المرأةُ في البرامج الانتخابية للأحزابِ المصرية
- رغمَ أهمية قضايا المرأة في الواقع المصري وتعدد مشاكلها، ورغم أن أصواتَ النساء تُشكل وزنًا فعالاً من مجموع الناخبين، فإنَّ الحيز الذي احتلته قضايا المرأة في برامجِ الأحزابِ الخمسةِ التي شاركت في انتخاباتِ مجلس الشعب في مايو 1984 حيزًا لا يتناسبُ مع هذه الأهمية.
فمن بين خمسة أحزاب شاركت في هذه المعركة الانتخابية، لا نجد سوى حزبينِ فقط هما اللذان أفردا قسمًا خاصًا في برنامجيهما الانتخابيين لقضايا المرأة، وهما حزبُ التجمع التقدمي الوحدوي، وحزب الوفد الجديد. بينما ورد ذكر المرأة عرضًا في سياق الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية في برنامجي حزبي العمل والأحرار، في حينِ لم يتطرق الحزب الوطني إلى الحديثِ عن قضايا المرأة.
فتحت عنوان “المرأة والطفولة” يطرحُ برنامج التجمع مجموعةً من المطالب الخاصة بأوضاع المرأة والطفولة والمسنين. في مقدمتها المطالبَة “بإتاحة جميع فرص العمل للمرأة ومساواتها في الأجورِ والترقياتِ والحوافز المادية“، وهو مطلبٌ هام. فعلى الرغم من أن القانون المصري يساوي بين الرجل والمرأة في حقوق العمل والأجور، إلا أن هناكَ ظاهرةٌ واضحةٌ في السنوات الأخيرة هي ظهور شرط “للذكور فقط” في عديدٍ من إعلانات الوظائف الخالية. ولا تقتصر تلك الظاهرة على القطاعِ الخاصِ والشركات الاستثمارية، ولكننا نجدها قد امتدت في بعض الوظائف الحكومية ووظائف القطاع العام. وهي ظاهرةٌ مواكبةٌ للأصوات التي ارتفعت مؤخرًا تدعو لعودة المرأة إلى المنزل.
كذلك يطالبُ البرنامج في مجال حقوق المرأة، بالتوسع في الحقوق والخدمات المقررة للمرأة العاملة في حالاتِ العمل والولادة. سواء فيما يتعلق بحقوقها في الإجازات أو بتوفير سُلفٍ حُكوميةٍ للمرأة العاملة لمواجهة ظروف الولادة. وفي مجال الحقوق السياسيةَ للمرأة يؤكد برنامج التجمع على ضرورةِ تسجيل كلَّ النساء تلقائيًا في جداولِ الانتخابَ. ويُبرز البرنامج بعض المطالب الخاصة بالمرأة الريفية، مثل امتداد مظلة الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية إليها، ويلاحظ تميزُ برنامج التجمع فيما يتعلق بقضايا المرأة بشكلٍ واضح، وتركيزه على بعض الجوانب الهامة الخاصة بتحقيق قدر أكبر من الاستقلال للمرأة، وقدرٍ أكبر من الفاعلية لها في المجتمع.
وذلك من خلال اقتراحات عملية خاصةٍ بتنظيم عملها، وتوجيهه إلى المجالات الإنتاجية، سواءً في المدن أو الريف. وذلك من خلال توجيه طاقات المرأة الريفية في الحرف المنزلية، وتنظيم ذلك في اتحاد إنتاجي يجعلُ من هذه الحرف وسيلةً لرفع مستوى الأسر الريفية. ومن خلال المطالبة “بالتوسع في إنشاء مراكز التدريب الصناعي للنساء، والأخذ بنظام التلمذة الصناعية للراسبات في التعليم العام لنقل العمالة النسائية من مجال الخدمات المعاونة إلى الصناعات الإنتاجية“.
ومن القضايا الهامة التي يطرحها برنامج التجمع، وضعُ المرأة في قوانين الأحوال الشخصية وهي من القضايا التي تثير جدلاً واسعًا في مصر منذ التعديلات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية، والتي صدرت بالقانون رقم 44 لسنة 79 خاصةً المادة المتعلقة بضرورة قيام الزوج بإخطار الزوجة قبل زواجه بأخرى، وحقها في طلب الطلاق في حالة رفضها لهذا الزواج. ورغم ما أثير من ضجيجٍ حول هذا القانون، ورغم المعارضة الواسعة له، وخاصةً من قبل السلفيين فإنَّ التعديل لم يُحسن كثيرًا من وضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية، وموقف التجمع من هذه القضية يتلخص في ضرورة” التمسك بالمكاسب التشريعية التي حصلت عليها المرأةُ والأسرة. “وهو موقفٌ يُميز التجمع عن أحزاب المعارضة الأخرى، وخاصةً حزبي العمل والأحرار اللذين لم يتعرضا لقضايا المرأة إلا في سياق المطالبة بمراجعة هذه التعديلات، بدعوى التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية حيث يُطالب حزب العمل الاشتراكي” بمراجعة قانون الأحوال الشخصية لاستبعاد ما به من أحكام تتعارض مع أحكام الشريعة الغراء. “بينما ينصُ برنامج حزب الأحرار علي أنه ” في إطار الشريعة الإسلامية، يتم تطويرُ قوانين الأسرة، ووضع الأسس للبناء السليم للفرد، وتحصلُ المرأة (نصفُ المجتمع) على كافة حقوقها المشروعة، مع المحافظة على مكانتها ورسالتها“، ويُمكنُ أن نفسر الموقف الرجعي لتلك الأحزاب من هذا الموضوع، بوجود عناصر سلفية داخل هذه الأحزاب، وفي نفس الوقت تصورُ هذه الأحزاب أنها تُحقق بذلك مكسبًا جماهيريًا باستجابتها لميل رجعي لدى الجماهير، تقوده وتُنميه تياراتٌ مثل الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية، وغيرها من القوى السلفية. ومن الجدير بالذكر أن حزب التجمع قد طرح القضية بهذا الاتجاه العام في صفوف المعارضة، فعندما طالب بالتمسك بالتعديلات الأخيرة في قانون الأحوال الشخصية؛ أكد برنامج التجمع على أن هذه التعديلات لا تتعارضُ مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن المطالب الأخرى التي طرحها التجمع في برنامجه، التوسعُ في إنشاء مراكز رعاية الطفولة، وتعميم دور الحضانة في الشركات والمؤسسات، وهي نقطةٌ يتفقُ فيها مع برنامج حزب الوفد الذي يطرح كذلك نفس المطلب.
كذلك يتفقُ حزب الوفد مع حزب التجمع في المطالبة بالتوسع في الحقوق المقررة للمرأة العاملة، فيما يتعلق بإجازة رعاية الطفل. وقد شغلت المطالبة “بمضاعفة الجهود لتنظيم وضبط النسل” مساحةً واسعةً من الجزء الخاص بالمرأة في برنامج حزب الوفد باعتبارها. من وجهة نظر الوفد: “قضيةً حيويةً لمستقبل البلاد وضمان الحياة الكريمة لشعبها“. وإذا تغاضينا عن مناقشة موضوع ضبط النسل وجدواه، أو علاقته برفع مستوى المعيشة؛ فإن طرح هذا المطلب في إطار الجزء الخاص بالمرأة يعني أن ضبط النسل مشكلةٌ تختص بها المرأة فقط من حيثُ المسؤولية، ومن حيثُ إمكانية الحل.
كما جاءت إحدى النقاط في برنامج حزب التجمع مطالبةً “بتوفير الدولة للأجهزة المنزلية المعمرة، كالثلاجات والأفران والغسالات وماكينات الخياطة، بأحجامٍ صغيرةٍ وبأسعارٍ تتناسبُ مع دخل المرأة العاملة، وبما يساعدها على الجمع بين عملها ومسؤوليتها المنزلية“. ويجب أن نُشير إلى أنه على الرغم من أهمية هذا المطلب، إلا أن وضعه بهذا الشكل ضمن المطالب الخاصة بالمرأة، يكشف عن فهم سائد في التجمع يقصر مسؤولية العمل المنزلي على المرأة وحدها.
ومن خلال هذا العرض السريع للنقاط البرنامجية الخاصة بالمرأة في البرامج الانتخابية للأحزاب المصرية، نلاحظُ أنها لم تُثر كل القضايا الخاصة بالمرأة. كما أن أيًا من هذه الأحزاب لم يطرح برنامجًا متبلورًا لقضايا المرأة يتضمن حلولاً جذرية لمشكلاتها، وعلى وجه الخصوص الوضع المتردي للمرأة في قانون الأحوال الشخصية، والذي لم تتعرض له برامج الأحزاب باستثناء إشارة التجمع إلى تأييده لتعديلات سنة 1979*[ تم إلغاء هذه التعديلات بمقتضى حكم الدستورية العليا مؤخرًا وصدرت تعديلات جديدة في الصيف الماضي] واعتراض حزبي العمل والأحرار عليها. أما الجوهر الرجعيُّ للقانون، وما تمتلئُ به مواده من أحكام تُقيد حرية المرأة المتزوجة، وتحرمُها من حق اتخاذ القرار بمفردها في أمور عديدة تتعلقُ بحياتها، مثل العمل وغيره، فهي أمورٌ لم تتعرض لها برامجُ الأحزاب، ويُمكن أن ترجع غياب العديد من قضايا المرأة ومشكلاتها في تلك البرامج إلى ارتباط بعض تلك القضايا والمشكلات بالعادات والتقاليد التي تُحٍّقرُ من شأن المرأة، وتُقللُ من أهمية دورها وقدرتها على المساهمة في تطور المجتمع، والتي تُحملها الكثير من الأعباء والقيود ، فتشلُّ حركتها. وهذا الجانبُ من قضايا المرأة ومشكلاتها لا يرتبط بتغيير القوانين؛ بقدر ما يرتبطُ بالتغيير الكلي للمجتمع. وإذا كان الواقع السابقُ يفسر جزئيًا محدودية برامج الأحزاب فيما يتعلَّقُ بقضايا المرأة، فإنَّ السبب الرئيسي في ضعف هذه البرامج يكمنُ في عدم ارتباط أيٍ من تلك الأحزاب بحركة نسائية جماهيرية واسعة، قادرة على التعرف على مشكلات المرأة في جميع القطاعات، وعدم قدرتها على صياغة برنامج نسائي متكاملٍ ومعبرٍ عن المطالب الملحة للنساء المصريات.