المرأة السودانية والانتخابات: جدلية الاستغلال والتمكين

الكاتبة فضلت عدم ذكر اسمها

المشاركة السياسية للمرأة السودانية الماضي والراهن:

على مدى أكثر من 50 عامًا من تجربة نساء السودان في المشاركة في العملية الانتخابية على مستوى التصويت أو الترشح طرأت العديد من التطورات التي تصب في صالح تمكين النساء سياسيًا، ولكن في المقابل فإن بعض تلك التطورات أثارت جدلاً حول فعاليتها وأحيانًا حول تناقضها مع حقوق المرأة. فقد حصلت النساء في السودان على حق التصويت مبكرًا في عام 1953، رغم أنه كان حقًا جزئيًا محصورًا في النساء المتعلمات والخريجات، ولكن بعد ثورة 1964 ضد الحكم العسكري، والذي ساهمت النساء في إسقاطه عبر النقابات والاتحادات الطلابية بقيادة الاتحاد النسائي السوداني، حصلت النساء على كامل حقوقهن السياسية المتعلقة بحق الانتخاب والترشح في جميع المناصب الدستورية والسيادية. وكانت الرائدة فاطمة أحمد إبراهيم, أول عضو في البرلمان في سنة 1965, ومن مقعدها أثبتت أن الوجود النوعي للنساء في مواقع صناعة القرار هو أكثر أهمية من الوجود الكمي، فقد تمكنت بشخصيتها القوية وقدرتها على حشد الدعم واستغلال لحظة التحول التقدمي في فترة ما بعد إسقاط الحكم العسكري، وضغطت من أجل ضمان قوانين تحمي حقوق النساء المدنية والسياسية. فبالإضافة لحق الانتخاب والترشح، تمكنت البرلمانية الأولى من ضمان حق الأجر المتساوي وإجازة الأمومة والرضاعة والمساواة في فرص العمل والتعليم, عبر قوانين أنهت التمييز ضد النساء في تلك المجالات في السودان, وأرست دعائم لحرية المرأة ومكنت نساء السودان من السير في طريق التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي1.

وفي آخر انتخابات شهدها السودان في أبريل 2015، وصلت نسبة مشاركة البرلمان إلى 30%، وهى النسبة التي توافق التوصيات العالمية التي تضمنتها مخرجات مؤتمر بكين. وبهذا تكون المرأة السودانية قد أصبحت ضمن الدول الإحدى عشر في العالم التي حققت هذا الهدف العالمي2 . وفي الجانب الآخر نجد أن نسبة مشاركة النساء في عملية التصويت، ظلت أعلى من نسبة الرجال على مدى العشر سنوات الماضية، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة تصويت النساء في انتخابات 2010 تعدت الـ 60%. ورغم ندرة الإحصائيات والأرقام في السودان إلى أن تقديرات مماثلة تؤكد أن نسبة النساء اللاتي صوتن في انتخابات 2015 تقدر بـ 65%. 3 وتصدرت سيطرة النساء على مراكز التصويت في الانتخابات عناوين التغطية الانتخابية في السنوات الماضية. وهى ظاهرة أثارت الكثير من الجدل حول هذا الحق ومدى فعالية تلك المشاركة الكبيرة للنساء, والأهم هو دوافع النساء المصوتات ووعيهن بأهمية ممارستهن لهذا الحق.

المرأة السودانية والكفاح من أجل الحقوق:

انصبت الكثير من الدراسات الحديثة حول الحركة النسوية في السودان نحو البحث في صراع النساء من أجل المساواة الاجتماعية, ظل التحديات التي فرضتها أسلمة الدولة التي يمارسها النظام الحاكم في السودان في الربع قرن الماضي. فعلى النقيض من التقدم النسبي في حقوق النساء السياسية والاقتصادية، إلا أن الحقوق الاجتماعية والحرية الشخصية للنساء والمشاركة في المجال العام، لا زالت ميادين نضال المرأة السودانية، والتي لم تتمكن من الفوز بمعظم معاركها إلى الآن، فقانون الأسرة أو المعروف أيضًا بقانون الحقوق الشخصية للمسلمين يحد كثيرًا من حرية المرأة في اختيار الزوج وفي الطلاق, بل ما زال يجيز الزواج المبكر، كما أن القانون السوداني فشل إلى الآن في تجريم ختان الإناث والذي لا زال يمارس بنسب تصل إلى 86% في معظم الفئات العمرية 4 . والقانون الأكثر معرفة على النطاق الحقوقي والذي خلق كثيرًا من الصدام بين المجموعات الحقوقية النسوية والنظام السوداني, هو قانون النظام العام أو المسمى بقانون أمن المجتمع والذي يقيد حرية الملبس والحركة والعلاقات الشخصية. ورغم بعض التعديلات الحديثة على القانون الجنائي السوداني مطلع 2015 وتغيير بعض المواد لتضمن حماية النساء من التحرش الجنسي ولو بشكل محدود، ومحاولة فصل الزنا عن الاغتصاب فى صياغة القانون، إلا أن النساء السودانيات لا زلن يعانين في الواقع اليومي من الاعتقال والجلد والإهانة المستمرة عند المشي في الشارع أو العمل أو في أماكن الدراسة أو حتى أماكن العبادة. وتقدر بعض الإحصاءات أنه في عام 2008 وحده تعرضت 45 ألف امرأة إلى الجلد تحت طائلة قانون النظام العام.5

الوضع السياسي في السودان وأطر مشاركة المرأة:

وفي خلفية الوضع السياسي السوداني، تشكل النزاعات المسلحة أرضية خصبة لانتهاكات جسيمة لحقوق النساء، شملت جرائم اغتصاب جماعي وإبادة جماعية, جعلت الرئيس السوداني مطلوبًا من المحكمة الجنائية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية منذ العام 2009. ولكن للأسف لا زال البشير رئيسًا للسودان، بل وقد انتخب بنسبة 98%, بأصوات غالبيتها من النساء. وهو التناقض الفادح الذي يلقي بظلاله على أهمية إعادة النظر في مشاركة النساء السودانيات في العملية الانتخابية, على مستوى التصويت والترشح. ولكن علينا أولاً أن نلقي الضوء على سياق الحراك السياسي والاجتماعي السوداني الذي يغذى هذه التناقضات فعلى الجانب السياسي, حکمت السودان سلطات عسكرية ديكتاتورية لمعظم عمره ما بعد الاستعمار, وكان ربع القرن الأخير هو الأسوأ، خاصة أن الديكتاتورية العسكرية الحالية مصحوبة بمشروع إسلاموي متعصب، ومتعطش للدماء, أثار حروبًا في كل اتجاهات البلاد من شرقها إلى غربها إلى جنوبها. وفي الجانب الآخر انتقضت المجموعات المهمشة تاريخيًا التي تعاني من الاستبعاد السياسي، لأنها تختلف إثنيًا ودينيًا وثقافيًا عن الإثنية الإسلاموعروبية الحاكمة في السودان منذ الاستقلال. وتلك الانتفاضات التي شملت دارفور في الغرب، وجبال النوبة في الوسط الغربي، والبجا في الشرق، والقبائل الجنوبية في جنوب السودان والنيل الأزرق، كانت رد فعل على القمع المستمر وأيضًا النزعة الجهادية الإقصائية التي انتهجها النظام الحاكم تحت راية الإسلام منذ 1989.

ومحاولة النظام الأسلمة وبل تعريب الشعب السوداني بالقوة، أدت إلى اختيار الجنوبيين الانفصال عن بقية السودان في عام 2011، وبالنتيجة فإن الأجزاء المنتفضة الأخرى والتي تحمل السلاح الآن ضد النظام في الخرطوم تفكر أيضًا في خيارات الانفصال في ظل تعنت النظام السوداني. هذا الواقع المفتت هو نتيجة لعملية تاريخية طويلة من صراع القوى في السودان والذي ارتبط بدخول الإسلام والعرب للبلاد وبالتالي استبعاد الإثنيات الأفريقية من مراكز السلطة وتهميشهم ثقافيًا واجتماعيًا، بسبب الدين واللون واللغة ضمن معللات أخرى يسوقها النخبة التي حكمت السودان وحاولت تعريبه وأسلمته بالقوة. وفي ظل هذه التعقيدات المركبة وصعبة الفهم حتى على السودانيين أنفسهم, نجد أن العملية السياسية تتم تحت سيطرة سلطة ذكورية إسلاموعروبية وعسكرية. خاصة في ظل النظام القائم. وأن القوى التقدمية والعلمانية المتمثلة في بعض منظمات المجتمع المدني وبعض أحزاب اليسار في السودان، ترزح تحت ضغوط انعدام الحريات وضيق المجال العام الذي يكاد يتعدم. وبالتالي فان ما تمكنت من تحقيقه الرائدة فاطمة أحمد إبراهيم من انتصارات مبكرة في حقوق النساء تحت قبة البرلمان ولوحدها قبل 50 عامًا، لم تتمكن 112 امرأة من تحقيق جزء صغير منها على مدى السنوات العشر الماضية.

النساء کمرشحات ونائبات

الكوتة والزيادة العددية:

في العام 2005 تمكن المجتمع الدولي من الوصول إلى اتفاق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي كانت تقاتل في مناطق دولة جنوب السودان حاليًا وجبال النوبة والنيل الأزرق، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي. وأنهت اتفاقية السلام الشامل ربع قرن من الحرب الأهلية في السودان. في عام 2005 أصدر الدستور الانتقالي للسودان الذي ضمن في المادة 32 المساواة بين النساء والرجال في السودان بعبارات صريحة وبل ضمن التمييز الإيجابي للنساء. وعلى هذا الأساس تمكنت الحركة النسوية ومن خلال التفاوض والضغط للوصول إلى كوتة المرأة للمشاركة في السلطة التشريعية مضمنة في قانون الانتخابات تصل إلى 25% ارتفعت إلى 30% في عام 2014، بعد انفصال الجنوب وخلو مقاعده في البرلمان الذي يحوى 450 مقعدًا 120 منها مخصصة للنساء ارتفعت إلى 128 مقعداً في انتخابات 2015. 6 كانت فترة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل فترة ازدهار للحراك السياسي والمجموعات حقوق المرأة، وتمكنت النساء من حشد وتدريب آلاف النساء على التصويت والمشاركة السياسية, وتدريب المرشحات اللاتي وصل عددهن في انتخابات 2010 إلى 2778. 7 وذلك لملأ مقاعد المرأة في البرلمان القومي والولائي. وثار جدل حول قائمة المرأة، فقد فضل البعض القائمة المفتوحة والآخرين منهم الحزب الحاكم المؤتمر الوطني فضل قائمة مغلقة للنساء. واحتجت النساء المعارضات على القائمة المغلقة باعتبارها تحد من فرص المرأة في المساواة في التنافس. ولكن الأهم من الأرقام والنسب، كانت الأهداف المرجوة من مشاركة النساء في البرلمان، وهى كانت السعي المكثف لرفع صوت النساء في داخل مصانع القرار، من أجل تغيير القوانين المتعلقة بالنساء وحقوقهن. ولكن يبدو أن تلك الأهداف لم تكن مشتركة بين جميع نساء السودان.

فعالية دور المرأة البرلمانية:

مما يعيدنا إلى خلفية الوضع السياسي السوداني الملتبس، فإن الحكومات الديكتاتورية كانت تبحث لنفسها دومًا عن شرعية، خاصة وأنها جميعًا أتت عبر انقلابات عسكرية، بدءً من حكم الجنرال عبود عام 1964-1959، ثم الجنرال نمیری 1985- 1969، ثم الجنرال البشير الحاكم الحالي منذ 1989. وهذه الشرعية تمثلت في صناعة أحزاب قومية جماهيرية تحكم بقبضة الحزب الواحد المسيطر وهو ما سمي بالحزب الاشتراكي في عهد نميري، والآن حزب المؤتمر الوطني المنبثق عن الإخوان المسلمين الذين ينتمي إليهم البشير. وهذه الأحزاب كونت مسرحية ديمقراطية لتكتسب شرعية دولية، فأجرت انتخابات مفبركة وصنعت برلمانات صورية، بحيث كانت النساء هن بطلات في تلك المسرحيات السياسية. فمن الملاحظ الارتفاع الكبير في مشاركة النساء في التمثيل البرلماني عبر كوتة متزايدة وفي وظائف الدولة في العهود الديكتاتورية في السودان. ففي عهد نميري، سجنت الرائدة فاطمة أحمد إبراهيم ومنع نشاط الاتحاد النسائي السوداني، ولكن في المقابل، فى عهد نميري كانت هناك أول وزيرة امرأة في السودان، بل وارتفع عدد البرلمانيات ليصل إلى 15 نائبة. 8 وعلى الرغم من تمكن النساء تلك في الفترة من تأكيد بعض الحقوق المتعلقة بالعمل وإجازات الأمومة وتضمينها كقوانين، إلا أنهن ظللن بعيدات عن المشاركة في صناعة القرار تحت نظام أبوي قمعي, لم يستطعن عبره من تحقيق إنجازات في مجالات الحقوق الاجتماعية والتي ترتبط بقيود التشريعات الإسلامية وخاصة في قوانين الأسرة والحقوق الشخصية.

وفي ظل نظام الدولة الإسلامية الحالية، كان الأمر أكثر سوءً، إذ تجاوزت النساء المنتميات للحزب الحاكم تحت قبة البرلمان الصمت عن حقوق النساء المهضومة, إلى دعم قوانين تحافظ على ظلم النساء, مثل القوانين المتعلقة بسن الزواج ورفض الضغط من أجل المصادقة على اتفاقية سيداو، كما أن بعض البرلمانيات وقفن ضد مشروع قانون حماية الطفل لعام 2010 الذي يمنع ختان الإناث, على الرغم من مشاركات برلمانيات أخريات في صناعة القانون من المنتميات إلى الحزب الحاكم نفسه.9 وفي هذه الصورة الملتبسة، نجد أن الانقسامات السياسية وصراعات السلطة والنزاعات المسلحة أثرت بقوة على توجهات النساء الممثلات للمرأة السودانية في الأجهزة التشريعية, والتنفيذية. في الدولة. ويبدو أن السلطة الذكورية المهيمنة في ظل النظم الديكتاتورية والمرتبطة بالتوجهات الإسلامية للنخب الحاكمة ما زالت تكبح قدرة النساء داخل السلطة وخارجها وتحجم من قدرتهن على صناعة تغييرات إيجابية في وضع المرأة السودانية.

فمع نسب الفقر المرتفعة بين النساء والتي تعززها النزاعات المسلحة التي أدت إلى نزوح 4 مليون نسمة أغلبهم من النساء والأطفال، تتعاظم التحديات أمام المرأة السودانية، وخاصة النساء القياديات على مستويات السلطة والمعارضة والمجتمع المدني. إلا أن الانقسام العميق بين فئات المجتمع السوداني, ما بين سلطة إسلاموية عسكرية مدعومة بقوى أصولية متشددة, ومعارضة منقسمة بين علمانية تقدمية يسارية وأخرى إسلاموعروبية معتمدة على الطوائف الدينية والقبلية، وحركات مقاومة مسلحة مرتبطة بالتهميش الإثني والثقافي ، أدى ذلك إلى انتقال هذا الانقسام إلى الحركة النسوية. هذا التشظي في الرؤى حول قضايا المرأة والوضع السياسي المرتبك والفقر المدقع، جعل السودان في ذيل قائمة الدول الأفريقية والعربية في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في معظم المجالات, خاصة التمكين الاقتصادي والحقوق الشخصية والمشاركة في المجال العام وصناعة القرار. وعلى الرغم من التاريخ الطويل للحركة النسوية في السودان، إلا أن الشك يحوم حول ما تم من إنجازات في حقل الحقوق السياسية التي قد تكون أدت إلى إهمال الحقوق الاجتماعية والشخصية مما أضعف مجهودات النساء العمل لتغيير الثقافة الذكورية للمجتمع، بحجة أنه تغيير سيحدث تلقائيًا بعد وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار. فقد كان الهدف من التمثيل الكبير للنساء فى البرلمان هو أحداث تغيير عميق في القوانين أو السياسات تجاه المرأة، وهو ما يبدو أنه لم يحدث إلا على مستويات المشاركة الشكلية في السلطة ومستويات أخرى متعلقة ربما بالتعليم والعمل، أما الجوانب المتعلقة بالفقر والحقوق الشخصية والمساواة بين الجنسين فى الفرص الاقتصادية وتمكين النساء الأكثر فقرًا ومنع أشكال العنف الجـنسي المختلفة، وإنهاء التمييز ضد النساء في المجال العام، فإنها مواضيع لازالت محرمة, خاصة على النساء القياديات في الحزب الحاكم في السودان واللاتي يمثلن 90% من البرلمانيات حسب انتخابات 2015 وقبلها انتخابات 2010 . 10

تصويت المرأة : مجرد صوت أم إرادة واعية؟

المرأة في المدن: تصويت تحت التهديد

رغم المقاطعة الكبيرة لانتخابات أبريل 2015 في السودان، والتي رفضت المعارضة المشاركة فيها، بل ودشنت حملة ارحل بهدف حث المواطنين للامتناع عن التصويت، إلا أن النساء كن قلب المشهد الانتخابي وشكلن أكبر نسب للمصوتين حسب المراقبين الإقليميين من الاتحاد الأفريقي والإعلام والمجتمع المدني المحلي.11 وكانت نساء المعارضة بالمقابل ينظمن فعاليات غالبًا ما حاصرتها الأجهزة الأمنية، لحث النساء على الامتناع عن التصويت. ولكن في الجانب الآخر كانت نساء الحزب الحاكم يحشدن لدعم الانتخابات تحت شعار الانتخابات سباق تحسمه النساء“. ونشرت بعض الصحف أن الحملة الانتخابية للبشير وزعت الآف الثياب النسائية ( الزي القومي السوداني) على النساء في الولايات المختلفة 12، وأن تلك الثياب باللون الأخضر وتحمل شعار الشجرة وهو الرمز الانتخابي للحزب الحاكم. وقد قام النظام الحاكم بحملة قمع شديدة ضد المعارضين وخاصة النساء اللاتي كن كما يبدو الرهان الأكبر للنظام لإنجاح انتخاباته التي قرر معظم السودانيين مقاطعتها لأنهم لم يروا جدوى لها، لأنها لم تكن ستأتي بأي جديد. فقد اختطفت الناشطة ساندرا فاروق كدودة التي كانت إحدى قادة الحملة الشبابية والنسوية لمقاطعة الانتخابات وتعرضت أسرتها للترهيب وهى تعرضت للتعذيب والإهانة, وحين رفعت قضية ضد الأجهزة الأمنية تم تهديدها. كما أن تقارير أفادت عن اعتقال العشرات من النساء والرجال قبيل الانتخابات، ولكن بعض الناشطات خاصة في الولايات والمناطق الطرفية للخرطوم تعرضن لاعتداءات وتعذيب أثناء الاعتقال وصلت حد العنف الجنسي وتهديد الأسر بسبب مشاركتهن في الحملة لمقاطعة الانتخابات الأخيرة 13

وفي مقابلة مع ناشطة من ولاية وسط السودان تفضل حجب اسمها لأسباب أمنية، أكدت أنها تعرضت للفصل من العمل بسبب نشاطها في حملة ارحل, وفي المقابل قالت أن زميلاتي في العمل في وزارة التربية المحلية ( في إحدى ولايات وسط السودان, تم تهديدهن بالفصل من العمل إذا لم يذهبن للتصويت)، وفي مقابلة أخرى مع أحد المراقبين من منظمات المجتمع المدني المحلية في الانتخابات قال أن المعلمات في المدارس في مناطق أم درمان الطرفية تم تهديدهن بالفصل من العمل وقطع المرتب إذا لم يذهبن للتصويت). وهذه الظاهرة بالتحديد متعلقة بأن نسبة النساء تضاهي نسبة الرجال الذين يعملون في سلك الخدمة المدنية الحكومية حيث بلغت نسبتهن 56% من العاملين بالدولة. ونسبة لأن الرجال في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والمرتبات الضعيفة يلجؤون إلى تكوين مصادر دخل من العمل الحر أو القطاع الخاص، إانهم لا يعتمدون مائة بالمائة على مرتبات الدولة، رغم أن تهديدات وضغوط مماثلة أيضًا تعرضوا لها لممارسة التصويت، إلا أن استجابة النساء العاملات يبدو أنها كانت أقوى, مما يندرج أيضًا تحت طائلة ممارسة العنف الاقتصادي والتمييز ضد النساء بشكل جماعي. وهنا نرى إحدى الأمثلة على تحول حق في التصويت إلى وسيلة لاستغلالهن وممارسة العنف الاقتصادي ضدهن عبر التهديد بقطع مصادر رزقهن. وهذا مثال على مستوى المدن الكبرى، ويعكس أيضًا تغير وسائل النظام الحاكم في جذب المصوتين وخاصة النساء، ففي الانتخابات السابقة ارتبط التصويت بدفع الأموال أحيانًا للنساء أو بوعود بالتوظيف أو الترقيات خاصة في المدن. ففي بعض الأحيان كان الصوت يساوي 50 – 100 جنيه سوداني وهو ما يساوي 5 -10 دولار حاليًا، وهو ما حدث في مناطق وسط الخرطوم في 2010، حسب شهود عيان. لكن الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به النظام نفسه, جعله يلجأ كما يبدو للترهيب بدلاً عن الترغيب في هذه الانتخابات.

المرأة في الريف: التصويت الجماعي

أما على المستوى الريفي وفي القرى الأكثر بعدًا عن الحضر، فان نسب الأمية المرتفعة والفجوة الكبيرة في التعليم بين الجنسين ونسبة الأمية للنساء التي بلغت 50% في الحضر و58 % في الريف, والسيطرة الذكورية نزعت عن المرأة قدرًا كبيرًا من استقلاليتها. ورغم أن مساهمة النساء في الإنتاج في القطاع الزراعي تبلغ 87% بالمقارنة ب 70% للرجال14 ، إلا أنها مساهمة غير مقدرة اقتصاديًا أو اجتماعيًا، ولم تسهم في تمكين المرأة الريفية في السودان. ويبدو ذلك جليًا في الفارق في الدخل بين النساء والرجال، حيث أن الأمم المتحدة تقدر دخل المرأة السنوي بـ 1000 دولار مقابل 3000 للرجل حتى عام 2007. 15 وهذا يضاف إلى التركيبة الاجتماعية القبلية والتي تتبنى سيطرة ذكورية، سواءً الإثنيات المسلمة أو غير المسلمة العربية أو غير العربية وهو الأمر الذي زاد من الضغوط على النساء في الريف والذي لا يزال يقطنه 67% من سكان السودان. وهذه الفوارق بين الريف والحضر ظهرت جليًا في نسب التصويت في الولايات المختلفة في انتخابات 2015 .حيث نجد أن التصويت في الولايات ذات الطابع الحضري كانت أقل كثافة منها في الولايات الريفية، فالتصويت في الخرطوم العاصمة القومية التي يقطنها قرابة 8 مليون نسمة، كان حوالي 34% مقارنة ب 66% في ولاية كسلا في شرق السودان، والتي يعتمد سكانها على الرعي والزراعة وتنتشر فيها نسب عالية من الفقر وسوء التغذية ونسب عالية للأمية بين النساء 16

ونجد أن السودان منذ بداية ممارسة العملية الانتخابية في خمسينيات القرن الماضي قد تبنى سياسة تركز على التوزيع الجغرافي للدوائر بشكل نسبي يركز على الحضر بدرجة أكبر من الريف بمفهوم التركيز على مناطق الوعي والتنمية، ولكن في الانتخابات في السنوات العشر الماضية بالتحديد اعتمد نظام الدوائر الجغرافية الفردية ليمثل 60% من المقاعد البرلمانية، في اتجاه سياسي معاكس يعود إلى الريف لكسب المزيد من الأصوات على قبلية ودينية. وهو الأمر الذي أثر في نسب مشاركة المرأة في التصويت بشكل كبير، فكما لاحظت ناشطة سياسية أن الأحزاب دعمت نظام الكوتة للنساء من منطلق جذب أصوات النساء ككتلة تصويتية، وهذه النظرة عامة على جميع الأحزاب السياسية السودانية، ولم يكن دعم وتحريك النساء للمشاركة الانتخابية بدافع تمكين النساء سياسيًا بل من أجل استغلال قوتهن التصويتية في الانتخابات. فسيارات الحزب الحاكم كانت تجول القرى أثناء الانتخابات ويدعمها ممثلون لطرق صوفية أحيانًا وقيادات قبلية. وتُحملُ العربات بالنساء من داخل المنازل إلى مراكز التصويت، كما وصف الأمر شهود عيان. وهو مشهد متكرر عبر مدن وقرى السودان ذات الطابع الريفي والطائفي القبلي.

وتقول البروفيسور بلقيس بدري والأستاذة سامية النقر في ورقتهما حول الكوتة وأثرها على المشاركة السياسية للمـرأة في السودان أن : الخطاب السياسي في دعم الكوتة اعتمد على أهمية دور المرأة فى الأحزاب كمنتخب ودورها فى دعم الحملات الانتخابية ودعم النساء للأحزاب17. وفي ذات الورقة لاحظت الباحثتين أن النساء في خارج المدن لم يحصلن على التثقيف الانتخابي اللازم قبیل انتخابات 2010 والتي شهدت حملات مكثفة من المجتمع المدني للتثقيف رغم ضيق الوقت. أما الانتخابات الأخيرة فلم يسبقها أي إعداد أو تثقيف للنساء، ولذا كانت معرفتهن بكيفية ممارسة حقهن الانتخابي ضعيفة للغاية. الأمر الذي يؤثر سلبًا على حقيقة المشاركة الكبيرة على مستوى التصويت، والذي يؤكد أيضًا مدى الانقطاع بين النخبة النسوية السياسية في المدن وعلى مستوى السلطة

وخاصة النساء البرلمانيات عن قاعدتهن النسوية، حيث ذكرت الباحثتان بدري والنقر, أن النساء حتى في أحياء الخرطوم وبعض الأحياء الراقية أيضًا لم يكن يعرفن شيئًا عن أن للمرأة كوتة وربما عرف بعضهن أن للمرأة قائمة.

 

أن هذه الحقائق والملاحظات تشير إلى الفجوة الكبيرة في البحوث الإحصائية والميدانية التي تتحرى عن نسب تصويت النساء وأنماط ذلك التصويت وأهدافه. وأن استغلال جهل النساء وأميتهن من قبل كافة القوى السياسية المعارضة والحاكمة لا يزال سببًا رئيسيًا كما يبدو في مشاركة النساء العالية في الانتخابات سواءً كمصوتات أو حتى كمرشحات, وليس وعيهن السياسي أو مصالحهن التي يفرضها وضع التمييز والإقصاء الذي تعيشه نساء السودان. فكما لاحظ بحث النقر وبدري فإن بعض الأحزاب قوائم الترشيح رغبة في ملء الكوتة وفي التواؤم مع التوجهات الدولية والالتزامات المفروضة من المجتمع الدولي. الأمر الذي يجعل حق النساء في الممارسة السياسية في إطار حق التصويت والترشح يتعرض لجدل كبير حول جدوى الزيادة الكمية قد تؤدي إلى استغلال النساء بدلاً عن تمكينهن. وفي المقابل فإن وجهة النظر التي تدفع بأهمية الكم ولو على المدى الطويل في تغيير النظرة للمرأة بوجود نساء لديهن مساحات حركة أكبر قد يكن قدوة لنساء أخريات هو أمر مهم ولكن قد يقلل منه أن ما شهده السودان على سبيل المثال من التمثيل النسوي الكبير عدديًا منذ السبعينيات من القرن الماضي، لم يؤثر بالقدر الكافى في تغییر أنماط السيطرة الذكورية داخل الأحزاب السياسية والنظم الحاكمة وبالتالي داخل المجتمع، مما يجعل أي تطبيق لأي قوانين مهما كانت قوية أمرًا صعبًا في أرض الواقع، على افتراض تمكين النساء من الوصول إلى صك تلك القوانين من الأساس.

إلا أنه في حالة السودان نجد أن الانقسام السياسي والفقر والقمع والاضطهاد العنصري على أساس الدين والإثنية إضافة إلى النزاعات المسلحة، قد زاد من تشتيت مجهودات مجموعات الحقوق النسوية وقدرتهن على التركيز على نيل الحقوق. في مقابل ذلك، التوجهات الإسلاموية للنظام الحاكم والتي تتلاقى في نقاط كثيرة مع توجهات المجتمع القبلي الطائفي التقليدي في وسط وشمال السودان والذي يعبر عن الإثنيات المسيطرة على السلطة في البلاد، قامت بصناعة مفاهيم حول النسوية وحقوق المرأة, متعصبة تجاه حقوق الشخصية ومنفتحة نسبيًا تجاه أدوار النساء الاقتصادية والسياسية، متمثلة في السماح لللنساء بالعمل والتعليم والمشاركة في السياسة ولكن ضمن أطر محدودة تحافظ على النساء في الوظائف النمطية للأسرة، ولكنها تعزل النساء عن المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار والمشاركة في القضايا العامة والمصيرية، مثل حل النزاعات وصناعة السياسيات.

ونتج عن ذلك ضعف في قدرة النساء على تحقيق التغييرات الفعلية التي ترتقي بوضعهن، وتنهي أشكال التمييز النوعي وتهدم الثقافة الذكورية التي تحد من فرصهن في المساواة والتمكين. وبالنتيجة فإن المشاركة السياسية للمرأة في السودان, على الرغم من التقدم على مستوى الحقوق المنتزعة، إلا أن الممارسة الواقعية والمخرجات العملية والأهداف المحققة من تلك المشاركة لا تزال بعيدة عن الوصول بالنساء إلى تغيير حقيقي في آليات صنع القرار السياسي في البلاد. وهذا انعكاس طبيعي للعلاقة الجدلية بين القدرة على صناعة القوانين وبين تحويل تلك القوانين إلى واقع يحقق الهدف من ورائها. مما يؤكد على أهمية مواصلة النقاش البناء حول جدوى الكم وغض النظر عن الفعالية في عملية المشاركة السياسية للنساء. الأخذ في الاعتبار أهمية الفجوات الكبيرة بين النخب النسائية التي تقوم بتغيير القوانين وبين القواعد التي يفترض بها أن تكون المستفيد الأول من تلك التغييرات. فيبدو أن بناء حلقات الوصل بين فئات النساء المختلفة سياسيًا أيديولوجيًا وطبقيًا مثل نساء الريف والمدن مثلاً, هو إحدى أهم الأسس لخلق الوعي اللازم لتحقيق تغييرات على الواقع، إضافة إلى تفعيل وإثراء الحوار البناء من أجل الاتفاق على أجندة نسوية موحدة. ومن دون هذه الأرضية المشتركة بين القوى النسوية، فإن إنهاء استغلال النساء، بل وتحويل إنجازاتهن في نيل الحقوق مثل حق الانتخاب إلى وسيلة لاضطهادهن سيكون أمرًا مستحيلاً، وستظل النساء أداة لتحقيق مصالح المجتمع الأبوي الذكوري والذي يرسخ لسلطته, في ظل غياب وعي النساء وازدياد انقساماتهن.

1 -See Tonneson, Liv. The Politics of Women Representation in Sudan. 2012. http://goo.gl/lfByVP. last seat Sep, 2015

2 انظر وكالة السودان للأنباء: المرأة الحصان الرابح في الانتخابات, 25 فبراير http:/ goo- gl/ dwxbnY آخر زياره ستمبر 2015.

3 انظر الاتحاد العام للمرأة السودانية جمع نساء كثير يؤكد أن الانتخابات سياق تحسمه النساء, مارس 2015 http://goo.gl/lvWyn آخر زيارة ستمبر 2015

4 انظر الإحصاء العنقودي الشامل 2014, الهيئة القومية للإحصاء السودان.

5 See ACPJS submission to the Sudan UPR 2016. http//goo.gl/Ar5tj, last seen, Sep, 2015

6 – انظر البرلمان يبتدر مناقشة تغيير قانون الانتخابات, صحيفة سودان تريبيون, 30 يونيو 2014 http://goo.gl/ pYEzWb آخر زيارة سبتمبر 2015

7 – انظر، بلقيس بدري وسامية النقر, ورقة الكوتة وأثرها على المشاركة السياسية للمرأة السودانية، جامعة الأحفاد للبنات, 2013

8 – انظر ورقة تيسير النوراني, النظم الانتخابية والمرأة السودانية 2007 http://goo.gl/DYOOVh آخر زيارة سبتمبر,2015.

9 – شهادات من مدافعات عن حقوق الإنسان وناشطات حقوقيات في السودان, يفضلن حجب أسماءهن جمعتها الكاتبة بين 2015 – 2014

10 – انظر نتائج انتخابات السودان, المفوضية القومية للانتخابات، http://nec.org.sd / آخر زيارة سبتمبر 2015.

11 – انظر بيان المراقبين من ممثلي الاتحاد الأفريقي لمراقبة انتخابات أبريل 2014 http://goo.gl/2m4PGE آخر زيارة سبتمبر 2015

12 – انظر حزب البشير يوزع 6 الآف ثوب نسائي، صحيفة الراكوبة الإلكترونية. 15 مارس 2015.http://goo.gl/zJsClc آخر زيارة سبتمبر 2015

13 Sudan: surge in detention, beating around elections. Human Rights Watch. April, 2015. Sudan:- surge in detention, beating around elections. Human Rights Watch. April. 2015. https://goo.gl/tnpACh last seen Sep. 2015

14 – تقرير السودان وبکين 15+,2010 , وزارة التضامن الاجتماعي السودان.

15 See UNDP managed election basket fund, UNDp Sudan. April. 2010 http://goo.gl/5F8rHO. last seen, Sep. 2015

16 – انظر نتائج انتخابات السودان, المفوضية القومية للانتخابات, http://nec.org.sd / آخر زيارة سبتمبر 2015

17 – انظر، بلقيس بدري وسامية النقر، ورقة الكوتة وأثرها على المشاركة السياسية للمرأة السودانية، جامعة الأحفاد للبنات 2013.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات