أربعةٌ وستين جنيهًا في الشهر، لو يأكلوني أنا والبنتين ويسفروني كل يوم من بلد لبلد لغاية الشركة أنا ماكنتش اشتكيت؛ وأنا لو قعدت على باب العمارة وحطيت شوية ليمون وبعتهم، أكيد هاكسب كل شهر أكثر من 64 جنيه، وكفاية إن عيالي يجروا حواليه،

والله إن كان الشغل مش جايب همه، أقعدي في البيت مع بناتك.

وخرجتُ وأنا منفعلة، وفي أشدِّ حالات الضيقِ والنرفزة، كان هذا حواري مع رئيس الشركة في أكتوبر ١٩٨٥، ولقيت دماغي هاتنفجر، صحيح بيع الليمون مكسبه أكثر، حاولت أحسب في اليوم على الأقل أبيع كام وأكسب كام، بس أفكاري ومشاعري كانت مشتتة بشكل غريب وشعرت أنى محتاجة أرقبها وأقعد مع نفسي، فلو الليمون مكسبه أكبر ليه كل الناس بتلجأ للوظيفة؟

يا ترى سبب غضبي إنه قاللي أقعدي في البيت؟ هل كان رده جارحًا؟ لماذا؟ حاولت أن أهدأ وأرتب أفكارى.

يبدو أنه قاللي أقعدي في البيت مع بناتك علشان يحرجني لأني ست وشغلى مش مهم.

لأنه أشاد بشغلى أكثر من مرة قبل كده إنما هو حاول يستفزني لأنه ماعندوش رد في موضوع الأجور الغريبة، ويمكن لو كان اللي مكانی راجل برضه كان هيستفزه لأنه يسيب الشركة كلها ما هو دايمًا الرد عندهم جاهز للهرب من الموضوع.

ثاني حاجة من غير ما يقولها بديهية أنه ميعرفش أنه أنا اللي بأعول أولادي في وقتها فتصوره أكيد أن الماهية دي مجرد احتياطى أو إضافي لماهية أخرى مهياش دخل الأسرة ويمكن هى دى مشكلة الست عن الرجل، النظرة لها بتختلف من الزاوية دی،

حاولت أفكر في موضوع بيع الليمون ومش بالقطع الليمون، مأنا طبعًا أقدر أخيط من جوه البيت وبرضة أكيد دخلى هيكون أكبر، يا ترى كل الناس بالذات الأمهات مبيسيبوش أشغالهم الحكومية بمرتباتها القليلة، أو أشغالهم في المصانع بساعاتها الطويلة ويحاولوا هم يحلوا مشكلتهم بنفسهم يعني يمارسوا أي حرف ثانية من جوة البيوت؟

يا ترى السبب مرتبط بالعلاقة بين الحراك الاقتصادي والحراك الاجتماعي في المجتمع، بمعنى أن لازم الأول يحصل الخلل دة أن الحرف تجيب فلوس أكثر من الوظايف وبعدين سيبتدي جزء من الموظفين يروح يشتغل في الحرف اللي بتكسب ولا الموضوع مش كده بس؟

طبعًا لو باشتغل من جوه البيت في أي حرفة هتكون ساعات العمل أطول عشان ألبي طلبات الزبون، وأربطه بيه، وعشان أحصل على دخل أحسن من ماهيتي فعلاً، وعشان أحقق وضع متميز عن كل اللي بيشتغلوا في الحرفة دى من قبلي، ده بالنسبة للوقت هيكون أطول، وطبعًا هيكون فيه مشاكل من نوع جديد مش ها أقدر أفصل ساعات الشغل عن وقت أسرتي لأن دى طبيعة الشغل من داخل المنزل لأنه من غير مواعيد معروفة ولا بتنقل لمكان العمل نفس اللي حوالية مش هايعملوني كواحدة بتشتغل، علاوة على مشكلة الدخل هيكون متجزأ وصعب التخطيط لحياتنا معاه، ولو حصل لى أي حاجة مش هيكون فيه معاش لولادى من بعدی، مشاكل كتير لفت في دماغي، وفي الآخر حسيت أني من الأول بأفكر غلط، طيب ما هو طول عمر الست وهي بتشارك في الزراعة والمباني والعمل المنزلي، سواء في الحضارة الفرعونية كلها، اللى قامت على كتف الراجل والست، لغاية عصر محمد على اللي عشان يحقق مشروعه الحضاري وبسبب الحروب اضطر يشغل الستات في النسيج والطرابيش من جوه البيوت حرصًا على التقاليد وقتها، وشغلهم في السخرة في شق ترعة المحمودية)١ (وعشان كده كل الناس ما بيسيبوش الوظايف ويتجهوا للعمل الحرفي أو للعمل داخل المنازل لأن الناس جربوا الحل التاني ده وعارفين أن وضعنا الحالي أكثر تقدمًا رغم كل ما فيه من عيوب، فتفکیری قاصر من عدة زوايا.

أولها : أن العمل مش ساعات وأجر وبس، العمل علاقة كل ما كانت بشروط محدده وأوراق معلنة سواء في الحكومة أو القطاع العام أو القطاع الخاص تكون أفضل، علاقة عمل أرقى ونظامية، دخل منتظم، تأمين اجتماعي وصحى، بعض الاحتياجات الضرورية كالمصاريف، دور الحضانة، النوادي، الكساء الشعبي الرحلات، المجمعات الاستهلاكيةإلخ.

ثانيها : أن المجتمع نفسه تطور وبعد ما كان مجتمع زراعي تشارك المرأة الرجل في الغيط والمنزل، تقوم بتربية الطيور أو بيعها وتربية الأطفال، وتتفنن في قطع معاملات أسرتها مع السوق بخبز العيش منزليًا وطحن الحبوب والغزل أحيانًا .. ألخ لكن دى كانت طبيعة المجتمع كله وقتها ودى فترة مرت بيها كل بلاد العالم.

ولأن المجتمع لازم يتطور ويتغير ودى سنة الحياة، كان لازم تنشأ الصناعة، وتتطور أجهزة الدولة الحكومية، وتتشابك العلاقات في المجتمع وتزيد المعاملة بين الريف والمدينة، بين الفلاح والموظف والحرفي والعامل.. إلخ وما تكونش الأسرة الحديثة الشاطرة اللى بتتقطع معاملاتها مع الأسواق وبتكتفى اكتفاء ذاتي على قد شطارة الست، لأن دى طبيعة المجتمع الصناعي، وإزاى فيه بيت يكتفى ذاتيًا في الأثاث، ولا كتب المدارس، ولا الأدوات الكهربائية، ولا حتى الخضراوات والفواكه,… إلخ .

علاوة على حالة البطالة الصريحة التي يعاني منها المجتمع الآن، كما أن مشاركتها لدى أكبر صاحب عمل في مصر أى الدولة لا تتعدى العشر تقريبًا(2), أما التراث والأفكار فكما أوضحت بعض الباحثات أن حجم العمالة النسائية يتأثر بالعوامل الاقتصادية والسياسية أكثر منه بالعوامل الثقافية أو الأيديولوجية.

أما عن الأفكار المنتشرة والتي تطالبها بالعودة للمنزل على الأقل لأن الرجل أحق بهذه الفرصة أو للمساهمة في حل مشكلة المواصلات أو لإعادة الترابط بين أفراد الأسرة أو بإضافة مرتبها للرجل أو بعملها 1/2 الوقت بـ 1/2 المرتب.. إلخ فإني أرى ضرورة العمل وتصور هذه الأفكار من عدة جوانب.

أولها: علمنا أجدادنا قديمًا أن الحرة لا تأكل بثديها نعم وكيف لا تأكل بهما؟ أعتقد إذا كانت تأكل بيديها أو جبينها أي بعملها الحر الشريف المؤهلة له من خلال ثقافتها أو حرفتها أو مهنتها، فقد أثبتت البحوث الميدانية أن 3/4 النجايا أميات وحوالي ثلثين مقطلات، واللاتي يعملن منهن بأجور ضئيلة، نصفهن في الخدمة المنزلية، علاوة على إعالتهن للآخرين كالأبناء والأمهات (3) أو الأخوة أو بعض الأقارب.

وبشكل عام شكلت جرائم الدعارة حوالي 40 -50% من جرائم النساء بسجن القناطر وإذا أضيفت إليها جرائم التسول من ٥ ٢٥% باعتبارها(4) ناتجة عن نفس الوضع وهو الحاجة للعمل ولسد الحاجة لشعرنا بشكل ملموس بأهمية تعليم المرأة وبحقها في العمل،

ولا تتضح لنا خطورة تلك الأفكار، فمساعدتها لزوجها في عمله أو إضافة مرتبها لمرتبه وإجبارها على ترك عملها لا يؤمن لها حياتها ولا لأولادها.

ثانيها: أن احتياج المرأة للعمل أدبيًا لصقل شخصيتها ومواهبها وتوسيع آفاق أفكارها الثقافية والاجتماعية لن ينفصل أبدًا عن تجاوبها مع شريكها عاطفيًا وفكريًا ومواجهة الحياة معه، والمساهمة معًا في تربية أجيال المستقبل وتوجيهها ففي أحد البحوث أكد 77.1% من الشبان ضرورة أن يكون لزوجة المستقبل دخل شهري بل إن 80% من شبان الصحيفة اشترطوا في زوجة المستقبل أن تكون في ذكائهم، وأن تكون متعلمة في مستوى كل منهم بنسبة 68.6% من شبان العينة.

ثالثهما: ارتفاع معدل الإعالة في مصر والاحتياج لعمل كل القادرين. لأن خروج الست للعمل ماكانتش عن رغبة فرد أو شخصية، لكن زي ما أوضحت (أن تطور المجتمع نفسه اللي أقوى من أي فرد لوحده) وصلنا للأوضاع دي فحكومة تلك الفترة وجهت كل وسائل الإعلام لإقناع الأسر بضرورة تعليم البنات وتشغيلهن، لاحتياجها لآلاف العمال وآلاف الموظفين، وكان فيه اعتقاد بأن خروج المرأة للعمل هيقلل من معدل زيادة المواليد.

لكن مع فشل الخطط الخمسية وهزيمة يونيو والاعتماد على الصناعات المكثفة لرأس المال بدلاً من المكثفة للعمل بدأت تتزايد البطالة من الستينيات وبدلاً من حل المشكلة من أساسها، وكالعادة دائمًا تواجهنا الحكومة بالحلول الجزئية الأول. سنة خدمة عامة لكل الخريجين، وبعدين انتظار القوى العاملة، وطبعًا على جيش العمالة الاحتياطي أي النساء العودة للبيت؟ للأسف أن ناس كثير بتتصور أن دعوة المرأة للعودة للبيت سببها متاعب الستات في الشغل، أو صعوبة التوفيق بين عملهن وأسرهن سواء ده بيرجع لضعفهن أو لظروف المجتمع المادية وعدم توفيره أي رعاية لاحتياجات المرأة العاملة، أو الأطفال أو الأسرة، أو العادات والتقاليد بأن المرأة للمنزل والأم لأطفالها، أو دعوة الجماعات الإسلامية بعودة النساء للبيوت.

لكن إحنا كده بنخلط السبب بالنتيجة، فكل دى مجرد أفكار انتشرت في المجتمع لكن ليه انتشرت بالسرعة دى؟ وليه الناس بيقبلوها كده بسرعة وبسهولة؟ هل لأن وسائل لإعلام كلها بتنشرها وليه وسائل الإعلام بتقوم بهذا الدور بالضبط عكس دورها في الستينات في نفس الموضوع؟ إذن ده موقف الدولة مش مجرد أفكار أفراد، فعلاً دعوة لعودة المرأة للمنزل كانت بمجلس الشعب في أبريل 1977 وتمنح 1/2 مرتبها إجباريًا، وسبق وأوضحنا أن خروج المرأة للعمل دايمًا في عصر محمد على ومع نشأة الصناعة في أوائل القرن الحاليوبعد الثورة بيكون لسد العجز في الأيدي العاملة وليس لقناعة بحقها في العمل،

كما أن خروجها دايمًا كانت لنساء الطبقات الدنيا في الريف أو المدينة أو النساء المتعلمات للطبقات الوسطى في فترات أخرى. كما أن مشاركة المرأة في القوى العاملة فعلاً لم تزد عن 16% منها .

طبعًا ده يخلينا نقدر نفهم الأسباب الموضوعية والذاتية للظاهرة دى.

فخروج المرأة للعمل ما زال يتسم بالحداثة فأول إشارة صريحة لأهمية عملها في الدستور سنة 1956.

وتنخرط في العمل إما كتل النساء الفقيرات أو الطبقات الوسطى أو كتل المعدمين في الأعمال الهامشية وبالطبع تتسم هذه الكتل بضعف تأثيرها في المجتمع، إذا سلمنا بأن العمل حق وضرورة للمرأة فأعود لأراجع نفسي وأفكاري في المقدمة. نعم. كنت مخطئة فالمشكلة أكبر من أن مرتب لا يفي باحتياجاتي وأولادي أو في ساعات عملي الطويلة أو مشقة انتقالي لمكان العمل يوميًا في ساعات، ولن تحل هذه المشاكل بالنرفزة أو بالحلول الشخصية، فالمشكلة في شروط العمل وظروفه المفروضة علنيًا جميعًا نساءً ورجالاً، أما مشكلتنا كنساء وأمهات أحد أسبابها حداثة خروج المرأة للعمل، وعدم نضج بالتالي التشريعات الخاصة بها أو العرف السائد في المجتمع، وضعفنا أمام الإجحاف في تطبيق التشريعات في أماكن عملنا،

فعلى سبيل المثال تفرق القوانين بين الرجل والمرأة في إعانات غلاء المعيشة أو علاوات الأطفال طبعاً ما دام الدفع على الدولة فرغم أن ارتفاعات الأسعار المستمر تؤثر على كل العاملين سواء، ورغم اتجاه الدولية المتزايد لتقنين إعانات غلاء المعيشة، كما ألغيت كل القرارات التي كانت تمنح للمطلقة أو الأرملة أو في حالة عجز الزوج أي في حالة خلو طرفها من رجل يعولها للإعانات أو العلاوات مثل الرجل الذي يعول، أما في حالات الحمل والرضاعة فتهتم بعض الدول بصحة الأم والوليد لدرجة منحها شهرين راحة قبل الوضع بمرتبها كله وشهرين بعد الوضع، ولا تقوم الحامل أو المرضع إلا بيوم عمل قصير من 5 ساعات فقط، كما لا تعمل المرضعة في عمل يبعد عن منزلها أكثر من ٢ كيلو متر تقريبًا، بل إن دولة كالسويد تمنح المرضع سنة كاملة أجازه مدفوعة الأجر ويمنح هذا الحق للرجل أو المرأة لرعاية الطفل.!

أما في مصر فيكتفي القطاع العام والحكومة بـ 3 شهور أجازه وضع أما القطاع الخاص فخمسين يومًا فقط، وفي الرضاعة ساعة منحة لمدة 18 شهر في الأولى، لمدة سنة واحدة فقط في الثانية.

وعمليًا تحرم الشركات عاملاتها من كل شرائح الأجر المتغير (حوافز مكافآت إلخ) رغم أن التأمينات الاجتماعية أدخلتها كلها في الاستقطاعات وطبعًا فالدولة تأخذ منا دائمًا!

وبالطبع تعتمد جميعًا على هذه الشرائح في دخلنا الأساسي حتى أننا حاولنا قطع أجازه الوضع واستلام العمل على مسئوليتنا، لكن الشركات ترفض عودتنا للعمل على أساس أن الإجازة منحة من الدولة لا ترد!

أما ساعة الرضاعة فهي كالحبر على الورق لأننا نحرم منها عادة:

1 – ترتبط الأمهات بوسائل الانتقال الخاصة بجهة العمل ويلتزموا بمواعيدها إجباريًا.

۲ ترتبط الأمهات في بعض الشركات بمواعيد العمل لأن ساعات العمل الإضافي تحتسب فيها، والخروج بمواعيد خاصة للرضاعة يتسبب في ضياع الأجر الإضافي كله.

 

3 – تحرم الأمهات العاملات في الحكومة منها باعتبار يوم العمل قصير – 6 ساعات.

4 – تحرم الأمهات العاملات في التربية والتعليم بشكل مطلق.

واعتقد أن تقصير يوم العمل للحامل أو المرضع ضرورة للأم والطفل، على أن تضمن الدولة تطبيق القوانين سواء بالسماح بتجميع ساعات الرضاعة في صورة إجازات أو بمنح المرضعات الأجر الإضافي.

أما بالنسبة لأجازة الوضع ففى مصر لا تأخذها العاملة إلا 3 مرات فقط أثناء مدة الخدمة حتى في حالة وفاة الطفل فلابد أن تأخذ كل الدخل أثناءها، مثلما يحدث مع إصابات العمل وهي عادة تتكرر أثناء مدة الخدمة أكثر من مرات الوضع!

أما بالنسبة لإنشاء دور الحضانة سواء داخل الشركات الخالية من التلوث وبها 100عاملة، أو إنشاء حضانات مشتركة في الأحياء بين جهات عمل مختلفة في حالة قلة عدد عاملات نص القرار 30 لسنة ٨٢ – أو في حالة تلوث مكان العمل أو بعده عن سكن العاملات، والتي لا تلتزم بها الشركات أو الهيئات الحكومية حاليًا، فلابد من صرف بدل حضانة يساوى أسعار أقرب حضانة للمسكن حتى تلتزم الدولة بتطبيق هذه القوانين.

وأعتقد أن العناية بالطفل والأم لن تتوفر بمجرد تقليل ساعات العمل للأم فانخفاض الأجور في الحكومة والقطاع العام وارتفاعات الأسعار بشكل جنوني وظروفنا المعقدة تبعد بالتشريعات عن هدفها .

فمثلاً منح الحامل أو المرضع 1/2 كيلو لبن يوميًا بالمجان كمزية عينية تماثل عمال المهن الضارة أصبح ضرورة، وشمول الرعاية الصحية للحوامل والأطفال المبتسرين وأمراض النسا والولادة وتنظيم النسل وعلاج الأبناء والسماح للسلطة الطبية بمنح الأب أو الأم أجازه في حالة مرض الطفل بما يمنعه من الذهاب لدار الحضانة، كل هذا أصبح ضرورة، كما تقوم دول عديدة بتطبيق هذه الأوضاع.

وعندما نصل لهذا الحد من الضرورات، تعاود الأصوات التي تطالب بإجازة بدون مرتب أو العمل 1/ 2 الوقت بـ 1/ 2 الأجر الإلحاح بأن هذا حل أسهل وعملي أكثر وسبق ووضحت ضرورة العمل للأم كحق وكحماية وكضرورة للبلد نفسها أما بالنسبة للأطفال فحاجتهم للأم لا تقل عن حاجتهم للأب، ولن ترتبط بسنة أو خمسة، ففترة المراهقة مثلاً يحتاجوا فيها لرعاية نفسية وعاطفية لا تقل عن شهور الرضاعة الأولى، فالأوبئة والميكروبات وخطرها على المرضعة أهون من ميكروبات الفيديو، السينما، الأتاري، التليفزيون، أصحاب الشارع وغيرها من العوامل المؤثرة على تكوين الطفل أو المراهق واتجاهاته، وهل نفكر كالقردة يحتضن أطفالهن على صدورهن وظهورهن ويقفزن بهم فوق الأشجار حتى تنتهى الرضاعة فيتركوهم لقوانين الغابة.

إن احتياج الأجيال القادمة للرعاية يتطلب جهد كل أفراد الأسرة والمجتمع، والكلام الشائع أنه على الأم التوفيق بين عملها وأبنائها غير دقيق، فالأسرة كلها عليها رعاية أبنائها مع إنجاز أعمالهم، طالما أن الدولة لا تقوم بأى رعاية حقيقة لا للأطفال ولا للمراهقين ولا للشباب!

ودائماً الظروف المحيطة تأثيرها له قوة على أفكارنا، والإجحاف بالمرأة في عملها بلغ حد أن الشركات كلها رفعت يافطه للذكور – فقط رغم أن هذا ينافي الدستور وقانون العمل بمجرد تطبيق هذه الإجازات.

كما تحرم بعض الشركات العاملات من الترقية إذا استحقت في فترة أجازه رعاية الطفل، بل أن الحصول عليها بعد العودة للعمل بحكم قضائي، وبالطبع تضيع المدة السابقة للحكم في الترقية، وكم من الفروق في الأجر والبدلات والوضع الوظيفي للمرأة تترتب على هذا وتفرق بينها وبين نظيرها من الرجال.

وكاد يفوتني أن أنبه أن معاش العاملة المتوفاة أثناء إجازة رعاية الطفل يُحدد على أساس المرتب الأساسي، وتسقطُ منه كل شرائح الأجر المتغير. التي سبقَ وتم توريدُ الاشتراك عنها للتأمينات: وذلك على خلافِ حالة وفاة مفاجأة أو مبكرة للمشترك والتي يتم حساب المعاش فيه على الأجر كله (أساسي + متغير).

وهنا تظهر شطارة الدولة فالحامل والمرضع عليها أن تترك عملها بحجة توفير رعاية أفضل للأسرة المصرية وأطفالها على وجه الخصوص، لكن في حالة الوفاة وردِّ الحقوقِ لأصحابها كمعاش، هنا الحسابات الذكية لتقليل المعاش لأقصى حد، ومش مهم حقوق نفس الأطفال اللي كان الحديث عنهم سابقًا.

وطبعًا لا تنتهى النوايا الطيبة تجاه عمل المرأة، فيمنحوا العاملة حق مكافأة نهاية الخدمة في حالة رغبتها في التقاعد قبل إكمال ٢٠ سنة خدمة نظيرَ حرمانها من المعاش وتصفية علاقتها بالتأمينات!

وهكذا يتركونا للضياع في حالة استنفاذ هذا المبلغ بشكل أو بآخر؟

وهكذا تنتهى علاقتنا بالتأمينات بمجردِ حصولنا على المكافأة وتحرمُ أولادنا وأسرنا من بعدنا من المعاش؟

يا ترى المكافاة تساوى كم؟

المكافأة = متوسط الأجر الشهري بدون مكافآة لآخر سنتين خدمة فعلية × ١٢ شهر × 15 × مدة الخدمة!!!

المكافأة = تساوي تقريبا 1/ 7 مرتب السنة × 19 سنة = أقل من مرتب 3 سنوات!

وطول ما احنا مجرد احتياطي أو رديف، واحنا لا نثق بأنفسنا ولا نجيد الدفاعَ عن حقوقنا وانتزاعها، هتظل القوانين وتطبيقاتها والعرف الأقوى من القوانين بيضغط على كل نواحي ضعفنا، فمثلاً فئة العاملات في الزراعة البحتة تستثنيهم قوانين العمل من أحكامها!

لماذا لأنهن فلاحات!

وعمومًا كل شئ في أوله صعب، كما أوضحتُ في البداية، أن خروجنا للعمل عمره ليس طويلاً، فأولُ تشريع لحماية النساء كان عام ١٩٣٣(1) ولم يتضمن المساواةَ في الأجور بين الرجال والنساء، وخمسين سنة مرت منذ صدوره، وهي فترة ليست ضخمة، خاصة إذا عرفنا أن في بلد كإنجلترا خرجت النساء للعمل بالمصانع في القرن السابع عشر، وشكلوا نسبة ٢٣.6% من عمال المصانع سنة 1914, 38.5% سنة 1918 ورغم هذا لم يحصلن على حق الانتخابات إلا بعد الحرب العالمية الأولى، ولابدَّ أن نكمل حديثنا لتكمل مسيرتنا في العمل وفي أشياء أخرى.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات