المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب
رقم الايداع:
2001/11483
الترقيم الدولي:
977-5895-07-3
رقم العدد:
2
رقم الطبعة:
الطبعة الثانية
تاريخ النشر:
2010
اعداد بواسطة:
بســم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول
التاريخ المنسي للفقيهات والمفتيات في الاسلام
هل كان للمرأة مكان في العمل الديني العام في العصور الإسلامية الأولى والوسطى، هل شاركت في هذا الميدان وكان لها حضور وتواجد؟ فالعمل الديني في هذه العصور المعنية له فروع كثيرة متشعبة ومتشابكة، مظلة واسعة تظلل مجالات مختلفة: العمل بالحديث والقضـاء والفقـه والإفتاء والوعظ والتدريس والخطابة ومشيخة الربط والزوايا، كلها أعمال تستظل بمظلة العمل الديني العام. في أي من هذه المجـالات تواجـدت المرأة ومن أي المجالات اختفت؟ هل فعلاً مثلما يعتقد البعض أن المـرأة مؤهلة فقط للعمل بالعلوم النقلية التي تعتمد على الحفظ والروايـة مثـل الحديث وغير مؤهلة للعمل بالعلوم العقلية التي تتطلـب قـدرات عقليـة تحليلية ودراية واسعة؟ كل هذه الأسئلة سنحاول أن نجد لها إجابات مـن خلال بحثنا هذا وسنحاول توضيح دور المرأة فـي المـجـالات الدينيـة المختلفة وإن كان حقًا دورها مقصورًا على علم الحديث أم امتد ليشمل كل فروع العمل الديني العام النقلية والعقلية. ولكن قبل التعـرف علـى دور المرأة نود أن نقدم تعريفات بسيطة لكل من زاول وعمل بهذه الأعمـال الدينية المختلفة.
هو لقب يطلق على من أتقن الأحكام الشرعية، أحكـام العبـادات والمعاملات التي طريقها الاجتهاد وليس لزامًا أن يكون هذا الشخص قـد قام بتدريس الأحكام، يكفي فقط أن يكون على علم بها لكي يستحق لقـب فقيه. أما من ما زال في طور التعليم والدراسة فلا يطلق عليه فقيه ولكـن متفقه (۱)
هو كل من له علم بما ورد عن الرسول (ص) من قول أو فعـل وقد وضع المسلمون شروطًا كثيرة لمن يقوم برواية الحديث أو الاشتغال بعلومه فنشأ علم محدد للحديث له مناهج خاصة به وطرق محدده للنقـل يلتزم بها كل من يقوم بنقل الحديث أو الاشتغال بعلومه. هذا التشدد فـي نقل الحديث سببه أهمية الحديث في التشريع الإسلامي فهو المصدر الثاني للتشريع ولذلك فإن هناك مسؤلية كبيرة تقع على عاتق المحـدث تجـاه المجتمع الإسلامي والشريعة الإسلامية(حسن حنفی ۱۹۹۸، ص۳۳۷).
هو الفقيه الذي أتم دراسة الأحكـام الشـرعية وأصبـح مؤهـلاً لإصدار حلول وآراء لمشاكل وخلافات شرعية تعرض عليه، هو من تكن له “ملكة يقتدر بها على استنتاج الأحكام من أدلتها الشرعية” (أحمد عيسوى 1967، ص٢٥٥)، وهناك صفات خاصة يجب أن يلتزم بها أي شـخص يريد أن يكون مفتيًا ويصدر الفتاوى الشرعية، فالمفتي الذي تقبل فتـواه يجب أن يكون “بالغًا عاقلاً عدلاً ثقة لأن الفاسق غير مقبول الفتوى فـي أحكام الدين” (الخطيب البغدادی، ص ۳۰۰) والمفتي الثقة العدل له مكانـة عالية في المجتمع الإسلامي.
هو فقيه يدرّس الشريعة في إحدى المؤسسات التعليمية وغالبًا مـا يكون المدرس معاونًا بنائب ينيب عنه في بعض الأحيان أو بمعيد يعيد ما ذكره المدرس لطلبته فالمدرس في هذه الصور مثل الأستاذ الجامعي يقع على قمة الهرم التعليمي الأكاديمي 12 ,Makdisi 1981, v. viii) والفقيه الذي ينتصب للتدريس يجب أن يكون عالمًا بمادته معتمـدًا علـى أصول وروايات صحيحة يلجأ اليها لو يعـود عليـها (عيسـی ۱۹۸۲، ص ٣٦٠).
ألقاب أطلقت على من يقوم بمهمة التدريس والتعليم في المسـتوى التعليمي الأول التي كان يتم تلقيها في المنزل أو في الكتَّاب حيث يتعلـم الصغار القرآن ومبادئ القراءة والكتابة (عيسى، ص ٢٤٧–٢٥٥).
الواعظ هو من يعتمد على القرآن والحديث ليوجه النصائح للنـاس ويذكرهم بمسئولياتهم الدينية وبواجباتهم تجاه الله تعالى ويذكرهم بالعقـاب وبغضب الله، وهناك ثلاثة أنواع من الوعاظ: الواعظ الخطيب وهو مـن يعظ المسلمين من خلال خطبة الجمعة وهو شخص يجب أن يكون متميزًا بالبلاغة وتكون له القدرة على التحدث بصوت واضح وجلـى. وهنـك أيضًا الواعظ الذي يعظ المسلمين من خلال مجالس خاصة للوعظ أو مـن خلال حلقات العلم. ثم الواعظ القصاص “وقارئ الكرسي” وهذا النوع مـن الوعاظ هو الذي يعظ الناس من خلال سرده قصة لسير السلف الصالح مع ترديده لآيات من الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة لحث النـاس وتبصيرهم بالطريق الصحيح ولكـن دون أن يتعـرض لأى مسـائل لو مناقشات كلامية. غير أن الواعظ القصاص وقارئ الكرسي اختلفـا فـي مكان سردهم للقصص والسير فقارئ القص يسرد السير فـي الشـوارع والطرقات وليس هناك مكان محدد يتخذه للوعظ كما أنه يسرد القصـص من الذاكرة ولا يقرأ من كتاب بينما “قارئ الكرسي” يعظ وهو جالس دائمًا في مكان محدد يتخذه للوعظ مثل المسجد أو المدرسة أو الخانقـاه (ابـن الحاج ۱۹۲۹، ص ١٤٤–١٥٣).
الرباط أو الخانقاه أو الزاوية هي الأسماء التي تطلـق علـى دار الصوفيه وشيخ هذه الدار هو الإنسان الذي يقوم على رعاية المتصوفيـن وتدريب المريدين وتعليمهم التلاوة والذكر فضلاً عن قيامه بإدارة شئنون الدار مثل تحضير الطعام ورعاية الواردين والمحتاجين.(2)
ولأننا وجدنا في كتب الطبقات أن نسبة تواجد المرأة المحدَّثة أكبر بكثير من المرأة المشتغلة بالعلوم العقلية حيث أن كتب الطبقـات مليئـة بأمثلة لنساء عملن بالحديث وروايته ونقله وتدريسه لذا قررنا عدم تضمين عمل المرأة بالحديث في دراستنا هذه فهو أمر واضح وجلي ونال اهتمـام كثير من الباحثين من قبل، وسنركز فقط على العلوم العقلية بما تحتاجـه من درايه واجتهاد واستنباط أحكام مثل الفقه والإفتاء والوعظ إلى جـانب مجال دینى آخر برزت فيه المرأة وكان لها دور هام فيـه هـو مشـيخة الربط والزوايا. (3) وبالبحث في كتب الطبقات قمنا بحصر عدد من الأسماء لنساء عملن في المجالات الدينية المختلفة ثم صنفهن تبعًا لمهنهن أو تخصصاتهن الدينية عسى أن نصل إلى صورة جلية عن عمل المـرأة الديني وتواجدها في مجالاته المختلفة. وفيما يلى جـدول لمـهن النسـاء الدينية المختلفة مرتب ترتيبًا زمنيًا:
الفقيهات |
المتفقهات |
المفتيات |
الواعظات |
شيخات الربط |
المدرسات/المعلمات |
زينت بنت أبي سلمة المزومية (ت 7 ه)، الذهبي، سير أعلام، جـ3 ص 200 |
فاطمة بنت يحيى بن يوسف (ت309هـ) كحالة، أعلام النساء،جـ4، ص15 |
خديجة بنت سحنون بن سعيد التتوخي(ت270هـ) كحالة، أعلام النساء،جـ5، ص311 |
سمراء بنت نهيك (أيام الرسول ص)أبن عبد البر، الاستيعاب، ق4، ص1863 |
عائشة بنت المستنجد الفيروزجية(ت640هــ) الصفدي،الوافي بالوفيات جـ16، ص608 |
مولاه لأبي أمامه الجوزي، صفة الصفوة، جـ2، ص 453 |
هجيمة بنت حي الأوصابية الدمشقية (ت 90هـ) الذهبي، سير أعلام،جـ4ص 277-279 |
خديجة بنت محمد بن أحمد الخوزجاني (ت372هـ)كحاله, أعلام النساء، جـ1 ص341 |
أم عيسى بنت إبراهيم الحربي (ت 338هـ) الجوزي، صفة الصفوة، جـ1 ص651 |
ميمونه بنت ساقوله (ت 393هـ)، كحاله، أعلام النساء، جـ5 ص140 |
زين العرب بنت عبد الرحمنبن عمر بن الحسين (ت704هـ)ابن حجر، الدرر الكامنة، جـ2ص 117 |
شهده المعروفة بفخر النساء ابن خلكان، الوافي بالوفيات، جـ2 ص172 |
عمره بنت عبد الرحمن (ت 98هـ) ابن سعد، الطبقات،جـ8، ص480- 481 |
عين الشمس بنت الفضل بن المطهربن عبد الواحد(ت610هـ) كحالة، أعلام النساء جـ3ص 382 |
أمه الواحد بنت القاضي أبي عبد الله بن إسماعيل المحاملي الجوزي، صفة الصفوة، ص 651 |
خديجة بنت موسى بن عبد الله (ت437هـ) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد،جـ14، ص446 |
فائدة الشيخة (ت 827هـ) السخاوي، الضوء اللامع، جـ12، ص 114 |
سيدة بنت عبد الغني العبدري (ت 647هـ) الصفدي: الوافي بالوفيات، جـ16، ص 65 |
حفصه بنت سرين (100هـ)، الجوزي، صفة الصفوة، ق 2 ص 247- 248 |
خديجة بنت الحسن بن على بن عبد العزيز القرشيه (ت 640هـ) الصفدي، الوافي بالوفيات |
فاطمة بنت محمد أحمد السمرقندي (عاصرت الملك العادل نور الدين المتوفي سنة 569هـ) كحالة ، أعلام النساء، جـ4، ص 94 |
خديجة الشهجانية (ت؟) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، جـ14، ص446 |
عائشة بنت على بن عبد الله الرفاعي(ت 837هـ) السخاوي، الضوء اللامع، جـ12، ص77 |
أم القاسم خالة السخاوي(ت860هـ) السخاوي،الضوء ا للامع، جـ 12، ص 148 |
أ/ عيسى بنت إبراهيم بن أسحق |
زينت بنت أبي البركات |
فاطمة بنت محمد بن مكي العاملي |
حميدة بنت واثق بن علي |
بنت الخواص (ت؟) السخاوي، تحفة |
أسماء بنت موسى الضجاعي |
الحربي (ت 328هـ)، الجوزي، صفة الصفوة، ق 1، ص 651 |
البغدادية (تعيش في القرن السادس (هـ) كحالة، أعلام النساء، جـ 2ص57 |
(كانت موجودة سنة 786هـ) العاملي، أعيان الشيعة، جـ 4، ص 42 |
بن عبد الله (ولدت سنة466هـ) الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ 13، ص165 |
الأحباب، ص 155 |
(ت 902هـ) كحالة، أعلام النساء،جـ 1ص 6 |
أمة الواحد بنت عبد الله الحسين المحاملي(ت 377هـ) الجوري، صفة الصفوة، ق 1 ص 652 |
عائشة بنت محمد بن أبي الفتح ست العيش القاهرية (840هـ)، السخاوي، الضوء اللامع، جـ12، ص78-79 |
الماوردية(ت 466هـ)الجوري، صفة الصفوة، ق 2، ص 264 |
زينت بنت عمر كندي بن سعيد بن علي (ت؟)، الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ 14 ص 66 |
عائشة الباعونية(ت 922هـ) الغزي، الكواكب السائرة، جـ 1 ص287 |
|
عائشة بنت الفضل الكيساني(ولدت قبل 460هـ) كحاله، أعلام النساء،جـ 3، ص185 |
أم هاني بنت نور الدين أبو الحسن (ت871هـ)، السخاوي، الضوء اللامع، جـ 12 ص157 |
ياسمينه السيراوندية(ت 502هـ)، كحالة، أعلام النساء، جـ 5ص 295 |
فاطمة بنت قريمران (ت؟) الغزي، الكواكب السائرة، جـ2 ص 238 |
عائشة بنت إبراهيم بن صديق (ت؟) ابن حجر العسقلاني ، الدرر الكامنة، جـ 2ص 345 |
|
فاطمة بنت محمد أحمد السمرقندي، (عاصرت الملك العادل نور الدين المتوفى سنة 569هـ) كحالة ، أعلام النساء جـ 4 ص 94 |
زبيده بنت أسعد القسطنطينية (ـ 1194هـ)، المرادي كتاب سلك الدرر، جـ2 ص 117 |
زينت بنت أبي البركات البغدادية (القرن السادس هجري) كحالة ، أعلام النساء، جـ2ن ص 57 |
أسماء بنت الفخر– القصر المملوكي ابن حجر، الدرر الكامنة، جـ 1 ص 360 |
||
فاطمة بنت أحمد الرفاعي الكبير (ت 609هـ) كحالة، أعلام |
زينت بنت أحمد المروزي– زين النساء |
بنت على النشار (ت1031هـ) العاملي، أعيان الشيعة، مجلد 14، |
|||
النساء ، جـ 4،ص 27 |
(ت543هـ) الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ 15 ص 64 |
جـ 17 ص 169 |
|||
أم البقاء خديجة بنت حسن (ت 641هـ) الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ 13 ص 297 |
ضوء المصباح بنت مبارك– حاصة العلماء (ت 585هـ) الصفدي ، الوافي بالوفيات جـ 16 ص 370 |
||||
خديدة بنتالقيم البغدادية (ت 699هـ)، الصفدي، الوافي بالوفيات جـ 13، ص 296 |
شمس الضحى بنت محمد عبد الجليل البغدادية (ت 588هـ) الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ 16، ص 184 |
||||
فاطمة بنت عياش البغدادية(ت 714هـ) ابن حجر، الدرر الكامنة، جـ 3 ص 266 |
تاج النساء بنت رستم بن أبي الرجاء الأصبهاني(ت 611هـ)الصفدي، الوافي بالوفيات، جـ1 ص374 |
||||
فاطمة بنت محمد بن أحمد العكبري(ت776هـ) العاملي، أعيان الشيعة، جـ 4، ص 42 |
زينت بنت فاطمة بنت عياش البغدادية (ت796هـ) ابن حجر، |
||||
فاطمة بنت محمد ابن مكي العاملي( كانت موجودة سنة 786هـ) العاملي، أعيان الشيعة، جـ 4، ص 42 |
الدرر الكامنة، جـ 3، ص 266 |
||||
زينت بينت فاطمة بنت عياش (ت 796هـ) ابن حجر، الدرر الكامنة، جـ 3، ص266 |
|||||
دهماء بنت يحيى المرتضى (ت 837هـ) كحاله، أعلام النساء، جـ1، ص 420 |
|||||
عائشة الباعونية (ت 922هـ) الغزي، الكواكب السائرة، جـ 1، ص 287 |
|||||
خديجة بنت محمد البيلوني(ت 930ه) الغزي الكواكب السائرةجـ1 ص 92 |
|||||
خديجة بنت محمد العامري(ت 935هـ) الغزي، الكواكب السائرة، جـ2 ص 141 |
|||||
باي خاتون (ت 942ه) |
|||||
الغزي، الكواكب السائرة، جـ1، ص 109 |
|||||
بنت على النشار (ت 1031هـ) العاملي، أعيان الشيعة، جـ 13،مجلد 14 ص 169 |
|||||
قريش بنت عبد القادر الطبرية(ت 1107هـ)كحالة، أعلام النساء جـ 4، ص 91 |
كما هو واضح من الجدول السابق أن النساء عملن في مجال الفقه كفقيهات أو كن دارسات للفقه (متفقهات)، كذلك عملن بالإفتـاء والوعظ وبمشيخة الربط والزوايا وبالتدريس والتعليم إلا أن الجـدول لا يتضمـن العمل بالحديث للسبب المذكور سابقًا. كذلك لا يتضمن الجـدول العمـل بالقضاء حيث أننا لم نرد أن نخوض في هذا الموضوع لأنه شائك وشـبه محسوم .(4) ولذا قصرنا الدراسة على المجالات الدينية الستة الموجودة في الجدول ونبدأ الآن بالفقه. وهو مجال برزت فيه المـرأة فظـهر اسمها كفقيهة ممارسة أو متفقهه دارسة لهذا العلم في عـدد لا بـأس بـه مـن المصادر. وبالنظر إلى الجدول وملاحظة سنوات وفاة هؤلاء الفقيهات نجد أنهن كن موجودات على الساحة مـن القـرن الأول للهجرة / السـابع الميلادي. وحتى القرن الثاني عشر للهجرة / الثامن عشر ميلادي. فـأقدم الفقيهات في هذا الجدول هي زينب بنت أبي سلمه المخزوميـه المتوفيـه سنة 73 هـ وكانت من أفقه نساء زمانـها بالمدينـة (الذهبـي ١٩٩٦، جـ۳، ص ۲۰۰) كذلك هناك هجميه بنت حـى الأوصابيـة الدمشقية المشهورة بأم الدرداء الفقيهة المتوفية سنة 81 هـ وهي فقيهـ ه كبيرة زاهدة واسعة الاطلاع وافرة العقل والذكاء (الذهبي، جــــــــ٤، ص ۲۰۷ –۲۷۹). وهناك أيضًا عمرة بنت عبد الرحمن التي تنتمى للجيل الثاني مـن الصحابيات وحفصه بنت سيرين التي توفيت سنة ١٠٠ هـ (الجـوزي ١١٤١هـ، جـ٢، ص ٢٤–٢٤٧ ). ولأن عمرة بنت عبـد الرحمـن كانـت قريبة من عائشة زوجة الرسول (ص) وعدد من الصحابة لـذا كانت على علم جيد بالقرآن والسنة ومصادر الفقه الإسلامي، مما جعل أهل المدينة يلجأون اليها لمعرفة الأحكام في كثير مـن العبادات و المعاملات و قد اعتبرت المصدر لعدد من الأحكام الشرعية مثل منع بيع الثمار غير الناضجة حيث أن المحاصيل قد تفسد قبل نضجها مما يؤثر على عملية بيع الانتاج الزراعـي (السيوطي 1951، جـ٢ ص٥١). كذلك ما يجوز في استثناء التمر وقد استشهد مـالك بـها حين ذكر فـي الموطأا إن عمـرة كـانت تبيـع ثمارهـا وتستثني منها“(السیوطی، جـ ٢، ص ٥٢). فضلاً عن أنها: نهت ابن اختـها مـن إقامة الحد على رجل سرق خواتم من حديد وقالت له “أن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا” (السيوطي، جـ۲، ص۱۷۷). كـانت عمرة مصدر ثقة واحترام المجتمع فـي المدينـة وقـد كـان العلمـاء والمؤرخون يذكرونها دائمًا بألفاظ التبجيل والاحترام فنجد ابن سعد يصفها في كتابه الطبقات الكبرى “بالعالمة” (ابن سعد ۱۳۲۱ هـ، جـ۸، ص .(٤٨٠–٤٨١).
وبعد فقيهات القرون الإسلامية الثلاثة الأولى ينقلنا الجدول إلـى القرن الرابع الهجري فنرى أم عيسي بنت إبراهيم بن اسحق الحربـي (الجوزي، جـ1، ص ٦٥١) (ت٣٢٨هـ)، وأمة الواحد بنـت عبـد الله الحسين المحاملي (ت ۳۷۷هـ) التي قيل عنها أنها كانت “من أحفظ الناس للفقه على المذهب الشافعي” فقد برعت أمة الواحـد فـي دراسـة الفقـه الشافعي والفرائض والحساب حتى أنها كانت تعد أيضـًا مصـدرًا مـن مصادر الأحكام الشرعية الخاصة بالمواريث في عصرهـا (الجـوزي جـ1، ص ٦٥٢).
أما عن فقيهات القرنين الخامس والسادس الهجري فـالجدول يرصد لنا عائشة بنت الفضل ابن أحمد الكيساني وهي فقيهة عالمـة ذات صلاح ودين ولدت قبل سنة 460هـ (كحاله ۱۹۹۱، جـ۳ـ، ص ١٨٥) وفاطمة بنت محمد أحمد السمرقندي من فقيهات حلب درست الفقه على المذهب الحنفي ولها مؤلفات عديدة في الفقه وقد كانت مصدرًا للأحكـام الشرعية في حلب وقال عنها أحد فقهاء حلب “هي التي سنت الفطر فـي رمضان للفقهاء بالجلاويه فكان في يدها سواران فأخرجتـهما وباعتـهما وعملت بالثمن الفطور كل ليلة” (كحاله، جـ4، ص ٩٤).
ثم ننتقل بعد ذلك إلى القرنين السابع والثامن الهجرى حيـث يعرض لنا الجدول أسماء عدد من النساء العاملات بالفقه مثل: فاطمة بنت أحمد الرفاعي الكبير الفقيهة الصالحة القانتة المتوفيـة سـنة 609 هـ (كحاله، جـ٤، ص ۲۷)، وأم البقاء خديجه بنت حسن التي توفيت سـنة ٦٤١هـ وكانت صالحة زاهدة تشتغل بالفقه، (الصفدی ۱۹۳۱، جـ۱۳ ص۲۹۷). وخديجة بنت القيم البغدادية المتوفيه سنة 699هـ، والتي كانت قارئة للقرآن فقيهة متفقهة بالدين (الصفدي، جـ١٣، ص٢٩٦)، كذلـك هناك فقيهتان مشهورتان في القرن الثامن الهجري وهمـا فـاطمـة بنـت عياش بن أبي الفتح البغدادية وابنتها زينب. ففاطمة الأم المتوفيـة سـنة ٧١٤ هـ كانت تدري الفقه جيدًا وقد أثني عليها ابن تيمية وتعجـب مـن حرصها وذكائها وقد استفاد من علمها أهل دمشق ثم انتقلت إلى القـاهرة فذاع صيتها هناك وارتفع قدرها (ابن حجر العسقلانی ۱۹۹۳، جـ3 ص ٢٦٦). وقد أخذت عنها ابنتها زينب، المتوفية ســنة 796هـ، الفقـه فاصبحت هي الأخرى فاضلة ذات صلاح ودين. ومن المثير للانتبـاه أن زينب هذه قد عرفت في كتب الطبقات على أنها زينب بنت فاطمة بنـت عياش البغدادي حيث أخذت اسمها من والدتها الفقيهة ذائعة الصيت وليس من والدها الذي ربما لم يكن على نفس درجة علم والدتها وشهرتها. هناك أيضًا الفقيهة أم العز نصر بنت أحمد توفيت سنة 730هـ درست مع عدد كبير من مشائخ القاهرة حتى نبغت واشتهرت في مجال الفقه وقـد كـان والدها فخورًا بها وكان يتأسف كثيرًا لعدم وصول أخيها لنفـس درجـة علمها ومعرفتها (ابن حجر العسقلاني، جـ4، ص ٩٤٢). كذلك هنــاك الفقيهة فاطمة بنت محمد بن احمد بن عبد الله العكبرى وهي فقيهة شيعية توفيت سنة 776هـ. وفاطمة بنت محمد بن مكي العاملي وهي شـيعية ايضًا وكانت موجودة سنة ٧٨٦ هـ وقد كان أبوها يثنى عليــهـا ويــامر النساء بالاقتداء بها (العاملي۱۹۳۸،جـ٤، ص٤٢). هناك فقيهة أخـرى جديرة بالاهتمام وهي دهماء بنت يحيى المرتضى عالمة وفقيهة فاضلة قامت بتأليف بعـض الكتـب فـي مجـال الفقـه فـالفت “شـرحًا للأزهار” في أربعة مجلدات “وشرحًا لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض” (كحاله،جـ 1، ص ٤٢٠) ودهماء هذه مهمة جدًا حيث أنها من الفقيـهات القلائل اللاتي سجلت المصادر أسماء مؤلفاتهن وتراثهن.(5)
من الفقيهات المشهورات اللاتي سجلت المصادر تراثهن الفقـهى أيضًا فقيهة تنتمي إلى القرن العاشر الهجري هي عائشة الباعونيه المتوفية سنة ٩٢٢هـ وقد عرفتها المصادر بالشيخة الصوفية الدمشقية الأديبـة العالمة العاملة وقد ذهبت إلى القاهرة ونالت مـن العلـوم حـظًـا وافـرًا وأجيزت بالإفتاء والتدريس وألفت عدة كتب سيرد ذكرهـا فـي الجـزء الثاني. عاصرت عائشة السلطان الغورى المملوكي وذكرت المصادر أنها قابلت عددًا كبيرًا من المشائخ.(6) ومن فقيهات القرن العاشر الهجري أيضًا هناك خديجة بنت محمد العامري التي توفيت سنة 935هـ وقد عرفت في المصادر “بالفقيهة الصالحـة” (الغـزى، جـــ٢، ص١٤١)، كذلك هناك خديجة بنت محمد البيلوني المتوفية سنة 930 هـ الشـيخة الحنفية التي تخصصت في الفقه الحنفي وحفظت في مذهب الحنفية كتابًـا على الرغم من أن أباها وأخوتها شافعيون (الغـزی، ج1 ص۱۹۲). وأيضًا باي خاتون وهي فقيهة شافعية توفيت سنة ٩٤٢هـ قرأت (بمعنى عرفت ودرست) المنهاج النووي وإحياء علوم الدين للغزالـي (الغـزى جـ1، ص ١٠٩) وهناك أيضًا في بداية القرن الحادي عشـر الـهجری الفقيهة الشيعية بنت على النشار التي توفيت سنة ١٠٣١هـ وقد عرفتـها المصادر “بالفقيهة الفاضلة” وورثت عن والدها أربعة آلاف مجلـد مـن الكتب النفيسة (العاملي، جـ13 ، مجلد ١٤ ص١٦٩).
ينقلنا الجدول بعد ذلك إلى القرن الثاني عشر الهجري / الثـامن عشر الميلادي حيث وجدنا فقيهة مكية تدعى قريش بنـت عبـد القـادر الطبرية التي توفيت سنة ١١٠٧هـ وأخذت الفقه عن والدهـا (كحالـه ج4 ص 91). ومن الملاحظ أن هذه الفقيهـة تنتمـى إلـى العصـور المتأخرة من التاريخ الإسلامي وهي فترة لم نضمنها في موضوع دراستنا إلا أننا أردنا أن نذكرها لتوضح متى اختفت النساء مـن سـاحة العمـل الفقهي حيث أنه بعد هذه الفقيهة لم نجد في المصادر – باستثناء كتب الفقه الشيعي – أي ذكر لنساء عملن بالفقه الإسلامي.
نلاحظ بوجه عام من خلال هذا العرض الزمني للفقيــهات فـي الجدول أنه كان هناك تناقص تدريجي في تواجدهن في الساحة العلمية والعملية حتى اختفين تمامًا في القرن الثاني عشر هـ / القـرن الثـامن عشر م ، حينما تحول الفقيه من سلطة مستقلة يستنبط ويصدر الأحكـام الشرعية إلى موظف في الدولة يخضع لمؤسسـاتها ونظامهـا الحاكـم (1994,84 Roded)، وهذه الأمثلة التي أوردناها علامة تدل على وجود تراث غنى أو سياق ثقافي يشكل سلسلة متواصلة من التطور بما سـمـح لهؤلاء الفقيهات بالتواجد والممارسة المهنية خلال هذه القرون الطـوال. ونلاحظ أن هؤلاء الفقيهات قد قمن باستنباط أحكام شرعية وكانت لـهن قدرات عقلية وتحليلية وتركن تراثًا شفاهيًا ومكتوبًا ومؤلفات فقهية، وقـد أثنى عليهن العلماء والمؤرخون واعتبروهن مرجعًا شرعيًا سليمًا في كثير من الأمور والفتاوى والأحكام دون تشكيك أو تعجب بل عـن ثقـة فـي كفاءتهن وكانوا يذكرونهن دائمًا بالفاظ الاحترام والتبجيل.
وإلى جانب النساء اللاتي عملن بالفقه واستنبطن الأحكام الشرعية كانت هناك نساء متفقهات أي في طور دراسة الفقه، وفي أغلب الظـن أن المتفقهات بمجرد الانتهاء من طور الدراسة يصبحن مؤهلات للعمل بالفقه فضلاً عن أنه في بعض الأحيان كانت المرأة الواحدة توصـف بالفقيهـة والمتفقهة في آن واحد (172 ,1981 Makdisi). لذلك فأغلب الظـن أن المتفقهة والفقيهة شئ واحد ولكن لتحرى الدقة نقول أنـه كـانت هنـاك مجموعة من النساء درسن الفقه ولكن لم يَّعرفن في المصادر بالفقيــهات ولم يُذكر أنهن استنبطن أحكامًا أو تركن أي تـراث فقـهى ولذلـك لـم نضمنهن في جدولنا كفقيهات وإنما سجلناهن كمتفقهات دارسات للفقه: مثل فاطمه بنت يحي بن يوسف المتوفية سنة 319هـ والتـي وصفتـها المصادر بالعالمة المتفقهة في الدين (كحاله، جـ4 ص١٥) وخديجة بنـت محمد بن أحمد الخورجاني المتفقهة الحنفية المتوفية سنة ٣٧٢هـ (كحاله، ج1 ص ٣٤١) وخديجة بنت الحسن بن علی بن عبد العزيز القرشـية الدمشقية من الحافظات المتفقهات فـي الديـن توفيـت سـنة 640هـ (الصفدی، ج۱۳ ص ۲۹۷). وزينب بنت أبي البركات البغدادية التـي درست الفقه إلى جانب الأدب وكانت تعيش في القرن السادس الهجري (کحاله، جـ٢ ص١٥٧). كذلك عين الشمس بنت الفضل بن المطهر بـن عبد الواحد التي توفيت سنة 610هـ وكانت متفقهة في الديـن (كحالـه جـ١٣ ص ٣٨٢) وأيضًا هناك عائشة بنت علي بن محمد بن أبي الفتـح التي تدعى ست العيش القاهرية المتوفية سنة 840هـ، نشأت فـي جـو علمي قرأت القرآن وأخذت الإجازة من عدد كبير مـن مشـايـخ مـصـر وسوريا، وكانت تطالع كتب الفقه على المذهب الحنبلي وبرعت فيه وكان ذكاؤها وقدراتها العقلية التحليلية محل تقدير كل من عاصرها (السخاوى ١٩٣٤، جـ١٢ ص ۷۸–۷۹). كذلك أم هاني مريم بنت نور الدين ابـو الحسن على المتوفية سنة ٨٧١هـ التي نشأت في جو علمي فوالدها كـان عالمًا مشهورًا، وجدها لأمها الذي تولى تربيتها كان قاضيًا ومن هنا جـاء اهتمامها بدراسة الفقه. وقد اهتمت هي بدورها بتربية أبنائـها الأربعـة ودفعتهم لدراسة الفقه حيث نجد أن كل ابن من أبنائها قد تخصـص فـي مذهب من مذاهب الفقه الأربعة (السخاوى، جـ١٢ ص ١٥٧). آخر من توصلنا إليها من النساء اللاتي كن على علم بالفقه وقارئات لكتبـه هـی زبيدة بنت أسعد القسطنطينية المتوفية سنة ١١٩٤هـ وهي مثل قريــش الطبرية – الفقيهة السابقة الذكر – تنتمى لفترة متأخرة عن دراستنا إلا أننا ضمناها هي أيضًا في الجدول لنوضح متى ابتعدت النساء عن مجال الفقه والتفقه (المرادي ١٨٧٤، جـ ۲ ص ۱۱۷). كل هذه هي أسماء لفقيـهات ومتفقهات كن أمثلة جيدة لنشاط المرأة في هذا الجانب العام فـي الحيـاة الدينية فقد عملت النساء جاهدات لإثبات وجودهن في العمل الديني وتركن صماتهن الواضحة عليه.
هناك مجال دينى آخر برزت فيه المرأة وكان لها تواجد كبير فيـه أيضًا وهو الإفتاء أو الفتيا. فالإفتاء هو إصدار فتاوى في أحكـام الديـن والشريعة والشخص الذي يصدر هذه الفتاوى يطلق عليه مفتى أو مفتيـة وهناك أوصاف محددة أجمع عليها العلماء في المفتى اذ اتفقوا جميعًا على أن المفتي الذي تقبل فتواه يجب أن يكون بالغًا عاقلاً عدلاً ثقة لأن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين.. سواء كان حرًا أو عبدًا لأن الحريـة ليست شرطًا في صحة الفتوى، ثم يكـون عالمًـا بالأحكـام الشـرعية” (الخطيب البغدادي، جـ11 ص ١٥٦). كما أجمع العلماء علـى أن مـن يصدر الفتوى يجب أن يكون واسع العلم والاطلاع على معرفة تامة بالفقه بفروعه وأصوله، مضطلعًا على أقاويل الصحابة والتابعين والأئمة الفقه والتفسير، واقفًا على ما أخذوا وتركوا من السنن وما اختلفـوا فـي تثبيته وتأويله من الكتاب والسنة هذا كله إلى جانب التمكـن مـن اللغـة العربية وأصول النحو والصرف (القرطبي ١٩٦٨، جـ2، ص ۲۰۷). ولأن القائم بالإفتاء لم يشترط فيه أن يكون رجلاً فقد فتح هـذا المـجـال للمرأة فبرزت ونبغت وهناك أمثلة كثيرة لنساء مفتيات كان يلجأا إليـهن الناس لمعرفة أحكام الدين فيما يقابلهم من مشاكل وخلافات شرعية فـي حياتهم اليومية.
لقد بدأ الإفتاء في الإسلام حينما كان يذهب المسلمون للرسـول يستفتونه في أمور دينهم ودنياهم وقد قال الله تعالى فـي كتابـه الكريـم “يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة..” (سورة النساء أيه ١٧٦). وبوفـاة الرسول (ص) بدأ الناس يتجهون إلى الصحابة والصحابيات الذين كانوا قريبين من الرسول ليعلموا منهم السلوك الإسلامي الصحيح ويسألونهم أو يستفتونهم فيما يختلط عليهم من أمور دينهم. وقد كانت الفتيا فـي هـذه الفترة الإسلامية الأولى مرتبطة بالحفاظ على السنة النبوية الشريفة فلعبت السيدة عائشة بسبب قربها من الرسول (ص) دورًا هامًا في هذا المجـال وكان المسلمون يلجأون اليها دائمًا لمعرفة ما كان يقوم به الرسـول فـي حياته ومعيشته اليومية. ولكن بموت هذا الجيل من الصحابة والصحابيات فقد المسلمون مصدرًا هامًا كان يوجههم ويرشدهم لأدق تفاصيل حيـاة الرسول وسننه الشريفة ولهذا بدأ المسلمون مع القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي يطلبون المشورة والنصيحة من الأشخاص الذين تمـيزوا بالعقل والثقة والتقوى والعدل والعلم الواسع بالأحكام الشرعية أصولـها وفروعها ومن هنا أصبحت هذه الصفات صفات أساسية في المفتي الـذي تقبل فتواه وبدأ الإفتاء يتبلور في المجتمع الإسلامي ويصبـح نشـاطًا واضحًا له شروط وقواعد تحكمه، شروط اتفق عليها ووضعها رجال العلم والدين وليس رجال الدولة والسياسة، فالإفتاء لم يكن في البداية مرتبطًـا بالسلطة بل كان عملاً حرًا مفتوحًا لأي شخص تتوافر فيه الصفات السابقة الذكر (409 ,1996 Masud).
ولذا عملت المرأة في هذا المجال وبرزت فيه وقد استطعنا حصر عدد من المفتيات ورتبناهن ترتیبًا زمنيًا في الجدول السابق. هناك خديجة بنت سحنون بن سعيد التنوخي المتوفيه سنة ٢٧٠ هـ ، كانت تعد مـن أشهر مفتيات القرن الثالث الهجري في بلاد المغرب وتمزت “بـالعقل والرأي والعلم والفضل“، أخذت العلم عن والدها حامل لـواء المذهـب المالكي في المغرب وكان يستشيرها في مهمات أموره ويستفتيها النـاس في مسائل دينهم (كحاله، ج5 ص 311) كذلك هناك أم عيسـى بنـت إبراهيم الحربي المتوفيه سنة ٣٣٨هـ وكانت معروفـة بكونها عالمـة فاضلة تفتي في الفقه (الجوزي، ج1 ص 651) وأيضًـا الفقيـة أمـة الواحد بنت القاضي أبي عبد الله بن إسماعيل المحاملي المتوفية سنة 377 هـ وكانت مفتية فاضلة وقد ذكرت المصادر أنها كانت “تفتى مـع أبـي علی بن هريره” (الجوزی، ج1 ص ٦٥٢). كذلك فاطمة بنت محم أحمد السمرقندي التي عاصرت الملك العادل نور الدين المتوفـى سـنة 596 , كانت مفتية لها شهرة واسعة كما رأيناها من قبل فقيهة من فقيهات المذهب الحنفي (كحاله، جـ٤ ص ٩٤). والفقيهة الشيعية فاطمـة بنـت محمد بن مكي العاملي السابقة الذكر كانت مفتية مشهورة بيـن النـاس بالعقل والتقوى فكان يلجأ إليها الناس طلبًا للمشورة والفتوى وكانت النساء يرجعن اليها في أحكام الحيض والصلاة (العاملي، جـ٤ ص ٤٢).
نلاحظ من الأمثلة السابقة كيف أن الإفتاء كان مرتبطًا بالفقه حيث أن الفقيهات اللاتي اتصفن بالعلم والتقوى وصلاح الشخصية كـان يلجأا اليهن الناس لطلب الفتوى والمشورة فواضح جدًا أن المجالين متداخـلان ومرتبطان بعضهما البعض. وتعتبر عائشـة الباعونيـة المتوفيـة سـنة ۹۲۲هـ مثلاً آخر واضحًا للفقيهة الفاضلة التي تصل إلى درجة من العلم والتقوى تسمح لها بمزاولة الإفتاء فقد ذكرت المصادر إنـها “أجـيزت بالإفتاء والتدريس” وكلمة “أجيزت” هذه تجعلنا نتوقـف هنـا حيـث أن الإجازة بالإفتاء تشعرنا أن الإفتاء هنا هو عمل رسمي والفتوى رسمية وليست مجرد فتوى غير رسمية أو مشورة يصدرها أي شخص يتصـف بالتقوى والعلم. فعائشة الباعونية هي أول واحدة بين المفتيات تأخذ فتواها صيغة رسمية وفي نفس الوقت هي آخر مفتية توصلنا اليها في المصـادر التاريخية، فبعد الباعونية في القرن العاشر الهجري لم نجد أي مفتيات في السجلات التاريخية.
ومن كل ما سبق ذكره نلاحظ أنه حينما كـانت الفتـاوى غـير رسمية بعيدة عن السلطة والقيود الرسمية رأينا تواجدًا كبيرًا للنساء فـي مجال الإفتاء فكما ذكرنا سابقًا أن معظم الصحابيات والتابعيات في القـون الأول للإسلام كن مفتيات يلجأ اليهن المسلمون في مسائل دينـهم ولكـن بمرور الوقت وبالتدريج بدأ الإفتاء يرتبط بالسلطة ويأخذ صيغـة أكـثر رسمية حيث أن بعض العاملين بالإفتاء ارتبطوا بالإدارة القضائيـة فـي الدولة الإسلامية غير أن الفتاوى غير الرسمية استمرت متواجـدة يقبـل عليها الناس، والمفتي المستقل عن الدولة ظل مصدرًا هامًـا يلـجأا اليـه العامة، واستمر تواجد المرأة في مجال الإفتاء إلا إنه لـم يكـن تواجـدًا واضحًا وكبيرًا مثل تواجدها في القرن الأول للهجرة فلم يكن لها دور أو مكان في الإفتاء الرسمي المرتبط بالإدارة القضائية مثلاً وأخذ دورها هـذا يتقلص وينكمش مع مر العصور حتى اختفى تمامًا – كما هو واضح من الجدول – بعد القرن العاشر الهجري. وقد كانت عائشة الباعونيـة كمـا ذكرنا سابقًا آخر مفتية توصلنا اليها في المصادر حيث أنه في عهدها كان الإفتاء قد بدأ يأخذ الصبغة الأكثر رسمية التي أخذت تزداد تدريجيًا حتـى أصبح الإفتاء بمجيء القرن الثالث عشر كله رسميًا لا مجال فيه للاجتهاد الشخصي أو العمل الفردي. فلقد بدأت الدولة العثمانية فـي هـذا القـرن “بمؤسسة الإفتاء” حيث قام السلطان العثماني بإنشاء هيئة رسمية لإصـدار الفتاوى يعمل بها موظفون حكوميون يرأسهم مراقـب أو مشـرف عـام يعرف “بأمين الفتاوى” (Fetwa emini) وجميعهم يخضعون لسلطة “شيخ الإسلام” الذي كان يرأس الهرم الديني في الدولة العثمانية كلها. (7)
وإلى جانب الإفتاء هناك مجال ديني آخر عملت فيه المرأة وهـو مجال الوعظ والارشاد. فالوعظ والإرشاد إلى الطريق المستقيم من أهـم تعاليم الإسلام والواعظ من مسئولياته كما ذكرنا في بداية البحث أن يذكر الناس بواجباتهم تجاه الله تعالى و يذكرهم بالعقاب وبغضب الله ويمنيـهم بالثواب والجنة وقد أوضحنا أنه كانت هناك ثلاثة أنواع مختلفـة مـن الوعاظ: الواعظ الخطيب وهو من يعظ المسلمين من خلال خطبه الجمعة؛ الواعظ الذي يعظ المسلمين من خلال مجالس خاصة للوعظ أو من خلال حلقات العلم؛ ثم واعظ القص “وقارئ الكرسي“. وقد كان للمرأة تواجـد كبير في مجال الوعظ باستثناء الوعظ من خلال خطبة الجمعة. والجـدول السابق يوضح لنا أسماء عديدة لواعظات استطعنا حصرهن مـن خـلال المصادر، فسمراء بنت نهيك التي ذكرتها المصادر على أنها من “ربـات الوعظ والإرشاد” كانت مثالاً للمرأة القوية التي أخذت على عاتقها وعـظ المسلمين فكانت تمر بالأسواق في أيام الرسول (ص) تعظ الناس، تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها (ابن عبد البر ۱۹۷۲، جـ٤، ص ١٨٦٣). هذا المثال الهام يوضح لنـا أن الوعظ في العصر الإسلامي الأول أيام الرسول (ص) كان يتم بالقول والفعل، فهي تعظ وتضرب من لا يتعظ ولكن بمرور الوقت أصبح ضرب من لا يأتمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر في الأسواق من اختصـاص المحتسب “صاحب الحسبة“.
فنجد أن كل النساء الواعظات اللاتي جئن بعد سمراء وحصرناهن في الجدول كن يعظن بالقول فقط. فهناك ميمونه بنت ساقوله التي توفيت سنة 393هـ عرفت في المصادر على أنها من “ربات الوعظ والإرشـاد” (کحاله، ج5 ص ١٤٠) ثم تنتقل بعد ذلك للقرن الخامس الهجري الـذي ظهرت فيه خديجة بنت موسى بن عبد الله المتوفية سنة 437 هـ وقـد عرفت في المصادر “بالواعظة” وكذلك خديجة الشهجانيه التـي عرفـت أيضًا في المصادر “بالواعظه” (الخطيب البغدادي ۱۹۳۱، المجلـد ١٤ ص ٤٤٦) والماورديه وهي عجوز صالحة توفيت سنة ٤٦٦هـ وكانت تعـظ “النسوان” (الجوزي، صفة الصفوة، ص ٢٦٤)، هنـا نجـد تحديـدًا أن وعظها كان للنساء فقط، بينما نجد واعظه مثل حمدة بنت واثق بن علـى بن عبد الله والتي ولدت سنة 466هـ كانت لها شهرة واسـعة فتعقـد مجالس للوعظ يحرص الناس “رجالاً ونساء” على حضورها (الصفـدي جـ١٣ ص ١٦٥). بعد ذلك ندخل القرن السادس الـهجرى فنجـد فيـه ياسمينه السيراونديه التي توفيت سنة ٥٠٢هـ وكانت مشهورة بالوعظ وتفسير سور القرآن وأيضًا زينب بنت أبي البركات البغدادية التي قـالت عنها المصادر إنها واعظه من واعظات القرن السادس الهجري تعـظ النساء في رباط البغداديه (كحاله، جـ5 ص ٢٩٥، جـ٢ ص٥٧). كذلك هناك زينب بنت معبد بن أحمد المروزي المعروفة بزين النساء والمتوفيه سنة 543 هـ وقد ذكرت المصادر أنها كانت فاضلة فصيحة تعقد مجالس للوعظ ببغداد ومكة ولم تحدد المصادر اذا كانت مجالسها للنساء فقط ممـا يجعلنا نرجح أنها كانت لها مجالس مفتوحة يحضرها الرجال والنساء معًا (الصفدی، جـ15 ص 64). وأيضًا هناك ضوء الصباح بنت المبارك بن أحمد بن عبد العزيز المدعوه “خاصة العلماء” البغداديـة توفيـت سـنة 585هـ، وكانت واعظة معروفة بالصدق والصلاح تعقد مجلس الوعـظ في رباطها مثل زينب بنت أبي البركات السالفة الذكر (الصفدي، جـ16ص370).
وبعد ذلك تأتي شمس الضحى بنت محمد عبد الجليـل البغداديـة الواعظة المتعبدة المتوفية سنة 588 هـ، غير أن المصادر لم تفدنا بأيـة معلومات عن أين كانت تعقد مجالس وعظها ومن كانت تعظ (الصفـدي جـ16 ص ١٨٤)، ثم يعرض بعد ذلك الجدول لنا الواعظـات اللاتـي حصرناهن في القرن السابع والثامن والتاسع والعاشر الهجري والمصادر هنا أيضًا لم تأت بأي تفاصيل خاصة عن أين كانت تعقد مجالس وعظهن أو من كان يحضر هذه المجالس. لكن هناك تاج النساء بنت رستم بن أبي الرجاء الأصبهاني أم أيمن المتوفية سنة 611هـ نسلط بعـض الضـوء عليها حيث أن هذه الواعظة كانت “شيخة الحرم” فـي مكـة (الصفـدي جـ۱۰ ص ٣٧٤) وبالتأكيد أن منصب شيخة الحرم هذا كـان يتطلـب صفات خاصة ويفرض على صاحبته مسئوليات كبيرة. وهو منصب هـلم يجب أن يستوقفنا لأنه مرتبط بمكان مركزي في العالم الإسلامي احتلـت المرأة فيه سلطة دينية بينما لا نرى أية امرأة في العصر الحديث على حد علمنا تتولى مثل هذه السلطة أي تنال هذه الدرجة الرفيعة في مثـل هـذا المكان المركزي الهام في قلوب المسلمين في أي مكـان. كذلـك هنـاك واعظة أخرى مثيرة للاهتمام وهي زينب بنت فاطمة بنت عياش البغدادية المتوفية سنة 796هـ والتي رأيناها فقيهة ومتفقهة ومفتية والآن نراهـا واعظة فاضلة وقد ذكرنا سابقًا أنها ورثت العلم والاسم من والدتها الفقيهة المشهورة فاطمة بنت عياش البغدادية. (ابن حجر العسقلاني، جـ3 ص ٢٦٦).
وإذا عدنا إلى الجدول ونظرنا إلى الواعظات اللاتي تم حصرهـن وترتيبهن ترتيبًا زمنيًا نلاحظ أن الواعظات على عكس المفتيات لم يكـن لهن تواجد كبير في العصر الإسلامي الأول ولكـن زاد تواجدهـن فـي العصور الإسلامية الوسطى وقد يكون مرجع هذا إلى أنه في أيام الإسلام الأولى لم يكن المجتمع في حاجة إلى وعظ وقد رأينا كيف أن الصحابيات والتابعيات كن على درجة كبيرة من العلم والالتزام بالدين حتى أنهن كـن يفتين في أمور الدين والدنيا ويصدرن أحكامًا محددة، ولكن بمرور الوقت عندما بدأت بعض أشكال الفساد السياسي والاجتماعي تتخلـل المجتمـع الإسلامي أدى ذلك إلى الحاجة لدور مكثف للوعظ الأخلاقـي والدينـي المباشر لأفراد المجتمع رجالاً ونساء. غير أننا نلاحظ أن جدولنا توقـف عند القرن العاشر الهجري حيث لم نستطع التوصل إلى واعظـات فـي القرون التالية ولم نجد في المصادر أي تفسير لهذا الاختفاء أو الغياب إلا أننا أرجعناه إلى نفس أسباب اختفاء المفتيات من الساحة الدينيـة. ففـي أغلب الظن أن الوعظ مثل الإفتاء قد ارتبط بالسـلطة وأصبـح الواعـظ موظفًا يخضع للحكومة أو الدولة مما أدى إلى انكماش دور الواعظ الحـر الذي كانت تنتمى إليه الواعظات. هناك تفسير آخر لاختفـاء الواعظـات مرتبط بالسبب الأول. هو أن بعض الواعظات والوعـاظ فـي العصـر المملوكي انحرفوا عن طريق الوعظ السليم وبـدأت البـدع والخرافـات والأساطير تتسلل إلى مجالس الوعظ مما جعل الدولة تضع قيودًا على من يزاول المهنة وجعلت الوعظ تحت سيطرتها وفي دائرة اختصاصها فظهر الواعظ الرسمي التابع للدولة المتحدث باسمها واختفـى الواعـظ الحـر المستقل. (8)
وإلى جانب كل المجالات الدينية السابقة هناك مجال دينى آخر هام جدًا برزت فيه المرأة، هو مشيخة الربط والزوايا وقد قدمنا في بدايـة البحث تعريفًا بهذا العمل الديني الهام، الذي هو عبارة عـن إدارة هـذه المنشأت الدينية والإشراف عليها و قد كان يطلق على النساء اللاتي يقمن بهذا العمل “شيخات“. وإذا نظرنا إلى الجدول نجـد أنـه فـي العصـر الإسلامي الأول لم يكن هناك تواجد للمرأة شيخة الرباط فالنساء اللاتي تم حصرهن ينتمين كلهن إلى العصور الإسلامية الوسطى في الفترة مـن القرن السادس الهجري إلى القرن التاسع الهجري وهي الفترة التي انتشـر فيها التصوف وانشات الربط والزوايا في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من أن عدد النساء اللاتي استطعنا حصرهن في هذا المجال قليل، إحـدى عشرة امرأة فقط إلا اننا تمكنا من خلال هذا العدد أن نتعرف على صفات شيخة الرباط ونشاطها والمهمات أو المسئوليات التي كانت توكل إليـها. فهؤلاء النساء كن كلهن تقيات ورعات عالمات صالحات خـيرات يقمـن جلسات لقراءة القرآن وتعليمه والتسبيح والذكر، يقضين وقتهن في تعليـم نزيلات الرباط ووعظهن هذا إلى جانب المسئولية الإدارية التي كن يقمن بها أحسن قيام مثل توفير المأكل و الملبس و المأوى لمن يلجأ إليهن مـن الأرامل والعجائز والفقراء. هذا كله ينبهنا إلى القدرات الإدارية للنساء في هذا العصر وقيامهن بشكل فعال وواسع الانتشـار بـالعمل الاجتمـاعي والتعليمي المتشابك. فالربط والزوايا والخانقات كانت ملجأ للنساء اللاتي بلا عائل أو مال، كما كانت شبه مؤسسات تعليمية وتدريبية، وكان في بعض الأحيان يتم تأجير قراء وحفاظ لحلقات تجويد وترتيل القرآن.
ومن خلال شيخات الربط اللاتي تعرفنا عليهن وجدنا أن بعضهن كن يقمن بإنشاء الرباط والإشراف عليه في نفس الوقت والبعض الآخر يتولى فقط مهمة الإشراف. فهناك عائشة بنت علي بن عبد الله بن عطيه الرفاعي المتوفية سنة ٨٣٧هـ أنشأت رباطًا أسفل مكة يعرف بها ووقفت علیه دارًا بباب الصفا مطلة على المسجد و في نفس الوقت كانت قائمـة بالمشيخة أحسن قيام (السخاوی، ج۱۲ ص ۷۷). وهناك أيضًـا بنـت الخواص التي كان والدها قد بني الرباط وسلمه إياها لتديـره فأحسـنت إدارته (السخاوي ١٩٨٦، جـ٢ ص ١٥٥)، كذلك عائشة بنت المستنجد الإمام المدعوة بالفيرورجية المتوفية سنة 640 هـ قامت ببنـاء الربـاط الذي عرف باسمها وأدارته (الصفدي جـ١٦ ص ٦٠٨). أما زينب بنـت عمر کندی بن سعید بن علي أم محمد بنت الحاج زكي الدين الدمشقي فقد ذكر في المصادر أنها بنت رباطًا وأوقفت عليه أوقافًا و لكن لـم تـذكـر المصادر اذا كانت أدارته بنفسها أم تركت إدارته لشخص آخر (الصفـدى جـ١٤ ص 66). وإلى جانب النساء اللاتي قمن بإنشاء الربط وإدارتـها هناك نساء قمن بإدارة الرباط بغير أن يكن صاحباته وهذا في حد ذاتـه هام جدًا ويدعو للتوقف، حيث أنه يبين لنا أن إدارة الرباط كانت وظيفـة تتولاها أو تعين بها المرأة وليست مجرد عمل خیری تطوعي تقوم بـه وقد ذكرت المصادر أن زين العرب بنت عبد الرحمن بـن عمـر بـن الحسين المتوفية سنة 704هـ قد “تولت مشيخة ربـاط السقلاطونی” وتقلدت مشيخة رباط الحرمين” بمكة (ابن حجر العسقلانی، جـ ۲ ص ۱۱۷). وأيضًا فائدة الشيخة المتوفية سنة ٨٢٧هـ تولت مشيخة ربـاط الظاهرية أسفل مكة” وهو نفس الرباط الذي أنشأته عائشة بنت عبد الله بن عطية الرفاعي –المذكورة سابقًا– وتولت مشيخته (السخاوی، ١٩٣٤، حـ۱۲، ص ١١٤). وكلمة تقلدت” أو “وتولت” تؤكد أن مشيخة الربـاط كانت وظيفة تتقلدها وتتولاها المرأة. ونجد أنه في بعض الأحيان كـانت المرأة تتولى مسئولية إدارة خانقتين أو رباطين في آن واحد مثل فاطمـة بنت قزيمران التي كانت شيخة الخانقتين العادلية والدجاجية معـًا وكـان تديرهما بنجاح (الغزي، ج ۲، ص ۲۳۸).
إن كل شيخات الربط والزوايا كن يقمن بدورهن على خير وجه فكان لهذا أثر كبير في الحياة الدينية والاجتماعية فـى إعالـة الأرامـل والمطلقات والعجائز ووعظهن و تعليمهن أصول الدين. هذا الدور يمكن أن يكون موضوعًا شيقًا للباحثين في المستقبل خاصة إذا تمت مقارنته بدور الراهبات في أديرة أوروبا في العصور الوسطى ومساهمتهن في الحياة الدينية والاجتماعية هناك.
آخر المجالات الموجودة في الجدول وإن كانت من أهم المجـالات الدينية هو العمل بالتدريس والتعليم وهو مجال كبير متعدد المستويات فكما ذكرنا سابقًا هناك مستويان للتعليم الإسلامي، تعليم أولى حيث يتعلم الصغار القرآن ومبادئ القراءة والكتابة ثم التعليم العالي و يكون منصبًا على دراسة الفقه وأصول الشريعة. سنركز هنا على المرأة الفقيهة التي كانت تدَّرس الفقه وليست المحدثة التي كانت تدّرس الحديث (Makdisi 1981,129). لقد كان للمرأة دور كبير في التعليم على المستويين فمنذ الأيام الأولى للإسلام والمرأة نشيطة في مجال التعليم. رأينـا كيـف أن الجيل الأول من الصحابيات وزوجات الرسول كن على علم واسع بـالدين يفتين ويعظن ويعلمن الناس. واستمر نشاط المرأة في هذا المجال حتى رأيناها في العصور الوسطى تمتهن مهنة التدريس بصورة أكثر رسمية. وإن كانت المرأة لم تعين في أي منصب تعليمي في المدارس إلا أن هـذا لم يقلل من قيمتها بل أضاف إليها احترامًا ومصداقية أكثر حيث أن الناس في هذه العصور كانوا يرون أن المناصب التعليمية والاستفادة مـن الأوقاف الموقوفة عليها كانت تفسد العالم أحيانًا وتؤثر في مصداقيته ولـذا كانوا دائما ينظرون إلى العالم الذي يتخلى عن منصبه في المدرسة نظرة إجلال وتقدير (143-140 ,1957 Chamberlain)
ولأن المرأة لم يكن لها منفذ إلى المدارس فقد كانت تعقد حلقات العلم والتدريس في البيوت والمساجد يحضرها الرجال والنساء، فنجد في كتب الطبقات والسير أن المؤرخين كانوا لا يجدون حرجًا في أن يقولـوا إنهم كانوا يجلسون تحت أقدام النساء يتعلمون منهن و يستفيدون من خبراتهن (143-140 ,1957 Tritton). ومن خلال المجموعة التي تم حصرها في الجدول نجد أنها تنقسم إلى مدرسات يدرسن الفقه ومعلمـات أو مؤدبات يعلمن القرآن ومبادئ القراءة والكتابة. وبالنسبة للمدرسـات فمن الممكن أن تكون كل الفقيهات اللاتي تحدثنا عنهن من قبل قد عملن بالتدريس، فكل هؤلاء الفقيهات قد انتهين من دراستهن الفقهية ونلن حظًا وافرًا من الدراسة في هذا المجال يجعلهن مؤهلات لتدريس أحكامه غير إننا وجدنا عددًا قليلاً ذكرت المصادر ذكرًا صريحًا أنهن قمن بعملية التدريس، ولذا وعلى الرغم من الميل إلى الاعتقاد أن معظم الفقيهات كن يدرِّسن الفقه إلا أنه التزامًا بما جاء في المصادر ولتحرى الدقة والصـدق لم نضمن في جدول المدرسات سوى من ذكر فعلاً أنها كـانت تـدرس الفقه. ونلاحظ من الجدول أنهن ينتمين كلهن إلى العصور الوسطى، الفترة التي تبلور فيها الفقه الإسلامي وأصبح علمًا واضح المعالم.(9)
والمدرسات التي تم حصرهن هن مولاة لأبي أمامة و هي غير معروف اسمها ولكن قيل عنها إنها كانت تدرس النساء “القرآن و السنة والفرائض والفقه” في مسجد بحمص وهذا يدل على أن النساء إلى جـانب عقدهن حلقات علم في البيوت كن يقمن بالتدريس في المساجد أيضًـا (الجوزي، جـ ٢ ص ٤٥٣). وأيضًا هناك الشيخه شهدة المعروفة بفخـر النساء وقد توفيت سنة 574هـ، وذكرت المصادر أنها كانت “تقيم حلقات ألحقت فيها الأصاغر والأكابر” (ابن خلكان، ١٩٤٨، ج ۲ ص ۱۷۲). وفاطمه بنت أحمد السمرقندي الفقيهة الفاضلة التي قابلناها من قبل وقد تصدت لتدريس الفقه في عصر الملك العادل نور الدين وعائشة الباعونية الفقيهة المفتية والواعظة التي ذكر سابقًا أنها “أجيزت بالتدريس“. كذلك هناك بنت على النشار الفقيهة الشيعية التي توفيت سـنة ١٠٣١هـ وكانت تدرس الفقه وتقرأ عليها النسوة القرآن (العاملی، جـ۱۷، مجلد 14 ص ١٦٩).
أما عن المعلمات فهن المسئولات عن التعليم الأولى بما فيه من حفظ القرآن ومبادئ القراءة والكتابة واذا كانت المعلمة تعلم بنات الأسر الغنية في بيوتهن فقد كان يطلق عليها مؤدبة. ومن المثير للإهتمـام أن التعليم على هذا المستوى كان مهنة أو حرفة تمتهنها المرأة وتتكسب منها فقد ذكر في المصادر أن سيدة بنت عبد الغني بن على العبدري المتوفية سنة 647هـ كانت عالمة فاضلة في تونس وكان والدها “يهتم بتربيتها وتعليمها ليؤهلها لحرفة تعليم النساء فتؤمن بذلك مؤونة العيش” (الصفدي، جـ16 ص 65). هناك أيضًا عائشة بنت إبراهيم بن صديق وكانت تعلـم النساء القرآن وقد انتفع بها عدد كبير من النساء (ابن حجر العسقلاني، جـ٢ ص 435) وأم القاسم التي توفيت سنة ٨٦٠هـ وهي ابنة خالة والد السخاوى وقد قال عنها في “الضوء اللامع” أنها كانت تعلم البنات (السخاوی، جـ١٢ ص ١٤٨). وأيضًا أسماء بنت الفخر خالة القـاضي نور الدين الصائغ وهي تنتمي إلى العصر المملوكي حيث أن أسرة الصائغ كان لها باع كبير في العلم و القضاء. ولقد كانت أسماء زاهدة “تلقن النسوة القرآن وتعلمهن العلم والقرب” (ابن حجر العسقلاني، ج1 ص360). و كذلك اسماء بنت موسى الضجاعي التي توفيت سنة ۹۰۲هـ وهي من فواضل النساء كانت تقرأ وتعلم النساء القرآن وتعظهن وتؤدبهن (كحاله، جـ1 من 65).
وأخيرا وبعد العرض السابق للنساء اللاتي تم حصرهن في مجالات العمل الديني المختلفة يمكن أن نقول أن المرأة كانت نشيطة ولها دور فعال في مجال العمل الديني العام بكل فروعه في العصور الإسلامية الأولى والوسطى. فقد رأيناها وعلى عكس ما يظن البعض فقيهة بارعة ذات قدرات عقلية وتحليلية واسعة. كما رأيناها مفتية ذات ملكة تفتكر بها على استنتاج الأحكام من أدلتها الشرعية فتصدر الحلول والآراء للمشاكل والخلافات الشرعية، وواعظة توجه النصائح والعظـات للنـاس وتذكرهم بواجباتهم تجاه الله والمجتمع، وشـيخة ربـاط أو زاويـة ذات قدرات إدارية عالية، وكذلك أيضًا مدرسة ومعلمة نشيطة في مجال التعليم على مستوياته المختلفة تدرس القرآن والسنة والفرائض والفقـه. هـذا كله يجعلنا نقول أن المجتمع الإسلامي في العصور الإسلامية الأولى والوسطى بتقاليده وعرفه لم يمنع النساء من التواجد والمشاركة في مجال العمل الدينـي العام (وإن لم يشغلن مناصب القضـاء والإدارات الرسمية) بل على العكس فإن هذا التواجد كان أمرًا طبيعيًا، وقد رأينا كيف أن المؤرخين والعلماء في هذه الفترة المعنية كانوا يذكرون هـؤلاء النساء دائمًا بألفاظ الاحترام والتبجيل يثنون عليهن و يعتبروهن مرجعًا شرعيًا في كثير من الأمور دون تشكيك أو تعجب بل عن ثقه وتقدير.
هدى السعدي
1. ظهرت دراسات كثيرة تناولت أدب الفقيه وعلاقة الفقيه بالمتفقه. انظر: أبو بكر أحمد بن على بن ثابت للخطيب البغدادى، كتاب الفقيه وأصول الفقه، (القاهرة مطبعة الامتياز/ 1977).
2. ولمعرفة المزيد عن المنشآت الدينية انظر:
Encyclopedia Of Islam, Ribat, (Lieden, Brill: 1995), Vol.VIII, pp. 493-509.
3. ظهرت دراسات كثيرة كثيرة تناولت المرأة المحدثة بالدراسة والتحليل. انظر باللغة العربية: أميمة أبو بكر/ “المحدثات في التاريخ الإسلامي (القرن 14 و الـ 15 م)”، هاجر 6/5 (القاهرة: دار نصوص للنشر 1998) ص 125-140. وانظر باللغة الإنجليزية:
Huda Lutfi, “Al-Sakawi Kitab al-Nisa as a Source for social and Economic History of Muslim Women during te fifteenth century A.D, “The Muslim World, LXXI (1981). Jonathan Berkey, “Women and Islam Education in the Mamluk Period.” in Nikki Keddie (ed.) Woman in Middle Eastern History, (New Haven: Yale University Press, 1991).
4. فعلى الرغم من أن عالمًا ومؤرخًا مثل الطبري قد أجاز للمرأة القضـاء فـي كـل الأمور التي يجوز للرجل أن يقضى فيها وأبو حنيفه أجاز لها العمل بالقضاء في القضايا التي يؤخذ فيها بشهادتها هذا فضلاً عن أن عمر بن الخطاب قد ولى الشــفاء بنت عبد الله المخزوميه قضاء الحسبه وهو مثل واضح للقضاء في الأموال إلا إننا لـم نجد أمرأة واحدة مارست القضاء فعليًا في المجتمع الإسلامي وقد يكون مرجع هـذا إلى أن القضاء منذ بداية المجتمع الإسلامي منصب مرتبط بالسلطة السياسية العسكرية – أنظر: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد محمد بن قدامه، المغني، تحقيـق عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، (القاهرة: هجر للطباعة والنشر، ١٩٨٦)، جـ ١٤ ص ۱۲.
5. بالنسبة لموضوع تراث أو مؤلفات الفقيهات فهو موضوع هام يحتاج إلى مزيـد مـن البحث والتحليل فالمعلومات عنه قليلة جدًا تكاد تكون نادرة في المصادر فضلاً عن أننـا اذا توصلنا لأسماء بعض كتب الفقيهات نجد أنها قد ضاعت أو اختفت عبر العصور ولا نتمكن من الوصول إليها. ولذا فإن هناك فقيهتان من فقيهات الشيعة تحدث عنهما العاملي في كتابه “أعيان الشيعة” إلا انني لم أستطع أن أضمنهما فـي الجـدول لعـدم توضيح الفترة الزمنية التي تواجدنا فيها خاصة وأن كتاب العاملي يغطي فترة زمنيـة طويلة جدًا من بداية الإسلام وحتى بداية القرن العشرين ولكن لأن هاتين الفقيهتين تركتا تراثًا فقهيًا كبيرًا كان من اللازم التنويه بأهميتهما عسى أن يؤدي هذا إلى مزيـد مـن البحث في تراث الفقيهات الذي بوجه عام أغفلته أو أسقطته المصادر، فالفقيهة الأولـى هي بنت عزيز الله الحلبي وكان لها “تعاليق على كتاب من يحضره الفقيه” “ورسائل في مسائل فقهية” والثانية هي ابنة شاه طهماسب الصفدي التي “ألف” لها جملة من العلمـاء رسائل في أصول الفقه العاملي، (أعيان الشيعة جـ١٤ مجلد 15 ص 168، جـ6 ص ١١٢). وتستوقفنا كلمة “ألف” لها فتدل على أنه من المرجح أن العلماء كانوا يجمعـون الآراء الفقهية أو الفتاوى المتناثرة في حلقات العلم ويتم تجميعها في شكل رسائل فقهيـة وهذا كله دليل على أن النساء كان لهن مساهمة مكتوبة في تشكيل تاريخ الفقه ولم يكـن دورهن هامشيًا أو شفاهيًا فقط يختص باحكام النساء بل كن يناقشن مسائل فقهية نظريـة وعملية. ولا ينتبه كثير من الباحثين إلى هذه الإشارات المدفونة في قواميـس الأعـلام وكتب الطبقات مثل (ألف لها لو أخرج لها).
6. نجم الدين الغزي، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، حققـه وضبط نصـه د. جبرائیل سلیمان صبور، (جونيه: مطبعة المرسلين اللبنانيين، ١٩٤٩) جـ1، ص ۲۸۷ – لم تذكر المصادر بالنص أن عائشة كانت فقيهة ولكن بما أنها كانت تفتى في أمـور فقهية فهذا معناه أنها عالمة فقه.
7. ان ارتباط الإفتاء بالحكومة والدولة قد يكون هو السبب في إننا لم نجد نساء مفتيـات في الدولة العثمانية، فمنذ هذا العصر وحتى عصرنا الحديث والإفتاء أصبـح عمـلاً حكوميًا قاصرًا على الرجال فقط
Masud, Islamic Legal Interpretation, pp. 11-
8. تناول ابن الحاج بالنقد البدع والخرافات التي تسللت إلى مجالس الوعظ في العصر المملوكي ونهى عن تحديث العوام بالأحاديث المبهمة وإدخال البدع والخرافات في الوعظ الديني، ابن الحاج – المدخل، ج ٢، ص ١٤٤–١٥٣.
9. يقول مقديسي في كتابه: أن القرن السادس الهجري / الخامس عشر الميلادي هـو القرن الذي شهد تحول المذاهب الفقهية إلى مهنة محددة ومجالات احتراف تندرج تحت الطوائف النقابات المهنية.
Makdisi, The Rise of Colleges, p. 239.
الجزء الثاني
موضوعات للتحليل والمقارنـة
1- إشكاليات نقدية في تحليل تواريخ النساء في العصور الوسطى:
حظيت مؤخرًا الجوانب المختلفة من حياة النساء وطبيعة ظروفهن المعيشية والمهن التي عملن بها في القرون الوسطى للغرب بصفة خاصة (تقريبًا من القرن التاسع حتى الخامس عشر) على كثـيـر مـن اهتمـام الباحثين والمنظرين وذلك في ضوء مدرستين أو تيارين بالتحديد: الأولى هي قضية إعادة قراءة وتحليل التواريخ القديمة كنصوص تصويريـة أو “تمثيلية” تكشف عن آليات التشكيل الاجتماعي والثقافي لأفـراد وفئـات المجتمع – وفي هذه الحالة هن النساء– وهو ما يعرف بحقل دراسـات “التاريخانية الجديدة” أو “التـاريخ الثقـافي الجديـد” (1992 Bynum و 1995 Berkhofer و کوثرانی ۲۰۰۱)؛ (۱) والتيار الثاني : هـو مدارس النظريات النسائية التي عكفت على التنقيب في مصادر معروفة وغير معروفة عن تفاصيل حياة النساء في الحقب الماضية لإلقاء الضوء عليها وإعطاءها مركزية جديدة تثبت حضورهن الفعال والإيجابي في مجـالات مختلفة حتى في تلك العصور السحيقة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخـرى تطوير الأطر التحليلية والنظرية المستخدمة حتى الآن والتي كان يتم من خلالها دراسة هؤلاء النساء وهذه المصادر، وذلك من خلال منظور جديد لإعادة تحليل وتفسير هذه المادة. أي أن أهمية دراسة تاريخ النساء في العصور الوسطى بالنسبة للمدارس النسائية الحالية تكمن في ثلاث نقاط:
أ– هي تكشف الحضور التاريخي الإيجابي للنساء على نحو يتحدى الأطر التقليدية المعتادة التي عادة لا تدمج أنشطة النساء إلى جــانب أفعـال الرجال في التواريخ الرسمية العامة واقترضت أن التـاريخ القديـم خاصة صنعه وتحكم في مسيرته رجال الدولـة والسلطة أو علمـاء الدين.
ب – يجد المؤرخون المحدثون لدهشتهم أن كلا من الرجال و النساء في القرون الوسطى يظهرون “طبيعة” إنسانية مختلفـة ومـغـايرة عمـا يفترضه وعينا “الحداثي” عن الطبيعة الأزلية الثابتة للذكورة والأنوثـة أو للرجال والنساء، كما يكتشفون أن حدود المسموح بـه اجتماعيًـا وثقافيًا في مجالات كثيرة من الحياة لـم تـكـن مرسومة بالصرامـة والجمود الذي نتخيله عن هذه العصور أو حتى مقارنة بنفـس تلـك الحدود في عصرنا الحديث. وهذا بدوره يعضد النظرية السائدة حاليًـا أن منظومة العلاقات بين الجنسين وطبيعة كل منهما وأدوارهما يتـم تشكيلها ثقافيًا واجتماعيًا وأنها تغيرت فعلاً على مر القرون والعصـور خاصة في الغرب الأوروبي. ومن هنا تتغير الثوابت والفرضيـات التاريخية مما يدفع الباحثين إلى إعادة تقييم هذه الافتراضـات حـول الماضي وربما حول الحاضر أيضًا (1978 Stuard)
ت. والمجال الثالث الذي تفيد فيه دراسة هذه القرون الوسطى مجـال دراسة الحيز العام والحيز الخاص بالمجتمع ، فقد ظـهرت دراسـات عديدة في الغرب تعيد النظر في مسميات العصـور التاريخيـة فـي أوروبا مثل “عصور الظلام” أو “عصر النهضة” أو “العصر الحديـث” وكذلك مسار الحضارة الغربية نفسها، فربما لم تكن عصور “ظـلام” كامل بالنسبة للنساء في أوروبا اللاتي فُتحـت لـهـن فـرص التديـن الجماعي أو الفردي والتصوف وكتابة المذكرات والإلهامات الصوفيـة والكشفية، وربما لم تكن هناك “نهضة” لهن في القرون التي تلت بـدءًا من القرن السادس عشر عند بدايات تغير وسائل الإنتاج والاستهلاك بلوغًا إلى الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وما تبعها من تشكل السوق وألياته وحركتـه منفصـلاً عـن مجـال الأسـرة الخـاص (7 ,Buchanan 1996; Stuard)(2) . وقد رصد الدارسون و المحللون أن هذه هي بدايات تقسيم العام والخاص في التاريخ الأوروبي الذي تبعه تحجيم دور النساء في دائرة الخاص –أي المـنزل والعائلـة والأطفـال والخدم– وقصرهن على هذا المجال فقط، في مقابل ارتباط الرجال بالعام وأعماله في المجتمع الخارجي: أي ما هو أصعب وأقيم وأكـثر تميزاً وسيطرة.(3) واستمر هذا التطور حتى بلغ ذروته في العصر الفيكتـوري ببريطانيا (ق١٩) الذي روج لمفهوم “المرأة أو الأنثى الحقيقية” تكريسًـا لأنماط معينة من السلوك الأنثوي أو الشخصية النسائية الحقة وعمادهـا المثالية الأخلاقية التي تصحبها سمات السلبية والخضوع والضعـف والاستسلام والقدرات العقلية المحدودة. (4)
ونلحظ تطورًا مماثلاً في مجال الدراسات التاريخية للشـرق الأوسط حيث ظهرت مؤخرًا العديد من الأبحاث القيمة التي تركز على تاريخ النساء في المجتمعات الإسلامية والعربية قبيل العصـر الحديـث بصفة عامة، والتي أثبتت وجود مساحات واسعة من الحركة والفعالية في المجال العام وكذلك ممارسة الحقوق القانونية الشرعية، تقلصـت مـع بدايات “التحديث” الذي صاحب فكرة “الدولة القومية” بأطرهـا وأنسـاقها الإدارية والقانونية والاجتماعية والسياسية الصارمـة محاكـاة للنمـوذج الغربي لمؤسسات الدولة الحديثة. وتمثل أعمال هامة مثل دراسات أمـيرة سنبل وعفاف لطفي السيد مارسو ونيللي حنا وجوديث تاكر ونيكي كدى وبث بارون (انظري قائمة المراجع) هذا الاتجاه نحو إعادة النظر في افتراضات الركود والتخلف في فترات معينة من تاريخنا مثل العصر العثماني بداية من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر وبدايـة حكم محمد علي في مصر.
وتوضح أميرة سنبل (1996/1999 )(5) السبب في مثـل هـذه الافتراضات والتعميمات: “لقد تسبب تصور الحقبة الحديثـة علـى أنـها طرف النقيض للحقبة “التقليدية” في حـدوث سـوء فـهم للعديد مـن موضوعات تاريخ المرأة المسلمة، وقد تميزت الأبحاث التـي تتنـاول تاريخ المرأة في الشرق الأوسط في عصوره الأقدم بندرتها، وذلك نظـرًا لتركيز اهتمام تلك الدراسات على العصر الحديث، فالمؤرخون النسـويون يفضلون التركيز على دراسة دخول التحديث إلـى المجتمعـات الشـرق أوسطية” (ص١٤). وتثبت دراسات أميرة سنبل في مجال قوانين الأسـرة والطلاق خاصة أن رغم التغيرات الظاهرية لوضع المرأة المسلمة التـي جلبها التحديث إلا أن “المرأة في المجتمع الإسلامي التقليدي كانت نشـطة إلى حد بعيد واشتركت في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأحوال الشخصية والقانونية … والعلاقات الاجتماعية والعلاقات بيـن الجنسـين“، وأن التحولات التاريخية الحداثية في القرنين الأخيرين قد تسببت في تدهـور القدرة على النشاط الاجتماعي خاصة بالنسبة للمرأة … ففـي خـلال عملية بناء الدولة القومية امتدت يد الدولة إلى الأسرة وقوانين الأحـوال الشخصية فوضعت لها المعايير وأصلحتها وحدثتها مما كـان لـه أثـرة العميق على أحوال النساء” (ص۱۹).
إن إعادة اكتشاف المجتمعات العربية والإسلامية مثل مصـر أو غیرها بفئاتها المختلفة – خاصة النساء – يعد خطوة على طريق فـهم الواقع الحالي ونشأة العصر الحديث فهمًا يستند إلى حركة ذلك التاريخ ، فيفسر لنا مثلاً الدكتور رؤوف عباس معضلة إهمال التـاريخ العثمـاني واتهامه بالاضمحلال والتقليدية الانعزالية على يد المدرسة الاستشـراقية في مقدمة ترجمته لكتاب نيللي حنا تجار القاهرة في العصر العثمـاني (۱۹۹۷) :”إن المجتمعات يمكن أن تتطور وفق سياق تاريخي مختل عن النهج الغربي، كاشفة عن فساد الاستنتاجات التي توصل إليها المستشرقون في دراساتهم حول العصر العثماني عامة، وتطور مصـر في ذلك العصر خاصة …..(تأكيدًا) أن الثقافة الوطنية العربية الإسلامية توفرت لديها في هذا العصر مقومات التطور وأن قدوم الغرب لـم يكـن بعثًا للحياة في مجتمعاتها وإنما كان من معوقات تطورها” (ص١٥). ففـي هذا الكتاب تعيد المؤلفة تكوين سيرة شاهبندر التجار في أواخـر القـرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر من شتات ما جمعته من سجلات المحكمة الشرعية، فتنقل بذلك صورة حية للواقـع الاقتصـادي وكذلـك الاجتماعي لهذه الطبقة في ذلك الوقت، وتثبت بالدليل أن التعميمات حـول الانفصال الكامل بين المجالين العام والخاص لا يعتمد عليها: “فلـم تـكـن الحركة منقطعة بين المجال الخاص والمجال العام، ولم تكـن الحواجـز منيعة بين المجالين، فبين الأبيض والأسود كانت هنـاك دائمـًا مسـاحة واسعة للظلال الرمادية واعتمدت الحركة بين المجالين علـى اختـلاف المعايير والظروف” (ص۲۳۲)؛ ولم تعش النساء منعزلات بل تولين إدارة شئون أعمالهن وأمور أملاكهن ونظارة أوقاف العائلة أو إنجـاز بعـض الأعمال في المحكمة، ولم تكن هناك حواجز معينة تفصل بين مساكنهن وبعضها البعض أو بينها وبين ما يقع خارج البيت: “وهكذا نجد أن كلمـة الاحتجاز (أو العزلة) التي يستخدمها الباحثون كثيرًا عندما يتحدثون عـن الزوجات في مجتمعات الشرق الأوسط، التي تحمـل مضمونًـا يشـبه الاعتقال، كلمة مضللة، عندما ننظر إلى الوضع عن قرب. فرغم تمحور الحياة العائلية حول البيت، ارتبطت النساء بالمجتمع الخـارجي بروابـط عدة. والواقع أن وضع نساء القاهرة كان أفضل مقارنة بوضـع النسـاء الفرنسيات أو الإنجليزيات المعاصرات لـهن. وعلى ســــبيل المثـال كانت المرأة الإنجليزية – في عصر ستيوارت – تفقد حقها في الملكيـة بمجرد زواجها ويقوم زوجها بكل ما يتعلق بها من أعمال فتصبح عالـة عليه تمامًا، لأن الزواج يحولهـا – من الوجهة القانونية – إلى قاصر. ولم يكن وضع المرأة في فرنسا قبل الثورة أحسن حالاً حيث كان الزواج يعطى الزوج حق الولاية التامة على أملاك زوجته” (ص٢٣٥).
وحتى بعد هذه الفترة بنحو قرن ونصف من الزمان – أي أواخـر القرن الثامن عشر قبيل مجىء محمد على إلى حكم مصر – كان للنسـاء دور بارز في الأعمال المالية، وتوضح دراسات عفـاف لطفـى السـيد مارسو(١٩٩٥) لهذه الحقبة وأوضاعها الاقتصادية اللامركزية أن نشـاط المرأة التجاري والاستثماري للأرض الزراعية (خاصة امـرأة الطبقـة المتوسطة البرجوازية) كان فعالاً ويمتاز بالحرية والاستقلالية التي حرمت منها بعد ذلك، وحتى دور النساء من الطبقة العاملة الشعبية كمـوردات للبضائع تم تحجيمه بسبب طغيان بضائع مستوردة بديلة وأنساق أوروبيـة للحياة والمتاجر وسوق العمل. فالقدر الكبير الذي كانت النساء يمتلكنه من حرية التصرف في أموالهن وثرواتهن وتجارتهن بلغ بهن حدًا من التمكن والسيطرة تم اختفاؤه تمامًا في العصر الحديـث إبـان سـيطرة النسـق الاقتصادي المركزي والقيمي للاستعمار البريطاني: “فبعد انتهاء القرن (التاسع عشر) وفرض الاستعمار الإنجليزي سيطرته على مصر، تفـاقم الوضع الهامشي لامرأة الصفوة مع هيمنة الفكرة البريطانية عن الأنثى بأنها “سخيفة” و“عاطفية” و“لا منطقية“. وقد قلد الرجل المصـري سـيده البريطاني في ذلك التصور الذي وجده مقنعاً ” (عفاف لطفـي السـيد مارسو في كتاب النساء والأسرة وقوانين الطلاق، ص57.)
وفي اعتقادي أن هذه الصورة تنطبق كذلك بصفة عامة على مـا يسمى بالعصور الإسلامية الأولى والوسطى بدءًا مـن الدولة الأمويـة والعباسية وحتى العصر المملوكي في مصر والشام في القرن الخـامس عشر والسادس عشر والتي هي محور هذه الدراسة. وتنتمي أبحاث هـدى لطفى لهذه الحقبة، ولكنها تعتبر من الدراسات التاريخية القليلة التي تسلط الضوء تفصيليًا على تاريخ النساء فيما قبل الحداثة بقرون عدة من خـلال المصادر المهملة، منتبهة إلى المساحة الواسعة التي كانت تشغلها النسـاء في الحياة العامة واختلاف المعايير الاجتماعية التي تحكم حيـاة الرجـال والنساء.
إلا أنه لا تزال هـذه الحقـب التاريخيـة – العصـور الأولـى والوسطى– تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتنظير. مثلاً إذا كـانت هـذه الأبحاث – ومنها البحث الحالي حول الفقيهات والمفتيات– تثبت مسـاهمة النساء في الحياة الفكرية والدينية للعصور الإسلامية الوسطى ممـا لـم يحدث في القرون التالية حتى العصر الحديث، فهذا يتحـدى الزعـم أن النساء والرجال قد حظوا دومًا يفرص متكافئة متساوية في الحياة الثقافيـة العامة أو التعليم أو الكتابة في العلوم الدينية، أو أن السبب يرجع إلى تقصير النساء وطبيعتهن وصعوبة التفقه فـي الديـن بالنسبة لـهن أو مشروعية الدخول في نقاش ديني متخصص. فكيف يحققن مكانة عالية كمرجعيات دينية علمية في عصر ما ثم لا يظهرن منذ ذلك العصر حتى الآن؟ هذا يدعو لدراسة المتغيرات التاريخية وتأثيرها على النساء و“النوع” من العصور الإسلامية الأولى إلى المملوكية إلى العثمانية ثم إلى العصـر الحديث أثناء فترة الاستعمار وما بعده. إلا أنه من المعروف أن صعوبـة العثور على وثائق وكتابات في التراث الإسلامي من هذه الحقبة كتبتـها النساء أنفسهن في مقابل المادة التاريخية التي تصلنا عن مشاهير وأعـلام النساء المكتوبة من قبل مؤرخين رجال ينقلون إلينا على لسانهن ما قلنـه وكذلك أشعارهن وأثارهن لا تشجع الكثير من الباحثين على إنتاج مـادة معرفية جديدة في هذا المجال.
وهنا على الباحثة أن تختار بين نظريتين:
أ. اعتبار هذه النصوص أمثلة لتصورات ثقافية واجتماعية عـن النسـاء أنتجها الكتاب، بصرف النظر عن إذا كانت هذه النصـوص انعكاسـًا حقيقيًا لأحداث تاريخية دقيقة و صحيحة، فيهتم هذا المنهج بتطبيق منظور جديد في التعامل مع المصادر المعروفـة واكتشـاف مـعـان ودلالات جديدة في النصوص القديمة. وتتبنى معظم الأبحاث الغربيـة هذه النظرة الآن، سواء التي تتناول تاريخ النساء الأوروبيات (مثل دراسات Susan Stuard و Caroline Bynum ) أو التي تتناول النساء في الشرق الأوسط (مثل کتاب دنيز ســـــــــلبرج Deniz Spellberg المشهور عن عائشة بنت أبي بكر (١٩٩٤) وكتاب فدوى مالتی دوجلاس Fedwa Malti-Douglas عن صورة المرأة عـبـر التاريخ الثقافي العربي الإسلامي ۱۹۹۱). فتنبهنا ســــتيــــوارد Stuard مثلاً في مقدمة كتابها عن إشكاليات التاريخ لنساء الغرب في القـرون الوسطى إلى أن أفعال وأقوال هؤلاء النساء تصلنا في سجلات التاريخ عبر تصورات وكلام المؤرخين والكتاب الرجال، ولذا يجب التركيز على “فهم أولئك المؤرخين، ومتى يتقنون إحكام الصورة التاريخية، أو متى يتجاهلون الأدلة، أو متى يجسدون ويشكلون مفاهيمهم المعـاصرة وتصوراتهم الشخصية – التي هي انعكاس لثقافاتهم– لموضـوع مـا (ص١٥).
ب. أما المنهج الثاني فهو لا ينفي إشكالية “التكلم البطنـى” وهـي السـمة الرئيسية لهذه النصوص القديمة وكمـا شـرحتها هـذه الباحثـة: “إن أصوات أو أحاديث النساء في هذه الأحوال هي أحاديث غير قاطعة وملتبسة، فهذه الشخصيات صحيح أنها لا تتحدث كلية بالنيابة عن ذات الكاتب فقط حيث أنها أيضًا تجسد مفاهيم وتصورات ثقافية جماعيـة، ولكن في نفس الوقت لا تستطيع أن نضخم من حجـم وقيمـة هـذه الأصوات باعتبارها الأصوات الحقيقية/ الفعلية المهمشة من المـاضي (1994 2 Evans). أي بالرغم من الشكوك المحيطـة بالسجلات التاريخية للنساء فإن استعادة أصوات وأحاديث وأدبيات النساء المتناثرة في الموسوعات و كتب المؤرخين خطوة هامة في إبراز ثم دمج مساهمات النساء التاريخية في الذاكرة الثقافية الجماعية.
وتعبر مهجة كهف عن هذا المأزق عندما تقول: هل نحن في هذه العصور الإسلامية المبكرة بصدد قـراءة الكـلام الفعلـي للنسـاء المسلمات الأوليات بدون تحريف أو تدخل، أو أنه كلام في معظمه ملفق من قبل الكتاب الرجال والمؤرخين؟” ثم تقول إن معظم الدراسات العربية تفترض الرأى الأول قطعيًا وتفترض معظم الدراسات الغربيـة الـرأى الثاني قطعيًا، بينما تعتقد هي أن تفسير أي من الرأيين منفردًا غير كـاف وترد بتساؤل هام: لماذا يصعب على الباحثين أن يصدقوا صحـة إبـداع النساء لكلام أو أحاديث وبلاغات معينة ويشككون في قدراتـهن، بينمـا يقرون بمجهودات الرجال في التدوين والنقل والإبداع؟ وهكذا يرفض هذا الاتجاه المنهج الأول في البحث الذي يعتبر هذه النصوص برمتها مجـرد تصويرات وتخييلات ذكورية عن هؤلاء النساء أو تلفيقات على لسـانهن، بل يرى إمكانية غربلتها واستخراج آثار لخطابات النساء أنفسهن في المجالات الأدبية والشعرية أو الدينية الصوفية أو السياسية. وتطلق مهجـة كهف على هذه الأدبيات “الآثار الخطابية للنساء” (Webb 2000 150-152). لابد إذا من اعتبار دراسة آثار الفقيهات والمفتيـات والمحدثـات والمتصوفات ممن برزن في الحياة الدينية العامة هي محاولة استعادة هـذا الجزء الهام من تاريخ النساء في الثقافة أو الحضارة الإسلامية.
والمناقشة التي أسلفت تثبت فائدتها عند تأمل ما عرضنـاه مـن التاريخ المنسي لفئات كاملة متعددة ومتنوعة من النساء اللاتـي اشـتغلن بالعلوم الدينية والفقهية والفتاوى الشرعية، حيث من الممكـن أن نحلـل سيرهن من الوجهتين معًا: استعادة هذه الخطابات النسائية وفـي نفـس الوقت الأخذ في الحسبان تصورات المؤرخين الثقافية والاجتماعية في سياق عصورهم عند إنتاج هذه الأعمال والتواريخ عن النساء العالمات.
۲ – البعد المقارن والحياة الدينية للنساء في أوروبا:
ما فائدة المقارنة هنا بين تاريخ الحياة الدينية العامة للنساء في المجتمعات الإسلامية ونظيرها لدي النساء في أوروبـا فـي العصـور الوسطى المسيحية؟ يندرج هذا الاتجاه البحثي تحت الاهتمام الحديث الذي ذكرناه عن العلاقة بين النساء في مختلف المجتمعات والثقافات بتراثهــن الديني، ويتحقق ذلك من خلال المقارنة بين التواريخ المختلفة لاستكشاف الخيارات المطروحة لدى النساء من داخل كل تراث: أي ما هي جوانـب الحياة الدينية المتاحة لهن وهل هي متاحة بدرجة مساوية ونسب متكافئة ؟ وما هي المجالات الأخرى الممنوعة عنهن؟ ثم يتم استخدام هذا المعيـار كعنصر تحليلي وأداه أولية للمقارنة حيث تكون نقطة الالتقاء هي التركيز على المشاركة الفعالة للمرأة وتواجدها كعنصر عـامـل فـي التـاريخ أو كصانعة تاريخ وليس فقط كرمز أو كائن سلبي، فهذا المنـهج لا يقـارن الأديان من حيث “الرموز الدينية للأنثى” أو “الصور الأنثوية” التي أفرزتها قريحة العلماء والكتاب. ومن الطريف أن بعض الدراسات الغربية المهتمة بهذا المنظور ترتب الأديان وتراثها على حسب تدرجها لتحديد أكثر النظم أو أقلها قبولاً ودمجًا لأنشطة النساء الدينية، وفي مقدمة كتاب النساء في ديانات العالم (1987 Sharma) تقترح كاثرين يونج ترتيبًا يضع الإسلام في المرتبة الرابعة بعد اليهودية والهندوسية والكونفوشية في خلو تراثه من الوجود الفعال للنساء، ثم تعدل ريتا جـروس Rita Gross في النسوية والدين (١٩٩٦) من هذا الترتيب لزحزحة الإسلام إلى المرتبـة الثالثة بعد اليهودية ثم الكونفوشية، وتقول أنه يجب أن يحتل أدنى المراتب مع هاتين الديانتين في قبول استقلال المرأة وتحقيق وجود نسائي حقيقـي. ثم تعود لتقرر في موضع آخر أن المسيحية والبوذية اكتسبا سمعة سيئة يستحقانها بسبب النظرة السلبية للمرأة باعتبارها “أقل روحانيـة وأكـثر مادية من الرجال” (ص۹۳)، وقد يختلف بعضنا مع هذا التقييم أو ذاك أو هذه الاستنتاجات التعميمية، المـهم هـو أن السبيل إلـى دحـض أي استنتاجات مثل هذه يكون بالدراسات عبر الثقافات وبتجاوز التراث الواحد لقياس الدرجات المتفاوتة أو المتقاربة والمتشابهة لدور النساء. و تعلـق الباحثة أوروسلا كنج (1995 King) أن مثل هذه الدراسات المقارنة قد أثبتت أن وضع المرأة في أية ديانة أو عقيدة هو عادة انعكاس ولو غـير مباشر لحالة النساء في ذلك المجتمع، فقد أشار علماء الاجتماع مرارًا إلى أن النظم الدينية والعقيدية “تعكس كما تعيد ترسيخ القيم الثقافية والأنمـاط السلوكية الاجتماعية” داخل أي مجتمع (ص١٥).
وهذه قضية لم يحدد معظم الباحثين موقفهم منها حتى الآن. فهناك فريق مثل الرأي السابق الذكر يرى أن هناك تطابقًا شبه كامل بين المفاهيم الثقافية / الدينية السائدة في مجتمع ما عن المرأة ووضع المـرأة الفعلي في هذا الواقع الاجتماعي، فإذا كانت المفاهيم والصور والرمـوز السائدة في عصر ما سلبية ومنحازة هذا يعني أن حال النساء فـي ذلـك العصر كان سيئًا للغاية. ولكن الفريق الأكبر من الدارسين – خاصة قطاع كبير من الباحثات النسويات حاليًا – بدأن في إعـادة النظـر فـي هـذه الفرضية عندما وجدن أنه رغم تأثر حياة النساء بمثـل هـذه المفـاهيم والصياغات إلا أن هذا لا يعطينا الصورة كاملة، فكيف نفسر وجود نساء في هذه العصور استطعن أن يتحكمن في شكل حياتهن ويقمـن بـادوار إيجابية مما يتناقض مع صورة السلبية والخضوع التام التـي افترضتـها وشكلتها نظريًا الثقافة من حولهن. ومن الدراسات المهمـة فـي هـذا المضمار في التراث الغربي فـى النـوع والديـن: إشكالية الرمـز (Bynum1986) لمجموعة من الباحثات والباحثين الذين نبهوا إلى أنه في أحيان كثيرة لا تعكس أو لا تتطابق الرموز الثقافيـة الدينيـة حـول الذكورة والأنوثة مع كل الأنماط الاجتماعية الفعلية على المستوي اليومي المعاش. بل تزعم كنج أن هناك عادة علاقة عكسية بين هذين القطبيـن: كثرة الرموز والصور المجازية “للمؤنث” في الخيال الديني لدي تراث ما يقابلها أوضاع اجتماعية متدنية للمرأة ومعاملة سيئة للغاية فـي الواقـع الأسري والحياة الدينية العامـة أي علـى المستوي العملـي المـعـاش (ص١٦).(6)وهذا ما توصل إليه البحث الجديد فـي كـل مـن الـتراث المسيحي والإسلامي بالعصور الوسطى وما قبل الحداثـة، فالدراسـات الغربية بدأت تؤكد على الأدوار القيادية المستقلة التي مارستها المرأة في بداية العهد المسيحي تجسيدًا للقيم التحررية الكامنة في الرسالة المسـيحية الأصلية في مقابل القيود الكثيرة التي فرضها عليها النظام الأبوي الصارم للمؤسسة الكنسية. ويجد الباحثون بالفعل شـخصيات نسائية فـي هـذه العصـور– خاصة الراهبات والزاهدات (الناسكات) والمتصوفـات – اتسمت بالاستقلال الذاتي والسلطة المعنوية المبنية على التفـرد والنبـوغ الروحي.
سنحاول هنا تقديم عرض سريع لأدوار النساء في الحياة الدينيـة تركيزًا على الفترة التي تسمى بمنتصف العصـور الوسطى (ق۱۲ – ق15) وهذا معناه الأدوار التي تبلورت تحت رعاية الكنيسة الرسمية أو خارجها وهذا مجال المنشقين عنها. بالنسبة لنشاط النساء في كنف الكنيسة فالمعروف من المصادر أنهن لم يشتغلن بمهن دينية داخل هذه المؤسسة، فلم يشغلن مناصب بها وكن ممنوعات من العمل كقساوسه ممارسين للطقوس والصلوات العامة، ولذا فالأنشطة الدينية بالنسبة لهن كانت في الأديرة كراهبات حيث توافر لهن قدر من التمكين الذاتي حتى لـو مـن داخل المؤسسة الرسمية. ويري بعض الباحثين أن البيئة المحيطـة أو السياق الثقافي المعادي للمرأة والذي دأب على التحقير من شأن الجنـس النسائي كله جعل الوصول إلى السماء – أي الخلاص الروحي– أصعـب في حالة النساء عنها في الرجال، فكان على المرأة أن تتجاوز طبيعتـها “الآثمة” المتأصلة كما تم تصويرها في الثقافة السائدة وأن تبذل ضعـف الجهد في مجال إثبات النفس والجدارة في التواصل مـع الله (سبحانه)، ولهذا راجت فرص اختيار الحياة الدينية الخالصة في الأديـرة فوهبـت النساء حياتهن لله وللتفرغ والتعبد الدؤوب؛ هذا من ناحية الدافع الدينـي، أما من الناحية الاجتماعية فإن حياة الدير ربما كانت وسيلة للهروب مـن وضعها الدوني في الزواج ومن الخدمة الأسرية الشاقة والمخاطر الصحية للإنجاب (1995 115Larrington)
ومن مميزات الحياة داخل الدير الحصول علـى تعليـم منـاسـب ومعرفة جيدة للقراءة والكتابة – مما لم يتأت لغالبيـة نسـاء العصـور الوسطى خارج الكنيسة – وفرصة لقراءة الكتب الدينية ووجـود المـواد اللازمة لتدوين بعض الكتابات أنفسهن. وباستثناء راهيتيـن معروفتيـن بالاسم هما هيلدجارد بنجن وهراد لاندزبرج في القرن الثاني عشر اللتيـن تعدت كتاباتهما المواضيع الدينية ، فإن كل كتابات الراهبات بعـد ذلـك كانت ذات سمة صوفية روحانية تعرض رحلة ذاتية إلـى داخـل روح ونفس الكاتبة استلهامًا للكتاب المقدس والطقوس وكتابات علماء الكنيسة الأوائل. ومما يلفت النظر هنا أنه في بعض الأحيان عندما لا تستطيع أن تدون المؤلفة نفسها تجربتها الذاتية كانت تمليها على راهبة أخرى أكـثر براعة في استخدام القلم أو حتى على قسيس أو راهب آخر. وهـذا مـا حدث بالنسبة لهيلدجارد (ق۱۲) الألمانية ومارجري كمـب الإنجليزيـة (ق١٥) ، ولكن على الأقل نستطيع القول أنه قد وصل إلينا في العصـر الحديث وثائق ومخطوطات مطولة لكتابات هؤلاء الراهبات أنفسهن فيـها تسجيل لرؤى صوفية وشروح وتعليقات وآراء روحية نسائية ، وقد أتـاح هذا فرصة كبيرة للدارسين في الغرب أن يعكفوا على هـذه النصوص لتحليلها ودراستها من الناحية التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينيـة، فيستشفون تيمات وصور وتعبيرات معينة تم استخدامها من قبل هـؤلاء النساء ويضعونها في السياق الثقافي التاريخي لذلك العصر، مثل الكتابات الشهيرة التي بقيت لراهبات الديـر المعـروف بألمانيـا هلفتـا Helfta ( (ق13) وهيلدجارد المذكورة سابقًا وجوليان نورويش الإنجليزية (ق١٤). وكلها كتابات تميزت بوجود تيمة مشتركة انشغل بـها الباحثون وهـي تصوير “أمومة” السيد المسيح مجازيًا والتركيز على خصائص “الرعايـة الأموية” للمسيح “المخلص” (1982 ,Bynum). وهكذا بدون الدخـول في تفاصيل ليس لها مجال الآن تمكن الباحثون من ربط هـذه الكتابـات والرموز بسياقها وناقشوا هل هي انعكاس للبيئة الثقافية المعاصرة أم رد فعل لها، هل هي تصورات لا علاقة لها بالواقع أم كان لها تأثير علـي هذا الواقع؟ هل كان لها أثر ملحوظ في تطور التراث المسيحي في نظرته إلى اللاهوت وطبيعته … إلى آخره.
المقصود هنا هو أن هؤلاء الباحثين أكثر حظًا، فتحـت أيديـهم كتابات بعينها حتى لو أخذ في الاعتبار أن بعضها مملاة أو تم الاعتمـاد على قساوسة ورهبان ورجال دين لحفظها ونشرها، بينما كما أشرنا علينا أن نعتمد في التراث الإسلامي على أقوال متناثرة للفقيهات والصوفيــات مكتوبة على لسانهن.
الفئة الثانية من النساء اللاتي عشن الحياة الدينيـة كـانت فئـة الناسكات الزاهدات، وهؤلاء في الأصل لم يعشن داخـل مؤسسـات أو مساكن الأديرة، ولكن بدأن في القرون المبكرة للمسـيحية (قبـل ق۱۱) كنساء عابدات يعتكفن في كهوف بعيدة أو في الصحراء بعيدًا تمامًا عـن أي اتصال بالجماعة ، وبعد فترة أصبح من الأسلم أن يعشن في صومعة اعتكاف منفصلة وإن كانت ملحقة بكنيسة معينة أو دير مـن الأديـرة، وتعزل الناسكة تمامًا للتعبد والتأمل والصلاة المنفردة وتخضـع لقـانون العزلة والانغلاق التام فيكون ممنوعًا لها الاتصال بالعـالم الخـارجي أو ترك هذا “المرفأ” / “المرسى” (anchorhold) إلا من خلال نافذة تفتـح على داخل الكنيسة أو وجود أفراد من الخدم لتلبية احتياجاتها الضرورية. وبمرور الوقت تحولت هذه الحياة التي اختارتها الكثيرات إلى شبه مهنـة حين أصبح بعضهن اللاتي نلن سمعة كبيرة لتقواهن وتصوفـهن بمثابـة مراكز جذب للمسافرين والحجاج والزوار يقصدونهن للاستشارة الروحيـة والتبرك والسؤال في مجال العبادة والتديـن. ومـن أشهر الناسـكات الإنجليزيات هي جوليان نورويش (١٣٤٢–١٤٢٩) التي تركت لنا أثـرًا مكتوبًا شهيرًا عبارة عن أربعة عشر رؤية صوفية كشفية: كشـوفات الحب الإلهي، وهكذا برزت من هذه الفئة مجموعـات مـن القديسـات والمتصوفات المشهورات في التراث المسيحي.
أما الفئة الثالثة وهي فئة مارست الحياة الدينية الوعظيـة ولكـن خارج مؤسسة الكنيسة تماماً وكوادرها، ومن أشهر هؤلاء مـن عرفوا باسم “البيجين” (Beguines) اللاتي انتشرن آخر القرن الـحـادي عشـر وأول القرن الثاني عشر في شمال أوروبا وخاصـة بلجيكـا، وهـن مجموعات من النساء يعشن في تجمعات سكنية خاصـة بـهن، أردن أن يحققن المعادلة الصعبة في العصور الوسطى أن يحيين حياة دينية بالمدن أساسها التقوى والصلاة والوعظ العام وأعمال الخير، فـاردن ممارسة التدين والإرشاد الديني وهن جزء بارز من حياة الجماعة في نفس الوقت، ويترجمن تدينهن هذا إلى أعمال خيرية وخدمـات فعليـة بيـن النـاس فيصبحن قدوة للحياة المسيحية الخيرة الحقة ولكن دون أن يخضعن لسلطة الكنيسة ومراقبتها ولوائحها. وقد أطلق بعض الباحثين على هذه الفئة أنهن يشكلن أول حركة نسائية انفصالية في التاريخ الغربي (1982 Bynum), ورغم نجاح التجربة لسنوات عديدة إلا أنهن تعرضن لهجوم ونقد مكثف من القساوسة والكنيسة حتى تم تجريمهن وتكفيرهن رسميًا وتم حل هـذه التجمعات. وقد رأى الدارسون أن المشكلة كانت تكمن في أنهن خلقـن لأنفسهن مساحة “بينية” لا هي تحت سيطرة الكنيسة كراهبات وناسـكات في الأديرة ولا هي تحت سيطرة الزوج بالمنزل يمارسن الدور التقليـدي للزوجة والأم. وكان هذان الدوران – راهبة أو زوجة / أرملـة همـا الدورين المرسومين بعناية للنساء أو المساحتين المسموح لامرأة العصور الوسطى أن تتحرك داخلهما. أما نساء “البيجين” فلـم يخضعـن للوائـح الانعزال في حياة الأديرة بينما لم يتخلين عن ممارسة الحياة الدينية وهـن يتحركن بحرية داخل المجتمع في المدن ووسط النـاس (Stoner). ولـم يتقبل السياق التاريخي في ذلك الوقت هذا الوضع الملتبس، خاصة فكـرة أنهن مارسن الوعظ النشط في الحياة العامة استقلالاً عن الكنيسة وأصبـح هذا أمرًا مستهجنًا للغاية حتى تم تحريم هذه المنشآت وأنشطتها في مؤتمر فيننا ۱۳۱۲م.
وهنا نتوقف عند نقطة مقارنة: بالنسبة لشيخات الربط والزوايـا التي ورد وصفها في الجزء الأول والتي هي أيضًا منشآت أو تجمعـات نسائية لشيخات ونساء عابدات ولكن ناشطات فـي العمـل الاجتمـاعي الخيري، لم تبرز هذه المشكلة أبدًا في أنهن شيخات عالمات وجزء مـن الحيز العام في نفس الوقت، بل نقرأ في المصادر الكثير مـن المـديـح والاحترام والثناء على حسن إدارتهن لهذه الربط، وبينما لم يتم الطبع تحريم أو حل هذه المؤسسات رسميًا لاختلاف الظـروف إلا أنـه مـن الملاحظ اختفاء شيخات الربط التدريجي حتى العصر الحديث عندما نشأت أطر ومؤسسات الدولة الحديثة بقيودها وقوالبها. هل من الممكـن أيضـاً اعتبار هذه الربط بشيخاتها ومديراتها مثالاً أو نموذجًا مبكرًا لمبـادرات نسائية إسلامية جماعية نجحت في خلق مساحة أو حيز خاص بالنساء من داخل المجتمع المسلم العريض بهدف حل مشاكلهن الخاصة مثل اليتـم أو الترمل أو الطلاق أو الهجر وتوفير المساندة المعنويـة والاجتماعيـة والتعليمية والمالية؟
أما عن المجموعة الرابعة وهي الفئات “المهرطقـة” أو المنشـقة تمامًا عن العقيدة المسيحية كما عرفتها وحددتها كنيسة العصور الوسطى، وهي فئات انتمت لملل أو مذاهب بعينها خرجت على الكنيسـة وسـلطة البابا. وقد لوحظ أن عددًا كبيرًا من اتباع هذه المذاهب والبدع كان مـن النساء، فبعض هذه المذاهب أتاحت للنساء فرصًا للمشاركة الفعالـة لـم يجدنها داخل الكنيسة بسبب حرمانهن من مناصبها. ولن نتطرق إلى أكثر من هذا الذكر الموجز لهذه الفئة فهو موضوع متشعب وخارج نطاق هذه الدراسة الآن.
ومن العرض السابق يتضح أن هؤلاء النسـاء المسـيحيات فـي العصور الوسطى المعنية وإن كن يشتركن مع نساء المجتمعات الإسلامية المتزامنة في أنهن وجدن في التدين والحياة الدينية فرصًا لتحقيق الـذات والاستقلال المعنوي والعاطفي والثقة بالنفس والتمكين، ورغم أن بعضهن حققن مكانة عالية في التراث كقديسات، إلا أنهن لم يكن “عالمات” بمعنى اشتغالهن بفروع تخصصية للعلوم الدينية الرسمية أو التقليدية من إصـدار أحكام وأراء فقهية وفتاوى يتم نقلها وتعليمها والعمل بها في دائرة أوسـع من الناس – رجالاً ونساًء – أي الوصول إلى مستوى متقدم من الدراسـة والاجتهاد الديني المشروع.
۳ – عائشـة الباعونيـة:
هي عالمة دين وفقيهة ومفتية، وأيضًا كاتبة شـاعرة ومؤلفـة، صاحبة هذه السلسلة من الكتب الدينية والصوفية: كتاب الممالك الشـريفة والآثار المنيفة وكتاب الفتح الحنفي وديوان “مولد جليل للنبي صلـ عليه وسلم” بعضه شعر وبعضه نثر ونشر في القـاهرة عـام ۱۸۸۳م، وكتابات وأشعار أخرى كثيرة. وأود أن أتوقف عندها بالذات لأنها نموذج جيد لعالمة دين مسلمة وفقيهة ناشطة – أو “عاملة” كما جاء وصفها – في الحياة العامة وفي السفر بين الأقطار والاتصال بعلماء عصرها والتفاعل معهم فكريًا حول موضوعات في الدين والإفتاء والأدب، ولكنها في نفس الوقت مثال على كثير من الإشكاليات التي أثرناها سابقًا خاصـة قضيـة المؤلفات الضائعة أو الأقوال والقصائد المروية عنها في كتب التـاريخ والقواميس ومدى ثقتنا في صحة نسبها. ومع ذلك ما وصلنا من آثارهـا يستحق التحليل والدراسة باعتباره صوتًا وحضورًا تاريخيًا للمرأة المسلمة الفقيهة والعالمة.
تبادلت عائشة الباعونية قصائد مدح وألغاز لغوية وأدبية مع أبـي الثناء محمود بن آجا صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية آنذاك عندما زارت القاهرة، وكذلك مع شيخ الأدباء السيد الشـريف عبـد الرحيـم العباسي القاهري الذي خاطبها بـ“يا روضة العلم” وأثنى على “منثور” ما تكتب و“منظومه” – أي النثر والشعر. ومن أعمالها قصائد صوفية غزليـة رائعة تستخدم فيها معاني ورموز التراث الصوفي الممتد زمنًا طويلاً مـن قبلها، خاصة صور حبيب القلب وتجلـى الجمـال الإلهي والوصـال والمنادمة الرمزية مع الحبيب الإلهي الذي يذهب كل خوف وسقم وحزن، وهي صور تذكرنا خاصة بالأشعار الشهيرة لرابعة العدوية والتي ســار على دربها الكثير من الصوفيات بعدها وكذلك الشعراء الصوفيـة فـي إظهار الوجد والعشق والتغزل ومخاطبة الله (سبحانه) مباشرًة بعبــارات تقوى من الرابطة الشخصية الروحية بين الشاعر أو الشـاعرة والرفيـق الأعلى. من أبيات عائشة:
یا محبوبی یا مطلوبی…..يا مقصودي يا موجودي
کن لی کن لى وأجبر كسرى….واغني فقري بالتداني والوصال
أما بالنسبة لقضية التمثيل أو التصوير التاريخي التي أثرناها فـي البداية، فسنجد مثلاً أن هذه الشخصية الهامة ظهرت في ثلاثة مصـادر رئيسية، ركز المصدران الكواكب السائرة للغزى وشذرات الذهب لابـن العماد على الجانب العلمي الفقهي والصوفي لكتاباتها ولشخصيتها، بينمـا تسلط الضوء زينب فواز في موسوعتها الدر المنثور في طبقات ربـات الخدور (١٨٩٦) على عائشة “الشاعرة المطبوعة … الأديبـة اللبيبـة العاقلة” (ص ٢٩٣) التي وصفها العلماء والمشايخ ومنهم العالم السـوري المشهور عبد الغني النابلسي – بأنها “ربة الفضـل والأدب“. نلاحـظ أن الصورة التاريخية عند زينب فواز تظهر عائشة الباعونية كشخصية أدبية فذة تشتهر بالبلاغة والشعر المبين، أما عن السمات الشخصية الأخـرى فهناك تأكيد على عقلها وذكائها وفهمها من ناحية وعلى امتلاكها الفضـل في كثير من المجالات من ناحية أخرى. وهذه صفات وألفاظ تحمل الكثير من الدلالات لتعارضها مع إصرار بعض العلماء والمفسرين في أعمـال الفقه والتفسير على دونية النساء من الناحية العقلية والفكرية أو على فكرة تفضيل الله (سبحانه) جنس الرجال على جنس النساء.
كما نقرأ في ترجمة عائشة في الدر المنثور أنه “كان على وجهها من الجمال لمحة جّملها الأدب وحلتها بلاغة العرب“، مما يعني أن زينب فواز اهتمت بأن تلتقط هذه التفصيلة من أحد المصادر التـي اسـتخدمتها لتوردها، وهذا يدل على أن سفور عالمة مثل عائشة الباعونية في تعاملها مع علماء ومؤرخي عصرها ومشاهدتهم إياها كان واردًا وأمرًا طبيعيًـا. بل أن هناك في الدر المنثور أيضًا ما يفيد أن السائلين من الرجال كانوا يستفتونها نظمًا وترد عليهم بالمثل، فبدأ أحدهم سؤاله : “ما قولك يا سـتنا العالمة …” إلى آخر الأبيات ، وردت هي: ” قالت لكم ستكم العالمـة …” كذا وكذا. ومن الواضح أنها عاشت في هذا المحيـط الاجتمـاعي والثقافي محظية بالقبول والترحيب وليس الاستنكار أو التعجب أو حتـى محاولة المؤرخين تبرير كلامها وحياتـها ونشاطها الأدبي والعلمـي والديني.
يتضح لنا أن لعائشة إنتاجًا أدبيًا ضخمًا يتمثل في قصائد عديدة ثم شروح وتعليقات وتلخيصات لأعمالها هي أو لقصائد وأعمـال شـعراء آخرين – أي ما يمكن أن نعتبره نقدًا أدبيًا. ويرد فـي دائـرة المـعـارف الإسلامية أنها نظمت شعرًا كتـاب المعجـزات والخصائص النبويـة للسيوطي، كما اختصرت رسالة الهروي الصوفي منازل السائرين فـي أرجوزة عنوانها “الإشارات الخفية في المنازل العلية“، ثم اختصرت أيضًا في أرجوزة أخرى القول البديع في الصلاة على الحبيب للسخاوي العـالم المؤرخ والمحدث المشهور (جـ6، ص۹۹). أما أشهر قصائدهـا علـى الإطلاق قصيدة “الفتح المبين في مدح الأمين” وكتبت عليها شرحًا، وقـد تأثر بهذا العمل عبد الغني النابلسي في كتابة بديعيته “بسمات الأزهـار (۱۸۸۱م) وكان يقارن بين عمل عائشة هذا وأعمال أدبية أخرى. وهنـاك ذكر أن القصيدة والشرح نشرا في القاهرة عـام 1915م علـى هـامش خزينة الأدب لابن حجة. وقد تزوجت عائشة الباعونية وكان لـهـا ابـن واحد.
والخلاصة أن مثل هذه الأنماط التاريخية لعالمات الدين والفقيهات في التراث الإسلامي تبدو وكأنها في تضاد مع الصـورة المغايرة في الأدبيات الإرشادية والتعليمية التي تقدمها بعض المصادر الأخـرى مـن كتب التفسير أو الأحكام الفقهية أو آراء من الناحية النظرية وفيها بعـض التحامل على قدرات النساء العقلية والفكرية أو حتى الدينية، بينما تُمتدح مثل هؤلاء العالمات والفقيهات لعقلهن وتميزهن علـى رجـال ونسـاء عصرهن في العلوم الدينية والعقلية الصعبة. وتفسر لنا أميرة سنبل أن هذا التفاوت بين الخطاب الرسمي للعلماء حول النساء والواقع التـاريخي أو الاجتماعي ربما يشير إلى “وضع مضاد تمامًا لذلـك الـذي يقدمـه لنـا الخطاب الرسمي. وهذا يعني أن الحياة التي عاشتها النساء بالفعل قـد دفعت الفقهاء إلى تفسير الشريعة بشكل أكثر محافظة، كلما جنحت النساء إلى التحرر كلما تشددت التفسيرات” (ص١٦). أي أننا نجد في المصـادر والتواريخ القديمة نوعًا من الصراع أو الشـد والجـذب فـي اتجـاهين متعاكسين بين ما يسمى بالمستوي المعياري النظري لخطابات العلماء من ناحية، والواقع الاجتماعي والسياسي الفعلي من ناحية أخرى. ويستشـف محمد فاضل في اسة مستفيضة له حول تحليل الخطاب فـي الأعمـال الفقهية وعيًا لدي الفقهاء لعلماء أنفسهم بهذه المسألة أو هذا التناقض: التسليم بالمشاركة الفكرية المساوية للمرأة والإقرار بإنتاجها لمادة معرفيـة دينية موثوق بها من ناحية ثم تهميشها في السياقات السياسية للسلطة ومناصب المؤسسات الرسمية مثل القضاء وغيره مـن ناحيـة أخـرى (۱۹۹۷ ، ص۱۹۱).
هذا كله إذا سلمنا أن الصورة التاريخية المقدمة لنا عـن هـؤلاء الفقيهات والمفتيات حقيقية، وكما رأينا ليس هناك ما يدعو إلـى عـدم تصديق هذا الحضور الفعال والسلوك الذي يعضده استنتاجات الدارســين الأخرى عن حياة النساء في الحيز العام وممارستهن لحقوقهن القانونية في فترات ما قبل الحداثة. وحتى إذا طرحت مـرة أخـرى إشكالية مـدى مصداقية كتابات وكلام هؤلاء النساء بالذات فإن مهجة كهف تـرى أنـه حتى إذا افترضنا أن هذه البلاغات من نسج خيال الرجال حول النسـاء، فإن المؤرخين والكتاب عند تقديم “تصوراتهم” و“تمثيلاتهم للمرأة العالمـة والفقيهة قدموها في شكل المتحدثة الإيجابية صاحبة صوت وحضور وذات جرأة وتفاعل مع المحيطين بها، وهذه الآلية لها دلالة ومغزى في حد ذاتها (ص ١٥٩).
٤– استنتاجات أخيـرة:
عند المقارنة بين عالمات الدين في التاريخ الإسلامي وراهبـات وقديسات التاريخ المسيحي في أوروبا نجد أوجه شبه دالة مثل:
أ. أن الحياة الدينية العريضة في العصور الوسيطة أتاحت أفضل الفرص للنساء داخل كل تراث لتحقيق الذات والاعتداد بالنفس بعيـدًا عـن أو قبيل عمليات المأسسة وسيادة سلطة الدولـة المركزيـة فـي حالـة المجتمعات الإسلامية، ورغمًا من سلطة الكنيسة وهيمنة رجال الديـن على مناصبها وطقوسها ونظمها فـي حالـة المجتمعات المسيحية الأوروبية.
ب. وهذا ينبهنا إلى التشابه في إشكالية التهميش مـن قبـل المؤسسـات الرسمية في كلا التراثين. ت. الحدود بين الحيز العام والخاص كانت أكثر مرونة ومجالاتهما متداخلة بشكل يسمح أن تزيد مساحة العام بشكل كبير بالنسبة للنسـاء داخـل مجتمعاتهن، بل أن الاستقطاب أو الفصل الصارم بين المجالين ظاهرة حديثة في القرنين الأخيرين تولدت في الغـرب علـى أثـر الثـورة الصناعية.
ث. في كلا التراثين آثار وكتابات نسائية قيمة يجدر دراستها ومقارنتها من الناحية النصية: أي التناول الأدبي للصور والرمـوز الدينيـة، ثـم علاقتها بسياقاتها التاريخية والثقافية ودور هؤلاء النساء فـي تشـكيل تواريخ التراث الفكري والديني. أما أوجه الاختلاف كما توصلنا إليها:
أ. لم تكن النساء في هذه القرون الوسيطة بأوروبا عالمات دين بمعنـى “اشتغالهن” بفروع تخصصية للعلوم الدينية الرسمية وإصـدار أحكـام وفتاوى إلى آخره ، وذلك رغم المكانة العاليـة التـي وصـلـن إليـها كقديسات وراهبات متصوفات.
ب– وفي المجتمعات الإسلامية الوسيطة قد يكون الطابع العام لاشتغالهن في الساحة الدينية الفكرية بالتدريس والوعظ والإفتاء صرفـهـن عـن الاهتمام بتدوين الكتابة الذاتية التفصيلية بكثرة، في حيـن أن النسـاء الأوروبيات اتجهن أكثر إلى داخل النفس وتأملـها، وبسـبب القيـود المجتمعية الخارجية المفروضة ركزن على التعبير عن تجارب دينيـة ذاتية عميقة وأطلقن العنان للتفكر في طبيعة الخالق وتحليل علاقتـهن به، وهذه هي الكتابات المطولة التي وصلتنا ولا نزال ندرسها حتـى الآن.
أميمة أبو بكر
1. أنظر خاصة كتاب: روبرت برکهوفر Beyond the Great Story، وفيه دراسة تفصيلية متأنية حول المفهوم الجديد للنقد التاريخي في ظل مدارس ما بعد الحداثة.
2. عند الاطلاع على معظم الدراسات الغربية الحالية لثقافة وتاريخ ما قبـل الثورة الصناعية والتحديث في القرن الـ19، نجد إجماعًا على أن النساء في الغرب فقـدن الكثير من حقوق المشاركة في العمل العام وأعمال التجارة والزراعة والحريات فـي مجال الدين وخلافه منذ تبلور العصر الفيكتوري بإنجلترا مثلاً، والقيـود التـي تـم فرضها في ذلك الحين بسبب الانفصام الذي حدث وقتها بين الحـيز العـام والحـيز الخاص والذي لم تعرفه العصور الوسطى بهذه الصرامة، فلا نجد هناك من يعتـبـر “خروج” أو “تجاوز” النساء لمجالهن الطبيعي عندما كن يشتغلن بالتجارة والربح، على عكس التحجيم الذي تلى هذه العصور وترويج أفكار الخضوع النفسي والمعتـرى للنسـاء واعتمادهن على الغير.
3. انظر كتاب (1977) Becoming Visible: Women in European History حيث تعطـى المقدمة مسحًا للتطورات التاريخية التي مرت بالمرأة في أوروبا، وتخلص المؤلفة إلـى أن هذا الانفصام الذي أحدثته الثورة الصناعية أدى إلى تقلص الدور الإنتاجي للنساء خاصة في الطبقة المتوسطة وحصرهن في المجال الأسري الخاص حيث المسئولية الرعائية والعاطفية البعيدة عن أعمال ومهن الحياة العامة خارج المنزل التي تخص الرجال في الأساس.
4. هناك تكهنات عن الصلات بين هذه المفاهيم في التراث الغربي الحداثي وخارجه، وكيفية انتقالها في المجتمعات العربية الإسلامية في هذا الوقت عندما كانت مستعمرة ثم استيعابها أو استبطائها لدى النخب الثقافية ودعاة التنوير “الحداثي” الذين كرسـوا لمفاهيم الحداثة العربية برمتها وتحدثوا عن طبيعة النساء الثابتة وهي طبيعة وعقلية دونية تملى على المرأة سلوكًا عاطفيًا بحتاً.
5. الاستشهادات المستخدمة هنا من الترجمة العربية لكتاب النساء والأسـرة وقوانيـن الطلاق(۱۹۹۹)، مراجعة وتقديم رؤوف عباس، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
6. مثال على ذلك أن الصور والرموز “الأنثوية” و“الأموية” للسيد المسيح (التـي ستشير إليها لاحقًا) والتي استخدمها رهبان رجال أيضًا وراهبات، وكذلك مذاهـب التمحور حول شخصية السيدة مريم العذراء رمـز الطـهر والسمو؛ كـل هـذه التصورات الأدبية الإيجابية لم تنجح في إزالة المعوقات الفعلية العمليـة لاشتراك النساء رسميًا في الحياة الدينية العامة والكنيسة، وفي نفس الوقت مذهـب “المـرأة الحقة” الذي ظهر في القرن الـ 19 بأوروبا وأمريكا وفيه أفاض العلماء في خلـق تصور للمرأة العفيفة المثالية في أخلاقها ووداعتها جاعلين منـهـا رمـز الرعايـة والعطف لم يمنع من اعتبارها تافهة وسطحية واعتبار رفتها لا تجعلها تتحمل أيـة علاقة جدية بالعالم الخارجي من أعمال وتعليم عال.
ابن الحاج: أبو عبد الله محمد بن محمد الصدري الخامس المالكي (ت٧٣٧هـ / ١٣٣٦م). المدخل، (المطبعة المصرية، ۱۹۲۹).
ابن حجر العسقلاني: احمد بن على (ت ٨٥٢هـ / ١٤٤٨م).
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنـة، تحقيـق سـالم الكرنكوى (بيروت: دار الجيل، ۱۹۹۳).
ابن خالكان أبو العباس شمس الدین احمد (ت ٦٨١هـ / ۱۲۸۲م)
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمـان، (مكتبـة النهضة
المصرية، ١٩٤٨).
ابن سعد: محمد (ت ٢٣٠هـ / ٨٤٥م).كتاب الطبقات الكبرى، تصحیح ادوارد سخو،(ليدن :مطبعة بريل).
ابن عبد البر للقرطبي: أبو عمر يوسف (ت 463هـ / ۱۰۷۳م).جامع بيان العلم وفضله، صححه وراجعه عبد الرحمـن محمد عثمان، (القاهرة: مطبعة العاصمة، ١٩٦٨)
ابن قدامه: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمـد بـن مـحمـد.(ت٦٢٠هـ /۱۲۲۳م) المغلي، تحقيق عبد الله التركي وعبـد الفتـاح الحلـو، (القـاهرة: هجـر للطباع والنشر ،١٩٨٦).
الجوزي: جمال الدين أبـي الفـرج عبـد الرحمـن بـن علـى (ت٥٩٧ هـ/۱۲۰۰م).صفة الصفوه، القاهرة منشورات دار الصفـا بالقاهرة ١٤١١هـ).
الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن على (ت 463هـ / ۱۰۷۳م).تاريخ بغـداد أو مدينة السلام، (القاهرة: مطبعـة الخانجي،۱۹۳۱).كتاب الفقيه المتفقه وأصول الفقـه، (القاهرة: مطبعـةالامتياز، ۱۹۷۷)
الذهبي: شمس الدين محمد أحمد (ت 748هـ / ١٣٤٧م).سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب لأرنؤوط، (بیروت،مؤسسة الرسالة، ١٩٩٦).
السخاوي: أبو الحسن نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلـف(ت القرن التاسع لهجري / الخامس عشر ميلادی).تحفة الأحباب وبغية الطلاب فـي الخطـط والمـرارات والتراجم والبقاع المباركات، (القاهرة: مكتبـة الكليـات الازهرية، جـ٢، ١٩٨٦).
السخاوي: محمد شمس الدين عبد الرحمن (ت ۹۰۲هـ / ١٤٩٦م).الضوء اللامع لأهل القرن لتاسـع (القاهرة: مكتبـة القدس، ١٩٣٤).
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن (ت 911هـ / ١٥٠٥م).موطأ الامام مالك وشرحه تنوير الحوالك، (مصر: مطبعة مصطفى الثاني الحلبي، ١٩٥١).
الصفدي: صلاح الدين خليل بن أيبك (ت ٧٦٤هـ / ١٣٦٢م). الوافي بالوفيات، (استانبول: مطبعة الدولة، ۱۹۳۱).
الغزي: نجم الدين (ت ١٠٦٢هـ / ١٦٥١م).الكواكب السائرة بأعيان المئه العاشرة، حققه وضبط نصه د. جبرائیل سلیمان صبور، (جونیه: مطبعـة المرسلين اللبنانيين، ١٩٤٩).
المرادي: أبو الفضل محمد خليل بن على (ت ١٢٠٦هـ / ٧٩١م). كتاب سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، (القاهرة: دار الطباعة الكبرى ١٨٧٤).
احمد عیسوی (١٩٦٧–١٩٦٨). المدخل للفقـه الإسلامي، تاريخه ومصادره نظرية الملك والعقد، قواعده الكلية. القاهرة: دار الاتحاد العربي للطباعة.
أميرة الأزهري سنبل (١٩٩٦ ، ۱۹۹۹)، النساء والأسرة وقوانين الطلاق في التاريخ الإسلامي، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
حسن حنفي (۱۹۹۸)، دراسات اسلامية. القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية.
دائرة المعارف الإسلامية (١٩٦٩). النسخة العربية، اعداد وتحرير إبراهيم زكـی خورشيد عبد الحميد يونس. القاهرة: دار الشعب، الطبعة الثانية.
زینب فراز (١٨٩٦). الدر المنثور فـي طبقـات ربـات الخـدور.الكويت: مكتبة ابن قتيبة.
العاملي: (۱۹۳۸)، السيد محسن الأمين الحسيني.أعيان الشيعة، دمشق: مطبعة ابن زيدون.
کحاله: (۱۹۹۱)، عمر رضا.أعلام النساء في عالمي العـرب والإسلام، بيروت:مؤسسة الرسالة، ط.1.
محمد عبد الحميد عيسى (۱۹۸۲). تاريخ التعليم في الأندلس. القاهرة: دار الفكـر العربي.
نللي حنا. (۱۹۹۷). تجار القاهرة في العصر العثماني: سيرة أبـو طالية شاهنبدر التجار. ترجمة وتقديــم رؤوف عـاس.القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.
وجیه کوثرانی (۲۰۰۱). التاريخ ومدارسه في الغرب وعنـد العـرب: مدخل إلى علم التاريخ. بيروت: الأحـوال والأزمنة للطباعة والنشر.
المقالات العربية
أميمة أبو بكر: (۱۹۹۸). “المحدثات في التاريخ الإسلامي (القـرن 14و ١٥م)”. هاجـر 5/6, القاهرة: دار نصوص، ص125-140
Berkhofer, Robert F. 1995. Beyond the Great Story: History As
Text and Discourse, Cambridge, Mass.: Harvard University
Press.
Bridenthal, Renate. (ed.) 1977. Becoming Visible: Women in
European History, Boston: Houghton Mifflin Company.
Buchanan, Constance. 1996, Choosing to Lead. Boston: Beacon
Press.
Bynum, Caroline Walker. (eds.) 1986. Gender and Religion: On the
Complexity of Symbols. Boston: Beacon Press.
Bynum, Caroline Walker. 1982. Jesus as Mother Studies in the
Spirituality of the High Middle Ages. Berkeley: Univ. of
California Press.
Bynum, Caroline Walker. Fragmentation and Redemption. 1992.
New York: Zone Books.
Chamberlain, Micheal. 1994. Knowledge and Social Practice in
Medieval Damascus. New York: Cambridge University Press.
Encyclopedia of Islam. 1995. Lieden, Brill.
Evans, Ruth and Lesley Johnson. (eds.) 1994. Feminist Readings in
Literature, London and New York: Routledge. Gross, Rita. 1996. Feminism and Religion. Boston: Beacon Press.
Keddie, Nikki and Beth Baron. (eds.). 1991. Women in Middle Eastern History, New Haven: Yale University Press.
King, Ursula. (ed.) 1995. Religion and Gender. Oxford: Blackwell.
Larrington, Carolyne. Women and Writing in Medieval Europe.
1995. London and New York: Routledge. Lutfi al-Sayyid-Marsot, Afaf. 1995. Women and Men in 18 Century Egypt. Austin: University of texas Press.
Lutfi, Huda. 1991. Manners and Customs of 14th Century Cairene
Women; Female Anarchy Vs Male Shar’I Order in Muslim Prescriptive Treatises. In Nikkie Keddie and Beth Baron, pp. 99-121.
Makdisi, George. 1991. Religion, Law and Learning in Classical islam. Great Britain: Variorum.
Makdisi, George. 1981. The Rise of Colleges: Institutions and
Learning in Islam and West. Edinburg: Edinburg University Press.
Malti-Douglas, Fedwa. 1991. Woman’s Body, Woman’s Word: Gender in Arabo-Islamic Discourse. Princeton, N.J.. Princeton Univ.
Masud, Mahmud Khaled, “et al”, (ed.). 1996. Islamic Legal Interpretation: Muftis and their Fatwas, Cambridge, Mass: Harvard University Press.
Roded, Ruth. 1994. Women in Islamic Biographical Collections
From Ibn Sa’d to Who’s Who. Boulder & London: Lynne
Rienner Publishers.
Sharma, Arvind. (ed.). 1987. Women in World Religions, Albany:
State Univ. of N.Y. Press,
Spellberg, D.A. 1994. Politics, Gender, and the Islamic Past. New
York: Columbia Univ. Press.
Stoner, Abby. “Sisters Between: Gender and the Medieval
Beguines.” www.sfsu.edu/-has/ex-post-facto.
Stuard, Susan Mosher. (ed.). 1987. Women in Medieval History
And Historiography. Philadelphia: University of
Pennsylvania Press.
Tritton. 1957. Materials on Muslim Education in the Middle East.
London Luzec, Co.
Tucker, Judith. 1986. Women in Nineteenth Century Egypt. Women
In Nineteenth Century Egypt. Cairo: American University
Press.
Webb, Gisela. (ed.) 2000. Windows of Faith. New York: Syracuse
University Press.
مقالات أجنبية
Fadel, Mohammad. 1997. “Two Women, One Man: Knowledge, Power, and Gender in Medieval Sunni Legal ”hought.” In International Journal of Middle East Studies 29, 185-204. Lutfi, Huda. 1981. “Al-Sakhawi Kitab al-Nisa as a Source for the
Social and Economic History of Muslim Women During the
Fifteenth Century A.D.” The Muslim World, LXXI, pp. 104-124.
أميمة أبو بكر: أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بكلية الآداب، جامعـة القاهرة،وعضوة مؤسسة بمؤسسة المرأة والذاكرة. لها مقـالات فـي النقـد الأدبي والشعر الصوفي والأدب المقارن، متخصصة في آداب العصـور الوسطى المسيحية والإسلامية، وتكتب عن النساء في التاريخ الإسلامي,والراهبات في الأدبيات المسيحية في القرون الوسطى، وقضايا النوع في الخطابات الدينية.
هدى السعدي: عضوة بمؤسسة المرأة والذاكرة، مدرس تاريخ الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, متخصصة في دراسات التاريخ الإسلامي ومناهجه وتكتب عن النساء في التاريخ الإسلامي وقضايا النوع في المجتمعات الإسلامية الأولى.