يمثل الحديث عن “الكوتا” موضوعاً مفضلاً لدى كثير من المنظمات العاملة على حقوق المرأة وبعض الحركات النسوية حول العالم خاصة في مناطق الجنوب, وأغلب الحديث عادة ما يكون عرضًا لمزايا تطبيق هذا الشكل أو ذاك من أشكال “الكوتا” أو ما يعرف أحيانًا بالحصص الانتخابية أو الحصص في مقاعد المجالس التشريعية أو التنفيذية.
وهذا النقاش في رأيي اقتطاع من جدال طويل حول “المشاركة السياسية للنساء” ومن جدال أطول حول ما يعرف بالديمقراطية التمثيلية. وأحيانًا كثيرة ما يؤدي بنا الحديث والدفاع عن الكوتا إلى العودة من حيث بدأنا، فبدلاً من التركيز على “النوع الاجتماعي” الذي يركز على ضغوط المجتمع وأشكال القوة والسيطرة (كما تفعل الاقترابات النسوية في التحليل) تركز على “الجنس” أي المرأة، وحصصها من مقاعد صنع القرار، وهنا قد تبدأ القطيعة بين “العمل النسوي” و“التحليل النسوي“, هذا الأخير يدفع بمفهوم “الجندر” أو النوع الاجتماعي كعنصر تحليل بما يوسع مجال عمل السياسة, ويناقش التغيير الممكن, مدركًا أن الدفع بالمزيد من النساء إلى الهياكل والأنظمة القائمة في محاولة للاستفادة من المتاح, لا يعني أبدًا تغيير هياكل القوة, وأن العمل النسوي الذي يضع الكوتا في محور الاهتمام يركز على “الأداة” أكثر من “النظام” أو “الهيكل“، وقد يطرح المثير من الأسئلة حول تطبيق الأداة وفائدتها، مقدمًا إجابات قد تفسح الطريق أمام أسئلة أكثر.
حيث يؤكد التحليل النسوي أن المشاركة السياسية للنساء وغيرها من المجموعات المستبعدة من العملية السياسية لأسباب عدة، أبعد بكثير من المتوقع في كثير من دول العالم بما في ذلك دول المنطقة التي نعيش فيها التي تعرف عادة باسم “الشرق الأوسط وشمال أفريقا” وفي أحيان أخرى تعرف باسم “المنطقة العربية“، وينظر هذا التحليل للمشاركة في شكلها العام, ليس كترشيح لمراكز صنع القرار فقط، بل المشاركة كفاعلات وفاعلين في الحياة السياسية وعاملات وعاملين على تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة، ويطرح سؤال مثل كيف يمكن أن نزيد المشاركة السياسية للنساء على تنوعهن, وللمجموعات المختلفة على تعددها, في ظل إدراك كامل أن كثير من النظم القائمة لا تشجع على تفعيلها بل قد تكون السبب في إعاقتها، بمعنى هل يمكن لأداة مثل “الكوتا” أن تفسح مجالاً للتغيير في ظل بنية كاملة غير مشجعة، أم أن الأمر يتطلب منا أن ندرك أنها “الكوتا” وأشياء أخرى؟ ليزاحمه سؤال آخر هل ما هو موجود من أشكال المشاركة هو فعلاً ما نريده أم أن هناك أشكال أخرى؟
ما هي الكوتا؟
ولنبدأ بالنظر في نظام الكوتا نفسه الكوتا الانتخابية “أو الحصص” المخصصة للمرأة جزء مما يعرف بالإجراءات الخاصة التي تمكن مجموعات أو فئات من الوصول إلى مراكز صنع القرار، والتي عادة ما تكون مقاعد برلمانية، وقد اعتمدتها الكثير من الدول في أنظمتها الانتخابية مثل الأرجنتين, والبوسنة، وفرنسا، وجنوب أفريقيا وأوغندا، وتتعدد تطبيقاتها التي تركز على العدد التمثيلي للنساء عادة, سواء كانت نسبة من قائمة انتخابية، أو مناصفة أو غيرها من الأشكال. ومنها الكوتا الدستورية: حيث يتم إدارة الكوتا من ضمن دستور البلاد لتخصيص نسبة معينة من المقاعد في السلطة التشريعية لصالح المرأة، كما هو موجود في نيبال والفلبين وأوغندا، وهناك الكوتا الانتخابية: والتي عادة ما تنص عليها القوانين المنظمة للانتخابات, وموجودة بصورة واسعة في أمريكا اللاتينية وبلجيكيا وصربيا والبوسنة والهرسك والسودان. ثم هناك الكوتا الحزبية التي تنص على نسبة للنساء كمرشحات عن الحزب في الانتخابات، وهناك العديد من الأحزاب السياسية التي تبنت أنواع الكوتا وإجراءاتها مثل الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وألمانيا والنرويج والسويد.
إذن أين المشكلة؟ إن كان النظام أو الأداة قد اعتمدت في أكثر من دولة حول العالم حتى وصلت إلى مائة دولة؟ يرى المعارضون أن فكرة الكوتا تتعارض مع مبدأ الديمقراطية والتنافس الحر والمساواة القانونية، وعارضها آخرون بأن هذا النظام سيقوم بوضع المرأة المحافظة في مراكز صنع القرار خاصة في البرلمانات بما قد يعني القضاء على كثير من مكاسب المرأة، إن صوتت المحافظات ضد قوانين “تقدمية“. ويرى آخرون أن البديل هو تأهيل المرأة سياسيًا أولاً، ثم القيام بانتخابات حرة تستطيع المرأة من خلالها دخول البرلمان ويذكر غيرهم أن نظام الكوتا يقر بدونية المرأة ونقص قدراتها وتفوق الرجل عليها وعجزها للوصول ذاتيًا وبالتالي سيؤدي إلى ضعف ثقتها بنفسها، وستظهر على أنها أدنى من الرجال وغير متساوية معهم, وسيكون لها مكانًا في البرلمان بواسطة القانون وليس بواسطة اختيار الشعب.
ويرى المؤيدون أنها طريقة فعالة لزيادة تمثيل النساء، وتضرب الأمثلة من دول أفريقية تحديدًا مثل جنوب أفريقيا ورواندا. بالقول أنها تتحدى فكرة أن الرجال مكانهم في المجال العام وأن النساء في المجال الخاص، كما يهدد هذا النظام الوضع القائم حيث تشكل النساء 19% فقط من برلمانات العالم بحسب الاتحاد البرلماني الدولي في 2011.
هذه هي تطبيقات الكوتا, لنعود إذن للأسئلة…..
في ظل التوصيف السابق المختصر جدًا للكوتا, وآراء معارضيها ومؤيديها, نعود لأسئلة الاقترابات النسوية – التي لا لا أقدمها كلها هنا – حول الكوتا، والتي طرحت في بداية المقال. إن الاقترابات النسوية تسعى بهذه الأسئلة أن تفتح الباب لمناقشة آليات تغيير علاقات القوة والسلطة للدفع بالعدالة ليس للنساء فقط بل للجميع وتوفر أدوات تحليلية مهمة مثل أن المعرفة تتأثر بأماكن إنتاجها، وأن “السياسة” في كل مكان, وأن السياقات الزمنية والمكانية مهمة عند فهم تطورات معينة.
في ظل هذا الإطار الفكري، هل يمكن للكوتا أن تبدل آليات عمل العملية السياسية, التي – نفسها – تنتج بل وتعيد إنتاج عدم المساواة النوعية. هل بالكوتا وحدها؟ هل هي أداة مناسبة الآن لتدافع عنها الحركات المطالبة بحقوق المرأة والمساواة النوعية؟
أدرك تمامًا أن تركيز هذه الحركات على الكوتا, لا يعني أنها لا تعمل ولا تناصر غيرها من القضايا، ما يهم هنا هو كيف تتكامل الأمور؟ لذا قد يكون المهم البحث والدعوة لا للزيادة العددية وحدها، ولكن إلى تغيير هياكل لا تحقق العدالة تتبنى القائم من علاقات القوة، وتقدم مؤسسات إقصائية مثل الأحزاب السياسية التي صارت حراس بوابات أمام من يرغب في العمل العام، يسيطر فيها ذوات وذوي الامتيازات على مناصبها القيادية، وكذا المستفيدات والمستفيدون من العملية السياسية بشكلها القائم، نفس هياكل القوة والسلطة حيث تدعم مراكز المال والأعمال مرشحين ومرشحات بأعينهم مستفيدة من النظم الموجودة فلا نؤيد تغييرها، فالتغيير ضد المصلحة. بل قد تلعب الأحزاب السياسية دورًا أسوأ أحبانا فترفض ترشيح نساء “لا خبرة لديهن” لمراكز صنع القرار, دون النظر للمسار وهل أعطى المرأة أو غيرها من الرجال “الذين لا ينطبق عليهم صورة الرجل المثالي” الفرصة للعمل ولاكتساب تلك الخبرة.
إن أسئلة “التحليل النسوي” حول اللكوتا وغيرها من الإجراءات تفتح المجال لمناقشة اختیارات جديدة وعملية, وتفتح الباب لتحد القيم المحافظة بما قد يقدم فرصة أمام تأكيد الحريات على اختلافها، بل وتطرح محاولات الإجابة على الأسئلة أشكالاً مختلفة للديمقراطية وليس مجرد الديمقراطية التمثيلية التي اختصرت كثيرًا فصارت تركز على “الانتخابات” ليس حتى كعملية ولكن كهدف في ذاته.
ترى “التحليلات النسوية” أن علينا أن نفكر في سؤال, هل الأداة مناسبة لتحقيق الهدف أي لتحقيق التغيير من أجل عالم حر للجميع, يتقبل النقض دائمًا من أجل الأفضل للجميع على اختلافاتهم النوعية والعرقية والاثنية والثقافية والجنسية؟
ومن الأسئلة الأخرى للتحليل النسوي، الذي قد تكون إجابته معروفة وهو سؤال “بمن تأني الكوتا؟“, من المهم ألا نقع في فخ أن الكوتا تقدم وجوها جديدة للحياة السياسية, فالقادمات الجدد إن اعتمدن نفس الأساليب والطرق الحزبية القديمة باسم الديمقراطية فالأمور لن تختلف، الجدد يجب أن يقدمن أدوات جديدة للعمل، فليس المطلوب منهن إنقاذ أو تجميل وجه الأحزاب السياسية لكن تغيير أسلوب عملها، إن لم يكن كل الشكل التنظيمي. من المهم أن ندرك أن عمل الكوتا وحدها لن يقوي عمل النساء بالسياسية دون أن ندرك تأثير عناصر أخرى على هذا العمل مثل السن, والعرق والانتماء الطبقي, وغيرها من العوامل. وعلينا أيضًا أن ندرك أن هذا التغيير لا تحدثه السياسيات وحدهن، فالقضية متشابكة والتضامن النسوي مطلوب, ما بين من يضع أطر التحليل والفكر والنقد, إلى من يدعم ويتضامن إلى من ينفذ, الكل مطلوب منه أن يشارك لتغيير الأنظمة والأنساق القائمة.
كل الأسئلة السابقة وغيرها مهمة, وضرورية أن نناقشها, فالاعتماد على التحليل النسوي للكوتا وما حولها، ومحاولة الإجابة على أسئلته، يساعدنا على أن ندرك أن تطبيق نظام الكوتا وحده لن يجدي فعليها أن تتكامل مع أدوات أخرى، وأن تقوم على قيم مثل التضامن النسوي العابر للحدود والقوميات، ذلك التضامن الذي يدرك أن كفاحاتنا مشتركة ويعتمد نفس قيم التغيير.
في التجربة المصرية، كانت التجارب مع الكوتا كثيرة, والكثير منها قادم، لكن علينا أن ندرك أنها كأداة يجب علينا ألا نتمسك بها وحدها وأن ندرك كيف نستخدمها، وأن ندرك أنها وحدها ليست الإجابة