المرأة بين الأطر عبر القومية وسياسات الليبرالية الجديدة:
دراسة حالة من مصر(1)
ياسمين معتز*
ترجمة : سامح سمير**
مقدمة :
شهدت العقود الثلاثة الأخيرة حركة هجرة هائلة للمصريين إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، من الكويت وليبيا والأردن إلى إيطاليا، وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. لقد أصبحت الهجرة مكوناً أساسيًا من مكونات التاريخ الاجتماعي للأسرة المصرية، حيث برزت كهدف عام ومشترك بين أبناء الطبقة الوسطى في مصر، تبين المعلومات الاحصائية لسنة 2006 وجود 720.000 مصرى يمكن تصنفيهم كمهاجرين دائمين في بلدان أوروبا الغربية، والولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وقد بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج لعام (2006 -2007) 6321 مليون دولار حسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، منها 32% من الولايات المتحدة الأمريكية ، 17.5% من الكويت و13.6٪ من السعودية. وقد ذُكر في جريدة «المصرى اليوم» أن ثمانين بالمئة من الشباب المصرى الحاصل على مؤهل عال يصطفون يوميًا أمام أبواب السفارات الغربية أملاً في الحصول على تأشيرة، بلا نية في العودة مرة أخرى إلى مصر (12 أغسطس مصر 2006).
تتطرق هذه الورقة إلى عالم نساء الطبقة الوسطى في مصر الأقل حظاً، واللاتي انخرطن في حركة انتقالات عبر قومية بين مصر ونيويورك في ظل سياسات العولمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة. تؤثر النساء على حركة الهجرة مثلها يتأثرن بها، حيث يعملن في الولايات المتحدة كي يتمكن من تلبية احتياجات أسرهن الأساسية في مصر، ويُنشئن عائلات عبر قومية، ويعتبرن منتجات لمعاني وممارسات «الوطن»، سواء في البلد الأصلي أو البلد المضيف.
استناداً إلى ثلاث دراسات حالة أجريت في إطار دراسة إثنوجرافية «متعددة المواقع»، في مصر والولايات المتحدة، أجادل بأنه، خلافًا للأدبيات المتعلقة بالهجرة المصرية والعرب الأمريكيين، والتي كثيرًا ما تغفل تمامًا. النساء في عملية الهجرة، تلعب النساء المصريات دورًا فعالاً في الظواهر والممارسات عبر القومية ذات الصلة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في سياق العولمة الاقتصادية، حيث يقتحمن قطاع الخدمات في مدينة نيويورك، بشكل مباشر كعاملات في القطاع الخدمي الأمريكي، أو بشكل غير مباشر كزوجات مهاجرين قائمات على إدارة الأسرة في مصر. جنبا إلى جنب مع الرجال، تتشكل رغبتهن في الصعود الإجتماعي، وتنظم حركتهن داخل وعبر الحدود ورغباتهن في الصعود بواسطة الحقول الاجتماعية عبر القومية شديدة التعقيد، وممارسات أجهزة الدولة، بالإضافة إلى أنظمة العمل والأسرة النووية والممتدة.
تتناول هذه الدراسة بالتحليل مسألة الهجرة المصرية إلى دول مستقطبة لعمالة ذات أجر ضئيل، وتجارب العرب والأمريكان العرب في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتطرق المجموعة الأولى من الأدبيات بالسياق الأوسع لهجرة العمالة المصرية الماهرة وغير الماهرة إلى الخارج، وخاصة حالة العمالة في مدينة نيويورك، بينما تقيم المجموعة الثانية حوارا بين التقسيم الدولى للعمالة في ظل سياسات العولمة الاقتصادية والليبرالية الجديدة، وخطابات ما قبل وما بعد الحادي عشر من سبتمبر المتعلقة بالنزعة العنصرية تجاه المسلمين الشرق أوسطيين العرب في الولايات المتحدة.
في مطلع السبعينيات، بدأت مصر تشهد موجات هائلة وبعيدة المدى من العاملين المصريين المغتربين ودخولهم إلى قطاعات متعددة في أسواق العمل العالمية. ونتيجة عدد من العوامل المتشابكة، في مصر والدول المستقبلة للعمالة، غادر آلاف المصريين وطنهم، كل عام ، بحثًا عن رأسمال اقتصادي، واجتماعي، وثقافي (2)
ونظرًا للحجم الهائل لتلك الهجرة، صارت العمالة المصرية المهاجرة مادة خصبة للعديد من الدراسات (Amin أمين 2000 Ayubi أيوبي 1983, Fergany فرجانی 1987 Hadley هادی 1977, Saleh صالح 1988). وقد تبنت تلك الدراسات بشكل أساسي الجوانب الاقتصادية للهجرة، وركزت على هجرة العمالة المصرية إلى دول النفط، والمنتمية إلى مختلف الطبقات الاقتصادية والاجتماعية، بمن فيهم العاملون المغتربون أصحاب الكفاءات (هجرة العقول)، وذوى المهارات المنخفضة على حدٍ سواء (Ayubi أيوبي 1983, Saleh صالح 1983, سيل 1988). وقد اعتمد الإطار التفسيرى الرئيسي لتلك الدراسات على المداخل النظرية المتعلقة بالاختيارات والحوافز الفردية، وشملت متغيراتها الأساسية مجموعة من عوامل الجذب والطرد التي تركز على تباينات المعدلات الاقتصادية وظروف المعيشة بين بلد الأصل والبلد المضيف، وكذلك على التشابهات الثقافية بين الدول المرسلة والدول المستقبلة للعمالة، عانت تلك المجموعة من الأدبيات من وقوعها تحت سطوة الخطاب النيوكلاسيكي القائم على عوامل الجذب والطرد، والذي يفصل بين الفاعلية والبنية المجتمعية ، ونادرًا ما جمعت بين الدوافع الاقتصادية، والدوافع الثقافية والاجتماعية. وكذلك استدعت العديد من الصور النمطية التي تفرق بين «العمال المغتربين» و«المهاجرين المندمجين». وقد تبنى قانون 111 لسنة 1983، والخاص بالهجرة ورعاية المصريين بالخارج المفهوم نفسه حيث عرف المهاجر الدائم على إنه « كل مصرى جعل إقامته العادية بصفة دائمة في خارج البلاد بأن اكتسب جنسية دولة أجنبية أو حصل على إذن بالإقامة الدائمة فيها أو أقام بها مدة لا تقل عن عشر سنوات ، أو حصل على إذن بالهجرة من إحدى دول المهجر التي تحدد بقرار من الوزير المختص بشئون الهجرة» (مادة 8، قانون 111 لسنة 1983) والمهاجر المؤقت على إنه «كل مصرى غير دارس أو معار أو منتدب جعل إقامته العادية أو مركز نشاطه في الخارج وله عمل يتعيش منه متى انقضى على بقائه في الخارج أكثر من سنة متصلة ولم يتخذ إجراءات الهجرة الدائمة المنصوص عليها بهذا القانون أو اتخذها وعاد إلى الوطن قبل تحقيق أي شرط من الشروط الواردة بالمادة 8 من هذا القانون» (مادة 13 ، قانون 111 لسنة 1983).
تكشف هذه التفرقة عن تبنى الافتراضات التي تتأسس عليها نماذج الهجرة التي، کما تشير إلى (Basch et al باش 4: 1994)، تتعامل مع هاتين الفئتين على أنها مختلفتان، مما يجعلها غير قادرة على التعبير عن حقيقة أوضاع المهاجرين/ المغتربين في الوقت الراهن، حيث إنهم كثيرًا ما ينتمون إلى أكثر من بلد في آن واحد، وينظرون لأنفسهم كمهاجرين مؤقتين، حتى وإن أقاموا في البلد المضيف لفترة تزيد على عشرة أعوام.
ونتيجة لوقوع تلك الأدبيات وسياسات الدول تحت تأثير نظريات النيوكلاسيكية والنيوليبرالية، راحت الخطابات المتعلقة بالهجرة تبعث برسالة واضحة للطبقة الوسطى المصرية: تحقيق الصعود الاجتماعي من خلال الهجرة هو الحل وهو نتيجة الجدارة والقدرات الفردية، علاوة على ذلك، أكدت فرص الصعود الاجتماعي غير المسبوق والحراك الاقتصادي بين أبناء الطبقة الوسطى المصرية الناتجة بالأساس عن الهجرة، حيث يعمل فرد واحد على الأقل من كل أسرة بالخارج، على الدور المحوري الذي تلعبه الهجرة الدولية في الصعود الاجتماعي (أنظر/ ي Amin أمين 2001). تروج تلك المرويات، مع ذلك، لفكرة مفادها أن كل مصرى يفشل في تأمين مكان له في الطبقة الوسطى، لديه الحرية في أن يهاجر سعيا وراء مراكمة رأس المال المادي والاجتماعي والثقافي.
وهكذا تتجاهل تلك المرويات العوامل الهيكلية الأخرى التي تؤثر على اتجاه، وأنواع وأنماط تيارات الهجرة والممارسات عبر القومية.
ركزت الدراسات المبكرة التي تناولت الهجرة المصرية، على البلدان العربية المجاورة، خاصة تلك المنتجة للنفط، حيث شكلت تلك البلدان المقصد الرئيسي للعمال المصريين المغتربين، المهرة وغير المهرة على حد سواء. ومع ذلك، فقد انخفض هذا التدفق بصورة ملحوظة منذ بداية التسعينيات نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية غير المستقرة.
فقد شهدت مصر اتجاهًا مضادًا للهجرة منذ بداية التسعينيات، تمثل في عودة آلاف المهاجرين العاملين بالخارج إلى مصر.
يرجع الباحثون وصانعو السياسات هذا الانخفاض لعاملين أساسيين. أولاً، عدم الاستقرار السياسي الذي ساد المنطقة، خاصة عقب الحرب العراقية – الكويتية عام 1991, مما أثبط عزيمة العمال المغتربين عن الإقدام على مغامرة الهجرة (Bakalian باکالیان و Bozorgmehr بوزورجمر 2005). فقد تأثرت ظروف العاملين في كل من الكويت والعراق بشكل مباشر نتيجة حرب الخليج الثانية حيث عاد معظم العمالة في كلتا البلدين إلى مصر.
ثانيًا، فإن مهارات خريجي المؤسسات التعليمية في مصر «لم تتطور بما يواكب الوسائل التكنولوجية الحديثة المستخدمة في الصناعات والخدمات»، في دول الخليج (تقرير التنمية البشرية المصرية 103: 2005). وكان التأثير الذي أحدثه تقلص تيارات الهجرة إلى الخليج على التوسع في الهجرة إلى الغرب مثار جدل في تلك الأدبيات، حيث أشار بعض الدارسين إلى معدلات الهجرة إلى الغرب قد ارتفعت وتيرتها في أعقاب حرب الخليج الثانية لعام 1991، بينما يرى آخرون أنها ليست ظاهرة جديدة ، بل دخلت بالأحرى، إلى دائرة الضوء بسبب الأجندات السياسية للدول المستقبلة لتلك الهجرات غير الموثقة، وخصوصًا دول الاتحاد الأوروبي (Saad 2005).
وبينما لا تزال أسباب ونتائج هذا الانخفاض في حاجة إلى البحث والتقصى، لوحظ أن عددًا كبيرًا من المصريين يختارون دولاً غربية غير عربية ليقيموا فيها بشكل مؤقت، أو شبه دائم أو دائم (Zohry زهری 2003, Saad سعد 2005). تشمل هذه الدول، الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، واستراليا، وتشمل كذلك عددًا من بلدان أوروبا الغربية، مثل إيطاليا (2003 IOM). وقد بدأ عدد من الباحثين، بدعم من الحكومات والمنظمات الدولية، في استكشاف تاريخ، وأنماط، وأسباب الهجرة الدولية المصرية للغرب، بهدف تتبع، وتنظيم ، و«دعم» العمال المغتربين، خاصة في دول أوروبا الغربية والمملكة المتحدة. عززت تلك الأدبيات فهمنا لظاهرة الهجرة، حيث سلطت الضوء على فكرة أن الهجرة الدولية المصرية لها جوانب خفية، يقودها ويحركها عدد من الشبكات الاجتماعية، ويقوم على تنظيمها والتحكم بها مجموعة من الدول المعنية. وهكذا، تسلط تلك الأدبيات الضوء على العوامل الهيكلية، كالظروف الاقتصادية، والتاريخية، والسياسية، للبلدان المرسلة والمستقبلة للعمالة، التي تتحكم في تيارات الهجرة، وكذلك الممارسات عبر القومية والحقول الاجتماعية التي تنشأ بين العاملين المغتربين وشبكاتهم الاجتماعية في مصر، رغم استنادها إلى نموذج الجذب والطرد بين بلدان الجنوب والشمال في تحليلها لظاهرة الهجرة. ومن الإسهامات المهمة لتلك الدراسات هي أنها تساعدنا على إدراك أنه من الممكن النظر إلى العمالة المصرية المهاجرة باعتبارها مصدرًا لتدفق العمالة غير المنظمة، منخفضة الأجر، قليلة التكلفة، من البلدان الأقل تقدمًا اقتصاديًا إلى تلك الأكثر تقدمًا، في سياق الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
ومع ذلك، تعانى هذه المقاربة من مشكلة واحدة، وتتمثل في حصر صورة المغترب المصرى في نموذج الذكر، الشاب، ذي المؤهلات العلمية العليا، القادم من القاهرة الكبرى أو منطقة الصعيد.
تؤكد هذه الدراسة المؤهلات العليا للعمالة المهاجرة، ولكنها تتحدى فكرة أنهم يشكلون كلا متجانسًا بتأكيدها على الفروق والتباينات بين العاملين المهاجرين من حيث السن، والدين، ومسقط الرأس، ومن خلال الدخول في جدل مع النقاشات المسيطرة على الدراسات المتعلقة بالهجرة والتي تغفل تمامًا فكرة النوع (Al-Ali العلى و Koser کوسر 2001). وفي الحقيقة، فإن النساء غائبات بشكل ملحوظ في تلك الأدبيات، وعندما يرد ذكرهن يتم تصويرهن كأمهات، وزوجات، وبنات مهجورات هناك في أرض الوطن في انتظار عودة الرجال. وتعد صورة «القرية التي هجرها رجالها»، من الصور المتكررة في النماذج العقلية المستخدمة في مقاربة موضوع الهجرة. ويعتبر فيلم «عرق البلح» عام 1998 للمخرج رضوان الكاشف أحد الأعمال المعززة لتلك الصورة. في بداية الفيلم، يصل عدد من قائدي الدراجات البخارية المقنعين ذات يوم إلى واحة قائمة في وسط الصحراء، حاملين وعودًا بحياة رغدة للرجال ولنسائهن اللاتي خلفوهم وراءهم في الواحة. يرحل الرجال، ونكتشف نحن الإحباط (الجنسي) للنساء المهجورات وصراعهن على الذكر الوحيد الذي بقى في القرية، وينتهى الفيلم بعودة رجال القرية ليجدوا أن قيمهم التقليدية المتوارثة قد تبدلت، خاصة تلك المتعلقة بعلاقاتهم الزوجية.
يعتبر هذا مثالاً جيدًا على خطاب الهجرة، والذي استبطن، منذ نشأته، انحيازا للذكر وغيابا لأي تحليل متعلق بالنوع الاجتماعي (Pessar بیسار 1999). علاوة على ذلك، حينما كان يتم تناوله، كان مفهوم النوع الاجتماعي يستخدم كمرادف للنساء، كما لو أن هجرة الرجال لا علاقة لها بالنوع (Hondagneu-Sotelo هونداجنيو – سونيلو 1994). ونتيجة لوعيهن بهذا التناقض النظري الذي وسم الدراسات المتعلقة بالهجرة، قامت النسويات الملونات بالتركيز على مفهوم النوع كمكون أساسي من مكونات العلاقات الاجتماعية في الهجرة (Pesar بيسار 1999 Parrenas باريناس 2001)، أي «كبعد علائقي أساسي من أبعاد النشاط الإنساني، يتشكل بفعل الأفكار الثقافية والفردية للرجال والنساء، ويؤثر على أوضاعهم الاجتماعية والثقافية وعلى طريقة ادراكهم وممارستهم لحياتهم» (Indra إندرا 2: 1999)، و«أداة تحليلية وثيقة الصلة بفهمنا لهجرة الرجال والنساء على حد سواء» (Hondagneu-Sotelo هونداجنيو – سوتيلو 1994). كما جادلن بأن النوع الاجتماعي ينظم، ويشكل، ويميز تجارب الهجرة لدى الرجال والنساء على حد سواء. ومن أهم إسهامات هؤلاء الباحثات، تأكيدهن على تحدي «مفهوم البطرياركية كنسق مستقل للهيمنة يضرب بجذوره في مبدأ تقسيم العمل والرأسمالية»، وسلط الضوء، بدلاً من ذلك، على العديد من محاور الهيمنة والمقاومة التي طورتها النسويات من أصل إفريقي ، لتشمل: النوع الاجتماعي، والعرق، والطبقة، والوضع القانوني (Hondagneu-Sotelo هوندانجنیو – سوتيلو 3: 1994)، والدين كما تمت الإشارة لذلك في أدبيات الأمريكان العرب التي سأناقشها في الأقسام التالية. تشتمل الإسهامات التي قدمها هذا الفرع من الدراسات، على: التقسيم الدولى للعمل وفقًا للنوع الاجتماعي (Parrenas باريناس 2001، Sassen ساسين 1996)، العلاقة بين الهجرة والمساواة بين الجنسين (أو عدم المساواة) (Grasmuck جراسموك و Pessar بيسار 1991)، وإنتاج أسر عبر قومية وموقع النساء والرجال في ذلك (Hondagneu-Sotelo هونداجنيو – سوتيلو 1994). ولحسن الحظ، بدأ البعض في مساءلة تلك الصورة وتحديها، في مجال صناعة السينما على الأقل . فعلى سبيل المثال يسلط فيلم «قص ولزق» (2006) للمخرجة هالة خليل الضوء على فكرة أن النساء أيضًا يسعين لتدبير وسائل تساعدهن على الهجرة. يروى الفيلم قصة امرأة في الثلاثين من عمرها تسعى بكل الوسائل لتستوفي شروط الهجرة إلى نيوزيلانده. وفي سعيها اليائس لاستيفاء الشرط الأخير، تحاول أن تتزوج «على الورق فقط» ، حيث يشكل الزواج إحدى النقاط الداعمة في طلب الهجرة. ليس هذا سوى مثال واحد فقط على رغبة النساء في الهجرة والانخراط في العمليات عبر القومية وبالمثل، تستهدف هذه الدراسة توضيح الدور الذي تلعبه النساء في الهجرة المصرية وفي الحركة المصرية عبر القومية من خلال إلقاء الضوء على العديد من تجارب النساء في السفر والعيش بين عدة بلدان والتشديد على دورهن في تكوين، وإنشاء ونقل بيوتهن الزوجية.
تركز الأعمال البحثية المتعلقة بالأمريكان العرب على تاريخ المهاجرين العرب للولايات المتحدة بصفة عامة ( Naff ناف 1985 ,Shakir شاکر 1997, Suleiman سلیمان 1999) وعلى المسلمين بصفة خاصة، بمن فيهم العرب، والمهاجرين من جنوب آسيا، والأمريكان ذوو الأصول الأفريقية ( Aswad أسود و Bilge بيج 1996, Jamal جمال 2005). وفي سياق تتبعهم لتاريخ المسلمين–الشرق أوسطيين– العرب في الولايات المتحدة يشير الباحثون إلى إمكانية تقسيمه إلى ثلاث موجات كبرى، من ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية، ومن الحرب العالمية الثانية إلى ستينيات القرن العشرين، ومن الفترة ما بعد عام 1965 حتى اليوم. سأركز في هذا القسم من الدراسة على الفترة ما بعد 1965 حيث إنها الفترة التي شهدت أضخم تدفق للمهاجرين المصريين (Bryan بريان 2005 )، بينما سأحاول الاقتراب سريعا من بعض الجوانب الخاصة بالمهاجرين العرب الأوائل والتي لعبت دورًا في تشكيل الجماعات المصرية المهاجرة في الوقت الراهن، وخاصة تصنيفهم “العرقي” في الولايات المتحدة.
إن التحيزات والصور النمطية المعادية للمهاجرين العرب الأوائل قد انعكست في الخطابات الشعبية والرسمية على حد سواء. ففي عام 1910 اعتبرهم «مكتب الإحصاء» بالولايات المتحدة غير مؤهلين للحصول على الجنسية الأمريكية عن طريق تصنيف الشرق أوسطيين، بمن فيهم العرب، ك “أتراك في آسيا“. ونتيجة ذلك، شهدت المحاكم الأمريكية العديد من الدعاوى القضائية التي تجادل بأن اللبنانيين/ السوريين، والأرمن، والمهاجرين الشرق أوسطيين ينتمون للجنس القوقازي، كاشفة بذلك عن استدماجها الخطاب الاستعماري الخاص بالعرق الأبيض. وبناء على ذلك صارت الجماعات المنحدرة من أصول شرق أوسطية، بمن فيهم المصريون، تصنف بصفة رسمية على أنها “بيضاء“، وهكذا أصبحوا، رسميا، غير مرئيين في خضم البحر المؤلف من الأغلبية البيضاء (Samhan سامهان 19). بيد أن تلك الحالة من الخفاء وعدم الظهور قد تم استبدالها ، كما تشير “نابر” (Naber ) (2000)، بالنظرة العنصرية في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
شهدت حقبة ما بعد 1965 تدفقًا سريعًا لجماعات من المهاجرين العرب ذوى أصول دينية وجغرافية متنوعة نتيجة التعديل الذي أدخل عام 1965 على “قانون الهجرة ومنح الجنسية“، ثم صدور “قانون إصلاح ومراقبة الهجرة” عام 1986. ونتيجة تأثرها الشديد بنزعة القومية العربية السائدة في تلك الحقبة والمرارة التي خلفتها حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، تتميز تلك المجموعة من المهاجرين عن سابقيهم من حيث قوة مشاعرهم القومية، وانتقادهم للسياسة الخارجية الأمريكية، وضعف تماهيهم الوطنى مع الولايات المتحدة (Samhan سامهان 1999)، وقاموا ببناء تحالفات مع آخرين، بمن فيهم أنصار الإسلام السياسي، المناوئين للإمبريالية الغربية، ونشأ نوع من التوتر السياسي بينهم وبين إخوانهم في العرق المولودين في الولايات المتحدة خاصة هؤلاء المنتمين إلى الموجة الأولى للهجرة (Naber نابر 40: 2000). وقد ذهب البعض لأبعد من هذا فجادلوا بأن المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة في الحقبة ما بعد 1965 تعرضوا لعملية متناقضة وفريدة من التفرقة العنصرية المستندة إلى الدين والنوع الاجتماعي والتنميط العرقي السلبي فهم «بیض» طبقًا للسجلات الرسمية، لكنهم «ليسوا بيضا تماما» في النظام العنصري الأمريكي المدعوم من وسائل الإعلام الأمريكية والخطابات الحكومية (مصدر سابق). وقد تفاقمت عملية التفرقة العنصرية ضد المسلمين – الشرق أوسطيين– العرب في حقبة ما بعد الحادى عشر من سبتمبر وانطوت، فضلاً عن ذلك، على تقسيم طبقى. تجادل كل من «بریان» (Bryan) (2005)، و«داز جوبتا» Das Gupta)) (2005)، استنادًا إلى دراسات اثنوجرافية أجريت في نيويورك ونيوجيرسي، بأن امتيازات المواطنة، واللغة والمظهر قد أنقذت المسلمين– الشرق أوسطيين– العرب المنتمين للطبقة الوسطى العليا وتركت الطبقة العاملة في أوضاع هشة وسيئة للغاية. وباستثناء عدد قليل من الباحثات، مثل «أيوبى» Ayubi)) (1983), و «برایان» (Bryan) (2005)، و(دار جوبتا» (Das Gupta) (2005)، و«البدري» ( El Badry) و «بوستون« Poston) ) (1990)، و«جونز»Jones)) (2000)، أهمل الباحثون، بشكل عام المغتربين المصريين في الولايات المتحدة، خاصة المقيمين منهم في نيويورك.
وفيها يخص التحليل الجندري لتلك الفئة، فكثيرا ما يستند لعدة إشكاليات. أولاً، كثيرًا ما يفترض أن المهاجر العربي مسلم، بالرغم من أن أكثر من ثلثي الأمريكان العرب مسيحيون (Read ريد 2004). ثانيا، حين تتطرق هذه الأدبيات للمهاجرة العربية، كثيرًا ما يتم تصويرها على أنها محصورة في الأدوار التقليدية للأنثى مثل رعاية الأطفال والأعمال المنزلية. ثالثًا، كثيرًا ما تعزى أسباب الخلافات حول تقسيم الأدوار بين الجنسين في نطاق المنزل والعائلة، إلى المؤثرات الثقافية «العربية»، المتجذرة في «الثقافة الإسلامية». كثيرًا ما يتم عرض محددات المؤثرات الثقافية «العربية» عرضًا إجرائيًا على النحو التالي: يشير الانتماء الديني إلى العضوية في جماعة دينية فرعية إسلامية، الورع معناه قوة المعتقدات الدينية، الهوية العرقية، زواج الأقارب، التعلق بالوطن، وتبنى أفكار تقليدية، إلى حد ما، فيما يتعلق بمسألة النوع الاجتماعي (انظر Aswad أسود و Bilge بيج 1996؛ Haddad حداد و Smith سميث 1996 ؛ Suleiman سلیمان 1999). فبينما تنطبق بعض من هذه الخصائص على الهجرة العربية في الولايات المتحدة، وخاصة الأقليات المسلمة منها، إلا إنها تصور المهاجرين العرب كمجموعة متميزة بطابع لاطبقى حيث إن تجارب النساء لا تتأثر بالخصائص الثقافية والاجتماعية للطبقة التي تنتمى إليها.
ولحسن الحظ، بدأت مجموعة من الأدبيات التي ظهرت حديثا تلفت الانتباه إلى المساهمة الفعالة للنساء المسلمات– الشرق أوسطيات– العربيات من الطبقة العاملة، في الاقتصاد العرقي (Dallafar دالافار 1996)، وفي التجمعات الدينية الإسلامية (Jamal جمال 2005). غير أن تلك الأدبيات لم تتطور بشكل كامل بحيث يمكن استخدامها كأطر نظرية لتلك المجموعة، حيث تركز، بالأحرى، على دراسات الحالة. ولأغراض هذه الدراسة، أقترح إدماج هاتين المجموعتين من الأدبيات كى نفهم تجارب العالمة النسائية المغتربة/ المهاجرة. تقدم النسويات الملونات نماذج نظرية لتحليل النوع الاجتماعي والظواهر عبر القومية في حين يقوم الباحثون، الذين يركزون على المسلمين–الشرق أوسطيين – العرب, بإضافة الخصوصية، إن وجدت، المتعلقة بالقضايا التي يعالجونها.
سأركز في هذه الدراسة على الولايات المتحدة باعتبارها أكثر البلاد المضيفة للمهاجرين المصريين في البلدان الغربية، وتحتل مركز أكثر البلاد المصدرة لتحويلات المصريين العاملين بالخارج (Zohry زهری 2003).
علاوة على ذلك، خلافا لتيارات الهجرة المصرية الأخرى، فإن حركة العمالة المصرية للولايات المتحدة، تخضع بالكاد لرقابة و/ أو تحكم «وزارة القوى العاملة والهجرة والجنسية المصرية، و/ أو وكالات الهجرة الخاصة» أو «مكتب خدمة الهجرة ومنح الجنسية» بالولايات المتحدة.7 وفي حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، تعرض المسلمون – الشرق أوسطيون – العرب في الولايات المتحدة، المذين تكشف أجسادهم، أو أسماؤهم، أو ملابسهم، أو جنسيتهم، أو أى سمات أخرى، عن خلفيتهم العربية و/ أو الإسلامية، لأعمال عنف ذات طبيعة عنصرية أو متعلقة بالنوع الاجتماعي، خاصة في أوساط الطبقة العاملة (Bryan بريان 2005, ,2005 Das Guptas Jamal جمال و Naber نابر 2008).
يعبر العمال المصريون المغتربون حدود دول نيوليبرالية في عالم يتجه بسرعة متزايدة نحو العولمة، وينخرطون في حقول اجتماعية عبر قومية تتشكل بواسطة مؤسسات وفعاليات مثلما تسهم هي في تشكيلها. ويمكننا أن نطور إطارا تحليليا يأخذ بعين الاعتبار العولمة كمسرح للأحداث، والحقول الاجتماعية عبر القومية كعمليات وممارسات، والنيوليبرالية كمنطق ونمط للتنظيم والتحكم، مع الأخذ بعين الاعتبار وحدات التحليل متعددة المستويات عن طريق الاسترشاد بالنقاشات المتعلقة بالعولمة، والليبرالية الجديدة وعبر القومية لتوضح كيف يمكن لتلك العناصر أن تتكامل من أجل تحليل تجارب النساء عبر القومية، وتكوين مفاهيم أساسية سيتم استخدامها خلال هذه الورقة.
دفعت الدراسات الخاصة بتدفق البشر، والأشياء، والأفكار، ورأس المال الباحثين في مختلف المجالات البحثية لبلورة إطار عبر قومى لدراسة «رأس المال، والأفراد، والجماعات والمنظمات، والشركات التجارية، والحركات الاجتماعية، والدول، والهويات، والمواطنة والتمثيلات الثقافية، والأفكار» و«تجاوز القومية المنهجية التي تساوى بين المجتمع والدولة القومية» (Schiller شيلر 439: 2005). قدمت تلك النقلة المعرفية نموذجًا جديدًا لدراسة أحوال العمال المغتربين (Schiller شيللر 100: 2003). واستلهم الباحثون هذا الإطار، فضلاً عن قصص وتواريخ العمال المغتربين، واقترحوا أنه «عندما يسافر المغتربون عبر حدود الدول، لا يتركون أوطانهم خلفهم بالضرورة، لكنهم، بالأحرى، يصطنعون علاقات ثقافية، وسياسية، واقتصادية تربط بين أوطانهم والمجتمعات المستقبلة لهم» (Inda إندا و Rosaldo روزلتو 2001:154)، بهدف تقويض التعارض الذي دام طويلاً بين المغتربين والمهاجرين. وبين المقيمين بصفة دائمة والمقيمين بصفة مؤقتة. وتعد قصص القادمين من الهند الغربية (Foner فوتر 2001)، ومن جرينادين وفينسنت (Basch et باش 1994)، ومن غرب أفريقيا (Stoller ستولر 2002)، ومن المكسيك (Smith سميث 2006 ) في مدينة نيويورك، مجرد أمثلة قليلة توضح الطرق المتعددة التي يمكن للمغتربين/ المهاجرين من خلالها أن ينخرطوا في النسيج الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي لكل من الولايات المتحدة، وأوطانهم الأصلية. وقد فهمنا من خلال تلك المجموعة من الأدبيات، أن الأنشطة والممارسات عبر القومية تشمل (دون أن تكون مقتصرة على)، العضوية في عائلات عبر قومية، إرسال و/ أو استلام تحويلات نقدية وأشياء عينية وأفكار جديدة، المشاركة الفعالة في المنظمات المحلية الاجتماعية، و/ أو الثقافية، و/ أو السياسية، فضلاً . عن صوغ تحالفات وعلاقات عمل بين الوطن الأصلي وبلد الإقامة. لكن لماذا ينخرط العاملون المغتربون بشكل متزايد في الحقول الاجتماعية عبر القومية؟ إحدى الإجابات الممكنة هي أن الهجرة عبر القومية قد تشكلت بمدى ودرجة اندماج المغتربين/ المهاجرين سياسيا واقتصاديا في البلدان التي يقيمون بها ( Basch et باش 1994 Ong أونج 1999). على سبيل المثال، استنادا إلى نتائج دراسة عملية على سكان نيويورك من ذوي الأصول الفلبينية والكاريبية، وجدت «باش» (Basch et) ( 10 : 1994) أن عبر القومية كانت بمثابة رد فعل لهشاشة الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي يواجهها المغتربون/ المهاجرون، مثل التصنيف العرقي السائد في الولايات المتحدة، ونمو المشاريع الوطنية في أوطانهم الأصلية، والتغير في حجم وتركيب المجموعات العرقية في نيويورك، وقوى الرأسمالية العالمية، والأوضاع في النظام العرقي العالمي (مصدر سابق). لكن، هل تستند الأنشطة عبر القومية إلى الظروف المادية فقط؟ بالطبع لا، «فالأنشطة عبر القومية والحقول الاجتماعية تحركها عوامل اجتماعية، وثقافية، وايديولوجية أخرى ذات طابع تاریخی محدد» (Al-Ali العلى و Koser كوسر 2001:101). وقد تعلمنا من «ليس للنقود رائحة» (Stoller ستولر 2002) أن المغتربين القادمين من غرب أفريقيا، يؤسسون شبكات عبر قومية بين غرب أفريقيا وشمال أمريكا في محاولة لإعادة إنتاج التقاليد العائلية. وبالمثل، ينخرط العاملون المغتربون المصريون في أنشطة عبر قومية قائمة على خليط من العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، مثل الزواج من الوطن، وتكوين عائلات عبر قومية حيث يؤسس أفراد العائلة بيوتا في مصر والولايات المتحدة ويتنقلون بينها.
لكن هل عبر القومية مجرد إطار لفهم العمليات الوسيطة (Parrenas باريناس 2001) أو ما كان يسمى «المستوى المتوسط» (Smith سميث و Guarnizo جوارنيزو 1998)؟ إجابتي هي لا، حيث تتجاهل تلك الطريقة في التفكير الأنشطة عبر القومية والحقول الاجتماعية الموجودة على مستوى الدول القومية. في محاولتهم لتعميق فهمنا لعبر القومية، أدرك الباحثون أننا بحاجة للتفرقة بين عبر القومية من «أعلى»، وعبر القومية من «أسفل»، حيث يصفون الأولى بأنها «بنيات وعمليات من المستوى الأشمل وتضم حيز التأثير الإعلامي، والتكنولوجي»، و«الاقتصاد الثقافي العالمي»، ويصفون الثانية بأنها «أنشطة المغتربين الشعبية واليومية، وعلاقاتهم بالحركات الاجتماعية والائتلافات» (Basch et باش 121: 2000). وانطلاقًا من هذه الفرضية، ظهرت فكرة الحقول الاجتماعية عبر القومية «کشبكات ممتدة عبر حدود الدول القومية» المستقاة من فكرة «بورديو» الخاصة بالحقل الاجتماعي والتي تبرز دور كل من البنية والفاعلية في تنظيم تلك المجالات وخضوعهما للقوة التنظيمية لتلك الحقول في الوقت نفسه (Schiller شيلر 2005). ومع ذلك، تتعامل كثير من الدراسات الخاصة بعبر القومية، كما أشارت «جليك شيلر» (Glick Schiller)، مع الدول المنخرطة في تلك الحركات كما لو كانت تتمتع بنفوذ متكافىء في المجال الدولى، وبذلك فإنهم يبعثون الحياة مرة أخرى في القومية المنهجية «في صورة قومية منهجية عبر قومية من خلال الحفاظ على شكل من أشكال صناعة –الحدود عبر ربط الممارسات عبر القومية بدول قومية مستندة إلى حدود قومية محددة والحفاظ عليها أو تكوينها» ( 443: 2005). على سبيل المثال، فإن راغبي الهجرة ليسوا منخرطين في ممارسات عبر قومية يتم تنظيمها والتحكم فيها، وان كان عن بعد، بواسطة الدول القومية فحسب، بل إن اختيارهم للولايات المتحدة تتحكم فيه بدرجة كبيرة تدخلات الولايات المتحدة عبر القومية في الشئون المصرية. وفى الواقع فإن الولايات المتحدة قد لعبت دورًا أساسيًا، وإن كان متناقضا، في شئون مصر الاقتصادية والسياسية.
ولأغراض هذه الدراسة، سأوظف مفهوم «الحقول الاجتماعية عبر القومية» كما طورته «شیلر (Schiller) (2005). تتم العمليات عبر القومية، في حالة العاملين المصريين المغتربين في نيويورك، من «أعلى» ومن «أسفل». لا تتم تلك العمليات داخل حدود الدول القومية وتحت سيطرتها فحسب، بل تتم أيضًا في حقول الهيمنة المالية، والعسكرية، والثقافية. سأقوم بتوظيف عبر القومية كإطار تحليلى عام أستهدف من خلاله الإجابة عن الأسئلة العامة والخاصة لهذه الدراسة التي تمت الإشارة إليها سابقًا، عن طريق دمج الأطروحات التي قدمها منظرو نسق الهجرة الذين لفتوا الانتباه إلى أن تيارات الهجرة تقودها وتشكلها روابط اجتماعية، واقتصادية، وثقافية سابقة، تربط بين البلدان المرسلة والمستقبلة، من ناحية (Kasinitz کاستلز و Miller ميللر 24: 1998 – 25)، والمنظور عبر القومی کما طورته «جليك شيلر» (Glick Schiller) (2005)، من ناحية أخرى، كي نفهم كيف أن الولايات المتحدة ومصر «كمكانين – في العالم – …. يعملان من خلال نسق تحكم أشمل وما يعنيه ذلك بالنسبة لطريقة فهمنا لنظام سياسي، واقتصادی، واجتماعی «عالمی» يكتسب طابعا عبر قومی على نحو متزايد» (Ferguson فيرجوسون 5: 2006 ).
يتم استخدام العديد من التعريفات المفهومية التي ظهرت من خلال الدراسات الخاصة بعبر القومية والتي نجدها ذات فائدة لهذه الدراسة. تشمل هذه المفاهيم التالي: الممارسات عبر القومية، والأسر/ العائلات عبر القومية. يتم تعريف الممارسات عبر القومية بأنها «العمليات التي يقوم المغتربون من خلالها بإنتاج والحفاظ على صيانة روابط اجتماعية متعددة الجوانب تربط بين الأسرة، والعلاقات الاقتصادية والسياسية» (Basch et باش 118: 2001). ومن ناحية أخرى، تُعرف الأسر عبر القومية بأنها، أسر نووية وممتدة في الوقت نفسه، متفرقة عبر الحدود الدولية، ويميل أفرادها لقضاء فترات طويلة في بلد أو آخر وفترات أخرى في بلد أو آخر ولأسباب متنوعة. تتألف تلك الأسر من أبناء، وآباء، وأشقاء، وعدلاء، وأعمام، وأبناء إخوة، وآباء روحيين وأمهات روحيات، على جانبي الحدود. تتميز مواقعهم الجغرافية بالسيولة. يأتون ويذهبون في الإجازات وقد يمكثون لفترات غير محددة سلفًا. وقد يكون لديهم أحيانا أعمال وممتلكات على جانبي الحدود، والأهم من ذلك هو أنهم يؤسسون أعمالهم ومشاريعهم في كلا البلدين (Lima لیما 78: 2001).
الغالبية العظمى من المغتربين الذين قابلتهم لديهم أسر نووية وممتدة منتشرة عبر الحدود وتتطابق بذلك مع تعريف الأسر عبر القومية. الحالة المتكررة هي حين يعمل الزوجان في الولايات المتحدة ويتركان أبناءهما في رعاية أقارب الزوج أو الزوجة في الوطن، حيث تندمج أسرتهما عبر القومية، ممثلة في الأبناء، مع عائلتيهما عبر القومية، وأقصد بها الأشقاء والشقيقات، والأجداد، والأعمام، والعمات في بلد الأصل.
خلال العقد الماضي، ازدهرت مجموعة من الأدبيات التي ركزت على تأثير العولمة والنيوليبرالية على إضفاء الطابع عبر القومي على العمل (Basch et، باش 1994 أونج 1999, Parrenas باريناس 2001, Sassen ساسن 2001). تفسر العولمة بالآليات التي تتحكم في حركة رأس المال، والبشر، والأفكار والممارسات الثقافية والتي تنظم مؤسسات الدولة المنوط بها إدارة تلك الحركة (Basch et باش 1994). بكلمات أخرى، تعد العولمة بمثابة مظلة تجرى تحتها الحركات عبر القومية من «أعلى» ومن «أسفل». تتعامل تلك الطريقة في التفكير مع العولمة باعتبارها مظلة جامعة مانعة تعمل على مستوى شامل بطريقة لا زمنية ولا تاريخية، وتتناول حركات اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وسياسية دون أن تتطرق إلى (2001:189 أسئلة من عينة «حدود الترابط،…. المناطق التي لا يستطيع رأس المال أن يدخلها، و…. خصوصية البنيات الضرورية لعمل تلك الترابطات» (Coope كوبر 189: 2001). كذلك يتم استخدام العولمة كمرادف للفعاليات التي تجرى في عالم واحد بلا حدود أو قيود (Ferguson فيرجسون 2006). في هذه الورقة، يستخدم مفهوم العولمة بشكل أكثر تحديدًا، وذلك لرصد ممارسات وعمليات كما تجرى في مكان بعينه في سياقات مؤسسية، وتاريخية. وجغرافية محددة، حيث تقوم بتشكيل المؤسسات، والبنيات، والفاعلية، مثلما تتشكل هي بها أيضًا (Ferguson فيرجسون 2006).
وعلى هذا النحو، فالعولمة مسرح اقتصادي، واجتماعي ، وثقافى ، وسياسي، يتم فوقه، منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين وحتى الآن، تكوين وإنتاج وإعادة النظر في عملية تشكل ذات العاملين المصريين المغتربين إزاء مواضعهم في النظام الرأسمالى العالمي، والعائلة، والدولة، وأنظمة العمل. على سبيل المثال، تتمثل إحدى عمليات العولمة الاقتصادية، والتي تجرى على نطاق واسع للغاية في حقبة العولمة الرأسمالية، في المحافظة على نظام عالمى تراتبي ينظم علاقات عمل غير متكافئة بين البلدان المرسلة والبلدان المستقبلة، حيث يتم استخدام العمالة الرخيصة المنتمية للأولى لخدمة مواطني مجموعة الدول الأخيرة، ويطلق على هذه العملية التقسيم الدولى للعالة (Kasinitz كاستل وميلر 1998 Harvey هارفي 1985 Sassen ساسن 2001, Wallerstein وولريشتاين 1979). منذ منتصف السبعينيات قامت مصر بإمداد أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، ودول النفط وبعض الدول العربية بالعمالة المصرية ذات الأجر المنخفض والمكانة المنخفضة (Talani تالانى 2003). وهكذا، يمكن النظر إلى العاملين المصريين بالخارج، رجالاً ونساءً، باعتبارهم مصدرا للعمالة من دول أقل تقدمًا إلى دول أكثر تقدمًا من الناحية الاقتصادية في إطار الاقتصاد الرأسمالي العالمي, في معظم الحالات يكون لتلك الانتقالات علاقة وثيقة بالنوع الاجتماعي، ففي الدراسة التي أجرتها الباحثة راشيل باريبناس على عمال المنازل الفلبينيين في إيطاليا والولايات المتحدة، تجادل بأنه على الرغم من الفروق في السياقات للدول المستقبلة للعمالة، الولايات المتحدة وإيطاليا تحديدًا، يمر عمال المنازل بتجارب نزوح متشابهة نتيجة العولمة الرأسمالية، فهن خادمات للعولمة.
وتعد الليبرالية الجديدة هي المنطق المحرك لتلك العملية. تشير الليبرالية الجديدة إلى نظرية في الممارسات الاقتصادية السياسية تدافع عن تفكيك دولة الرفاه وتخفيف القيود المفروضة على علاقات العمل باسم مجتمع السوق «الحرة» في مواجهة الدولة البيروقراطية «الراعية». تزعم الليبرالية الجديدة أنها تسعى لتعزيز «الحرية الفردية»، و«الكرامة الإنسانية»، وتجادل بأنه من الممكن تدعيم تلك الأفكار على أفضل نحو من خلال حقوق ملكية قوية، وأسواق حرة، وتجارة حرة. في ظل النظام الليبرالي الجديد، تصير تعاملات السوق نسقا أخلاقيًا قائمًا بذاته جديرًا بأن يقود ويوجه كل الأنشطة الإنسانية دون مساءلة. كما تستهدف جلب كل الأنشطة الإنسانية إلى نطاق السوق والذي يعتقد أنه يمتلك قدرة تكاد تكون سحرية على إحراز أفضل النتائج تحت أي ظرف. فالسوق بوسعها أن تحل جميع المشاكل، بينما ليس على الدولة أن تلعب أي دور سوى حماية الملكية الخاصة، والأسواق الحرة والتجارة الحرة (Harvey هارفي 2005). وهكذا، تشكل الليبرالية الجديدة نمط التحكم الذي يضبط وينظم مسرح العولمة الرأسمالية. ومن أهم ملامح العولمة الاقتصادية والثقافية الميسرة لممارسات الحقول الاجتماعية عبر القومية في النظام العالمي الليبرالي الجديد لحقبة ما بعد التسعينيات ما يلي: أولاً، أعادت الليبرالية الجديدة تشكيل التراتب الطبقي، مما مكن نخبة مسيطرة قليلة العدد من احتكار السوق والمجال السياسي. ثانيًا، أزالت الليبرالية الجديدة أي فكرة تتعلق بالمسئولية تجاه الشعب عن طريق تخفيض الرفاه والدعم، وأفسحت المجال للخاص ليصبح هو الوسيط الرئيسي للتنمية. ثالثًا، تسببت الليبرالية الجديدة في ظهور استقطاب جذري بين الأغنياء والفقراء وانكماش هائل للطبقة الوسطى. وقد تطلب تحول الدولة المصرية نحو الليبرالية الجديدة، جنبا إلى جنب مع إنتاج خطاب «الهجرة هي “الحل“»، إنتاج توافق عام على مبادئ الليبرالية الجديدة.
وقد ظهر ذلك بوضوح في إعادة تشكيل خطاب الدولة المصرية وتحويله من نمط تنظيم ذي طابع اشتراکی قائم على مبدأ الرفاه من خلال تحسين الصحة، والتعليم، والإسكان، إلى نمط تنظيم ليبرالي جديد يشدد على الإحساس الفردي بالمسئولية بين المواطنين بدلاً من الاعتراف بفشل الدولة في تقديم الخدمات كنتيجة لتبنيها سياسات الليبرالية الجديدة.
ولتبرير هذا النمط الليبرالي الجديد، جادل علاء الاقتصاد النيوليبراليون في الخمسينيات والستينيات، بأن مشكلة التنمية تنبع من تدخل الدولة الزائد على الحد (2005). وانطلاقًا من هذه الفرضية، دافعوا عن الحاجة لإعادة هيكلة السوق من خلال التجارة، والتحرير المالى، وخصخصة مرافق القطاع العام من أجل الوصول لحل لمشكلات العجز والديون الحكومية. وصارت تلك الأيديولوجية الخاصة بالمشروع النيوليبرالي عبر القومي تعرف باسم «إجماع واشنطن». وقد نالت الدولة المصرية حصتها من هذا «الإجماع». إن تبنى سياسات التكييف الهيكلى النيوليبرالية، والتي بدأت في منتصف السبعينيات تقريبا بعد تحرير الاقتصاد (الانفتاح)، وتزايدت في التسعينيات، قد أعاد تشكيل الاقتصاد الوطنى المصرى بما يتلاءم مع مصالح التراكم الرأسمالي العالمي (Mitchell ميتشيل 2002).
إن تبنى الدولة المصرية لسياسات التكيف الهيكلي، واستدماجها في أنظمة الحكم المصرية الليبرالية ثم النيوليبرالية فيها بعد، أبعد الدولة بعيدا عن أداء دورها في تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية وتسبب في أزمة بطالة شديدة الوطأة. لقد قام كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولي والدول القوية بالتعاون مع النخبة المصرية، بتوجيه سياسات الدولة المصرية نحو تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وخصخصة القطاع العام الذي لعب دورًا أساسيًا في توفير فرص العمل في القطاع الصناعي في الخمسينيات والستينيات (Momani مومانی). فقد تمت خصخصة قطاع صناعة النسيج، على سبيل المثال، مما ترك العمال تحت رحمة أرباب العمل واتحادات عالية ضعيفة لا تكاد تخدم مصالحهم. إن تحويل المناطق الصناعية إلى “مناطق صناعية سابقة،” يوضح على نحو جلى إدراك الناس للتأثير السلبي الذي تركته الخصخصة على حياتهم، خاصة فيها يتعلق بفرص العمل. ففي عام 1984 كانت مدينة «كفر الدوار»، والتي ينتمي إليها كثير من المبحوثين ممن شملهم هذا البحث، مشهورة بمصنع نسيج «شركة مصر للغزل والنسيج ». ولقد شهدت المدينة واحدًا من أقوى النضالات العمالية على مدى التاريخ في مصر نتيجة تدهور مستويات وظروف العمل الذي حدث مع بداية تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي في مطلع الثمانينيات (El Shafei الشافعي 1995).
لم تفتح مصر ذراعيها للاستثمار الأجنبي فحسب، بل دفعت عالها أيضًا للهجرة بغرض تدعيم اقتصادها بالعملة الصعبة وتخفيض معدلات البطالة والتوظيف دون الكامل، مما جعل الهجرة الدولية نصرًا محوريًا في التاريخ السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي لمصر (Zohry زهري 2003). وفي الحقيقة، شكلت عائدات المصريين العاملين بالخارج دومًا مصدرًا اقتصاديًا مهمًا اعتمد عليه الاقتصاد المصرى إلى حد بعيد، وتم استخدامه لإصلاح العجز في المدفوعات وتمويل المشروعات الخاصة (تقرير التنمية البشرية لمصر 2005). كانت نتيجة ذلك أن شجعت الحكومة المصرية الهجرة إلى الخارج بصورة كبيرة. وتم القيام بعدد من الإصلاحات لتسهيل دخول وخروج المغتربين، واستهدفت العاملين بالقطاع العام على وجه الخصوص.
تشمل تلك القوانين التالي: مادة 52 من دستور 1971، التي منحت جميع المصريين حق الهجرة من مصر والعودة إليها، دون عوائق قانونية، «قانون الهجرة» لسنة 1973 الذي أزال جميع العوائق أمام الهجرة بأن سمح لموظفي الحكومة والقطاع العام بالعودة إلى وظائفهم بعد سنة من تقديم استقالتهم، قانون رقم 111 الذي استهدف تدعيم المصريين العاملين بالخارج، خاصة العاملين بدول الخليج العربي الغنية بالنفط (Zohry زهری 22: 2003).
أظهرت الدراسات الإثنوجرافية التي أجريت في مناطق محدودة الدخل بمصر أنه في ظل السياسات النيوليبرالية، لم تعد الهجرة استراتيجية أساسية للصعود الاجتماعي فحسب، بل صارت هي “الأمل” لدى المتعلمين وغير المتعلمين على حد سواء للحصول على أجور مجزية وتكوين مدخرات لتحسين أحوالهم وأحوال أسرهم (على 2002 ,Hoodfar هودفار 1997 Ghannam غنام 2006, Singerman سنجرمان 1995).
علاوة على ذلك، كثيرًا ما يتم تصوير البطالة والتوظيف دون الكامل بين خريجي الجامعات على أنها نتيجة «الإخفاقهم» في مواكبة احتياجات سوق العمل. في برنامج أذيع مؤخرًا على شاشة قناة «أو تي في»، أجرى لقاء مع منظمة شبابية تقدم برامج تدريب على العرض، والتسويق، وغيرها من المهارات التي يحتاجها سوق العمل العالمي، والرسالة التي حاول مدير الجمعية أن يوصلها، مستخدمًا كلمات انجليزية معظم الوقت، هي كالتالي: «خريجو الجامعات المصرية ليسوا مواطنين نشطين، فهم ينتظرون أن تهبط الفرصة عليهم من «السماء»، ولا يسعون مطلقًا لتطوير مهاراتهم». وهكذا، قدمت النيوليبرالية أفكار المواطنة النشطة، والتخطيط الذاتي، وشددت على الدور الفعال للفرد في حل مشاكله (ها) عن طريق اكتساب المهارات والقدرات أو حتى عن طريق البحث عن عمل بالخارج. ونتيجة ذلك، قامت النيوليبرالية بالترويج للفردانية، والملكية الخاصة، والتخطيط الذاتي، والمسئولية الشخصية بدلا من التكافل وغيره من أشكال التضامن الاجتماعي، مع الانسحاب الكامل للدولة(Harvey هارفي 2005).
يحيلنا هذا للأدبيات الخاصة بإضفاء الطابع عبر القومي على العمل، والتي أنتجتها سياسات إعادة هيكلة أسواق العمل، ورأس المال، وتشريعات الهجرة في الدول القومية الرأسمالية المتقدمة التي تشجعها السياسات النيوليبرالية. ونتيجة أزمة الفائض في الأسواق العالمية بالولايات المتحدة، كانت حقبة الثمانينيات بمثابة لحظة فارقة في عملية إعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية للعمل ورأس المال. وظهرت عمليات تفكيك البنية الصناعية، خاصة في المناطق الحضرية، وتم استبدال الوظائف ذات العائد المجزي في قطاع الصناعة التي تحميها اتحادات العمال، بوظائف غير مستقرة، ومرنة، ومنخفضة الأجر في قطاع الخدمات والأعمال الكتابية، كما تمت خصخصة عمليات إنتاج البضائع والخدمات وفصلها تمامًا عن أي أهداف أو اعتبارات اجتماعية وإخضاعها بشكل مباشر لآليات قوى السوق الساعية للربح. وفي الوقت نفسه شهدت أنشطة الاقتصاد الهامشي، كمحال الحلوى، والباعة الجائلين، وعمالة الأطفال، ازدهارًا غير مسبوق (Sassen ساسن 2001).
تسببت تلك التغيرات في ظهور طلب متزايد على العمالة الرخيصة، خاصة منا النساء، من الدول النامية. كان عليهن أن يملأن الفجوات في الوظائف الثانوية فيما تبقى من القطاع الصناعي وقطاع الخدمات (Sassen ساسن 1984).
علاوة على ذلك، تسببت سياسات إدارة «بوش» النيوليبرالية في دخول العمال في منافسة شرسة فيما بينهم، وتخفيض تكاليف الإنتاج بأقصى ما يمكن، وامتصاص العمالة المهاجرة الرخيصة غير الشرعية من البلدان الأقل تقدمًا في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (Sassen ساسن 1998, 2001)
لم تكن ثمة حاجة للعمالة المهاجرة لضمان تشغيل خطوط الإنتاج الرخيصة فحسب، بل أيضًا لشغل وظائف في قطاع الخدمات المتنامي والذي نشأ بهدف المحافظة على أساليب الحياة السريعة والخاصة بالنخب الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا، فإن النظام النيوليبرالي، الذي تميز بسيطرة قطاع الخدمات والمال، أنتج سوق عمل تتسم باستقطاب شديد يتألف من شركات تجني أرباحًا طائلة يعمل لديها أفراد أصحاب كفاءة عالية، ومجموعة من الأنشطة الاقتصادية الخدمية المرنة غير الرسمية ذات معدل ربح منخفض يمارسها عاملون (مغتربون) ذوو أجور منخفضة، ورافق ذلك حدوث فصل اجتماعی ومكانی حاد بين المجموعتين (Sassen ساسن 1998 ،2001).
يمكن توضيح تجليات النظام العالمي الراهن على أفضل نحو من خلال ما أسمته «ساسن» Sassen)) (2001) بـ «المدن العالمية» مثل: لندن، طوكيو، ونيويورك. فهي تجادل بأن العمالة المهاجرة انخرطت بشكل ملحوظ في مجموعة واسعة من الأنشطة غير الرسمية منخفضة الأجر و/ أو الهامشية مثل مجالسة الأطفال، والقيادة، وخدمات الطعام التي ظهرت، على نحو مفارق، في المناطق التي تتركز فيها المؤسسات التجارية الكبرى، لخدمة كبار الموظفين كالمديرين التنفيذيين للشركات متعددة الجنسيات على سبيل المثال, علاوة على ذلك، كان العمل بتلك الوظائف ذات الدخل المنخفض والمكانة الاجتماعية المنخفضة في هذا القطاع الاقتصادي، بمثابة استراتيجية أساسية للحصول على ما يسد الرمق، ومرتبطة بشكل أساسي بجماعات المهاجرين الفقراء، كالعمال الموسميين المهاجرين، والوافدين الجدد (Foner فونر 2001).
وفيما يتعلق بقوانين الهجرة، ثمة إصلاحان أساسيان لقوانين الهجرة ساعدا على تشجيع الهجرة من مصر إلى الولايات المتحدة: التعديل الذي أدخل على «قانون الهجرة والجنسية» لسنة 1952، وأقل من ذلك أهمية، «قانون إصلاح ومراقبة الهجرة» لسنة 1986 (Mavasti مافاستی و McKinney ماك كيني 2004). فالإصلاح الأول «ألغى الحصص العرقية المقسمة بحسب الموطن الأصلى، وفرض للمرة الأولى حصة سنوية قدرها 120.000 للنصف الغربي من الكرة الأرضية، وطور نظام تفضيلات صارت بموجبه شهادات العمل ولم شمل العائلة (برنامج رعاية الزوج أو الزوجة، على سبيل المثال) هي المعايير الأساسية للحصول على وضع قانوني كمهاجر شرعی» (Hondagneu-Sotelo هونداجنيو – سوتيلو 1994: 25)، وهكذا، نتج عن هذا التعديل ارتفاع في معدلات الهجرة وتحول في الوطن الأصلى للمهاجرين من أوروبا إلى آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية. ومن ناحية أخرى، تمثل الإصلاح الثاني في برنامج منح وضعا قانونيا للمهاجرين الذين كان بوسعهم أن يثبتوا إقامتهم في الولايات المتحدة منذ الأول من يناير سنة 1982، وفي المقابل، قام بفرض عقوبات على أرباب العمل الذين يوظفون أفرادا غير مسجلين (مصدر سابق). علاوة على ذلك، ظهرت في التسعينيات سلسلة من القوانين المتناقضة لتنظيم الهجرة إلى الولايات المتحدة واشتملت على عدد من مشاريع القوانين التي دعمت واحتفت بمنح الجنسية (Coutin كوتين 2006). وأخيرًا، يعد «اللوتارى» محفلا قانونيا أنشأته الولايات المتحدة لاستقبال المهاجرين والاحتفاء . بهم، ويدخل في إطار «برنامج التعددية» الأمريكي. وبإيجاز، على الراغبين في الهجرة أن يملأوا استمارات طلب الهجرة في المواقع الخاصة بسفارات الولايات المتحدة على الإنترنت. وحين يقع عليهم الاختيار، يمرون بعدد من المقابلات الشخصية، يتحدد بموجبها ما إذا كانوا سيمنحون «البطاقة الخضراء» أم لا، ثم المواطنة بوسعهم أن يثبتوا الأمريكية في نهاية المطاف.
جادل بعض من تتبعوا تاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة، بأن التشريعات المذكورة سلفًا، خاصة إصلاح عام 1965، قد دشنت عصرًا جديدًا للمهاجرين المصريين إلى الولايات المتحدة تميز بتمثيل أكبر للأفراد ذوى المهارات العالية وأصحاب المشاريع الخاصة وتأسيس جاليات مستقرة في مناطق جغرافية معينة مثل نيويورك ونيوجيرسي، ذات أغلبية مسيحية (Jones جونز 2000 Marvasti ، مارفاستی و McKinney ماك كيني 2004). تظهر البيانات الاحصائية لـ «مكتب المواطنة ومنح الجنسية» بالولايات المتحدة أن المصريين قد استفادوا من الوسائل الشرعية للهجرة المذكورة سلفًا.
فطبقا لبيانات «مكتب المواطنة ومنح الجنسية» عام 2003، فإنه من بين 3366 مهاجرًا مصريًا تم السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، دخل 493 منهم تحت مظلة برامج رعاية الزوج/ الزوجة، وتم تصنيف 290 ضمن التفضيلات المستندة إلى التوظيف، و 997 كان لديهم زوج (ة) يحمل / تحمل الجنسية الأمريكية، و150 لديهم أبناء يحملون الجنسية الأمريكية، و303 ولدوا لآباء يحملون الجنسية الأمريكية، و187 تم السماح لهم بالدخول إلى الأراضي الأمريكية كلاجئين، وطالبي لجوء، و923 تم اختيارهم بموجب «برنامج التعددية».
أسامة من كفر الدوار، تقدم لـ “لوتارى التعددية” عام 1998 وكان لا يزال أعزبًا. تسلم أول خطاب بعد مرور بضع سنوات. في ذلك الوقت كان قد تزوج من منال وكان باستطاعتها أن يتقدما بطلب للهجرة كزوجين. وخلال المقابلة سأله المستشار إن كان يود أن يفعل ذلك لكنه رفض، استنادا إلى قصص العاملين الذين هاجروا في وقت مبكر، اعتقد أسامة أنه سيكون من الأفضل أن يسافر وحده. يقول:
«المهاجر بتبقى فرصته أحسن وهو بطوله ، يعني لو الواحد جاب أسرته هنا هيبقى هنا زي هناك ، طب ليه متغربين ، أنتي عشان تبقى معاكى أسرة هنا ، لازم تاخدى سكن مستقل ، لكن لما الواحد بطوله بيسكن مع اتنين كمان ، فبتتقسم الشقة مثلاً ألف ومتين دولار أو ألفين ، فبتتقسم على اتنين أو تلاتة ير لما انتي تدفعيهم لوحدك ، هتجيبى أسرتك يبقى لازم تدفعي الألف ومتين، كمان وانتى بطولك هتبقى مصاريفك قليلة ، الأكل والشرب انتى عارفة يعني ، مش شغله یعنی سندوتش وبتاع وبتعدى ، كلت بره كلت جوه ، بتبقى حياتك إيه إن انتى بتقضى وقت ، نادر لما تلاقى حد هنا بيتفسح ، لأن انتي جايه بس عشان تشتغلى ، كلنا كده ، أغلب الناس بتشتغل سبع تيام ، أنا واحد من الناس بفضل الشغل عشان مقعدش وافكر في الغربة وبنتي وكده وبتاع ، فبفضل ان انا أشتغل عشان بنسى بالشغل ، لو قعدت يوم ببقى في المود سيئ جدًا، خاصة بقى لو أتصلت وبنتى قالتلي انت فين ، والحكاية والرواية فيقعد طول اليوم ببقى مضايق ، ومخنوق وعايز كده أطير كده وأقعد معاهم ، فيفضل أريح نفسي من ده كله ، واشتغل… ده غير البعد الثقافي، أنا محبش أربي منار هنا» .
تتشابه حالة «أسامة» إلى حد بعيد مع حالات أخرى للعاملين المغتربين في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. لقد ترك زوجته منال وابنته منار وراءه فى مصر بهدف تعظيم دخله ومراكمة مدخرات لم يكن ليستطيع إدخارها لو أنه أحضرهما معه للولايات المتحدة. يعاني أسامة كثيرًا نتيجة ابتعاده عن أسرته، وكثيرا ما يعبر عن شعوره بالمرارة والجزع الشديد لتركه منار ومنال، فيقول:
«أتولدت (منار) وأنا هنا روحت لقتها عندها خمس، ست شهور كده ، فبدأت المعاناة تزيد. شوية ، بس الفترة الأولانية مكنش في مشاكل ، هي البنت مكنتش تعرف حاجة ، بس كل مبتكبر كل ما المعاناة بتزيد ، كل متتعلق بيا أكثر كل ما المعاناة بتزيد ، يعني أنا سبتها وكانت لسه بتقول بابا وبتاع ، وعدت سنة ورجعت مكنتش عارفاني ، لدرجة أن أنا زعقتلها ، سبتني وراحت على رجل أخويا ، وقالت أنا راحة أقول لبابا ، هي عندها بنت عمها في نفس سنها ، فبنت عمها ، فبتقول لأخويا يابابا ، فهى بتقول زيها ، واحنا عندنا عادى على مستوى الأسرة ، مش مشكلة ان البنت تقول لعمها يابابا ، احنا حتى بنحبذ ده، بنقول للعيال مثلاً أخوك ، بدل من ابن عمك نقول أخوك ، يعني كنوع أسرة واحدة وكده ، فبنحسس الأطفال ان احنا كلنا أخوات وكده ، فبنقول مثلاً أخوك مثلاً كذا وهي تقول مثلاً بابا محمد ، المهم فالبنت بقولها تعالى يا ألاء على رجلى وكده ، تقولى لأ أنا هقعد على رجل بابا ، بابا محمد ، فطبعاً بقى انهرت أنا، انهرت وبكيت واتلموا عليا كلهم ، عيطت شوت جامد ، حسیت إن غربة إيه وبتاع إيه لما بنتى تقولى ، تقول بابا لواحد تاني مهما كان بقى أخويا أو مش أخويا ، وتقوله يابابا ، قعدت بقى أعيط وبصوت ، وجم كلهم كنت بعيط بهستريا ، وجم كلهم بقى يهدوا فيا ، ومعلش ، والبنت إتسرعت. دلوقتى كل ما بسافر بقولها حجيبلك هدايا وأنا راجع، بتقولى مش عايزه هدايا، عايزاك إنت» .
واصل «أسامة» وصف كيف حاول أن يخفف من معاناته بسبب ابتعاده عن ابنته. فهو يسلط الضوء على حقيقة أن العائد الاقتصادي المجزى للابتعاد عن الأسرة، في صورة هدايا واستثمارات، لا يخفف من وطأة التكلفة العاطفية فحسب، بل يؤجل أيضًا باستمرار خطط العودة إلى الوطن. يقول:
برجع كل سنة بشنطتين هدايا للعيلة وعيلة العيلة. هناك حاولت أعملهم حاجة، شاركت في محل ملابس ، في كفر الدوار ، على أساس أنه هو عنده الخبرة يعني ، هو كان صديق يعني ، أنا وهو برأسمال وهو بالخبرة ، بس أنا فكرت في الموضوع ده لسبب ، على أساس أن أنا يبقى في حاجة للعيال. عاملهم مرتب شهرى ، بيصرفوا منه ، طبعاً قبل ما أمشى بكون دافع مصاريف المدرسة ، … وعامة لو أحتاجت حاجة ، بتاخد منه هناك من المحل ، لاما ببعتلها حاجات رمزية ، متين تلتميت دولار ، تمشى نفسها ، أصل أنا مراتي الحمد الله یعنی ، عاقلة يعني ، وقنوعة مبترهقنيش يعني ، بالطلبات وكده ، وبعدين أحنا عاملين اتفاق إن إحنا مش عايزين نرهق نفسنا ، أو أنا بطبيعتي مبحبش المظاهر ، مبحبش أعيش أو ألبس توب مش توبى، بس المشكلة هنا إن مافيش سقف لأحلام الواحد فكل ما بحقق حاجة بيطلعلي حاجة : شقة, مشروع خاص، مدرسة خاصة، عربية.
لكي يتغلب على الفجوات العاطفية في عائلته، يعتمد أسامة على تشيىء حبه لأسرته وتعويض غيابه بالسلع المادية. فهو يعمل في نيويورك ليوفر لأسرته حياة مريحة في مستوى الطبقة الوسطى بكفر الدوار، كما يتمثل ذلك في شراء منزل، وامتلاك مشروع خاص، وخطط لإرسال ابنته إلى مدرسة خاصة.
لقد أسعدني الحظ بمقابلة أسرة «أسامة» في كفر الدوار وحملت إليهم بعض الهدايا المرسلة من قبل أسامة. كانت منال، زوجة أسامة، في انتظارى على محطة القطار. امرأة في منتصف الثلاثينيات، ترتدى النقاب لأنها لا تريد لأحد أن يراها أو يلحظها خاصة أثناء غياب زوجها. أخذنا تاكسي ليوصلنا إلى منزلها. فمنال تعيش مع والديها، لكن لديها شقة خاصة بها في نفس الشارع، تفتخر بها كثيرًا. وأصرت على أن أمر بها لأراها قبل الذهاب إلى منزل والديها. بالنسبة لمنال، فإن غياب أسامة مؤلم، لكنه مجز. فهي تزعم أنهم ما كانوا ليستطيعوا أن يبنوا منزلاً للأسرة، ومتجرًا للملابس لولا اغتراب أسامة. وهي الآن حامل في شهرها الثالث. وتقول إنه في كل مرة يعود فيها أسامة إلى مصر تحاول الإنجاب، وهذه هي أول مرة تنجح في ذلك. ومنال ليست فخورة بإنجازات أسامة المالية فحسب، بل بما حازته أيضًا من رأسمال اجتماعي وثقافي نتيجة اغترابه. يقوم أسامة بتعليم منال اللغة الإنجليزية في كل مرة يعود فيها إلى مصر. ولديها كذلك نسخ من الكتب التي يستخدمها في مدرسة اللغة الإنجليزية بنيويورك. ومنار أيضًا تتعلم اللغة الإنجليزية من خلال كتب الأطفال والأقراص المدمجة التي يحضرها أسامة، ويأملان في إرسالها لمدرسة خاصة للغات بالإسكندرية العام القادم.
تقوم منال حاليًا بالإعداد لزواج أخيها محمد من نسمة، ابنة أخت أسامة. وهي تزعم أنه ما كان لهذه الزيجة أن تتم لو كان أسامة يعمل بكفر الدوار، حيث إن والديه ليسا مسورا الحال ولا يستطيعان تحمل تكاليف جهاز ابنة أخته، عكس والديها الميسورين، اللذين: عاشا في السعودية في الثمانينيات، وتركاها هي وأشقاءها، في رعاية جدتها لأمها.
توضح حالة منال وأسامة كيف أنه ثمة عوامل هيكلية وثقافية تدفع وتحفز عملية إعادة تشكيل عائلات المغتربين المعاصرة من البنيات النووية إلى البنيات عبر القومية. أقصد بالعائلات عبر القومية، تلك العائلات التي يعيش أفرادها الأساسيون – الزوج، والزوجة، والأبناء – في أكثر من دولة. لقد أوضحت الباحثات أن تكوين عائلات عبر قومية يعد ممارسة شائعة بين المغتربين العاملين في الولايات المتحدة (Basch et باش 1994 – Hondagneu Sotelo هونداجنيو –سوتيلو 1994; Parrenas باريناس 2001 Smith سميث 2006). وجادلن بأن العائلات عبر القومية تساعد العاملين المغتربين على تعظيم فوائدهم في الاقتصاد العالمي، والتغلب على العقبات القانونية التي تعوق اندماجهم الكامل في الولايات المتحدة، وكذلك على المشاعر العدائية تجاه المغتربين والنزعة العرقية في الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالجانب الثقافي لتكوين العائلات عبر القومية، تجادل فونر أنه:
(يجب) أن ينظر للعائلة على أنها مكان تتفاعل فيه البنية، والثقافة، والفاعلية، تفاعلاً ديناميكيًا – حيث تجرى عملية بناء الثقافة على نحو خلاق في سياق القوى الثقافية والاقتصادية الخارجية بالإضافة إلى الأطر الثقافية الأصلية الخاصة بالمهاجرين (961: 1997).
لعل ترك الأبناء في رعاية الشبكات العائلية هو أفضل ما يوضح عملية تكوين العائلات عبر القومية. وقد جادل الباحثون بأنها ليست وسيلة لتعظيم مراكمة رأس المال فحسب، بل التعزيز التضامن العائلي كذلك، حيث يصبح العاملون المغتربون مسئولين اقتصاديا عن أفراد عائلاتهم الممتدة، ويحدث تحول في نسق الأبوة والأمومة، ويتم اصطناع روابط جديدة بين العاملين المغتربين وأفراد عائلاتهم الممتدة والمحافظة عليها. وعلى هذا النحو، يعمل تشكيل العائلات عبر القومية على إعادة صياغة المعاني الخاصة بالعائلة الممتدة والأسرة، حيث يتم في حالات كثيرة الدمج بينهما وإعادة النظر فيها. لا يعنى هذا أن العلاقات بين المغتربين وأفراد عائلاتهم وردية دائمًا. ففي الحقيقة، كثيرًا ما يشكو المغتربون من الرسائل التي يتلقونها من أفراد عائلاتهم طلبًا للنقود. ولا يستثني العاملون المصريون المغتربون من ذلك، بيد أن قصصهم الخصبة تضفى ظلالاً وأبعادًا جديدة على الجانب الثقافي من عملية تكوين عائلات عبر قومية. فهم لا يصطنعون شبكات مع أقاربهم للأسباب التي سبق ذكرها فحسب، بل يؤسسون عائلات عبر قومية ليجعلوا من مصر وطنًا لهم.
في هذه الحالة، يكتسب الزواج طابعا عبر قومي بامتياز، ويتم تسليع العلاقات الزوجية الحميمة. فالرجال المصريون المغتربون هم منتجو الدخل والمكانة في العائلات عبر القومية، والنساء هن صانعات القرار فيها يتعلق بإدارة موارد العائلة، والسيناريو النمطي هو أن يعمل الزوج في الولايات المتحدة، تاركًا زوجته، و/ أو أبناءه في مصر. وشأن الأسر عير القومية، يمكن للعائلة عبر القومية أن تمتد وتتوسع، حين يعمل الزوجان في الولايات المتحدة، تاركين الأطفال في رعاية الجدين أو أشقاء وشقيقات أحد الزوجين.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، يوميا في حوالي التاسعة صباحا، تخرج أم خالد، امرأة في أواخر الخمسينيات من عمرها، إلى مقر عملها «قصر الشوق»، أشهر مطعم ومقهى في أستوريا بـ “مصر الصغيرة“. لا يوجد زبائن في هذا الوقت من اليوم. تضبط أم خالد التليفزيون على قناة القرآن الكريم. ثم تفتح الثلاجة، وتخرج الخضراوات المجمدة وتبدأ في طهى الملوخية، والأرز، والبامية، وشربة العدس على الطريقة المصرية، وكذلك بعض الأطباق اللبنانية كالكبيبة والفلافل، والتبولة، وهي الأكلات الخاصة المميزة التي يعشقها الذواقة من العرب والشرق أوسطيين المقيمين في نيويورك.
ليست هذه هي المهنة التي كانت تطمح إليها في أرض الأحلام. ومع ذلك، فهي مهنة مريحة، فهي تجيد الطهي لأنها اعتادت أن تطهو في بيتها، كما أنها لا تستطيع العثور على مهنة أفضل لأنها لا تعرف الإنجليزية وليس لديها «أوراق»، وكذلك فهي لا ترتكب أي معصية حيث إنه واحد من الأماكن القليلة التي لا تقدم خمورًا، وبعد هذا سببًا جيدًا بالنسبة لها، كامرأة مسلمة محجبة وملتزمة، للعمل هناك. علاوة على ذلك، فمهنة الطاهية أكثر احترامًا من مهنة تقديم الطعام، فهي تعمل طوال الوقت في المطبخ بما يحفظ كرامتها ويحترم سنها، وفى كل الأحوال، هذه مجرد مرحلة مؤقتة في حياتها. فلو كانت تخطط للبقاء، لكانت قد بذلت بعض المجهود للحصول على أوراق إقامة قانونية، ولسعت للحصول على وظيفة تدر دخلاً أكبر كالعمل في شركة أو تدريس اللغة العربية في مدرسة خاصة. وهي تشعر أحيانا بالحنين للأيام الخوالي عندما كانت تعمل مدرسة جغرافيا في وطنها. فهي تتذكر:
«لما جيت هنا في الأول، اتصدمت صدمة كبيرة. كنت بقولهم هي دى أمريكا؟ أنا وجوزى مكوناش مصدقين. إحساسك إنك في مكان بعيد، آه فيه فلوس بس في آخر الدنيا، لما قالولي وأنا في مصر إن العامل بياخد هنا 15 دولار في الساعة عجبتني الفكرة، يعني 70 جنيه، حسيت إن أنا حبقى مليونيرة، بس الوضع صعب، في يوم وليلة إتحولت من مدرسة جغرافيا في مدرسة إعدادية في الحلمية – قعدت 20 سنة هناك– طباخة. هى دى الشغلاني المناسبة لي هنا. صاحب جوزى جبهالى أول ما جينا … في مصر كانت ظروفنا تعبانة، آه كنت باشتغل في وظيفة أحسن، كنت مدرسة، لكن بالدروس وكله كان الموضوع صعب برده، میقضیش تجهيز عيال، هنا العكس أنا بكسب كويس لكن مكنة فلوس، بطبع بنك نوت عشان أصرفها في مصر … ناهيكى عن إن إحنا عايشين في رعب : عشان موضوع الورق ده، لو حصل أي حاجة محدش حيرحمنا».
يمثل العمل في مطعم إشكالية بين أم خالد، وكثيرين ممن شملهم هذا البحث، وبين قوى الاقتصاد الرأسمالي العالمي والنيوليبرالية. في حين أنهم لم يذهبوا إلى نيويورك بغرض الإقامة والاستقرار بل للحصول على أكبر قدر من المال ثم العودة إلى الوطن، فإنهم سرعان ما يدركون أن توقعاتهم الساذجة بالحصول على أجور مجزية دون بذل كثير من الجهد، كانت أوهاما خادعة. فسرعان ما يدركون أن عدم معرفتهم للغة الإنجليزية، ومعرفتهم المحدودة بسوق العمل في أمريكا، والتزامهم الديني، وهشاشة وضعهم كمهاجرين، خاصة في حالة العاملين غير الشرعيين، أن هذا كله يجعل من العمل في مطعم يقع في منطقة سكنية خاصة بالمهاجرين يقطنها عدد كبير من العرب، واحدة من فرص العمل القليلة المتاحة، وبالنسبة لمستهدفى البقاء من المهاجرين المتحمسين، بوابة عبور للحلم الأمريكي.
وبالنسبة للعاملين المهاجرين، لا يتطلب العمل في مطعم مهارات خاصة، حيث يعتمد العمل غالبا على مهارات التواصل مع الزبائن، والمعلومات العامة، والمهارات والخبرات الخاصة بالطهي التي اكتسبوها في وطنهم. تلعب الشبكات الاجتماعية، في مجال المطاعم، دورًا أساسيًا في الحصول على عمل. وتعد التوصية التي يقدمها صديق لدى صاحب المطعم من العوامل الأساسية في الحصول على عمل. وفي الوقت نفسه، يقوم المغتربون المغامرون، الذين ذهبوا دون ترتيبات مسبقة، بالتردد على عدد من المطاعم إلى أن يحصلوا على عمل. وقد ذكر كثيرون ممن شملهم هذا البحث، أنه عند قدومهم إلى نيويورك، نصحهم كثير من أقاربهم بالتسكع في الجوار والبحث عن عمل في المطعم حيث إن تلك هي أسهل طريقة للحصول على عمل. يتنوع زبائن المطعم ما بين مصريين يعيشون و/ أو يعملون في نيويورك ويتوقون لتناول المأكولات المصرية وكذلك المراهقون المولعون بالأشياء غير التقليدية الذين يستمتعون بخلط قليل من الحمص، والفلافل والعيش البلدى، و/ أو تدخين الشيشة قبل الذهاب للسهر والاحتفال في المدينة.
ينتمى أصحاب المطاعم العربية لبلدان مختلفة مثل: مصر، وفلسطين، ولبنان، والمغرب. ويستغلون انتسابهم القانوني للولايات المتحدة وانتسابهم الثقافي لمصر في مراكمة رأس المال من خلال إنشاء وإدارة مطاعم عربية. تشمل الأنشطة عبر القومية المتعلقة بإنشاء وإدارة المطاعم العربية، استجلاب خامات من مصر مثل استيراد أثاث على الطراز العربي من سوق خان الخليلي بالقاهرة، وتوابل وأطعمة، وكذلك تشغيل عال مصريين منخفضي الأجر والمكانة لتوفير نفقات الإنتاج مما يسهل ويدعم عملية مراكمة رأس المال.
ينقسم العمل في مطعم أستوريا بـ “مصر الصغيرة” إلى مجموعة من الفئات الوظيفية مقسمة تقسيمًا تراتبيًا ومرتبطًا بالنوع الاجتماعي، أقل مهنة في هذا النسق، وتعد بمثابة نقطة الدخول إليه، هي مهنة غسيل الأطباق وغالبا ما يشغلها عامل مكسيكي يتنقل بين المكسيك والولايات المتحدة كل ستة أشهر، يليه عمال مصريون و/ أو عمال لتقديم الشيشة وطهي وتقديم الطعام، في حين أن أعلى المراكز هي وظيفة المدير وغالبًا ما يشغلها صاحب المطعم. يتسم العمل في المطعم بقدر كبير من التقلب وعدم الاستقرار. لقد لمست تلك التقلبات السريعة خلال البحث الميداني الذي قمت به في المطاعم؛ فالعاملون يجيشون ويذهبون بمعدلات غير مسبوقة، لا يتطلب العمل في مطعم عربي الحصول على رخصة ولا أوراق قانونية كما هو الحال مع قيادة سيارة ليموزين أو العمل على عربة كباب أو هوت دوج نظرًا لأن العمل في المطعم يتم في الخفاء مقارنة بتلك الأعمال، ولقد لاحظت، خلال عملي الميداني مظاهر هذا الخفاء.
علاوة على ذلك، فالعمل في المطاعم متقلب وغير مستقر بطبيعته. وكما أشرت سابقًا، فالعمل في مطعم عربي معناه أن تعمل ساعات إضافية دون مقابل مناسب، وأن تحصل على أقل أجر: حوالى 400 دولار في الأسبوع للعاملين ذوي الخبرة، و150 دولارًا للعاملين الجدد وغير الشرعيين.
إن العاملين في المطاعم، خاصة الوافدين الجدد، وهؤلاء الذين لا تربطهم علاقات قوية مع شبكات أرباب الأعمال الذين يقومون بإسداء النصح، معرضون جميعًا للاستغلال من جانب أرباب العمل من حيث ظروف العمل والأجر المناسب. يخضع العاملون للمراقبة من جانب أرباب العمل خلال ساعات العمل، التي تبلغ 12 ساعة للذين يعملون دواما كاملاً، وعددًا غير محدد من الساعات للذين يعملون نصف دوام. يزداد هذا التسلط في حالة العال غير الشرعيين حيث إنهم قد يتعرضون للسجن أو الترحيل إذا أبلغ صاحب العمل عنهم لإدارة الهجرة الأمريكية، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر. وفي هذا الصدد، تجادل «نابر» (Naber) (2005) بأن أصحاب العمل قد استغلوا الأجواء التي تولدت عن الحادي عشر من سبتمبر كوسيلة للتحكم في العاملين لديهم، أو السيطرة عليهم، أو قمعهم. تتجلى هذه السيطرة في التهديد بإبلاغ المباحث الفيدرالية في حالة ما إذا اشتكى العاملون من الأجور أو ظروف العمل.
يلقى كل من النوع الاجتماعي، والجنسية، والعمر بظلاله على تجارب الرجال والنساء وتوزيعهم المكاني في مكان العمل (Hondagneu-Sotelo هونداجنيو –سوتيلو 1994, Parrenas باريناس 2002). وكما هو الحال مع جماعات المهاجرين الأخرى، يفضل العاملون قدرة الذكور على الحركة والتنقل، وخضوع النساء (أونج 1999). يستخدم العاملون المصريون المغتربون مفردات ذات طابع جنسي عند الحديث عن العاملات الأجيرات، وفي الحقيقة تعد جنسانية الأنثى في العمل من الموضوعات التي تلقي بظلالها على طريقة تفكير العاملين المغتربين في خبراتهم اليومية في العمل وتعاملهم معها. يعد عمل المرأة المصرية في المطاعم من الأمور الشائكة بالنسبة للعاملين المصريين حيث تضطر المرأة للتعامل مع الزبائن وجهًا لوجه. وكثيرًا ما يروى الرجال، الذين تحدثت معهم في هذا الموضوع، قصصًا سمعوها في تجمعاتهم تدعم هذه الحجة. فعلى سبيل المثال، يقول محمود، الذي يعمل ساقيا في أحد المطاعم، إنه يعرف العديد من الحالات خرجت فيها النساء للعمل ككاشيرات. ويقول إنهن اختلطن مع رجال آخرين غير أزواجهن، وأقمن معهم علاقات جنسية، وحطمن حياتهن الزوجية وهجرن أطفالهن. ومن الحجج الأخرى التي ساقها بعض ممن شملتهم الدراسة، أن أجور النساء غالبًا ما تكون منخفضة ولهذا فإن مساهمتهن في نفقات البيت منخفضة قياسًا بالثمن الذي يتعين عليهن دفعه، وخاصة عدم قيامهن بدورهن في رعاية الأطفال بالمنزل. وليس من الغريب أن الرجال الذين يرددون هذه الحجج غالبا ما يتركون زوجاتهم في مصر. وبالطبع ليس هذا هو السبب الوحيد لكي تبقى النساء في مصر، فثمة عوامل أخرى كالوضع القانوني، والطبقة، والموارد المالية تلعب أدوارًا أقوى في اتخاذ قرار بقاء الزوجة في مصر، مما يساعد على إعادة إنتاج تكوين العائلات عبر القومية.
ومن ناحية أخرى، لا يوجد لدى النساء العاملات أو أزواجهن أي اعتراض على عمل المرأة. يجادل العاملون بأن هذه مرحلة مؤقتة وأنه يتعين على النساء اللائي يغادرن وطنهن مع أزواجهن أن يلعبن دورًا في زيادة الدخل. في تلك الحالات، لا يجد من شملتهم هذه الدراسة، أي غضاضة في عمل المرأة المأجور مادامت ملتزمة بدينها وثقافتها. فعلى سبيل المثال، ذكرت «هدى» أنها بحثت عن عمل لأنها مضطرة لهذا، حيث يعمل زوجها في مجال المعمار وهو قطاع شديد التقلب. وهكذا، كان عليها أن تعمل في وظيفة دائمة كي تضمن الحصول على نقود لتغطية نفقاتهم اليومية. أما «أم خالد» وغيرها من العاملات المغتربات ممن تخطين سن الخمسين فهن أقل عرضة لأن يصبحن موضوعًا لخطابات النوع الاجتماعي حيث ينظر إليهن عادة نظرة أمومية. وفي الحقيقة، كلما تحدثت مع عاملين من الرجال عن عمل المرأة المأجور، كانوا يشيرون لحالة أم خالد كمثال للمرأة العاملة المحترمة، بيد أنهم كانوا يشيرون إليها كاستثناء. فمن الحديث مع أم خالد، يتبين لنا إنها تحافظ على كرامتها ونفسها من خلال عملها داخل المطبخ، فهي تتفاوض مع شروط العمل المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وتربط بين وظائفها في المنزل بمصر والمرتبطة بنوعها كأنثى، كالطهى على سبيل المثال، وبين عملها المأجور في الولايات المتحدة. وبهذا فهي تعيد إنتاج الخطاب المعادي لعمل المرأة المأجور، وإن كانت تربطه بمعان جديدة لتبرير خياراتها. هناك حالات أخرى توضح العلاقة بين النوع الاجتماعي وأنماط العمل المأجور. على سبيل المثال، تميل النساء المتزوجات للعمل في مهن تتطلب قدرًا ضئيلاً من الاختلاط بالرجال كمهنة الطاهية أو الكاشيرة. منى، واحدة ممن شملتهن هذه الدراسة، وتعمل في محل للفطائر والمعجنات يملكه رجل أعمال فلسطيني، تقول:
«عشان ظروفنا محدودة، جوزي رضى إنى أنزل الشغل، بس طبعًا كان عنده تحفظات .. مكنش راضى أقدم أكل أو شيشة عشان ده فيه اختلاط كبير بالزباين، فالخيارات كانت قليلة، واضطريت أشتغل كاشيرة».
وبالمقابل، تعمل النساء غير المتزوجات و/ أو غير المصريات كمقدمات للطعام في أماكن يتردد عليها الرجال. «فاطمة»، أرملة في أواخر الأربعينيات ولديها ابنان، تعمل في محل لبيع المعجنات، تملکه «می»، سيدة أعمال مصرية. على الرغم من أن فاطمة تتفق مع النساء الآخريات بشأن الجدل الخاص بعمل النساء المأجور في الولايات المتحدة، فهى تعى أن وضعها كامرأة غير متزوجة بلا أقارب في نيويورك يحطم هذه الحواجز وأن العائد المادي الذي تحصل عليه من عملها يحفظ لها كرامتها. فهي تقول:
«الفلوس مهمة. أعمل إيه؟ أقعد في الجامع واستنى حسنة علشان يقولوا عليا امرأة صالحة؟ لا. أمريكا هي أرض النساء، والأطفال والكلاب. أنا ماليش قرايب هنا غير أخت واحدة عايشة في نيوجرسي مع جوزها، أحن لهم إن أنا أشتغل مش اطلب منهم فلوس. أنا محجبة بس في الشغل بلبس بيريه / كاسكيتة، مش الحجاب العادی، مدیرتی طلبت منی ده وأنا قلت مش مشكلة، إحنا بنبيع حاجات بالخنزير، طبعاً حاجة زفت بس أنا بتعلم إنجليزي عشان ألاقي شغلانة عدلة أصرف بيها على عيالي، وبحوش جزء من الفلوس علشان أحج، إن الله غفور رحيم».
يعتبر هذا المقتطف من كلام «فاطمة» مثالاً على طرق النساء العاملات في تحدى ومفاوضة التقسيم المرتكز على النوع الاجتماعي للعمل المنتج في علاقته مع الطبقة الاجتماعية، والحالة الزوجية، والدين. فهي تحاول أن تتغلب على وطأة الصراع الناتج عن مخالفة التقاليد المصرية والإسلام – كما تجلى في ارتداء البيريه بدلاً من الحجاب وتقديم لحم الخنزير للزبائن– من خلال تفضيل أن تكون معتمدة على نفسها ومعتزة بكرامتها، على أن تكون عاطلة لكن «صالحة» ، يحدوها الأمل، في الوقت نفسه، في أن تحصل على عمل أفضل بعد الإلمام باللغة الإنجليزية، وأداء فريضة الحج لمحو الذنوب السابقة.
أنا ما كنش في دماغي أتجوز واحد وأسافر معاه يعنى مش السفر في حد ذاته المشكلة لأن أنا والدي كان طول عمره مسافر في الكويت، أنا كان نفسى أتجوز واحد ومايسبنيش ويسافر لأن إحنا اتربينا وبابا كان بعيد عننا فمحسناش بيه لما نزل كنا كبرنا خلاص، كان زي الغريب عننا فكانت المشكلة أني مش عايزة أتجوز واحد يسيبنى ويسافر واقعد أربي، نفس المشكلة اللي عانت منها والدتى يعني ما كنتش موافقه وبابا ماكنش بيغصب علينا في حاجة زى دى بس ماما كانت محبذاه لانه عريس جاهز، كانت بتقول انتي لسه هتسننى لو اخدتي واحد صغير وعنده شقة ما لسه هيفرشها وكده دايمًا الأم بتبقى عايزه تجوز بنتها جوازة مستريحة».
تزوجت «سحر» برجل يكبرها في العمر، عرفته لفترة قصيرة جدا قبل الزواج، سعيًا للهروب من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في مصر التي تجعل من الوفاء بمتطلبات الزواج أمرًا صعبًا، لكن هناك خطوة أبعد، فقد قررت «سحر» أن تسافر مع زوجها كي لا تصبح زوجة مهجورة مثل أمها، والتي كانت ترى أن الزواج برجل مطلق يكبرها في العمر والسفر معه أفضل من الزواج بشاب مصرى لم يسبق له الزواج والبقاء معه في مصر. تبين حالة سحر، ووالدتها، وكل من يسعين لمساعدة الآخرين في العثور على شريك حياتهم, أن النساء لسن ببساطة مجرد عناصر سلبية في شبكة أقاربهن الذكور ومستفيدات من اغترابهم، لكنهن يلعبن أدوارًا فاعلة، ويتخذن قرارات بشأن مصيرهن ومصائر أفراد أسراتهن كذلك. كانت «سحر» زوجة مثالية بالنسبة لزوجها «مرزوق» باعتبارها وسيلة لربطه بمصر، بحسب تعبيره. لقد استغل وضعه القانوني، الذي اكتسبه بفضل زواجه السابق، ورأس المال الذي راكمه خلال رحلة اغترابه، والشبكات الاجتماعية بمصر، ليؤمن إحساسه بالارتباط بمصر والإسلام، والذي كثيرًا ما يتمزق عند الزواج بمواطنة أمريكية.
يشعر كل من أسامة وأم خالد وسحر بالنفور من فكرة العودة بسبب المتاعب المالية التي قد يواجهونها في مصر. فهم يشتاقون لمصر، ويعتبرونها «الوطن»، لكنهم يخشون أن يفقدوا وضعهم المالي المتميز لو عادوا إلى مصر. بعبارة أخرى، إن الخطاب الذي يعتبر مصر هي «الوطن»، لا يترجم دائمًا إلى تكوين عائلات عبر قومية حيث إن إمكانية الحركة والتنقل ليست متاحة لكل المغتربين بدرجة متساوية. وفي الحقيقة، فإن تكوين عائلات عبر قومية، يستدعى الاهتمام بتعبئة الموارد، والتخطيط للأمور المالية وتدبير الميزانية (Al-Ali العلى Koser کوسر 2002). على سبيل المثال، فإن عبارات مثل «أمريكا بلد يسوده العدل»، و«الجميع متساوون،» و «هنا مثل هناك،» و«الإسلام أولاً والله في كل مكان» تتكرر كثيرًا في المقابلات التي أجريت مع أزواج وزوجات في تلك الأوضاع بهدف خلق تبريرات لعجز المغتربين عن العودة لمصر. فهم يقومون بصياغة قرارهم بالبقاء دون وجود خطة واضحة للعودة من خلال خطاب يؤكد تميز الإسلام كدين عالمي غير مرتبط بمكان محدد، وعلى تدهور ظروف العمل في مصر، ويؤكد تعرض الشباب فى مصر لما يرونه ثقافة أمريكية فاسدة. إن متطلبات الاحتفاظ بوضع اجتماعي معين في مستوى الطبقة الوسطى بمصر يترك للعاملين المغتربين وأسرهم سوى عدد محدود من الخيارات. فأولاً، ليس بوسعهم تحمل المسئوليات المالية التي تمكنهم هم وأبناءهم من التنقل بسهولة ويسر خاصة إذا كان الأبناء قد التحقوا بالمدارس بالفعل، ثانيًا، هم يدركون جيدًا أن العودة لمصر معناها المخاطرة بقدرتهم على الاحتفاظ بوضعهم في الطبقة الوسطى حيث سيتعين عليهم عندئذ أن يبدأوا من الصفر في ظروف صعبة للغاية لأنهم لم يتكمنوا من اكتساب خبرات ومهارات تمكنهم من الحصول على وظيفة ذات عائد مجز في ظل المنافسة الشرسة التي تسود سوق العمل المصرية النيوليبرالية، علاوة على ذلك، فإن تعرض الشباب المصرى لما يرونه «فساد أمریكي» ، کما يتمثل في مشاهدة الأفلام الغربية، وتعاطى المخدرات، وإقامة علاقات مع الفتيات، هذا كله يثير الشكوك بشأن العامل الثقافي، الذي يقف وراء قرار العودة.
في هذا المشهد، تلعب النساء دورًا أساسيًا في خلق بيت/ وطن بعيدًا عن الوطن عن طريق إقامة علاقات اجتماعية مع الجاليات العربية والمسلمة واستهلاك أشياء تلعب دورًا محوريًا في خلق ما يشبه البيت المصرى التقليدي. وقد قمت بزيارات عديدة لمنازلهم، أثناء قيامي بعملي الميداني. وفوجئت بعدد الآيات القرآنية المعلقة على الجدران، والقنوات التليفزيونية الإسلامية والعربية والمصرية، والمنتجات المصرية كالفطير، والفول، والطعمية..إلخ. يحيلنا هذا لمغتربين آخرين يوظفون موضوعات الاستهلاك، استراتيجيا، للتخفيف من وطأة رحلات اغترابهم. وكما أشارت «ربا صالح» (Salih Ruba) بشأن المغتربين المغاربة في إيطاليا:
«يمثل استهلاك السلع وتدفق البضائع بين المغرب وإيطاليا، ميادين بالغة الأهمية يمكن من خلالها تحليل المعاني الاجتماعية، وقيام النساء المغتربات بخلق وإعادة خلق «الذات» و«الوطن» (52: 2003)».
توضح القصص التي قمت بعرضها في هذه الدراسة، العليد من استجابات واستراتيجيات التكيف الخلاقة التي تلجأ إليها النساء المنخرطات في عمليات الهجرة عبر القومية في مواجهة التقلبات الاجتماعية والاقتصادية التي يتوقعن مواجهتها في مصر والولايات المتحدة في سياق العولمة الاقتصادية. وبهذا فقد أوضحت كيف انخرطت النساء في ممارسات عبر قومية كالزواج، وتكوين أسر وعائلات قومية فضلاً عن الاستثمار في الوطن. يتم إنتاج تلك الممارسات بواسطة النساء وتستوجب الدخول في جدل. الممارسات اليومية ومع خطط قصيرة وطويلة الأجل. تتشابه حالة هؤلاء النساء مع حالة كثيرات غيرهن ممن يتنقلن بين فضاءين اجتماعيين في عصر العولمة.
*مساعدة بحث في مركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية. • یسری مصطفی: مدیر برنامج دعم حقوق المرأة بوكالة التعاون الفني الألماني، وباحث في مجال حقوق الإنسان.
**مترجم
(1) هذه الورقة جزء من أطروحة ماجستير في قسم الاجتماع والأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وسوف يتم نشره في عدد بحوث القاهرة في العلوم الإجتماعية، عدد 30 (4)، بعنوان «بين مصر ونيويورك: هجرة وأسفار وأحلام».
(2) ويعرف علماء السكان الهجرة بأنها «الانتقال – فرديًا كان أم جماعيًا – من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيًا أم اقتصاديًا أم دينيًا أم سياسيًا» (محمود وبدير 2009).
Abraham, Sameer Y., and Nabeel Abraham . 1983 . Editors . Arabs in the New World studies on Arab American Communities . Detroit , Mich .: the Wayne State University Press .
Al-Ali , Nadje Sadig and Khalid Koser . 2002 . Editors . New Approaches to Migration ?
Transnational Communities and the Transformation of Home . London ; New york : Routledge .
Amin , Galal . 2000 . Whatever Happened to the Egyptians? Changes in Egyptian society From 1950 to the Present . Cairo : the American University in Cairo Press.
Aswad , Barbara C., and Barbara Bilge . 1996 . Editors . Family and Gender among American Muslims : Issus facing Middle Eastern Immigrants and their Descendants . Philadelphia : Temple University Press .
Ayupi , Nazih 1983 . The Egyptian “Brain Drain : “ aMultidimensional Problem . International journal of Middle East studies 15 (4): 431-50 .
Bakalian , Anny , and Mehdi Bonzorgmehr . 2005 . “ Discriminatory Reactions to September 11 , 2001 Terroism” in Pyong Gap Min , editor , Encyclopedia of Racism in the United States . Westport CT : Greenwood Press .
Basch , Linda .2001 , “ Transnational Social Relations and the Politics of National Identity : an Eastern Caribbean Case Study . “ Pp . 117 -141 in Foner , Islands in the City : West Indian Migration to New York . Berkeley : University of Califonia Press .
Basch , Linda . 2001 G, Nina Glick Schiller , and Cristina Szanton-Blanc . 1994 . Nation Unbound : Transnational Projects , Postcolonial Predicaments , and Deterritoriailzednation-States . (S.I.) : Gordon and breach .
Bozonrgmehr , Mehdi . 2000 . “Does Host Hostility Create Ethnic Solidarity ? The Experience of Iranians in the United States . “ Bulletin of the Royal Institute for Inter-Fith Studies (BRIEFS) 2: 159-178
Bryan , Jane . 2005 . “Constructing “the True Islam” in Hostile Times : The Impact of 9\11 on Arab Muslims in Jersey City . “ Pp . 133-163 in Foner , Wounded City : The Social Impact of 9\11 . New York : Russell Sage Foundation .
Cooper , Frederick . 2001 “What is the Concept of Globalization Good for ? An African Historian’s Perspective . “African Affairs 100 (399): 189-213 .
Coutin, Susan Bibler . 2006 . “Cultural Logics of belonging and Movement : Transnationalism , naturalization , and US Immigration Politics . “ Pp . 310-336 in Aradhana Sharma and Akhil Gupta , editors, The Anthropology of the State ; A Reader . Oxford : Blackwell Publishing .
Das Gupta, Monisha . 2005 . “Of Hardship and Hostility : The Impact of 9\11 on New York City Taxi Drivers . “ Pp . 208-242 in Foner , Wounded City : The Social Impact of 9\11 . New York : Russell Saga Foundation .
De La Cruz , Patricia and Angela Brittingham . 2003 . The Arab Population : 2000 Census . The US Department of Commerce : Economics and Statics Administration , U .S. Census Bureau .
El-Badry , Samia and Dudely Poston . 1990 . “Socio-economic attainment Patterns of Foreign-born Egyptians in the United States . “ Sociologyical Inquiry 60 (1990): 142-157 .
El-shafei , omar . 1995 . Workers , Trade Unions and the State in Egypt : 1984-1989-cairo Papers in Social Science , (18) : 3 .
Espiritu , Yen Le. 2003.Homebound: Filipino American Lives across Cultures , Communities , and Countries . Berkeley : University of California press.
Fergany , Nader . 1987 . Differentional in Labour Migration , Egypt (1974 -1984) Cairo : Cairo Demographic Centre.
Ferguson , James . 2006 . Global shadows : Africa in the Neoliberal World Order . Durham (N.C.) : Duke University Press .
Foner , Nancy . 2005 . wounded City the Social Impact of 9\11 . New York : Russell Sage Foundation .
______ . 2003 . American Arrivals : Anthropology Engages the New Immigration . Santa Fe : School of American Research Press .
______ . 2001 . Islands in the City : West Indian Migration to New York . Berkeley : University of California Press.
_____ . 1987 . New Immigrants in New york , : Columbia University Press .
Foucault , Michel . 1983 . “The Subject and Power , “ Pp . 208-226 in Hubert Dreyfus and Paul Rabinow , editors , Michel Foucault Beyond Structuralism and Hermeneutics . Chicago : University of Chicago : University of Chicago Press .
Ghannam , Farha . 2006 . “Keeping Him Connected : Globalization and the Production of Locality in Cairo. “ Pp 251-268 in Singerman and Amar , Cairo Cosmopolition : Politics , Culture , and Urban space in the New Globalized Middle East . Cairo : The American University in Cairo Press .
Gramusk , Sherri and Patricia Pessar . 1991 . Between Two Islands : Dominican International Migration . Berkeley : University of California Press .
Haddad ,Y vonne Yazbeck , and Jane I . Smith 1994. Muslim Communities in North America. Albany , N.Y .: State University of New York Press.
Hadley Lawrence . 1977 . “ The Migration of Egyptian Human Capital to the Arab Oil-Producing States : A Cost-Benefit Analysis . “ The International Migration Review 11(3) : 285-99 .
Harvey , David . 2005 . A Brief History of Neobliberalism . Oxford ; NewYork : Oxford university Press .
____ . 1985 . “The Geopolitics of Capitalism . “ Pp. 128-163 in David Gregory and John Urry , editors , Social Relations and Spatial Structures . London : Macmillan.
Hirschman , Charles , Philip Kasinitz , and Josh DeWind . 1999 . The Handbook of International Migration the American Experience , New York : Russell Sage Foundation .
Hondagneu-Sotelo , Pierrette . 1994 . Gendered Transitions : Mexican Experiences of Immigration . Berkeley : University of California press .
Inda , Jounathan Xavier , and Renato Rosaldo . 2002 . The Anthropology of Globalization : A Reader . Malden , Mass.: Blackwell Publishers .
Indra . Doreen Marie . 1999 . Engendering Forced Migration : Theory and Practice . New York : Berghahn Books .
INS. Immigration and Naturalization Service . http:\\www.dhs.gov\ximgtn\Publications\yearbook.shtm (accessed November 20th , 2006).
Jamal , Amaney A., and Nadine Christine Naber . 2007 Editors . Race and Arab Americans Before and After 9\11 : From Invisible Citizens to Visible Subjects . Syracuse , NY : Syracuse University Press.
Jones. 2000. “Egyptian Copts in Detroit : Ethnic Economy and Long Distance Nationalism. “ Pp. 219-241 in Nabeel Abraham and Andrew Shryock. Editors. Arab Detroit : From Margins to Mainstream . Detroit: Wayne State University Press .
Marvasti , Amir and karyn Mckinney . 2004 . Middly Eastern lives in America . New York City : Roman and Little field publishers. Mitchell , Timothy . 2002 . Rule of Experts : Egypt , Techno-politics , Modernity . Berkeley : University of California Press .
Moallem , Minoo . 2005 . Between Warrior Brother and Veiled Sister : Islamic Fundamentalism and the politics of Patriarchy in Iran . Berkeley : University of California Press .
Moallem, Mino and Ian Boal . 1999 . “Multicultural Nationalism and the Poetics of Inauguration . “ Pp. 243-264 in Caren Kaplan, Norma Alarcon , and Minoo Moallem , editors, Between Women and Nation : Nationalisms , Transnational Feminism and the State. Durham : Duke University Press .
Momani , Bessma . 2003. IMF-Debt Negotiations . Cairo Pabers in Social Science , Volume 26, Number 3 .
Naber , Nadine . 2006 . “Arab American Femininities : Beyond Arab Virgn\American Invisibility” . Ethnic and Racial Studies 32 (1): 87 .
____ . 2000 . “Ambiguous Insiders : An Investigation of Arab American Invisibility “ . Ethnic and Racial Studies 23 (1) : 37-61 . Naff , Alixa . 1988 . The Arab Americans . New York : Chelsea House .
Parrenas , Rhacel . 2001 . Servants of Globalization : Women , Migration and Domestic Work . California : Stanford University Press .
Pessar , Patricia . 1999 . “ The Role of Gender , Households , and Social Netwarks in the Migration Process: A Review and Appriasal . “ Pp. 102-140 in Hirschman , Kasinitz and de Wind, the American Experience . New York : Russell Sage Foundation .
Read , Jen’nan G. 2004. “ Cultural Influences on Immigrant Women’s Labor Force Participation : The Arab-American Case. “ The International Migration Review 38(1) : 52.
Saad , Reem. 2005. Egyptian Workers in Paris: Pilot Ethnography .
<https://www.migrationdrc.org\publication\researchreports\EgyotianWorkersInParis.
Pdf> (Accessed November 15th , 2006) .
Salih, Ruba . 2002 . “ Shifting Meanings of Home’ : Cosmopolitan and Identity in Morocan Women’s Transnational Prectices between Italy and Morocco . “ Pp. 51-67 in Al-Ali and Koser m New Approaches to Nigration ? Transnational Communities and the Transformation of Home . London , New York : Routledge .
Saleh , Saneya . 1983. The Brain Drain in Egypt . Cairo Papers for Social Sciences . 2nd ed . Vol . 5 . The American University in Cairo : The American University in Cairo Press .
Samhan, Helen . 1999 . “Not Quite White : Race Classification and the Arab-American Experience . “ Pp. 209-226 in Suleiman, Arabs in America : Building a New Future . Philadelphia : Temple University Press .
_____ 1998 . Globalization and Its Discontents : Essays on the New Mobility of People and Money . New York : New press .
_______ . 1996 . a. “ New Employment Regimes in Cities : The Impact on Immigrant Workers “ New Community 22 (4) : 579 -94 .
______ . 1996 . b . Beyond Sovereighty : Immigration Policy Making Today . Social Justice : A Journal of Crime , Confilct & World Order . 23(3) : 9 .
_____ . 1984 . Notes on the Incorporation of Third World Women into Wage Labor therough Immigration and Offshore Production . “ international Migration Review 18 (4) : 1144-1167 .
Schiller, Nina . 2005 . “ Transnational Social Fields and Imperialism . “ Anthropological Theory 5 (4) : 439-61 .
______ . 2003 . “The Centrality of Ethnography in the Study of Transnational Migration. “ Pp. 99-128 in Foner , American Arrivals : Anthropology Engages the New Immigration . Santa Fe : School of American Research Press .
Sell, Ralph . 1988 . “ Egyptian International Labor Migration and Social Processes : Toward Regional Internation” . The International Migration Review 22 (3) : 87-108 .
Shakir, Evelyn . 1997 . Bint Arab: Arab and Arab-American Women in the United States. Westport , Conn.: Prager .
Smith , Michael , and Luis Guarnizo . 1998 . Trasnationalism from Below . New Brunswick, N.J.: Transaction Publishers.
Smith, Robert . 2006 . Mexican New York : Transnational Lives of New immigrants . Berekeley : University of California Press .
Sotller , Paul . 2002 . Money Has No Smell: the Africanization of New york City . Chicago : University of Chicago Press.
Suleiman , Michael w. 1999. Arabs in America: a New Future. Philadelphia: Temple University Press.
Talani , Leila Simona . 2003. “Why Do Migrants Leavs their Countries? Motivations to Migrate At the Point of Departure : The case of Egypt. “
https://www.emigration.gov.eg\publication.asp (Accessed November 15th , 2006).
Wallertstein, Immanuel 1979. The Capitalist World-Economy . Cambridge University Press .
Zohry , Ayman Gaafar , and International Organization . 2003 . Contemporary Egyptian Migration 2003. https://www.zohary.com\pubs\CEM2003\ (accessed October 10th, 2005).
* سامي محمود وأسامة بدير 2009 «أوروبا والهجرة غير المنظمة في مصر بين المسئولية والواجب»، مركز الأرض لحقوق الإنسان.
* سلسلة حقوق اقتصادية واجتماعية، العدد رقم ( 68 ).
* فتحية الدخاخني (المصرى اليوم) 2006. اختفاء طلاب المنصورة يفتح ملف الهروب الكبير إلى الخارج.
https://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=26583