النساء العاملات في الزراعة: الواقع والبدائل

مقدمة

على الرغم من صدور اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة في العام 1979 وقيام الحكومة المصرية بالتصديق عليها في العام 1981، لكنن وضعية المرأة في مصر ما زالت تعاني الكثير من أوجه التمييز المختلفة.

وتتعدد مظاهر التمييز ضد المرأة في العديد من المجالات الاقتصادية المختلفة ومنها العمل في قطاع الزراعة حيث تعاني النساء العاملات في الزراعة من شتى صور التمييز والإقصاء، وذلك على الرغم من الوزن النسبي الذي تمثله النساء العاملات في الزراعة، حيث يبلغ عددهن ما يزيد على أربعة ملايين عاملة، يعانين العديد من صور الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي منها عدم شمولهن بالحماية القانونية الواجبة بالإضافة لحقوقهن فيما يتعلق بالحماية التأمينية والصحية ناهيك عن التمييز الاقتصادي سواء ما يتعلق بالأجر أو الحق في التنظيم النقابي ……إلخ، وقد يرى البعض أن مظاهر التمييز تلك ترتبط بالسلوك والتنشئة الاجتماعية التي هي ضد المرأة، وأن تغيير هذه السلوكيات كفيل بالتخفيف من صور التمييز والاستبعاد في مجالات شتى، ولكن يظل البناء التشريعي والمؤسسي أحد أبرز العوامل في تعميق هذا التمييز والاستبعاد الذي تعانيه المرأة، بالإضافة إلى العديد من السياسات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية التي تكرس لهذا التمييز، ولعل النساء العاملات في الزراعة وما تتعرض له هذه الفئة الاجتماعية صورة دالة على هذا الاستبعاد والتمييز.

في ضوء ما سبق نحاول دراسة هذه الظاهرة في أبرز جوانبها وليس جميعها، حيث لا نستطيع في إطار تلك الورقة الإتيان على كل الجوانب التي تحيط بعمل المرأة في قطاع الزراعة ومن ثم سيقتصر تناولنا على وضعية النساء العاملات في الزراعة كعاملات بأجر أو بدون أجر، وسواء عمالة دائمة أو مؤقتة أو الاثنتان معًا أي عاملة دائمة أحيانًا ومؤقتة في أحيان أخرى“.

وفي هذا الصدد فإن الورقة سوف تحاول اعتماد المنهج التاريخي المقارن والقائم على دراسة القبلي/ البعدي في محاولة قياس درجة التفاوت والتباين في تطور حجم الظاهرة المشاركة الاقتصادية للمرأة في الفترة من بداية العام، وذلك في الفترة من 1990 وحتى عام 2010، ويأتي تحديد الإطار الزمني بهذه الفترة على أساس كونها شهدت العديد من التغييرات سواء التشريعية أو المؤسسية فيما يتعلق بعمل النساء العاملات في الزراعة، وقد توقفنا عند عام 2010.

وفي ضوء ما سبق فإن الورقة سوف تعتمد بالأساس على مصادر البيانات السنوية، وصولاً للتعرف على طبيعة الفرضية التي تقوم عليها الورقة في قياس العلاقة بين قوة العمل الفعلية للنساء ومشاركتها الاقتصادية.

وذلك من خلال عدد من المحاور، أولها ما يتعلق بتحديات المسألة الفلاحية في الريف المصرى باعتبارها عاملاً جوهريًا في تزايد أعداد النساء العاملات في الزراعة وتداعيات تلك المشكلة على تفاقم أبعاد هذه الظاهرة في المستقبل.

في حين يحاول المحور الثاني التعرف على حجم الظاهرة المتعلقة بعمل النساء في قطاع الزراعة.

بينما تحاول الورقة في محورها الثالث التعرف على المشكلات التي تعوق وصول النساء في الالتحاق بسوق العمل، وأشكال التمايز التي تواجهها المرأة في هذا السياق.

من ناحية أخرى يحاول المحور الرابع استشراف بعض الملامح المستقبلية للبحث في بدائل يمكن أن تساعد في التخفيف من حدة المشكلات التي تعانيها النساء العاملات في الزراعة.

 

سوف تتناول الورقة وضعية النساء العاملات في قطاع الزراعة على مستوى الجمهورية وليس على أساس قطاع جغرافي بعينه، وذلك بهدف تناول الظاهرة في إطارها العام وليس على أساس التباينات التي يمكن أن تتسم بها الظاهرة في محافظة دون أخرى، لذا فإن الورقة تتناول حجم الظاهرة في إطارها الكلي والعام.

  • العمالة الرسمية: ليس المقصود بالعمالة الرسمية ضمن نطاق تلك الدراسة العاملة في القطاع العام والحكومة أو القطاع الخاص، ولكن ما نقصده بتلك النوعية من العمالة هي التي تتصف بالاستقرار والانتظام في عملها من حيث شمولها بالتعاقدات القانونية ومن ثم شمولها بالمظلة التأمينية سواء الاجتماعية أو الصحية، ولا يشترط في تلك النوعية من العمالة ما إذا كانت عقودها محددة المدة أو مفتوحة المدة.

  • العمالة غير الرسمية: هي تلك النوعية من العمالة التي لا تتوافر لها الشروط القانونية في علاقتها بصاحب العمل من حيث انتفاء التعاقد القانوني، وعدم شمولها بالمظلة الاجتماعية أو التأمينية، سواء أكانت فترة عملها موسمية أو محددة المدة أو مفتوحة المدة.

  • العمالة الدائمة: هو الشخص الذي يتقاضى أجرًا شهريًا أو سنويًا سواء أكان نقديًا أو عينيًا في الأعمال المزرعية وقد يكون العامل الدائم من أفراد أسرة الحائز للأرض الزراعية أو لدى الغير.

  • العمالة المؤقتة: هو الشخص الذي يتقاضى أجراً يوميا عن عمله في الأعمال المزرعية سواء أكان نقديا أو عينيا في لمدة تقل عن ستة أشهر في العام، وقد يكون العامل المؤقت من أفراد أسرة الحائز بمن فيهم الحائز نفسه، وقد يكون العامل المؤقت من خارج أسرة الحائز ويتقاضي أجرًا عن عمله في الحيازة الزراعية.

  • الحائز: هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يستثمر الحيازة في الإنتاج الزراعي، وقد يكون الحائز مالكًا للأرض أو مستأجرًا لها، حيث إن الحيازة الزراعية قد تكون حيازة أرضية مملوكة أو مستأجرة، بحيث قد يكون هناك مالك لأرض زراعية ولكنه غير حائز لها لكونه قام بتأجيرها للغير، وقد يكون مالك الأرض هو نفسه الحائز لكونه يزرع الأرض بنفسه، في الوقت ذاته قد تكون الحيازة أرضية أو غير أرضية.

المحور الأول: تحديات المسألة الزراعية وأثرها على النساء العاملات في الزراعة

تعد المسألة الزراعية والفلاحية في الريف المصرى على درجة كبيرة من التعقيد وبخاصة في ضوء العديد من التغيرات التي لحقت بها والتي تلقى بظلالها على تطور ظاهرة النساء العاملات في الزراعة، وتتمثل طبيعة المسألة الزراعية والفلاحية في علاقتها بالأرض الزراعية، حيث تتقلص رقعة الأرض القابلة للزراعة في الوقت الذي تزداد فيه أعداد السكان في الريف المصرى والذين لا يجدون من فرص عمل سوى الزراعة وما يرتبط بها من أنشطة سواء في الإنتاج النباتي أو الحيواني…..إلخ.

وفي الوقت الذي تنعدم فيه الصناعات المرتبطة بالزراعة في الريف المصرى باستثناءات ضئيلة، وفى الوقت الذي تتضاءل فيه فرصة الوصول للأرض الزراعية في ضوء سياسات الـ Agri business التي تعتمد على استصلاح الأراضي وتأجيرها لشركات سواء عابرة للقوميات أو وكلاء محليين لشركات عابرة للقومية مثال شركة المملكة المتحدة التي تستحوذ على أرض مساحتها تزيد على 100 ألف فدان، وإنتاجها مخصص بالتحديد للخارج وأيضًا الشركة المصرية الكويتية التي كانت تستحوذ على 26 ألف فدان يسعر الفدان الواحد 200 جنيه لأغراض الزراعة ثم لجأت لتحويلها إلى البيزنس العقاري، أيضًا ما يتعلق باستحواذ شركات محلية أو أفراد على مساحات من الأراضي الزراعية بغرض الزراعة ثم لاحقا يتم تحويلها إلى استثمارات عقارية مثال مدينة السليمانية، المقامة على 13 مليون متر مربع(1)، الأمر الذي يقلص من فرص المزارعين من الوصول للأرض، وفي الوقت الذي تضيق فيه فرص العمل في قطاع الصناعة في الحضر من ثم لا يجد هؤلاء المزارعون أو الفلاحون سوى اللجوء لأعمال هامشية في قطاعات رثة على هوامش المدن، الأمر الذي يدفع بالمزيد إلى زيادة أعداد سكان العشوائيات والتي وصلت إلى 17 مليون نسمة(2)، والأمر قابل للازدياد، وذلك بسبب تفاقم المشكلة الزراعية والفلاحية بالريف المصرى، حيث يكفى أن نشير 1947 إلى أن سكان الحضر في تعداد 1947 كانت قد بلغت نسبتهم 33.5 % (3)، وفي تعداد 1960(4) واصلت هذه النسبة ارتفاعها، حيث بلغت 38.2% من جملة سكان مصر، ثم 43.8% في تعداد 1976، ولكنها عادوت للانخفاض في تعداد (5) 1996 إلى 43%، وفي المقابل اتجهت نسبة سكان الريف إلى جملة سكان مصر إلى التصاعد، حيث بلغت 66،5% في تعداد 1947 وإن كانت قد شهدت بعض الانخفاض في تعدادي 1960 و1976، وذلك بنسبة 61.8 % و56.2 % على الترتيب. إلا أنها عادت وواصلت الارتفاع بدءاً من تعداد 1996 وذلك بنسبة بلغت 57%، وفي تعداد 2006 ظلت نسبة سكان الريف على حالها بنسبة 57% مقارنة بعام 1996 منهم 49% من النساء(6)، وعلى المنوال نفسه كان عدد السكان في عام 2012 قد بلغ 81.396 مليون نسمة منهم 57% من سكان الريف ومنهم 39.742 من النساء وذلك بنسبة 49% ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 60%(7) في عام 2020، أي ما يصل إلى 57.6 مليون نسمة، وهو ما يمثل عبئا ثقيلا على الأرض الزراعية في الريف المصري.

في المقابل تتقلص المساحة القابلة للزراعة وبخاصة في الوادي والدلتا ويكفي أن نشير إلى أن مصر فقدت في 2.500.000 فدان الفترة من 1950 إلى عام 2000، من إجمالي 8 ملايين فدان في أراضي الوادي والدلتا (8)، الأمر الذي يعنى أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال إلى أنه في ظروف عشرة عقود على الأكثر سوف تفقد مصر كامل الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا وذلك بسبب ارتفاع وتيرة التعدى على الأرض الزراعية في ضوء صعوبة وصول سكان الريف إلى السكن الأمر الذي يدفعهم إلى البناء على الأرض الزراعية بالإضافة إلى وجود أسباب أخرى لفقدان الأرض الزراعية.

في ظل العديد من السياسات التي تدفع بطرد المزيد من الفلاحين والمزارعين من الأرض الزراعية وإتباع العديد من السياسات التي تقلص من مساهمة الأنشطة الزراعية في الناتج القومي فإن هناك العديد من الفلاحين الذين يغادرون النشاط الزراعي ولا يجدون فرص عمل في ظل تدنى معدلات نمو الصناعة إلى عمالة رثة وتزايد لأحزمة الفقر على هوامش الحضر أو المدن الرثة.

الأمر الذي يعني أنه بدون حل المسألة الزراعية والفلاحية في ريف مصر وكما في العديد من الأمثلة التي تبرز في العديد من البلدان الشبيهة بمصر هو بروز ما يسمى بأحزمة العشوائيات، ولا شك أن من أكثر الفئات عرضة لمزيد من الانسحاق في هذه الوضعية من النساء.

حيث تبرز في هذا الإطار العمالة غير المنظمة والتي باتت تشكل ما يقرب من الـ 60% سواء في مصر أو البلدان الشبيهة بها، والجانب الأكبر من هذه العمالة من النساء.

المحور الثاني: حجم الظاهرة للنساء العاملات في الزراعة

عندما نحاول أن تمعن النظر في نسبة الإناث بصفة عامة إلى إجمالي قوة العمل في مصر فسوف نجدها تبلغ 23% عام 2005 وظلت على حالها في عام 2010، وعلى الرغم من أن تلك النسبة هي الأعلى مقارنة بأعوام سابقة على عام 2005 لكن حالة الثبات تلك تشير إلى أن معدل النمو في النساء العاملات متدنٍ (راجع الجدول رقم 1).

وعلى الرغم من أن معدل الزيادة في قوة العمالة النسائية في العام 2010 لا تتجاوز الـ 1% مقارنة بالعام 2000 على سبيل المثال، وهي وبلا شك نسبة منخفضة بل ومتدنية.

في الوقت ذاته فإنه وعند النظر في متوسط معدل النمو السنوي في العام 2002 مقارنة بالعام 1990 نجده لا يتجاوز 0.82% (9)، بل انخفض إلى ما دون ذلك في عام 2010 حيث بلغ 0.74% مقارنة بعام 1993(10).

الجدول رقم (1) تطور عمالة النساء في مصر (15 – 64 سنة) خلال الفترة من 1984 – 2012

السنوات

نسبة قوة العمل من النساء إلى إجمالي قوة العمل %

1993

17

1995

22

1997

22

1998

21

1999

21

2000

22

2001

21

2002

22

2005

23

2010

23

المصدر: السنوات من 1993 وحتى 2002، بحث العمالة بالعينة، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عام 2005 بمعرفة الباحث من واقع بحث العمالة بالعينة في ذات العام، عام 2012 من واقع الكتاب السنوي الإحصائي 2011.

وإذا ما نظرنا إلى العمالة الزراعية للعمالة الزراعية سنجد تزايد الوزن النسبي لتلك النوعية من العمالة والتي كانت تقدر بـ 5.4 مليون عامل(11) وذلك في الإحصاء الوارد بالكتاب الإحصائي السنوى عام 2003 إلا أنه ووفقا لبحث العمالة بالعينة لعام 2005 فإنه يشير إلى أن جملة العاملين في قطاع الزراعة والصيد تبلغ 6 ملايين مشتغل(12).

بينما زادت تلك النوعية من العمالة عام 2010 إلى 6.7 ملايين عامل(13) بزيادة قدرها 9.2% مقارنة بعام 2004، ويشير الكتاب السنوى الإحصائي لعام 2011 إلى أن جملة العاملين في الزراعة من الإناث تزيد قليلاً على 2 مليون عاملة (2.002.600)(14).

ولكن وعلى الجانب الآخر عند النظر إلى العمالة الزراعية في الريف المصري في علاقتها بالحيازة الزراعية سوف نجد أنها تنقسم إلى عمالة بأجر نقدى ويندرج في إطارها العمالة الزراعية الدائمة والتي تتقاضي أجرًا وأخرى بدون أجر، وتشتمل هذه النوعية من العمالة على الأفراد العاملين في حيازات أسرهم سواء أكانت عمالة مؤقتة أم دائمة، ومنهم من يعملون بشكل دائم أو لبعض الوقت وإذا ما تناولنا هذه النوعية من العمالة التي بدون أجر في قطاع الزراعة فسوف نجد أن أعدادهم في عام 2000 قد بلغت ما يزيد على 12 مليون عامل زراعي بما في ذلك العمالة الدائمة والمؤقتة، وذلك بزيادة قدرها 39% عن العام 89/ 1990(15) بينما بلغت تلك العمالة ما يقرب من الـ 15 مليونًا عام 2009/ 2010(16) وذلك بزيادة قدرها 80% مقارنة بعام 1999/ 2000، ولاشك أن هذه الأرقام الخاصة بالعمالة الزراعية تشتمل على العمالة الدائمة والمؤقتة من أسرة الحائز، وأيضًا العمالة الدائمة بأجر، وأيضًا العمالة الدائمة بأجر بالحيازات الاعتبارية(17).

ولاشك أن هذه الفجوة في الأرقام الخاصة بحجم العمالة في قطاع الزراعة الواردة بالتعداد الزراعي لعام 2009/ 2010، عن الأرقام الواردة بالكتاب السنوى الإحصائي 2010، إنما تعود إلى إضافة.

من الأطفال إلى جملة العمالة الزراعية الواردة بالتعداد الزراعي، وأيضًا الإناث العاملات في حيازات أسرهم وبخاصة العمالة من النساء التي تعمل لبعض الوقت في حيازات أسرهم.

حيث نجد أن عمالة النساء (الدائمة والمؤقتة والأطفال من الإناث العاملات لدى أسرهن وأيضًا العمالة الدائمة بأجر لدى أسرهم، والعمالة الدائمة بأجر في الحيازات الاعتبارية) تزيد على خمسة ملايين عاملة (5,087,717)(18)، وذلك بزيادة تصل إلى 80% مقارنة بعام 1999/ 2000(19).

المحور الثالث: هشاشة أوضاع النساء العاملات في الزراعة

تعانى النساء العاملات في الزراعة من العديد من المشكلات التي تزيد من هشاشة أوضاعهن على المستويين الاقتصادي والاجتماعي من بينها:

3/1 غياب الحماية القانونية

عانت النساء العاملات في الزراعة منذ صدور قانون العمل المصري في نسخته الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي من استبعادهن من مظلته القانونية، واستمر الوضع على المنوال نفسه في قانون العمل الموحد 12 لسنة 2003، حيث قام بإقصاء النساء العاملات في الزراعة من تطبيقاته ومن ثم غياب حقهن في العلاقات التعاقدية القانونية بل وعدم الاعتراف بهن فيما يتعلق بجميع الحقوق التي يمكن أن ترد على حقوقهن العمالية ومن بينها الأجور، وأيضًا ما قد يتعرضن له من إصابات عمل….. إلخ.

وقد جاءت المادة “97” من هذا القانون للتأكيد على المعنى السابق ولتصل إلى أقصى درجات الإجحاف بحق المرأة العاملة ما يتجاوز جميع المعايير الدولية الواردة في هذا الشأن وهو النص الخاص باستثناء العاملات في الفلاحة البحتة من أحكام هذا القانون، وبمقتضى هذه المادة فقد تم حرمان النساء العاملات في الفلاحة البحتة من شمولهن بمظلة القانون، أو عدم مساواتها بمثيلتها في القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهو أمر يتنافى مع أبسط المبادئ القانونية المتعلقة بمناهضة التمييز ضد المرأة.

3/ 2 الحماية الاجتماعية والصحية

لاشك أن ضعف قدرة النساء في الوصول إلى التأمين الصحي تُزيد من درجة تعرضهن للصدمات والمشكلات الصحية، وهو ما قد يفسر لماذا لا تذهب الغالبية من السيدات إلى المستشفيات أو التردد على الأطباء عند التعرض للعديد من المشكلات الصحية التي تخرج عن سياق الرعاية الصحية الأولية.

فعلى الرغم من وجود الوحدات الصحية بجميع القرى والدور الذي يمكن أن تقوم به في مجال الرعاية الصحية الأولية، لكن ذلك لا يمنع من ضعف وتدني الحالة الصحية لغالبية النساء العاملات في الزراعة، وفي تصورنا أن هذا راجع في جزء كبير منه إلى عدم قدرتهن في الوصول إلى التأمين الصحي، حيث إن النساء العاملات في الزراعة غير مشمولات بمظلة التأمين الصحى وذلك بسبب غياب أي علاقات تعاقدية وحرمانهن من مظلة التأمين الاجتماعي.

حيث إن شرط التمتع بمظلة التأمين الصحى لابد أن يكون متبوعا بمظلة التأمين الاجتماعي، وللوصول إلى مظلة التأمين الاجتماعي لابد من الوصول إلى فرصة عمل رسمية(*) ولأن النساء العاملات في الزراعة لا يتمتعن بأي تغطية قانونية وليس لديهن أي فرص عمل تعاقدية فمن ثم محرومات من جميع أشكال الحماية الاجتماعية سواء التأمين الصحي أو الاجتماعي، ولا يتوقف غياب مظلة التأمين الاجتماعي عند حدود النساء العاملات في الزراعة بل قد يمتد إلى أزواجهن أيضًا، وبخاصة من كانت مهنته هي العمل في الزراعة أو كان فلاحًا، الأمر الذي يعني تشابه الظروف الخاصة بالأوضاع الصحية والاجتماعية للنساء والرجال، وذلك لتشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها معًا. ولا يستثنى من ذلك فيما يتعلق بالتأمين الصحى سوى الأطفال الملتحقين بالمدارس.

3/ 3 الحالة التعليمية للنساء العاملات في الزراعة

لا توجد إحصاءات رسمية يمكن أن تفيد في التعرف على الحالة التعليمية للنساء العاملات في الزراعة باستثناء بعض الدراسات الميدانية التي تشير إلى تزايد معدلات الأمية بين النساء العاملات في الزراعة والتي تصل في بعض القرى في صعيد مصر إلى ما يزيد على 75 %، الأمر الذي يفاقم من تدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء العاملات في الزراعة(20).

3/ 4 عدم القدرة على الوصول لمصادر الائتمان

لا شك أنه في ظل غياب الحماية القانونية للنساء العاملات في الزراعة تمتد صور الهشاشة إلى حرمانهن من أي مصادر ائتمان رسمية، أما بالنسبة لمصادر الائتمان الأخرى التي قد تتوافر في الأسواق النقدية فسوف نجد أن ضعف ما تحوذه النساء العاملات في الزراعة من أصول سواء أكانت ماشية أو غيرها يخلق صعوبة كبيرة في إمكانية الوصول لهذه النوعية من مصادر الائتمان.

3/ 4/ 1 أسباب ضعف مصادر الائتمان

تتعدد الأسباب التي تقف في وجه النساء في مصادر الحصول على الائتمان من بينها:.

  • هشاشة الحالة العملية للنساء العاملات في الزراعة

ما نقصده بتلك الهشاشة عدم تمتع النساء العاملات في الزراعة بأي درجة من الاستقرار أو الاستمرار في الأعمال التي يقمنَّ بها وذلك بالنسبة للسيدات اللاتي يعملنّ حيث لا يتمتعن بأية حقوق سواء عمالية أو تأمينيةَ.

  • عدم وجود أوراق أثبات شخصية بحوزة النساء.

هناك العديد من النساء العاملات في الزراعة لا يحملن أي أوراق ثبوتية مما يزيد من الفجوة المتعلقة بالهشاشة العملية للنساء من خلال إمكانية الوصول لمصادر ائتمان يمكن أن تقدمها بعض الجمعيات الأهلية في بعض الأماكن الريفية، حيث عادة ما تواجه تلك الجهود بالعديد من العقبات لعل من بينها هو غياب أية أوراق أثبات شخصية، بل يمتد الأمر إلى حد غياب أية أوراق تتعلق بتاريخ ومحل الميلاد (شهادة الميلاد).

وفي هذا الصدد فإنه توجد أعداد كبيرة من النساء العاملات في الزراعة يدخلن ضمن نطاق النساء ساقطات القيد.

3/ 5 عدم توافر أي أطر أو هياكل تنظيمية

على الرغم من صور الضعف السابق الإشارة إليها التي يتعرض لها الفلاحون والعمالة الزراعية فإنه تنعدم أي صور مؤسسية يمكن أن ينضووا في ظلها.

هذا في الوقت الذي يصعب فيه إنشاء أي نقابات مستقلة خاصة بهذه الفئة الاجتماعية في ظل الغياب شبه الكامل على مدار التاريخ الاجتماعي المصري من رفض الجهات الإدارية أي محاولات لتأسيس أي شكل نقابي سواء أكان يخص الفلاحين أو العمالة الزراعية.

هناك العديد من البدائل التي تقترحها الدراسة للخروج من براثن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها النساء العاملات في الزراعة من بينها:

4/ 1 – الاعتراف القانوني بالنساء العاملات في الزراعة.

ويتضمن هذا المبدأ ضرورة إدراج النساء العاملات في الزراعة تحت مظلة قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، والذي يجب تعديل البنود الخاصة باستثناء النساء العاملات في الزراعة البحتة من مظلة هذا القانون، حيث تمثل هذه المادة “57” نموذجًا صارخًا للتمييز ضد المرأة والذي يتنافى مع الدستور المصرى الذي جرى الاستفتاء عليه في 2014.

4/ 2 – شمول النساء العاملات في الزراعة بمظلة التأمين الصحى

فقد صدر في 2015 قرار بقانون بالتأمين الصحى على الفلاحين والعمالة الزراعية، وقامت وزارة الزراعة بتشكيل لجان لإدراج الفئات التي يجب أن تندرج تحت هذا القانون، ولكن للأسف تلك اللجان تقوم بحصر الفلاحين والفلاحات الذين يتقدمون بطلب شمولهم بهذا القانون وأن يكون من المدرجين لديها ضمن السجلات الزراعية بالجمعيات التعاونية الزراعية، وأن يكون بالبطاقة الشخصية مثبت مهنة عامل زراعي أو فلاح، ولأن النساء العاملات بالزراعة غير مدرج ببطاقتهن الشخصية إثبات صفة المهنة فإنه قد يتم استبعادهن من تطبيقات هذا القانون، ومن ثم فهناك ضرورة لتضمين النساء العاملات في الزراعة ضمن نطاق هذا القانون من خلال مخاطبة جميع الجهات الإدارية المعنية بهذا الأمر.

4/ 3 الحق في التنظيم

حق النساء العاملات في الزراعة في تأسيس تنظيماتهن المستقلة وبخاصة النقابات العمالية، والتعاونيات باعتبارهما مقدمة أساسية في الخروج من دائرة العمل غير المنظم، وقد أتاح الدستور المصرى في 2014 الحق في تأسيس النقابات العمالية والتعاونيات بموجب المادة 33 التي تحمي الملكية التعاونية، والمادة 37 التي تنص على الملكية التعاونية مصونة، وترعى الدولة التعاونيات، ويكفل القانون حمايتها، ودعمها، ويضمن استقلالها ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، أيضًا المادة 76 الخاصة بالحق في إنشاء النقابات، ولا يستثنى من ذلك النساء العاملات في الزراعة.

4/ 4 الانتصاف القانوني للنساء العاملات في الزراعة

وذلك من خلال القيام بحملات تعمل على تأكيد جملة الحقوق الواردة بالدستور من ناحية من خلال استخدام آليات الانتصاف القانوني باعتبارها مدخلاً مهمًا فيما يتعلق بالحقوق الخاصة بشمول المظلة القانونية والتأمينية والحقوق المتعلقة ببناء المؤسسات المدنية للنساء العاملات في الزراعة.

(1) https://www.solaimaneyah.de/index.php?anfang –

(2) تعداد السكان، الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء

(3) التعداد العام للسكان، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 1996.

(4) التعداد العام للسكان عن عام 1960، جهاز الإحصاء، القاهرة.

(5) تعداد السكان 1996، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة.

(6) تعداد السكان 1996 و 2006، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة.

(7) الكتاب السنوى الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2013.

(8) راجع التعداد الزراعي لعام 1950، والتعداد الزراعي 1999/ 2000، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي, القاهرة.

(9) راجع وضع الرجل والمرأة في مصر، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة 2004.

(10) راجع الكتاب السنوي الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2011.

(11) الكتاب السنوى الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2003.

(12) بحث العمالة بالعينة، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2005.

(13) الكتاب السنوى الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2011.

(14) الكتاب السنوى الإحصائي، 2011، المرجع السابق.

(15) التعداد الزراعي 1999/ 2000، وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي، القاهرة، 2000.

(16) التعداد الزراعي 2009/ 2010، وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي، القاهرة، 2010.

(17) التعداد الزراعي 2009/ 2010، مرجع سابق.

(18) التعداد الزراعي 2009/2010، مرجع سابق.

(*) فرصة العمل الرسمية لا تعنى كون العاملة أو العامل يعمل بالقطاع الخاص أو القطاع العام أو الحكومة بقدر ما تعنى تمتع العاملة أو العامل بعقد عمل وهذا العقد مسجل أيضًا في هيئة التأمينات والمعاشات أي أن العامل مؤمن عليه.

(19) دكتور محمد عاطف كشك، عبد المولى إسماعيل، أوضاع الفلاحين والعمالة الزراعية بمحافظة المنيا، مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة، 2010.

  • دكتور محمد عاطف كشك، عبد المولى إسماعيل، أوضاع الفلاحين والعمالة الزراعية بمحافظة المنيا، مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة، 2010.

  • التعداد العام للسكان عن عام 1960، جهاز الإحصاء، القاهرة.

  • تعداد السكان 1996، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة.

  • التعداد العام للسكان، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 1996.

  • الكتاب السنوى الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2003.

  • وضع الرجل والمرأة في مصر، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة 2004.

  • بحث العمالة بالعينة، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2005.

  • تعداد السكان 2006، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة.

  • الكتاب السنوي الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2011.

  • الكتاب السنوى الإحصائي، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، القاهرة، 2013.

  • التعداد الزراعي لعام 1950، وزارة الزراعة، القاهرة.

  • التعداد الزراعي 1999/ 2000، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، القاهرة.

  • التعداد الزراعي 1999/ 2000، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، القاهرة، 2000.

  • التعداد الزراعي 2009/ 2010، وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، القاهرة، 2010.

  • https://www.solaimaneyah.de/index.php?anfang

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات