النساء، والعمل، والعنف واللحظة اليبرالية الجديدة
من ماثورا (1) إلى مانوراما (2): مقاومة العنف ضد النساء في الهند، تأليف كالبانا كانابيران، وريتو مينون، نيودلهي، مجموعة النساء غير المحدودة201 2007 – ICES صفحة6+ ،ISBN 81-88965-35-9
تنظيم النساء والعمل في آسيا: التنوع، والاستقلال، والنشاط، تحرير كاي برودبينت، وميشيل فورد، آربينجدون، روتليدج، 2008، 174 صفحة + سبع عشرة.،-ISBN 978- 0-415-41315-2
العمل، والعولمة والدولة: العمال، والنساء والمهاجرون يواجهون ويواجهن النيوليبرالية، تحرير ديبداس بانارجي ومايكل جولدفيلد، أبينجدون، روتليدج، 2007، 263 صفحات + أربع عشرة صفحة،0*415-44923-6-ISBN978
من الآثار المدهشة لليبرالية الجديدة أنها تنحو بالسياسات التقدمية بعيدا عن تنظيم العمل وباتجاه الحملات التي تقودها المنظمات غير الحكومية ضد أنواع الأذى الاجتماعي. عند قراءة تاريخ العمل وتاريخ النَّسوية معًا، نذهب إلى أن سياسات المقاومة الجديدة تحتاج لغًة جديدة تربط التحليل النسوي العريض باستراتيجيات تنظيم العمل لدى المجموعات القاعدية.
الكلمات الرئيسة: السياسات النَّسوية،العمل، الليبرالية الجديدة، العنف، التضامن، المنظمات غير الحكومية، النقابات.
العولمة الليبرالية الجديدة، هي الخيط الذي يربط هذه الكتب الثلاثة ببعضها البعض. إذ يوجد شكل معين من العولمة يرسم سياقات جميع قضايا تنظيم العمل، وشروط العمالة، والتنظيم النِّسوي في الهند بآسيا وما عداها، تؤثر هذه العولمة الليبرالية الجديدة في علاقات الإنتاج وشروطه بالطبع، لكنها تشكل أيضًا إمكانات تطوير سياسات تقدمية. توجد أنواع معينة من نظم العمالة، وأنواع بعينها من تنظيم النقابات والتنظيم النِّسوي، وأنواع معينة من جداول العمل، ومن الشبكات العابرة للقوميات، وعلاقات معينة بين المجتمع المدني والدولة تُفضِّلها نشأة المُثُل الاقتصادية، والسياسية الليبرالية الجديدة، وتحولها إلى نظام عالمي راسخ. ما هي الليبرالية الجديدة؟ وكيف صارت بهذه القوة؟
خرجت الليبرالية الجديدة من مجموعة السياسات الاقتصادية العشر، التي أفصح عنها البنك الدولي بعنوان“إجماع واشنطن“، وهو عنوان أعطاه لها جون ويليامسونJohn Williamson 2002) في نهايات ثمانينيات القرن العشرين، وهي تركز على حاجة الحكومات إلى ممارسة: ضبط الاقتصاد الكبير، واقتصاد السوق، والانفتاح على العالم (على الأقل فيما يخص التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر). المزاعم التي تدعم هذا الإجماع والتي يعتنقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ويدسانها على مختلف الحكومات باعتبارها جزءًا من برامج الإصلاح الهيكلي، هي أن التجارة الحرة على مستوى الكوكب، ووجود حكومة محلية لا تتدخل فيها إلا بشكل محدود، يخلقان الشروط المثالية للنمو الاقتصادي والتنمية. وُجَّه الكثير من النقد إلى هذه الوصفات منذ البداية، وبحلول بدايات تسعينيات القرن العشرين، رأى معظم النقاد الذين يميلون لليسار أن إجماع واشنطن والليبرالية الجديدة أيديولوجيات لصيقة ببعضها البعض، صممتها الولايات المتحدة لعولمة الرأسمالية الأمريكية والنظام الثقافي المرتبط بها (Steger and Roy 2010, x). واليوم، تُفهَم الليبرالية الجديدة على نحو أوسع من وصفات الاقتصاد الكبير الأولى، التي جاء بها إجماع واشنطن؛ إذ صارت تشمل المثال السياسي لدولة خالية من السياسة، وتحويل المواطنين إلى مستهلكين، ومجتمع مدني مُتَشَظِي. وحتى مع تعبير الباحثين الأكاديميين عن نقدهم لليبرالية الجديدة بصوت مرتفع، حظي بقوة دفع بفضل الاحتجاجات الجماهيرية عبر العشرين عامًا الماضية، فقد أخذت جميع أشكال الدول بالإجماع الليبرالي الجديد حديث العهد باعتباره مثالاً اقتصاديًا، حتى دول مثل الصين، والهند التي تعترف بالتزامها بالمُثل الاشتراكية أو الماركسية. وقد ذهب البعض إلى أن هذه العدوى هي نتيجة ترويج نشط جدًا قام به أتباع الاقتصادي (ميلتون فريدمان)، وأعضاء طبقة الشركات المستفيدين من هذه السياسات ( Harvey 2007 Klein ;2007). من المهم أن نلاحظ أن الليبرالية الجديدة ليست مجرد مجموعة من السياسات الاقتصادية، ولا هي مجرد أيديولوجية لأصولية السوق، لكن يمكن فهمها أيضًا باعتبارها خطاب حاكمية (3)2000) Larne). هذا الفهم الثلاثي يجذب الانتباه إلى الطرق التي أعادت بها عولمة الليبرالية الجديدة هيكلة الاقتصاد، والدولة، والحياة الاجتماعية في الوقت نفسه.
تؤدي العولمة الليبرالية الجديدة إلى الكثير من التحولات. والتحولات المشار إليها في الكتب التي نعرضها هنا هي: الدافع لخلق المرونة في سوق العمل، والخصخصة، وتنظيم النشاط الاقتصادي، وتقليص تقديم الخدمات الاجتماعية، وزيادة أهمية المجال العام العولمي على المجال المحلي. إن آثار هذه السياسات واضحة نسبيًا؛ إذ يتزايد إرغام العمال على تحمل وطأة تقلبات الأسواق، أي أن المخاطر التي كانت تحمل الشركات، أو المجتمعات المحلية عبأها صار العامل الفرد يتحملها. يتضح هذا بأجلى صوره عند رؤية عالم العمل بمنظار مُصطبغٍ بصبغة التحيز لنوع اجتماعي معين، وهو موضوع عالجه كتاب العمل، والعولمة، والدولة، الذي حرره (ديباس بانرجي، ومايكل جولدفيلد). يوضح إسهام (راخي سيجال) بالفصل المُعنون” الدولة، والسوق، وبيت الأسرة” تزايد الاعتماد على التعاقد من الباطن والزعم بأن إعادة إنتاج المجتمع ستحدث في البيت، يعني هذا، أن النساء مسئولات عن معالجة مخاطر سوء الأحوال الصحية، وتوفير القوت والمأوى، ومعالجة التقلبات في الطلب لدى المستهلك، والاستجابة للتغيرات التكنولوجية، وأن عليهن أن يفعلن كل هذا داخل البيت. وفي فصل ’التصنيع غير المنظم، والعمل المرن، و“الطريق الوضيع“‘، يوضح (ساتيكي روي) أن التنافس على أساس الأجور المنخفضة يحدث في المناطق الريفية والحضرية كليهما، ويخلص إلى“تزايد العمل غير المنتظم وغير الرسمي بين القوى العاملة من الإناث” (239 Satyaki Roy). كما لا يمكن النظر إلى هذا باعتباره من العواقب غير المقصودة للأهداف العظمى للسياسة الاقتصادية. حقا، ’إن سياسات (الـ) دولة الرامية لإقرار الليبرالية، وترويج التصدير وتوليد العمالة تدعم العمل غير الرسمي بوصفه نوعا من التنمية‘245 Satyaki Roy)). لابد أن يضاف إلى هذا التدخل المهم الذي قدمه (سيد محمد نسيم) في مقال بعنوان ’الهجرة عبر البحار، وإسناد الأعمال لشركات خارجية، والنمو الاقتصادي في جنوب آسيا‘، ومقال (جاياتي غوش) إضفاء الصبغة غير الرسمية، والهجرة، والنساء: اتجاهات جديدة في آسيا‘ وقد ضمها الكتاب نفسه. يذهب الاثنان إلى أن الدول الأسيوية تعوِّل على التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون، الذين يزداد بينهم الإناث والعمالة غير المنتظمة؛ لتغذية آلة التنمية، ودعم احتياطي النقد الأجنبي في سياسة مقصودة لتشجيع الهجرة الدولية، مع عدم تقديم أي خدمات، أو سبل حماية لهؤلاء العمال. ويؤكد المشاركون والمشاركات في كتاب النساء وتنظيم العمل في آسيا الذي حرره (كاي برودبنت، وميشيل فورد) هذه النتائج مع مدها لتشمل بلدانا فردية.
أما المعروف على نطاق أضيق لكن له عواقب متساوية فهي الآثار السياسية للعولمة الليبرالية الجديدة، خاصة وقعها على جداول أعمال ومسارات الحركات الاجتماعية التقدمية والنقابات العمالية. السؤال المهم الذي يجب طرحه هو: ما أشكال الادعاءات بالحق في العدالة الاجتماعية التي تحظى بالاستماع إليها؟ أتانا من أمريكا جدال حديث يقدم طريقة للتفكير في كيف تشكل الليبرالية الجديدة القضايا السياسية التقدمية. يحتج البعض ضد انعدام المساواة، وانعدام العدالة في ظل الرأسمالية الأمريكية، اللذين تبررهما وتخدمهما مؤسسات التعليم العالي، فيحاجون ضد مجرد محاولات الجامعة لتنويع أعضاء وعضوات هيئة التدريس“جامعة لم تعد تستبعد الملونين لكنها يتزايد استبعادها لمن ليس لديهم مال ليست جامعة أكثر عدالة. بل هي جامعة ترفض أنواع الظلم، التي تخلقها العنصرية، بينما تقبل أنواع الظلم الناتجة عن الرأسمالية التي لا يكبح جماحه شيئ؛ أي الليبرالية الجديدة“( Benn-Michaels2008,33). الحُجة أنه في خضم جهود تنويع الحرم الجامعي بطريقة مرئية، تم إخماد صوت النضال لأجل المساواة في المجتمع الأمريكي، الذي يستند إليه هذا التنويع. يمكن للمسئولين الإداريين الادعاء بأنهم يحاربون من أجل العدالة بتوظيف قليل من الأشخاص الملونين في أفضل الجامعات، بينما هم يحولون المزيد من أعضاء هيئة التدريس تدريجيًا إلى عاملين لنصف الوقت، وعاملين غير منتظمين، بتوظيف مساعدين. إن الكلام عن العرق طريقة لتجنب الكلام عن الرأسمالية. يستشهد (بن ميشيل) بأحد الباحثين الآخذين بالفكر السياسي للسود، إن“نجاح الليبرالية الجديدة” على حد قول (ريد)، هي الفكرة التي فحواها أن“عدم المساواة الناتج عن مسائل معينة تنتمي إلى فئة المعاملة السيئة، التي أقرت لها عقوبات سلبية مثل العنصرية هو فقط المؤهل ليكون ظلمًا” Reed ,2009 quoted in Benn-Michaels 2011,3)). ربما يسمح لبعض النُّشطاء والناشطات بالكلام بدقة لملء فراغ موجات الهواء بادعاءات غير تلك المتعلقة بالتحولات الكبيرة التي تحدثها الجوانب الاقتصادية لعولمة الليبرالية الجديدة.
توحي قراءة هذه الكتب الثلاث معًا بإمكان رواية قصة مشابهة عن الطريقة التي صار بها العنف ضد النساء قضية مقبولة يلتف حولها الناس؛ باعتبارها وسيلة لتحويل الانتباه بعيدًا عن تواطؤ الدولة مع رأس المال؛ لاستنزاف حقوق العمال ذكورًا، وإناثًا. العنف ضد النساء مشكلة حقيقية، مثله مثل العنصرية، ولابد من التعامل معه. لكني أعتقد أن الأمر يستحق أن نسأل، لماذا توافق الدولة والمؤسسات الكوكبية على فحصه عند لحظة معينة من الزمن؟ تقدم لنا (كالبانا كانابيران، وريتو مينو) محررتا كتاب من” ماثورا إلى مانوراما” تفسيرا. 1 يأتي أحد الأسباب من داخل الأصوات اليائسة بداخل حركة النساء الهنديات، كما تشرح ( كانابيران ومينون):
“لا يوجد بداخل الحركة نفسها، خيط واحد مشترك يربطها ببعضها البعض، ولا تحليل نظري متفق عليه، ولا موقف سياسي.. .. لكن مع ذلك، ظهر عبر العقود الثلاثة الماضية حد أدنى من الإجماع في حركة النساء المُستقلات، يرفض أي تبرير للعنف ضد النساء، ويعترف بالطابع المركب لمجالات العنف. .. باعتبارها أدوات تراكمية، ومتقاطعة للقوة الأبوية” (5-6)
العنف ضد النساء شيء يمكن أن تتفق عليه الناشطات عبر طيفي المواقف النَّسوية، الليبرالية واليسارية كلتاهما. والخطوات التي اتخذت لتخفيف وطأة المشكلة ألقت المزيد من الضوء، كما تكتب ( كانابيران):
” تتكون ثوابت مقاومتنا من: تقديم الموارد، والمأوى، أو الخدمات القانونية،وإجراء أبحاث عن ما ينقص منها، وتوعية المسئولين القانونيين، والشرطة، والمجتمعات المحلية بالأهمية الشديدة لعملهم حول العنف وضده، وشن حملات للمطالبة بالعدالة في حالات معينة، غالبًا ما تفشل،وحملات من أجل الاصلاح التشريعي، وغالبًا ما نجد أن القانون الذي أُصلح صيًغ لكي يقف على رأسه… يذهب النقد الموجه للحركة، حتى في داخلها، إلى أن هذه التدخلات ليست إلا مهدئات، ولا يمكنها إحداث تحول كبير في خبرات الحياة المعيشة للنساء المُمتلئة بالعنف الهيكلي، وعدم المساواة، وهو نقد مبرر“(8 -127)”.
ما يصدق على حركة النساء الهنديات، يصدق على مستوى الكوكب. فقد ركزت حركة النساء الكوكبية في سبعينيات القرن العشرين على إثارة التساؤلات حول التنمية الاقتصادية، ودور النساء فيها، لكن قضية العقد في تسعينيات القرن العشرين، كانت العنف ضد النساء. شهد العقد الماضي صعود العنف الجنسي باعتباره قضية الحركة الكوكبية 2007) Joachim). تلحظ ( كانابيران ومينون) أنه“في حالة الهند وفي غيرها من البلدان أيضًا، في بدايات ثمانينيات القرن العشرين، وضعت الجماعات النسائية نظريات حول الأسس الأبوية لنظام العدالة الجنائي، وسعين إلى الإصلاح القانوني كطريقة لتقديم علاج ناجح لإنصاف النساء” (34). کما لاحظنا أن هذا كان في البداية وسيلة لجعل الخاص عامًا بجلب قضية العنف المنزلي إلى ساحة القضاء، لكن سرعان ما اكتشف أنها استراتيجية“تفتقر للكفاءة للأسف، وغير ناجعة حقا إلى حد بعيد” (9). حدث هذا التجمع الكوكبي حول العنف ضد النساء بالضبط في بدايات تسعينيات القرن العشرين في اللحظة التي بلغت فيها الليبرالية الجديدة أَوَج قوتها، وبدا المجتمع المدني أضعف من أن يقاومها.
تقرر ( كانابيران) بناء على تأملها العميق في النجاح فيما حققته جهود التوعية بقضايا العنف ضد النساء أن“التحولات في الخطابات العامة والرسمية في لحظة تاريخية معينة تمثل تجمعا لعدة قوى، ليس أقلها الحوار النِّسوي النقدي مع الدول، والحكومات والمجتمعات المحلية” (155). لكن بالإضافة إلى العمل الأصيل للنساء الناشطات، فالعنف ضد النساء قضية عدالة اجتماعية مفيدة تشد انتباه النِّسويات بعيدًا عن جوانب عدم المساواة الكامنة خلفه، والتي تشتد وطأتها في اللحظة الليبرالية الجديدة. ظهر خطاب قانوني دولي أخذت به المنظمات غير الحكومية، والذي انتشر حديثًا في جميع أنحاء العالم، وعزز صعوده ظهور قضية العنف ضد النساء باعتبارها القضية التي تلتف حولها النَّسويات.”وجدت الجماعات النسائية في الهند عبر السنوات الخمسة عشر الأخيرة بالتحديد، إن من المفيد بناء حملات مضادة للعنف حول المواثيق الدولية، كطريقة لفتح المجال الخاص عنوة للمعاينة العامة والقانون العام بطرق أكثر كفاءة“، وفقًا لما كتبته ( كانابيران) أيضًا في الفصل الذي ألفته وحدها بعنوان” التحرك القضائي والتشريعي” (44)، وقد وصف انفجار المنظمات غير الحكومية باعتبارها المنتدى الذي تحدث فيه الدعوة التقدمية وتقديم الخدمات، والتي حلت محل النقابات في العديد من الحالات، بأنه أمر يبعد الناس عن السياسة بعمق ( Chandhoke 2003). إذا كانت الليبرالية الجديدة أيديولوجية تسعى إلى إضفاء الطابع الفردي على المجتمع وتفتيته؛ فلابد أن تلتف مقاومتها حول إعادة تعريف للمجتمع. فهل هذا ممكن، مع أخذ التوترات التاريخية بين الفكر الماركسي والنسوية في الاعتبار؟
تقرر (كاثرين ماكينون 1982) أن“الماركسية والنَّسوية نظريات عن القوة وتوزيعها” لكن مؤيدي النظريتين يتهم كل منهما الآخر بإساءة تمثيل الأمر الأكثر أهمية – هل هو العمل أم الطبيعة الجنسية وما يتعلق بها من أمور (517). وتمضي فتذهب إلى أن النَّسوية هي” الخلاصة الأخيرة للماركسية ونقدها النهائي” حيث إنها تجعل العمل على رفع الوعي أمرًا مركزيًا بالنسبة للمارسة العملية 1982,544) MacKinnon). وفي كتاب“النساء وتنظيم العمل في آسيا: التنوع، والاستقلالية والنشاط” الذي حرره (كاي برودبينت، وميشيل فورد) توحي بعض دراسات الحالة بما قد يعنيه هذا في الواقع العملي اليوم. وكما يقولان في مقدمتهما:
“… أصحاب الأعمال، والدولة والثقافات الأبوية يقسمون الطبقة العاملة وفقًا لأوضاع العمال من حيث: النوع الاجتماعي، والعرق، والديانة. ما نفهمه من الفصول التالية، أن النساء يقاومن هذه النزعات بعدد من الطرق المبتكرة، التي تكمن فيها قدرات يمكن أن تؤثر في تحويل مسارات حركات الطبقة العاملة في جميع أنحاء آسيا” (12).
أدى إنشاء نقابات عمالية للنساء فقط، أو فروع من النقابات لهن في كوريا، والهند، وتايلاند، واليابان، إلى خلق مساحة لإعادة التفكير في الحدود بين الخاص والعام، وفي مكانة العامل أو العاملة، واستراتيجيات تنظيم العمل. فمثلا، في كوريا، تحملت النساء العاملات وطأة الأزمة المالية الآسيوية إذ سُرِّحت حشودٌ كبيرة منهن من العمل؛ لحماية وظائف“كاسبي العيش من الرجال” حسب وصف (كيونج هي – مون، وكاي برودبينت) في فصلها المُعنون:”كوريا: النساء والنشاط الخاص بالعمل والتنظيم المستقل“. وقد شهدت كل من اليابان وكوريا إحلال العمل المؤقت، وبعقود محدودة المدة، للنساء محل العمل بدوام كامل لهن؛ مما يجعل هؤلاء العاملات غير مؤهلات لعضوية الكثير من النقابات. ردًا على ذلك، بدأت نقابات النساء في تنظيم العاملات بدوام كامل، والعاملات بنصف دوام، والعاملات اللاتي يعانين من البطالة، وقد نوقش هذا الموضوع في الفصل الذي كتبه (برودبينت) بعنوان:”اليابان: النساء العاملات والتنظيم المستقل“. بتوسيع النساء لدائرة من تخدمهن النقابات، فإنهن يرفضن أشكال التقسيم والاستبعاد التي يحاول أصحاب الأعمال خلقها باستهداف النساء؛ باعتبارهن عمالة يمكن الاستغناء عنها.
استهدفت نقابات النساء في الهند خصوصًا القطاع غير الرسمي، أو النساء اللاتي يعملن في أماكن عمل غير تقليدية؛ أدى هذا إلى إعادة تقويم بالجملة للحدود بين الخاص والعام، وفقًا لما كتبته (إليزابيث هيل) في الفصل المُعنون:”الهند: تجمع النساء اللاتي يعملن لدى أنفسهن والتنظيم المستقل“. تقول إليزابيث هيل:”تفهم عضوات النقابات النسائية أن ما يحدث في المجال الخاص للبيت يؤثر في قدرتهن على الانخراط في المجال العام، وأن ظروف الإنجاب السائدة تُشكل قدرتهن على الإنتاج. … (124-5). أما (أندرو براون، وسووالاك تشايتاويب) فيقرران في الفصل الذي ألفاه بعنوان:”تايلاند: النساء والمساحات المتاحة لتنظيم العمل” أن“جماعة وحدة النساء العاملات WWUG تصدرت عددًا من الحملات كان من آثارها عدم وضوح الحدود بين القضايا الاقتصادية والقضايا الاجتماعية، والسياسية الأوسع، التي سعت الدولة التايلاندية للحفاظ عليها من خلال قانون علاقات العمل الصادر في 1975″ (106). إن رسم حد فاصل بين الإنتاج والإنجاب أمر مصطنع. من المفارقات، إن الدفعة التي أعطتها الليبرالية الجديدة للسعي نحو نزع الطابع الرسمي عن العمل، وتشجيع من يريدون التعاقد – من الباطن مع العاملات على العمل – مع نساء أفراد ينخرطن في الإنتاج والإنجاب في المساحة نفسها في البيت – تفتت هذا التقسيم. يوحي تحليل هذا التقسيم بين البيت والعمل، أو الإنتاج والإنجاب، بالطريق الذي يمكن المضي فيه قُدمًا؛ للتصالح بين جداول أعمال الحركة النقابية والحركة النِّسوية. فمثلاً، تصف (ريتو مينون) في مقالها” أشكال بديلة للاحتجاج” حملة السكك الحديدية التي عملت فيها جماعات النساء مع النقابات العمالية للسكك الحديدية، وهيئات حقوق الإنسان، وقد انتهى بهن الأمر إلى تحريك الهيئتين نحو النظر إلى العنف ضد النساء– باعتباره قضية من قضايا العمل، وقضية عامة؛ فأُعيدت صياغة العنف ضد النساء باعتباره تهديدًا للإنتاج الاقتصادي، بقدر ما هو قضية من قضايا حقوق الإنسان، أو قضية نسائية.
تعارض العولمة التي أتت بها الليبرالية الجديدة جوانب القوة الكوكبية غير الشخصية للتنافس ضد المعاملات المحلية، والتعامل وجهًا لوجه في المصنع أو في منطقة السكن. لكن مقاومتها ستتطلب روابط قومية وكوكبية، تضاهي قوتها قوة رأس المال الدولي نفسه. وهذه أنباء طيبة أخرى. كان الدعم الدولي ذا أهمية شديدة لعدد من الحملات الرامية لدعم مشاركة النساء في أنشطة النقابات، علاوة على إعلاء أصوات هؤلاء النساء العاملات؛ لتصل للمنصة القومية والكوكبية. دفعت النقابات العابرة للقوميات أعضاءها من بلدان آسيا إلى مزيد من فتح الصدور لاهتمامات النساء. وقد فعلت ذلك بتمويل مبادرات النوع الاجتماعي، وباستخدام شبكات المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الحكومية الدولية (4) والمنظمات غير الحكومية الدولية. كان هذا هو الحال في تايلاند، وإندونيسيا، وماليزيا وبنجلاديش. وخاصة في حالة إندونيسيا كما وصفتها (ميشيل فورد) في مقالها:” إندونيسيا: تنظيم منفصل داخل النقابات“، وماليزيا كما وصفها مقال (فيكي كرينيس):”ماليزيا: النساء، والنشاط الخاص بالعمل والنقابات” فيبدو أنه لولا الضغوط القوية لاتحادات النقابات العابرة للقوميات – لما رحبت النقابات المحلية بالنساء. (فورد) أكثر تفاؤلاً بشأن الآثار طويلة المدى لهذا النوع من“المعونات المشروطة” أكثر من كرينيس) التي تجد أن القليل من مسئولي النقابات من الذكور قد تَقبلوا تدريبهم على النوع الاجتماعي.
يَحكي كل من هذين الكتابين قصة عن الناشطات اللاتي يعملن لتحسين الظروف الحالية للعاملات وللنساء في مجتمعاتهن. وهما ترويان أيضًا قصة عن قوات عولمة الليبرالية الجديدة، التي يبدو أنها لا تقاوم، والتي تعيد صياغة الاقتصادات والسياسات في جميع أنحاء العالم. في ضوء هذا، يبدو أن جهود النقابات للمساومة على نطاق ضيق بشأن أحوال المصنع، أو الحملات القانونية النِّسوية لحماية ضحايا العنف المنزلي – ليست بالكفاءة اللازمة لمواجهة التحدي المطروح. لكن يمكن أخذ الأمرين في الاعتبار معًا من أجل بدء حركة ترفض الحدود المصطنعة بين العاملات وغير العاملات، المنتجات والمنجبات، الكوكبي والمحلي. إنه ليس ممكنًا فحسب، بل إنه يحدث. إن توثيق هذه الكتب للتحديات، واستراتيجيات المقاومة، وتنوع الخبرات المحلية لهذه اللحظة الليبرالية الجديدة – يضيف إضافة معتبرة لفهمنا للنسوية، والنشاط الخاص بالعمل، والتدفقات الكوكبية لرأس المال والعمل، والليبرالية الجديدة، بوصفها فكرة وسياسة، وللسياسات التقدمية المرتقبة.
سهام بنت سنية وعبد السلام: مترجمة تحريرية وفورية،وناقدة سينمائية.
(1) ماثورا، هي مدينة في ولاية أتر برديش في شمال الهند (المترجمة).
(2) مالایالام مانوراما، هي جريدة أسبوعية مليالمية لها عدد كبير من القراء في ولاية كيرالا، بالهند. ومجموعة مانوراما، التي تدير الجريدة، تدير أيضًا كتاب مانوراما السنوي، أوسع الكتب السنوية انتشارًا وتوزيعًا (المترجمة).
(3) الحاكمية governmentality مفهوم أنشأه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو قرب نهاية حياته، أي منذ نهايات سبعينيات القرن العشرين حتى وفاته في 1984. تعني الحاكمية بشكل عام“فن الحكم“، وبالأخص الطرق التي تتبعها الدولة لتحويل المواطنين إلى أشخاص يناسبون سياساتها، والممارسات المنظمة (العقليات، والتبريرات، والتقنيات) التي تحكم من خلالها هؤلاء الأشخاص الخاضعين لها (المترجمة).
(4) المنظمة الحكومية الدولية، هي منظمة مكونة بشكل رئيسي من دول ذات سيادة، أو منظمات حكومية دولية أخرى (المترجمة).
Benn-Micheals, Walter. 2008. The trouble with faculty diversity. American Academic 4, no, 1:33-44.
Chandhoke, Neera. 2003. The conceits of civil society. New Delhi Ocford University Press.
Harvery, David. 2007. Neoliberalism as creative destruction. The Annals of the American Academy of Political and Social Sciences 610: 21-44. joachim, Jutta. 2007. Agenda setting, the UN, and NGOs. Washington DC: Georgtown University Press.
Klein, Naomi. 2007. The shock doctrine. London: Penguin.
Larner, Wendy. 2000. New-liberalism: Policy, ideology, governmEconomy 63:5-25.
Mackinnon, Catherine. 1982. Feminism, marxism, method, and the state: An agenda for theory. Signs 7, no. 3:515-44.
Reed, Adolph. 2009. The “Color Line” then and now. In Renewing Black intellectual history, ed. Adolph Reed and Kenneth Warren, Boulder: Paradigm Publisher, quoted in Walter benn-Michaels. ‘The Trouble with Diversifyingthe Faculty’ Liberal Education 97, no. 1;3.
Steger, Manfred and Ravi Roy. 2010. Neoliberalism: A very short introduction. Oxford: Oxford University Press.
Williamson, John. 2002. Did the Washington consensus fail? CSIS. In Washingron DC. https://www.iie.com/publications/papers/paper.cfm?researchid1/4488(accessed July2,2011). Copyright of Contemporary South Asia in the property pf Routledge and its content may not be copied or emailed to multiple sites or posted to a listserv without the copyright holder’s express written permission. However, users may print, download, or email articles for individual use.