بينما كانت شهرزاد ترتشف كوبًا من النسكافيه أثناء تصفحها بريدها الإلكترونى ، دخلت عليها إحدى صديقاتها وحكت لها بينما كنت جالسة بجانبه وجدتني أنظر اليه دون أن يلاحظني أحد وشعرت بشيء داخلي يجذبني إليه وقتها وددت لو تبادلنا قبلة ودون أن أشعر اقتربت منه حتى لامسته……. أنهت صديقتها كلامها مع شهرزاد وذهبت.
بعدها جلست شهرزاد تفكر فى قصة صديقتها: هل تحرشت صديقتها بذاك الرجل الذى لا تعرفه لمجرد أنها………؟
وتتابعت الأفكار والأسئلة: هل نبرر للمرأة أن تتحرش بالرجال كما يفعل أبناء آدم إذا ما أعجب أى منهم بامرأة ما ؟ وإذا كان مشروعًا للرجل طوال الوقت التحرش بالمرأة ، فهل للمرأة مبرر فى الفعل نفسه؟ وهل يجب أن نطرح الموضوع بهذا الشكل ؟
واستدعت من جهاز الكمبيوتر لديها ما قرأته فى الماضى حول تفسير موضوع التحرش حيث جاء نتيجة تصورات ورؤى عبر تاريخ طويل من التراث الديني والاجتماعي، حول المرأة”الكيان” إلى المرأة”الجسد” ، و أصبحت الأنثى هي وعاء الممارسات الجنسية وحالات الإشباع الذكوري لهذه الغريزة ، هذه الرؤية التي تكونت عبر زمن بعيد أنتجها الوعي العربي بشقيه العُرفي والديني عبر نصوص وتأويلات لهذه النصوص ، أنتجت في النهاية صورة للمرأة اختزلتها کجسد.
وحيث إننا نعيش فى مجتمع محافظ فهو يعتبر بشكل مباشر وغير مباشر هو المسؤول عن الكبت الجنسي نظرًا إلى ثقافة المحظورات والقيود الاجتماعية، العزلة، سوء التربية والتثقيف، وغياب الثقافة والتعليم، بسبب انتشار ثقافة العيب من الحديث في موضوع”الجنس” مما يقود في النهاية إلى تشويش نفسي مستمر، ويصبح الناس في العديد من الحالات مهووسين بالجنس بشكله البدائي جدًا.
عندئذ المجتمع لا يكون قاسيًا على الرجل حين يتحرش بامرأة ولكنه أبدًا لا يسامح امرأة على نفس الفعل؟ فالمرأة تتحكم في رغباتها طوال حياتها حيث لا يمكنها نقل مشاعرها إلى دائرة الفعل ولكن تظل الرغبة بداخلها ، والرجل لديه نفس الرغبة لكن المجتمع أبدًا لا يدينه بل أحيانًا تجد صفات من قبيل المدح للرجل”دونجوان – مقطع السمكة وديلها…….” أفاقت شهرزاد على دقات ساعة بهو القصر إيذانًا بموعد العشاء ، ووجدت شهريار فى انتظارها لتناول العشاء وبعدما انتهيا حكت له ما دار بخلدها منذ قليل ، نظر إليها شهريار وقال لها الليلة سأقص لك حكاية جديدة بل عددًا من الحكايات. لكن بداية أقول لك مليكتي: علينا أن نعترف أن تحرش المرأة لا يصل بمستوى تحرش الرجل رغم أن التصرف في الحالتين مرفوض.
ثم انطلق: بلغني أيتها الملكة الجميلة ذات الشعر الطويل والعود النحيف أنه: بينما كان أحد الرجال في إحدى الوظائف، تعرض لأكثر من مرة لتحرشات زميلاته حيث كانت منهن من تضع مكياجًا لافتًا للنظر والأخرى تلبس ثيابًا ضيقة تبرز مفاتنها وكلها تحرشات بهذا الرجل المسكين ويستطرد: هو كرجل تعرض لكثير من تحرشات النساء وحكى لي رجل آخر أن أي امرأة حين تصافحه وتضغط على يده ولا تسحب يدها إلا بعد وقت هو يعتبر هذا نوعًا من التحرش،”يتمنعن وهن الراغبات” ويكمل: فتاة اليوم مختلفة تمامًا ولديها جرأة غريبة في أن تتحرش أو تغازل الشاب إذا أعجبها، في الجامعة أو مكان العمل أو حتى قابلته مصادفة في مقهى !! هكذا قال لى رجل أنيق ووسيم للغاية: أنتن النساء لا تعجزن عن إيجاد أي وسيلة للفت الانتباه ، ولا تنسى نظرات العيون والتنهيدات كلها دعوات هادئة للرجل لمشاركتها الإعجاب أو التحرش، أو لنسمه ما شئنا !!
ويكمل: هو شاب في مقتبل العمر جامعي، تحدث عن تجربته قائلاً: كانت تصلني رسائل قصيرة عبر جهاز الموبايل رسائل غزل، بصراحة كانت تعجبني تستفز مشاعري وتساؤلي عمن يرسل هذه الرسائل، وكانت المفاجأة الصدمة أنها أستاذتي في الجامعة!!
هنا قاطعته شهريار وقالت له وأنا أمشى فى شوارع المملكة وهناك من لا يعرفني أجد من يتحرش بي من الرجال بكلام يظنه الرجال أنه يعجبنا ولا أشكى لك يا شهريار والمواقف كثيرة ولكن هل تغفر لي ذات الموقف بالعكس؟
أطرق شهريار برهة وقال لها كيف تتحرشين برجل لمجرد أنك رأيته فى الشارع ؟ و أين كرامتى وماذا ستقول عنك الملكة الأم إذا عرفت.
ضحكت شهرزاد ولم تعلق ثم أسهب شهريار بتأكيد وجهة نظره بالعديد من الحالات التي تحدث في المملكة الآن حيث ارتفع سن الزواج ولا تجد البنات من يتزوجهن…..
وتذكر الإرث التاريخى لمملكته التى لا يوجد فيها حتى الآن نساء مؤرخات للتاريخ يستطعن رواية التاريخ من منظورهن ، قالها شهريار وهو يمسك بيد شهرزاد: لو سلمنا بأن هناك حالات لتحرش النساء بالرجال في المملكة فهذا يمكن أن يكون مؤشرًا لتمرد المرأة وهي خطوط وعلامات حمراء ستزداد إذا لم يغير المجتمع واقع المرأة، لأن ذلك سيدفعها إلى تغيير هذا الواقع بأي وسائل، حتى لو كانت خاطئة ، لتنهي الإقصاء والإهمال والتعسف والعنف ضدها.
أكملت له شهرزاد: المرأة تحتاج عالمًا تبدع فيه، وتبرز مواهبها ، كتب البعض أن المرأة في حال الاعتراف عند طبيبها النفسي كثيرًا ما أعجب برجال، في أعماق ها، كما يعجب الرجل بنساء في أعماقه. هل تتحرش بالرجل؟
وعندئذ أدركهما الصباح فسكتا عن الكلام المباح.
شارك: