النساء أيضًا جزء من هذه الثورة
هانية شلقامي*(1)
ترجمة: سونيا فريد**
مقدمة
إن من خطط للثورة ونفذها ودعمها هم الرجال والنساء معًا، ولم يكن النوع من العوامل التي أثرت على قرار الاحتجاج أو القيام بثورة أو على الأقل هذا هو الانطباع السائد عند من يتأمل الثورة المصرية التي اندلعت في العديد من مدن مصر يوم الخامس والعشرين من يناير والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، وحين نعود بالذاكرة للوراء ندرك أن الحركات الاحتجاجية التي نشأت على مدى عقد كامل بواسطة حقوقيين من العمال والمجتمع المدني ومبادرات اجتماعية أخرى هي التي كونت الكتلة الثورية التي أسقطت رؤوس النظام. لقد كان خروج الشعب إلى الشوارع والميادين مطالبًا برحيل مبارك تعبيرًا غير متوقع عن افتقار المساواة الاجتماعية والجندرية والجيلية. لقد خرج الرجال والنساء والعجائز والشباب وسكان الريف والحضر والأغنياء والفقراء جميعًا في الشوارع ليعبروا عن مطالبهم في التغيير. هذا الفصل يتأمل صلة الجندر بالتحولات السياسية والاجتماعية بعد الثورة من خلال تقديم تاريخ مختصر للجندر وحقوق المرأة والهياكل والعوامل الفاعلة التي قامت بالتعامل مع وتمثيل هذه الحقوق في الساحة السياسية، والتي تمت إعادة النظر فيها وتأكيدها بواسطة التحول الثوري.
ذكرت النساء، الشابات منهن والعجائز، على المستويين العام والخاص العديد من الأسباب التي دفعتهن للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى الثورة. «جئت لدعم هؤلاء الشباب»، «أريد أن أقدم العون بسبب وحشية النظام في الاعتداء على المتظاهرين»، «لقد مات صديقي ولن أدع هذا يمر مرور الكرام»، «أكره هذا النظام لأنه فاسد»، «أريد مستقبلاً كريمًا لأولادى»، «جئت هنا لأن هذا المكان الذي يجب أن أكون فيه»، «لم يسبق لي أن تواجدت في حشد من الناس دون أن يتحرش بي أحد». هذه بعض الإجابات التي ردت بها السيدات على السؤال «لماذا ما زلت باقية في ميدان التحرير؟» هؤلاء وغيرهن أتين للتظاهر كمواطنات وليس كنساء. لم يتظاهرن من أجل المساواة بين الرجل والمرأة ولا من أجل المطالبة بالمزيد من الحقوق للمرأة أو المطالبة بمزيد من المشاركة النسائية في الحياة السياسية فكل هذه كلمات رنانة تتعلق بالعمل في مجال النوع الاجتماعي وربما لا يكون لها صدى خارج هذه الحدود. في واقع الأمر ما فعلته هذه الاحتجاجات هو دحض المعايير التقليدية وإفساح الطريق لإعادة النظر في فهم القوة السياسية للنساء.
لقد قامت الصور الواردة من ميدان التحرير بتعريف المنظور العالمي والمحلى للثورة. كانت صورًا للتضامن المرح والقوى والعفوي ضد الاستبداد. كان عدد المتظاهرين في هذا الميدان وغيره من الميادين كافيًا على الدوام للمحافظة على الروح المعنوية المرتفعة للمصريين ولزيادة شعورهم بالتفاؤل. وقفت النساء مع الرجال جنبًا إلى جنب يغنين ويسمعن ويلقين الخطابات ويوزعن الطعام ويكتبن اللافتات ويرعين الجرحى ويعضضن هذا التحدى الشعبي، مئات إن لم يكن آلاف من النساء شاركن في جلب المؤن والإسعافات الطبية وصنع اللافتات وتنظيم المسيرات وإجراء الاتصالات الدولية والتعبئة العامة للاحتجاجات. لم يكن هناك فارق بين المرأة المحجبة وغير المحجبة والمنتقبة؛ ولا بين من جئن بمفردهن أو مع أطفالهن ولا بين الشابات والمسنات.
لحظات التضامن والمساواة والأمل والتعبئة الشعبية تلك كانت أيضًا لحظات «عتبية» تم فيها تعليق التصنيفات الهرمية وهياكل التمييز بشكل مؤقت (69، 74 Turner)، كما أنها لحظات من الصعب الإبقاء عليها لأنها مرتبطة بزمان ومكان الحدث. قام تيرنر بتطوير نظرية فان جينيب Van Gennep للطقوس والتي تقسم عملية الانتقال من مرحلة ثقافية لأخرى أو التغيرات الحياتية البارزة لثلاثة أطوار: الانفصال والانتقال وإعادة الاندماج. المرحلة «العتبية» هي الوسطى حيث يصبح «كل شيء جائز» كما يقول تيرنر، تركز نظرية كل من فان جينيب وتيرنر على الطقوس، وخاصة تلك التي تحدد وتحتفل بالتغيرات البارزة من قبل مراسم البلوغ والطقوس الدينية مثل أداء الحج لكن يمكن رؤية الثورة المصرية من خلال هذا الإطار التحليلي.
تقع «اللحظات العتبية“، بين حالتين طبيعيتين وهي تشير الحرق نظام معين والتخلص من حطام المعايير التي كان يتشكل منها هذا النظام لإفساح الطريق خلق معايير أخرى تشكل نظامًا جديدًا ويكون الفاعلون الاجتماعيون أو المساهمون في هذا التكوين الرمزي المكان والزمان معلقين بين هيكلين حيث يكونون قد انفصلوا بالفعل عن نظام اجتماعي محدد لكنهم لم يلتحقوا بعد بالنظام الآخر الذي سيحل محله. بوجودهم في هذا الوضع المعلق يصبحون متساوين على جميع الأصعدة ومتحررين من القيود والهياكل التي كانت تحدد معالم شخصياتهم. يسمى «تيرنر» هذه الحالة بـ «المجتمع العتبي» والذي يتضامن أعضاؤه الذين يمرون بذلك الطقس ويقفون جميعًا على قدم المساواة، وهذه هي الحالة التي ينشأ منها النظام الناتج عن هذا التحول والتي يبدأ بعدها المساهمون في الاندماج في النظام الجديد.
خلال الثمانية عشر يومًا التي استغرقتها الاحتجاجات انتشرت في الشوارع والميادين التي تجمهر فيها المصريون هذه الحالة التي تشبه المجتمع العتبي. حين تناول الرجال والنساء الطعام نفسه وتشاركوا في مكان النوم وقاموا بتنحية المعايير الجندرية القديمة جانبًا، كما تجلى ذلك في الغياب التام للتحرش الجنسي وفي قبول النساء كند للرجال أثناء المعركة ضد الديكتاتورية التي كانت على وشك الانتهاء. تتضح معالم هذا المجتمع في اندماج التيارات السياسية المختلفة مثل اليسار واليمين والوسط حيث اتحد الناشطون المنتمون إليها ونظموا صفوفهم دون الالتفات للفروق بينهم. تبدو معالم المجتمع العتبي جلية في رفض المتظاهرين في الميادين لأى رموز أو قيادات، ولم يتغير هذا إلا حين بدأ النظام الجديد في الظهور مع اقتراب نهاية الاحتجاجات، حيث برزت بعض الأسماء والوجوه، أما في أوج الاحتجاجات فلم يكن هناك قادة. لم يكن هناك سوى بعض المنظمين والأبطال والمنسقين.
بعد خروج الرئيس وقدوم قيادة انتقالية بفترة وجيزة تحول الميدان إلى ساحة صراع وبدأت الاختلافات والميول السياسية المتعددة في الظهور. انتهت اللحظة العتبية وبدأت الهياكل والتصنيفات الهرمية في العودة، تتناول هذه الورقة تصنيفًا هرميًا بعينه ودلالات تعليقه ذلك الذي يحدد الفروق الجندرية وعدم التوازن بين الرجل والمرأة. يناقش الفصل وضع سياسة النوع الاجتماعي قبل الثورة ويتأمل اللحظة الثورية نفسها ويطرح تساؤلاً ما إذا كان قد ظهر معيار جديد للعدالة من منظور النوع الاجتماعي منذ تنحي الرئيس عن الحكم؟ وبهذا يحاول أن يستنبط حدود التحولات التي حدثت بالفعل في الخطاب الجندري في مصر، والتي ستحدث في المستقبل. قد يكون تعريف هذه الخطاب الجديد محاولة سابقة لأوانها؛ هذا إذا افترضنا أنه خطاب جديد في المقام الأول لكن ستقوم هذه الورقة بالتعرف على اتجاه هذا التغيير وتحديد القوى التي سوف تؤثر على النظام الجندري الجديد أو بإمكانها التأثير عليه.
على الرغم من عدم انتهاء الحركات الاجتماعية المؤثرة في رسم خارطة الشرق الأوسط للخطاب الرسمي فإنها تقدم مثالاً حيًا على دور الاحتجاجات التي يتم التعبير عنها باستخدام لغة اجتماعية واقتصادية في تشكيل الهياكل السياسية. كما تلقی حرکات حقوق المثليين والراديكالية البيئية والصراع ضد التمييز العنصري الضوء على العملية التي تغير فيها الاعتراضات المفاهيم التقليدية بشكل حاد لخلق قوة سياسية يتحتم على السياسة الرسمية مواجهتها.
الحركة النسوية هي إحدى أولى القوى الاجتماعية التي تحدت هياكل القوة الرسمية حيث قامت النساء (وبعض الرجال) بالتصدي للمجتمع الذكوري ليس فقط كعقيدة اجتماعية ولكن كنوع من الهيمنة السياسية التي قامت بإقصاء المرأة من العمل العام والذي يتم فيه التفاوض على القوة والثروة والمزايا. إن التغاضى عن دور النسويات في تشكيل السياسة من أساسها لا يمثل إقصاء تاريخيًا فقط بل يشير أيضًا لخلل معرفي في فهمنا لفكرة الاعتراض والاحتجاج.
يركز هذا التحليل على التمييز الجندري قبل وبعد، إن لم يكن أثناء، الثورة المصرية. لقد شكل تأطير حق المرأة في المساواة كأحد جوانب الحرية تحديًا قبل الثورة وظل كذلك في الفترات الانتقالية اللاحقة، لكن يختلف تفسير هذا الإقصاء للنساء من مرحلة لأخرى. قبل 25 يناير كانت المطالبة بالمساواة في النوع الاجتماعي تأتي في إطار نظام اجتماعى أوسع، حيث كان يتم تعريف مشهد السياسة الجندرية من خلال الصراع الدائر بين الدولة والمجتمع المدني من ناحية والمواجهة بين القيم المحافظة والليبرالية من جهة أخري، وكان هذا الجدل يدور حول محاور القوة والتمسك بالمبادئ الدينية. خلقت هذه الجبهات المتعددة التي كان يدور فيها الصراع نوعًا من التحالف بين أطراف في طبيعتها متضادة فأصبحت النسوية التي تتبناها الدولة هي السبيل للدفاع عن القيم الليبرالية؛ وبالتالي حصلت على دعم نشطاء المجتمع المدنى الذين لم يكونوا ليتعاونوا مع الدولة وصفوتها التي تفرض نفسها عليهم في الأحوال العادية وأصبح من المفترض خلو البيئة التي تتم فيها المطالبة بحقوق النساء من أي صراع على سبيل المثال اتخذت وزارة العدل في 2009-2010 قرارًا بكسر أحد المحرمات الكبرى وتعيين المرأة قاضية في المحاكم الإدارية. من جهة، قوبل هذه القرار باستحسان شديد من قبل الحقوقيات نظرًا لأنه يصحح وضعًا خطئًا ساد لوقت طويل، ومن جهة أخرى جاء هذا القرار تنفيذًا لرغبات النخبة وعلى رأسها زوجة الرئيس السابق مما قلل من إحساس هؤلاء الحقوقيات بالانتصار. لقد تم اكتساب هذا الحق عن طريق النسوية التي ترعاها الدولة وليس كتتويج لجهود الحقوقيات النسويات، حيث كان هدف الوزير وأعوانه إرضاء النخبة المسيطرة وليس إحداث تغيير جذري في منظومة القضاء.
على الرغم من قوة السيدة الأولى وحاشيتها تعامل المتشددون من القضاة والمحللين مع هذا التغيير وكأنه ذبح البقرة المقدسة! لقد رأى هؤلاء أن القضاة يجب أن يكونوا رجالاً فقط لأن المرأة تفتقر إلى القدرة على إصدار الأحكام. صرح أحد القضاة بأن المرأة لا يمكن أن تجلس على منصة المحكمة وهي حامل، بينما قال آخر إن المرأة تفقد قدرتها على التفكير السليم في أوقات معينة من الشهر، وقال ثالث إن المرأة لديها من المهام الاجتماعية ما يلهيها عن مستقبلها المهني مما يعيق من قدرتها على دراسة القضايا الجادة واتخاذ القرارات الصعبة حيالها.
هذه النظريات الغريبة والمحزنة في الوقت نفسه لم تكن سوى تصريحات مكررة لبعض المتشددين ولم تتخذ صورة إجراء حتى قرر حوالى ثلاثمائة من كبار القضاة وأعضاء الجمعية العمومية لمجلس الدولة استخدام حق الاعتراض (الفيتو) ضد تعيين النساء في مؤسستهم الموقرة. خرجت النساء إلى الشارع ونظمن تظاهرات متواضعة أجبرن بها «المجلس القومى للمرأة» على إصدار تصريحات رسمية يندد فيها بهذا التحول فوجدت هؤلاء الحقوقيات النسويات أنفسهن يدعمن الدولة ضد المحافظين، وفرض الموقف بيئة خالية من الصراع بين النشطاء والنخبة الحاكمة. لا يزال هذا الذوبان للفروق في المساواة في النوع الاجتماعي كأحد ملامح مرحلة ما قبل الثورة والنظام البائد وكأحد الملامح الرئيسية للعدالة الاجتماعية التي نادت بها الثورة يتسبب في إرباك أي محاولة لتحليل دور المرأة في الثورة.
يقدم الجزء الأول من هذه الورقة تقريرًا مختصرًا عن مشهد الجندر والسياسة قبل الثورة حيث سيتم التركيز على التمثيل والتأثير السياسي الرسمي سواء المنتميان للدولة أو الدولة الموازية أو المجتمع المدني وستتم مناقشة القضايا التي تبنتها هذه القوى والإجراءات الدولية التي أضفت شرعية على دورها وممارساتها. بينما يتناول الجزء الثاني المرحلة التالية للثورة مباشرة ويتم فيه طرح أسئلة تتعلق بالمرأة والعدالة من منظور النوع الاجتماعي والإجابة عنها رغم أنه ليس من السهل تفسير وتلخيص هذه الأوقات العصيبة. كما سيركز الفـصـل عـلى الإعلام والمبادرات والمواقف الموثقة لكن هناك المئات من الاجتماعـات والخطط والمشاريع والسياسات التي لن يتم تضمينها في هذا التقرير نظرًا لأنه لم يتم الإعلان عنهـا بعـد. تـدور الخاتمة حول التعبير عن السياسات الجندرية والقومية من خلال تعقب هذه العلاقة المضطربة واقتراح إطار يجعل حق النساء في الحرية والمساواة والمواطنة ملهمًا للتحول لمصر الحرة.
لا يوجد طريق يؤدي لحصول النساء على حقوقهن السياسية دون أن يتقاطع مع المشهد السياسي بشكل عام. المقاعد المخصصة للنساء في البرلمان المشكل من انتخابات مزورة وتولى المرأة مناصب رسمية في غياب الشفافية والمساءلة والتمثيل النسائي في المجالس المحلية من دون إدارة جيدة والصوت من دون حرية… كل هذه أشياء كانت تمارس في مصر لكن لا تؤدى في النهاية للمساواة بين الرجل والمرأة. كان هناك انفصال بين تفاصيل خطاب الجندر في السياسة وصنع القرار والتمثيل من جهة وبين الواقع الاجتماعي والواقع السياسي في مصر من جهة أخرى. إن التوليفة المثالية التي تخدم أجندات سياسة الجندر تبدأ في التراجع حين تواجه بإرادة مخلصة ورغبة حقيقية في التغيير. لا تستطيع الأنظمة الديكتاتورية أن تحقق العدالة لأى من مواطنيها وقد بدأت نساء مصر في استيعاب هذه المقولة الحكيمة. لكن ما هي الدروس المستفادة من هذه الاحتجاجات فيها يتعلق بدراسة منح المرأة قوة سياسية؟ للإجابة عن هذا السؤال نحتاج أن نصف الهياكل المؤسسية والرسمية التي كان يتم من خلالها اتخاذ القرارات الخاصة بالقوة السياسية للنساء والمساواة في النوع الاجتماعي.
إن الربط بين حقوق النساء وفلسفة السياسة الليبرالية يعود للقرن التاسع عشر حين كان يتم اعتبار خطاب الجندر ظاهرة أوروبية في أصلها. شمل المفكرون الليبراليون الجدد المرأة في مناقشتهم حول الحقوق الفردية حيث أكدوا حقها في التعليم والمشاركة في الحياة العامة وفيها بعد جاءت أعمالهم لتحدد ملامح الحركات الساعية لإعطاء النساء حقوقًا سياسية كاملة بما فيها حق التصويت والترشح. أدت مجموعة من الأفكار المتعاقبة التي تنادي بالمساواة وتفند أسس التمييز والإخضاع إلى إرساء قواعد كل من حركة نسوية ومشروع العلوم الاجتماعية يسعى لفهم أسباب المشاركة المحدودة للنساء في الحياة العامة وحصولهن على حقوق سياسية أقل وتقلص فرصهن في الحصول على الوظائف ووقوع أعباء ومسئوليات أكثر على كاهلهن ومعاناتهن من مشاكل صحية أكثر وعدم منحهن الحرية الكاملة للتحرك وقلة ممتلكاتهن ودورهن المحدود في اتخاذ القرارات والعديد من الأمور الأخرى التي تشير للتمييز ضد النساء (راجع Wollestonecraft, Mill, Amin)
خرجت عضوات حركة المطالبة بالحق في التصويت في بريطانيا للشوارع للتظاهر ضـد المجتمع الذكوري واستطعن تشكيل تحالف واسـع مـع الفاعلين السياسيين الرسميين والحصول على الحق في التصويت في أوائل القرن العشرين. في سياق مشابه قامت ناشطات مثل مارجريت سانجر Margret Sanger وماری ستوبس Mary Stopes بالكفاح من أجل حصول المرأة على حقها في التحكم في جسدها وخصوبتها. لقـد تـأخـر القـانـون الـذي يبيح الإجهاض لكن تم الحصول في النهاية على هـذا الحـق وإن كـان قـد جـاء بـعـد العـديـد مـن التضحيات الشخصية وممارسات الاضطهاد. تم تضمين كل هذه الحقوق في مجموعة القوانين التي نطلق عليها الآن اسم حقوق الإنسان والقيم الليبرالية(De Beauvoire 1949, Fredidan 1963, Greer 1970)
تبع صدور أعمال النسويات الراديكاليات الأوائل واستيعابها من قبل النساء والرجال ظهور العديد من الحركات النسائية وتيارات الفلسفة النقدية التي تحتج على إخضاع النساء. قدم الماركسيون المجتمع الذكوري كنموذج إنتاجي يفرز انعدام المساواة (1995 Kabeer 1990 Pateman) کا احتجت الناشطات الأمريكيات من أصل أفريقي وناشطات العالم الثالث على سيادة المرأة البيضاء والنظر للخطاب النسوى علـــــى أنه ظاهرة أوروبا 1990 Lorde، Mohanty) وشككت ناشطات ما بعد الحداثة مثل بتلر Butler وكريستيفاKristeva في معنى الجنس والهوية الجنسية وقدمن اللغة كإحـدى أدوات الجندرية (1995 Kristeva،1995 Butler). إن تنوع وتعقيد التحليلات والتأملات النسوية خلق من وجهة النظر النسوية عدسة تحليلية بإمكانها تفسير وتغيير أشكال القمع المبنية على التجارب والافتراضات ذات الطبيعة الجندرية.
يذكرنا هذا المخزون من التاريخ النسوى بوجود أمور ثقافية وسياسية تشير إلى عدم وجود عدالة اجتماعية في العديد من المجتمعات خاصة فيما يتعلق بالنساء ولا يمكننا أن ننحى هذا المنطق جانبًا أو نقلل من شأنه. هناك العديد من الوسائل التي يمكن من خلالها التعامل مع خطاب الظلم الجندري دون الوقوع في فخ هيمنة الغرب، وهذا ما أدى لتدويل سياسات العدالة في النوع الاجتماعي للتصدى لاستخدام اختلاف الثقافات كذريعة لممارسة القمع الجندري. عكفت الناشطات النسويات والمجموعات النسائية على صياغة أجندة دولية وحاربن ضد التيارات والسلطات التي تستخدم مبدأ نسبية السياق الثقافي لتجنب إعطاء النساء المزيد من الحقوق.
أشارت الناشطة النسوية الهندية جيتا سين Gita Sen، وهي أيضًا من المناديات بحقوق الفقراء، في الخطاب الذي ألقته في مؤتمر منظمة المرأة العربية Arab Women Organization (AWO) بأبو ظبي عام 2009 إلى أنه لا يمكن أن تكون قوانين حقوق الإنسان والمرأة غربية لأن الرجل الأبيض لم يستعبد والمرأة البيضاء لم تكن ضحية للإبادة الجماعية والفقر. تمت ترجمة الاحتجاجات التي قادتها الناشطات النسويات للسياسة الدولية الرسمية للتطوير والمعونة وتم تضمين مبدأ المساواة الجندرية في قانون القضاء على التمييز ضد النساء Convention for the Elimination of Discrimination Against Women (CEDAW) وهو الذي يتم على أساسه قياس وضع النساء وتم استخدامه في المؤتمر لتقديم تقرير عن تقدم المرأة في بكين. قامت مصر بالتوقيع على هذا القانون في 16 يوليو 1980. تحفظات وقامت بالتصديق عليه في 18 سبتمبر 1981 أيضًا مع وجود، تحفظات، وقد ركزت هذه التحفظات على عدم القدرة على تطبيق بعض بنود القانون التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية. وقد تبنى القانون مبدأ الأمن الإنساني من أجل تدعيم حقوق النساء ونادي بتطويرات ملموسة من شأنها تحقيق الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للنساء مما أدى لزيادة المطالبات بمزيد من الحقوق النساء والتي وصل صداها للقاهرة في عام 1994.
بعدها قادت الأمم المتحدة المجتمع الدولي للموافقة على وثيقة المرامي الإنمائية للألفية Millennium Development Goals (MDGs كأداة لتحميل العالم مسئولية بذل الجهد لتحقيق التطوير للجميع. تنادي الوثيقة بالمساواة في النوع الاجتماعي وبحق النساء في التعليم الأساسي والتعليم الثانوي وبتعزيز دور النساء. يدور هذه البند حول هدف واحد: القضاء على التمييز بين الذكور والإناث في التعليم الأساسي والثانوي بحلول عام 2005 وفي جميع مستويات التعليم في موعد أقصاه عام 2015.
بهذا تم طرح تقدم المرأة وحصولها على حقوقها وتعزيز دورها في أواخر تسعينيات القرن الماضي كإحدى أولويات التطوير.
يشكل الدور الفاعل للمرأة وتمثيله في المحافل العامة والقرارات الخاصة مجالاً واسعًا ذا أجواء ومستويات عدة، أولها تمثيل النساء في السياسة القومية والمنطقية والمحلية، وثانيها تمثيل النساء الثقافي والإعلامي وثالثها مواطنة النساء والمساواة القانونية، ورابعها حرية المرأة في الحركة وحقها في إبداء آرائها علانية وفي الاحتجاج والاختيار. حظى الجزء الأول بالقدر الأكبر من الاهتمام والإجراءات لأنه يركز على أكثر حقوق النساء خضوعًا للقياس والتقييم. قامت بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة UNIFEM والولايات المتحدة من خلال المعونة والسياسة الخارجية والاتحاد الأوروبي من خلال برنامج الإنماء والجندر (Gender and Development (GAD بتحديد معايير يتم استخدامها لقياس إلى أي مدى أصبح صوت المرأة مسموعًا. من هذه المعايير الحصول على وظائف في العمل العام ونسبة المقاعد في المجالس التشريعية والحق في التصويت على مستوى العالم. هذا التناول ينطوي على إشكالية لتجاهله السياق المحيط بالمرأة وإمكانية استخدامه لإخضاعها.
كان لهذه الرحلة من الراديكالية إلى العقيدة تأثير عميق على كيفية النظر للجندر في دولة، مثل مصر، حيث نشأ نوع من الإنكار لانعدام المساواة في الجندر؛ والذي: مثل مصر، التستر عليه بحجة الواقع الاستثنائي. لم يكن الحصول على حقوق النساء ناتجًا عن احتجاجات بل كان هبة يمنحها قرار ملكي أو جمهوري، بدا هذا واضحًا بعد ثورة 1952 في مصر حين أعطى الرئيس جمال عبد الناصر للمرأة حق التصويت في عام 1956، وحيث تضمن الدستور العديد من الحقوق التي طالبت بها النساء منذ بداية القرن وحتى الآن لا تزال الدولة هي راعية حقوق النساء. بدأ الأمر بالثورة ثم الدولة الاشتراكية التي تلاها الوجه الليبرالي (والنسائي) لمصر التي ازدادت ديكتاتوريتها بدءًا من ثمانينيات القرن الماضى فصاعدًا، وكل هؤلاء قاموا بدور مانحي الحرية للنساء. تنامي خلال العقود السابقة التنديد بتلاعب الحكام الطغاة بحقوق النساء وكان الخطاب الدولي للنساء والإنماء أكثر المعارضين لهذا النموذج.
لوحظ مؤخرًا استخدام المقاعد المخصصة للنساء في المجالس التشريعية لتمكين بعض القوى القبلية والعائلية من البقاء في السلطة وخاصة في العراق وأفغانستان، حيث كان المشرعون المعينون من قبل سلطات الاحتلال هم الذين يحددون نسبة مشاركة النساء. أثارت هذه التجربة وغيرها العديد من التساؤلات بشأن مزايا الزج بالمرأة في عمليات سياسية غير نزيهة، فما الهدف من التعيين في برلمان لا يمثل المجتمع؟ وما الجدوى إن أصبح التركيز على نتيجة العملية السياسية أقل أهمية من العملية نفسها؟ تقول جويتز Goetz وكورنوول Cornwall إن مشاركة النساء في السياسة والأحزاب السياسية ووضع حقوق المرأة على قائمة الأولويات مؤشر أقوى بكثير على المساواة في الجندر من أعداد النساء في المؤسسات سواء عن طريق الانتخاب أو – وهذا هو الأسوأ – التعيين.
انتقدت النسويات الإسلاميات التفسير النسوي للحرية والحصول على الحقوق نظرًا لدعمه فكرة أن الدين – على وجه الخصوص – من مصادر قمع المرأة من خلال – على سبيل المثال – فرضه للحجاب وعزل النساء وتركيز دور المرأة على الجانب العائلي والتناسلي وما يفرضه هذا عليها من قيود تعوق قيامها بدور ريادي. شكك العلماء الإسلاميون في عالمية التعريفات النسوية للقوة والحرية والتي من وجهة نظرهم يجب أن تتمحور حول القدرة على تحقيق الأهداف والقيام بالأدوار وليس حول تبني أفكار تم اختيارها بواسطة المرأة الغربية. هذا يعني ألا يجب التغاضى عن حق المرأة المسلمة في الحصول على الحقوق التي تريدها والتي لا تتعارض مع الدين، لأن المرأة المسلمة تتمسك بالأدوار التي يسندها لها الإسلام والتي حرمتها منها الأنظمة العلمانية والقمعية وسوف تسعى جاهدة لتحقيقها (2002 Hafez1999 Mir-Hosseini 2002 Mahmoud). انتشر هذا النقد للنموذج المحدود للجندر والتنمية في دوائر أخرى وأصبح هذا التناول المتهاون للعدالة في الجندر محور الخطاب النقدي الذي يتبنى حقوق النساء (2008 Shotkamy2009،Kabeer). إن نموذج الجندر والتنمية يتجاهل إمكانية تحويل العلاقات الجندرية في اتجاه تناول يحاول التقليل من الظلم وليس إلغاء المؤسسات التي تفعله.
ينص الدستور المصري الصادر عام 1971 والمعلق حاليًا في المادة الحادية عشرة على أن: «على الدولة أن تمكن المرأة من القيام بأدوارها العامة والخاصة وأن تضمن المساواة بين الجنسين»، وقد قامت الدولة بدور رب العمل العادل والحكم الذي لا يفرق بين رجل وامرأة والمدافع الأول عن حقوق النساء منذ ثورة عام 1952. لكن هذا الوجود المهيمن للدولة فيا يتعلق بحقوق النساء أعاق ظهور حركات نسوية فاعلة أو وعي نسوى قوي. كما أن تأثير الحركة الدينية القوية التي أسستها الدولة بشكل جزئي وروجت لها بشكل كلى وقف عقبة في طريق الخطاب الحداثي لحقوق النوع الاجتماعي، كان للهجرات الداخلية من الريف للمدن والخارجية من مصر لدول الخليج العربي تأثيرًا في تكوين وتطبيق الحقوق والأدوار الجندرية. في هذه الأثناء كانت الحركات العالمية المنادية بحقوق النساء قد بدأت تخترق بيروقراطية الأمم المتحدة، وانعقدت العديد من المؤتمرات في دول مختلفة مثل: المكسيك في سبيعينيات القرن الماضي وكينيا في الثمانينيات والصين في منتصف التسعينيات من أجل تكوين خارطة طريق عالمية من شأنها إرشاد الدول الأعضاء بشأن المساواة بين الرجل والمرأة، وقد عرفت الخطة التي تمت صياغتها في التسعينيات باسم وثيقة «بكين» للمرأة. أحد أهم البنود المذكورة في خارطة الطريق هذه كان خلق هياكل قومية نسائية كجزء من الدولة لضمان الاعتراف بحقوق النساء والعمل على تحقيقها على أعلى المستويات الممكنة من السلطتين التنفيذية والتشريعية.
جاءت الاستجابة لوثيقة «بكين» في شكل تأسيس “المجلس القومى للمرأة” في مصر بموجب قرار رئاسي رقم 90 لعام 2000. كان المجلس يتكون من ثلاثين عضوًا/ ة أو بالأحرى شخصيات عامة تم اختيارها بناًء على خبرتها في شئون النساء وتم تعيين كل منها لمدة ثلاث سنوات، وكان المجلس يتبع رئيس الجمهورية بشكل مباشر. كانت زوجة الرئيس واحدة من الأعضاء المؤسسين الثلاثين وقد انتخبها باقي الأعضاء فورًا لرئاسة المجلس وظلت تعتلى هذا المنصب «المنتخب» حتى سقوط النظام عام 2011. كان هذا الهيكل القومي مخصص للدفاع عن حقوق النساء وضمان حفاظ آليات وسياسات الدولة في المساواة في النوع الاجتماعي.
-
اقتراح سياسات عامة تتبناها أجهزة الدولة من أجل الحفاظ على حقوق المرأة وتمكينها من القيام بأدوارها الاقتصادية والاجتماعية ومن أجل تضمين المرأة في المشروعات الإنمائية.
-
اقتراح خطة قومية لتحسين وضع المرأة وتناول المشكلات التي تواجهها.
-
مراقبة وتقييم تطبيق السياسات التي تتعلق بالمرأة وتقديم توصيات للأجهزة المعنية فيها يتعلق بتنفيذ هذه السياسات.
-
تقديم الرأي والمشورة فيما يتعلق بمسودات القوانين المتعلقة بالمرأة قبل تقديمها للبرلمان.
-
إبداء الرأي في جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة.
-
تمثيل المرأة في المحافل الدولية.
-
تأسيس مركز قومي للتوثيق والبحث لجمع المعلومات والقيام بالإحصائيات المتعلقة بالمرأة.
-
تنظيم مؤتمرات وورش عمل عن المرأة.
-
تنظيم ورش عمل تدريبية عن الجندر وتعريف الحاضرين بحقوق المرأة القانونية والسياسية والاجتماعية.
-
نشر ملخصات ودوريات وغيرها من المطبوعات التي تتعلق بعمل وأهداف المجلس.
-
القيام بالمهام التي يسندها رئيس الجمهورية للمجلس.
كان المجلس مدعومًا بشكل مباشر من سوزان مبارك وكان هذا كافيًا لجعله ذا قوة لا يستهان بها. كما أنه ربما كان أهم مؤسسة تتعلق بالمرأة تم إنشاؤها في مصر في العقديين السابقين للثورة.
نجح المجلس في تعبئة الأجهزة التنفيذية والتشريعية للدولة لإصدار قوانين لصالح النساء ومن خلال عمله استطاع إعطاء المرأة العديد من الحقوق التي لم تكن متاحة لها من ومن قبل. على سبيل المثال أعطى البند العشرون من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لعام 2000 المرأة الحق في الحصول على الطلاق بواسطة قانون الخلع في مقابل التنازل عن حقوقها المالية. البند السابع عشر من القانون نفسه أعطى المتزوجة بعقد عرفى الحق في رفع دعوى طلاق مما شكل أول اعتراف في تاريخ مصر بهذا النوع من الزواج الذي طالما اعتبر غير شرعي. في عام 2004، تم تمرير قانون الأحوال الشخصية رقم 10 والذي أسس محاكم الأسرة وفى العام نفسه قضى القانون رقم 11 بتأسيس صندوق الأسرة الذي تأخذ منه المرأة المطلقة أموال النفقة والذي جعل الدولة مسؤولة عن تحصيل هذه الأموال من الأزواج. في عام 2005، صدر قانون مد فترة حضانة الأم لأطفالها سواء إناثا أو ذكورا حتى بلوغهم عامهم الخامس عشر. كما صدر في عام 2004 مرسوم رئاسي يعطى المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي الحق في منح الجنسية المصرية لأبنائها.
في وقت لاحق حصلت المرأة أخيرًا على حق العمل كقاضية وكممثلة إدعاء وقد شكل هذا تحديًا قويًا بالنسبة للمرأة العاملة نظرًا لما قوبل به م به من مقاومة نتجت عن أخطاء في تأويل النصوص الدينية سواء القرآن أو السنة. وفي عام 2007 تم تعيين ثلاثين قاضية وتم فتح الباب للمزيد من النساء للانضمام لسلك القضاء. رغم ذلك أصر القضاة الذكور على التصدي لعمل النساء في القضاء حيث رأى المتشددون منهم أن ذلك يمثل خرقًا لقوانين لا يمكن المساس بها وأن القضاة يجب ألا يكونوا سوى رجال لأن النساء يفتقرن إلى القدرة على التدبر وإصدار الأحكام. من هنا قرر حوالي ثلاثمائة من أكبر القضاة استخدام حق الاعتراض (الفيتو) على تعيين المرأة في مؤسستهم الجليلة.
كما لعب المجلس دورًا هامًا في ضمان حق المرأة في حرية الحركة من خلال إلغاء المرسوم الإداري الذي يلزم المرأة بالحصول على موافقة زوجها قبل استخراج جواز سفر. في الواقع، كان المجلس قد خطط لتنفيذ توصيات قانون القضاء على التمييز ضد النساء ووثيقة بكين من خلال إلغاء بعض القوانين التي تبيح التمييز ضد النساء.
لم ينجح المجلس بالقدر نفسه في تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية حيث أن غالبية النساء في المؤسسات التشريعية وفي مجلسي الشعب والشورى تم تعيينهن وليس انتخابهن، كما أن معظم النساء المنتخبات في المجالس المحلية كن مدعومات من قبل مؤسسات المجتمع المدني وكانت مشاركتهن جزءًا من برنامج يشجع على مشاركة المرأة في الشئون المحلية على مستوى القرى والمدن الصغيرة. ونجحت المرأة بالفعل في الوصول لمنصب«العمدة» في إحدى قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر.
وفقا للتقديرات كان “المجلس القومى للمرأة” يعاني من ثلاثة معوقات رئيسية (راجع 2006 Kanoush، ص 28) وهي كالتالي:
-
التناول الفوقي للسياسات المتعلقة بحقوق النساء مما جعل المجلس يبدو أحيانًا كنموذج للبيروقراطية المركزية
-
العلاقات غير المتوازنة مع مؤسسات المجتمع المدني والتي كان فيها المجلس الطرف الأقوى مما أدى لإهدار رأسمالها السياسي والدخول في تحالفات جزئية
-
عدم تمكن المجلس من تكوين قاعدة شعبية
لكن مرر المجلس قانون نسبة المقاعد المخصصة للمرأة (الكوتا) في البرلمان عام 2010.
بهذا استطاع المجلس منح المرأة العديد من الحقوق منها حرية الحركة والتمثيل السياسي بنسبة ثابتة، كما قام بتجريم ختان الإناث. كانت هذه المكاسب هي أكثر ما يمكن تحقيقه في ظل نظام سلطوي ونخبوي لكن لم يكن من الممكن الوصول للمساواة الحقيقية والتضامن الفعلى بين الرجل والمرأة إلا عندما تمت الثورة على هذا النظام أحد الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار هي دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية في منح صوت لشريحة ما. الجندر من أحد هذه العوامل لكن هناك أيضًا عوامل أخرى مثل الطبقة والعائلة والسلطة فيمكن للنساء من النخبة العمل كقاضيات أو نائبات في البرلمان لكن تظل المرأة الفقيرة لا تمتلك من الصوت الذي يمكنها من توصيل مشكلاتها للمستوى الدولي.
في أجزاء أخرى مما يسمى «الجنوب العولمي» Global South عظم تأثير النساء في السياسة القومية والمحلية نتيجة الدعم الشعبي العريض للناشطات اللاتي تعملن على تغيير سياسات وتوازنات توزيع القوى في المجتمع. على سبيل المثال أدت حركة قوانين المجلس القروية المعروفة باسم «بانشايات” Panchayat بالهند لانضمام أكثر من مليون امرأة للمجالس المحلية، وعلى الرغم من تفاوت فاعلية هذه المبادرة من مكان لآخر لكنها نجحت بالقطع في تضمين المرأة في الشئون الداخلية للمجتمع الذي تنتمى إليه. أدى وضع النساء في مراكز قوة على مستوى القرى لاحتلالهن مكانًا بارزًا في السياسة الحقيقية (2008 Goetz) حيث تم منحهن السلطة لاتخاذ القرارات اللاتي من شأنها التأثير على الحياة اليومية ومواجهة الطغاة المحليين. لم تكن جميع النساء التي تم تعيينهن في هذه المجالس على الدرجة نفسها من الكفاءة أو العدل لكن نجحت عملية تضمين النساء في حد ذاتها في تغيير الواقع وكسر القيود السياسية وتقديم مثل يحتذى به من حيث خروج المرأة من السياق الذكوري التقليدي. التناقض بين وضع النساء في الهند ومصر صارخ. في مصر كان مصدر القوة التي حصلت عليها المرأة هو النخبة والهيئات القومية للمرأة وليس المجتمع المدني أو عامة الشعب سواء بشكل عام أو في صورة منظمات مثل النقابات والاتحادات والجمعيات.
يوجد نموذج آخر لمنح مزيد من القوة للنساء وهو المبادرات الجماعية والتمثيل. على سبيل المثال، قامت جمعية المرأة للتوظيف الذاتي The Self-Employed Women’s (Association (SEWA في الهند بتمكين المرأة من القيام بدور فعال خلال تعريفها بالإمكانات التي تتمتع بها الاتحادات منذ مائة عام. بهذا تم التركيز مرة أخرى على المرأة الفقيرة التي أصبح صوتها مسموعًا والتي اكتسبت ثقلاً يؤدي تراكمه للمبادرات الجماعية من(Bhat 1990)
في مصر حصلت المرأة الفقيرة على بعض الحقوق من خلال بعض التعديلات القانوية والخدمات الاجتماعية التي كان مصدرها الهيئات القومية ولم تكن أي من هؤلاء النساء ناشطات أو عضوات في هذه الهيئات بل كن مجرد متلق سلبی (2007 Sholkamy).
تمحورت المشكلة الرئيسية في مصر حول فقدان الصلة بين الطبقات والأجيال المختلفة من النساء فقد قام المجلس القومى للمرأة بفرض برنامج تقدمي على شعب لم يشترك فيه. في قول آخر، كان هناك تناقض بين الرسالة التقدمية والرسول المنتمى للنخبة والذي بالتالي لا يحظى بأى تأييد شعبي. لكن طالما كان هناك حضور للمجتمع المدني في مصر في الأمور المتعلقة بحقوق النساء، وقد أشار المحللون وممولو منظمات المجتمع المدني للعمل الجاد والمتميز الذي يقوم به نشطاء المجتمع المدني خاصة في مجالات تحديد النسل والحقوق الاقتصادية والشخصية والسياسية (1999Al-Ali ,Rahman 2003). لا تتم مناقشة أشكال الشراكة والعداء بين الدولة والمجتمع في هذه الورقة لكن يكفي القول إن العلاقة بين الاثنين كانت أحيانًا تكاملية لكن في معظم الوقت تنافسية تتسم بفرض الدولة سطوتها على المجتمع المدني وتدخلها في الأمور التي يعتبرها حق له. على الرغم من ذلك هناك مجموعة من المنظمات ذات المصداقية التي نالت اعترافًا دوليًا والتي كان لعملها تأثير كبير على وضع المرأة. تتضمن المؤسسات الفاعلة في هذا المجال: اتحاد النساء العرب وملتقى المرأة والذاكرة ومؤسسة المرأة الجديدة ومركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الانسان وجمعية المرأة المصرية. مثل المجلس القومي للمرأة كان العديد من هذه المؤسسات تعتمد على التبرعات، وبهذا كان يتركز عملها في مشروعات وليس برامج. تتحدث «إصلاح جاد» عن مأسسة لمنظمات غير الحكومية حيث تحولت هذه المنظمات من إئتلافات نسائية تبنى إرادة سياسية من خلال التضامن لجهات فاعلة منفذة للسياسات الإنمائية (2006 Jad). بهذا لم تعد هذه المجموعات تحاول خلق قوة فاعلة نقدية أو راديكالية أو سياسية بل أصبحت جزءًا من صناعة الإنمائية البيروقراطية (2011 Mostafa).
شهد العقد الذي سبق الثورة طفرة في مشاركة النساء في احتجاجات المصانع وإضرابات عمال، حيث شاركت العاملات وعضوات النقابات بشكل فعَّال فيها يعتبر الآن المؤشرات الأولى للتمرد. خرج عمال مصنع غزل المحلة والشركة الشرقية للدخان للشوارع حيث قضوا شهرًا كاملاً يحتجون على سياسات الإدارة والخصخصة والأجور المنخفضة. شهدت هذه الاحتجاجات التي نادت بحق تكوين الاتحادات واتخاذ الخطوات الجماعية مشاركة العديد من عضوات النقابات مثل فاطمة رمضان التي أمضت أكثر من عقد كامل في المحاكم تطالب بالحق في عضوية الاتحادات واللجان العالية. كان المشهد النسائي السياسي شديد الثراء لكنه كان أيضًا مفككًا. بدأت نخب المجتمع المدني في الاعتراض على تبني النخبة المنتمية لمؤسسات الحكومة والحكومة الموازية لقضايا المرأة والعدالة الجندرية. في تلك الأثناء قامت العاملات بالاحتجاج بشكل منفصل على غياب العدالة الاقتصادية وقمن بتركيز كفاحهن على الحركات العمالية.
ما يدعو للأسف هو أن انتخابات عام 2010 التي تعتبر الآن القشة الأخيرة التي جعلت قيام الثورة لا مفر منه هي نفسها التي أتت بأربع وستين امرأة للبرلمان وأصبحت من خلالها النساء ممثلات بشكل عادل في المؤسسة التشريعية. ظلت هذه العلاقة المؤسفة بين النساء والديكتاتورية والتي ظهرت بقوة في أسوأ انتخابات في تاريخ مصر تؤرق الناشطات النسويات وأثرت بشكل سلبي على مرحلة ما بعد الثورة مباشرة. لكن تجدر الإشارة أن التفكك الواضح في الحركات النسائية بين أشباه النسويات المدعيات من قبل الدولة وباحثات المجتمع المدني والنسويات والناشطات والنساء اللاتي ساهمن في الاحتجاجات وقمن بدور سياسي لكن لم يعرفن أنفسهن كنسويات قد تسبب في أذي كبير لقضية العدالة في مصر. کا أن هناك انقسامًا نتج عن الصراعات بين النساء ذوات المرجعية الدينية في تناولهن للحركة النسوية والنساء من غير ذوات تلك المرجعية (2010 Sholkamy). ما زال هذا الخلل يلعب دورًا في المناخ المنقسم الحالي والذي أصبح فيه الدين محورًا للخطط الاجتماعية والسياسية المستقبلة.
إسراء عبد الفتاح ونوارة نجم ونهى عاطف والعديد من النساء اللاتي يستخدمن أسماء حقيقية أو مستعارة من المدونات ظللن على مدى سنوات يعبرن عن آرائهن السياسية ورفضهن المعايير السلطوية السائدة. شككت المدونات في المعايير التي تحكم الهوية الجنسية والتي تفضل العفة وتسمح بالتحرشات الجنسية منذ بداية هذا القرن (راجعNermeena Nazra, Banat we bas, Teet for female anti harassment blogs and radio). توجد العديد من الوسائل التي تسهل مشاركة النساء في المنتديات النقدية لكن يتم هذا من مكان آمن وهو المكان نفسه الذي نشأ فيه صوت المرأة وبدأ يتنامى. لكن يوم 25 يناير كانت الدعوة على شبكة الإنترنت للخروج للشوارع والتخلى عن الأمان الذي يمنحه المنزل والعزلة الناتجة عنه. كررت إسراء عبد الفتاح مناشدات المدونين ونشطاء الإنترنت، وطلبت من الرجال الانضمام إليها في الشوارع بصورة بدت مغازلة في طلبها للحماية الذكورية. إن كانت امرأة سوف تجازف بسلامتها من أجل الاحتجاج على الحكومة ووحشية الشرطة فأقل ما كان يمكن أن يفعله الرجال هو الخروج للشارع لحمايتها. كما يعود الفضل لأسماء محفوظ في دعوة المصريين للنزول للشارع.
شهدت الثمانية عشر يومًا التي استغرقتها الاحتجاجات مساواة طبقية ودينية وجندرية وتضامنًا بين كل الفئات لكن مع نشوة النصر أتت بعض الأحداث التي أعادت الجميع لأرض الواقع. بعد رحيل مبارك بأسابيع تمت مهاجمة المتظاهرين الذي بقوا في ميدان التحرير وتم إخضاع بعض النساء لاختبارات عذرية وكان التفسير هو أن ضابط الجيش المسئول أراد أن يثبت أنهن فتيات عفيفات ولسن عاهرات. حتى وإن حاولنا افتراض صحة هذا التفسير تبقى حقيقة لا جدال فيها وهي الإهانة الجمة التي تعرضت لها هؤلاء النساء. قبل هذا حدث تصدع آخر في التضامن الجندري لميدان التحرير حين تمت مهاجمة المسيرة النسائية التي كانت تحتفل بذكرى اليوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس، وتعرض المائتي رجل وامرأة المشاركين في المسيرة للتحرش والسخرية والتعنيف وتم طردهم من الميدان. منذ حدثت الثورة لم يتعرض أحد المتظاهرين آخرين ويخبرهم بأن مطالبهم غير مبررة أو غير ضرورية أو ضارة بمكاسب الثورة أو في المكان أو الزمان غير المناسب أو ناتجة عن أجندة أجنبية. لم يتم إخبار متظاهرين آخرين بـ «العودة للمنزل والمطبخ». لم تتم مهاجمة متظاهرين آخرين بسبب مظهرهم أو ملابسهم. كان المتحرشون بالمشاركات في المسيرة يرددن «باطل» لطلبات المساواة الجندرية و «عورة» للنساء اللاتي وقفن يعرضن مطالبهن البريئة التي تكاد تقرب من السذاجة. كانوا يرددون: «عودوا إلى المطبخ» و «اخرجوا من الميدان». قال رجل مسن كان وسط الواقفين على الرصيف إن اللافتات التي حملتها النساء تنطوي على إهانة للنساء الطاهرات «أمهات الشهداء» اللاتي يستحققن الاحترام على عكس هؤلاء المتظاهرات اللاتي لا يستحققن شيئا. حمس كلام هذا الرجل الشباب الواقفين بجانبه فبدأوا في انتزاع اللافتات من النساء في الميدان وتقطيعها ورميها على المتظاهرين من الرجال والنساء والذين وقفوا في دهشة وارتباك.
تدفعنا هذه الأنواع من انعدام التفاهم للإجابة عن بعض الأسئلة المهمة: كيف يمك المصالحة بين التقبل الواسع للنساء كناشطات ساهمن في القيام بالثورة ورفض إعطاء المرأة حقوقها؟ كيف يمكننا الإبقاء على العدالة وحقوق النساء؟ كيف ندعم قيم الثورة ونهمل أو نعادي بعض المشاركين فيها؟ هناك مخاوف من أن المرأة طابورًا خامسًا أو شرخًا في مبنى لا يزال تحت الإنشاء، لماذا تمت مهاجمتهن والسخرية منهن يوم 8 مارس؟ لماذا تم اختيار مسيرتهن من ضمن خمس أخريات في المكان نفسه لتتم مهاجمتها وتشتيتها؟ هذه كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات صادقة.
تحت تأثير التفاؤل والسذاجة النابعة من متابعة الإنترنت، قرر المئات من النساء والرجال الذهاب للميدان للتعبير عن أمور لم يجرؤ أي منهم على تناولها في الماضي. تخلص المتظاهرون من حاجز الحذر وعبروا عن مطالبهم في المساواة والحقوق المدنية وحقوق المواطنة. ربما قاموا بتنفيذ هذا بشكل غير ملائم أو في الوقت غير المناسب لكن تبقى الاختلافات بين المصريين الذي يقومون الآن ببناء مصر الجديدة حقيقة ثابتة. من الواضح أن فراغ الاحتجاج ليس محايدًا حين يتعلق الأمر بحقوق النساء لكن هناك دروسًا أكثر أهمية نحتاج أن نتعامل معها.
وما الظمأ سوى الخوف من الظمأ نفسه! (عمر الخيام)
يوجد رد فعل معاد ضد حقوق النساء أو خوف من رد فعل معاد لكن كما يقول الشاعر عمر الخيام: الفارق بين الحدث الفعلى والخوف من حدوثه يكاد يكون منعدمًا. يوجد تذمر عام ضد المرأة ومؤشرات تمرد ضدها ويتضح هذا في الإشارة للقوانين التي تم إصدارها أثناء النظام السابق والتي أعطت للنساء المزيد من الحقوق على أنها «قوانين سوزان مبارك». وقد أصابت «المجلس القومي للمرأة» حالة من الصمت التام وإن كان لم يتم حله ولا تغيير الأمينة العامة والمعروفة بانتمائها للنظام السابق. وفقًا لممثلة الأمم المتحدة لشئون المرأة في مصر، توقفت المطالبات بحل المجلس القومي للمرأة خوفًا من أنه لو حدث هذا فلن تقوم الحكومات أو البرلمانات المستقبلية بإعادة تأسيسه. تعكس هذه المعضلة عدم الرغبة في رفض ما هو قديم خوفًا من أن يكون الجديد أكثر سوءاً، هل من الممكن أن تتحرر النساء في ظل النظام الديموقراطي؟
تحفل الصحافة بمطالبات بإبطال قوانين الأحوال الشخصية التقدمية وإلغاء المقاعد المخصصة للنساء في البرلمان وحل محاكم الأسرة وإعادة تطبيق الممارسات والقوانين الذكورية. تقول ملکی شارمانی Sharmani إن قوانين الأحوال الشخصية جاءت بمرسوم رئاسي مما جعلها بطبيعة الحال غير عادلة وغير ديمقراطية لكن هذه النظرية تتجاهل كون القوانين نفسها ذات تأثير إيجابي على العدالة والمساواة وتتجاهل أيضًا الدور المهم الذي لعبته مجموعات حقوق المرأة والمجتمع المدني. وترى نظرية أخرى أن هذه القوانين تتعارض مع مبادئ الإسلام. هذه النظرية لا تتجاهل فقط الفرق بين الفقه وهو تفسير العلماء للقوانين الإلهية والأهداف أو «المقاصد، بل إنها أيضًا تتجاهل كون أن تفسيرات العلماء نفسها مختلفة ومرتبطة بالسياق والزمن الذي صدرت فيه. لهذا من غير المنطقي أن يتم رفض هذه القوانين بناء على السوابق التاريخية (2011 Sharmani) کما توجد مطالبات بتغيير القانون رقم 10 لعام 2004 والذي قضى بتشكيل محاكم الأسرة وكذلك القانون 4 لعام 2005 والذي يمد حضانة الأم للأطفال حتى يبلغوا الخامسة عشرة من عمرهم. قام بعض القضاة المتقاعدين الذين عملوا في محاكم الأسرة بتأسيس منظمة غير حكومية أطلقوا عليها جمعية حماية الأسرة وهي التي تقود هذه الحملة. وفقًا للمنظمة، قامت هذه القوانين بالإضافة لقانون الخلع الذي أعطى المرأة حق تطليق نفسها بمنح مزيد من القوة للمرأة وانتزاعها من الرجل. قد تكون هناك حالات تمت فيها إساءة تطبيق هذه القوانين لكن هل هذا يعني أن يتم إعطاء حضانة الطفل للأب عندما يبلغ الطفل السابعة من عمره؟ كما أن هناك مطالبات بإعادة قانون بيت الطاعة وإلغاء الخلع بحجة أن كليهما مكن المرأة من ازدراء مؤسسة الزواج وادعى الكثيرون أن معدلات الطلاق قد ارتفعت وأن الأطفال يعانون من مشاكل نفسية وأن المبادئ الأخلاقية انهارت بعد أن أصبح من حق المرأة تطليق نفسها! هذا مثال جيد جدًا على خداع النفس کا تقول شارماني حيث إن ارتفاع معدلات الطلاق، إن صح هذا، إنها تشير خلل في مؤسسة الزواج نفسها. هل يوجد منطق في الامتناع عن تدعيم الحقوق من أجل حماية بعض الممارسات الخاطئة الشائعة؟ هل سيكون إرغام المرأة على البقاء في علاقة لا تريدها في مصلحة هذه العلاقة او الاطفال الناتجين عنها؟
يوجد العديد من المؤشرات الأخرى على الخطاب الجندري المرتبك بعد الثورة مثل قضية نسبة المقاعد المخصصة للمرأة في البرلمان. عند كتابة هذه الورقة كان قد بقي على الانتخابات أسبوعان وكانت المرأة موجودة على جميع القوائم الحزبية. جاء هذا تنفيذًا لقانون يقضى بأن تحتوي كل قائمة على امرأة واحدة على الأقل. حتى الأحزاب السلفية المتشددة اضطرت إلى إضافة المرأة على قوائمها لكن نظرًا لأنها تكون عادة منتقبة لم تظهر صورها على لافتات الدعاية الانتخابية(2). كما أن اسم المرشحة كان دائمًا يأتي في النصف الأخير من القائمة إن لم يكن في أسفل القائمة. حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمون هو الوحيد في الأحزاب الدينية الذي تضمن المرأة على قوائمه بشكل جدى نظرًا لأنه يتوقع الفوز بنسب كبيرة وبالتالي تظل الفرصة سانحة لمن هم ليسوا على رأس القائمة لدخول البرلمان. لا توجد سوى قائمة حزبية واحدة في هذه الانتخابات تأتى امرأة على رأسها وهي مرشحة الحزب المصرى الديمقراطي الاجتماعي(3). يوجد ارتياح عام للنسبة المخصصة للمرأة والتي لم تتحد السياسة السائدة لكنها أكدت أهمية الاعتراف بدور المرأة وحقها في المشاركة السياسية.
يوجد العديد من النساء المرشحات في الانتخابات البرلمانية وأيضًا في الانتخابات الرئاسية لكن النساء لديهن فرص أكبر في المدن ربما في الحصول على مقاعد في البرلمان لكن يستبعد حصولهن على الرئاسة.
توجد العديد من المخاوف بشأن موقف الدستور الجديد من العدالة بين الجنسين وبدأ القلق يزداد بشأن إمكانية إقصاء النساء عن العملية السياسية، لكن الأخطر من كل ذلك هو عدم اعتبار المساواة بين الرجل والمرأة جزءًا من العملية الديمقراطية في المقام الأول. في الوقت نفسه يوجد ميل للعودة لخطاب سياسي أقدم كان يقوم بتضمين حقوق النساء في الخطاب الأشمل للمواطنة، وتوجد العديد من الأمثلة التاريخية التي توضح أهمية السعى الواعي لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة كبديل عن الافتراض الساذج أن ذهابنا لصناديق الاقتراع هو الذي سيضمن لنا السعادة الأبدية!
إلى جانب هذه العراقيل الجديدة لاتزال المشكلات القديمة المتعلقة بالمدام المساواة بين الرجل والمرأة قائمة، الفجوة بين الرجل والمرأة هي ما يضعف المرأة ويقلل من خياراتها والبدائل المتاحة أمامها. التعليم والعمل والصحة والسلامة على رأس مظاهر الحياة ذات التأثير القوى على حرية الأفراد وقدرتهم على القيام بدور فاعل، وتتشكل هذه المظاهر في الكثير من الأوقات وفقًا للطبقة بالإضافة إلى النوع. لا تزال هذه الفجوة قائمة على الرغم من محاولة العديد من النشطاء والثوار إقناع أنفسهم بعدم وجودها. تتضح هذه الفجوة في التعليم، على سبيل المثال، فعلى الرغم من أن عدد الإناث الملتحقات بالتعليم العام قد فاق عدد الذكور، يجب الإشارة أن 24,9٪ فقط من الطلاب مسجلون في هذا النوع من التعليم بين الثلاثة أرباع المتبقية تلتحق بالتعليم الثانوي الأزهري أو الفني وفي هذين النوعين من التعليم تكمن الفجوة بين الرجل والمرأة، وحيث يصل إجمالي نسبة الإناث للذكور في التعليم الفني والمهني لـ 88% لكن عند تقسيم هذا الرقم نجد أن نسبة الإناث للذكور في المدارس الصناعية والزراعية تنخفض لـ54% و26% على التوالى بينها ترتفع لـ179 في المدارس التجارية. في قول آخر، تظهر الفجوة بين الرجل والمرأة في الفارق بين عدد الذكور والإناث في المدارس التي تعطى فرصة أكبر للمنافسة في سوق العمل. على الجانب الآخر، شهد التعليم الأزهري تناقصًا في عدد الإناث من بين العامين الدراسيين 2000-2001 و 2005-2006 من 59،8% إلى 54,4% وفقًا لتقرير المرامي الإنمائية للألفية (الفصل الثالث، ص21-22). لا يزال الانحياز ضد المرأة قائمًا حتى وإن كانت مظاهره مختبئة أحيانًا وسط الفروق الشاسعة بين سكان المدن والميسورين الذين يبدو أنهم حققوا قدرًا كبيرًا من المساواة مع الرجل من جهة وسكان القرى والفقراء الذين لم يحققوا شيئًا من جهة أخرى.
هناك درسان يتضحان أمام النشطاء والمشاهدين في ظل الأحداث الجارية، الأول هو أن الديمقراطية قد لا تحقق المساواة للمرأة حيث يمكن أن تتحول الديمقراطية لطغيان لو لم تبن على الالتزام بالمبادئ والحريات الرئيسية. إن تغير العملية السياسية وسبل المشاركة فيها لا يضمن بالضرورة أن هذه العملية ستكون عادلة فقد كان من السهل حشد الملايين لخلع مبارك لكن ليس من السهل أن تتفق هذه الملايين على معالم المرحلة القادمة. بغض النظر عن شكل الحكومة أو البرلمان القادمين، يجب أن يتم التمسك بالمبادئ الرئيسية للحقوق والحريات وتأكيدها وليس تركها لتقلبات الانتخابات. إذا نظرنا للدول الحرة سنجد أنها جميعًا فرضت قيودًا على قدرة الشعوب على إيذاء أو تدمير أي شريحة من مواطني الدولة نفسها. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتم ترسيخه في ضميرنا الوطني.
الدرس الآخر هو أنه يجب أن تركز النساء على المطالبة بعمليات ديمقراطية تمكنهن. من الحصول على صوت ومن أن يحققن إنجازات. فربما كان علينا أن نتظاهر من أجل تفكيك الكيان المسمى وبالمجلس القومي للمرأة التابع للنظام السابق وخلق كيان آخر يتكون من منظمات المجتمع المدني التي يتم انتخاب مجالس إدارتها التي يمكن محاسبتها من قبل الأعضاء. كما يجب التمسك بالنسبة المخصصة للنساء في جميع الأحزاب الجديدة منها من ممارسة السياسة في ظل المساواة بين الرجل والمرأة كما يجب الضغط من أجل تأسيس مجالس للسياسة التشاركية يكون دورها مراقبة تنفيذ الخدمات التي يتم مطالبة الدولة بها. ستقوم هذه المجالس باستشارة المواطنين فيما يتعلق بالتخطيط للصحة والحماية الاجتماعية وحفظ النظام والتعليم والإسكان من خلال عمليات ملزمة قانونيًا. يمكن أن تدرك المرأة أهمية الديمقراطية المبنية على مباديء المواطنة من خلال المطالبة بإجراءات تضمن تحقيق العدالة للجميع. كيف يمكن غرس الالتزام بعدل أكثر للنساء بين الناخبين وصانعي السياسات ومؤسسات القطاعين العام والخاص؟ ما الذي يتطلبه البناء الناجح لمؤسسات تلتزم بالعدالة والمساواة ويتم مسائلتها إن لم تفعل ذلك؟ بالطبع سيستغرق هذا وقتًا طويلاً وهناك خمسة عوامل من شأنها أن تجعل التنفيذ صعبًا.
العامل الأول هو الفجوة بين الأجيال حيث توجد فروق بين الشباب وكبار السن فيما يتعلق بالتعرف على المشاكل التي تواجه حقوق النساء. العامل الثاني هو العولمة حيث توجد العديد من الضغائن التي تعطى المطالب والمعايير المحلية الأولوية على مثيلاتها الدولية. العامل الثالث هو الفضاءات حيث تمر المرأة بصراع بين نجاحها في الفضاء العام والتقدير الذي ينتج عنه وبين الأعباء التي تتحملها في الفضاء الخاص كامرأة. العامل الرابع هو غياب النسوية كأيديولوجية سياسية في مصر. العامل الأخير هو تحدى المعايير القائمة للتمثيل النسائي والأمور المتعلقة بخلق نموذج رسمى ينظم دور النساء في المؤسسات السياسية والمجالس التشريعية.
إن بناء برنامج للمساواة في النوع الاجتماعي في مصر يستغرق وقتًا لكن حين يرى هذا البرنامج النور سيصبح أساسًا صلبًا للأمانة والكرامة والكفاح والعمل الفاعل. بهذا سيستحق البناء ولن يكون هشًا وسهل الانهيار مثلما حدث مع المؤسسة التابعة للدولة في مرحلة ما قبل الثورة.
أخيرًا وبالرجوع للنموذج السياسي الجديد الذي شكلته التحولات الجارية في العالم العربي، هناك أمران يتعلقان بالنساء. الأمر الأول.هو أن الحركة النسائية في مصر أصيبت بالعزلة حين أصبحت الدولة هي الداعم الرئيسي لها. حينها لم تعد العدالة من منظور الجندر نابعة من الحركات الشعبية التي نشأت في الشارع والتي نجحت في خلق ضمير نسوى من خلال العمل الجمعي الفاعل وأصبحت برنامجًا رسميًا يرتبط بالدولة ويطالب بحقوق فردية من خلال خطاب المواطنة. الأمر الثاني هو أن هذه البداية هي التي جعلت المتظاهرين المصريين ينكرون انعدام العدالة من منظور الجندر في العديد من المحيطات ويتعاملون مع حقوق النساء على أنها منفصلة عن العملية السياسية.
* أستاذة مساعدة بمركز الدراسات الاجتماعية، الجامعة الأمريكية.
** مدرسة مساعدة بقسم اللغة الإنجليزية، جامعة القاهرة.
(1) شاهدة عيان على التحرير
(2) في حالة حزب النور السلفى تم استبدال صورة المرشحة بصورة وردة حمراء
( 3 ) لم يكن قد تم الانتهاء من إعداد جميع القوائم الحزبية وقت كتابة هذه الورقة
Turner, V. The Ritual Process: Structure and Anti-Structure. (1969).
Dramas, Fields, and Metaphors: Symbolic Action in Human Society, Cornell University Press (1974).
S. de Beauvoir, The Second Sex (tr. 1952, repr. 1968).
B. Friedan, The Feminine Mystique (1963).
G. Greer, The Female Eunuch (1970).
K. Millett, Sexual Politics (1970).
J. Hole and E. Levine, Rebirth of Feminism (1971).
J. Kristeva New Maladies of the Soul (1995).