصف النساء الريفيات والحضريات (٤٤ – ٤٥%) حصول النساء غير المتزوجات على الإجهاض. وفي عام ١٩٨٦ أيد ٦٩% من العاملين في المهن الطبية وجود قانون للإجهاض أكثر تحرراً بينما أيد ١٩% أن يكون الإجهاض قانونيًا بشكل كامل. وقد عبروا عن موافقة عريضة على الإجهاض في حالات المرض العقلي والتشوهات المميتة (20). وأظهر مسح أجري في عام ۱۹۹۸ للعاملين في المهن الطبية في بانكوك أن الغالبية تؤيد حصول النساء الحاملات لفيروس نقص المناعة الطبيعية أو اللائي أصبن بالحصبة الألمانية على الإجهاض. إلا أنه كان هناك قدر قليل من التأييد للإجهاض على أسس أخرى. ولم يؤيد ٧٠% من طلاب الطب والتمريض الإجهاض بناءً على العوز الاقتصادي، أو حجم الأسرة الكبير، أو كون الأم ما زالت طالبة، أو من الأمومة المنخفض أو المرتفع (21).

تضمن القانون السيامي القديم، قانون الأختام الثلاثة لراما الأول (١٨٠٥ ميلادية)، على عقوبة الجلد والسجن والغرامة لأي شخص يتسبب في الإجهاض (22). وكان

ملخص تشريع الإجهاض التايلاندي لعام ١٩٥٧

  •  يعاقب المرأة التي تحدث الإجهاض لنفسها أو تسمح لآخر بتدبير إجهاضها: ٦٠٠ باهت (العملة التايلاندية) أو السجن ثلاث سنوات، أو كلتا العقوبتين (القسم ٣٠١)
  •  يعاقب القائم على الإجهاض أو مدبره: أقصى غرامة ٢٠ ألف باهت أو السجن عشر سنوات في حالة وفاة المرأة (القسم ۳۰۲)
  •  يعاقب تدبير الإجهاض أو القيام عليه بدون موافقة: أقصى غرامة ٤٠ ألف باهت أو السجن عشرون سنة إذا تسبب في وفاة المرأة (القسم ۳۰۳)
  •  يعفي من المقاضاة محاولات الإجهاض غير الناجحة أو غير المنتهية (القسم ٣٠٤)
  •  يسمح بإجراء الإجهاض بواسطة ممارس طبي إذا كان ذلك ضروريًا لصحة المرأة، أو إذا كان الحمل نتيجة لاعتداءات مثل الاغتصاب، أو إغواء فتاة دون الخامسة عشرة، أو الغش، أو الخداع، أو العنف في تدبير الجنس أو الإغواء (القسم ٣٠٥) (۱)

المجهض يواجه عقوبة الموت في الحالات التي تموت فيها المرأة. والسوابق القضائية الحديثة لقانون الإجهاض الحالي تعود إلى إصلاح القانون الجنائي في عام ١٩٠٨. وقد حظر ذلك الإصلاح الإجهاض في كل الحالات وعاقب المجهضين والنساء اللائي يسعين إلى الإجهاض بالغرامة والسجن. وسمحت التعديلات التي أجريت في عام ١٩٥٧ ، في أعقاب مراجعة استمرت عشر سنوات للقانون الجنائي خلال فترة حكم رئيس الوزراء فيبولسونكرام، بالإجهاض في حالة الاغتصاب أو احتمال تعرض صحة المرأة للخطر.

كان عام ۱۹۷۳ بداية الاعتراف العام بالإجهاض وأولى المناقشات بشأن الإصلاح القانوني. وقد أدت ثلاث ندوات قومية عن السكان في عامي ١٩٦٣ و ١٩٦٨ إلى التركيز من جديد على الإنجاب في تايلاند. وبحلول عام ١٩٦٨ كانت وزارة الصحة العمومية قد أصبحت مشاركة بشكل مباشر في توفير خدمات تنظيم الأسرة وفي مارس من عام ۱۹۷۰ أعلن مجلس الوزراء أول سياسة لتنظيم الأسرة في تايلاند، وأُدمج”برنامج تنظيم الأسرة القومي”في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية القومية الثالثة” (١٩٧٢ – ١٩٧٦). وشهدت تلك الفترة كذلك تكوين عدد من المنظمات غير الحكومية التي شاركت في أنشطة تنظيم الأسرة، مثل”خدمة تنظيم الأسرة القائمة على المجتمع” التي أنشأتها ميتشاي فيرافايديا (وتسمى الآن”جمعية السكان وتنمية المجتمع”) و”جمعية الوالدية المخططة التايلاندية”. وبحلول عام ١٩٧٦ كانت حبوب منع الحمل واللولب والتعقيم تقدم مجاناً في المراكز الصحية الحكومية وكانت هناك زيادة سريعة في استعمال وسائل منع الحمل من 15% من النساء المتزوجات على المستوى القومي في ۱۹٦٩ – ۱۹۷۰ إلى ٦٥% بحلول عام ١٩٨٤ (23). ومع ذلك لم تكن وسائل منع الحمل متاحة بصورة عامة للنساء غير المتزوجات.

كان الدكتور سوبورن كويتساوانج، الرئيس السابق لوحدة تنظيم الأسرة بمستشفي سيريراج، أحد الشخصيات البارزة في النقاش العام حول الإجهاض في تايلاند. وقد أوردت الصحف بحثه الذي أجراه عن العدد”المرتفع على نحو مفزع” للمريضات اللائي يعالجن من المضاعفات في مستشفى سيريراف في أعقاب عمليات الإجهاض غير القانونية في الفترة من عام ١٩٦٨ إلى عام ۱۹۷۱ ، وقد أدى البحث إلى اهتمام كبير بالأمر (٢4). لعب د. سوصورن دوراً محورياً، بدعم من المهنيين الطبيين وبعض المنظمات غير الحكومية، في ضمان استمرار النقاش بشأن الإصلاح من خلال استراتيجية متكاملة شملت نشر نتائج أبحاثه، والحشد السياسي، والتعليقات الإعلامية.

وخلال تلك الفترة كذلك بدأ عدد من أعضاء البرلمان والعاملين في مجال الصحة في حشد التأييد للإصلاح القانوني. وحدث ذلك في سياق نشاط سياسي واسع المدى تناول فيه أعضاء المهن الطبية مجموعة من القضايا الاجتماعية. وكما يشير بامبر (٢٥) فإن المهن الطبية شاركت بقوة حركة الاحتجاج السياسي المرتبطة بانتفاضة الطلبة في الرابع عشر من أكتوبر عام ١٩٧٣ ضد نظام تانوم كيتيكاتشورن. وأدى سقوط النظام التايلاندي إلى فترة قصيرة من الحكم الديمقراطي، شهدت وعيًا متزايدًا بالقضايا الاجتماعية بين صفوف جميع المهن تناولت بالتمحيص العديد من البنى القانونية والاجتماعية في تايلاند.

وكانت أول مناقشة لإصلاح قانون الإجهاض في تايلاند في الصحف التايلاندية مقالاً بقلم”سامات كايوروت” بعنوان”حل مشكلة الإجهاض بالطريقة الخطأ”. وقد اقترح توفير وسائل منع الحمل بشكل أفضل لتجنب الإجهاض (26). وفي فبراير من عام ١٩٦٤ أعلنت”ميتشاي فيرافايديا”، وكانت في ذلك الحين رئيسة جمعية تنظيم الأسرة التايلاندية، أنه في ندوة دولية عن التعقيم والإجهاض نادى أطباء من ١٤ بلداً بجعل الإجهاض قانونيًا (27) وأعقب ذلك جدل في الصحافة. وظهر مقال ساخر مناهض للإجهاض بقلم سونجاي سانجويتشين بعنوان”الإجهاض الحر في صحيفة”سيام رات” (٢٨). وكانت تلك هي المرة الأولى يُستخدم فيها هذا المصطلح في الصحافة. وقد أوحى بسلسلة من المقالات المؤيدة والمعارضة لفكرة”الإجهاض الحر” من ٢٧ إلى 30 سبتمبر من عام ١٩٧٤. وما زال هذا المصطلح يوحي بحجة قوية مضادة للإصلاح في الجدل الدائر في تايلاند، وتركز الحجة على الحظر البوذي للإجهاض باعتباره تدمیرًا للحياة الرائعة، ويُنظر إلى خطر”الإجهاض الحر” المؤدي إلى”الجنس الحر” على أنه تأثير غربي فاسد سوف يدمر الثقافة التايلاندية (29).

بدأت كذلك حجة الصحة العامة المؤيدة للإصلاح القانوني تظهر على السطح في التقارير الصحفية خلال تلك الفترة. فعلى سبيل المثال، أيد الكاتب”جاناب” في مقال بعنوان”الخطر الناجم عن الإجهاض” تحرير القوانين لإنقاذ النساء من أخطار الإجهاض غير القانوني (30).

شهد القمع العسكري لعام ١٩٧٦ نهاية فترة الحكم الديمقراطي القصيرة وكذلك الجدل العام بشأن القضايا الاجتماعية. ولم يحدث قبل عام ۱۹۷۸ أن ظهرت القضية من جديد مع نشر نتائج الأبحاث عن مدى عمليات الإجهاض غير القانوني. ويقدر الدكتور بونليرت ليوبرافاي عدد عمليات الإجهاض التي تجرى سنويًا بحوالي ۲۰۰ ألف عملية، يرجع إجراؤها في المقام الأول إلى الحاجة الاقتصادية (31). ومع التحول من نظام الحكم الديكتاتوري إلى الحكومة شبه الديمقراطية في عهد الجنرال بريم تینسولانوندا، حصلت الدعوة إلى الإصلاح إلى قوة دفع خلال عام ١٩٨٠، فقد شهدت تلك الفترة تزايد النفوذ السياسي للطبقة الوسطى المتعلمة، وانتعاشاً اقتصادياً، وتغيراً فى أدوار وطموحات النساء في المجتمع التايلاندي حيث أصبحن أكثر تعليمًا وحركةً واستقلالاً.

نُظمت حملة من أجل الإصلاح من خلال سلسلة من ورش العمل ودوائر الحوار والمناظرات في الجامعات، وبين أعضاء المهن القانونية والطبية، وحاز ذلك على تغطية واسعة في الصحافة. وقد أدت الجهود المشتركة للصحفيين والأكاديميين وبعض التكنوقراطيين والمنظمات غير الحكومية وبعض المنظمات النسائية من أجل حشد التأييد إلى الحفاظ على بقاء القضية على الأجندة السياسية.

في عام ١٩٨١ كادت محاولة لإصلاح قانون الإجهاض تحقق نجاحاً، وقدم عضو البرلمان التايلاندي الدكتور بونتيوم خامابيراد – نائب بانكوك ورئيس اللجنة الدائمة للصحة العامة والبيئة بمجلس النواب – مشروع تعديل القانون. وقد اقترح تعديلاً للقسم ٣٠٥ من القانون الجنائي لتوسيع الشروط التي تسمح بالإجهاض القانوني. فقد دعا إلى السماح بالإجهاض من أجل الرفاه الجسماني والعقلي للمرأة المعنية: أو إذا كان الجنين مشوهًا جسمانيًا أو عقلياً، أو في حالة فشل استخدام وسائل منع الحمل تحت إشراف ممارس طبي معترف به قانونًا، أو إذا أصبحت المرأة حاملاً نتيجة لعلاقات جنسية محرمة قانونًا كالاغتصاب أو غشيان المحارم (32). وفي ٢٩ سبتمبر وافق مجلس النواب على مشروع قانون الإجهاض بنسبة ٧٩ صوتاً مقابل ٣ أصوات وامتناع ۲۱۹ عضواً بالبرلمان عن التصويت. ويشير امتناع عدد كبير من الأعضاء عن التصويت إلى أن الموافقة على القانون لم تكن من خلال تأييد الأغلبية، بل من خلال عدم المعارضة، وربما يعكس ذلك التناقض الأخلاقي الذي يشعر به كثيرون بشأن هذه القضية. وبعد ذلك نُقل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ لمناقشته وإقراره.

في الشهور الثلاثة التي بين سبتمبر – حين وافق مجلس النواب على مشروع القانون – وديسمبر حين بحثه مجلس الشيوخ، بدل تحالف للمنظمات الدينية ضغوطًا قوية ضد الإصلاح. وكان على رأس تلك الجملة الميجور جنرال تشاملونج سريموانج السكرتير العام لرئيس الوزراء في ذلك الحين. وقد ظهر خلال الثمانينيات والتسعينيات كأهم شخصية في اللوبي المعارض للإجهاض. وبرز تشاملونج في الجدل الذي دار حول الإجهاض في أكتوبر ۱۹۸۱ عندما قاد بمصاحبة عضو البرلمان سيري توجنونج من حزب تشات تاي عشرة من المناهضين للإجهاض الذين حلقوا رءوسهم وقاموا بمسيرة سعيًا للحصول على تأييد البطريريك الأكبر رئيس رجال الدين البوذيين واحتجاجًا على مشروع القانون. وحصل ذلك الحدث على تغطية إعلامية كبيرة. وعندما خرج وزير الداخلية الجنرال سيتي جيراروتي مؤيدًا لمشروع القانون لأنه سوف ينقذ أرواح النساء، احتلت استقالة تشاملونج من عضوية البرلمان احتجاجًا على ذلك الصفحات الأولى من الصحف التايلاندية (3٣).

كانت معارضة تشاملونج المشروع القانون بدافع من المعتقدات الدينية القوية. وكان في عام ١٩٧٩ قد انضم إلى حركة سانتي أسوكي البوذية بزعامة الراهب فوتيراك المثير للجدل. وأصبح تشاملونج معروفًا باسم”نصف رجل ونصف راهب”، حيث اتبع نظاماً تقشفياً يشمل التخلي عن ممتلكاته وبيع منزله والتعهد بالتبتل وتناول وجبة نباتية واحدة في اليوم. وكانت طائفة سانتي أسوكي في قمة شعبيتها خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات (34).

احتكم تشاملونج إلى فكرة”الإجهاض الحر” لتوصيف الإصلاح. فقد وُصف الإجهاض بأنه منافي للبوذية ومن ثم فهو سلوك غير تايلاندي يهدد سلامة تايلاند الأخلاقية. وفي زمن النمو الاقتصادي المتزايد كانت مسألة الإجهاض تصوّر على أنها رمز للانهيار الأخلاقي والعربدة الجنسية، ورُبط بينه وبين أساليب الحياة التي تتسم بالتجاوزات والسياسة المالية الفاسدة في تلك الفترة، وانهيار القيم البوذية التقليدية، والحط من قيمة الأمومة (29). واستطاع تشاملونج تعبئة تحالف شعبي من الزعماء الدينيين والمنظمات الإسلامية والسيخية والمسيحية والبوذية، بالإضافة إلى مؤيدي سانتي أسوكي، لمعارضة الإصلاح. وباعتباره رجلاً عسكرياً سابقاً ، فقد كان له نفوذ كذلك بين المعينين العسكريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ. وهكذا نجحت الحملة التي قادها تشاملونج حيث رفض مجلس الشيوخ في شهر ديسمبر من عام ۱۹۸۱ مشروع القانون بنسبة ١٤١ صوتًا مقابل صوت واحد وغياب ۸۳ عضوًا (35). وأعيد مشروع القانون بعد ذلك إلى مجلس النواب لدراسته من جديد في عام ۱۹۸۲ إلا أنه أُسقط من جدول أعمال المجلس (36).

كانت هناك محاولات أخرى للإصلاح خلال الثمانينيات. فقد قدم الدكتور”بوتيوم خامابيراد” من جديد مشروع قانون لإصلاح قانون الإجهاض في عام ۱۹۸۷. وتضمن هذه المرة جزءاً يتعلق بالعدد المتزايد من النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية اللائي لا يمكنهن قانوناً إنهاء الحمل إذا أردن ذلك. وسعى مشروع القانون المعدل إلى السماح بالإجهاض بناءً على أربعة شروط: من أجل صحة المرأة، وفي حالات تشوه الجنين أو إصابته بمرض معد خطير. وإذا كان منع الحمل المقدم بواسطة طبيب قد فشل، وإذا كان الحمل نتيجة لاغتصاب (۳7). ومرة أخرى عارض تشامونج مشروع القانون بحجة أنه سوف يؤدي إلى الفاحشة فحسب (38). وبحلول عام ۱۹۸۸ كانت شعبيته قد زادت، وخاصةً بين الطبقة الوسطى في بانكوك الراغبة بشدة في تغيير السياسة المالية الفاسدة والمكائد العسكرية، وشكل الحزب السياسي”فالانج تام” (قوة دارما) (٣٤). ومع ذلك لم يُناقش مشروع القانون لأنه في يوليو من عام ١٩٨٨ دعا رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات عامة. وعندما طُرح مشروعا قانوني الإجهاض للنقاش مرةً أخرى وقع انقلاب عسكري في فبراير من عام ١٩٩١ وتم حل الحكومة وتعطلت مناقشة المشروعين. وفي مارس من عام ۱۹۹۲ انتُخب تشاملونج عضوًا بالبرلمان عن دائرة بانكوك. وفي أبريل من عام ۱۹۹۲ كانت هناك مظاهرات على نطاق واسع ضد رئاسة الجنرال شوتشيندا کرابایون لمجلس الوزراء واقترحت تغييرات دستورية. وبدأ تشاملونج إضرابا عن الطعام في مايو من عام ١٩٩٢ وأصبح شخصية بارزة في المظاهرات الجماهيرية في ۱۷ مايو التي أدت إلى إطلاق الجيش النار على مئات المتظاهرين العزل. وقد ألقي اللوم بشكل جزئي على تشاملونج فيما يتعلق بأحداث”مايو الأسود” واختفى من الحياة العامة لبعض الوقت (٣٤).

حظيت قضية الإجهاض خلال التسعينيات باهتمام الرأي العام بشكل مستمر من خلال مداهمات الشرطة المنتظمة للعيادات، التي أوردت الصحافة أخبارها ، وربما كانت بدافع سياسي أو بسبب المطالبة بفرض الشرطة للقانون. فعلى سبيل المثال كانت هناك مداهمة ضخمة لمستشفى باتاناويت بتحريض من نائب وزير الصحة العامة أودومسلیب سریسنجنام (عضو البرلمان من بالانج تام عن بانكوك) الذي حضر المداهمة وظهرت صورته على الصفحات الأولى وهو يشير إلى بقايا الأجنة التي عُثر عليها في المستشفى. وقد اتُهمت ثلاث نساء بأنه أُجريت لهن عمليات إجهاض، وصدر حكمان بالسجن لمدة عامين على طبيبين (خُففا فيما بعد إلى كفالة مقدارها ١٥٠ ألف باهت) كما أدين أصحاب المستشفى كذلك (39). وأشعلت تلك المداهمة من جديد الجدل حول إصلاح الإجهاض وأعادت حزب فالانج تام إلى وضعه كقوة أخلاقية في السياسة، رغم ما وُجه له من انتقادات بسبب إثارة العواطف. وكان الحرج السياسي سببًا آخر للمداهمات، وهو ما تدل عليه مداهمات ۱۹۹۷ التي تعرضت لها سبع عيادات تديرها جمعية السكان والتنمية، وهو ما أحرج عضو مجلس الشيوخ ميتشاي فيرافاديا الذي ظل فترة طويلة يدعو إلى الإصلاح القانوني وكان شقيقه يدير إحدى تلك العيادات (40).

في أواخر التسعينيات تبنى مؤيدو الإصلاح استراتيجية مختلفة. وكان أهم شيء في تلك الاستراتيجية هو شبكة الدفاع النشطة. ورغم التباين في آراء أعضاء الشبكة بشأن القضية وسبل الإصلاح المطلوبة، فقد كانوا بصفة عامة مؤيدين لتحسين الوضع القانوني للنساء. وكانت”مؤسسة النساء” هي المنظمة النسائية المركزية فى تلك الشبكة، وعقدت تحالفات مع جماعة الدفاع عن الصحة الإنجابية، ومؤسسة أصدقاء النساء، ومؤسسة مركز الخط الساخن، بالإضافة إلى بضع هيئات دولية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت منظمات غير حكومية أخرى دعمها فى فترات مختلفة، ومنها مشروع أصدقاء النساء العاملات في آسيا، وجماعة أكاديميون من أجل حقوق النساء، وتمكين (منظمة غير حكومية تقدم المساعدة للنساء اللاتي يعملن في تجارة الجنس)، ومركز مراقبة حقوق الإيدز. وإلى جانب ذلك، تحظى حركة الإصلاح بدعم المدافعين البارزين عن الصحة العامة، بمن في ذلك الأكاديميون والصحفيون. وكذلك أوصى قسم تنظيم الأسرة والسكان وقسم الإيدز بوزارة الصحة العمومية التايلاندية بمراجعة السياسات. وفى وفى مواجهة استغلال الإجهاض كأداة سياسية شعبوية وغياب التأييد، قرر دعاة الإصلاح اتباع مقاربة ثلاثية الأبعاد: تطوير استراتيجيات الحشد لجذب الفاعلين الأساسيين داخل الوزارات الحكومية المسئولين عن الموضوع، وتنظيم الندوات والمشروعات البحثية الموثوق بها عن حدوث الإجهاض غير القانوني ونتائجه، وحملة إعلامية بواسطة الصحفيين المتعاطفين لتثقيف الجمهور بشأن النتائج الصحية للإجهاض غير القانوني وطمأنته بأن إصلاح القانون لا يعني”الإجهاض الحر”.

وكان التركيز على إبراز عواقب الحمل غير المخطط وحقوق النساء الإنجابية وليس التركيز على الإجهاض وحده.

وفي الوقت الحالي هناك انقسام داخل جهات حكومية مختلفة بشأن كيفية مقاربة القضية وصلاحيتها القانونية. وكانت إحدى الاستراتيجيات محاولة تجنب ضرورة الموافقة على التعديلات في البرلمان من خلال التعريفات الموضحة في التشريع الحالي. إلا أن المطالبات المتكررة بالتعريفات القانونية من مجلس الدولة (الجهة المسئولة عن تفسير القانون) بشأن تعريف كلمة”صحة” في التشريع تلقت ردوداً محافظة. فعلى سبيل المثال، فإنه بالرغم من إبلاغ وزارة الصحة العمومية مجلس الدولة أن الصحة العقلية للمرأة سبب مشروع للإجهاض القانوني، ففي علم ۱۹۸۱ حكم مجلس الدولة بأن تعريف الصحة في التشريع يشير فقط إلى صحة المرأة الجسمانية وأن السماح بالإجهاض بناءً على الصحة العقلية سوف يؤدي إلى زيادة عدد عمليات الإجهاض. ودعا المجلس الطبي التايلاندي ووزارة الصحة العمومية ووزارة العدل جميعًا إلى إصدار حكم بشأن ما إذا كان الإجهاض بسبب عدوى فيروس نقص المناعة الطبيعية قانونياً أم لا، وقد رفض مجلس الدولة ذلك أيضًا (41، 42).

آمال الإصلاحيين مرهونة حاليًا بالانتخابات الديمقراطية لمجلسي البرلمان لأول مرة في عام ٢٠٠١ (كان مجلس الشيوخ فيما مضى يضم أعضاء معينين)، والدستور الجديد الذي يضمن حقوقًا متساوية للرجال والنساء. ويقول بعض المدافعين الآن إن قانون الإجهاض الحالي غير دستوري لأنه يتعدى على حقوق النساء (43).

وكان أهم تطور هو تشكيل لجنة فرعية بواسطة المجلس الطبي التايلاندي في فبراير من عام ٢٠٠١ التي دُعيت إلى إطلاع مجلس الشيوخ على الموقف. وهي توصي بالتعديل للسماح بالإجهاض بناءً على الصحة العقلية وعدد محدود من الحالات الصحية المتعلقة بالجنين. وتتكون اللجنة من عدد من السياسيين والأكاديميين وممثلي وزارة الصحة العامة، وممثلي المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية المختلفة. ومن المقرر إرسال مداولات هذه اللجنة المهمة إلى وزارة الصحة العمومية لبحثها (44). ومع ذلك فقد انتقدت اللجنة لدعمها الإصلاح في المقام الأول لحماية الأطباء من المقاضاة القانونية (45).

ومازال الإصلاحيون يواجهون المشكلة السياسية الخاصة بكون رئيس الوزراء الحالي تاكسين شيناوترا زعيماً سابقاً لفالانج تام. ومع أن تشاملونج شريموانج لم يعد نشطاً سياسياً، حيث اعتزل الحياة العامة ليقيم في أحد مجتمعات سانتي أسوكي، فهناك اعتقاد أنه مازال مؤثراً من وراء الكواليس ومن المرجح أن يكون له تأثير على رئيس الوزراء الحالي. والأمر الأكثر أهمية هو أن وزيرة الصحة العمومية الحالية سودارت كيورافان عضو سابق في فالانج تام. وسوف تتطلب أي توصيات بالتشريع موافقتها قبل موافقة البرلمان عليها.

جماعة الضغط المعارضة للإجهاض لها حلفاء أقوياء في الصحافة. وفي كل مرة تتجدد فيها جهود إصلاح القانون، تلي ذلك تقارير صحفية مثيرة للعواطف عن الإجهاض. فعلى سبيل المثال، خلال أيام ندوة عن قضية الإصلاح عقدها المجلس الطبي التايلاندي ووزارة الصحة العمومية، ظهرت قصة إخبارية على الصفحات الأولى من الصحف اليومية التايلاندية أوردت بالتفصيل حالة مرعبة لطالبة في الثامنة عشرة من عمرها كانت تموت بعد محاولة إجهاض حمل في الشهر الثامن (46). وخلال شهر يناير من عام ٢٠٠١ نشرت سلسلة من المقالات المثيرة عاطفيًا التي وصفت اكتشاف جثث الأجنة التي زعمت أن مصدرها عيادات غير قانونية تخدم الطالبات”المحبات المتعة والفاسدات أخلاقياً. ورداً على ذلك دعت وزيرة الصحة سودارت إلى مساعدة مسئولي الصحة الإقليميين للشرطة في مداهمة العبادات غير القانونية وإلا واجهوا عقوبات، وأشارت إلى أن”التركيز على الأخلاق والسلوك القويم بين المراهقين أفضل من تغيير القانون” (47). وبدلاً من تأييد الإصلاح، إلى فرض عقوبات على النساء اللاتي يجرين الإجهاض ومضاعفة عقوبة من يقدمونه لهن (48) وإن عدلت فيما بعد موقفها وأوصت بفرض عقوبات أشد فقط على من يوفرون الإجهاض. كما اقترح وكيل وزارة الصحة العمومية الدكتور سوصرافونج سويبوونجلي وضع قانون يعاقب الشركاء الجنسيين للنساء اللائي أُجهضن بالعقوبات نفسها من الغرامات والسجن التي تواجهها النساء حاليًا (49).

حتى وقت قريب كانت مساحة العمل المتاحة أمام المنظمات غير الحكومية في تايلاند مساحة محدودة لا تتيح لها التعبير عن آرائها والتأثير على العمليات السياسية، وكان لابد لحملات الإصلاح الاجتماعي من أي نوع أن تعتمد على دعم الأشخاص ذوي النفوذ. وخلال الثمانينيات والتسعينيات هيمنت سياسة الحشد التي قادها زعماء كاريزميون مثل تشاملونج سريموانج الجدل بشأن الإجهاض، مما ترك فرصة محدودة للإصلاحيين كي يعرضوا قضيتهم على جمهور أوسع. وفي الوقت عمه أدى عدم استقرار الحكم التايلاندي إلى تحديد النقاش في مرات عديدة. وظل الإجهاض قضية سياسية مثيرة للجدال لا يرغب السياسيون في متابعتها علنًا، ولا وجود للدعم الحقيقي بين القيادة الحكومية الحالية.

والحملة من أجل الإجهاض القانوني التي يقودها عد قليل من الشخصيات البارزة والمثقفون والمنظمات ينتمون في الغالب للطبقة الوسطى وتتخذ من بانكوك قاعدة لها. كما انحصر الجدل بشأن الإصلاح بصورة كبيرة داخل دائرة”الخبراء” الذين تقوم حججهم على الفروق القانونية الدقيقة وأسس الصحة العامة التي لا يفهمها غالبية السكان. وبالرغم من المنجزات البارزة في حشد تأييد الحكومة والدعاية لضرورة الإصلاح في سياق غیر مؤيد، فإن المنظمات النسائية المشاركة جماعات حضرية صغيرة تحمل نزعتها النسوية دلالات سلبية خاصة بالتأثير الغربي. ومازال الإجهاض مرتبطاً في الخيال الشعبي بكونه منافيًا البوذية، وعملاً أثيمًا خاصًا بالعاهرات والطالبات المنحلات، وليس قضية تؤثر على حياة النساء التايلانديات كافةً. وتدعم هذه القراءة الصورة الدائمة غير المتعاطفة في الصحافة للنساء اللائي يجهضن أنفسهن على أنهن بلا قلب، وأنهن نساء سيئات فاسدات أخلاقيًا، وطالبات مراهقات محبات للهو. وبالإضافة إلى ذلك فإن حقيقة عمليات الإجهاض التي يتم الإشراف عليها من الناحية الطبية متاحة بسهولة لمن لديه المال من النساء اللاتي يعرفن أين يحصلن عليها جعلت من الصعب بناء تحالف ذي قاعدة عريضة للإصلاح القانوني. كما أن عدم القانونية تجعل الإجهاض على قدر كبير من الربحية للأطباء وغيرهم من مقدمي هذه الخدمة.

ومن المحتمل أن تنجح محاولات المجلس الطبي التايلاندي الحالية للسماح بالإجهاض لعدد محدود من حالات التشوه الجنيني، مثل الاضطرابات الجينية الخطيرة، في منح النساء حق الحصول على الإجهاض القانوني. كما يدعو المجلس الطبي إلى السماح بالإجهاض على أسس الصحة العقلية، التي تعرف الصحة العقلية تعريفاً ضيقاً بناءً على التصنيف الدولي للأمراض ۱۰، بواسطة لجنة طبية. إلا أن المطالبة بتقدير طبي سوف يؤدي إلى التعطيل ويجعل الإجهاض يُجرى في وقت متأخر من الحمل، وهذا عائق يمكن أن يجبر النساء على السعي للحصول على عمليات الإجهاض السرية (50). ويعزز هذا فكرة أن قرار الإجهاض قرار لا تتخذه امرأة عاقلة. وحتى في حالة الموافقة فإن المجلس الطبي التايلاندي لن يقدم قدرًا أكبر من إمكانية الحصول على الإجهاض القانوني لغالبية النساء اللائي يسعين للحصول على الإجهاض، أى من يفعلن ذلك لأسباب اقتصادية اجتماعية، ولا للنساء حاملات فيروس نقص المناعة البشرية اللائي لا يرغبن في استمرار الحمل، أو النساء العازبات اللاتي يعشن ظروفًا صعبة، أو هؤلاء اللائي فشل استعمالهن لوسائل منع الحمل، أو هؤلاء اللائي اغتُصبن ولا يرغبن في إبلاغ الشرطة عن الحادث. سوف يبقين مجبرات على الحصول على الإجهاض بواسطة أية وسيلة يمكنهن الحصول عليها.

تم تمويل هذا البحث من خلال زمالة ما بعد الدكتوراه المجلس الأبحاث الأسترالي، ومنحة مجلس الأبحاث الأسترالي حكومة الكومنولث الأسترالية، وأشكر مجلس الأبحاث القومي التايلاندي على دعم البحث الميداني الأولي. وقد عملت مس ساووالك جافكي مساعدة أبحاث في تايلاند. وساعد مستر بیتر روس، من الجامعة القومية الأسترالية، ومس إلويز براون، من جامعة ملبورن، في الترجمات المستخدمة في هذه الورقة. وأخيرًا ، شكراً لكل النساء والرجال الذين شاركوا بكرم في البحث.

* محاضر في كل من ، المركز الرئيسي لصحة النساء في المجتمع و معهد ملبورن للغات و المجتمعات الأسيويه بجامعة ملبورن ، ملبورن أستراليا . إلكتروني:

[email protected]

المراجع:

1-Population Council . Abortion in Thailand : A Review of the Literature . Bangkok , 1981 . 2-Boonthai N , Warakamin , S. Induced abortion : a nationwide survey in Thailand . Presented at XXV International Congress of Medical Women’s International Association on Women’s Health in a Multicultural World , 19-23 April 2001 , Sydney .

3-Koetsawang S , Saha A , Pachauri S. Study of ” spontaneous ” abortion in Thailand . Int J

Gynecology Obstetrics 1978 ; 15 ( 4 ) : 361-8 .

4-Narkavonnakit T. Abortion in rural Thailand : a survey of practitioners . Stud Family Plann

1979 ; 10 ( 8-9 ) : 223-9 .

5-Chaturachinda K et al . Abortion : an epidemiologic study at Ramathibodi hospital . Stud Family

Plann 1981 ; 12 ( 6-7 ) : 257-62 .

6-Narkavonnakit T , Bennett T. Health consequences of induced abortion in rural northeast Thailand . Stud Family Plann 1981 ; 12 ( 2 ) : 58-65 .

7-Ladipo OA . Preventing and managing complications of induced abortion in third world countries . Int J Gynecology Obstetrics 1989 ; ( Suppl 3 ) : 21-8 . Pinchun P₁ Chullapram

8-A 10 – year review of maternal mortality in Chon Buri Hospital , Thailand . J Med Assoc Thailand 1993 ; 76 ( 6 ) : 308-13 .

9-Rattakul P. Septic abortion : the scourge of modern obstetrics . J Med Assoc Thailand 1971 ; 54 ( 5 ) : 312-9 .

10-Pongthai S , Phuapradit W , et al . Illegally induced abortion : observation Ramathibodi Hospital . J Med Assoc Thailand 1984 ; 67 ( Suppl 2 ) : 50-3 .

11-Rauyajin O. Induced abortion : facts and prospect in Thailand . Faculty of Social Sciences and Humanities . Bangkok : Mahidol University ; 1979. p . 138 .

12-Thailand , Ministry of Public Health , Department of Family Health . Intensive study of rural traditional abortion in Thailand . Icarp Asia Searcher , 1984 : 12-20 .

13-Rabiabloke C , Wilairat S. Thailand National Family Planning Programme . Nonthaburi : Family Planning and Population Division , Department of Health ; 1998 .

14-Kanokwan Tarawan . Rai gnan ponwijai bu’ang ton banteuk prasopkan Khong phuying thi tung thong mu’amai phrom [ Preliminary Research Findings : Recording the Experiences of Women I Unplanned Pregnancies ] [ In Thai ] . Thang lu’ak khong phuying ti tung thong mu’a mai phrom [ Choices For Woman With Unplanned Pregnancies ] . Bangkok : Amari Watergate Hotel , 2000 , 2543 .

15-Whittaker A. Intimate knowledge : women and their health in Northeast Thailand . Sydney : Allen and Unwin ; 2000 .

16-Whittaker A. The truth of our day by day lives : abortion decision – making in rural Thailand . Cult Health Sexuality 2002 ; 4 ( 1 ) : 1-20 .

17-” Abortion drug ” now restricted . The Nation , 26 February 2002 .

18-Ratanakul P. Socio – medical aspects of abortion in Thailand . In : Keown D , editor . Buddhism and Abortion . Honolulu : University of Hawaii Press ; 1999. p . 53-66 [ see p . 62 ] .

19- Institute of Population Studies . Knowledge and attitudes concerning abortion practice in urban and rural areas of Thailand . Bangkok : Chulalongkorn University : 1982 .

20-Phuapradit W , Sirivongs B , Chaturachinda K. Abortion : an attitude study of professional staff at Ramathibodi Hospital . J Med Assoc Thailand 1986 ; 69 ( 1 ) : 22-7 .

21- Lerdmaleewong M , Francis C. Abortion in Thailand : a feminist perspective . J Buddhist Ethics 1998 ; 5 .

22-Ishii Y , Shibayama M , et al . Datchanikhon kham nai kotmai tra sam duang ( The computer concordance to the law of the three seals ) . Bangkok : Amarin ; 1990 [ in Thai ] .

23-Knodel J , Chamratrithirong A , et al . Thailand’s reproductive revolution . Rapid fertility decline in a third world setting . Madison : University of Wisconsin Press ; 1987 .

24-Alarming rise in abortions . Bangkok Post , 1 November 1973 .

25-Bamber S. The Thai medical profession and political activism . Hewison K , editor . Political Change in Thailand . London : Routledge ; 1997. p . 233-50 .

26-Kaewrot S. Kan tham theang- khuankae thi het reu ? ( Abortion should it be solved at the end of the problem ? ) . Siam Rath , 26 September 1973 : 3 .

27-Phet 14 prathet wa khuan loek ko.mo.tham thaeng ( Doctors from 14 countries say ought to cancel abortion law ) [ in Thai ] Prachathipatai , 4 February 1974 : 3 .

28-Sangwichien S. Kan tham thaeng seri ( Free abortion ) [ in Thai ] Siam Rath , 27 Febuary

1974 : 11 .

29-Whittaker A. Conceiving the nation : representations of abortion in Thailand . Asian Studies Rev 2001 ; 25 ( 4 ) : 423-51 .

30-Janap . Antarai jak kan tham thaeng ( Danger from abortion ) [ in Thai ] Siam Rath , 30 December 1974 : 5

31-200,000 abortions a year in Thailand . Bangkok Post , 15 March 1978 .

32-Thailand , Rai ngan prachum saphaphu than rasadon krung thi 2/2524 [ Report of the 2nd Sitting of House of Representatives 1981 ] [ in Thai ] . 1981 , Sapha phu than rasadon [ House of Representatives ] , Bangkok .

33-Chamlong quits over abortion controversy . Bangkok Post , 21 October 1981 : 1 .

34-McCargo D. Chamlong Srimuang and the new Thai politics . New York : St Martin’s Press ; 1997 .

35-Senate rejects abortion bill . Bangkok Post , 19 December 1981 : 1 .

36-Abortion bill dropped in House . Bangkok Post , 30 July 1982 .

37-MP submits bill to liberalize abortion law . Bangkok Post , 31 October 1987 .

38-Chamlong raps abortion bill . Bangkok Post , 9 November 1987 .

39-Thalai rong rit man hua khon- ruab poor . ropo . phrom khong klang kon tharok kha ang ( Raid on man hua khon abortion factory- hospital director and evidence seized . Lump of fetus in a basin ) [ in Thai ] . Thai Rath , 27 May 1994 .

40-” Mr Condom ” ” critical over abortion raid . The Nation , 29 April 1997 .

41-Wongsathien P. A question of cruelty or kindness . Bangkok Post , 6 September 1998 .

42-Trisophon T. Abortion law faces key change . Bangkok Post , 3 October 1998 .

43-Thawikiat Menaakanit . Kan tham thaengkap k hwamthaothiam [ Abortion and Equality ] Matrakan thang kotmai kap panha kan tham thaeng : thang ok yu thi nai [ Legal Standards and the Abortion Problem : Where is the Solution ? ] Bangkok : Criminal Law Institute and Public Prosecution Office , 2000 .

44-Phaet sapha tung anukamakan phijaranapraden ” tham thaeng ” ( Medical Council subcommittee to consider issue of abortion ) . Krungthep Turakit , 7 February 2001 .

45-Ekachai S. Haven’t pregnant women a say ? Bangkok Post , 16 August 2001 .

46-8 deuan rit tham thaeng mo thaminsap khaen tharok thing ( 8 months Abortion , savage doctor chops off fetal arm and throws it out ) [ in Thai ] . Thai Rath , 1 September 2001 : 1 & 12 .

47-Romocho , sanoe ropo . rat tang khlinik tham thaeng [ Assistant Minister proposes that state hospitals set up abortion clinics ] [ in Thai ] . Daily News . 4 September , 2001 ; 1 & 6 .

48-Sudarat calls for stiffer abortion penalties . The Nation , 27 November 2001 .

49-Assavanonda A. Men will be made more accountable . Bangkok Post , 9 November 2001 .

50-Berer M. Making abortions safe a matter of good public health policy and practice . Bull

World Health Organization 2000 ; 78 ( 5 ) : 580-9 .

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6