النساء فى الأكاديميا آراء من الجنوب/ الشرق

النساء فى الأكاديميا

آراء من الجنوب/ الشرق(*)

يقدم هذا الفصل سياقًا ونظرةً شاملةً للبحث المقدم في الفصول الأربعة التالية، ويبحث القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية المتصلة بالنساء والتعليم في جنوب شرق آسيا. فأنا أتفحص الأبحاث المؤلفة محليًا وإحصاءات اليونيسكو ومكاتب التعداد عن النساء والتعليم من أجل تقديم خلفية نناقش من خلالها عدم كفاية تمثيل النساء في إدارة التعليم العالي. وحين تتوافر المعلومات؛ فإني أقدم صورة عامة موجزة من البلد عن مشاركة النساء ونتائجهن في التعليم العالي، وأربط ذلك بالسياقات السياسية المحلية، والسياسة الثقافية، وقوانين الدولة التي تتحد لتوجد فرصًا تعليمية متباينة للنساء. وخلال ذلك أرسم روابط توضيحية خاصة بالنساء في دراساتي كي أضع السياسة الثقافية التي تدعم خطابات القيم الآسيوية، والأنوثة الآسيويةوالقيم الأسرية الآسيويةفي سياقها. وتظل مناقشتي للأبحاث المحلية في إطار قضايا الكونية المحلية التي أثرتها حتى الآن، ولكني في هذا الفصل أنظر نظرة أدق إلى سياسة الاختلاف ووجهات النظر التي أثارها من يدعين نسويات العالم الثالث“. كما أنني أهتم بقضايا معرفية تتعلق بالتنظير المحلي أثارتها الباحثات النسويات المحليات اللائي يؤيد بعضهن تعديل النظرية الغربية وترجمتها، بينما تؤيد أخريات التوطين“. وأنا أبدأ وأنتهي بتأملات لعملي الميداني في المنطقة كي أضع الطوارئ محتملة الوقوع والطابع الفوضوي وغير المرتب للأبحاث التي تقع فيها هذه الدراسة وحوارات النساء في سياقها.

بدأت في الفصل الأول برسم خريطة للمسار التاريخي للبحث النسوي الغربي عن النساء في الأكاديميا. وأقدم في هذا الفصل آراء من الجنوب والشرق. ومع ذلك فإني أشير مقدمًا إلى أن محاولاتي لتحديد موقع الأبحاث عن النساء في التعليم العالي بجنوب شرق آسيا كانت غير مجدية في مجملها. وليست قضايا الجندر (النوع) أو المساواة النوعية في السياقات التعليمية ذات أولوية متقدمة في الأدبيات التعليمية في أي من البلدان الأربعة. وليس هناك تناول للتعليم العالي بجنوب شرق آسيا في الأدبيات التنظيمية والإدارية الغربية أو الآسيوية“. وتعتمد الأبحاث في السياسة أو التاريخ أو الاقتصاد أو علم الاجتماع اعتمادًا كبيرًا على نظريات ومقولات التنمية، ولكننا نجد هنا كذلك أن النساء في التعليم العالي، سواء باعتبارهن طالبات أو عضوات بهيئات التدريس، مستبعدات بصورة كبيرة من التحليل والنقاش. ونادرًا ما تقدم وزارات التعليم ومكاتب التعداد وأقسام الإحصاء التابعة للدولة معلومات عن النساء في التعليم، سواء على مستوى المدرسات أو النساء في الأكاديميا. باختصار، فقد بحثت في كل اتجاه يتجاوز النصوص القياسية حول التعليم وآسياللعثور على النساء. فالنساء موجودات في أدبيات التنمية، ولكن التركيز في تلك الأدبيات يكون باستمرار على تعليم الفتيات، ومعرفة النساء للقراءة والكتابة، ومشاركة النساء في التعليم العالي. وهكذا يعكس اختفاء النساء – باعتبارهن فئة تحليلية – جانبًا آخر من جوانب الكونية المحلية: تعذر الرؤية العالمية في الخطابات الأكاديمية والبحثية المحلية.

 

أجريت دراسات الحالة التي أوردها في الفصول التالية خلال عامي 1997 و 1998. وقد بدأت في تايلاند حيث أمضيت فترة طويلة مع كبار العاملين في الإدارة، والأكاديميين، والطلاب ألاحظ وأتعلم ما يتعلق بالبروتوكول المؤسسي والقضايا القومية المتصلة بالتعليم المدرسي والتعليم العالي. وكنت في العديد من الزيارات السابقة أقوم بالملاحظة وأدون ملاحظات ذهنية عن دور النساء ومكانتهن والسياسة النوعية في السياقات الأكاديمية وإشراك النساء في المناقشات التي تدور حول أنواع قضايا السقف الزجاجي التي كانت تستهويني باستمرار، وزيارات المواقع؛ تجارب غمر كامل“. وبعد يوم التدريس الذي يبدأ في التاسعة وينتهي في الخامسة كانت الأمسيات تُشغل باستمرار بوجبات العشاء الرسمية وغير الرسمية وما يتصل أسمار اجتماعية مثل الكارايوكي. وكانت عطلات نهاية الأسبوع تشمل في العادة تجميع الأجانبفي أتوبيسات صغيرة والتوجه إلى أماكن النزهة المحلية. وإلى جانب استضافة ممثلين لهيئة التدريس، كان بعض الطلاب يصحبوننا أحيانًا للترجمة وممارسة لغتهم الإنجليزية معنا. بعبارة أخرى، كانت تلك مواجهات أكاديمية واجتماعية كاملة ولبنات صداقة ذات مناحي تعلم حادة. وكنت أشعر براحة نسبية في تايلاند، بالرغم من افتقاري إلى مهارات اللغة التايلاندية، وبذلك كانت تايلاند تبدو لي الخيار الأول الواضح الذي أبدأ منه دراسة إقليمية أكبر عن النساء في التعليم العالي.

كانت لدي بالفعل شبكة أصدقاء وزملاء موجودة بالفعل في سنغافورةو هونج كونج، وكنت أشعر بالثقة إلى حد أنني أنجزت العمل في تلك المواقع الثلاثة بسهولة نسبية. وكانت اختياراتي من الناحية الثقافية والاجتماعية تقوم على حاجتي إلى الشعور بالأمن والمراقبة النسبية في بلاد كنت أتنقل فيها بمفردي، وكنت مسئولة عن لوجستيات العمل الميداني دون عون من مساعدي البحث. وكانت القيود المالية كذلك تحدد اختياراتي للمواقع. فقد تلقيت منحة جامعية متواضعة في عام 1997، حيث كانت تكفي بالكاد ثمنًا لتذكرة طيران ذهاب وعودة للخارج وإقامة لمدة عشرة أيام، وما يصاحب ذلك من وجبات طعام ومصاريف أخرى. ولكي أظل حكيمةً من الناحية المالية في حدود الميزانية الضئيلة، قررت أن أضيف العمل الميداني التايلاندي والسنغافوري إلى حلقاتي الدراسية في تايلاند وأحدد موعدًا لرحلة منفصلة إلى هونج كونج في وقت لاحق من العام. فالإقامة في هونج كونجمن أغلى الإقامات في المنطقة، وقد تحملت في 7 أيام من المقابلات تكاليف إقامة تساوي ثمن تذكرة الطائرة. وبما أن قسمي كان يغطي كل تكاليف السفر والوجبات والإقامة المرتبطة ببرامج التدريس في الخارج، فقد استطعت توفير أموال منحتي ببقائي في تايلاندأسبوعين آخرين بعد انتهاء التزاماتي الخاصة بالتدريس هناك. وأضفت – فيما بعد – العمل الميداني التايلاندي، والسنغافوري، إلى الرحلة البحثية المدفوعة مقدمًا“. وتقع سنغافورة على بعد ساعة واحدة بالطائرة إلى الجنوب من بانكوك. وقد نجحت في زيادة ميزانية بحثي المتواضعة كي تغطي الإقامة والأمور الطارئة في سنغافورة، والإقامة والانتقالات الداخلية إلى الجامعات المختلفة في تايلاند، ورحلة منفصلة باهظة التكلفة إلى هونج كونج في وقت لاحق من السنة. بعبارة أخرى، فمن المؤكد أن حساب إنفاق ميزانيتي الصغيرة شكل مدى دراستي وتتابعها.

في عام 1998 حصلت على منحة صغيرة أخرى مقدارها 4 آلاف دولار أسترالي، وفي نهاية ذلك العام أجريت دراسة ماليزيا. وماليزيا في العادة أرخص من سنغافورة وهونج كونج، غير أنه في وقت رحلتي كان قيمة الدولار الأسترالي قد انخفضت أكثر من أي وقت مضى، وكان الرينجت الماليزيمرتبطًا بـ الدولار الأمريكي، وهو ما يعني أن منحتي الأصلية فقدت فجأة قدرًا لا بأس به من قدرتها الشرائية. وقبل ذلك بعام في تايلاند، كان الوضع معكوسًا، حيث كان البهت التايلانديقد بدأ للتو انخفاضه في فترة عملي الميداني. إن مدى البحث ومساره يمكن أن يتأثر بالاختيارات الشخصية كما يمكن أن يتأثر بالأمور الطارئة الخارجية غير المتوقعة.

تُنظم دراسات الحالة على نحو زمني كي تعكس كلاً من تتابع الأحداث السياسية في البلدان التي تُزار والترتيب الزمني لرحلتي البحثية. وقد أجريت دراستي التايلاندية قبيل أشهر من انهيار العملة، حين كان جو الأزمة يلوح في الأفق. وزرت هونج كونج بعد ثمانية أسابيع من يوم 1 يوليو 1997 التاريخي، وهو يوم تسليم المستعمرة للصين، حيث كان هناك شعور واضح بالتفاؤل والقلق في كل مكان. وكانت زيارتي لماليزيا في نوفمبر من عام 1998 أثناء الأزمة المطولة التي أحاطت بإعفاء نائب رئيس الوزراء أنور إبراهيم من منصبه وسجنه بسبب اتهامات بالفساد وإساءة السلوك الجنسي. وشهدت تلك الفترة نفسها أول الاحتجاجات الإصلاحيةالكبرى منذ الاستقلال التي جرت في وسط المدينة وفي الحرم الجامعي، ردًا على قضية أنور. وتزامنت زيارتي مع تلك الاحتجاجات وتمت قبل أسابيع فقط من قمة دول رابطة جنوب شرق آسيا، التي لم تُثر تعليقات نائب الرئيس الأمريكي آل جور، بشأن شعب ماليزيا الشجاعالمشارك في مطالب الإصلاح المؤيدة للديمقراطية، غضب رئيس الوزراء المضيف مهاتير محمدفحسب، بل كذلك غيره من قادة المنطقة شديدي الحساسية بشأن التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية. باختصار، كانت تلك فترة توتر، وكان الكل من سائقي التاكسي إلى الأكاديميين يفكرون ويتحدثون كثيرًا جدًا في السياسة، وإن كانت تعليقات الأكاديميين في العادة ضمن محادثات ليست للنشر“. وبالإضافة إلى القلق بشأن أمني وتنقلاتي، فقد مكنني الجو المشحون من إثارة القضايا السياسية التي قد ينظر إليها على أنها مسائل مقبولة من شخص غريب، وتزخر الأبحاث باستمرار بالتواريخ والاختيارات الشخصية، وبالنسبة لي، كان لاختيار مواقع العمل الميداني علاقة بالموارد المالية وبالمكان الذي أشعر فيه أن بإمكاني التعامل مع الوضع والشعور نسبيًا بالأمان والراحة، بالإضافة إلى المكان الذي أسست فيه شبكات مركزية يمكنني منها فرد عينتي وزيادتها على نحو سريع.

عندما بدأت تلك الدراسة كنت أعتمد على زملائي بالمنطقة في مساعدتي على الارتباط بشبكة اتصالات أكبر، وفي البحث المتأني عن الأبحاث المحلية عن النساء في الأكاديميا، وبتوفير أية صلات أو موارد يمكن أن تفيد دراستي. كما ساعدني طلابنا الدوليون بالاتصالات والنصائح والمعلومات. وعندما بدأت البحث كنت أعرف القليل جدًا عن التواريخ التعليمية والسياقات والقضايا الحالية في التعليم العالي بتلك البلدان الأربعة. وكانت لدي معرفة عامة ولكنها محدودة بشأن التواريخ الاستعمارية، وبعض المعرفة من مواقع الأحداثوالخبرة التي اكتسبتها من التدريس في تايلاند، حيث كنت أنظم الحلقات الدراسية والعروض على مر السنوات في المنطقة، وكنت في أغلب الأحيان أتعلم من الزملاء الأكاديميين، ومن المديرين، والطلاب الذين قابلتهم. كما أضافت الصحف المحلية والتليفزيون والكتب المشتراة محليًا باللغة الإنجليزية بعض المعارف العميقة إلى القضايا السياسية والاجتماعية الجارية. وبعد أن تسلحت بذلك الرصيد الانتقائي من المعرفة والخبرة ومعلومات وسائل الإعلام الشعبية وغير العلمية، بدأت البحث في جنوب شرق آسيا بجدية انطلاقًا من مجالات علمية عديدة، جميعها جديد بالنسبة لي: التاريخ التصحيحي والسردي، والدراسات ما بعد الكولونيالية والثقافية المؤلفة محليًا، وأبحاث التعليم المقارنة والدولية، ودراسات التنمية، وأبحاث العلوم السياسية والاقتصادية، وتقارير وبيانات المنظمات غير الحكومية.

كان إجراء البحث على النساء والتعليم العالي سهلاً إلى حد كبير فهناك الكثير منه، وكله من تأليف غربي ويركز على التعليم العالي الغربي، ومعظمه جمعته على مدى السنوات من أجل أبحاث سابقة. ولكن تحديد مكان الأبحاث التي أجريت على النساء في التعليم العالي في جنوب شرق آسيا كان يشبه إلى حد كبير البحث عن إبرة في كومة قش. بل إن كلمتي جندرونساءليستا في الغالب مدخلين ضمن مسارد الكتب. وتركز أبحاث التنمية في التيار السائد على التعليم وتفصل في بعض الأحيان بين النوعين بشأن النتائج التعليمية، في حين يكون التركيز باستمرار على الإسهام العلمي في المستويات الابتدائية والثانوية والعالية، كما هو الحال بالنسبة للبحث الاقتصادي أو المقارن أو العالمي. ويقع هذا العمل من الناحية النظرية ضمن نظرية رأس المال البشري وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية والحراك الاجتماعي الاقتصادي، وسياسة بناء الأمة واستدامة مشروعية الدولة، وتظهر النساء في تلك الروايات وقد جرى تصورهن في المقام الأول على أنهن قوة عمل احتياطية، بينما يصورن في روايات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على أنهن جماعة تزداد بشكل كمي في كل مستويات التعليم. ولا يبدو في تلك الأدبيات أن هناك من يلاحظ أو يبحث السياسة التاريخية أو المعاصرة للسيطرة والسلطة النوعية على المشروع التعليمي: من إدارة المعرفة، أو الطلاب، أو التقديرات والتصديق، أو السياسة، سواء في وزارات أو إدارات التعليم، أو في المدارس، أو في التعليم العالي. وبخلاف الملاحظة العارضة بأن مدرسي الابتدائي هم في المقام الأول من النساء، وأن هناك زيادة في تعليم البنات ومشاركة النساء في التعليم العالي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فليست في هذه الأدبيات رؤية أساسية أو تعليق على دور النساء في اتخاذ قرارات التعليم أو الإدارة.

لقد أسهمت الأدبيات التي تتناول النساء والإدارة إسهامًا كبيرًا في البحث الغربي عن المرأة والسقوف الزجاجية، مع أنه غالبًا ما يكون التركيز على القطاع العام، كالجامعات، أقل وعلى قطاع الشركات الخاص أكثر. وترشد النظرية التنظيمية هذا البحث، مما أتاح الاطلاع على طرق العمل الأبوية الخاصة بالثقافات التنظيمية الرسمية وغير الرسمية. لكن بخلاف بعض الاستثناءات، فإنه لم يجر نقل تحليلات ثقافة أماكن العمل إلى أبحاث الثقافات التنظيمية والنوعية في الإدارة أو قطاعات الصناعة والخدمات المختلفة في السياقات العابرة للثقافات (Adler & Israeli 1994). وتبرز المشاركة التعليمية والنتائج والفرص المهنية اللاحقة على نحو كبير في تلك الأدبيات، غير أن دور النساء في التعليم العالي (كمديرات أو مدرسات أو مدربات للأجيال القادمة من المديرات) مهمل بصورة عامة. ومع ذلك فإن هذا البحث يدعم النتائج التي توصلت إليها الأبحاث التعليمية عن النساء في التعليم العالي. ويزعم كلاهما أن استثمارات النساء المتزايدة في التعليم مقرونة بالفرص المهنية المحسّنة، من خلال أنواع تشريعات المساواة المختلفة في بلاد عديدة، لم تترجم إلى منجزات كبيرة في صفوف المديرينولا تزال النساء مجرد جزء صغير من هؤلاء الذين يشغلون المناصب الكبيرة” (7. Adler & Israeli, 1994, p).

غالبًا ما تركز الأدبيات التي تتناول موضوع النساء والتنمية على المشاركات والنتائج التعليمية الإلزامية وما بعد الإلزامية (1996,Mak). وغالبًا ما تكون نساء جوب شرق آسيا موضوعًا للبحث في الأبحاث التي يؤلفها غربيون عن النساء والتنمية، ولكن باعتبارهن مهاجرات إلى المملكة المتحدة، أو الولايات المتحدة، أو كندا (1995,Marchand & Parpart). ولا توفر الدوريات التي تحظى بالتقديرات المحكمة دوليًا والمنشورة محليًا مثل إيديوكيشن چورنالفي هونج كونج، أو إشا باسيفيك چورناك أوف إديوكيشنوسوچورن چورنال أوف سوشيال إيشوز إن ساوث إيست إشافي سنغافورة، أو إشان چورنال أوف وومين ستاديزفي كوريا الجنوبية، أي بحث أو روابط مرجعية للتعليم العالي أو النساء في التعليم العالي.

وكما أشرت في الفصل الرابع، فإن بحثي يقتصر على المطبوعات الصادرة باللغة الإنجليزية. ولكن كما اكتشفت بسرعة كبيرة، فإن علماء الاجتماع وعلماء الاقتصاد وباحثي ما بعد الليبرالية والمنظرين الثقافيين المحليين ينشرون باللغة الإنجليزية في المطابع الأوروبية والأمريكية، في الدوريات الأجنبية والمحلية التي تصدر باللغة الإنجليزية. وعلاوة على ذلك فإنه عند مراجعة الأمر مع كل النساء اللائي في هذه الدراسة الموجودات في كليات تعليمية، كان الرد المدوي هو أن النساء في التعليم العاليلسن مجال بحث أو أولوية. والواقع أن عددًا قليلاً من النساء علقن بقولهن إن هذا موضوع بحث غريب وبدت عليهن الدهشة من تمويل الجامعة لمثل هذا المشروع. وقالت أخريات إن الوقت قد حان لكي يبحث شخص ما هذا الموضوع، وإنه ربما يمكننا الآن معرفة أمور أكثر عما يحدث لنا ولنساء أخريات؛ ولماذا يحدث، وكن حريصات على معرفة ما اكتشفه في البلدان الأخرى. وعلى أية حال فإن السعى لاكتشاف أبحاث مؤلفة محليا لم يبتعد بي كثيرًا جدًا. فقد اكتشفت بضع نساء عددًا قليلاً من التقارير المحلية وبعض الأوراق التي عُرضت في المؤتمرات، وكان بعضهن يحتفظ بقصاصات صحف عن القضايا المتصلة بالنساء والتعليم أعطينها لي في المقابلات.

في هونج كونج، على سبيل المثال، تلقيت قصاصات من صحف ومجلات إخبارية طبعات تتحدث عن نساء في القطاع الحكومي. وفي سنغافورة، جمعت لي النساء العديد من العطلة الأسبوعية من الصحف التي ركزت على يوم المرأة العالمي وعرضت روايات للنساء رفيعات المستوى، تحدثت عما أحرزته الحكومة بشأن قضايا النساء. وكانت نساء كثيرات في عينة سنغافورة عضوات في جمعية نساء من أجل العمل والبحثالتي ثبت أنها مصدر قيم للعديد من المطبوعات، وإن لم يتناول أيًا من تلك المطبوعات موضوع النساء في التعليم العالي كطالبات أو عضوات هيئة تدريس على نحو خاص. كما أحضر عدد من النساء الماليزيات بعض المطبوعات المحلية إلى المقابلات وقدمن عناوين ومصادر يمكن السعي للوصول إليها، وكان أحدها قسم شئون النساء. وتنشر هذه الوحدة الممولة من الحكومة أوراق العمل والأبحاث التي تتناول قضايا النساء باللغة الإنجليزية واللغة الماليزية، غير أن المطبوعات كانت تركز بشكل أساسي على النساء في القوة العاملة (مع استبعاد النساء في التعليم)، والنساء والتنمية، ومعدلات الخصوبة، والتغيرات في تركيبة الأسرة المعيشية، وهلم جرا.

لم تحدد مواقع الجامعة الإلكترونية أماكن أية تقارير جامعية سنوية أظن أنني قد أعثر فيها على معلومات عن التوزيع النوعي في التوظيف ومستويات التصنيف الأكاديمية. وتحتوي مواقع وزارات التعليم الإلكترونية روابط للجامعات أو التعليم العالي، ولكن المعلومات في هذه المواقع كذلك كانت غير متسقة بشأن التوظيف الأكاديمي فيما يتعلق بالأعداد الإجمالية وتصنيفات المناصب، والتوزيع النوعي. ولا تقدم كل إدارات الإحصاء بيانات تعليمية، وتلك التي تقدمها لا تفرق عمومًا بين ما يتعلق بالنوع، أو مستويات الالتحاق، أو معدلات التخرج. ويقدم كتاب اليونيسكو السنوي بيانات عن كل دولة تتعلق بالنسبة المئوية لمشاركة الإناث في المشاركة التعليمية من المستوى الثالث، غير أنها لا تفرق بين المؤسسات العامة والمؤسسات الخاصة، ودورات الدبلومات والشهادات العليا. ولجنة المنح بجامعة هونج كونج، الجهة الممولة للجامعات العامة، هي وحدها التي تقدم بيانات عن التوزيع الجنسي في التوظيف الأكاديمي. باختصار، كان البحث عن كم من البحث الأكاديمي عن النساء في إدارة التعليم العالي، وعن موقف ووجهة نظر من الجنوب والشرق، رحلة شاقة لجمع فئات وقطع صغيرة من هنا وهناك عبر مجال واسع من مصادر المعلومات والتوجهات العلمية والتحليلية. وكنت في بعض الأحيان أتعثر في سطر أو فقرة في مقال بإحدى الدوريات أو أحد الأبحاث التي تتحدث عن دور النساء أو وضعهن في التعليم العالي، وكان ذلك باستمرار اكتشافًا كبيرًا يستحق العديد من قصاصات الورق الملون وعلامات القلم الفوسفوري الأصفر.

يظل تقرير النساء في إدارة التعليم العالي، الذي كلفت بعمله اليونيسكو ونُشر في عام 1993، المجموعة المكرسة بشكل خاص لتحليلات النساء في إدارة التعليم العالي في 12 بلدًا. ومع أن هذا التقرير بعد قديماً إلى حد ما في الوقت الراهن، لكنه يقدم دراسات حالة مؤلفة محليًا تشمل العديد من بلدان جنوب شرق آسيا. وهو يشكل بذلك خلفية مفيدة لهذه الدراسة. وقد تمكنت كذلك من إجراء مقابلة مع إحدى المساهمات في ذلك الكتاب، وكانت مشاركتها تعريفًا مفيدًا بالنساء الأخريات. ورأي المحررة إليزابيث دايز بشأن إسهامات المؤلفين هي أنه بالرغم من التنوع الثقافي والعرقي والديني بين البلدان الممثلة في الكتاب، فإن تكرار الأفكار داخل ذلك التنوع يكشف عن أبعاد عامة تتجاوز الفرق الثقافي، وتحدد داينزفكرتين تتوافقان مع تفسيرات السقف الزجاجي التي قدمها الكثير من النساء في دراستي. أولاهما: آثار نظرية خط الأنابيب التي تشير إلى أن عدم حصول الفتيات على التعليم المدرسي يُترجم إلى انخفاض المشاركة والنتائج في التعليم العالي بالنسبة للنساء، وهو ما يؤدي بدوره إلى تقاطر وليس تدفق النساء المؤهلات المناسبات للوظائف العليا. وثانيتهما: هي الحواجز المؤسسية أو الأسقف الزجاجية التي تواجه النساء بمجرد صعودهن سلم الحراك الوظيفي. وبما أن هذا التقرير لليونيسكو، فإن الصلات بين التعليم والتنمية تظل جوهر المقولات الخاصة بالتوازن النوعي المحسن على كل مستويات التعليم المدرسي والتعليم العالي، بما في ذلك وصول النساء إلى مناصب اتخاذ القرارات العليا. والواقع أن أية مناقشات حول النساء وأو فيالتعليم ترتبط على الدوام بتواريخ التنمية المحلية وسياساتها، سواء أكان مؤلفوها باحثين محليين أم غربيين.

تشيع الفكرة الموحدة للتعليم كأداة للتنمية” (Mak, 1996, P. X) بين كل الدراسات النسوية الدولية أو الكونيةعن النساء في الإدارة (مثال ذلك,Adler & Israeli 1994) والنساء والتعليم (مثال ذلك 1993,Conway & Bourque). والإصلاح من أجل تحسين حصول الفتيات والنساء على التعليم قضية كونية طال أمدها، وخاصةً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويختلف الحصول على التعليم والمشاركة فيه والتزام الحكومات بالإصلاح من بلد لبلد فيها يتعلق بالفروق الدينية والعرقية والطبقية، والفروق الحضرية والريفية، وميراث الأنظمة الاستعمارية والتنمية ما بعد الكولونيالية، والنماذج التعليمية العديدة التي نفذتها حكومات ما بعد الاستقلال. ومع ذلك فإن هونج كونج وسنغافورة هما من بين أغنى بلدان آسيا وأكثرهما غربنة وفيها مساواة نوعية على وجه التقريب في المشاركة الابتدائية والثانوية والعالية. وتصل نسبة المتعلمين في هونج كونج إلى 88 % للرجال و 96 % للنساء. وفي سنغافورة المعدل هو 86 % للرجال و 95 % للنساء، وفي ماليزيا يصل المعدل إلى 78 % للرجال و 89 للنساء (اليونيسكو 1998). وفي ماليزيا يزيد عدد الفتيات اللائي يكملن التعليم الثانوي على عدد الفتيان (وهو ما يساوي، كما في سنغافورة، المستوي 0 في شهادة GCE البريطانية)، مع أنه في عام 1990 كانت هذه المجموعة الأنثوية/ الذكرية تمثل 19 % فقط من المجموعة العمرية 17-18 سنة (1996,Sidin). ويقل تمثيل النساء في التعليم المهني غير أنهن يمثلن حولي 45% من عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي. ويقال إن نظرية خط الأنابيب الخاصة بآثار التقاطرمن التعليم المدرسي إلى التعليم العالي لا تصمد كتفسير يقوم على عامل واحد لقلة تمثيل النساء في الإدارة العليا بالتعليم العالي بتلك البلدان.

وكما هو الحال في أماكن أخرى من المنطقة، نجد أن النساء التايلانديات قد أسهمن بقوة في الالتحاق بالتعليم العالي، ولكن سقف خشب الساجيظل قائمًا رغم ذلك:

عدد قليل من النساء هو الذي يمكنه الوصول إلى المناصب القيادية في الأعمال. وتنحاز المناصب التي لها أي ارتباط بالسلطة السياسية انحيازًا قويًا إلى الذكور. وقد جرى نقل التراث الذكوري العسكري الخاص بالقصر إلى البيروقراطية الحديثة. فقليل من النساء يصعدن إلى مرتفعات السياسة أو الإدارة، بل إن القليل منهن يقوم بأدوار ترتبط بالسلطة السياسية مثل المفكرين العامين أو الصحفيين السياسيين. وفي عام 1995 كانت النساء يمثلن 24 من بين 391 عضوًا بمجلس النواب، و 8 من بين 270 عضوًا بمجلس الشيوخ، و 5 % من مجالس القرى والأحياء. وتعمل معظم النساء. والقليل منهن هو الذي يتولي مناصب إدارية. ولا يحكم منهن أحد تقريبًا. (Phong paichit & Baker, pp. 113- 114)

يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة في تايلاند 91 % للرجال و 96 % للنساء، ولكن التعليم المدرسي الإلزامي ينتهي عند الصف التاسع. وفي عام 1994 أكمل 90 % من المجموعة العمرية ذات الصلةالصف السادس، وهو محسن كبير عما كان عليه الحال في عام 1969 حين أكمل ثلث عدد التلاميذ فقط ما بعد الصف الرابع (1998,Ungar). وتايلاند بها أقل نسبة مشاركة في المدارس الثانوية في رابطة دول جنوب شرق آسیا (آسیان)، وحوالي 6% فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 سنة يجتازون اختبارات الدولة للالتحاق بالجامعة. وتورد أحدث معلومات أصدرتها وزارة شئون الجامعات (1998) قائمة بتوزيع أعضاء هيئة التدريس على مستويات تصنيف المناصب ومعدلات دخول الطلاب وخروجهم عبر القطاعات الجامعية الخاصة والعامة، ولكن أيا منها ليس مقسمًا حسب الجنس. كما أنه من الصعب الحصول على التقسيم النوعي للمشاركة التعليمية أو التوظيف، لكن من المؤكد في تايلاند، كما في أماكن أخرى من المنطقة، أن التوسع الضخم في التعليم في العقود الثلاثة الماضية يُنظر إليه على أنه قوة كبيرة للتوسع الصناعي والرفاهية الاقتصادية في تايلاند” (56. Chutintaranond & Coopart, 1995, p)، وهو نفسه ما يسبب زيادة الطلب التعليمي في الوقت الراهن. ولكن الأزمة الاقتصادية أدت إلى التخلي مؤقتًا عن الإجراءات الحالية الخاصة بمد فترة التعليم الإلزامي من تسع سنوات إلى اثنتي عشرة سنة، غير أن الحجج التعليمية والسياسية المؤيدة لتوسيع التعليم مازالت قائمة وهي تعتمد على افتراض استثمار رأس المال البشري ونظريات التنمية.

معدل معرفة القراءة والكتابة الخاص بالنساء أعلى باستمرار من معدل الرجال، وتتساوى معدلات الالتحاق من الدرجة الأولى الخاصة بالنساء معدلات الرجال، وفي بعض البلدان تتساوى معدلات مشاركة النساء في برامج الدرجات المهنية التي كانت من قبل مقصورة على الرجال، بل وتتجاوزها. ففي ماليزيا على سبيل المثال، يفوق النساء الرجال عددًا في طب الأسنان والقانون، ويشكلن حوالي 50 % في الطب والعلوم البحتة والتطبيقية، والاقتصاد والإدارة العامة، والأعمال، والمحاسبة (Sidin, 1996, pp 132- 133). وفي سنغافورة، زاد التحاق النساء بالجامعات زيادة كبيرة من 44.2 % في 1983/ 1984 في أعقاب شروط الالتحاق المعدلة التي منحت تقديرات أعلى للمنجزات اللغوية التي كانت في مصلحة النساء (Lee, Campbell & Chia 1999). ولا تقدم إدارة الإحصاء أي تفريق نوعي بالنسبة لالتحاق الطلاب على أي مستوى من مستويات التعليم، أو الإنجاز التعليمي، أو معدلات الحصول على الشهادات العليا، أو هيئات التدريس عبر القطاع. ومع ذلك تقدم جامعة سنغافورة الوطنية، وهي الأقدم والأحسن سمعة من بين جامعتين فقط في تلك الدولة المدينة، بعض البيانات المقسمة على أساس نوعي عن معدلات استكمال الطلاب للدراسة. وفي العام الدراسي 1996/ 1997 كانت النساء يمثلن 55 % من خريجي الدرجة الأولى و 49 % من خريجي الدرجة العليا ودبلومات الدراسات العليا. وإحصائيات هيئات التدريس الأكاديمية هي العامل الأساسي بالنسبة لتوزيع التصنيف عبر المؤسسات، ومعدلات الترقية، ومؤهلات أعضاء هيئات التدريس الدائمين والزائرين وجنسياتهم، ولكنها لا تقدم بيانات خاصة بالتوزيع النوعي. وفي عام 1997 كـان 11.5 % من النساء في القوة العاملة حاصلات على تعليمٍ عالٍ (1999,.Lee et al).

توفر الجهة الإدارية والتمويلية للجامعات العامـة في هونج كونج، وهـي لجنـة المنح الجامعية، إحصائيات محدودة عن التوزيع النوعي لأعضاء هيئات التدريس والطلاب. وفي أعضاء هيئـات التـدريس الجامعية من عام 1997/ 1998، كان 25 % مـن بين 17 ألفًـا محاضرين أوائل فما فوق، وكان 14 %. منهم نساء (لجنة خريجي جامعـات هـونج، 1999). ومن قبيل المصادفة أن معدل 14% يساوي الرقم الأسترالي لعام 1998 بالنسبة للنساء في مستوى محاضر أول فما فوق. وكانت النساء يمثلن 49 % من الطلاب الذين يدرسـون كـل الوقت في الجامعات الممولة من الحكومة، و 49 % من كل الطلاب الذين يدرسـون لبعض الوقت (معظمهم من الكبار الذين يدرسون في جامعة هونج كونج المفتوحة)، و 31 % من الملتحقين بالكليات الفنية. وزادت المشاركة الأنثوية في مستويات التعليم العالي كافـةً مـن 39% في عام 1991/ 1992 إلى 53 في عام 1998/ 1999. وما يمثل 18.6 % من المجموعة العمرية 17-20 سنة في هونج كونــج ملتحق بالسنة الأولى مـن بـرامج الدرجة الأولى (1998/ 1999). وبالرغم من البيانات الإحصائية المحدودة عن المشاركة التعليمية للنساء ومعدلات النتائج في تايلاند وماليزيا وسنغافورة وهونج كونج، فإن الأرقام تشير رغم ذلك إلى أنه لا يمكن النظر إلى نقص التعليم على أنه السبب الأساسي لعدم تمثيـل النساء التمثيـل الواجب في الإدارة العليا، سواء في المؤسسات التعليمية العليا الخاصة أو العامة، أو توظيف القطاع العام.

تزعم مقولة شائعة أخـرى أن الأنظمـة الاستعمارية الغربية لم تشجع تعليم الفتيات (1998,Vervoorn) كما أن التحديث الغربي على النحو الذي استورد بـه إلى المجتمعات الآسيوية لم يحمل داخله أي مفهوم للمساواة النوعية” (Mazumdar, 1993, p. 17). وربما كان ذلك هو الحال بالفعل. ومع ذلك فتلك المقولات تتجاهل التأثير السياسي للعديد من الجماعات والجمعيات والمجالس النسائية التي كانت نشيطة في أوقات مختلفة على امتداد القرن الحالي في سنغافورة وماليزيا وهونج كونج وفيتنام وكمبوديا والصين. ففي إندونيسيا كانت النساء المفردات نشطات على نحو علني ويرجع الفضل إليهن في تحسين وضع النساء من أخواتهن خلال التعليممنذ أواخر القرن التاسع عشر (. Setiadarma, 1993, p 105). وقد خرجت معظم تلك الجماعات مما كان كنيسة، أو جمعية الشابات المسيحيات، أو أندية السيداتالمتصلة بالجامعة، أو جماعات البر والإحسان التي كانت تضم نساء الطبقة الوسطى المتعلمات اللائي تلقى الكثير منهن تعليمه في الخارج، وبنات الآباء التقدميين الذين كانوا هم أنفسهم يؤيدون أهمية تعليم النساء وأثروا عليه. وكانت جماعات النساء في خمسينيات القرن العشرين تربطهن شبكة من مجالس واتحادات النساء العالمية التي مكنت النساء من حضور المؤتمرات الدولية، والذهاب في جولات لإلقاء المحاضرات، وتبادل المعلومات ووضع خطط العمل والإستراتيجيات السياسية. وفي أنحاء جنوب شرق آسيا الخاضع للاستعمار في النصف الأول من القرن العشرين، وفي سنغافورة على وجه التحديد، أدى إهمال البريطانيين لرفاه المستعمرة المدني إلى تكون الكثير من المنظمات المدنية التطوعية التي وفرت التعليم المدرسي الأساسي المحلي وبعض خدمات البنية التحتية الرفاهية والقانونية والصغرى” (1996,Chua, in Hewison & Rodan). ومن الناحية التاريخية، كان تكوين جماعات النساء في بداية تصنيع وتحديث خمسينيات القرن العشرين يقوم على الطابع المشترك المتطور لمنظمات الخدمات الاجتماعية بالمجتمع.

كان حصول الفتيات على التعليم والتحسينات في وضع النساء الثقافي والاجتماعي والاقتصادي المبادئ الأساسية التي ارتكزت عليها النساء في الضغط من أجل القضاء على مجموعة من القوانين العرفيةوالممارسات الثقافية التي كان ينظر إليها على أنها تحرم النساء من حقوقهن. وكما هو الحال في الغرب، كان هدف جماعات تحرير النساءالأولى تلك هو تحرير النساء الذي تطلب تلك المهام الضخمة الخاصة بتغيير المواقف الثقافية والضغط من (مثل تعدد الزوجات، وتجارة النساء كزوجات ثانويات، وزواج أجل التغيير التشريعي ( الفتيات في سن الطفولة). وكان دعم تلك الإصلاحات ضرورة أكثر أهمية من أجل زيادة وتوسيع تعليم الفتيات وتغيير النسق العقلي الثقافي الذي يقلل من قيمة تعليم الفتيات. ومع أن المجتمعات الكونفوشيةكانت تعطي أولوية متقدمة للتعليم، فقد كانت الاتجاهات الثقافية منذ القدم تحابي تعليم الفتيان (1997,Edwards & Rocess, 2000; Low). ويظل الصراع بالنسبة للنساء، في ذلك الوقت مثلما هو الآن، متعلقًا بتغيير الاتجاهات الثقافية والأنساق القيمية المتأصلة التي كانت من الناحية التاريخية على قدر من المرونة يكفي لانتعاشها، بالرغم من السياسة المتعاقبة أو التدخلات القانونية أو الخطاب العام أو المواقف المؤسسية أو الحكومية. ويرجع الفضل في جزء كبير من التغييرات القانونية التي أُجريت في تلك البلدان لتحسين حقوق الفتيات والنساء إلى النساء والجماعات النسائية في تلك الفترة التي كما يشير تشو (1994) إلى أنها أسهمت إسهامًا كبيرًا في الحركة الاجتماعية والسياسية، ولكنها أُهملت في الروايات التاريخية وكثيرًا ما يُستبعد إسهامها بالمرة” (ص 1).

ربما لم تكن عبارة نماذج التنمية المستوردة إلى آسياعنوانا لمفهوم واضح للمساواة في النوع الاجتماعي، ولكن أثناء اضطراب ما بعد الحرب العالمية الثانية الخاصة بالتحديث والتصنيع كان النمو الاقتصادي، سواء في ماليزيا أو تايلاند أو سنغافورة، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتوسع التعليمي باعتباره أساسيًا لتنمية رأس المال البشري. وكان توفير التعليم سعيًا وراء النمو الاقتصادي وبناء الأمة استثمارًا للمواطنين وعمال المستقبل، بغض النظر عن النوع. وكان تعليم الفتيات ضروريًا لتدريب القوة العاملة التي يسهل تدريبها وكانت على قدر معقول من معرفة القراءة والكتابة كي تدير الآلات في التصنيع المنسوجات ثم الصناعات الإلكترونية فيما بعد. وكانت أهداف التنمية الاقتصادية السريعة تتطلب كذلك تدريب الطبقة الاستهلاكية النسائية التي يجري اجتذابها بواسطة الإعلان ووسائل الإعلام الجديدة كالراديو في أربعينيات القرن العشرين والتليفزيون في الخمسينيات. ولا يعني الحكومات خرجت عن طريقتها في تشجيع المساواة النوعية على كل مستويات التعليم. عام 1993 كانت هونج كونج تصدر تقريرًا بعنوان الفرص المتكافئة للنساء فالواقع أنا أنه والرجاليقول بالإضافة إلى أمور أخرى إن مُخرجات التعليم العالي مازالت منحرفة نوعيًا، هذا أن حتى ذلك أن النساء متخلفات في المشاركة في قوة العمل ويحصلن على أجر أقل أجر من الرجال عن العمل المشابه (Lui & Suen, 1993; Sweeting 1995).

وفيما يتصل بذلك، حاولت حكومة سنغافورة في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين قلب نتائج التعليم الأكثر من اللازمبالنسبة للنساء الخريجات اللائي يؤخرن الزواج أو لا يتزوجن بالمرة، ويكون لديهن عدد قليل من الأطفال أو لا يرزقن بأي أطفال. وكان يُنظر إلى نتائج هؤلاء النساء العنيداتعلى أنها قضايا أمن قومي، حيث انخفض معدل المواليد وكان هناك شك في الحفاظ على عدد سكان البلاد على المدى الطويل. وقد أُلقي اللوم على النساء المتعلمات بالنسبة لتلك الكارثةالسكانية، مما أوجب عليهن دفع الثمن المالي والرمزي للعودة إلى الأسرة الآسيوية الطبيعيةلرعاية أفراد الأسرة. لقد ألغيت سياسة يكفي اثنانالسابقة التي تهدف إلى الحد من عدد السكان، حيث تُستخدم الآن الحوافز المالية السابقة، وتخفيضات الضرائب، والإسكان وغيرها، كإجراءات مانعة وعقابية ضد النساء المتزوجات اللائي ليس لديهن الكثير من الأطفال، أو بدون أطفال بالمرة. بل إن إنجاب الطفل الثالث والرابع يعني الحصول على المزيد من المال والإعانات (,Hill & Lian. 1995; Le et al., 1999)

في آسيا، كان تعليم النساء ووضعهن الاجتماعي ودورهن في الحياة العامة أمورًا معقدة باستمرار ويصعب التوفيق بينها في إطار الأنساق الثقافية الدينية وأيديولوجيات التنمية والسوق الحداثية المتعارضة تعارضًا حادًا في الغالب. وفي تحليل مازومدار (1993) للقضايا النوعية والتنمية التعليمية في آسيا، تقول إن معظم النخب السياسية الآسيوية قبلت، بعد تشجيع الإمبريالية الغربية، نموذج المساواة في النوع الاجتماعي، غير أنه كان من الصعب أن يتناسب المبدأ مع أنساق القيم التقليدية والتنظيم الاجتماعي التقليدي” (ص 16). والواقع أن العديد من الأنظمة ما بعد الكولونيالية حاول الجمع بين أيديولوجيات المساواة في النوع الاجتماعي، وخاصة فيما يتصل بقوانين الزواج والتوظيف والسياسات التعليمية من جهة، والأيديولوجيات الآسيويةأو الكونفوشيةأو الإسلاميةالقائمة على التراتبات الأسرية الأبوية، وطاعة الأبناء والبنات، والحفاظ على وحدة الأسرة البيجلية، والنظام الأخلاقي القوي الخاص بالعمل وطابع الاعتماد على النفس، وهلم جرا، من ناحية أخرى. ويسمح الإصرار على فضائل القيم الآسيويةالمزعومة، مضافًا إلى أهداف النمو الاقتصادي السريع، للحكومات بالترويج للتقاليد والقيم الآسيوية واستدامتها إلى جانب أفكار السوق الحرة الغربية مثل النزعة الفردية التنافسية والمساواة القائمة على الجدارة والاستحقاقوخلق توليفة من عناصر الطبقة الوسطى التقليدية الآسيويةو الغربية” [التي] تتناغم مع قيم الأسرة الجوهرية داخل النظام الاجتماعي الكونفيوشي” ( Hill & Lian, 1995, p. 155)

لا تسمح هذه التوليفة الأيديولوجية للحكومات بدعم المساواة (في الأجر أو التوظيف أو الفرص التعليمية) من حيث المبدأ ومن حيث القانون فحسب، بل إنها تمكن كذلك من الالتفاف حول الالتزامات نحو توفير الرفاه الاجتماعي التي تتميز بها دولة الرفاه الغربية الليبرالية (1991,Chua)، مع أن الرفاهية التقليدية تتأكل على نحو سريع في الغرب كذلك. فالأسرة، وليست الدولة، هي موقع الدعم الاجتماعي والمالي والأمن في فترات الأزمة الفردية أو العائلية. وبذلك يكون التزام النساء مضاعفًا ويسهل استعادتهن إلى بنية حظيرة الأسرة الآسيويةالمعيارية، وباعتبار النساء المثال البيجيلي لحاملات الأطفال ومربيات الأطفال, وراعيات الأقارب والآباء المسنين، فإنهن يتحملن عبء الاستدامة والتواصل الأسريين والثقافيين، بغض النظر عن مقدار حُسن تعليمهن. فالنساء مسئولات عن نقل القيم الثقافية ونجاح أطفالهن التعليمي، وعن الدعم العاطفي والرعاية لأزواجهن والمسنين في الأسرة، وعن تنمية قدراتهن كأحد أصول الأسرة. ومع ذلك فإن أفضل المؤهلات التعليمية والمسوغات المهنية، والمحافظة القانونية على المساواة القائمة على الجدارة والاستحقاق، ليست وقاء للنساء من الأيديولوجيات الثقافية والدينية التي تقرها الدولة ومازالت تسيطر على وضع النساء الاجتماعي ودورهن واحتوائهن، بالرغم من السماح لهن بالحصول على المنافع المادية والرمزية الدالة على المرأة التايلاندية أو السنغافورية، أو الهونج كونجية أو الماليزية الحديثة“. وتشبه نير مالا پوروشوتام (1998) التركيبة المعيارية للأسرة الآسيوية بالحجاب السياسي والأيديولوجي، أي ذلك الحاجز الخفي الخاص بالقيود الثقافية التي يضعها الذكور وتدعمها القواعد والجزاءات المدنية التي تسمح النساء بالتنقل من مكان إلى آخر، وبالاستهلاك، وتلقي التعليم، والحصول على وظيفة ما، غير أنهن مقيدات على الدوام بالاهتمام بالأسرة أولاً“. فالنساء محجوبات أيديولوجيًا ولا يمكنهن الرؤية وبالتالي إعادة قراءة الأطر التي يحيين حياتهن من خلالها” (ص 161).

من الناحية الهيكلية، يمكن للدولة إضفاء الصبغة القانونية على المساواة النوعية وأداء التزامها اللفظي تجاهها. ومع ذلك فإن المواقف الثقافية تجاه النساء الموجودة على عمق أكبر بكثير تحت المشاعر العامة المؤيدة للمساواة تستديم تلك التراتبات النوعية القوية في الحياة العامة والحياة الخاصة التي يضعها الرجال والنساء الميهمن عليهن ويتواطؤن عليها. ومن المؤكد أن هذا هو الحال في الغرب، حيث أدت مجموعة كبيرة من التدخلات المؤسسية والقانونية المؤيدة للمساواة مقرونة بالبرامج الداعمة للنساء وإجراءات المحاسبة وغيرها فقط إلى تحويل التيار على نحو هامشي لمصلحة النساء في المناصب القيادية رفيعة المكانة عبر المهن المختلفة، وفي السياسة، وفي قطاع الشركات والوظائف الحكومية، وذلك بالرغم من عقود من النقاش شديد العلنية، وزيادة الوعي النسوي بشأن قضايا المساواة، ولكن الصورة في جنوب شرق آسيا أكثر تعقيدًا. فالصدمات السياسية الخاصة بالقضاء على الاستعمار، والحركات القومية، وبناء الدولة بعد الاستقلال، وظهور النخب السياسية وقبضتها الحديدية، ومع هذا كله وجود دافع نحو التحديث والتصنيع والنمو الاقتصادي، وخلق البيئات التاريخية التي يعلق فيها تعليم النساء وظهورهن في المجال العام بين ضغوط متضاربة. “فمن ناحية، كان الزعماء القوميون يدعون إلى تشجيع تعليم النساء، بينما كانت القيم الأبوية الخاصة بالنخب الموجودة تقوض من ناحية أخرى أية التزامات حقيقية بتحرير الجنسية الاجتماعية أو زيادة فرص النساء” ( Mazumdar, 1993, p. 21). واللافت للانتباه إلى حد كبير أن قيادات تلك النخب السياسية، بما في ذلك الكثير من الزعماء القوميين ورؤساء حكومات ما بعد الاستقلال، قد تلقوا تعليمًا غربيًا (ومثال ذلك تلقي رئيسا إندونيسيا سوكارنو وسوهارتو تعليمًا هولنديًا، وتلقى لي كوان يو أول رئيس وزراء سنغافوري، وهو متقاعد حاليًا، تعليمًا بريطانيًا).

تغطي القيم والمواقف الثقافية الآسيوية، المتأصلة في الإحياء المعاصر للمبادئ الدينية البوذية أو الكونفوشية أو الإسلامية، في كل مكان بالمنطقة على الكفاح السياسي للنساء من أجل إصلاحات المساواة، وطموحاتهن وفرصهن المهنية، واستقلالهن، وتقرير المصير طبقًا لشروطهن. وكان لدى النساء اللائي يتحدثن في الفصول التالية الشيء نفسه الذي يرغبن في قوله بشأن النسق العقلي الثقافي، والقيم الآسيويةأو الشرقيةأو الصينيةأو الإسلاميةأو الكونفوشية، والسياسة الثقافية التي تفرض ما يعتبره البعض تركيبة شرقيةتقليدية ذات صبغة رومانسية. غير أن أخريات، ومعظمهن ماليزيات مسلمات، دافعن عن أدوار النساء ومسئولياتهن التقليدية باعتبارها مكانهن الطبيعيحسب طبيعة النساء الحقيقية، كملاذ من مبالغات الرؤى الغربية والحداثية الخاصة بعضوات الحركة النسوية. لكنهن أيدن كذلك ضرورة وجود قدر أكبر من مرونة أماكن العمل لتمكين النساء من تحقيق المطامح المهنية وواجباتهن تجاه الأسرة والبيت.

النساء في هذه الدراسة حضريات، وينتمين إلى الطبقة الوسطى العليا، وعلي قدر مرتفع من التعليم، وناجحات في أعمالهن. وكشأن كل المؤلفات اللائي أوردت أساء هن واقتبست نصوصًا من أبحاثهن هنا، هؤلاء النساء منتجات ناجحة لنظم التعليم نفسها التي ينتقدها البعض ويعرضها البعض الآخر كنموذج للمساواة القائمة على الجدارة والاستحقاق، وقدرة النساء على النجاح في إطار هذا النظام. وهن جميعًا وبلا استثناء يشعرن بأن النظام التعليمي في بلدانهن لم يعوق حركتهن، أما ما يعوق حركتهن الآن على المستويات الأرفع هو الأيديولوجيات المتحيزة جنسيًا وعنصريًا التي تحظى بتقدير قانوني في بعض البلدان، ولكنها راسخة بعمق داخل الخيال الثقافي في كل البلدان. ومع ذلك تلقي الكثيرات بالمسئولية أيضًا على المناهج الدراسية وطرق التدريس (وكذلك الآباء والأمهات) فيما يتصل بالقضاء على مطامح الفتيات والنساء، حيث يجري تلقينهن منذ وقت مبكر أيديولوجيات النوع الاجتماعي الخاصة بالتفوق الذكوري ووضع الفتيات والنساء في المرتبة الثانية، وبالتالي إعادة إنتاج تلك الإستراتيجيات، ومع ذلك تشعر النساء في تايلاند وماليزيا بقوة أنه ينبغي تصميم التعليم في المجتمعات الريفية أو المحلية على نحو يعكس القيم الثقافية والعادات والأعراف التقليدية، رغم اعترافهن بأن البنى الأسرية والأدوار النوعية ليس لديها سوى فرص محدودة للحراك إلى أعلى أو للخارج. وكما أشرت في الفصل الثاني، ربما يكون الإصرار على النقاءالمحلي إلى حد كبير مبررًا للإحياء الرجعي للأشكال القديمة من القمع، وهو ما سارعت النساء على وجه التحديد بتوضيحه” (37. Dirlik, 1996, p). والواقع أن الكثير من النساء اللائي تحدثت إليهن بعثن برسائل مختلطة وعبرن عن مواقف متناقضة تجاه المساواة النوعية، ودور النساء، والنزعة التقليدية الثقافية، والحداثة.

هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن استخدام النظم التعليمية كآلية لتحقيق المساواة النوعية أمر من الواضح أن الحكومات الآسيوية لم تسع إلى تحقيقه بقدر كبير من الطاقة والحماس” (266. Vervoorn, 1998, p). وعلاوة على ذلك، فإن التحليلالشامل أو الواقعي للأدوار النوعية لم يُجر في آسيا” (Mazumdar, 1993, p. 16)، وهو ما يتضح في القلة النسبية في أعداد الأبحاث المؤلفة محليًا وعدم وجود النوع الاجتماعي باعتباره فئة سكانية في قواعد البيانات وتقارير تعداد السكان، أو الجامعات، أو وزارات التعليم. وحيثما كان للجماعات والجمعيات النسوية أو النسائية وجود ملحوظ، كما هو الحال في سنغافورة وماليزيا، يكون التحليل النوعي وحشد التأييد السياسي من أجل الإصلاح القانوني البرامج الاجتماعية دعمًا للنساء (مثل العنف العائلي) أكثر وضوحًا وإعلانًا، وإن كان في إطار أو ما تسمح به الحكومات.

الأمر الذي يوحد الرؤى النسويةمن الجنوب والشرق هو الاعتراف بأن التنمية الاقتصادية في تلك المناطق قامت على ظهور النساء، على الأقل بالقدر الذي قامت به على ظهور الرجال. ولكنها قامت بصورة عامة على استغلال النساء العاملات اللائي حصلن على نصيب قليل من التعليم وتقاضين أجورًا منخفضة، وكذلك على خدماتهن المنزلية غير مدفوعة الأجر. وبينها تحقق النساء تقدمًا في المشاركة في قوة العمل والإنجاز التعليمي، فما زالت أجورهن أقل من أجور الرجال، ولا يكاد أحد يراهن في الشئون المدنية والحكومية العليا، وقاعات اجتماع مجالس الإدارات، والإدارة التنفيذية. وتربط القيم الثقافية الآسيوية” – التي تحظى بالتقدير القانوني في كثير من الأماكن – النساء بقيود التبعية الاجتماعية والاقتصادية للأزواج والأسر. وقد كانت الرأسمالية والنظام الأبوي باستمرار اتحادًا قاتلاً بالنسبة للنساء. غير أنه في جنوب شرق آسيا ينسجم خطاب القيم الآسيويةمع التواريخ السياسية والاستعمارية وما بعد الكولونيالية المعقدة، ومسارات التنمية المختلفة، وانبعاث القيم الأصيلةالدينية والثقافية، والأدوار والتأثيرات التاريخية العديدة لامتيازات السلطنة، والملكيات الدستورية، والسلطات والحكومات العسكرية حيث تحالفت جميعها على نحو يعطي تفسيرات أيديولوجية مختلفة للنظام الأبوي والرأسمالية الآسيويين. وهذه هي الشبكات الكثيفة التي يجري داخلها الشعور بتركيبات الأنوثة وبـ واقعالنساء ومكانتهن وفرصهن وقيودهن، التي جرى تشريعها ومنافستها وإعادة إنتاجها وتنفيذها بواسطة الدولة وفي المحاكم، وبواسطة النساء والرجال، داخل قاعة الدرس وقاعة اجتماع مجلس الإدارة، وفي المصنع والمطبخ.

يتطابق الكثير من تجارب النساء وتحليلاتهن الخاصة بعوائق الحياة العملية مع تلك التجارب والتحليلات الموثقة في الأدبيات الغربية: موازنة اليوم المضاعف، الشعور بالذنب بشأن المطامح والالتزامات المهنية التي تنتقص من حقوق الأسرة والأطفال، مشاعر الاضطرار للعمل ضعف الوقت بنصف الأجر، وهلم جرا. ومع ذلك فالفروق الثقافية واضحة فيما يتعلق بسياسة العلاقات النوعية عبر سلسلة من المواجهات المؤسسية التي لا تمر بها النساء في الغرب، وتظل المواقف الثقافية في شك من النساء اللائي يختلطن مهنيًا مع زملائهن الذكور. وقد أخبرتني النساء عن رفضهن فرص إجراء الأبحاث لأنها ستنطوي على قضاء وقت طويل جدًا مع الزملاء الذكور في مكاتبهن أو معاملهن. وتحدثت النساء عن المخاوف من الرؤيةمع الرجال، مما قد يؤدي إلى الهمساتوالقيل والقال، حيث يظن الناس أن شيئًا يدعو للريبة يجري“. وقالت غير المتزوجات، اللائي قطعن شوطًا كبيرًا في عقدهن السادس، إنهن لا يحضرن الأعمال التي تجري بعد ساعات الدراسة في الجامعة بمفردهن، ناهيك عن إحضار صديق أو شريك. وتقول إحداهن لا يمكنني الذهاب لتناول الغداء مع عمدائي أكثر من اللازمأو أنها تتحاشى أن تُرى في الحرم الجامعي أو خارجه بصحبة الرجال. وقالت بعض النساء إنه من الأسهل أن تتعامل علنًا مع الذكور الأوروبيين، ولكن ليس مع أبناء جلدتنا“. وتحظر القواعد الثقافية الخاصة بسلوك المرأة اللائق سلوك النساء المهني الاجتماعي وتحرمهن من فرص الاتصال التي تتشكل فيها المعلومات المهمة والتحالفات والصفقات المهنية. وتحدثت النساء المتزوجات عن الأزواج الذين لا يقرون العمل بعد ساعات الدوام الرسمي ويمنعونهن من أدائه، وهو ما يعني في كثير من الأحيان السماح لهن بـ الخروجفقط من أجل مراسم التخرج، حيث يكون وجود العمداء إجباريًا.

تضع مسئوليات الأبناء تجاه آبائهن وأمهاتهن ضغوطا على الرجال والنساء داخل الأسرة الآسيوية“. فالنساء غير المتزوجات، على عكس إخوانهن وأخواتهن المتزوجين، متحررات بالفعل من رعاية الأطفال والواجبات تجاه الزوج والأسرة المعيشية، غير أنه متوقع منهن أن يرعين آباءهن وأمهاتهن المسنين. وتقتضي التزامات الأبناء ثمنًا مختلفًا من الأبناء والبنات: فالنساء يقدمن الرعاية اليومية العاطفية والروتينية للآباء والأمهات المسنين، بينما يكون الرجال وخاصة الأبناء البكر – مسئولين عن الدعم المالي. وكان لدى كل النساء غير المتزوجات اللائي أجريت مقابلات معهن في سنغافورة وهونج كونج كان أحد الوالدين على الأقل يقيم معهن، وكن جميعا يقدمن المساعدة المنزلية بشكل دائم أو لبعض الوقت. وكانت النساء يقدرن وجود رفيق مقيم، هو ذلك الصديق الطيب والدائم الذي تصادف أن يكون أحد والديهن، غير أن تلك الترتيبات كانت تأتي معها كذلك بمسئوليات تستهلك الوقت. وحسبما قالته عميدة من سنغافورة، لا يعني مجرد أنه ليس لي زوج وأطفال أن ليس لي أسرة. فإن لي والدين مسنين، وتلك مسئولية. ولأن إخوتك متزوجون، فهم يظنون أن عليك رعايتهما لكونك غير متزوجة. فأنت تصبحين جليسة الأسرة“. وتحدثت النساء عن اضطرارهن لتنظيم ترتيبات الرعاية الخاصة بوالديهن، وهو ما قلن إنها على أقل تقدير تلك الترتيبات التي ينظمها الأخوة والأخوات المتزوجون من أجل أطفالهن من حيث استهلاك الوقت والتكلفة والتعقيد، وخاصةً حين يعني العمل الأكاديمي في كثير من الأحيان السفر للخارج. فبقاء المرأة بلا زواج في مجتمع ذي توجه أسرى له ثمنه. ذلك أن الإستراتيجيات الثقافية والسياسات الاجتماعية تشكل اختيارات النساء والآراء الخاصة بأساليب الحياة، وخاصةً حين يكون لسياسات الإسكان تأثير مضاد على استقلال النساء.

أشرت في موضع سابق إلى أن الحكومات في بعض البلدان ألمحت خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين إلى المساواة في النوع الاجتماعي فيما يتعلق بإصلاح قوانين الزواج، بما في ذلك تشريع تعدد الزوجات وبطلان الزواج دون السن المقررة. ولكن القانون والسياسة الاجتماعية والتنظيمات المدنية تستديم الهندسة الاجتماعية القائمة على النوع التي تضر النساء. ففي سنغافورة ليس من حق النساء الحصول على إعانات البطالة والإعانة الطبية لأطفالهن فالإعانات متاحة فقط للرجال (2000,Chan). وتستبعد سياسة الإسكان النساء غير المتزوجات ولديهن أطفال من الإسكان الحكومي المدعم. وكما أشرت آنفا، فالحكومة تقدم إعانات مالية موسعة للنساء اللائي لديهن أكثر من طفلين. وفي التعليم العالي، يمكن للرجال فقط الحصول على دعم مالي للزوجة والأطفال المصاحبين لهم في الإجازات العلمية. كما أن سقف نسبة الـ 33 % الخاص بالتحاق النساء بكلية الطب معمول بها منذ عام 1979 ومازال إحدى أكثر القضايا المختلف عليها بين الحكومة وجماعات الضغط الإصلاحية المؤيدة للمساواة. وقد ألحقت قوانين المواطنة الضرر بالنساء منذ فترة طويلة. فحقوق المواطنة تمنح باستمرار (بعد الإقامة لمدة عامين) للأجنبيات المتزوجات من رجال سنغافوريين؛ ومع ذلك لم يمتد هذا الحق ليشمل السنغافوريات المتزوجات من أجانب حتى يناير من عام 1999 (Lee et al. 1999). وبناءً على الافتراضات القائلة بأن النساء يتبعن الأزواج، فإن البند القانوني يعوق قرارات الحياة العملية الخاصة بالنساء، كما يقيد حركة النساء في البيئة الأكاديمية شديدة الحركة والكونية. وقوانين المواطنة والإقامة في ماليزيا على القدر نفسه من التحيز النوعي، وهي مركز اهتمام الضغط الذي تمارسه المحاميات النسويات والجماعات النسائية. وتدعم المبررات الاقتصادية لـ نزيف العقولحجج الإصلاح: “إذا بقيت القوانين الحالية كما هي، فإننا قد نرى مغادرة الكثير من النساء اللائي على قدر كبير من التعليم والمهارة من البلاد لسبب بسيط، وهو أن أزواجهن لا يمكنهم الإقامة هنا. وسوف يتحمل اقتصاد بلدنا ثمن ذلك.” ( Ariffin, 1994, p. 131).

مازال عدم المساواة القانونية الذي يضر بالنساء قائما في ماليزيا التي جرم القانون فيها تعدد الزوجات لغير المسلمين أخيرًا في عام 1982 طبقًا لقانون الأسرة الفيدرالي. وتسمح الشريعة الإسلامية التي تطبقها الولايات للرجال المسلمين بالزواج من أربع نساء، بينما تتزوج المرأة المسلمة رجلاً واحدًا. ولا يتطلب الطلاق من جانب الزوج سوى إعلان طلاق الزوجة، وإن كانت شروط المصالحة وجلسات استماع اللجان الدينية مطلوبة الآن. أما النساء اللائي يرغبن في الطلاق فلابد لهن من تقديم شكوى تتضمن الدليل على نقض الوعد، أو الهجر، أو الخيانة، أو المعاملة غير العادلة بين الزوجات، أو مصاحبة الزوج لنساء سيئات السمعة؛ والتعويض المالي المقدم للرجال اختيار آخر أمام النساء المستقلات ماليًا. ويمنح الرجال المطلقون حق الوصاية على أطفالهم الشرعيين، بينما تصبح النساء وصيات على أطفالهن غير الشرعيين (Ariffin 1994). وكما أشرنا من قبل، فإن عدد النساء الحاصلات على شهادات في القانون يفوق عدد الرجال. وأوضحت أستاذة للقانون سبب الزيادة الكبيرة في عدد النساء الملتحقات بكليات القانون قائلةً إن معظم نساء البومييوتيرا (المحليات) يدرسن القانون لحماية أنفسهن، وليس بغرض العمل في سلك المحاماة والقضاء. ولأن النساء المسلمات يخضعن للعادات الإسلامية وكذلك للقانون المدني، فما الطريقة الأفضل لحماية وضعهن وأطفالهن وأصولهن من أن تكون لديهن معرفة عملية بالنظام القانوني. وألمحت أخريات ما تشعر به شابات مسلمات كثيرات في الوقت الراهن من خوف وفزع من احتمال حدوث الزواج: إنه الاختيار العمليالصحيح بالنسبة للمرأة المسلمة، ولكنه في الوقت نفسه لا يضمن أمنها الاقتصادي، أو حقوقها في أطفالها، أو مكانة كزوجة وحيدة دائمة.

تخلق الأيديولوجيات الثقافية تراتبًا للنوع مثلما تخلق تراتبًا للعرق، وليست هذه ظاهرة يختص بها جنوب شرق آسيا. وفي تايلاند وهونج كونج وسنغافورة ليست هناك بنود قانونية أو دستورية تحظر على الجماعات العرقية تولي المناصب الحكومية أو وظائف الدولة أو الحصول على التعليم. وفي ماليزيا التفرقة العنصرية راسخة في الخطابات القانونية القضائية والسياسات الاجتماعية مثل تلك التي تحكم توظيف قطاع الخدمة المدنية والتعليم العالي.

وتمنح السياسات ذات الأساس العرقي الكثير من الامتيازات للسكان المالايين الأصليين وتقيم أسقفًا خرسانية عرقيةبالنسبة لغير المالايين (كطلاب وأعضاء هيئة تدريس)، وبالتالي للأكاديميات غير المالاييات.

القيم الثقافية الأخرى المهمة والآسيويةعلى نحو واضح التي يمكن أن تضر النساء هي سياسات ماء الوجهوالمعتقدات السائدة الخاصة بالصلات والرعاية. وقالت بعض النساء إن بروتوكول ماء الوجه الثقافي المتحد مع اقتصاد الدَّين الاجتماعي للرعاية يشكل العلاقات الاجتماعية ويصنع الهوية في المواجهات المهنية اليومية ويلحق خسائر كبيرة بالوضع الاجتماعي للمرأة الذي هو وضع التابع بالفعل. ويعتبر الاختلاف مع الرئيس في المنتديات العامة كاللجان أو المجالس سلوكًا مؤسسيًا غير لائق، إذ يُنظر إليه على أنه يقلل من مكانة رئيسك“. وفي الغرب، كما أشرت من قبل، فإن التحدث بصوت مرتفع، واتخاذ موقف معارض من القضايا بناء على أسباب تتعلق بالمبادئ، أو برأي قانوني أو سياسي، أو دعمًا لقضايا العدالة الاجتماعية مهارات جوهرية جدًا تُشجع النساء على ممارستها كي يُعترف بهن، ويثبتن القدرة على القيادة، وهلم جرا. أما في السياقات الآسيوية فيحظر قانون ماء الوجه المجادلات من جانب المرؤوسين، وهو ما يمتد إلى توقعات الخضوع في إطار أنساق الرعاية المؤسسية التي غالبًا ما يكون الواجب تجاه الشخص الكبير الذي رباكقيدا على العمل المستقل واتخاذ القرارات. بعبارة أخرى فإن لسانك يكون مقيدًا جزءًا كبيرًا من حياتك العملية وتكون ملتزما بشكل أساسي بما هو مرسوم لك” (ماليزية صينية). ويتطلب صنع العلاقات الممكنةالخضوع والتبعية لمن ربوا التابع، والمهارة في تحسين الصلات: “يشبه الأمر ضرورة القدرة على جعل أناس معينين يحبونك كي يمكنك الحصول، مثلاً، على منحة دراسية أو على توقيع بالموافقة على قيامك بإجازتك العلمية.”

وتقول عميدة سنغافورية: “إذا كنت موجودة بحال من الأحوال وحصلت على تلك المناصب، فإن أحد الذكور هو الذي أوصى بترقيتك، ولذلك يكون هناك ذلك الشعور بالواجب والولاء.” هناك باستمرار رد، ودين، وواجب، وشعور أبدي بالامتنان نحو هؤلاء الذين دعموا تقدمك المؤسسي أو ترقيتك. ويمتد عدم إبداء الاحترام الواجب لنظام واجبات وتراتيات التبعية إلى فقدان ماء الوجه بالنسبة للاعبين الكبار والصغار في تلك العلاقات. وبالنسبة للنساء الأكثر احتمالاً لأن يرعاهنالذكور الكبار، فإن قواعد ماء الوجه داخل التراتبات الأبوية يمكن أن تضعف محاولاتهن التقدم. وتلقي السياسة النوعية والجنسية المؤسسية ظلالاً من الشك على علاقات الزمالة بين الذكور والإناث، وتشترط التوقعات الثقافية الخاصة بالأنوثة اللطيفة المخلصة التابعة أنه لا يُفترض أن تتقدم النساء بقوة أكثر مما يجب، ولذلك فإنك تحدين من تقدمك، رغبةً منك في عدم إغضاب رؤسائك“. ولابد من إدارة مهارات النساء المهنية وإسهاماتهن الفكرية، ومطامحهن الوظيفية، ومهاراتهن الإدارية، وقدراتهن في إطار السياق الذي تخطط فيه خطابات الفرص المتكافئة، في العلن، على خلفية الخطاب الأيديولجي الخاص بالفرصة القائمة على الجدارة والاستحقاق، ولكن يجري التدخل فيها وممارستها من داخل أنساق القيم الثقافية التي تعكس الأشكال الآسيوية الخاصة للنظام الأبوي سواء على مستوى الدولة، أو القانون، أو الأكاديميا.

وفي تحليل للحركة النسوية الماليزية، تشبه مزنة محمد” (1994) “مناوراتالنساء داخل حقل ألغام الفرص المتكافئة هذا، والميزة الذكورية النظامية، والتفرقة ضد النساء بشكل من أشكال المقامرة“. وهي تقول إنه نتيجة لذلك التفاعل بين إمكانية الحصول على الشيء والاستبعاد منه، تدفع النساء إلى الاعتقاد بأنه ليس هناك ما يوقف المرأة عن تحقيق ما تريده، بشرط أن تكون على قدر كافٍ من المهارة يجعلها تخطو بحذر ولا تقلب معايير المجتمع الذي يميز بين أفراده على أساس النوع” (ص 135) وفي مواجهة الحواجز الاجتماعية والثقافية، نجد أن النساء مضطرات لأن يكن واسعات الحيلة كي يعرفن كيف يتفاوضنأو يناورنأو يساومنأو يتلاعبنبالوضع أو يدرنهلمصلحتهن. وتعمل إستراتيجيات المقامرة التي سبق ذكرها في إطار قواعد نظام الأفضلية الذكورية” (ص 135). بعبارة أخرى، يضع النظام الأبوي القواعد ويطبقها بسهولة، ذلك أنها الصورة المطابقة لواضعيها. ومشروع حياة النساء هو أن يتعلمن ويلعبن طبقًا للقواعد، ولأن القواعد ليس من وضعهن، فهن إما أن يعدن قراءة الأطر التي يحيين بها حياتهن” (PuruShutam 1998. p.161) أو يلتففن حول القواعد، ويناورن ويغششن في اللعب كي يجدن ثغرة، أو مساحة صغيرة يؤكدن فيها الـ أناالمتدخل فيها والمتنازع عليها ثقافيًا.

ليست الآراء النسوية من الشرق والجنوب موحدة، وليست على اتفاق فيما بينها، ولا تمثل سوي رأي الأقلية بشأن القضايا المتصلة بالنساء في إدارة التعليم العالي. وفي ظل قضايا الصحة والتوظيف والتعليم الأكثر إلحاحًا التي تواجه فتيات ونساء الريف والطبقة العاملة، لا تبعث الأبحاث المحدودة التي تركز على النساء الأكاديميات على الدهشة. بل إن الانشغال الأكاديمي بقضايا المساواة النوعية في مهنة ذات أجر جيد ومكانة مرتفعة نسبيًا مثل التدريس بالجامعة يمكن أن ينظر إليه بسهولة على أنه هم بورجوازي بين النخبة المهنية على حساب الاهتمام بالتفرقة واستغلال النساء في وظائف أقل تميزًا.

مع احتمال وجود التعميم، في تأويلي، تنقسم الآراء النسوية من الجنوب والشرق بين من يقبلون النماذج النظرية الغربية على أنها عدسات قابلة للتعديل ومفيدة لبحث الأنساق الأبوية المحلية، والخطابات النوعية، والتفاوتات المنتظمة، وهؤلاء الذين يرفضون الفكر النسوي الغربي ويؤيدون بدلاً من ذلك توطينالنظرية والقوالب التحليلية. ونجد في الغالب أن النسويات اللائي طبقن النظريات الغربية على تحليلات مواقعهن المحلية قد قمن، على سبيل المثال، بتعديل وإعادة صياغة نظريات الدولة أو القوة أو التحديث أو الرأسمالية طبقًا للتحليلات الخاصة بالثقافة التي تجرى في مكانها الأصلي والخاصة بالطريقة التي أصبحت بها النساء مقحمات منذ زمن بعيد في تلك الاقترانات الشرقية/ الغربية الخاصة بالرأسمالية والكونفوشية، أو التحديث والأسلمة. ويظل ما إذا كانت تلك التعديلات النظرية والتحليلية تدل على وجهة النظر المحلية أو لا – وهذا في حد ذاته عرض محلي” – أمرًا مطروحًا للنقاش. وهناك ثلاث قضايا على الأقل تتمحور حول هذا السؤال: “ما الذي يشكل المحلي؟” (Mohamad & Wong 1994).

أولاً: تتخذ النسويات اللائي يرفضن كل أشكال النظرية الغربية، باعتبارها عاجزة بطبعها عن التحدث مع وجهة نظر المواقع غير الغربية أو عنها أو منها، فضاء نقيا لا تشوبه شائبة يتحدثن وينظرن منه. وعادة ما يعلي هذا الموقع من قيمة الآراء المحلية باعتبارها صادرة عن تجارب حقيقية، وباعتبارها نوافذ حقيقية على الواقع، مقابل النظرية الغربية باعتبارها تجريدًا، وخرافةً، وخيالاً. ذلك فإنني أقول، من وجهة نظر أعترف بأنها غربية، إن ومع النظرية نفسها منتج غربي، وبذلك فليس هناك ما يضمن أن المجتمع المحلي، مهما كان تعريفه، سوف ينظر نفسه على نحو يجعل النظرية مفهومة بشكل عام أي النظرية باعتبارها معرفة مجردة، وباعتبارها بناءً لمقولات التحليل الكلي القابلة للتعميم (حتى بالنسبة للوحدات المصغرة كالأفراد أو السلوك أو السيرورة)، وكبناء للافتراض واختباره، ومعايير للمصداقية وإثبات الحقيقة، والتفكير الاستنتاجي والاستقرائي (كما في النظرية المجذرة)،إلخ. وقد سبق أن قلت، وسوف أثير هذه النقطة مرة أخرى بعد قليل، إنه لا تزال هناك حاجة إلى تنظير الصورة الكبيرة، وإلى المبادئ القابلة للتعميم والمعيارية التي يمكن بناءً عليها تقييم الادعاءات والحكم عليها وتقديمها، من أجل عالم أفضل وأكثر مساواةً.

ثانيًا: هناك ميل بين الباحثين ما بعد الكولونياليين (وغيرهم كذلك بطبيعة الحال) إلى اتهام الرأسمالية وفروعها التاريخية، من إمبريالية واستعمار ونماذج التنمية الاقتصادية التي أعقبتها، بإدخال التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية إلى سائر أنحاء العالم. ومع ذلك فإن هذا الموقف لا يعترف بأن التراتبات والتفاوتات النوعية (والعرقية) تسبق الرأسمالية وأن الجنسية الاجتماعية في واقع الأمر هي تقسيم العمل الأقدم والأكثر عمومية.

ثالثًا: إذا كانت النسويات المعارضات للغرب يشرن بـ التوطينإلى أنفسهن، أي إلى الباحثة النسوية ما بعد الكولونيالية، إذن فبناء النظرية وتحليلها، كما قلت من قبل، تتدخل فيه باستمرار المزايا الطبقية والتعليمية التي تحدد مكانة المفكر أو المنظر في المدارات وطرق الرؤية الحضرية والكوزموبوليتانية والمرتبطة ببعضها كونيًا. ومع ذلك فإنه إذا كانت كلمة محلي تشير إلى المجتمعات التقليدية التي لم يمسها التحديث، أو مبالغات التغريب، أو التليفون أو التليفزيون، فإن هذا إذن يثير السؤال الذي أثير من قبل بشأن افتراضات المصداقية المحلية والميول المحلية لـ التنظير“. ولإحساس محمد وونج (1994) بتعقد تلك القضايا فإنه يشير إلى أن الدافع إلى استخراج العناصر والنماذج المحلية يأتي في وقتهولكن لابد من توخي الحذر

إذا كان لهذه الخطوة ألا تؤدي إلى رؤية أبوية أكثر رجعية وأكثر تحسنًا. فما هو على سبيل المثال الذي يشكل المحلي؟ هل يخفف المحليالخطاب التطوري الذي يعد على هذا النحو ببديل أفضل للنساء؟ هل هناك وجود لخطر العودة إلى الإقليمية بشكل يضر النزعة الكلية المتطلعة للأمام؟ (ص xi-xii)

أثرت من قبل القضايا المحلية وتعددية الأصوات، والكليات والمعيارية في الفصل الرابع، ولكني أؤكد هنا ما أعتبره كذلك التزامًا سياسيًا مهما ووجهة نظر معرفية لا يمكن التغاضي عنها بالنسبة لأي مشروع نسائي؛ إنه ضرورة تحدي المقاييسأو النماذج أو المعايير الكلية (الأخلاقية أو الخلقية أو النظرية أو القانونية) الأكبر وإصلاحها باستمرار، واقتراح النماذج المثالية المؤقتة والمعيارية التي يجب السعي لبلوغها ويتم بناءً عليها الحكم على التفرقة والتفاوتات. ويصوغ هاردينج ذلك بلغة بسيطة قائلاً: “لابد من وجود معايير للتمييز بين ما أريد أن يكون عليه العالم وما هو عليه في الواقع الإمبريقي” (مقتبس في Scheurich, 1997, p. 35).

شرق أو غرب، شمال أو جنوب إنها بالفعل مؤشرات مهمة لسياسة تحديد الموقع، وتعريف وجهة النظر ووضعها في سياقها. ومع ذ ذلك فإن الموقع الجغرافي والقضايا الخاصة بمن الذي يتكلم وأين وكيف ولمن يتكلم تظل قضايا معرفية وكذلك سياسية عنيدة على المستوى الكوني. وتقع باستمرار سياسات الرأي والهوية وموقع الكلام داخل أية محاولات لتوضيح ما قد تعنيه وجهات النظر المحلية وبالتالي تكون راسخة فيها المحاولات المقيدة في حد ذاتها موجودة في لغة النظرية والخطاب الأكاديمي الخاص بالبحث الغربي الذي أتحدثه هنا ويشكل ما يسمى عمل العالم الثالثالعلمي الذي أقتبسه هنا.

أعود الآن إلى حيث بدأت في هذا الفصل وأختتم برواية سردية للطوارئ المحلية محتملة الوقوع في هذه العملية البحثية. وما أهدف إليه هنا هو تقديم خلفية سياقية، ولقطة للطبيعة العشوائية الفوضوية المشوشةاجتماعيًاالخاصة بالبحث الذي لا يزعم أن هناك فصلاً بين الباحث باعتباره الموضوع الاجتماعي أناوالكيان المجرد المتخفي في هيئة الباحث المحايد الذي ينشد الواقع والحقائق والوقائع المجردة (Scheurich 1997). وعند شرحي للخيارات والإجراءات المنهجية، فأنا لا أدعي الدقة التحليلية المحايدة، أو التحليل الاجتماعي الذي جرى إخراجه من سياقه، أو جمع البيانات غير الملوثة. بل إنني أرغب في تقديم سياق حي كنت أنا وهذا البحث، وحوارات النساء التي تلي، موجودين فيها.

لقد أوضحت بالفعل القيود المالية واللوجيستية الخاصة بمجال هذه الدراسة وقراري الذي اتخذته في وقت مبكر بصياغة ذلك على أنه مجموعة من دراسات الحالة. ويتكون بحث دراسة الحالة من جمع بيانات نوعية دقيقة التفاصيل من مجموعة صغيرة نسبيًا داخل سياق محلي، وهي تهدف إلى رسم صورة معمقة للموقع المحلي (مثل قاعة الدرس، أو المحكمة، أو المصنع، أو المجتمع المحلي)، أو الفرد المحلي، أو التجارب الجماعية (كالأسرة أو العمال أو النساء أو المعلمين أو الطلاب) وتأويلات الشعوب للأحداث أو العمليات أو البُنى الاجتماعية داخل السياق المحلي. وفي دراسات حالة الجماعات، يبحث الباحث عن الصفات الفريدة وكذلك عن الأنماط المشتركة بين الحالات. ولا يدعي بحث دراسة الحالة أنه قابل للتعميم، وإن كان يهدف إلى تحديث وتنظير الأحداث أو العمليات أو البُنى التي يمكن تناقلها عبر السياقات الاجتماعية والسياقات ذات الموقع الثقافي التي تتسم بالتشابه ولكنها متمايزة.

وكما أشرت من قبل، فقد حددتُ بدايةً النساء في كل موقع من خلال شبكتي الاجتماعية والأكاديمية، ومن خلال التعرف عليهن على مواقع الجامعات الإلكترونية، وهو ما أدى في النهاية إلى جمع عينات كرة الثلج. وقد أقامت بعض النساء نقاط اتصال بالنساء الأخريات نيابة عني، وتوفرت اتصالات وتوصيات بينما كنت في موقع البحث. والواقع أن النساء في هونج كونجو ماليزياكن على قدر كبير من الترحيب بعروض ترتيب المقابلات في الحال. ومع أنني كنت أحمل على الدوام رصيدًا كبيرًا من أشرطة التسجيل والاستبيانات والاستمارات السرية والموافقة، فلم أكن أستطيع تخصيص وقت لاتصالات جديدة خلال اليوم، حيث كانت مواعيد المقابلات المرتبة مسبقًا في الجامعات المختلفة محددة ومؤكدة، وبينما كنت عائدة ذات يوم مع إحدى الزميلات بعد تناول الغداء إلى كلية البوليتكنيك في هونج كونجالتقيت مصادفةً بعميدة تطوعت على الفور لرؤيتي في وقت لاحق من ذلك اليوم. وكنت ملتزمة بالفعل بمقابلة بعد ظهر ذلك اليوم عبر المدينة في الجامعة المعمدانية. ولكي أحل تلك المشكلة اللوجيستية عرضت الاتصال بها في وقت لاحق من ذلك اليوم عقب آخر مقابلاتي، ولكن عندما اتصلت بها في الساعة السادسة مساءً كنت قد تأخرت كثيرًا. وكنت سأغادر هونج كونجفي اليوم التالي. وعندما يتطوع أحد أو يتقدم بالمساعدة، فليس من الأدب إحباطه، وقد شعرت بالذنب من جراء وقوعي في تلك الزلة الثقافية، وسرعان ما تصبح تلك الفرص الضائعة مكونًا أساسيًا من مكونات الشعور بالضياع. ورغم دراسة الخرائط لتحديد الوقت الذي يستغرقه الانتقال بين الجامعات على وجه التقريب، فقد كان تخصيص وقت إضافي للعثور على طريقي داخل الحرم الجامعي والوصول مبكرًا، فإن لوجستيات البحث تتخذ لنفسها حياة خاصة بها. وكثيرًا ما يهتم البحث الذي من هذا النوع على نحو أقل بالسيطرة على الوضع وعلى نحو أكبر بالبقاء على سطح الماء في تيار الأحداث السريع، مع الاحتفاظ طوال الوقت بروح الدعابة والتفاؤل.

بدأت الاتصال بالنساء جميعا من خلال المراسلات البريدية والبريد الإلكتروني، حيث شمل ذلك موجز البحث الخاص بمشروعي الواقع في أربع صفحات، وشروط المشاركة، واستبيانًا. وكان الاستبيان يسعى للحصول على بيانات ديموجرافية قياسية ويطرح أسئلة عن مطامح النساء وتجاربهن في الحياة العملية، وهو ما كان فيما بعد بمثابة مداخل للمقابلات. وقد صمم الاستبيان بالتشاور مع النساء المحليات في كل موقع، لضمان ملاءمته من الناحية الثقافية واللغوية، مع بقاء الأسئلة كلها واحدة من الناحية المفاهيمية.

وفي كل بلد كنت أبحث في البداية عن النساء اللائي يتولين مناصب في الإدارة العليا كالعميدة وما فوقها. وسرعان ما بات واضحًا أنني لن أجد نائبات مستشار أو مساعدات نائب مستشار، فنقلت تعريفي لكلمة العلياإلى مديرات المراكز ونائبات العمداء، ورئيسات المدارس أو الأقسام. وقمت في كل موقع كذلك بعمل ترتيبات للحديث مع النساء في المناصب غير الإدارية في صفوف التصنيف من المحاضرة إلى الأستاذة المشاركة. وفي بعض الأحيان كانت تتاح لي الفرص للحديث معهن كمجموعات، وفي أحيان أخرى كانت هناك جلسات مع الواحدة تلو الأخرى. وكانت معظم تلك الجلسات تجمعات عفوية على فنجان قهوة أو طعام الغداء، حيث لم يكن من المناسب استعمال جهاز التسجيل غير أنه أنبحت لي الفرصة في سنغافورة كي أجمع مجموعة كبيرة نسبيًا من النساء على طعام العشاء في أحد المقار النسائية، حيث جرى تسجيل جزء من الحديث الذي دار في تلك الأمسية. وقد كانت تلك الأحاديث التي تتسم بطابع أكبر من عدم الرسمية تحاول قياس آراء النساء بشأن السقوف الزجاجية، ومطامحهن العملية، وتأويلهن للفرص والعوائق بين النساء في المناصب غير الإدارية. وأكد الكثير من تعليقاتهن التصريحات التي أدلت بها النساء اللائي يتولين مناصب أعلى، كما ألقت تلك التعليقات بعض الضوء على طريقة فهم النساء لأساليب إدارة وقيادة النساء الأخريات.

وفي نهاية كل مقابلة كنت أقدم نسخًا من تقرير المساواة النوعية السنوي الخاص بجامعتي، وأحدث برامج النساء المقدمة من مكتب المساواة، وعينة من الأوراق الأخيرة التي نشرتها عن النساء في التعليم العالي في هونج كونج وسنغافورة وتايلاند. وبما أن تايلاند كانت دراسة الحالة الأولى لي، فلم تكن لي أوراق منشورة من قبل عن الموضوع أتركها للنساء هناك. وقد قدمت أوراقي لكي يتكون لدى النساء إحساس بكتابتي وبالمقاربة السوسولوجية والنسوية التي اتبعها بشأن قضايا النساء في التعليم العالي، ولكي يشعرن بالراحة مع الطرق التي عرضتها وفسّرت تجارب النساء الأخريات، وقد نصحت الجميع بأن لهن حرية سحب تفريغات مقابلاتهن إذا كانت لهن أية تحفظات بشأن كيفية كتابتي للبحث. وقد أعيدت تفريغات المقابلات كلها للمراجعة والتحرير وإعطاء الموافقة عليها، ولم تطلب امرأة من تایلاند أو سنغافورة أو هونج كونج إجراء تعديلات على تفريغ مقابلاتها. إلا أنه من بين الماليزيات العديدات، تلقيت رسائل متكررة بالبريد الإلكتروني يستفسرن فيها عن موعد وصول التفريغات ومتى سيتلقين مسودة البحث، وحرر العديد منهن تفريغات مقابلاتهن لزيادة الوضوح اللغوي ومحو العبارات التي ظنن أن من الممكن أن تُساء قراءتها وتعتبر حساسة من الناحية العنصرية“. كما أوضحت للنساء كافة أنني سوف أبذل جهدًا لنشر الورقة الناتجة عن ذلك في دورية إقليمية (باللغة الإنجليزية) وأعرض النتائج في المؤتمرات المحلية كي أعيد البيانات إلى الموقع والمجتمع المحلي الخاص بالنساء اللائي استقيت منهن. وهذه إستراتيجية أخلاقية وسياسية مهمة في البحث النسوي ولها أهميتها الخاصة في السياقات التي لا يكون فيها الباحث ابنًا للثقافة المحلية (,Haraway, 1988; Scheuric 1997). وقد عرضت دراسة الحالة الأخيرة الخاصة بماليزيا في مؤتمر مشترك بين جمعيتي البحوث التعليمية السنغافورية والماليزية عقد في ماليزيا عام 1999.

أعيدت التفريغات بصورة عامة خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر. ولم تسحب أي من النساء تفريغ مقابلتها. وما إن أعددت مسودة الورقة للنشر حتى أرسلتها إلى كل المشاركات للتعليق عليها. ومرة أخرى ردت بضع ماليزيات، حيث علقن جميعا تعليقات مؤيدة بشأن التأويل العادلوعرض إسهاماتهن، وبعد ذلك الإقرار النهائي، قدمت كل دراسة حالة على حدة إلى الدوريات الإقليمية لنشرها. وما إن نشرت كل ورقة حتى أرسلت إلى كل النساء نسخًا من الورقة المنشورة، ولا أزال على صلة منتظمة بالعديد من النساء في كل بلد.

أثناء إجراء الدراسات كنت أشارك كذلك في دراسة استمرت ثلاث سنوات عن الأسر التي تضم أجناسًا بشرية مختلفة (انظر 2000,Luke & Carrington وانظر كذلك & Luke 1999,1998,ALuke). وقد أدار ذلك البحث فريق يضم ثلاثة أعضاء: شريكي، ومساعد البحث/ مدير المشروع المتفرغ، وأنا. وكان ذلك المشروع ممولاً تمويلاً جيدًا، وسافرنا إلى ست مدن كبرى خلال ثلاث سنوات إلى جانب زيارة العائلات في بضع مدن بلدات ريفية وإقليمية. وقد مكنتني المقابلات التي أجريت مع حوالي 80 أسرة تضم أجناسًا بشرية مختلفة ينحدر أحد الشريكين فيها من أصول هندية آسيوية من جمع مجموعة من المعلومات والفهم العميق ذات صلة بالموضوع من النساء والرجال الذين هاجروا هم أنفسهم، أو والداهم، إلى أستراليا من ماليزيا وإندونيسيا والفليبين وسنغافورة والصين والهند وكوريا الجنوبية. وكان الكثير من النساء مهنيات في بلادهن الأم. ومع أن بحثنا كان يركز على سياسة الأجناس البشرية وممارسات إضفاء الصبغة العنصرية، فقد قدمن فهما استرجاعيًا قيمًا لقضايا النساء وتجاربهن المهنية في الوطن الأم.

ومع ذلك فقد أفسدني ذلك المشروع، بمعنى أن فريقًا يضم ثلاثة أشخاص يوفر مجالاً للجمع والارتباطات مع الموضوعات أكبر بكثير مما توفره إدارة مشروع بمفردك. فعندما يكون شخص ما مشغولاً بإجراء نقاش يترك باستمرار اثنين يسجلان الملاحظات، أو يلاحظان ويسجلان المصنوعات الموجودة في أنحاء البيت أو رصيد الأشخاص السلوكي والإشاري، أو إعداد سؤال متابعة، أو مراجعة جدول مواعيد المقابلات والتأكد مما فاتنا، أو إلى أين نعيد توجيه الفحص. وبعد المقابلات، كان بإمكاننا الاستجواب وتبادل الانطباعات والتفسيرات الأولية ويهتم مساعد البحث بكل اللوجستيات الفنية والانتقالية، ويقدم مواجز لإجابات الاستبيان، وينظم أوراق الإيجاز السابقة للمقابلات عن الأسر، وهلم جرا. ولم أكن أحظى بأي من آليات الدعم تلك في دراستي فقد كنت متعددة المهامبمفردي.

إعطاء الاهتمام الكامل في محادثة بين شخصين، مع كتابة بعض الملاحظات في الوقت نفسه، وعمل ملاحظات ذهنية بشأن أي القضايا يجرى فحصه أكثر الالتزام بالجدول مع الزمني في إطار التنظيم المفاهيمي لأسئلتي، مع إلقاء نظرات سريعة على الاستبيان لمتابعة الإجابات، مع مراعاة الوقت ومتابعة جهاز التسجيل، وهلم جرا، يمكن أن يكون أمرًا مضنيًا جدًا، وتجارب مجهدة غالبًا ما تخلق فرصًا ضائعة، واللوجستيات الأساسية مثل الكفاح مع أجهزة التسجيل التي تدخل في مودالمقاومة، بالرغم من البطاريات الجديدة ومراجعة التوصيلات أكثر من مرة، أثناء محاولة التركيز على المحادثة وجعلها تسير في الخط المرسوم لها، تجارب شائعة تتعلق بإجراء المقابلات. ولا يرغب المرء في أن يبدو متسرعًا، ومع ذلك لا تكون هناك سوى ساعة واحدة يجب أن تغطى خلالها مجموعة من القضايا. وكان معظم النساء يرينني بين الاجتماعات أو الدروس، ولم يكن هناك باستمرار مجال لتجاوز الوقت المحدد. ومع أنني حاولت ترتيب مواعيد المقابلات التي في الجامعة الواحدة في اليوم نفسه، فلم يفلح ذلك بحال من الأحوال، وكثيرًا ما كنت أجد نفسي أسرع فزعة لآخذ تاكسي إلى المقابلة التالية التي كان من الممكن أن تكون في أماكن مثل بانكوك أو كوالالمبور على بعد ساعات في كثير من الأحيان.

كانت المشاكل غير المنظورة تزحف على الطريق، ففي تايلاند أدرت مقابلتين بينما كانت ماكينات قص الحشائش بالجامعة تصدر صوتًا مزعجًا خارج مكاتب النساء اللاتي كنت أراهن في الطابق الأرضي. وكانت الأشرطة تكاد لا تُسمع. وكانت جامعة هونج كونج وقت زيارتي كلها موقع بناء، بغض النظر عن المبنى الذي أزوره. كانت هناك آلات تكسير الصخر وماكينات خلط الأسمنت، وطغى قدر كبير من ضوضاء التشييد على المحادثات وأخفى قطاعات كبيرة من الأشرطة الصوتية. وقد علمت مبكرًا بأمر اقتحام أجهزة التكييف المزعجة، وبالرغم من شراء أحدث ميكروفون وتشغيلي باستمرار جهاز تسجيل آخر، فقد كان من الصعب تفريغ الكثير من الأشرطة بسبب الضوضاء التي لم تنقطع.

في ماليزيا، حرصت نساء كثيرات على زيارتي في فندقي كي يوفرن علي تكلفة وإزعاج مشاوير التاكسي الطويلة إلى جامعاتهن، والواقع أنني التقيت بثلاث مجموعات في يوم سبت أثناء الغداء وتناول شاي بعض الظهر، وكنا قد اتفقنا على اللقاء والتحدث أثناء تناول الطعام بدلاً من غرفة الاجتماعات العقيمة في الفندق. وهكذا التقينا في مطعم الفندق، الذي كان محجوزًا طوال اليوم وكان مكتظًا بالأسر، والأطفال الذين يصرخون، وضجة مئات المحادثات، وطرطشة نوافير المياه، وصوت البيانو الذي لم ينقطع، وهلم جرا. وكنت أدير جهازي تسجيل وكان لدي ميكروفون يُشبك في ملابس المتحدث تتناقله النساء فيما بينهن. وبطبيعة الحال، فإنه من المستحيل في المقابلات الجماعية تنظيم المحادثات بحيث يتحدث شخص واحد في كل مرة. وفي يوم السبت ذاك انتهى بي الحال بسبع ساعات من التسجيل، كان معظمها يصعب تفريغه بسبب الضوضاء التي في الخلفية، وقد وصلت بعض النساء متأخرات عن الموعد، وهو ما يعني أننا تجاوزنا الوقت المحدد، حيث وصلت المرأة التالية بعد ساعتين. وجرى بسرعة وضع العلامات على الأشرطة وتعبئتها داخل أظرف سبق وضع علامات عليها، ووضعت أشرطة وبطاريات جديدة، وأجرى اختبار سريع للصوت، وانطلقنا. وفي ذلك السياق غالبا ما لا يكون هناك وقت للاستعداد على نحو صحيح للمقابلة التالية، أو لكتابة الملاحظات في نهاية كل مقابلة، أو مراجعة الإجابات الموجود في استبيان الشخص التالي الذي ستجرى معه المقابلة، أو إعادة التعرف على مجال أبحاث النساء أو التفاصيل المؤسسية، وكانت هناك أيام كثيرة مثل هذا اليوم، حيث اتسمت بالكثافة العاطفية والإجهاد المعرفي.

كان سائقو التاكسي ينزلونني عند مداخل الجامعات الرئيسية أو المباني الإدارية المركزية، ثم أسير في كثير من الأحيان ما يبدو كأنه أميال في الحر والرطوبة الشديدين للعثور على المبنى الصحيح. وكنت في تلك الأثناء أجرجر شنطة أوراقي، وكتالةجات الجامعة، والخرائط، ومعدات التسجيل، وزجاجة ماءإلخ وكنت أصل في النهاية غارقة في العرق ومجهدة. وقد قمت برحلات مكدرة عالية السرعة بسيارات التاكسي الخالية من أحزمة الأمان في بانكوك وكوالالمبور، حيث كنت انطلق من مقابلة إلى المقابلة التي تليها، بينما أقوم بتغيير الأشرطة في المقعد الخلفي، ثم أخرج المجموعة التالية من الأوراق وخرائط الجامعات، وأعيد باستمرار التأكد من أنني لم أترك شيئًا ورائي. وبطبيعة الحال حدث في بعض المرات أني نسيت أشياء في سيارات التاكسي.

تُولي بضعة كتيبات بحثية، نسوية وغير نسوية، قدرًا كبيرًا من الاهتمام بالتجربة المعيشة الخاصة بالبحث الكيفي، بدلاً من التركيز على لوجيستيات جمع البيانات والتشفير والتحليل ومرحلة الكتابة، وهلم جرا. ويقدم البحث النسوي وكتب مناهج البحث نصائح بشأن ميثاق الشرف النسوي الخاص بالإعلان عن الذات وتصوير الذات من أجل تحطيم الحدود التقليدية بين الباحث والمبحوث. ونحن نستبعد بصورة عامة لُب الجوانب الدنيوية للبحث. والتجارب القليلة التي عرضتها بإيجاز هنا كانت نتيجة لموقع البحث. وما كان معظمها ليصبح مشكلة لو أن تلك الدراسات أجريت على أرض الوطن.

وأخيرًا، هناك تعليق على إجراء النساء أبحاث عن النساء، وهو أمر يختلف اختلافًا كبيرا عن تجربة إجراء أبحاث على الرجال أو على جماعات مختلطة، وبصورة عامة، أود أن أقول إن النساء في مجملهن أكثر مشاركةً من الناحية الاجتماعية عن الرجال، وأكثر منهم شمولاً في محادثاتهن، وأكثر منهم تأدبًا. ومحادثاتهم أقل بيروقراطية، وهن بصورة عامة لا يتخذن وضع العارفاتعلى النحو الذي يفعله الرجال في كثير من الأحيان، وهن نادرًا ما يلقين محاضرات عند تقديم الإجابات. وكان النساء يقدمنني للهيئة الإدارية العاملة معهن وإلى النساء الأخريات في مكاتبهن، بينما نادرًا ما اهتم الرجال بتلك اللفتة. وكامرأة وكأكاديمية، أوليت اهتمامًا كبيرًا بالطريقة التي تعيد بها النساء صنع أماكن عملهن المؤسسية، وهو ما يختلف عن تنظيم الرجال لأماكن عملهم. ولم تكن مكاتب النساء جميعها توشي بأنها مكاتب أنثوية، ولكن الكثير منها كان كذلك. ففي تايلاند، على سبيل المثال، لم يكن هناك مكتب واحد من المكاتب التي زرتها بدون زهور الأوركيد، والتماثيل البورسلين أو المحفورة الصغيرة، والمفارش الحرير فوق الكتب وتحت صحون النباتات. وكانت الأفنية والشرفات مليئة بالنباتات، وكثيرًا ما كانت النساء يأخذنني في رحلات قصيرة إلى حدائقهن الصغيرة. وفي سنغافورة وهونج كونج بدت مكاتب النساء أكثر غربيةً، وتتسم بالجدية، ولكن في تلك الأماكن كذلك زينت النساء مكاتبهن بأعمال أطفالهن الفنية، وبصور الأسرة، وغير ذلك من التذكارات الشخصية.

لقد وجدت أن الذهاب لتناول طعام الغداء مع الأكاديميين الذكور منظم عادةً على نحو يمكن الزائرين القادمين من الخارج من مقابلة الأكاديميين المهمينورفيعي المستوى الآخرين. أما في حالة النساء فالأمر على العكس من ذلك. إذ حدث مرارًا أنه عندما يُتاح للنساء وقت لتناول طعام الغداء أو شاي بعد الظهر، يكن قد نظمن بالفعل غداءً جماعيًا أو دعين صديقاتهن في القاعة أو في أنحاء الحرم الجامعي لتنظيم غداء جماعي. لقد كانت لديهن الرغبة في المشاركة في وجبة الطعام أو الطعام الخفيف مع الصديقات، وليس مع الأكاديميين ذوي النفوذ والاسم الكبير. وعندما كان الوقت يسمح، كن نذهب بالسيارة إلى مراكز التسوق المحلية أو إلى مطعم خارج الحرم الجامعي كي نتحدث ونضحك ونأكل. والواقع أننا كنا جميعًا نتكلم كثيرًا عن الطعام. فمع الناس يبدو كل شيء أقل ادعاء بكثير. وعلى العكس من ذلك، فقد أمضيت الساعات على مر السنين مع رجال يرتدون الملابس الرسمية في قاعات الجلوس بأندية الكليات نؤدي السيناريو التقليدي الخاص بـ تناول الغداء مع الأولاد“.

وباعتباري امرأة تجري أبحاثًا على النساء، فقد كانت هناك باستمرار مساحة للحديث عن قضايا النساء خارج حدود الأسئلة المتعلقة ببحثي. واشك في حدوث أنماط مشابهة من الحديث النوعي الخاص بين رجال يتحدثون عن نتائج المباريات الرياضية أو السيارات أو صيد السمك، وبصورة عامة، تبدو النساء أكثر ترحيبًا من الرجال عند الحديث عن القضايا الشخصية، من قبيل القصص التي تدور حول الأسرة والأطفال، وحول افتقادهن لأبنائهن الكبار الموجودين بالخارج الآن، وحول الحياة بعد الطلاق أو الترمل. وقد وجدت أن أسلوب معظم النساء الخاص بالتنقل بين الموضوعات المختلفة أثناء الحديث أكثر شمولاً بكثير؛ فهن بذلك يشجعن الباحث على المحادثة بدلاً من تقديم الحد الأدنى من الإجابات أو الخطابات النظرية المطولة. لقد سألت النساء أسئلة عن حياتي، وعن سبب قيامي بهذا البحث، وعما توصلت إليه من نتائج في أماكن أخرى، وعن موطني، وعما إذا كان لدي أبناء أم لا، وهلم جرا. ورغم كل الفروق الثقافية، فإن هناك الكثير من الروابط المشتركة بين النساء التي يمكن أن تقيم جسورًا، حتى في تلك الفترة القصيرة التي تستغرقها المقابلة التي تدوم ساعة واحدة، يمكن من خلالها استكشاف القضايا على نحو مشترك. قد تكون لدينا نظم وقواعد ثقافية وبنى واقع ومعقولية وطرق رؤية مختلفة، ولكن تلك الاختلافات والنظم والقواعد المكتوبة بها هي ما يشكل الشيء الحقيقي“. فالشيء الحقيقي هو باستمرار نظام تمثيل (Trinh, 1989, p. 84)، وهو وثيق بقدر تحدثنا مع أنفسنا وتحدثنا مع بعضنا البعض.

أحمد محمود: صحفى ومترجم.

(*) من كتاب Globlization and Women In Academia North/ WestSouth/ East. By Carinen Luke London: Lawrece Erlbaunr Associates, 2001.

Adler, N. & Izraeli, D. (EDs) (1994). Competitive Fontiers : women Managers in a global Economy. Massachusetts. MA: Blackwell Business.

Ariffin, J. (1994). Women and Development in Malaysia. Kuala Lampur: pendaluk Publications.

Chan, J. (2000). The Status of Women in a Patriarchal State: The Case of Singapore. In L. Edwards & M. Rocese (Ed.), Women in Asia: Tradition, Modrnity and Globalization (pp. 39- 58). Sydney: Allen & Unwin.

Chew, P. (1994). The Singapore council of Women and the Women’s movement. Journal of Southeast Asian Studies. 25 (10, 1-32.

Chua, B. H. (1991). Not Depliticized but Ideologically Succesful: the Public Housing Programme in Singapore. International Journal of Urban and Regional Research, 15(1), 24- 41.

Chutintaranond, S. & cooparat, P. (1995). Comparative Higher ~Eduacation: Burma and Thailand. In A. H. Yee (Ed). East Asian Higher Education (pp.55- 68). Kidlington, UK: Pergamon/elservier Science.

Conway, J., & Bouroque, S. (Eds). (1993). The Politics of Women’s Education Perspective from Asia, Africa and Latin America. Ann Arbor: University of Michigan press.

Dirlik, A. (1996). The Global in the Local. In R. Wilson & W. Dissanayake (Eds.), Global /Local: Cultural Production and the Transnational Imaginary (pp. 197- 221 ). Durham, NC: Duke University Press.

Edwards, L., & Roces, M. (Eds.) (2000). Women in Asia: Tradition, Modernity and Globalization. Sydeny: Allen & Unwin.

Haraway, D. J. (12988) . Situated knowledge: The Sience Question in Feminism and the Privelege of Partial Perspective. Feminist Studies. 14(Fall 1988), 575-599.

Hewison, K., & Rodan, G. (1996). The Ebb and Flow of civil society and the Decline of the Left in Southeast Asia. In G. rodan (ed.), Political Oppositions in Industrialization Asia (pp.40-71). London: Routledge.

Lee, J., Campbell, K., & Chia, A. (1999). The Three Paradoxes: Working Women in Singapore: Association of women for Action and Research (AWARE).

Lui, H. K., Suen, W. (1993). The Narrowing Gender Gap in Hong Kong 1976- 21980. Asian Economic Journal, 7(2), 167 – 180.

Luke, C., & Carrington, V. (2000). Race Matters. Journal of Intercultural Studies, 21 (1), 5 -24.

Luke, C., & Luke, A. (1998). Interracial Families: Difference within Difference, Ethnic and Racial Studies, 21 (4), 728- 754.

Mak, G. (Ed.). (1996). Women, Education, and Development in Asia. New York: Garland Publishing.

Marchand,M., & parpart,

J. (Eds.).(1995). Feminism/Postmodernism/Development. London: Routledge.

Mazumdar, V. (1993). A survey of Gender Issues and Education Development in Asia. In J. Conway & S. Bouroque (Eds), The Politics of Women‘s Education: Perspectives from Asia, Africa, and Latin (pp. 152- 22). Ann Arbor: university of Michigan Press.

Mohamad, M., & Wong, S. K. (1994). Introduction: Malaysian Critique and Experience of Feminism. Kajian Malaysia: Journal of Malaysian Studies, 12(1 & 2), I- xiii.

Phongpaichit, P., & Baker, C. (1996) . Thailand’s Boom. Sydney: Allen & Unwin.

Purushotam, N. (1998). Between Compliance and Resistance: Women and the Middle Class Way of Life in Singapore. In K. Sen & M. stevens (Eds), gender and Power in affluent asia (pp. 127-1660. London: routledge.

Scheurich, J.J. (1997) . Research Method in the Postmodern. London: Falmer Press.

Setiadarma, E. M. (1993). Indonesian Women in Higher Education Management. In E. Dines (Ed.), Women in Higher Education Management (pp. 105- 119). New York: UNESCO/Commonwealth Secretariat Publications.

Sidin, R. (1996). Malaysia. In G. Mak (Ed.), women, Education, and Development in Asia (pp. 119- 142). New York: Garland Publishing.

Sweeting, A. (1995). Educational Policy in a Time of Transition: The Case of Hong Kong. Research papers in Education. 10(1), 101- 129.

Trinh, M. H. (1989). Women, Native, Other. Bloomington: university of Indiana Press.

Unger, D. (1998). Building Social Capital in Thailand. Cambridge: Cambridge University Press.

Vervoorn, A. (1998). Re-orient: Change in asian Societies. Oxford: Oxford University Press.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات