المرأة في المنظمات الأهلية العربية، وهو أحد إصدارات الشبكة العربية للمنظمات الأهلية (1999)، وقد شاركت مؤسسة دراسات المرأة الجديدة بالدارسة الخاصة بمصر.
قامت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية بتكليف باحثين، من ستة أقطار عربية، بإجراء الدراسات التي بين أيدينا، والتي تعد إضافة قيمة مساهمة في الكشف عن أوضاع، وأدوار، وتأثير النساء العربيات في الحياة العامة لأوطانهن: مع التركيز على أدوار المنظمات غير الحكومية النسائية، وما يمكن تسميته بإرهاصات الحركات النسوية في المنطقة العربية، غير أن هذا العمل يعوزه فصل يقدم تحليلاً مقارنًا بين الأقطار مح الدراسة، وهو ما كان سيثري المجهود المبذول، ويسمح باستخلاص مزيد من الدروس والاستنتاجات، وبالتالي يتطلع هذا العرض إلى عقد بعض المقارنات، وإلقاء الضوء على الظروف المختلفة أو المتشابهة، التي أثرت على ظهور الحركات النسائية في هذه الأقطار.
تمت هذه البحوث في كل من” الأردن، والمغرب، وفلسطين، واليمن، ومصر، والكويت، في محاولة، لتمثيل المناطق الفرعية للعالم العربي، كما سعت هذه الدراسات إلى تقديم التطور التاريخي للحركات النسائية في البلدان المدروسة، ووصف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي نشأت فيها: بهدف التعرف على الأوضاع الحالية للنساء في المنظمات غير الحكومية العربية، والوصول إلى المفاهيم الأساسية التي تقود حركتهن.
وقد استند البحث إلى تعريف المنظمات النسائية باعتبارها تلك المنظمات المعروفة بعملها في مجال المرأة، أو التي تحمل اسمها مما يوحي استهدافها العمل مع النساء، وبالإضافة إلى سرد الأحداث التاريخية وتحليلها، قامت البحوث المختلفة بتقديم دراسات حالية لمنظمات نشطة في الوقت الحالي، كما استعملت بعض الدراسات الحالي، (مصر وفلسطين) الاستبيان كأداة للتعرف على بعض القضايا، مثل الهيكل التنظيمي للمنظمات وأهداف المنظمات ونوعية الأنشطة التي تقوم بها، والعلاقة بين سنة التأسيس، وبروز اتجاهات دولية جديدة مناصرة لحقوق المرأة، وتغيير رسالة المنظمة أو التوقف عن الأنشطة السابقة، والتمثيل النوعي داخل المنظمة وآليات صنع القرار.
لقد أنجزت هذه الدراسات باحثات اندرجن سابقًا، بطريقة أو بأخرى – في دراسة قضايا المرأة، فيما عدا حالة اليمن: حيث قام بالدراسة باحث، غير أن الدراسات المختلفة لا تتسم بالتناغم فيما بينها، بل تعكس اختلافات على مستوى درجة الوعي، والرؤى، والقضايا التي حظيت بالتركيز.
البدايات التاريخية والارتباط بالحركات الوطنية
تشير الدراسات الست إلى ظهور الحركات النسائية في أوقات متفرقة خلال القرن العشرين، تتراوح ما بين بدايات القرن العشرين في حالة مصر وبداية السبعينيات في حالة الكويت: وهو الأمر الذي تفسره التبياينات الاجتماعية والسياسية في بنية تلك الأقطار، وتطورها التاريخي، كما تجدر الإشارة إلى التأثير الذي أحدثته الحركة النسائية المصرية على الأقطار العربية الأخرى: فتشير دراسة الأردن إلى الزيارة التي قامت بها هدى شعراوي للأردن في عام 1945، وطالبت خلالها الملك بتأسيس اتحاد للنساء الأردنيات: وهو الطلب الذي استجاب له الملك، وأصدر بعده قرارًا ملكيًا بتأسيس أول اتحاد نسائي في الأردن، برئاسة الأميرة زين الشرف إلا أن هذه المنظمة ظلت مقصورة على السيدات من الطبقة العليا ومن الشرائح العليا والطبقة المتوسطة، كما ظلت رسالتها ذات طابع خيري.
لقد شاركت الحركات النسائية في معظم الأحيان في النضال الوطني: فقد ساهمت النساء في الأردن، ومصر، والمغرب، وفلسطين، بطريقة نشطة في حركات التحرير، التي قامت بها مجتمعاتهن، ويمكن القول بأن التزامن الوطيد بين ظهور الحركات النسائية وبروز التطلعات النسوية من جهة، وتصاعد حركات التحرير الوطني من جهة أخرى يعد عنصرًا ذا مغزى بالنسبة للأقطار التي واجهت الحكم الاستعماري، والواقع أن عديدًا من المنظمات النسائية كان عبارة عن لجان داخل الأحزاب الوطنية والسياسية، ثم استقلت منها فيما بعد لتشكل منظماتها الخاصة وتبلور جدول أعمالها، وعادة ما عكس ذاك إحباط هؤلاء النساء من زملائهن الذكور، الذين تراجعوا عن الوعود الواردة أيام النضال من أجل التحرر الوطني، فضلاً عن وعيهن المتنامي بأهمية توجيه اهتمام خاص بقضايا النساء، والذي لا يمكن أن يزدهر في إطار التطلعات العامة، بل يحتاج إلى توجه من نوع خاص.
كما اشتركت معظم الدراسات القطرية في إدراكها بأن نضالات النساء ومطالبهن ظلت لا تلقى استحسان القوى الوطنية الأخرى فتبرز من حالات المغرب ومصر كيف تم استبعاد النساء من عمليات صنع القرار، وهو الأمر الذي ظل قائمًا حتى بعد الحصول على الاستقلال السياسي للبلاد. فلم تحصل النساء في هذين البلدين على حق التصويت إلا بعد مرور سنوات على الاستقلال، كما يفسر الظهور المبكر للمطالب النسائية في مصر على مشارف القرن العشرين الاختلاف الكبير بين تاريخ حصولهن على حق التصويت في عام 1956. ووضع النساء الكويتيات اللاتي يقعن على الطرف المقابل، وما زلن في انتظار الحصول على هذا الحق.
تبرز الدراسة حول الكويت الدور الذي لعبته النساء خلال حرب الخليج الأولى: وهو الأمر الذي ساهم في تعبئتهن. غير أن نضالهن من أجل المشاركة السياسية – وهو النضال الذي يسبق هذه الحرب – يظل من أهم القضايا التي تركز عليها أصوات النساء في الكويت.
أما في حالة اليمن، فلا تشير الدارسة إلى مشاركة اليمنيات في النضال من أجل تحرير، وهو ما يجعلنا نشعر بأن هذه المشاركة كانت إما غائبة أو غير مرئية من قبل الباحث باعتبارها عاملاً مهمًا ساهم في تعبئة النساء في اليمن.
الحركات النسائية أو الانتماءات الطبقية
كانت قائدات الحركات النسائية تنتمين تاريخيًا إلى الشرائح العليا من الطبقة الوسطي وإلى الطبقة العليا مما أدى إلى تناول تقليدي لقضايا النساء، فقد بدأت أنشطة الحركات النسائية في الأقطار محل الدراسة على هيئة أعمال خيرية لمساعدة الفقراء، خاصة في المناطق الحضرية، فكانت الأرستقراطيات المصريات يجدن بأموالهن ووقتهن لمساعدة الفقراء والمهمشين في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية إضافة إلى التأهيل المهني، وقد ساهمت هذه الأنشطة في إتاحة الفرصة للنساء من الطبقات العليا الدخول إلى المجال العام، واستخدام مهاراتهن خارج جدران المنازل.
كما كانت النساء ما بين النضال من أجل حقوقهن السياسية والاجتماعية، وتقديم العون للفقراء، ومحاولة كسر الهياكل القانونية الجامدة التي كانت تحكم أدوار المرأة داخل الأسرة، ففي محاولاتهن تلك. كن يدعون الرجال المنتمين إلى الطبيقة نفسها والمتطلعين للتحديث، وكذلك الدولة لدعم مطالبهن.
أما في التشكيلات التقدمية – أي الأحزاب الاشتراكية والراديكالية – لم يكن ينظر إلى قضايا النساء باعتبارها قضايا خاصة، تتطلب تدخلاً محددًا وقصديًا على المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وكان ينظر إلى وجود أجندة نسوية مستقلة باعتباره سببًا في تفتيت الحركة السياسية الأوسع: فالمنطق السائد كان يرى أن تحقيق نظام أكثر حرية وعدلاً سيؤدي تلقائيًا إلى حصول النساء على حقوقهن.
النساء ومرحلة ما بعد الاستعمار
لقد تعاملت الدول الحاصلة حديثًا على الاستقلال الوطني مع حقوق النساء من منظور وظيفي وعملي: بإستثناء حالة فلسطين، التي انتقلت فيها السيادة السياسية مباشرة من الحكم العثماني والبريطاني إلى دولة إسرائيل، مما نتج عنه خمسون عامًا من الشتات والتشرذم، والنضال القاسي من أجل البقاء على قيد الحياة، فحتى نهاية السبعينيات، اختصرت حقوق النساء في الحقوق الاقتصادية والسياسية، فيما عدا تونس التي لا تحظى بدراسة في إطار هذا الكتاب. ولم تكن هناك – حتى ذلك الحين – سوى محاولات خجولة للحصول على حقوق في إطار الأسرة، أما بالنسبة لقطار مثل مصر فإن مرحلة ما بعد الحرب شهدت أنظمة أكثر قمعًا، شرعت في القضاء على الاستقلال السياسي للحركة النسائية. كما يشير عديد من الدراسات – وخاصة تلك المتعلقة بالأردن، واليمن، ومصر – إلى وقوف التشريعات المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية حائلاً أساسيًا أمام ازدهار المجتمع المدني، وإضافة إلى ذلك، برزت الاتجاهات الإسلامية في منتصف السبعينيات كقوة معارضة لحقوق المرأة في عدد من هذه البلدان العربية.
أطر جديدة وحركات جديدة
شهدت ثمانينيات القرن العشرين صحوة جديدة في أنشطة الحركات النسائية. كرد فعل للاتجاهات التي اتسمت بالروح المحافظة خلال العقود السابقة: / حيث تعرضت الحقوق الاجتماعية والسياسية للنساء للخطر، نتيجة لمحاولة حصر أدوارهن داخل الأسرة، فألقى البحث المصري الضوء على دور كل من الدولة والاتجاهات الأصولية في قمع أصوات النساء، كما أشار الباحثون في دراسات أخرى – اليمن والمغرب – إلى الآثار السلبية للموقف الأبوي المهيمن في تهميش قضايا النساء، والتقليل من قيمة الحركات التي يقمن بها، وهو ما يفسر العدد القليل نسبيًا للمنظمات النسائية التي تم تضمينها في هذا الكتاب.
كما تزامنت صحوة الحركة النسائية في هذه الأقطار مع بروز الاتجاهات الدولية الرامية إلى النهوض بأوضاع النساء، وتصاعد التوجه المناصر لاعتبار حقوق النساء جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ونتيجة لذلك، تأسس عدد كبير نسبيًا من المنظمات النسائية خلال الثمانينيات والتسعينيات: غير أن هذه الظاهرة تحتاج أن ينظر إليها من منظور نقدي في إطار هذا البحث، ففي فلسطين، على سبيل المثال، كانت تستند أنشطة أكثر من 60% من المنظمات النسائية المرصودة إلى مفهوم خيري، كما ظهرت في أقطار أخرى عديد من المنظمات، التي استعملت خطابًا جديدًا، لم يعكس للأسف معتقداتها الفعلية، أو طبيعة أنشطتها، وبناء على تحليل ما جاء في الدراسات النسائية ذات الرؤية النسوية ما زالت نادرة.
إلا أنه حتى مع غياب تمثل عميق من طرف الأغلبية لمفاهيم مثل المساواة، والتمكين، أو التنمية المستدامة، فإن مجرد إدراج هذه المفاهيم الجديدة قد ساعد المنظمات القليلة ذات التوجه النسوي على طرح عدد من القضايا، كان مسكوت عنها في السابق وبالتالي، تم تناول مسائل، مثل: العنف ضد النساء والحقوق الإنجابية تناولاً واسعًا، كما أصبحت مسائل مقبولة لعديد من المنظمات، فقامت بعض المنظمات المشار إليها في الدراسات المختلفة بتنظيم دورات تدريبية حول النوع، وأبدت أغلبية تلك المنظمات اهتمامًا بالقضايا، التي تناولها مؤتمر بكين وأثارها في عام 1995.
هياكل وتشكيلات المنظمات
اتسمت أغلبية المنظمات التي تم رصدها في الدراسات القطرية بهياكل رأسية تراتبية، كما وجد في بعض الحالات أن متخذي القرارات رجال غير أن وجود هياكل تنظيمية أخرى (عمودية) لم يضمن في كل الأحوال ممارسة الديمقراطية داخل المنظمة، على الرغم من الخطاب القائل بأن اختيار الهيكل العمودي كان قرارًا نسويًا يهدف إلى الديمقراطية، وقد وجد الباحثون أن هناك فجوة أكيدة بين المشاعر والأفعال.
التشبيك على المستويين الوطني والإقليمي
يظل التنسيق والتشبيك بين المنظمات النشطة في مجال النساء ممارسة حديثة إلى حد ما، وتشير الدراسات الخاصة بالمغرب، ومصر واليمن إلى وجود محاولات للتشبيك بين المنظمات النسائية، حتى وإن ظل كثير من تلك المبادرات نابعًا من الجهات المانحة، أو مفتقدًا إلى آليات التضامن والتعاون الفعالة، غير أن هناك عددًا متناميًا من المبادرات المستقلة، ظهر في عدد من الأقطار محل الدراسة للتنسيق بين المنظمات النسائية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.
يشير واقع أغلبية المنظمات النسائية في المنطقة العربية إلى أنها ما زالت تتأرجح بين الأدوار الخيرية والأدوار التنموية، مع وجود عدد قليل للغاية من المنظمات التي تتبنى جدول أعمال نسوي فعليًا ، كما تفتقد أغلبية هذه المنظمات رؤية واضحة حول رسالتها: وهو الأمر الذي يتفاقم تحت وطأة القيم الاجتماعية والثقافية، والخطابات الأبوية والأصولية المهيمنة، غير أن هناك بعض التطور الذي لا يمكن تجاهله: خاصة في بلدان مثل المغرب، ومصر، والأردن، وفلسطين، إلا أن مسألة قدرة هذه التغييرات على خلق حركة نسائية قوية متجانسة ما زالت غير مرئية، عبر الدراسات المتضمنة في الكتاب.