النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية

تاريخ النشر:

2012

اعداد بواسطة:

النساء المسلمات وإسلام ما بعد الأبوية*

تراث الدين الإسلامي: المصادر والتفسير

أرى من الضروري، قبل الشروع في تناول إسلام ما بعد الأبوية ((post-patriarchal بأي شكل ذي معنى، أن أوضح ما أعنيه بتراث الدين الإسلامي، حيث يكتنف تلك العبارة الكثير من الالتباس. لا يتكون تراث الدين الإسلامي أو ينبع من مصدر واحد، شأنه في ذلك شأن غيره من تراثات الأديان الكبرى. ولو سُئل معظم المسلمين عن مصادر ذلك التراث لأشاروا في الغالب إلى أكثر من مصدر مثل: القرآن (الكتاب المنزل، الذي يؤم المسلمون بأنه كلام الله)، السنة (التراث العملي للنبي محمد)، الفقه أو المذاهب الفقهية، والشريعة (دستور الحياة الذي ينظم كل جوانب حياة المسلمين). وبينما شاركت كل هذه المصادرفي التشكيل المتراكم لما يشار إليه الآن بتراث الدين الإسلامي، يجدر بنا الأخذ في الحسبان أن تلك المصادر لا تشكل كتلة متماسكة من التعاليم أو الإرشادات يمكن أن تُستخلص منها منظومة شاملة ومتفق عليها للمعايير الإسلامية. ويمكن أن نورد العديد من الأمثلة على التناقض بين المصادر المتعددة لتراث الدين الإسلامي، وأيضًا على التناقض داخل بعض تلك المصادر كل على حدة، مثلما نجد في تراث الحديث على سبيل المثال. وبناًء على هذه الحقيقة يصبح من غير المقبول، على الأخص في بحث علمي، أن نتحدث عن تراث الدين الإسلامي على أنه تراث واحد وأوحد، إذ نحتاج إلى تعيين عناصره المتعددة والتدقيق في كل منها على حدة، قبل الشروع في إصدار أي شكل من أشكال التعميم حول ذلك التراث بشكل عام.

يُعَدُّ القرآن والحديث أهم مصدرين للتراث الديني الإسلامي، على الأقل من حيث فهم الإسلام نظريًا أو معياريًا، ويعد القرآن بلا شك أهم هذين الاثنين. فنجد على أرض الواقع أن كافة المسلمين يّعُدُّون القرآن المصدر الرئيس للإسلام، ويعترفون بسلطته المطلقة لأنهم يؤمنون بأنه رسالة الله الخالصة التي أنزلها عن طريق جبريل، رئيس الملائكة، إلى النبي محمد، الذي نقلها إلى الآخرين دون تحريف أو خطأ. ولكن، ومنذ أيام الإسلام الأولى، أصبح تراث الحديث هو العدسة التي تُرى وتُفسر من خلالها كلمات القرآن.

وقبل أن أذكر أهمية تراث الحديث في تراث الدين الإسلامي، تنبغي الإشارة إلى أن الإشكاليات تحيط بكل جانب من جوانب هذا التراث. فعلى وجه الخصوص، نجد أن مسألة صحة أحاديث بعينها، إلى جانب مسألة صحة تراث الحديث ككل، قد شغلت اهتمام العديد من الفقهاء في الإسلام منذ زمن الشافعي (الذي توفي عام 809). وكما يذكر فضل الرحمن (Fazlur Rahman) في كتابه بعنوان الإسلام (Islam):” لقد وُجد أن حصة كبيرة من الأحاديث زائفة وموضوعة عن طريق العلماء المسلمين القدامي أنفسهم” (فضل الرحمن، ٧٠)، وقد أدى ذلك إلى إثارة شكوك كثيرة حول تراث الحديث في أوساط المسلمين المعتدلين“. وبينما لا نجد بين هؤلاء إلا قليلاً ممن هم على استعداد لنبذ تراث الحديث فعليًا وبرمته، مثلما فعل غلام أحمد بارفيز (Ghulam Ahmad Parwez) قائد حركة طلوع الإسلام‘ في باكستان، نجد الكثيرين منهم يتفقون مع المقولة الآتية لمولفي شيراغ على (Moulvi Cheragh Ali)، الذي كتب في القرن التاسع عشر قائلاً:

سرعان ما شكل الطوفان المتسارع من الأحاديث بحرًا مضطرمًا. واختلط الصدق بالخطأ والحقيقة بالخرافة في التباس يصعب استجلاؤه. فقد أصبحت الأنساق الدينية والاجتماعية والسياسية يدافع عنها عند الحاجة بغرض إرضاء خليفة أو أمير ما وتحقيق أغراضهم، أو لمناصرة كافة أشكال الأكاذيب والسخافات، أو لإشباع شهوات الطغاة ونزواتهم وأهوائهم، دونما اعتبار لأهمية إرساء معايير للتدقيقوأجدنى نادرًا ما أرغب في أن أقتبس أنا من الأحاديث، إذ إن إيماني بصحتها يكاد يكون منعدمًا، فهي غالبًا غير صحيحة وغير مسندة وأحادية الراوي (وردت في جييوم (Guillaume),97).

وعلى الرغم من وجود أسس وجيهة تدعونا إلى أخذ تراث الحديث بحذر، إن لم يكن بتشكك، فإن فضل الرحمن محق في قوله بأننا لو نبذنا تراث الحديث برمته، لقضينا بحركة واحدة على أساس تاريخانية القرآن ((historicity (رحمن، 73). وعلاوة على ذلك، وكما يوضح ألفرد جييوم Alfred Guillaume)) في كتابه :(Traditions of Islam)

يقدم تراث الحديث الذي في حوزتنا الآن إرشادًا ومثالاً نبويًا يغطي كافة واجبات الإنسان: إنه أساس ذلك النسق المتطور للقانون وعلوم الدين والتقاليد التي هي الإسلام في مجملها (جييوم، 15).

وأيًا كان مقدار تشككنا في القيمة التاريخية المطلقة للأحاديث، فمن الصعب التقليل من أثرها العظيم في تشكيل حياة الشعوب الإسلامية على مر القرون. ولو لم يكن بوسعنا قبولها وفقًا لقيمتها الظاهرية، فهي لا تزال ذات قيمة عظيمة بوصفها مرآة تعكس لنا الأحداث التي سبقت وصول الإسلام إلى مرحلة النظام المتماسك (جييوم، ۱۲۱۳).

ليس لتراث الحديث صبغته المستقلة فيما يتعلق بالقانون أو حتى العقيدة فحسب (هودجسن (Hodgson)، ۲۳۲)، بل إن له جانبًا عاطفيًا مؤثرًا يصعب التقليل من أهميته لأنه – كما ذكر إيتش آى آر أن جيب في ملاحظة ذكيةمرتبط بأنماط التفكير والعاطفة اللاشعورية لدى المسلمين والمسلمات، سواء كانوا أفرادًا أم جماعات:

من الصعب التقيل من قوة مشاعر المسلمين وتأثرهم نحو محمد. فقد كان تبجيل النبي شعورًا طبيعيًا وحتميًا، سواء أبان حياته أو لاحقًا. ولكن الأمر يفوق مجرد التبجيل.

إن العلاقات الشخصية التي اتسمت بالإعجاب والحب التي أشاعها محمد في صحابته تردد صداها عبر القرون بفضل الوسائل التي طورتها الجماعة المسلمة والتي مكنتها من بثها من جديد في كل جيل. وقد كانت رواية الحديث أقدم تلك الوسائل. ولقد أدى التركيز على تناول الوظائف القانونية والدينية الحديث إلى تجاهل شبه تام لجوانبه الشخصية والدينية. ومن المؤكد ان الحاجة إلى العثور على مصدر حتی (authoritative ) يكون مكملاً لما جاء في القرآن من أسس قد قادت إلى البحث عن نماذج وضعها محمد في حياته اليومية وأفعاله. هنا، يصبح المرء على يقين أنه لو كان النبي قد قال هذا أو ذاك أو قد فعل هذا أو ذاك، أو قد أقر هذا السلوك أو ذاك، فإن لديه مرشدًا موثوقًا به تمامًا يدله على المسلك الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه في ظرف مماثل. وصحيح كذلك أن في ذلك البحث قد تجاوز حدود المصداقية أو مجرد سداد الرأى، وأنه قد جرت مع الوقت عقلنته فقهيًا ليصبح مبنيًا على عقيدة الوحي الضمنی (جوب،194).

 

بعد أن بينت أهمية القرآن والحديث بوصفهما مصدر لتراث الدين الإسلامي، يتعين الآن توضيح أن الذين قاموا بتفسير تلك المصادر على مدى التاريخ الإسلامي الممتد كانوا من الرجال، الذين انتحلوا لأنفسهم مهمة تحديد مكانة النساء المسلمات الأنطولوجية واللاهوتية والاجتماعية والإيمانية. وبينما يسعدنا أن نرى ما لنساء مثل خديجة وعائشة (زوجات النبي محمد) ورابعة العدوية (المرأة الصوفية المرموقة) من مكانة بارزة في عصور الإسلام الأولى، تبقى حقيقة أن تراث الدين الإسلامي قد كان ولا يزال تراثًا أبويًا (patriarchal) في المقام الأول، أعاق ازدهار العلم والبحث بين النساء وبخاصة في مجال الفكر الديني. وعليه، فلا عجب أن بقيت الغالبية العظمى من المسلمات حتى الآن غافلات تمامًا أو جزئيًا عن قدر الانتهاك الذي ألحقته مجتمعاتهن المتمركزة حول الرجال، والتي يسودها الرجال، بحقوقهن الإسلامية” (بمعناها المثالي)، تلك المجتمعات التي اعتادت على تأكيد سطحي دءوب على أن الإسلام قد منح النساء حقوقًا أكثر من التي منحتهن إياها الديانات الأخرى. وتجد المسلمات أنفسهن غير قادرات حتى على تحليل تجاربهن الحياتية الشخصية، نظرًا لوقوعهن قيد التقييد المادي والعقلي والعاطفي، وحرمانهن من فرصة تحقيق إمكاناتهن الإنسانية. وهنا، تجدر بنا الإشارة إلى أنه في الوقت الذي ترى فيه ارتفاع نسبة الأمية في كثير من الدول الإسلامية، نرى ارتفاع نسبة الأمية بين المسلمات وبخاصة في المناطق الريفية التي تكتظ بالسكان في بعض البلاد إلى أعلى معدلاتها في العالم أجمع.

أما في العصر الحالي، ونتيجة للضغوط التي نتجت عن سن قوانين مجحفة بحقوق المرأة في كثير من أنحاء العالم الإسلامي تحت ستار الأسلمة، فإننا نشهد ازدياد وعى المسلمات اللاتي يتمتعن بقدر من التعليم والإدراك بأن الدين يستخدم أداة للقهر لا وسيلة للتحرر. وحتى يمكننا فهم الدوافع القوية التي تؤدي إلى أسلمةالمجتمعات الإسلامية، وبخاصة فيما يتعلق بالأعراف والقيم المرتبطة بالنساء، علينا أن نعلم أن الحداثة قد تكون أعظم التحديات العديدة التي تواجه المجتمعات الإسلامية،.أن حماة التقليدية الإسلامية يعلمون أن القدرة على الحياة والتطور في العالم التقني الحديث تتطلب تبنى النظرة العلمية أو العقلانية، التي تستتبع بالضرورة تغيير أنماط التفكير والسلوك. وسوف نجد بالضرورة أن النساء اللاتي يشكلن جزءًا من القوة العاملة ويسهمن في تطور بلادهن، سواء كن متعلمات أو غير متعلمات، يفكرن ويتصرفن بطريقة تختلف عمن ليس لديهن الوعي بهوياتين الفردية وباستقلالهن بوصفهن ذواتًا فاعلة مؤثرة في عملية صنع التاريخ، واللاتي لا يرين في أنفسهن سوى أدوات يقصد بها خدمة وتعزيز النظام الأبوي الذي يعتقدن أنه أمر قد قضى به الله. وقد رأينا مؤخرًا أن النساء في باكستان قد أفقن من غفوتهن الدوجماطيقية بعد أن شهدن تطبيق بعض القوانين مثل تلك المتعلقة بشهادة النساء في واقعات اغتصابهن أو في الأمور المالية أو الأمور الأخرى، أو جرَّاء التهديدبمشاريع لتشريعات مثل تلك المتعلقة بما يسمى الديةفي قضايا قتل النساء التي تهدف بشكل منهجي وبصورة حسابية بحتة إلى تقليص قيمة النساء ومكانتهن بالمقارنة بقيمة الرجال ومكانتهم. وسرعان ما أدركت النساء أن القوى الدينية المحافظة ماضية في سبيلها نحو جعل المرأة نصف أو أقل من نصف الرجل، وأن مثل هذا الاتجاه ينبع من رغبة متأصلة في إبقاء النساء في أماكنهن، وهو ما يعني جعلهن تاليات وخاضعات وأقل شأنًا من الرجال.

وقد بذلت جماعات النساء في باكستان، في مواجهة الديكتاتوريات العسكرية والاستبداد الديني، جهودًا باسلة في الاحتجاج على إرساء القوانين المعادية للنساء، من أجل تسليط الأضواء على الوقائع المنطوية على غبن ووحشية فاضحين تجاه النساء. ولكن لا تستطيع الكثيرات حتى الآن، بما فيهن الناشطات في باكستان وفي دول إسلامية أخرى، أن يدركن إدراكًا واضحًا وتامًا حقيقة أن الأفكار والمواقف السلبية المتعلقة بالنساء التي تسود المجتمعات الإسلامية بصفة عامة لها جذور متأصلة في علوم الدين، وأن الوحشية والاضطهاد سوف يستمران تجاه النساء المسلمات بالرغم من تحسين الإحصاءات المتعلقة بتعليم النساء وعملهن وبحقوقهن الاجتماعية والسياسية وغيرها، ما لم (أو إلى أن) تُدحض الأسس الفقهية التي تُغذي النوازع المعادية للمرأة والمتمركزة حول الرجل في التراث الإسلامي. ولا يهم كم الحقوق الاجتماعية السياسية الممنوحة للنساء طالما استمر تشكيل هؤلاء النساء بحيث يصدقن الخرافات التي يستخدمها علماء الدين أو الزعماء الدينيون لتقييد أجسادهن وقلوبهن وعقولهن وأرواحين، ومن ثم لن يحقق تطورهن الكامل أو يصبحن كائنات إنسانية مكتملة، لا يحملن خوفًا أو إحساسًا بالذنب، أو يقفن على قدم المساواة مع الرجال أمام الله.

وفي رابي أن إنتاج ما يسميه الغرب ،الفقه النسوي، (feminist thology) داخل تراث الدين الإسلامي لهو اليوم أمر في غاية الأهمية يهدف إلى تحرير المسلمات بل والمسلمين من البنى والقوانين الظالمة التي تجعل من علاقة الندية بين الرجال والنساء ضربًا من المستحيل. ومن الجميل أن نعرف أنه قد ظهر اثنان من العلماء والناشطين خلال المائة عام الماضية وهما قاسم أمين في مصر وممتاز على (Mumtaz Ali) في الهند، كانا من المدافعين المخلصين عن حقوق النساء، مع أن ذلك لا يقلل من شعورنا بالأسى من أنه حتى في هذا العصر الموسوم بالمعرفة فإن عددًا محدودًا من المسلمات من اللاتي لديهن المعرفة بعلوم الدين الإسلامي. إنه لأمر جد محبط أن نرى اليوم عددًا قليلاً من المسلمات لديهن الأهلية، وإن كانت لا تنقصهن الشجاعة والالتزام، ليقدمن على دراسة بحثية في مصادر الإسلام الأولية، حتى تتسنى لهن المشاركة في النقاشات الفقهية الدائرة في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي فيما يتعلق بأمور تخص النساء. إن مثل تلك المشاركة تُعَدُّ أمرًا واجبًا لو كنا نرغب في ظهور منظور بَعدأبوى في المجتمعات والكيانات الإسلامية.

يؤمن المسلم العادي إيمانًا قويًا، مثله في ذلك مثل اليهودي أو المسيحي العادي، أن آدم قد كان أول خلق الله وأن حواء قد خلقت من ضلع آدم. وبينما نجد لتلك الأسطورة جذورًا واضحة في قصة الخلق اليهوية (Yahwist) في سفر التكوين ۲: ۱۸ ٢٤، لا نجد لها في القرآن أساسًا على الإطلاق، إذ يتحدث القرآن دائمًا بصورة مساواتية تامة عن خلق البشرية. ولا نجد في قرابة الثلاثين موضعًا التي تصف خلق البشرية (والتي يشار إليها بكلمات جامعة مثل الناس والإنسان والبشر) قولاً يمكن تفسيره على أنه تأكيد أو تلميح بأن الرجل قد خلق قبل المرأة أو بأن المرأة خلقت من الرجل. بل أنه يمكننا تفسير بعض المواضع،(2) من الوجهة اللغوية أو الصرفية الخالصة، على أن الخلق الأول (النفس الواحدة) كانت مؤنثة وليست مذكرة. (۳) ويعتقد المسلمون، مغفلين ما ورد في القرآن، بأن حواء (وهي المقابل العبرى/ العربي لاسم (Eve)، التي يجدر الإشارة هنا إلى أن اسمها لا يرد في القرآن البتة، قد خلقت من ضلع ألم المعقوف، حيث يُعتقد أيضًا بأن آدم هو أول الكائنات التي خلقها الله. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن كلمة آدمكلمة عبرية وليست عربية، وتعنى من الأرض” (from adamah, “the soil”) ، وتستخدم الكلمة العبرية آدم، بشكل عام اسمًا جمعًا ((collective noun للإشارة إلى (النوع) الإنساني لا إلى بشر مذكر.(4) وكذلك نجد أن كلمة آدم في القرآن تشير في واحد وعشرين من بين خمسة وعشرين موضعًا(5) إلى البشر عامة. وتجدر الإشارة إلى أن كلمة آدم تشير هنا بصورة ما إلى البشر، مع أنها لا تشير إلى بشر بعينه، وكما أوضح محمد إقبال (Muhammad Iqbal):

نجد القرآن يستخدم كلمتي ’بشر‘ و ’إنسان‘ في الآيات التي تتناول أصل الإنسان بوصفه كائنًا حيًا، وليس كلمة آدم التي تشير إلى الإنسان بصفته خليفة الله في الأرض. ويوضح القرآن مقصده أكثر بإغفال أسمى العلم – أدم وحواء – الذين نجدهما في روايات الكتاب المقدس. ويحتفظ القرآن بكلمة آدم ويستخدمها بشكل أكبر بوصفها مفهومًا وليست اسمًا محددًا لبشر ما، وتنطوى الكلمة على الكثير من السلطة في القرآن ذاته. (إقبال، ۸۳)

ولو أننا قمنا بتحليل وصف خلق الإنسان كما يرد في القرآن فسنري الله يستخدم كلمات وصورًا مذكرة ومؤنثة بشكل متساوٍ في وصف خلق البشر من مصدر واحد. وتشير كثير من آيات القرآن ضمنيًا إلى أن خلق الله الأول كان خلقًا لبشر لا متمايزين (undifferentiated) وليس خلقًا لرجل أو امرأة. (6) ولو كان القرآن لا يميز بين خلق الرجل وخلق المرأة – وذلك واضح بجلاء – فلماذا إذن يعتقد المسلمون أن حواء قد خلقت من ضلع آدم؟ وبالرغم من أن كل المسلمين تقريبًا يقبلون قصة خلق المرأة التي ترد في سفر التكوين ٢، فمن الصعب أن نقول بأن تلك القصة قد دخلت تراث الدين الإسلامي مباشرة، إذ إن عددًا قليلاً من المسلمين يقرؤون الكتاب المقدس. والاحتمال الأقرب أن ذلك الاعتقاد قد أصبح جزءًا من تراث الدين الإسلامي عن طريق استيعابه في تراث الحديث. وتقدم لنا عدة أحاديث أدلة واضحة على تضمين فكرة خلق المرأة من ضلع آدم التي ترد في سفر التكوين ۲ داخل تراث الحديث. تحمل ستة من بين تلك الأحاديث أهمية خاصة حين نری ما كان لها من تأثير فعال في تشكيل نظرة المسلمين لوجود المرأة وجنسانيتها (sexuality) (في طبيعتها المتمايزة عن وجود الرجل وجنسانيته). ويأتي متن(7) هذه الأحاديث الستة، التي يرد ثلاثة منها في صحيح البخاري وثلاثة في صحيح مسلم وجميعهم عن الصحابي أبي هريرة،(۸) على الآتي:

1- استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء.” (م، م، خان، ٣٤٦)

٢ – المرأة كالضلع، أن أقمتها كسرتها، وان استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج” (م، م، خان، ۸۰)

۳من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شي في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوجًا فاستوصوا بالنساء خيرًا.” (م. م. خان، ۸۱)

4- “إن المرأة كالضلع إذا ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج، (صدِّیقی، ٧٥٢)

5- ” إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتَعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها” (صدِّیقی، ٧٥٢)

6- ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير او ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلام، إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ، استوصوا بالنساء خيرًا.” (صدِّيقي، ٧٥٢٣)

ولقد قمت في مواضيع أخرى بتحليل هذه الأحاديث، وبينت أنها أحاديث ضعيفة، سواء من حيث الإسناد أو من حيث المتن أو المحتوى. ويتأسس فقه النساء المتضمن في هذه الأحاديث على تعميمات حول طبيعة النساء الأنطولوجية والحيوية والنفسية تتناقض مع نص القرآن وروحه. وإذا كان هناك إجماع بين الفقهاء المسلمين على مبدأ رفض أي حديث لا يتسق مع القرآن، فقد كان من الأحرى أن تُرفض هذه الأحاديث. ولكن، وعلى الرغم من أن الأحاديث المذكورة تتعارض مع تعاليم القرآن، فقد ظلت جزءًا مهمًا من تراث الدين الإسلامي المتراكم. ومما لا شك فيه أن أحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك هو أن تلك الأحاديث ترد في اثنين من أكثر الكتب الجامعة للأحاديث مكانة، وهما كتانا محمد بن إسماعيل البخاري (۸۱۰ ۷۰) ومسلم ابن الحلاج (۸۱۷75). ويعرف هذين الكتابين الجامعين بالصحيحين، ويأتيان من مرجعية قد لا يجرؤ أحد على الهجوم عليها. وبينما يمكننا إخضاع هذين الكتابين للنقد من حيث التفاصيل، فإنها يستمدان نفوذهما الصلد من إجماع المجتمع الإسلامي على العادات والمعتقدات التي يهدف الكتابان إلى توثيقها (ألفرد جييوم (Alfred Guillaume)، ۳۲). وتكتسب الأحاديث المذكورة ثقلاً كبيرًا بين المسلمين العارفين بعلم الحديث بسب تضمينها في الصحيحين، بينما يدل انتشارها المتنامي بين المسلمين بصفة عامة على أنها تنطق بما هو عميق الجدور في الثقافة الإسلامية، ألا وهو أن النساء كائنات مشتقة، (9) يستحيل اعتبارهن مساويات للرجال.

أما من الناحية الفقهية، فقد بدأت قضية إخضاع النساء في تراث الدين الإسلامي (كما في التراثين اليهودي والمسيحي) بقصة خلق حواء. وفي رأيي أن المجتمعات الإسلامية المتمركزة حول الرجال – والتي يتحكم فيها الرجال – لن تقر بالمساواة الواضحة التي تظهر في مقولات القرآن عن خلق البشر ما لم ترجع المسلمات إلى تلك النقطة الأصلية وتثرن الجدل حول صحة الأحاديث التي تجعل كل بنات جنسهن أدنى شأنًا من الناحية الأنطولوجية، كما تجعلهن معيبات دون أدنى أمل في الإصلاح.

سوف يجيب الكثير من المسلمين، مثلهم مثل الكثير من اليهود والمسيحيين، عن هذا السؤال بالإيجاب، بالرغم من أنه لا يوجد في الوصف الوارد في القرآن ما يسوغ مثل تلك الإجابة. وهنا، يمكن الإشارة إلى أن الحوار الوارد في سفر التكوين 3: 6، الذي يدور في جنة عدن قبيل أكل الزوجين البشرين من الشجرة المحرمة، يدور بين الحية وحواء (ولكنه يشير كما تطرح اللاهوتيات النسويات كذلك إلى وجود آدم)، مما قد شكل أساسًا لتصور شائع عن أن حواء هي من تقوم بدور اغراء آدم وخداعه وغوايته. ولكننا نجد في القرآن أن الشيطان لا يقيم حوارًا حصريًا مع زوجآدم، ويرد في اثنين من المواضع الثلاثة التي تورد تلك الواقعة، وهما الآيات 35 -39 من سورة البقرة والآيات ١٩ -25 من سورة الأعراف، أن الشيطان قد أضل كلاً من أدم وزوجه، في حين لا يرد حوار فعلى في الآية 36 من سورة البقرة. أما في الموضع الثالث وهو الآيات 115- ١٢٤ من سورة طه فنجد أن آدم هو الذي يتهم بنسيان عهده مع الله (الآية 115)، وهو من يغويه الشيطان (الآية ١٢٠)، ومن يعص الله ويسمح لنفسه أن ينقاد في الغواية (الآية ١٢١). ولكننا لو نظرنا إلى المواضع الثلاثة وإلى استخدامات كلمة آدمبصفة عامة في القرآن فسوف يتضح لنا أن القرآن يرى فعل المعصية من جانب الزوجين في الجنة فعلاً جمعيًا لا فرديًا، لا يضع المسئولية الحصرية أو حتى الأساسية على الرجل أو على المرأة. بل إننا نجد في الموضع الأخيرالذي ترى فيه آدم مسئولاً عن نسيان عهده مع الله وتمكين الشيطان من غوايتهأن من يرتكب فعل المعصية، أي الأكل من الشجرة المحرمة، هما آدم وزوجهمعًا وليس آدم وحده أو آدم في المقام الأول.

وبعد أن أوضحنا ذلك، يجدر بنا تأكيد أن القرآن لا يقدم لنا ما يؤكد أو يفترض أو يلمّح إلى أن حواء قد أغوت آدم وخدعته وتسببت في طرده من الجنة بعد أن أعغاها الشيطان وخدعها. وبالرغم من وضوح هذه الحقيقة فإن كثيرًا من المفسرين المسلمين، كما توضح لنا الفقرة الآتية قد حملوا المرأة المسئولية الرئيسة عن الخروج من الجنة:

نجد في كتاب تاريخ الطبري (1: ١٠٨) أن الكلمات التي يستخدمها الشيطان في غواية حواء هي الكلمات نفسها التي تستخدمها حواء في غواية آدم: “أنظر إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها“. وتختم الفقرة باتهام وأضح من الله لحواء بخداع آدم. ويورد الطبري لاحقًا في السرد (۱: ۱۱۱۱۱۲) قصة يوردها كذلك مفسرون آخرون، مفادها أن آدم لم يأكل من الشجرة وهو في كامل قواه العقلية، ولكنه استسلم للغواية فقط بعدما قدمت له حواء خمرًا ليشريه. يشدد الثعلبي في سياق ذكره لتلك القصة على فقدان آدم القدرة على التفكير العقلاني جراء تجرع الخمر، في حين يقول الرازي (في التفسير 3: ۱۳) أن تلك القصة، التي قد وجدها في تفاسيركثيرة، ليست مستبعدة. وينطوي ذلك الفعل بطبيعة الحال على إلقاء اللوم على حواء والقول بعقلانية آدم الطبيعية في آن واحد. ويؤكد ابن كثير، حتى يتأكد الجميع أن حواء متورطة في غواية آدم بقصدها وليس دون قصدها، على أن الله بالطبع عالم فوق الجميع، ولكن حواء هي التي أكلت من الشجرة قبل آدم ودعته إلى أن يأكل. ثم يورد الرازي قولاً منسوبًا إلى النبي لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثي زوجها الدهر.” (البداية 1: ٨٤) (جين آی سمیت و ايفون واي حداد (Jane I. Smith and Yvonne Y. Haddad)، ۱۳۹).

وما من شك في أن النساء المسلمات قد وقعن ضحايا التفسير العام لقصة الخروج من الجنة المتضمنة في التراثات اليهودية والمسيحية والإسلامية. ولكن يجب توضيح أن القصة في القرآن تختلف اختلافًا واضحًا عنها في الكتاب المقدس، وأن الخروج من الجنة في التراث الإسلامي لا يحمل المعنى ذاته الذي يحمله في التراث اليهودي ولا في التراث المسيحي بصفة خاصة. كبداية، بينما لا يقدم سفر التكوين 3 أي تفسير لغواية الحية لحواء فقط أو لحواء وآدم معًا، نجد أن القرآن يورد بوضوح في عدة مواقع السبب الذي دفع الشيطان (أو إبليس) ليضل الزوجين البشريين في الجنة (أنظري سورة الحجر، الآيات ٢٦٤٣، وسورة بني إسرائيل[ وردت هكذا في أصل المقالة المنشورة، واسم السورة الصحيح: سورة الإسراء. (المترجمة)]. الآيات 61-64، و سورة الكهف، الآية 50، وسورة ص، الآيات 71-85). وينبع رفض الشيطان الامتثال لأمر الله والسجود لآدم من اعتقاده بأنه، عنصريًا، أرفع مكانة من آدم، بوصفه مخلوقَا من نار بينما خُلق آدم من الطين. وعندما لعنه الله جراء استكباره وأمره أن يخرج خروجًا مهينًا، أطلق الشيطان تحديًا لله العلى العظيم: لسوف يثبت لله أن آدم وذريته ليسوا أهلاً للتكريم والمكانة التي منحها الله إياهم، ذلك أنهم بصفة عامة – أناس جاحدون، ضعاف، وتسهل غوايتهم عن الصراط المستقيم بالمغريات الدنيوية. ولم يحاول الشيطان إخفاء نواياه في الانقضاض على البشر من كل ناحية، فنجده يسأل ويُمنح – مهلة إلى يوم الوقت المعلوم“. لم يُمنح الشيطان المهلة فحسب، بل إن الله يأمره بأن يستخدم كل حيله وأسلحته في الهجوم على البشر ليرى ما إذا كانوا سيتبعونه. وهنا، تبدأ دراما كونية، قوامها النزاع بين مبادئ الحق والباطل أو الخير والشر، وتتصاعد أحداثها التي يمارس فيها البشر إرادتهم الأخلاقية المستقلة في الاختيار بين الطريق القويمو الطريق المعوج“.

وبحسب القصة الواردة في القرآن، فإن ما حدث للزوجين البشريين في الجنة هو تتمة لما حدث بين الله والشيطان. فما حدث في ذلك الجزء هو أن الله قد أمر آدم وزوجهألا يقربا الشجرة حتى لا يكونا ظالمين“. ولكن الشيطان أغواهما فعصيا الله. ولكننا نجدهما في سورة الأعراف، الآية ٢٣ يقران أمام الله أنهما ظلماأنفسهما ويخلصان في طلب عفو الله ورحمته.

وهنا يأمرهما الله أن يخرجاأو يهبطامن الجنة. ولكننا نجد القرآن يستخدم صيغة المثنى مرة واحدة في الحديث الموجه إليهما (في إشارة حصرية لآدم وزوجه“) (سورة طه، الآية ١٢٣). أما في بقية المواضع فيستخدم القرآن صيغة الجمع التي تشير بالضرورة إلى أكثر من اثنين، والتي يفهم منها بصفة عامة الإشارة إلى البشرية جمعاء.

ولو نظرنا إلى الأمر بالخروج من الجنة الذي يؤمر به آدم أو ذرية آدم في سياق فقه القرآن فلن يمكننا اعتباره عقابًا، إذ أن القصد من خلق آدم كان منذ البداية أن يكون خليفة الله في الأرض، كما يرد بوضوح في سورة البقرة الآية 30. أن الأرض ليست مكانًا للعقاب ولكنها، كما يعلن القرآن، مكان لعيش البشر وانتفاعهم (إقبال، 84).

وهكذا، فلو أنعمنا النظر لن نجد في القرآن سقوطًا (Fall) إذ تؤكد القصة في القرآن الاختيار الأخلاقي المطلوب من البشر عندما يواجهون بالبدائل التي يضعها أمامهم الله وتلك التي يضعها الشيطان. ويتضح ذلك لو أننا دققنا نص الآية 35 من سورة البقرة والآية 19 من سورة الأعراف، حيث يرد الآتي: “ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. بمعنى آخر ، يخبر الله الزوجين البشريين بأنهما لو اقتربا من الشجرة، فسوف يعدان ضمن من يرتكبون الإثم. ويرد في تعليق توشيهيكو ايزوتسو ((Toshihiko Izutsu على المصدر الثلاثي ظ ل مأن:

المعنى الرئيس المصدر الثلاثي ’ظ ل م‘ ، بحسب آراء العديد من واضعي المعاجم الثقات، هو وضع شي في غير موضعه“. أما في السياق الأخلاقي، فيبدو أنه يعنى سلوك مسلك يؤدى إلى انتهاك الحدود اللائقة والتعدي على حقوق شخص آخر“.وباختصار وبشكل عام، فهو يعنى اقتراف الظلم، بمعنى أن يتجاوز الانسان حدوده ويفعل ما ليس من حقه أن يفعله (ایزوتسو، ۱5۲-5۳)

إن انتهاك الزوجين البشريين الحدود التي وضعها الله قد جعلهما مذنبين بذنب الظلم تجاه نفسيهما. ويأتي هذا الظلم نتيجة تحملهما مسئولية الاختيار بين الخير والشر. وهنا تجدر ملاحظة أنه

لا ترتبط رواية القرآن عن الخروج من الجنة أدنى ارتباط بظهور الإنسان على هذا الكوكب. وإنما الغرض منها هو إبراز تسامي الإنسان عن حالة بدائية تحكمه فيها الشهية الغرائزية، ووصوله إلى مرحلة الامتلاك الواعي لذات حرة قادرة على الشك والمعصية. ولا ينم الخروج من الجنة عن أية نقيصة أخلاقية، وإنما هو انتقال الإنسان من الوعي المحض إلى أول ومضة من الوعي بالذات. إنه نوع من أنواع اليقظة من الحلم بالطبيعة بفعل نبضة من السببية الذاتية داخل الذات. ولا يرى القرآن الأرض ساحة للتعذيب تسجن فيها البشرية الشريرة بطبيعتها جرَّاء فعل الخطيئة الأولى. لقد كان أول فعل المعصية يصدر من الإنسان هو كذلك أول فعل لحرية الاختيار. ولهذا، وبحسب رواية القرآن، فقد غفر الله أول معصبة لآدمإن الكائن الذي تتحدد تحركاته تحديدًا تامًا مثله مثل الآلة، لا يمكن أن ينتج الخير. وعليه، فان الخير متوقف على الحرية. ولكن السماح بظهور الأنا المتناهية (finite ego) التي تملك القدرة على الاختيار بعد أن تمعن في قيمة الاختيارات المتعددة المتاحة أمامها لهو أمر يعني الإقدام على مخاطرة عظيمة. فالحرية في اختيار الخير تنطوى كذلك

على الحرية في اختيار نقيض الخير. ويدل اتخاذ الله لتلك المخاطرة على ثقته العظيمة بالإنسان. يبقى الآن على الإنسان أن يثبت أنه أهل لتلك الثقة (إقبال،85).

ليس في القرآن سقوط، وعليه فليس في القرآن خطيئة أولى. لا يولد البشر ويأتون إلى هذا العالم خاطئين، ولهذا فهم ليسوا في حاجة إلى العتق أو الخلاص. ذلك أمر مقبول بصفة عامة في الإسلام، ولكن الربط بين السقوط والجنسانية، الذي كان له دور كبير في إنتاج أسطورة الشر الأنثوي في المسيحية، موجود كذلك في عقول الكثير من المسلمين، ويتسبب في أضرار فادحة للنساء المسلمات.

ومن اللافت للأنظار أنه ما من إشارة في سفر التكوين 3 أو في القرآن إلى أي نشاط جنسي من جانب الرجل أو المرأة حتى وهما عاريان أو شبه عاريين بعد السقوط. ومع ذلك، فقد أسرع الكثير من المسلمين والفقهاء إلى الخلوص إلى أن ظهور سوءاتهما أو أعضائهما المخزية” (الأجزاء الخارجية لأعضاء التكاثر عند الرجل والمرأة بالإضافة إلى الشرج بحسب إي دابليو لين E. W. Lane)، (1458) قد دفعت بالضرورة الزوجين البشريين إلى النشاط الجنسي المنعوت بالمخزى، ليس فقط جرَّاء ارتباطه بالأعضاء المخزية، ولكن لأنه فعل قد حرض عليه الشيطان ويمثل التفسير الآتي الذي قدمه أحد أقوى العلماء المسلمين المعاصرين تأثيرًا وهو أبو الأعلى المودودي ما يذهب إليه الكثيرون من المسلمين، إن لم يكن غالبيتهم، في ذلك الأمر:

إن الغريزة الجنسية لهي أعظم نقاط الضعف لدى الجنس البشري. ولذلك انتقى الشيطان نقطة الضعف تلك لكي يشن هجومه على خصمه وابتدع خطة لضرب احتشامه. ولذلك فقد كانت أولى الخطوات التي اتخذها في ذلك الاتجاه في فضح عريهما لأعينهما لكي يفتح الباب أمامهما لعدم الاحتشام ويضلهما بالزلل في الجنسانية. وحتى يومنا هذا، لا يفتأ الشيطان وأتباعه يعتمدون الخطة ذاتها، إذ يحرمون المرأة من الإحساس بالاحتشام والحياء، ولا يستطيعون التفكير في أي خطة تقدميةدون أن تتضمن فضح وعرض المرأة أمام الجميع (المودودي ١٩٧٦، ١٦،و هامش رقم ۱۳).

ولا تدع الجملة الأولى مجالاً للشك إزاء نظرة المودودي السلبية للغريزة الجنسية، التي يصفها بأنها أعظم نقاط الضعف لدى الجنس البشري.” وبربطه بين الجنسانية والهجوم على الخصميفترض المودودي أنه عندما اكتشف الزوجين البشريين أنهما في حالة الفضح الجسدي فقد لجأ دون أدنى مقاومة إلى فعل يتصف بعدم الاحتشام، ألا وهو الجماع. ولكننا نجد في الحقيقة، وبحسب النص، أن أول فعل أتي به الزوجان البشريان حال اكتشافهما حالة العري جاء متسمًا بالاحتشام، ألا وهو تغطية جسديهما بأوراق الجنة.

ويتضح لنا أن المودودي، مثله في ذلك مثل الكثير من المسلمين واليهود والمسيحيين، يرى النساء الذوات الفاعلة الرئيسة في الجنسانية، التي تُعَدُّ الأداة الأولى التي يستخدمها الشيطان لتقويض ما أعده الله للبشر، وذلك عندما نجده يصب اهتمامه في الفقرة السابقة على المرأة وليس على الزوجين البشريين. بعد المودودي هنا تمثيلاً نموذجيًا للثقافة الإسلامية بتحويله النظرة عن ’عري‘ أبناء آدم تجاه “’عرى‘ بنات حواء.

وبالرغم من أن رواية القرآن لقصة الخروج من الجنة لا تسعى إلى وصم النساء وجعلهن المدخل إلى الشيطان” (10)- مثلما أوضح العرض السابق – فقد استخدم المسلمون القصة للتنفيث عن مشاعرهم المعادية للنساء، وهم في ذلك ليسوا أقل من اليهود والمسيحيين. ويتضح ذلك من الرواج المستمر لأحاديث مثل التي نوردها فيما يلى:

قال النبي: “ما تركت بعدي فئة أضر على الرجال من النساء.” (خان، ۲۲)

روی ابن عباس أن رسول الله (ص) قال: “اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء.”

روی ابن سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال: “إن الدنيا حتلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.” (صدِّیقی، ١٤٣١)

إن قصة الخلق أو الخروج من الجنة في القرآن لا تحمل تمييزًا ضد المرأة، كما لا يدعم القرآن الموقف الذي يتبناه الكثير من المسلمين والمسيحيين واليهود والذي يقول بأن المرأة لم تخلق من الرجل فحسب، بل إنها خلقت من أجله. إن أحد الموضوعات الرئيسة في القرآن هي أن الله قد خلق الخلق بالحق” (سورة الحجر، الآية 85) ولم يخلقه لعبًا (سورة الأنبياء، الآية 16). لقد خُلق البشر في أحسن تقويم” (سورة التين، الآية 4) وبغرض عبادة الله (سورة الذاريات، الآية 56). وبحسب تعاليم القرآن، لا تنفصل عبادة الله عن خدمة البشرية، أو بمعنى إسلامي، إن على المؤمنين بالله أن يحفظوا حقوق الله وحقوق العباد، ويمثل أداء واجبات المرء تجاه الله والبشرية جوهر البر والصلاح(11). وينص القرآن بجلاء في مواقع كثيرة على أن الله يدعو الرجال والنساء على قدم المساواة إلى البر والصلاح وأنهم سوف يثابون على ذلك:

فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض.” (سورة آل عمران، الآية 195)

ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرًا” (سورة النساء، الآية ١٢٤)

والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم. وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم.” (سورة التوبة، الآيات ۷۱۷۲)

من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. ” (سورة النحل، الآية 97)

إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا.” (سورة الأحزاب، الآية 35)

لا ينص القرآن على المساواة التامة بين الرجال والنساء أمام الله فحسب، بل على أنهم أولياءبعضهم من بعض. ويقول آخر، لا يخلق القرآن تسلسلاً تراتبيًا (hierarchy) يجعل فيه الرجال في مكانة أعلى من النساء (كما يفعل كثير من واضعى أسس الدين المسيحي). كما أن القرآن لا يضع الرجال في موضع التناحر مع النساء كما لو أنهم في علاقة عداء. لقد خلقهم معًا إله واسع عادل ورحيم بوصفهم مخلوقات متساوية، إله يغبطه أن يعيشوا سويًا في وئام وصلاح.

وعلى الرغم من تأكيد القرآن المساواة بين الرجال والنساء، نجد أن المجتمعات الإسلامية بصفة عامة لم ترَّ الرجال والنساء متساوين، وبخاصة في سياق الزواج. وتنطبق ملاحظات فاطمة المرنيسي عن علاقة المرأة المسلمة بعائلتها في المغرب في العصر الحديث على الثقافة الإسلامية بصفة عامة:

إن أحد السمات المميزة للجنسانية في الإسلام هي فكرة الحيز المكاني (territoriality ) التي تعكس تقسيمًا معينًا للعمل ومفهومًا معينًا للمجتمع والسلطة. وتضع مرتبة الجنسانية في الإسلام أسس المراتب والمهام وأنساق السلطة. ولأن المرأة كانت مقصورة في مكان محدد فقد كان على الرجل الذي يمتلكها أن يتكفل برعايتها ماديًا، وذلك مقابل الطاعة الكاملة وتقديمها الخدمات الجنسية والإنجابية. وقد كان المجتمع مبنيًا بطريقة تجعل الأمةالمسلمة مجتمعًا للمواطنين من الذكور الذين يمتلكون فيما يمتلكونه نصف المجتمع من النساء. … وقد كان للرجال المسلمين دومًا حقوقًا وامتيارات أكثر من التي للنساء المسلمات، بما فيها الحق حتى في قتل نسائهم. … وقد فرض الرجل على المرأة وجودًا ضيقًا مصطنعًا، سواء من الناحية المادية أو من الناحية الروحية. (المرنيسي، ۱۰۳)

ويقبع خلف رفض فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية ذلك الإيمان الراسخ بأن النساء وهن الأدنى في الخلق (إذ أتَين من ضلع أعوج) وفي الاستقامة (إذ أعنَّ الشيطان على تقويض ما أعده الله لأدم) – قد خلقن أساسًا لفائدة الرجال الذين هم أرفع منهم مكانة.

وتستمد تلك الفكرة حول المكانة الأرفع المزعومة للرجال فوق النساء التي تسود التراث الإسلامي (كما تسود التراثيت اليهودية والمسيحية) جذورها من تراث الحديث وكذلك من التفاسير الرائجة لبعض الآيات القرانية. ويشيع الاستشهاد بفقرتين من القرآن بصفة خاصة لتدعيم الادعاء بأن للرجال درجة من الامتيازعلى النساء، وهما الآيتان 34 من سورة النساء، و ۲۸۸ من سورة البقرة [ وردت هكذا في أصل المقالة المنشورة، والصحيح أنها الآية رقم ۲۲۸. (المترجمة)] تقول الآية الأولى:

الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن من فإن إطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا

وتأتي ترجمة المودودي للآية على النحو الآتي:

Men are the managers of the affairs of women because Allah has made the one superior to the other and because men spend of their wealth on women. Virtuous women are, therefore, obedient; they guard their rights carefully in their absence under the care and watch of Allah. As for those women whose defiance you have cause to fear, admonish them and keep them apart from your beds and beat them. Then if they submit to you, do not look for excuses to punish them: note it well that there is Allah above you, who is Supreme and Great (Maududi 1971, 321)

ومن الصعب إنكار تبعات فهم المسلمين العام للآية رقم 34 من سورة النساء التي تجسدها ترجمة المودودي. فحالما يثير بعض الليبراليين قضية المساواة بين الرجل والمرأة نجد التقليديين يردون على الفور: “ولكن ألا تعلمون أن الله يقول في القرآن أن الرجال ’قوامون‘ على النساء وأن لهم الحق في السيادة عليهن وحتى في ضربهن؟في الواقع، إن مجرد جملة الرجال قوامون على النساء” (التي ترد في ترجمة المودودي بصورة مديرين لشئونهن” (managers)) تمثل وأدًا لأية محاولة لتناول قضية المساواة بين الرجال والنساء في الأمة الإسلامية.

ويكاد كل من يقرأ الآية 34 من سورة النساء يفترض أن الخطاب موجه إلى الأزواج. وتجدر أولاً ملاحظة أن الآية موجهة إلى الرجالو النساء، أي أنها موجهة إلى كافة الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي. يتضح ذلك أيضًا من أن الخطاب يأتي بصيغة الجمع لا المثنى فيما يتعلق بكل الأفعال التي توصي بها الآية. ويتضح لنا من ذلك أن الأوامر التي تشتمل عليها تلك الآية ليست موجهة إلى الزوج والزوجة ولكن إلى الأمة الإسلامية بصفة عامة.

وتُعَدُّ كلمة قوامونالكلمة الدالة في الجملة الافتتاحية للآية. وقد فُسرت هذه الكلمة تفسيرات عديدة، منها حماة وعائلون (للنساء)”، ومسئولون (عن النساء)”، وأعظم شأنًا (من النساء)”، و لهم سيطرة وسيادة (على النساء)”. وتعني كلمة قوامونمن الناحية اللغوية المُنفقونأو من يهئون سبل الدعم أو العيش“. وينبغي هنا أن نوضح نقطة منطقية، ألا وهي أن الجملة الأولى ليست جملة وصفية تقول بأن كل الرجال يعيلون النساء بديهيًا، لأنه هناك بالطبع بعض الرجال الذين لا يعيلون النساء. إن ما تقوله الجملة هو أنه ينبغي على الرجال أن تكون لهم المقدرة على إعالة النساء (طالما أن كلمة ينبغي تفترض القدرة). وبعبارة أخرى، فإن هذه المقولة، التي اعتبرتها كل المجتمعات المسلمة تقريبًا وصفًا فعليًا لكل الرجال هي في الحقيقة مقولة معيارية تتعلق بالمفهوم الإسلامي لتقسيم العمل داخل البنية المثالية للأسرة أو المجتمع. ولا تعنى حقيقة أن الرجال قوامون أن النساء لسن قادرات على إعالة أنفسهن، أو أن ذلك لا ينبغي عليهن، ولكنها تعنى فقط أنه نظرًا للعبء الثقيل الملقى على عاتق النساء من حيث الحمل والولادة وتربية النسل فينبغي ألا يتحمل مع كل ذلك الترامات إضافية تتمثل في توفير سبل العيش.

ولو استرسلنا في تحليل تلك الفقرة فسوف نصل إلى الفكرة الآتية التي تقول بأن الله قد أعطى فريقًا ما قوة أكبر من الفريق الآخر. وتجعل معظم الترجمات الأمر يبدو وكأن الرجل هو من يتمتع بقوة أكبر أو فضائل أكثر أو شأن أعلى. ولكن النص القرآني لا يمنح شأنًا أعلى للرجال. أما التعبير المستخدم في الآية فهو بعضًا من بعضمما يجعل من الممكن أن تعنى المقولة إما أن بعض الرجال أعلى شأنًا من بعض (الرجال أو النساء أو كليهما) أو أن بعض النساء أعلى شأنًا من بعض (الرجال أو النساء أو كليهما). ويبدو لي أن التفسير الأكثر اتساقًا مع السياق هو القائل بأن بعض الرجال قد وهبوا السعة التي تجعل منهم عائلين أفضل من بعض الرجال الآخرين .

ويبدأ الجزء الثاني من الفقرة نفسها بفاء السببية التي تعنى أن هذا الجزء متوقف شرطيًا على الجزء الأول. أو بمعنى آخر، لو أن الرجال قد أدوا وظيفتهم بوصفهم عائلين فعلى النساء أداء واجباتهن المقابلة لذلك. وتصف معظم الترجمات تلك الواجبات في صورة طاعةالزوجة للزوج. وترتبط كلمة صالحات، التي تترجم بعبارة طائعات في صلاح” (righteously obedient) بكلمة الصلاحياتالتي تعنى القدراتوالإمكاناتوليس الطاعة. إن قدرات النساء المميزة هي الحمل والولادة. أما كلمة قانتاتالتي تلي كلمة صالحاتوالتي تترجم كذلك إلى طائعاتفترتبط بقربة المياه التي ينقل فيها الماء من مكان إلى آخر دون أن يراق. وهكذا، تكون الوظيفة المميزة للمرأة طبقًا لما يرد في الآية – هي وظيفة القربة التي تُحمل فيها المياه لتصل دونما ضلال إلى وجهتها. فهي تحمل الجنين داخل الرحم حتى يأتي وقت وصوله.

إن الجزء الأول من هذه الفقرة يعرض فكرة تقسيم العمل المبني على الأدوار وهو تقسيم ضروري من أجل الحفاظ على توازن أي مجتمع. إن دور الرجال الذين لا يتعين عليهم أداء وظيفة الحمل والولادة أن يكونوا منفقين. وتُعفى النساء من مسئولية الإنفاق حتى يتسني لهن أداء مهمتهن في الحمل والولادة. إن الدورين منفصلان، ولكنهما يكملان أحدهما الآخر، في حين لا يعد واحد منهما أعلى أو أدنى من الآخر.

أما الأوامر الثلاثة التي تأتي في الجزء الثاني من الآية فهي موجهة إلى الأمة الإسلامية في مواجهة احتمال غير مألوف: تمرد واسع النطاق من قبل النساء على وظيفتهن في الحمل والإنجاب، وهي الوظيفة التي اختصهن الله بها. إذا رفضت كل أو معظم النساء في المجتمع الإسلامي حمل الأطفال وإنجابهن دون أسباب وجيهة وقمن بذلك للإعلان عن الثورة أو التمرد المنظم فسوف يعني ذلك نهاية الأمة الإسلامية. وعليه، ينبغي التعامل مع موقف كهذا بصورة حاسمة. تتمثل أول خطوة في التفاوض مع المتمردات. ولو فشلت هذه الخطوة فإن الخطوة التالية هي عزل المتمردات عن رفقائهن. ومن اللافت هنا أن الآية توصي بما يلي واهجروهن في المضاجع“. وقد قام المودودي بترجمة هذا الجزء إلى اقصوهن عن مضاجعكم” (“keep them apart from your beds”)، موحيًا بذلك، بل ويكاد يكون مؤكدًا، أن منفذي العقاب هم الأزواج وليس المجتمع الإسلامي، وهو افتراض لا يدعمه النص القراني. أما في حالة إخفاق تلك الخطوة الثانية فيمكن للأمة الإسلامية أو ممثليها اتخاذ خطوة إمساك النساء لمدة زمنية أطول. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هناك عدة معان للكلمة العربية التي تترجم غالبًا إلى “being”[وردت هكذا في أصل المقالة المنشورة، إلا أن السياق يشير إلى أنها ربما تكون خطًأ مطبعيًا، وأن المقصود كان كلمة “beating” أي الضرب. (المترجمة)]. فعندما تستخدم في سياق قانونی، مثلما هو الحال هنا، تعنى بحسب المعجم المعتمد تاج العروس (رفيع الله شهاب Rafi’ullah Shehab، ۱۱۷) و’الإسماك قيد العزل‘. (وتوصي الآية 15 من سورة النساء بإمساك اللاتي تأتين بفاحشة في بيوتهن.)

وبينما قام المسلمون على مر العصور بتفسير الآية 34 من سورة النساء بطريقة تمنحهم السيادة على النساء، يقودنا التفسير اللغوي والفلسفي/ الفقهي الدقيق لتلك الفقرة إلى نتائج مختلفة جذريًا. فما تقوله الفقرة ببساطة هو أنه بما أن النساء فقط هن القادرات على الحمل والإنجاب (وهو ما لا يعني أن على كل النساء أن يقمن بالحمل والولادة أو أن تلك وظيفتهن الوحيدة) – وتلك وظيفة لا يمكن التشكيك في أهميتها لضمان استمرارية أي مجتمعفيجب ألا نحملهن التزامات أخرى أثناء تأديتهن تلك الوظيفة، مثل الإنفاق. وهكذا، وفي الأمة الإسلامية، يتعين على الرجال (وليس فقط الأزواج) تأدية وظيفة الإنفاق خلال الفترة التي تقوم فيها المرأة بالحمل والولادة. ولو تأملنا تلك الآية القرآنية لوجدنا أن الغرض من مبدأ تقسيم الوظائف الذي يرسيه القرآن هنا هو ضمان تحقيق العدالة في المجتمع ككل. وبينما نرى ملايين من النساء في العالم أجمع وأنا منهنيصنفن تصنيفًا غير دقيق بوصفهن أم عائلة (ولكنهن في الواقع أمهات مزدوجات) تضطلع وحدها بسئولية تربية الأطفال، دون تلقي دعم من المجتمع في معظم الأحيان، فإن ذلك بالتأكيد لا يمثل وضعًا عادلاً. فإذا كان الأطفال هم ثروة الأمة ومستقبلها، فإن أهمية الحفاظ على وظيفة حمل الأطفال وإنجابهم تبدو بديهية. وتبين الإحصاءات من جميع أنحاء العالم أن النساء والأطفال الذين يعيشون دون رعاية الرجال وكَفالتهم يعانون من صعوبات اقتصادية واجتماعية ونفسية إلى جانب معضلات كثيرة أخرى.

وتُؤمِّن الآية 34 من سورة النساء ألا يحدث ذلك. فهي تأمر الرجال عامة أن يضطلعوا بمسئولياتهم تجاه النساء عامة وهن في خضم أدائهن لوظيفة الحمل والولادة (تجعل آيات أخرى في القرآن ذلك الأمر يتسع ليشمل كذلك تربية الأطفال). وهكذا، يصبح المقصد من هذه الآية، التي اصطلح على استخدامها لتحقيق خضوع النساء للرجال، هو ضمان الأمان المادي (وكذلك المعنوي) الذي تحتاجه النساء خلال فترة الحمل حين يصبح من الصعب، بل ومن المستحيل أن يقمن بالإنفاق.

أما الآية الثانية التي يرد فيها ذكر الدرجة التي للرجال على النساء فهي الآية ٢٢٨ من سورة البقرة التي تقول:

والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم.” (الخط الداكن في الجملة الأخيرة أضيف بواسطة كاتبة المقالة)

وكما يتبين لنا، تتعلق الفقرة التي أوردناها بموضوع الطلاق. إن الدرجةالتي للرجال على النساء في هذا السياق تكمن في أن النساء يتعين عليهن الانتظار فترة ثلاثة أشهر، وهي ما يطلق عليها شهور ’العدة‘، قبل الزواج مرة أخرى، بينما يُعفى الرجال من ذلك المطلب. والسبب الرئيس في إخضاع النساء لذلك التضييق هو أن المرأة قد تكون حاملاً وقت الطلاق، وقد لا تعلم تلك الحقيقة لمدة من الوقت. ولأن الرجال لا يحملون، فيسمح لهم بالزواج مرة أخرى دون فترة الانتظار.

وفي رأيي أن معظم الرجال المسلمين والمجتمعات المسلمة، سواء بقصد أو بدون قصد، قد أساءت قراءة أو تفسير الآيات القرآنية، وبخاصة الآيتين اللتين أوردناهما سابقًا، واللتين تأسست عليهما فكرة تفوق الرجال على النساء. ولكن القراءة الصحيحة لتلك الآيات لن تحدث فارقًا جوهريًا أو كبيرًا في أنماط العلاقات السائدة بين الرجال والنساء في المجتمعات الإسلامية ما لم يُلتفت كذلك إلى الأحاديث التي جرى استخدامها لترسيخ فكرة أن الرجال ليسوا متفوقين على النساء فحسب، بل يكادون يكونون آلهتهن. وهنا أسوق حديثًا مهمًا:

أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج، فقال لها (ص): أطيعي أباك، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته. فقاللو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله الله عليها. فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدًا.” (صادق حسن خان، ۲۸۱)

لا يمكن تصور أن عقيدة تأخذ فكرة التوحيد بالجدية والصرامة التي يأخذها بهما الإسلام يمكن أن تسمح لأى بشر أن يعبد إلا الله. ولهذا، تصبح المقولة الافتراضية لو كان ينبغيفي الحديث السابق في ذاتها أمرًا مستحيلاً. ولكن الطريقة التي يروى بها الحديث تأتي موحية بأن الله يريد، أو على الأقل أن النبي يرغب، في جعل المرأة تسجد لزوجها. إن معظم المسلمين في العالم يرون كل ما ينسب إلى النبي من كلام أو فعل أو نصيحة أمرًا ذا قداسة، ولذا فإن هذا الحديث (الذي أرى أنه يحلل الشرك، والذي هو الخطيئة التي لا تغتفر في الإسلام) يصبح ملزمًا للنساء المسلمات. وطالما انتقد المسلمون ديانات مثل الهندوسية يتحتم على الزوجة فيها عبادة الزوج (باتيبوجا) (patipuja)، ولكننا على أرض الواقع نجد أن ما ينتظر من الزوجات المسلمات لا يختلف كثيرًا عن باتيبوجا. نرى في الهند وباكستان على سبيل المثال أن المرأة المسلمة تتعلم وكأن ذلك جزء من عقيدتها أن زوجها هو المجازی خودا” (majazi Khuda) أي (الإله متجسدا في صورة أرضية). إن وصفًا كهذا يعني الشرك دون أدنى شك.

وهكذا، غابت المساواة تمامًا بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية، وهما اللذان خلقهما الله متساويين وجعلهما متساويين أمامه. إن وصف الزواج بين الرجل والمرأة في القرآن ينم عن الحميمية والتبادلية والمساواة: “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن” (سورة البقرة، الآية ١٨٧). ولكننا نجد الثقافة الإسلامية قد حولت الكثير من النساء، إن لم يكن معظمهن، إلى ألعوبات معلقات بخيط، أو إلى مخلوقات يشبهن الإماء يتمثل هدفهن الأوحد في الحياة في تأمين احتياجات الرجال وملذاتهم. ليس هذا فحسب، فلقد كان للثقافة الإسلامية من الجرأة والغطرسة أن منعت النساء من الاتصال المباشر بالله. إن الإسلام يرفض فكرة الخلاص، أو وجود أي وسيط كان بين المؤمن/ة والخالق. ونحن نجد أن أحد المعتقدات الأساسية في الإسلام تتمثل في أن كل إنسان، رجلاً كان أو امرأة، مسئول/ة عن أفعاله/ا وتبعاتها. كيف إذن للزوج أن يصبح بوابة الزوجة إلى الجنة أو النار؟ كيف له أن يصبح المقرر ليس لما يحدث لها في هذا العالم فحسب، بل أيضًا لمصيرها في الآخرة. لا ريب أن أسئلة كهذه يجب أن تشغل أذهان النساء المسلمات المفكرات، ولكن أحدًا لم يثر تلك الأسئلة حتى الآن، وأشعر أن الخوف لا يساور الرجال المسلمين فحسب بل والنساء المسلمات كذلك إزاء إثارة أسئلة قد تشكل إجاباتها تهديدًا لتوازن القوى القائم في مجال العلاقات داخل الأسرة في معظم المجتمعات الإسلامية.

يقدم العرض السابق دلائل عديدة للقول بأن الافتراضات والمواقف الأبوية المتجذرة والحاضرة أبدًا في الثقافة الإسلامية كانت لها تبعات سلبية شديدة الخطورة – سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العمليةعلى النساء المسلمات على مر التاريخ الإسلامي حتى عصرنا الحالي. وفي الوقت نفسه، ظهر بوضوح أن القرآن، وهو الذي يَعُدُّه كافة المسلمين المصدر الأكثر حجية في الإسلام، لا يضطهد النساء، وذلك على الرغم من الحقيقة التاريخية المحزنة والمريرة التي تبرهن لنا على أن الانحيازات المتراكمة التي نراها في الثقافة العربية الإسلامية في القرون الأولى لظهور الإسلام (وهي انحيازات ذات أصول يهودية ومسيحية وهللينية وبدوية وغيرها) قد تسللت أساسًا إلى تراث الدين الإسلامي من خلال تراث الحديث، مقوضة مقصد القرآن في تحرير النساء مكانتهن بوصفهن ممتلكات وكائنات دنيا وجعلهن أحرارًا وأندادًا للرجال. ويؤكد القرآن أن البر والصلاح أمر سواء للرجال والنساء، بل ويؤكد بوضوح واتساق مساواة النساء بالرجال وحقهن المبدئي في تحقيق إمكاناتهن البشرية التي يتمتعن بها على قدم المساواة مع الرجال. وفي الحقيقة، لو نظرنا إلى القرآن من منظور غير أبوى فسنجده يتعدى المساواة، إذ ينم عن اهتمام خاص بالنساء، وبجماعات أخرى من المعوزين. كما يقدم الإسلام محاذير محددة تكفل حماية وظائف النساء الجنسية/ الحيوية الخاصة مثل الحمل والولادة والإرضاع وتربية النشء.

ولو أننا أخذنا في الحسبان ما لاقته النساء في تراثات أديان العالم الكبرى من معاناة باسم القيم والأنساق والبني الفكرية والسلوكية الأبوية أو فيما يحقق مصلحتها، فلا عجب أن نجد الكثير من اللاهوتيات النسويات يرين رفض الأبوية من المتطلبات الأساسية لتحرير المرأة من مختلف أشكال الظلم. ولكن عندما ترى ارتباط الأبوية الوثيق بجوهرتراث ديني ما على سبيل المثال ارتباطها بالله في السياق اليهودي والمسيحي والاسلاميفسوف يتضمن رفضنا لأحدهما رفض الآخر، مما يفسر تجاوز عدد من اللاهوتيات النسويات تراثاتهن الدينية كلية حال وصولهن مرحلة ما بعد الأبوية في مسيراتهن الفكرية. ولذلك نجدهن يرفضن الله، المرتبط بفكرة الذكورة، كما يرفضن في معظم الأحيان العلاقات بين الرجال والنساء، والحمل والولادة، معتبرات الزواج غير المثلى والحمل والولادة مؤسسات أبوية تستخدم في استعباد النساء واستغلالهن.

أما بالنسبة لي، فالأبوية ليست جزءًا من الإسلام المتمثل في القرآن، كما لا يؤمن المسلمون كافة بذكورة الله. وعليه، لا يفضي رفض الأبوية بالضرورة إلى رفض الله، وهو من تتأسس العقيدة الإسلامية على الإيمان به. وهنا، تنبغي الإشارة إلى أن كون المرء مسلمًا يعتمد أساسًا على اعتقاد واحد: الإيمان بالله، الخالق الراعي الواسع الذي يرسل الوحى لهداية البشرية. وأورد هنا ملاحظة نافذة لولفريد كانتويل سمث: “ليس المسلم الحق…. هو ذلك الذي يؤمن بالإسلام – وبخاصة الإسلام التاريخي، ولكنه ذلك الذي يؤمن بالله ويلتزم بالوحي الذي نزل على النبي” (Wilfred Cantwell Smith, 146).

إن الله الذي يتحدث من خلال القرآن هو إله يتصف بالعدل، كما ينص القرآن بكامل الوضوح على أنه من المستحيل أن يتصف الله بالظلم )الطغيان والقهر والخطأ). وعليه، لا يمكن أن نجعل القرآن – وهو كلام الله – مصدرًا للظلم البشري، وعليه أيضًا لا يمكن اعتبار الظلم الذي طالما تعرضت له النساء المسلمات آتيًا من عند الله. وكما أوضحت هذه المقالة، جاء تفسير بعض الفقرات في القرآن على مدار التاريخ بطريقة جعلتها تبدو وكأنها تدعم ما يتراءى لنا بوصفه أنماط تفكير وسلوك ظالمة من منظور القرن العشرين النسوي الإسلامي. ولكننا لو أخذنا في الحسبان ثراء اللغة العربية المذهل، الذي يجعل لكل كلمة تقريبًا معانى وظلال معانٍ متعددة فسوف يصبح من الممكن – بل ومن الضروري – أن نعيد تفسير تلك الآيات بشكل مختلف حتى لا يكون فحواها أو مضمونها متعارضًا مع حقيقة عدالة الله.

وبالنسبة لي، فإن إسلام ما بعد الأبوية ما هو إلا الإسلام القرآني في نهاية المطاف، وهو إسلام يولي عناية خاصة بتحرير البشرالنساء والرجال على حد سواءمن عبودية القيم التقليدية والسلطوية (الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها) والقبلية والعنصرية والتحيز الجنسي والرق، وأية قيم أخرى تمنع البشر أو تعوقهم عن تحقيق رؤية القرآن لمصير البشرية الذي نجده متمثلاً في ذلك الإعلان القياسي: “وأن إلى ربك المنتهى” (سورة النجم، الآية ٤٢).

إن هدف الإسلام القرآني إرساء السلام، الذي هو معنى كلمة إسلام ذاتها. ولكن السلام من منظور القرآن لا يُفهم على أنه وضع سلبي يعني مجرد غياب الحرب. إنه وضع إيجابي يسوده الأمان أو الأمن، نتحرر فيه من القلق أو الخوف. إنها تلك الحالة التي تصف الإسلام، أي التسليم لله، والإيمان، أي التصديق بالله، وهي حالة يشير إليها القرآن في كل صفحة من صفحاته، سواء كانت إشارة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق المشتقات الكثيرة للمصدر الثلاثي س ل موأ م ناللذين تشتق منهما كلمتا إسلام وإيمان. وبحسب تعاليم القرآن، لا يمكن أن يسود السلام سوى في بيئة عادلة. وبمعنى آخر، العدل شرط لإقامة السلام. ويستحيل الحديث عن السلام كما يتمثل في القرآن دون القضاء على الجور والظلم والغبن المنتشر في حياة البشر الشخصية والجمعية. وهنا، يصبح من الأهمية القصوى أن نلاحظ وجود تشريعات قرآنية كثيرة متعلقة بإرساء العدل في سياق العلاقات الأسرية أكثر من تلك المتعلقة بأي موضوع آخر. ويشير ذلك إلى افتراض متضمن في الكثير من التشريعات الإسلامية، ألا وهو الافتراض الذي يذهب إلى أنه لو تعلم البشر أن يقيموا العدل في بيوتهم بما يكفل حقوق الجميع في نطاقها الأطفال والنساء والرجال – فسوف يمكنهم أن يقيموا العدل في مجتمعاتهم وفي عوالمهم الرحبة. وبعبارة أخرى، يرى القرآن البيت صورة مصغرة للأمة والمجتمع العالمي، ويؤكد أهمية جعله دار السلامبأن تسوده الحياة العادلة.

وبالرغم من كل الأذي الذي تسبب فيه الإسلام الأبوى في حياة أعداد لا تحصى من المسلمين والمسلمات على مر العصور، فإنني أؤمن إيمانًا قويًا بأن الأمل في المستقبل قائم. فبينما تشرع أعداد متزايدة من المسلمين – رجالاً ونساًءفي التمعن بعمق أكثر في تعاليم القرآن، فإنهم یرون بوضوح أكثر فأكثر أن المهمة العظمى التي أوكلها الله للبشر، ألا وهي أن يكونوا خلفائه في الأرض، لا يمكن أن تتحقق إلا بتجاوز الأفكار والقيم الأبوية. ومن الممكن أن نوسع نطاق الرسالة التي تتضمنها الآية 34 من سورة النساء، والتي تؤَمِّن العدل بين النساء والرجال في سياق الحمل والولادة، وتجعلها أكثر اتساعًا لتشمل كل جوانب المعاملات والعلاقات الإنسانية. وعندما يتحقق ذلك فسوف تسقط أصفاد التقاليد الأبوية، وسوف نشهد تحقق رؤية القرآن المتعلقة بماهية المسلم في عالم تختفى فيه إلى الأبد الخرافات القائلة بتدني شأن المرأة واعوجاجها.

رفعت حسن Riffat Hassan)): باحثة في الدراسات الدينية النسوية. وقد نشأت في باكستان ثم تنقلت بين جامعات بريطانيا وأمريكا، وتعمل حاليًا أستاذة للدراسات الدينية في جامعة لويزفيل. وهي متخصصة في تفسير القرآن الذي تراه داعيًا لحقوق الحياة والاحترام والعدل والحرية والمعرفة والعمل والخصوصية، كما تتبنى منهجًا في تأويل القرآن بناء على معاني ألفاظه في سیاق زمان تنزيله. كما أنها تجد في القرآن أساسًا للعدل والمساواة لأن الله هو العدل.

يورد ثبت المراجع الذي يلى الهوامش معلومات ببليوجرافية عن الدراسات التي وردت في المقالة.

*Riffat Hassan, Muslim Women and Post-Patriarchal Islam,” in After Patriarcity: Feminist transformations of the World Religions, eds. Paula Cooey, William Eakin, and Jay McDaniel (NY: Orbis Books, 1991), 39-64.

(1) طالعی رفعت حسن ۱۹۸5 و۱۹۸۷ للوقوف على تناول أكثر تفصيلاً لقضية خلق المرأة.

(۲) على سبيل المثال، سورة النساء، الآية 1 وسورة الأعراف، الآية ١٨٩ وسورة الزمر، الآية 6.

(3) ترد في الآيات السابقة (كما في الآية 98 من سورة الأنعام والآية ٢٨ من سورة لقمان) إشارات إلى خلق البشر كافة من مصدر واحد أو نفس واحدة. ويكاد كافة المسلمين يعتقدون أن هذا المصدر أو الكائن الأولى التي تشير إليه تلك الآية هو رجل اسمه آدم. وقد جعل هذا الاعتقاد الكثير من مترجمي القرآن يخطئون في ترجمة آيات قرآنية بسيطة. على سبيل المثال، لو تُرجمت الآية 1 من سورة النساء ترجمة صحيحة فسوف يحتفظ المترجم بالجمع في خلقكموبالتأنيث في عبارات نفس واحدةوزوجها“. ولكننا نجد معظم المترجمين يجعلون ضمير الملكية المؤنث هامذكرًا. كيف يأتي مثل ذلك الخطأ؟ هل يمكن القول بأن الأفكار المسبقة والتوجهات النفسية لهؤلاء الذين قاموا بتفسير القرآن، والذين تصادف أنهم كانوا جميعًا من الرجال، قد جعلتهم عاجزين تمامًا عن تصور أن أول مخلوق لم يكن ذكرًا؟ أم أنهم يخشون أن توحي الترجمة الصحيحة لضمير الملكية المؤنث هاولو للحظة بأن المرأة وليس الرجل قد كانت الخلق الأول، وبذلك تكون أرفع مكانة، لو أننا اعتبرنا أن الأسبقية في الخلق تخلع على صاحبها مكانة أرفع، وأن الرجل هو الذي خُلق من المرأة وليس العكس (وهو الأمر الذي سوف يمنح حواء تفوقًا ارتبط تقليديًا بآدم لو أننا عكسنا قصة خلق حواء من ضلع آدم)؟ ومن المؤكد أنه ما من مفسر للقرآن قد أوحى بإمكان أن تكون النفس الواحدة إشارة إلى المرأة لا الرجل.

(4) يعلق ليونارد سویندلر (Leonard Swindler) في هذا الصدد قائلاً:

من الخطأ ترجمة الاسم (ha adam) في سفر التكوين ۱: ۲۲ إلى كلمة ’رجل‘ بالمعنى المذكَّر أو إلى اسم العلم آدم” … تظل أداة التعريف “ha” تستخدم ملاحقة لكلمة آدم حتى نصل إلى سفر التكوين 4: 25، مما ينفي أى احتمال أن تكون الكلمة مستخدمة بوصفها اسم علم. وتصبح الكلمة اسم علم في 4: ۲5، إذ ترد آدمدون أداة التعريف. علاوة على ذلك من الواضح أنها اسم مفرد يدل على جمع فی سفر التكوين ۱: ۲۲، كما يتضح من استخدام صيغة الجمع في فيتسلطون” (سفر التكوين ۱:۲۲) (وردت هكذا في الأصل، والصحيح أن الإشارة إلى سفر التكوين 1: 26 (المترجمة)) (سويندلر، ٧٦).

(5) ورد استخدام آدم بوصفه اسم علم في الآيتين 35 و59 من سورة آل عمران (وردت هكذا في النص الأصلى، والصحيح أنها الآيتان ۳۳ و59 من السورة نفسهاالمترجمة)، والآية 30 من سورة المائدة والآية 58 من سورة مريم.

(6) على سبيل المثال الآيات 36-39 من سورة القيامة. هنا، نقرأ: “أيحسب الإنسان أن يترك سدى. ألم يك نطفة من مني يمنى. ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى“.

(7) يتألف كل حديث من جزأين: الإسناد (أو السند) والمتن. يتضمن الإسناد أسماء الأشخاص الذين تناقلوا محتوى الحديث من واحد إلى الآخر. أما المتن فهو نص الحديث أو محتواه الفعلي.

(8) دأب سواد المسلمين (السنة) منذ القرون الأولى للإسلام على اعتبار صحابة النبي فوق مستوى أية شبهة تشكك في مصداقيتهم، وبخاصة فيما يتعلق برواية الأحاديث عن النبي. وبالنظر إلى ذلك الإخلاص الشديد للصحابة من الصعب تصور من يقوم بمهمة البحث النقدي في مدى أهلية الصحابة بوصفهم رواة للأحاديث. وكما ورد في إشارة إجناز جولدزیر (Ignaz Goldzihr): “لقد كان من أرفع مراتب الشرف أن تكون أحد صحابة النبي. لقد كانت شخصيات هؤلاء وصدقهم منزهين عن أي انتقاص، وكان ازدراؤهم يمثل جريمة كبرى” (جولدزير، ١٦٣). ولكننا نجد أنه قد ساد خلال المرحلة المبكرة من تطور الإسلام اتجاه أكثر نقدًا تجاه تراث الحديث ورواته. وهنا، بنبغی ملاحظة أن الفقيه المسلم المعروف عبد الوهاب الشعراني يذكر أن الإمام أبا حنيفة، الذي يُعَدُّ مؤسس أكبر مدرسة فقهية في المذهب السني، لم يكن يرى أبا هريرة من رواة الحديث الثقات (الشعرانى، ۹5).

(9) من اللافت أنه بينما نرى في القصة كما وردت في سفر التكوين ۲ أن المرأة قد أخذت من ضلع آدم، لا يرد ذكر آدم في أى من الأحاديث التي نناقشها هنا. ويمثل ذلك خطوة أخرى نحو تجريد النساء من الصفات الإنسانية، إذ يمكن بحسب الأحاديث التي نوردها هنا أن تكون المرأة قد خُلقت من ضلع غير متصل بجسد، أي أنه قد لا يكون ضلعًا إنسانيًا بالمرة.

(10) صاحب هذا التعبير الشهير هو ترتليان (Tertullian)، أحد آباء الكنيسة في شمال إفريقيا، حيث كتب قائلاً:

وهل تعرفن أن (كل) واحدة منكن هي حواء؟ إن الحكم الذي قضي به الله إزاء جنسكن يحيا حتى عصرنا هذا: وكذلك يحيا الذنب أيضًا. أنتن المدخل إلى الشيطان، أنتن من فضضتن حرمة الشجرة (المحرمة)، أنتن أول من حاد عن الشريعة المقدسة، أنتن تلك التي أقنعته، ذلك الذي لم يجد الشيطان في نفسه الشجاعة الكافية لمهاجمته. لقد دمرتن الرجل، صورة الله، بمنتهى البساطة. وبسبب العقوبة التي حلت عليكن، أى الموت، كان على ابن الله أن يموت هو الآخر (عن لباس النساء De Cultu feminarum 1:1، وردت في سويندلر، ٣٤٦).

(11) تصف الآية 177 من سورة البقرة مفهوم القرآن للبر“:

ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.

Ash-Shairani, Abdul Wahab. Al-Mizan al-Kubra. Vol. 1. Cairo.

Gibb, Hamilton A. R. Studies on the Civilization of Islam. Ed. Stanford J. Shaw and William R. Polk. Boston: Beacon Press, 1962.

Goldziher, Ignaz. Muslim Studies. Vol. 2. Trans, C. R. Barber and S. M. Stern. Chicago and New York: Aldine and Atherton, 1971.

Guillaume, Alfred. The Traditions of Islam. Beirut: Khayats, 1996. Hassan, Riffat. “Made from Adam’s Rib? An Analysis of the Concept of Woman’s Creation in the Qur’an and the Hadith with Comparisons with the Jewish-Christian Tradition.” Al Mushir XXVII, 3(Autumn 1985): 124-55.

“Equal Before Allah? Woman- Man Equality in the Islamic Tradition.” Harvard Divinity Bulletin XVII, 2 (Jan-May 1987): 2-4. Rpt. Pakistan Progressive. University of Wisconsin: 9, 1 (Summer 1987): 46:59.

Hodgson, Marshall, G. S. The Classical Age of Islam. Vol 1 of The Venture of Islam: Conscience and History in a World Civilization. Chicago; University of Chicago Press, 1974.

Iqbal, Muhammad. The Reconstruction of Religious Thought in Islam. Lahore: Shaikh Muhammad Ashraf, 1962.

Izustsu, Toshihiko. The Structure of the Ethical Terms in the Koran. Mita, Siba, Minatoku, Tokyo: Keio Institute of Philosophical Studies, 1959.

Khan, M. M., trans. Sahih Al Bukhari. Lahore: Kazi Publications, 1971.

Khan, Sadiq Hasan. Husn al-Uswa. Publication details unavailable. Lane, E. W. Arabic English Lexicon. London: Williams and Norgate, 1963.

Maududi, A. A. The Meaning of the Qur’an. Vol. 2. Lahore: Islamic Publication Ltd., 1971.

The Meaning of The Qur’an. Vol. 4 Lahore: Islamic Pablications Ltd., 1976.

Mernissi, Fatima. Beyond the Veil. Cambridge: Schenkman Publishing Company, 1975.

Rahman, Fazlur. Islam. Garden City. New York: Doubleday and Co., 1968.

Shehab, Rafi ullah. Rights of Women in Islamic Shariah. Lahore: Indus Publishing House, 1986. Siddiqui, A. H., trans, Sahih Muslim. Vol. 2. Lahore: Shakih Muhammad Ashraf, 1972.

Smith, Jane I., and Yvonne Y. Haddad. “Eve: Islamic Image of Woman.” Women and Islam. Ed. Azizah al-Hibri. New York: Pergamon Press, 1982.

Smith, Wilfred Cantwell. Islam in Modern History, Princeton: Princeton University Press, 1957.

Swidler, Leonard. Biblical Affirmations of Woman. Philadelphia. The Westminster Presss, 1979.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات