النساء في العالم العثماني منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع
النساء في العالم العثماني
منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
تركز هذه المداخلة على تلك الفئات المحدودة جدًا من النساء – حتى الآن – اللاتي شكلن محور تركيز البحث التاريخي. ويرجع ذلك إلى حد ما، إلى تعرض المصادر للحفظ والزوال بدرجات متفاوتة، كما يرجع بالأساس إلى أننا بسبب تحكم الأهواء في اختيار الموضوعات من قبل الباحثات والباحثين المعاصرين فإنه أصبح في إمكاننا الإشارة إلى “جزر” محدودة نعلم عنها بعض الأشياء، لكنها ضئيلة جدًا مقارنة ببحور جهلنا الشاسعة بلا حدود. ويرتبط هذا الحال بحقيقة أن مؤرخات ومؤرخي العثمانيين تناولوا موضوع النساء إلى حد كبير من منطلق الاهتمام بأدوارهن السياسية. لذلك فقد كانت الباحثات والباحثون قادرين على توضيح أن الأنشطة المرئية لبعض نساء الأسر الحاكمة، واللاتي طالما تم وصمها باعتبارها تطفلاً تقوم به نزيلات الحريم غير المؤهلات, لم تكن بأي حال من الأحوال أنشطة غير شرعية في السياق الذي حدثت فيه. بل إن تلك الأنشطة والفعاليات كونت جزءًا من استراتيجية كاملة للتبرير الذاتي انتهجتها الأسرة العثمانية الحاكمة، والتي كان لها ما يبررها في المجال السياسي، على الرغم من أن نساء الإمبراطورية المشاركات فيها كن في كثير من الأحيان موضوعًا للانتقاد من قبل معاصريهن المنحازين ضد للنساء (للمزيد عن القرنين السادس عشر والسابع عشر: Peirce 1993, Singer 2002، وللمزيد عن القرن الثامن عشر: Artan 1993).
وفي سياق محلي محدود، أدى هذا الاهتمام بالقضايا السياسية، بالمعنى الواسع للكلمة، إلى بروز النساء من أوساط الأعيان، فتساءل المؤرخون والمؤرخات عما إذا كان للإناث دورًا لعبنه في استقرار تلك العائلات التي كانت “محدثة النعمة” في العادة، كما تساءلوا في حالة الإيجاب عن كيفية قيامهن بتلك الأدوار. كما يركز الكثير من تلك الدراسات أيضًا على قضايا الملكية والتعامل معها من قبل الإناث. وبالنسبة للقرن التاسع عشر، كان الاهتمام يدور حول المراحل الأولى من الالتحاق بالمهنة، والذي يمكن أن نعتبره، ضمن أمور أخرى، استراتيجية للحفاظ على الوضع المتميز للأسرة في وقت أصبح فيه من الصعب على أفراد الأسرة من الذكور الالتحاق بالجيش أو الإدارة. وعلى العكس من ذلك فقد تم تجاهل النساء اللاتي لم يقمن بأية أدوار سياسية صريحة نوعًا ما.
بعد تقديم عرض مختصر للمصادر الأولية ذات الصلة بالموضوع تناقش المداخلة وضع الإناث في الأسرة الحاكمة، وكذلك نساء الأعيان وعلماء الدين، بما فيهم من أثبتوا أنفسهم ككتاب. بداية من منتصف القرن التاسع عشر ينتقل الاهتمام نحو النساء الحضريات اللاتي كن جزءًا من النخبة، وإن كانت أسرهن لم تصل بالضرورة إلى قمة الهرم الاجتماعي والسياسي. وخلال العقود الأخيرة السابقة على عام ۱۹۰۰م، وبدرجة أكبر في الفترة ۱۹۰۰ – ۱۹۲۳م، كانت بعض هؤلاء النساء يقرأن المجلات والجرائد، كما مارسن الكتابة في بعض وسائل الإعلام المكتوب. كذلك، فإن منهن من بدأن في العمل خارج المنزل خاصة كمدرسات، أو العمل في منظمات خيرية. لذلك نجد أن التعليم الرسمي شكل موضوعًا رئيسيًا في تاريخ النساء في نهايات الحكم العثماني.
وتشير غالبية المعلومات السكانية القليلة التي نعرفها إلى أواخر القرن التاسع عشر، ونتيجة للطفرة التي شهدها التنظيم البيروقراطي وجمع المعلومات يمكننا أن ندعي بأن لدينا ما نقوله عن الزواج كما كان يتم في مدن كبيرة بعينها، خاصة في إسطنبول. لكن معلوماتنا ما زالت للأسف قليلة جدًا فيما يتعلق بالغالبية العظمى من السكان الإناث، أي الفلاحات، إذ تنحصر بالأساس حول عدد قليل من القرى التابعة لما سوف يصبح في المستقبل بلغاريا. وينطبق الشيء نفسه على فقراء المدن، حيث تلقي مقالات يافوس سليم كاراكيشلا بعض الضوء على النساء الفقيرات في الحضر أثناء الحرب العالمية الأولى. ورغم أننا سوف نركز على النساء المسلمات، إلا أن المدن الكبيرة في الأناضول والبلقان كانت متعددة الثقافات مما يمكننا من أن نقول شيئًا عن بعض فئات النساء المسيحيات واليهوديات أيضًا.
المصادر الأولية
حين نسعى إلى قياس ثراء الأميرات العثمانيات فإن معرفة أنواع الطعام وأدوات الطهي التي كانت مخصصة لهن من قبل الإدارة المركزية للقصر يمكن أن تمدنا بمعلومات قيمة للغاية (Artan 2000). كذلك ركز الباحثون والباحثات فيما يخص أخوات وبنات السلاطين على سجلات ممتلكاتهن مدى الحياة، مستعينين أحيانًا بالنقوش المكتوبة على المباني المملوكة للمؤسسات الخيرية. ما سمي بسجل “بستانجيباشي دفترليري” يشمل قائمة بأهم القصور المطلة على بحر البسفور حوالي عام ١٨٠٠م، وهي تضم القصور المملوكة للأميرات وللنساء الحضريات الثريات (لمعرفة مكان الوثائق المختلفة أنظري / أنظر: Kayra and Uyepazarci 1992، 2).بالإضافة إلى ذلك فإن بعض سيدات القصر تركن أعدادًا كثيرة أو قليلة من الرسائل، كما ما زالت هناك بعض قوائم الهدايا القيمة التي حصلت عليها الأميرات بمناسبة زواجهن (للاطلاع على الرسائل المنشورة أنظري/ أنظر Ulucay 1950، وللمزيد عن سجل الهدايا انظري/ انظر Delibas 1988.وغالبية تلك الوثائق موجودة في أرشيف قصر توبكابي، أو في حالة الملكية مدى الحياة، نجدها في أرشيف باشباكانليك والأرشيف العثمانلي في إسطنبول، كما يوجد دليل كامل لسجل الهدايا: (Anonymous 1998).
ويمكن أن تكون النساء القائمات بالملاحظة من خارج المجتمع المحلي مصدرًا آخر للمعلومات المفيدة، خاصة الليدي ماري موناتغو فيما يخص بدايات القرن الثامن عشر، وجوليا باردو فيما يخص بدايات القرن التاسع عشر. فقد تمكنت الزائرتان من الحديث مع بعض سيدات القصر أو على الأقل تمكننا من مشاهدة ووصف ديارهن والتي تكاد أن تكون اختفت تمامًا اليوم (للاطلاع على روايات الرحلات المنشورة أنظري / أنظر Montagu 1993، وللمزيد حول هذا الموضوع أنظري / أنظر (Melman 1992، 49- 50 and passim). في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تلعب المذكرات والرسائل الشخصية دورًا أكثر أهمية عنه في القرن الثامن عشر، وتشمل هذه المصادر الكتاب الذي تم ترجمته أكثر من مرة والذي كتبته الشاعرة والموسيقية ليلى (ساز) التي تحكي مذكراتها المدونة حوالي عام ۱۹۰۰م عن حريم السلطان عبد المجيد الذي عايشته المؤلفة في طفولتها( Saz 1991، وهي نسخة مختصرة من مذكراتها التي نشرت مسلسلة في جريدة فاكيت (Vakit) وجريدة إليري (lleri)، وكلاهما صحيفتان من إسطنبول. إن أفضل مجموعة من الجرائد العثمانية التركية موجودة في مكتبة (Hakki Tarik Us Library) في إسطنبول، (لكن الوصول إليها لم يعد سهلاً منذ زلزال ۱۹۹۹م). كذلك تركت إحدى بنات السلطان عبد الحميد مجلدًا من المذكرات، أعيدت طباعته مرات عديدة، على حين سمحت الرسائل الشخصية الكثيرة للأميرة رفيعة سلطان، إحدى بنات السلطان عبد المجيد، بكتابة سيرة كاملة لحياتها (Osmanoglu n.d، وعن ابنة السلطان عبد الحميد أنظري / أنظر Akyildiz 1998).
وفيما يخص النساء في الطبقة المعنية في فترة ما قبل منتصف القرن التاسع عشر (وقد يكون قبل ذلك أيضًا وإن كان لا توجد أبحاث في هذا الشأن) تتضمن سجلات القضاة في المدن والبلدان الرئيسية، مثل أسطنبول أو بورصة أو قيصري، تتضمن سجلات بقضايا قانونية ومعاملات تجارية شاركت فيها النساء بالإضافة إلى قوائم جرد عقارية (فيما يخص تركيا سوف نجد تلك السجلات محفوظة في أغلبها في المكتبة الوطنية بأنقرة، (أنظري/ انظر Akgunduz et al., 1988 – 89، وللمناطق خارج تركيا انظري/ انظر Faroghi 1999, 76- 79). كما نجت بعض تلك القوائم من الزوال ووصلتنا كملفات فردية حين تمت مصادرة ميراث نساء أسر الأعيان، وهو الأمر الذي ارتبط أحيانًا بمصادرة أملاك أزواجهن (Basbakanlik Arsivi- Osman Arsivi) وللاطلاع على مصدر ثانوي: (Faroghi 1992). أما للفترة ما بعد حوالي عام ١٧٥٠م فيوفر لنا دفتر أحكام الولاية، المؤسس حديثًا، مصدرًا إضافيًا، حيث يشمل توثيقًا للحالات التي لم يمكن حلها في المحاكم المحلية والتي أحيانًا ما تضم قضايا يكون المدعي والمدعى عليه فيها من النساء (Basbakanlik Arsivi- Osmanlı Arsivi)، أنظري / أنظر (Faroqhi 1997).
يندر ذكر النساء غير المسلمات في كل من سجلات القضاة ودفتر أحكام الولاية، لكنهن على الأقل يظهرن من حين إلى آخر. ويبدو أن ما هو معروف عن النساء اليهوديات أكثر مما هو معروف عن النساء الأورثوذكس. وقد يعود ذلك جزئيًا إلى نشر المعلومات التي كتبت على شواهد القبور اليهودية في إسطنبول والكثير منها يحمل على الأقل معلومات غير مباشرة عن عمر الفرد وقت الوفاة (Rozen 1996)، وبالإضافة إلى ذلك تم تحليل كتابات بعض حاخامات اليهود السفرديم فيما يتعلق بوجهة نظرهم حول النساء. أما فيما يخص الإناث من السكان الأورثوذكس فإن الأدلة التي تمكنت من الحصول عليها من خلال الأدبيات الثانوية تعود بالأساس إلى القرن التاسع عشر. وبالنسبة للنساء الأرمنيات فإن بعضا من المصادر غير المكتوبة باللغة الأرمنية تشير إلى نساء المسرح، فطوال فترة الإمبراطورية كانت الممثلات الأرمنيات يقمن دائمًا بتمثيل (أو غناء) الأدوار النسائية حتى في المسرحيات المكتوبة باللغة العثمانية. وبالتالي فإننا نجد توثيقًا لهؤلاء النساء في البرامج المسرحية والعروض الصحفية لتلك الأعمال في هذه الفترة (للمزيد أنظري / انظر And 1972, 147 ff ) .
إن البحوث التي تتداول قوائم الموارد التي تفرض عليها الضرائب في أربعينات القرن التاسع عشر لا تزال في بداياتها، ومن ثم ما زال علينا انتظار نتائج هذه البحوث فيما يخص المعلومات الواردة في ذلك الكم الهائل من القوائم بشأن النساء الميسورات في الإمبراطورية (Basbakanlik Arsivi- Osmanli Arsivi). وفي الفترة التالية على ثمانيات القرن التاسع عشر كان يتم تسجيل الزواج رسميًا، على الأقل في إسطنبول، حيث تضم تلك السجلات بعض المعلومات عن العرائس (Duben and Behar 1990، أما معلومات التعداد السكاني المرتبطة بهذا الموضوع موجودة في سجلات أدلة السكان لمختلف القطاعات في إسطنبول، ص ٢٥٢ –٣). لكن المصدر الأساسي لتلك الفترة هو الدوريات التي كتبت من أجل النساء و“صفحات المرأة” المستقلة في الإصدارات التي استهدفت بالأساس الرجال من القراء (Cakir 1994، ويمكن أن نجد المجموعة الكاملة من تلك المجلات في مكتبة Kadin Eserleri Kutuphanesi مكتبة في إسطنبول). ويمكن استكمال تلك الجرائد والمجلات بالإصدارات الأكثر طولاً التي كتبت بواسطة الأديبات من النساء مثل خالدة أديب (أديفار). وعلى الرغم من أن كتاباتها تعود إلى زمن لاحق، إلا أن مذكراتها تلقي بعض الضوء على عملية تكوين امرأة مثقفة تنتمي إلى أواخر القرن التاسع عشر (Edip 1926).
منذ عام ۱۷۰۳م حين اضطر أحمد الثالث إلى التعهد بأنه من الآن فصاعدًا سوف يعيش في إسطنبول، بدأت بناته، وفيما بعد أيضًا السلالة النسائية لباقي السلاطين، في لعب دور هام في تكوين الصورة العامة للأسرة الحاكمة. وقد انعكس ذلك في الفيلات الأنيقة على شواطئ البسفور التي وهبت لهؤلاء الأميرات في كثير من الأحيان بعد ميلادهن بوقت قصير، أو على الأقل حين كان يتم تزويجهن للوزراء في سن صغيرة، حيث أن أزواج هؤلاء الأميرات كانوا في كثير من الأحوال يرسلون إلى الأقاليم، على حين لم يتركن هن العاصمة، وبالتالي أصبحت تلك الفيلات مرتبطة بساكناتها الدائمات (Artan 1993).
وقد انعكس هذا الأمر في الهندسة المعمارية، فكثيرًا ما كان قسم الحريم أكثر أناقة من ذاك المخصص للوزير وزواره من الرجال. والأرجح أن ذلك الرقي المعماري اعتبر أمرًا ضروريًا حيث كثيرًا ما كان السلاطين يزورون بناتهم أو أخواتهم على شواطئ البسفور. كذلك فإن بعض الأميرات اهتممن كثيرًا بإعادة بناء فيلاتهن: لذلك قامت هاتيس سلطان، شقيقة سليم الثالث، بتكليف المهندس الفرنسي أنطوان إيغناس ميلينغ ببناء أولى مباني إسطنبول على الطراز الكلاسيكي الجديد (Perrot, Hitzel, and Anhegger 2001).والمراسلات التي دارت بين هذه الأميرة وفنان بلاطها “المصمم متعدد المواهب” ميلينغ ما زالت موجودة، حيث يحتمل أن زوجة الأخير كانت تقوم بدور الوسيط (تم توفير هذه المعلومات بواسطة طولاي أرتان). وفي حالة وفاة أية أميرة لم تكن فيلاتها تنتقل إلى ورثتها وإنما كانت تعطى “كمحل إقامة رسمي” لأميرة أخرى.
وعلى العكس من رفيقات السلطان اللاتي كن يعشن في القصر وكانت لهن صلات قليلة بالعالم الخارجي، فإن بعض بنات وأخوات سلاطين الفرن الثامن عشر المتزوجات كن قادرات على خلق شخصية عامة لأنفسهن، وقد شمل ذلك ظهورهن في الاحتفالات المنظمة بواسطة ومن أجل نساء النخبة (Aynur 1995).وكان منهن راعيات للفنون، لذلك فقد أهدى الشاعر المولوي، الشيخ غالب، بعضا من أعماله إلى بيهان سلطان (١٧٦٥ – ١٨٢٤م) وهي من أخوات سليم الثالث التي شاركت أخاها اهتمامه بالموسيقى.
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، أصبح فريق غناء الغلمان التابع للسلطان، والمعروف جيدًا في سجلات القرن السابع عشر، نظير ممثلاً في فريق من النساء افتخرت عضواته بمهاراتهن. فقد تم إعطاء الدروس الموسيقية للواعدات من فتيات الحريم، بعد تخصيص رفقة ملائمة لهن، وذلك على أيدي أفضل المدرسين البارزين الموجودين، وكانت تلك الدروس تتناول الموسيقى العثمانية والأوروبية ( Saz 1991، وأنظري/ انظر أيضًا Sagaster 1989 ). وقد ظل التدريب الموسيقي حتى نهاية تلك الأسرة الحاكمة أمرًا هامًا بالنسبة لأقارب السلاطين من النساء اللاتي كان يتم تصوير من جنبا إلى جنب مع أدواتهن الموسيقية (على سبيل المثال: Renda ed. 1993، 249 ). وما زال الخليفة الأخير، عبد المجيد أفندي، الذي درس فن الرسم تبعًا للأسلوب الأوروبي، حاضرًا في الذاكرة بسبب عزفه لموسيقى بيتهوفن في حفل أقيم في فناء القصر.
أسست بعض النساء الأسرة الحاكمة مؤسسات دينية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فعلى سبيل المثال قامت زيفكي قادين، واحدة من نزيلات حريم السلطان عثمان الثالث في عام ١٧٥٥م بتأسيس مدرسة مزينة بنافورة ضخمة في فنديكلي على الطريق من غلاطا إلى بيشيكتاش. كذلك قامت زينب سلطان (المتوفاة عام ١٧٧٤م) ببناء مجمع إسلامي ومسجد ما زال موجودًا حتى الآن أمام آيا صوفيا، على حين أوقفت شيبصافا قادين (المتوفاة عام 1805م) مجمعا مكونًا من مسجد ومدرسة ابتدائية تم تجهيزه لاستقبال التلميذات. وفي القرن التاسع عشر اشتهرت والدة السلطان، “بيزم عالم” باهتمامها بالمدارس، وعلى سبيل إبداء دعمه لمبادرة والدته قام السلطان نفسه بضم اثنين من أبنائه في المؤسسة التي أنشأتها. وما زالت تلك المؤسسة عاملة حتى يومنا هذا، وكذلك مستشفى “الغرباء المحتاجون” التي أسستها نفس الشخصية. كذلك فإن إحدى بنات الخديوي محمد علي باشا، الذي كان في يوم ما منافسًا لمحمود الثاني على العرش العثماني، فكانت تعرف في تركيا باسم زينب كامل (1825 – ۱۸۸۲م) نسبة إلى زوجها، وقد قامت هي أيضًا مثل سيدات أسرة السلطان بتأسيس مستشفى ضخم ما زال يعمل حتى الآن، وإن كان انتقل إلى مبنى جديد. أما آخر أمهات السلاطين، والتي تركت اسمها على خريطة المدينة من خلال المؤسسات الخيرية الضخمة، فهي بيرتيفنيال والدة السلطان عبد العزيز الذي جاء بعد السلطان عبد المجيد. فقد قامت بتأسيس المسجد ذي الطراز الانتقائي الذي ما زال موجودًا حتى الآن في حي أكسراي بإسطنبول، إضافة إلى المدرسة المجاورة له والتي ما زالت قائمة وتحمل اسم والدة السلطان. كذلك قامت بيرتيفنيال بتبني تقاليد بعض أمهات السلاطين من القرن السابع عشر بإنشاء مؤسسة ذات أغراض عسكرية، حيث قامت بإنشاء قسم جديد في ميناء إسطنبول بهدف بناء السفن البحرية. ومع عزل السلطان عبد الحميد الثاني في عام ١٩٠٩م، تم حل مؤسسة الحريم السلطاني العتيقة، وقامت بعض أسر خادمات الحريم باستعادة بناتهن بينما تم تزويج أخريات، لكن عددًا لا بأس به منهن اضطررن إلى مواجهة الحياة بأنفسهن على قدر المستطاع (للاطلاع على رواية واحدة من بنات السلطان عبد الحميد: Osmanoglu n.d., 131- 153 ).
وقد تطلبت أعمال الرعاية والدعم وجود موارد مالية. وقد كانت الكثيرات من أميرات القرن الثامن عشر بالغات الثراء نتيجة لحقهن في الاستفادة من عائد الضرائب طوال حياتهن. وبالتالي فقد كان وكلاؤهن في الأقاليم شخصيات ذات نفوذ بل وفي بعض الأحيان كانوا مصدرًا للمتاعب لدافعي الضرائب، ويشهد على ذلك بشكل جيد حالة “حاجي علي آغا” الذي كان يدير إقطاعية الضرائب الخاصة بالأميرة “أسما سلطان” (۱٧٢٦ – ۱۷۸۸م) في أثينا في أواخر القرن الثامن عشر (Strauss 2002). وحيث كانت هؤلاء الأميرات يدرن منازلهن ببذخ شديد، فقد توفي معظمهن وهن مديونات بشدة (Artan 1993, 91- 92).من هنا نرى أن الميزانية الضخمة الخاصة بالكماليات، والتي كان ينظر إليها كثيرًا على أنها مواكبة للاهتمام المتزايد من قبل نساء الإمبراطورية العثمانية بالسلع الاستهلاكية الأوروبية منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعدًا، كانت في الواقع تعود إلى زمن سابق على ذلك بكثير.
نساء النخبة والاستهلاك
ركزت الدراسات الحديثة عن الاستهلاك في الإمبراطورية العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على الدور المتنامي للنساء من أسر النخية بغرض تأكيد وضعهن الاجتماعي إضافة إلى وضع أزواجهن وأبنائهن وآبائهن (Zilfi 2000).ويميل المؤرخون والمؤرخات إلى اعتبار أن القرن الثامن عشر كان فترة لعبت فيها نساء إسطنبول الميسورات ماليًا دورًا أكثر فاعلية في الاستهلاك، حيث تعتبر الأوامر السلطانية المتعددة بقمع صيحات “الموضة” مؤشرات على هذا التغير، إضافة إلى شكوى الكتاب من الرجال إزاء ما استشعروه من الإصرار الملموس والمطالب المادية من قبل نسائهم (Zilfi 1995, 1996). ومع ذلك يجب علينا توخي الحذر، فمؤلفو أواخر القرن التاسع عشر من أمثال أحمد مدحت كانوا يميلون إلى اعتبار أن الشباب من الرجال، وليس الإناث، هم أكثر المستهلكين تبذيرًا.
لقد ركزت العديد من الدراسات على دخول الصيحات أوروبية الطراز إلى الدوائر الخاصة للميسورات من النساء، وقد عرف هذا النمط من الحياة باسم “كوشك حياتي” (Micklewright 1987, 1990, Seni 1995).وبداية من ثمانينات القرن التاسع عشر كانت هؤلاء النساء، والأميرات أيضًا، يرتدين ملابس مستلهمة من الطراز الفرنسي في المنزل وفي الحفلات الخاصة، مع تغطية تلك الملابس بالمعاطف والحجاب عند الظهور في مكان عام. وقد كانت تلك السنوات هي التي شهدت تبني بعض النساء لأول مرة ارتداء “الشرشف” الأسود الذي يحيط بكل شيء والذي لم يكن يومًا جزءًا من اللباس العثماني “التقليدي“، بل إن واقع الأمر هو أن السلطان عبد الحميد كان قد منع ارتداء هذا اللباس على مقربة من القصر لأنه كان يرى فيه خطرًا أمنيًا.
ومن المثير للاهتمام بشكل خاص هو أنه لم يحدث تبنّ كامل للصيحات الأجنبية، بل تم المزج بينها وبين عناصر من أنماط الملبس القديمة (Frierson 2000).وبالتالي فقد نجد ثوبًا عثمانيًا مزحرفًا بتفاصيل مأخوذة عن الموديلات الفرنسية، أو قد يكون القماش محليًا ويتم تفصيله باستلهام أجنبي. إن هذا النوع من المواءمة، بالإضافة إلى الفوارق في خطوط الموضة بين جيل وآخر، يمكن استقراؤه من الصور التي التقطت في ستوديوهات التصوير التي انتشرت بين العائلات المسلمة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وتتفق تلك الملاحظات ما سبقها من أن صناعة النسيج العثمانية لم تنهار مع دخول المنتجات الأجنبية المصنعة آليًا إلى سوق الشرق الأوسط، بل إن الكثير من المنتجين تمكنوا من الاستمرار بسبب قدرتهم على الاستجابة للأذواق المحلية (Quataert 1993) .
وهناك نوع آخر من الاستهلاك لم يقدر عليه سوى الأثرياء ألا وهو امتلاك العبيد Toledano 1998, Erdem 1996)).وقد خصصت ليلى (ساز) فصلاً من مذكراتها لعبيد المنزل بين صفوة إسطنبول، والذي كان – باستثناء بعض الخصيان – شأنا أنثويًا (Saz 1991, 50- 109).وكانت نساء العبيد من الأفارقة عادة ما يتم تشغيلهن كخادمات، على حين كان الملاك من الذكور يفضلون النساء القوقازيات كمحظيات. وحيث أن ذلك التفضيل كان يسري أيضًا على حريم السلطان، فقد حدث تعاون سري مع الأسر الشركسية المقيمة في الأناضول التي كانت تخرق القانون الديني الإسلامي من خلال بيع بناتها في سوق العبودية، حيث كان استعباد مواطني أي حاكم مسلم، بغض النظر عن عقيدته، ممنوعًا بحكم الشريعة. ورغم منع التجارة في العبيد السود عام ١٨٥٧م، إلا أنها استمرت بشكل غير رسمي خلال القرن التاسع عشر، وإن كان العدد قد انخفض بدرجة كبيرة. ومن بين المثقفين، ساهم الكتاب العثمانيون بداية من سبعينات القرن التاسع عشر في تجريم تلك الممارسة من خلال إصرارهم على أن كل ارتباط بين الرجال النساء يجب أن يكون طوعيا (Parlatur 1987, 39 and passim) .
وفيما يخص العبودية في إقليم أنقرة ما بين حوالي عام ۱۷۸٥ وعام ۱۸۷۰م كان المعتاد بين الموسرين، بما في ذلك القلة من العثمانيين المسيحيين أو حتى المقيمين من الأجانب، أن يحصلوا على العبيد، رجالاً ونساءً، عن طريق تجار عبيد معترف بهم. ورغم أنه يبدو أن غالبية مالكي العبيد كانوا من الذكور إلا أنه من الموثق أن بعض النساء أيضًا كن يملكن العبيد، وكان الكثير من هؤلاء يوصف بأنه آت من “عرب وآسم“، وهو مصطلح يفترض أنه يشير إلى السود (العرب) وسكان القوقاز (آسم) والذين كانوا أحيانًا يوصفون بقدر أكبر من الدقة بأنهم جورجيون (Özdemir 1986, 128 – 129).
أظهرت الدراسات التي أجريت على الأقاليم العربية في الإمبراطورية العثمانية أن الصلات كانت تعقد فيما بين وداخل مجموعات النخبة من خلال الزيجات. وحين كانت تدور المفاوضات بشأن تلك الصلات كان من العرائس الصغير يحول بينهن وبين أن يكون لهن أي رأي في الأمر. لكن من بين هؤلاء كانت هناك بعض النساء اللاتي تمكن في مرحلة لاحقة من حياتهن من الدفاع عن ميراث أسرهن، ومن ثم تبوأن مواقع ذات سلطة في تلك الأسر. أما بالنسبة للبلقان والأناضول، فإن عدد الدراسات التي بحثت في دور النساء في أسر أعيان الحضر والريف أقل بكثير. مع ذلك، فلدينا مقال عن أسرة بيناكي من شبه جزيرة بيلوبونيزيا والتي انضم رب الأسرة إلى انتفاضة شبه الجزيرة بعد نزول فيلق روسي في عام ۱۷۷۰م، واضطر نتيجة لذلك إلى القرار حرصا على حياته. فقد كان لهذا الشخص إحدى القريبات التي بقيت في المنطقة العثمانية وتمكنت في النهاية من استعادة جزء لا بأس به من الميراث المفقود (Veinstein 1986).وهناك أيضًا نساء أخريات عرف عنهن أنهن ساهمن في مؤسسات عائلية، الأمر الذي يفترض درجة من التحكم في ممتلكاتهن الخاصة بل وأيضًا في مصيرهن (Faroqhi 1992) .
ونجد في بعض طرق الدراويش أنه يمكن لزوجة شيخ ذي سلطة كبيرة أن تتبوأ هي الأخرى وضعا ذا نفوذ. وبالتالي فإن مثل تلك الشخصية بين أعيان إسطنبول كان يمكن أن تتحمل بعض المسؤولية فيما يخص النزلاء والضيوف، ومن ثم تصبح معروفة باسم “أم الدراويش” (Clayer, forthcoming) .أما النساء الأخريات من سلالة شيوخ الدراويش فقد يرثن مناصب كمديرات للمؤسسات، وإن كان يكاد أن يكون من المستحيل أن نحدد حجم السلطة الحقيقية التي تتيحها تلك المناصب لشاغليها.
وفيما يخص النساء اللاتي تمتعن بقدر من الثراء و/ أو المكانة الاجتماعية، من المسلمات وغير المسلمات، فقد أثارت الظروف التي تمكنّ فيها من تمثيل مصالح الأسرة في مواجهة السلطات العثمانية اهتمامًا كبيرًا. وكان يمكن لهذا التمثيل أن يحدث في الحالات التي يكون فيها الأزواج عاجزين بسبب مشاركتهم في الحرب أو بسبب المرض أو السن المتقدمة، وإن كانت الحالتان الأخيرتان غير واضحتين تمامًا في المصادر. هذا وقد تم التوثيق بشأن النساء اللاتي كن يمثلن مصالح أسرهن بالأساس حين كن يلجأن إلى الإدارة المركزية للشكوى من أشكال الظلم التي وقعت على أقاربهن من الرجال، أو بدرجة أقل أقاربهن من النساء، وذلك من الأعداء المحليين الذين نكاد لا نملك بشأنهم أية معلومات موثقة، ممن يتهمون بالابتزاز والتخويف وفي أحيان حتى بالقتل. ومن الجدير بالذكر أنه في القرن الثامن عشر على الأقل لم يكن باقي الأقارب من الرجال يتدخلون تلقائيًا للدفاع عن مصالح الأسر التي كانت تحرم من عائلها حرمانًا مؤقتًا أو دائمًا (Faroqhi 2002) .
السكان: النصف الأنثوي من السكان العثمانيين
من الصعب الحصول على معلومات حول دورة حياة الأنثى – أو الذكر – في القرن الثامن عشر. وبالتالي لا يمكن وضع تصور كامل بدرجة ما للسير الحياتية إلا في بعض الحالات القليلة جدًا. ونظرًا لأنه لم يكن من المعتاد أن يذكر سن الوفاة على شواهد قبور المسلمين أو في قوائم ما بعد الوفاة، فإننا نبقى في أغلب الأحوال محدودين بقوائم ورثة المتوفى التي تظهر بشكل متكرر ومنتظم في وثائق الأخير (في المدن الأكبر كانت قوائم ما بعد الوفاة تحفظ في سجلات منفصلة، وتصنف جنبًا إلى جنب مع “سجلات القاضي“، وكان الأكثر شيوعًا هو ضم تلك القوائم إلى “سجلات القاضي” العادية). وكانت تلك القوائم ترصد فقط أفراد الأسرة الباقين على قيد الحياة وقت وفاة الشخص، ومن ثم فهي غير مفيدة في توضيح العدد الإجمالي للأولاد المولودين في إطار زيجة بعينها. كذلك فإن هذه المصادر توضح أن عدد الأبناء الذين كانوا يعيشون أطول من أمهاتهم أو آبائهم كان ضئيلاً. ولا يمكن أن نحدد ما إذا كان ذلك بسبب ارتفاع معدل وفيات الأطفال أو على الأقل جزئيًا بسبب التحديد الواعي لعدد أفراد الأسرة.
وبما أن الزوجات كن يرثن دائمًا فإن تلك القوائم كانت تشير إلى تعدد الزوجات من عدمه. فالزيجات الوحيدة التي كانت تضم أكثر من زوجة وكانت تستبعد من ذلك النوع من السجلات كانت تلك التي تتوفى فيها واحدة من الزوجات قبل زوجها. وقد استنتج من تلك السجلات أن تعدد الزوجات لم يكن شائعًا في مدن الأقاليم العثمانية المركزية، وقد تم التدليل على تلك الملاحظة رسميًا بالنسبة لمنطقة سالونيك حوالي ۱۸٤٠م (Anastassiadou 1997 m 215) مما يؤكد الانطباع الذي يأتينا حين نمر سريعًا على قوائم ما بعد الوفيات في مدينة بورصة في القرن الثامن عشر.
هناك أدلة أفضل من ذلك فيما يتعلق بمدينة إسطنبول، فمنذ ثمانينات القرن التاسع عشر وحتى العقد الأول من القرن العشرين تشير سجلات الزواج إلى أن تعدد الزوجات لم يتجاوز ٢% من كل زيجات المسلمين. كذلك فإن هذا النوع من الزواج كان مقصورًا على مجموعات اجتماعية بعينها مثل علماء الدين والقانون وبعض أصحاب المقام الرفيع في البلاط، الذين يفترض أنهم قاموا بتقليد عادات الأسرة الحاكمة. أما التجار والحرفيون فكان يحدث أن يطلقوا زوجاتهم، لكنهم لم يتزوجوا بأكثر من زوجة واحدة في نفس الوقت. إن هذا التوافق في الملاحظات بين بورصة وسالونيك وإسطنبول يشير إلى أنه ربما تكون المدن الإقليمية الكبيرة قد تبنت نهج العاصمة في ذلك الأمر كما في أمور أخرى.
وفي أواخر القرن التاسع عشر في اسطنبول كان من العرائس يتراوح ما بين ۱۹ و ۲۰ عامًا، وكان السن عند الزواج الأول يميل إلى مزيد من الارتفاع من ثم فإن زواج المراهقة لم يكن معتادًا في العاصمة في ذلك الوقت. ومع غياب التوثيق لا يمكننا أن نقرر ما إذا كان ذلك أيضًا صحيحًا بالنسبة للفترات السابقة أو أنه يرجع في البداية إلى وجود صعوبات اقتصادية أدت إلى تأخير تأسيس الأسر الجديدة، وبسبب الانتشار التدريجي لتعليم الإناث بعد عام ۱۹۰۸م (Duben and Behar 1990, 126- 127) .
إن المعلومات القيمة حول التاريخ الديموغرافي لفلاحي البلقان في القرن التاسع عشر تنبع من بعض القرى البلغارية الكاثوليكية التي تدرب قساوستها في روما ومن ثم احتفظوا بسجلات للتعميد والزيجات والجنازات تبعًا لتقاليد كنيسة الروم الكاثوليك، على حين لم يحتفظ الأورثوذكس بمثل تلك السجلات الموثقة (Todorova 1993)، ونظرًا إلى أن القرويين المعنيين عاشوا في ظل نفس الظروف العامة مثل جيرانهم غير الكاثوليكيين، فيمكننا أن نفترض أن الأنماط الديموغرافية الملحوظة في تلك الأماكن الموثقة هي بشكل أو بآخر ممثلة لاتجاهات أوسع. فمن الواضح أن البلغاريين في القرن التاسع عشر كانوا يعيشون مرحلة الانتقال الديموغرافي من مجتمع ذي معدل مواليد ووفيات عال إلى نوع آخر من المجتمعات ينخفض فيه معدل الوفيات على حين لم تتخذ المواليد نفس المنحى قبل منتصف العشرينات من القرن العشرين، أي بعد فترة طويلة من انتهاء الحقبة التي نحن بصددها. كان بمقدور نساء القرى البلغاريات إذا أن يتوقعن أنهن سوف يتزوجن في سن صغيرة وينجبن عددًا كبيرًا من الأطفال، والأرجح أنهن سوف يفقدن بعضًا منهم خاصة بسبب مرض الجدري.كذلك كان من المحتمل أن يتوفين هن ذاتهن أثناء الولادة أو بعدها بفترة قصيرة. لكن النساء اللاتي نجين من تلك المرحلة المليئة بالمخاطر كن على الأرجح يعشن حياة أطول من أزواجهم. وإذا أخذنا في الاعتبار الفرق في العمر بين الأزواج، فقد أدى هذه الوضع إلى وجود عدد كبير من الأرامل.
قبل عام ١٧٠٠م بوقت طويل حاولت الدولة العثمانية من حين إلى آخر تنظيم الأسلوب الذي تظهر به النساء في الأماكن العامة وذلك من خلال القرارات التي تصدر عن السلطان، والتي تحدد على سبيل المثال أنواعًا معينة من القماش للمسلمات أو لغير المسلمات. وفي بدايات ومنتصف القرن الثامن عشر اشتدت تلك المحاولات لتحكم الدولة في سلوك النساء، خاصة في الثياب المخيطة، على الأقل هذا هو ما كان عليه الأمر لو صحت المراجع الواردة في المصادر الأولية. وقد ارتبط ذلك بمحاولة الإدارة أن تكسب لنفسها الشرعية من خلال إبداء الاهتمام بالنظام العام، وربما أيضًا بسبب ملاحظة أن نساء أسطنبول الأكثر ثراء بدأن في إظهار درجة أعلى من توكيد الذات، خاصة في مجال الاستهلاك (Zilfi 1995, Quataert 1997) .
لكن خلال حكم سليم الثالث بدأت الدولة العثمانية في التدخل من أجل منع وتجريم الإجهاض. لم يكن هناك أي تناول لهذا الأمر في أي من الفرمانات السلطانية قبل ذلك، حيث أن المذهب الحنفي في القانون الإسلامي يسمح بالإجهاض خلال الأربعة شهور الأولى من الحمل بشرط موافقة الزوج. كذلك تم منع الإجهاض في المرسوم الصادر في عام ۱۸۳۹م وذلك بالتزامن مع الجهود الأولى لإعادة هيكلة الدولة والمعروفة باسم “التنظيمات“. ولم تتم إضافة هذا المنع إلى أول قانون جزائي عثماني الصادر عام ١٨٤٠م وعام ١٨٥١م، وربما يرجع ذلك إلى السعي إلى تجنب الجدل الذي قد يثيره تجريم أمر مسموح به تبعًا للقانون الإسلامي. والأرجح كذلك أنه ولنفس السبب لم تتوجه القوانين التي تلته إلى النساء اللاتي قمن بالإجهاض ولا إلى أزواجهم الذين لابد وأنهم حرضوهن على ذلك في كثير من الحالات. والواقع هو أن انتباه المشرع توجه إلى الأطباء والصيادلة والقابلات الذين كانوا غالبًا من يمتلكون المعرفة الفنية بتلك العملية. وكتبرير لذلك، أكدت بعض النصوص المكتوبة من قبل رسميين من مستوى رفيع أن التعداد الكبير للسكان هو أمر ضروري للدولة القوية، ومن منطلق ديني ثانوي أكدوا على أن عدم قبول وليد جاء هبة من الله هو خطيئة. ونجد في المسودات الأولى لهذا التشريع الذي صدر لاحقًا، أن الأسر الفقيرة قد تلقت وعدًا بالحصول على دعم من الدولة في حالة إنجاب عدد كبير من الأطفال، ومع ذلك فلم يتم إدراج هذا البند في الصيغة النهائية للقانون. ومن ثم فقد تم ترك الأمهات والآباء والقابلات للتعامل مع مشكلات الفقر المدقع والحمل غير المرغوب فيه بقدر ما في وسعهم (Somel 2002) .
وطوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر كانت بعض النساء المتعلمات يحضرن المدارس القرآنية قبل البلوغ، والجزء الأعظم من تعليمهن كان يتم في المنزل. وحتى في القصر لا يبدو أن التعليم الأساسي للقراءة والكتابة باللغة العثمانية قد أدى إلى مستويات منسجمة من معرفة القراءة والكتابة بين النساء المتعلمات في تلك المؤسسة (Ulucay 1985, 18).وبالطبع كان مما صعب الأمر هو أن الكثيرات من نساء الحريم كن يأتين من خارج المجال العثماني ومن ثم كان عليهن أن يتعلمن التركية كلغة أجنبية. ويبدو أن تعليم الفتيات الصغار في حريم السلطان كان يركز على احترام التراتبية والأناقة والمهارات الموسيقية أكثر من تركيزه على الموضوعات الأكاديمية. وبداية من أواخر القرن التاسع عشر بدأت فتيات الصفوة في تعلم الفرنسية من المربيات الأوروبيات أو في مدارس داخلية خاصة. إن هذا النوع من تعليم الطبقات العليا هو موضوع يحتاج إلى مزيد من التدقيق.
في عام ١٨٥٨م افتتحت الدولة العثمانية أول مدرسة متقدمة (رشدية) للفتيات، وبعدها بقليل تم نشر مقال في الجريدة الرسمية يصرح بأن النساء المتعلمات سوف يكن قادرات على توفير قدر أكبر من الراحة لأزواجهن على حين أن المعرفة بالدين والشؤون الحياتية سوف تجعل من الأسهل عليهن الحفاظ على عفتهن. وفي الفترة ما بين عام ١٨٦٩ وعام ١٨٧٠م افتتح في إسطنبول أول معهد عال لإعداد المدرسات للعمل في مدارس الفتيات. وبحلول ثمانينات القرن التاسع عشر بدأ الإداريون المحليون في الأقاليم المقتدرة في إنشاء مدارس ابتدائية للفتيات بشكل منتظم (Somel 2002, 2001, 57, 115, 135).لكن، ومع اعتبار أن تعليم الفتيان المسلمين لم يكن كافيًا في أغلب الأقاليم، فإن تعليم الفتيات كان أقل جودة.
ومع ذلك فإن غالبية النساء اللاتي حصلن على تعليم رسمي في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، حصلن عليه إما في المدارس التي تديرها مجتمعات الأقليات المختلفة أو في مؤسسات تبشيرية. ففي إسطنبول نجد أن المدرسة الأمريكية للبنات ومدرسة نوتردام دي سيون والتي كانت تعد خريجاتها لمستقبل في العمل بالتدريس، نجحتا في إثبات وجودهما كمدرستين ثانويتين مفضلتين لدى مجتمع الصفوة المسلمة. وقد كان ذلك صحيحًا رغم أن حكومة عبد الحميد الثاني لم تكن راضية تمامًا عن التحاق الأطفال المسلمين بالمدارس التبشيرية، التي سوف تخرجهم على الأرجح بدون أساس كاف في الأخلاق الإسلامية وبتعاطف غير مرغوب فيه مع الثقافة الأجنبية (Fortna 2001).بل إن الالتحاق بها كان ممنوعًا في أواخر التسعينات من القرن التاسع عشر. ومع ذلك، وحيث أن تلك المدارس التبشيرية المفضلة من قبل الصفوة كانت في العادة تتخلى عن أية محاولات للتبشير العلني، وحيث أن المدارس الثانوية المدعومة من الدولة كانت غير متاحة للنساء، فقد التحقت بنات الصفوة في إسطنبول بتلك المدارس بعد عام ۱۹٠٨م بأعداد كبيرة، وهو الوضع الذي استمر لفترة في الحقبة الجمهورية.
إن مشاكل الحصول على التعليم الرسمي تفسر لنا لماذا كانت النساء اللآتي تميزن بكونهن كاتبات (أو موسيقيات) ينتسبن في العادة إلى أسر حصل أفرادها من الذكور على تعليم طويل في مدارس العقيدة والقانون الديني، أو في المدارس الحديثة التي افتتحت في إسطنبول بعد أواخر القرن الثامن عشر، أو ممن درسوا في الخارج. بالتالي فإن أكثر الشاعرات العثمانيات شهرة في القرن الثامن عشر هي “فتنت” (واسمها الأصلي زبيدة، المتوفاة عام ۱۷۸۰م)، والتي كانت تربطها صلة قرابة وثيقة باثنين من شيوخ الإسلام: والدها أسعد أفندي، وأخوها شريف أفندي، وكان الاثنان معروفين باهتماماتهما الأدبية. والأرجح أن موقعها الاجتماعي قد سمح لها أن تمارس موهبتها في شعر المعارضة، الأمر الذي أدى إلى شهرتها. كذلك فإن ليلي هانم (المتوفاة عام ١٨٤٨م)، التي تركت مجموعة من الأشعار تصف مباهج طبقات إسطنبول العليا على شواطئ البوسفور وفي أماكن أخرى، كانت ابنة رجل وصل باعتباره “قاضي عسكر” إلى ثاني أعلى المراتب في الإدارة الدينية والقانونية. كما أنها تلقت أيضًا تدريبًا على يد أحد أقاربها الذي كان هو نفسه كاتبًا مرموقًا.
وكان من الشائع اصطفاء الشعراء وكاتبي الرواية النشطين في سباق ما بعد خمسينات القرن التاسع عشر. ومن الشاعرات المشهورات نيغار هانم بنت عثمان (۱۸٦۲ – ۱۹۱۸م)، وهي ابنة ضابط مجري فر إلى الإمبراطورية العثمانية بعد فشل ثورة ١٨٤٨م، حيث تحول إلى الإسلام وقام بالتدريس في كلية الموظفين العموميين (للحصول على صورة: Renda 1993, 248 ). وكانت والدتها من أسرة ميسورة في إسطنبول، حصلت على تعليم أدبي، وشجعت نيغار على السير على دربها، ومن ثم اكتسبت نيغار معرفة مذهلة باللغات الأجنبية في هذه الأثناء، كما عرفت فيما بعد بصالونها الأدبي. كذلك هناك ليلى هانم (التي أصبح اسمها ليلى ساز فيما بعد، 1850 – ۱۹۳5م) وكانت ابنة واحد من أطباء السلطان عبد الحميد وقد اتخذ فيما بعد مسارًا إداريًا وأصبح وزيرًا للتجارة. وليلى هانم, التي كانت عازفة موسيقية متميزة منذ سن صغيرة جدًا، نشأت في القصر كرفيفة لإحدى الأميرات الصغيرات، ثم واصلت نشاطها ككاتبة ومؤلفة موسيقى طوال فترة حياتها. أما فاطمة علي (١٨٦٢ – ١٩٣٦م) التي امتد مستقبلها ككاتبة خلال العقود الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، فكانت ابنة كبير الوزراء والمؤرخ أحمد جودت باشا (Findley 1995، 1995b)، وعلى حين كان أحمد باشا، وهو العدو اللدود للدستوري مدحت باشا، معروفًا باتجاهاته السياسية المحافظة إلا أن تعليم الأطفال كان له شأن آخر، فحين فطن إلى أن فاطمة موهوبة جدًا تم تعليمها تعليمًا دقيقًا وتشجيعها على تطوير مهاراتها في الكتابة. هذا وتعكس رواياتها حياة الطبقات العليا في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في إسطنبول.
أما النساء اللاتي كتبن في الصحافة النسائية في اسطنبول فكانت أصولهن أكثر اتساعًا وإن كانت أيضًا بدرجة كبيرة من بين المستويات العليا للمجتمع. إن المجلة الأسبوعية الترقي التي صدرت في عام ١٨٦٨م كانت تنشر شكاوى يفترض أنها مرسلة من سيدات إسطنبول بشأن أمور مثل سوء أحوال أقسام النساء في المراكب البخارية التي كانت بدأت تمثل الجزء الأكبر من المواصلات المحلية في إسطنبول. وقد وصل مزيد من تلك الشكاوى إلى الرأي العام بعد ذلك بعام في المجلة النسائية التابعة لنفس الجريدة وعنوانها ترقي المخدرات (أي ترقي نساء الخدور) والتي ظهرت في السوق لأول مرة في عام ١٨٦٩م وصدر منها ٤٨ عددًا. وقد كانت تلك الرسائل توقع إما بالحروف الأولى من اسم كاتبتها أو بوصف للكاتبة مثل “من سكان أوسكودار“.
وعلى حين أنه من المستحيل تحديد أي من تلك الرسائل تم استقبالها فعليًا وأي منها أعيد كتابته أو حتى تم تأليفه تمامًا من قبل المحررين، إلا أنها رغم ذلك مثيرة للاهتمام حيث أنها تعبر عن الموضوعات التي لابد وأن الناشر كان يعتقد أنها سوف تجذب اهتمام القراء من النساء. وكانت بعض تلك الرسائل تناقش مشكلات الكاتبات اللاتي كن يرغبن في التعريف بأعمالهن. ومن ثم، وبتوقيع من “فتاة متعلمة” نشرت دورية الإنسانية رسالة تطالب المجلات النسائية بأن تولي الأولوية إلى الأعمال المكتوبة بأقلام النساء، حيث أن غالبية الكاتبات اللاتي يردن لكتاباتهن أن تصل إلى الرأي العام يجدن أنفسهن مضطرات إلى استخدام أسماء مستعارة ذكورية (Cakir 1993, 23 – 25) .
وفي عام ١٨٨٦م نجد أن مجلة شوكوفيزار (ورقة الزهر)، وهي أول مجلة كان كل من يكتب فيها من النساء، حاولت أن تجد لها جمهورًا، وقد كانت صاحبة المجلة أيضًا امرأة. وللأسف فإن ندرة المعلومات عن النساء في قواميس السير والتراجم السائدة عن تلك الفترة تجعل من المحال أن نجد الكثير لنقوله عن الصحفيات مثل منيرة، وفاطمة نوبار، وفاطمة نيغار. إن هانملارا مخصوص غازيت (الجريدة المخصوصة للهوانم) والتي صدرت فيما بين عام ۱۸۹٥ وعام ۱۹۰۸م كانت تستكتب الرجال والنساء، وكان من بينهم فاطمة علي. وقد أبرزت الأخيرة في مقال معروف لها، أنه في كل مكان في العالم وصل الرجال إلى أعلى المستويات الثقافية قبل النساء، ومن ثم فهم لا يتقبلون الآن المنافسة من النساء المتعلمات. كذلك ساهمت كاتبات أخريات من عائلات الصفوة في الكتابة في الجريدة، بما في ذلك الشاعرتان نيغار هانم وليلى ساز. كما أن واحدة على الأقل من الصحفيات كان لديها التزام سياسي قوي، وذلك بالتزامها تجاه لجنة الوحدة والتقدم وهي غوليستان عصمت، التي تخرجت من المدرسة الأمريكية للفتيات في عام ١٨٩٢م، وكانت عضوة سرية في لجنة الوحدة والتقدم، وكثيرًا ما ترجمت البيانات الصحفية الصادرة عن اللجنة إلى اللغة الإنجليزية( Cakir 1993, 27- 31، وهي في الأغلب نفس الشخصية المعروفة باسم غوليستان بنت توفيق التي تخرجت في عام ۱۸۹۰م تبعًا لما ورد في كتاب Graham – Brown 1988, 197 ).
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت هناك مجموعة من النساء الأرمنيات يمثلن في كل من المسرح الناطق والمسرح الموسيقي. وفي ذلك الوقت كان رجال الأدب مثل إبراهيم شيناسي ونامك كمال، بمساعدة مدير الفرقة غوللو أغوب (والذي أصبح اسمه غوللو يعقوب أفندي بعد اعتناقه الإسلام) يعملون بجدية من أجل وضع قواعد المحادثة المثقفة الحديثة بواسطة مسرح يستخدم اللغة التركية. ومع ذلك فما كان لخططهم أن تؤتي ولو قدرًا من ثمارها بدون ممثلات مثل أزنيف هراتشيا، التي كانت تتحدث أحيانًا باللغتين العثمانية والأرمنية، والتي تدربت في الفصول المرتبطة بمسرح غوللو أغوب، وقامت مدام فراتشيا بنشر مذكراتها وكانت بذلك الأولى من بين كثير من الممثلين الذين كتبوا مثل تلك الكتب التي ظهرت في فترة الجمهورية (للمزيد عن ذلك الإصدار وتفاصيل أخرى: And 1972، 121- 122 ).
توصلنا إلى النساء الأرمنيات من خلال دراسة بعض عائلات الصرافة الأرستقراطية مثل أسرة داديان. الكثير من أفراد هذه الأسرة الكبيرة كانوا يشغلون مناصب في إسطنبول، لكن بعض فروعها عقدت صلات أيضًا مع بعض الأرمن البارزين في إيران، وبعد عام ١٨٥٠م على وجه الخصوص، عقدوا صلات مع أوروبيين أثرياء يتمتعون بمراكز اجتماعية بارزة (Ter Minassian 1995).كانت العلاقات الأسرية في كثير من الأحيان تستخدم لخدمة علاقات الأعمال ولذلك فإن الحفاظ على تلك العلاقات كان أمرًا ضروريًا، حتى ولو كانت بين الأقارب البعيدين، كما كانت تلك العلاقات تحترم التراتبية في داخل المجموعة الواحدة بدرجة حازمة. قبل منتصف القرن التاسع عشر كانت الفتيات يزوجن في منتصف أو حتى في بدايات سنوات المراهقة، مما كان يقلل من الفرصة في التعليم. لكن بداية من عشرينات القرن التاسع عشر اعتبرت معرفة اللغة الفرنسية واللغات الأجنبية الأخرى أمرًا مرغوبًا فيه، ومن ثم فإننا نجد نساء من أسرة داديان يعملن كمترجمات حين كانت نساء الأسر الأوروبية المالكة تقوم بزيارة الحريم السلطاني.
هناك بعض السجلات اليونانية الأورثوذكسية التي تتمثل قيمتها بوجه خاص في أنها ولأول مرة تلقي بعض الضوء على النساء الفقيرات جدًا. ومن هنا فإن أرشيف كنيسة باناغيا في إسطنبول – بيوغلو، والتي كان رعاياها يتكونون بالأساس من المهاجرين، يرجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر كما يتناول أيضًا مستشفى للقطاء ملحقة بالكنيسة. وتتضمن هذه المادة معلومات خاصة عن الأمهات اللاتي أجبرن على هجر أطفالهن من الذكور والإناث بسبب الفقر، كما تقدم بعض المؤشرات الخاصة بنسب الحياة بين الأطفال وأعداد المرضعات، وكذلك المعايير التي كانت إدارة الملجأ تستخدمها في محاولة لتحديد النساء اللآتي من المنتظر عودتهن للمطالبة بأبنائهن في حال تحسن ظروفهن، واللقطاء الذين لا يتوقع أن يطالب أحد بهم وبالتالي يجب البحث عمن يرغب في تبنيهم (Anastassiadou 2002) .
هناك كذلك معلومات موثقة عن مجموعة أخرى من النساء الفقيرات، في أغلبهن من خلفية يونانية وأرمنية، ممن ارتبطن بالمصانع العثمانية الأولى، وخاصة منشآت مدينة بورصة حيث كان يتم لف الحرير قبل تصديره. وفي العادة كان يتم تأجير البنات من قبل أسرهن لكي يتمكن من توفير المال اللازم لمهورهن وجهازهن. وقد كان أصحاب المصانع يفضلون هؤلاء الفتيات نظرًا للأجور المنخفضة جدًا التي كن يحصلن عليها مقابل عمل يستمر لمدة ١٦ ساعة في اليوم في ظروف بالغة السوء. وكانت العاملات يبتن في عنابر داخلية يشرف عليها حراس في ظروف تسمح بكل أشكال سوء المعاملة. وعلى الرغم من مظاهر الاحتجاج إلا أن تلك الظروف لم تتحسن بأية درجة ملحوظة حتى توقفت الصناعة أثناء الحرب العالمية الأولى (Quataert 1983, 498) .
كان الوضع مشابهًا بدرجة ما بين الشابات اليهوديات العاملات في سالونيك في نفس الفترة من أجل توفير المال الضروري للزواج. وقد كانت عائلات اليهود السفرديم بشكل عام ترفض دخول النساء ضمن قوة العمل، ونتيجة لذلك فإن مناهج التعليم في المدارس، الممولة من قبل الرابطة الإسرائيلية العالمية، والتي تتضمن سجلاتها قدرًا كبيرًا من المعلومات عن التعليم اليهودي في القرن التاسع عشر، لم يكن لديها الكثير من الإرشادات لتقدمها لنساء السفرديم. كذلك كان التدريب الحرفي للنساء نادرًا للغاية (Dumont 1982). وتشير إحصائيات العشرين عامًا الأخيرة من القرن التاسع عشر إلى بعض النساء اليهوديات الشابات في سالونيك اللاتي تدربن كصانعات للضفائر الصناعية، بالإضافة إلى عدد قليل من الفتيات اللاتي تعلمن أصول الحياكة والتطريز. لكن الكثيرات، إن لم يكن جميع هؤلاء النساء الشابات، كن يعملن كعاملات غير مدربات: في البداية كانت الخدمة في المنازل تمثل مصدرًا هامًا للتشغيل، لكنها استبدلت سريعًا بالعمل في صناعة الدخان. والأرجح أن غياب العاملات اليهوديات من التوثيق الخاص بنشأة الطبقة العاملة العثمانية ثم الطبقة العاملة فيما بعد الإمبراطورية العثمانية كان نتيجة لاعتبار عملهن أمرًا هامشيًا، وذلك رغم الدور المحوري الذي لعبته مدينة سالونيك في ذلك الشأن.
الخلاصة
على المستوى العملي هناك إمكانيات في التوسع في مشروعات البحث التي تناولت القرنين السادس عشر والسابع عشر لتشمل أيضًا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. إن ذلك سوف يشمل تقييمًا منهجيًا لسجلات القضاة ودفاتر أحكام الولاية. إنه لمن الغريب أن تحظى السجلات المتبقية من القرنين السادس عشر والسابع عشر بدراسة أفضل عن الكم الأكبر من المعلومات الخاص بالفترة المتناولة هنا فيما يخص شؤون النساء. ومن الواضح أن الطابع التقريري لتلك السجلات، والظهور المتقطع للنساء فيها، يجعل الدراسات المركزة عن النساء في منطقة بعينها أكثر صعوبة. لكن تلك المواد هي الوحيدة التي يمكن استخدامها للحصول على أية معلومات بشأن عاملات الغزل أو النساء اللاتي عملن في الحدائق المملوكة لأسرهن. ونظرًا للكثافة النسبية للتوثيق المتوفر حاليًا قد يكون من المفيد أن نركز على إسطنبول وبورصة والمناطق المحيطة بهاتين المدينتين. ولعله من المفيد في البداية على سبيل المثال أن ندرس المجلدات العشرة المنشورة والتي تحوي مختارات من دفاتر أحكام الولاية بحثًا عن أسماء النساء التي تشملها والأنشطة النسائية التي تعكسها تلك الأسماء (Kal`a 1997) .
أما بالنسبة للمؤرخات والمؤرخين الذين يرغبون تناول النساء في المجال العام والبحث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فقد يكون بحثهم أكثر سهولة وفائدة لو توفر بنك للمعلومات، وربما موسوعة فيما بعد، عن النساء محل الدراسة. إننا لا نملك حتى الآن أية سيرة جماعية لأية فئة من النساء العثمانيات. ومع ذلك، فإن هذا الأمر يبدو قابلاً للتنفيذ من قبل قطاع النشر في إسطنبول، خاصة إذا شمل ذلك بدايات القرن العشرين أيضًا. كذلك هناك إمكانية لدراسة فئة أخرى من النساء العثمانيات ألا وهي المدرسات سواء العثمانيات أو الأجنبيات: وقد تساعدنا سجلات بعض المدارس الأجنبية في الحصول على مزيد من المعلومات عن هؤلاء النساء الرائدات في مجال العمل.
هناك انحياز واضح في تاريخ النساء العثمانيات لصالح الصفوة، وذلك لأن السجلات تتحدث أكثر عن النساء اللاتي كان لديهن بعض الممتلكات، أما في حالة النساء “العاديات” فقد ركز المؤرخون على هؤلاء اللآتي انخرطن في أعمال عامة مرئية كالعمل في المصانع. ولا يمكن أن ننكر أن تلك المجالات كانت أفضل حظًا من حيث التوثيق مقارنة بعمل النساء في قطاع الإنجاب على سبيل المثال. ومع ذلك، فطالما أن المؤرخات والمؤرخين مستعدون لملء ذلك الفراغ الكبير، فسوف تكون هناك بعض الإمكانيات للوصول إلى معلومات بشأن “الغالبية الصامتة” من النساء العثمانيات. لذلك فقد يكون علينا أن نبدأ من كتاب المؤرخين للأقاليم العربية، الذين عملوا بشكل مكثف في مجال هياكل الأسرة والحيز المنزلي، وكذلك في غرس النساء في أحيائهن الحضرية (لقراءة دراسة حديثة عن إسطنبول ونسائها: Behar 2003, 144- 145 ).
وفي نفس الوقت، بدأ أخيرًا حدوث تعاون متبادل بين الباحثات والباحثين في مجال النساء اليونانيات والأرمنيات واليهوديات من ناحية وبين هؤلاء الذين يركزون على المسلمين وعلى المصادر المكتوبة باللغة العثمانية، لكنه تعاون لا يزال يستوعب المزيد. ونجد في بعض الجزر اليونانية، مثل جزيرة كيوس، مصادر محلية مثل السجلات المدنية التي قد تحتوي على معلومات عن النساء بصرف النظر عن انتماءاتهن الدينية. ومن ناحية أخرى فإن “سجلات القاضي” تحفظ أحيانًا بعض المعلومات الخاصة بالنساء الأورثوذكس، حيث أن بعض الأزواج في بيلوبونيسوس على سبيل المثال كانوا يسجلون زواجهم بواسطة كاتب محكمة القاضي المحلية (Alexander 1985).لذلك يجب أن ندرس المادة الصادرة عن السلطات العثمانية المسلمة لما قد تحمله من معرفة بشأن النساء غير المسلمات، والعكس صحيح. ويعتبر هذا تحديًا حقيقيًا في وقت يشهد تبلور الدراسات في الثقافات المتداخلة.
On individual princesses and writers, as well of the former’s pious foundations, much information has been collected from the relevant articles in, Dünden Bugune Istanbul Ansiklopedisit, 8 vols, Istanbul 1993-5. Many of these pieces were authored by Necdet Sakaoglu
Akgündüz et al. (eds). Seriye sicillers, 2 vols., Istanbul 1988-9.
A. Akyıldız, Mumin ve mirif bir Padiyah Kits Refla Sultan, Istanbul 1998.
J. Alexander, Law of the conqueror (the Ottoman State) and law of the conquered (the Orthodox Church). The case of marriage and divorce, in Comité International des Sciences Historiques, XVIe congrès international des sciences historiques Rapports, Stuttgart 1985, 1, 369-71.
M. Anastassiadou, Salonique, 1830-1912 Une ville ottomane à l’age des réformes, Leiden 1997.
La protection de l’enfance abandonnée dans l’Empire ottoman au XIXe siècle. Le cas de la communauté grecque de Beyoglu-Istanbul, in Südost-Forschungen 59-60 (2000-1), 272-323.
M. And, Tanzimat ve istibdar döneminde Türk tiyatrosu 1839-1908, Ankara 1972.
H. Angelomatis-Tsougarakis, Greek women, 16th-19th century. The travellers’ view, in Mesalonika kai nea Ellenika 4 (1992), 321- 403.
Anonymous, Basbakanlık Osmanli arsivi rehberi, Ankara 2000.
T. Artan, From charismatic leadership to collective rule. Introducing materials on the wealth and power of Ottoman Princesses in the eighteenth century, in Toplum ve Ekonomi 4 (1993), 53-94.
Aspects of the Ottoman elite’s food consumption, Looking for “staples,” “luxuries,” and “delicacies” in a changing century, in Donald Quataert (ed.), Consumption studies and the history of the Ottoman Empire, 1550-1922 An introduction, Albany, NY. 2000, 107-200.
H. Aynur, The wedding ceremony of Saliha Sultan 1834 Textual analysis, critical edition and facsimile, 2 vols… Cambridge, Mass. 1995.
C. Behar, A neighborhood In Ottoman Istanbul Fruit vendors and civil servants In the Kasap Ilyas Mahalle, Albany, NY. 1993.
N. Clayer, Life in an Istanbul tekke in the eighteenth and nineteenth centuries according to a menakibname of the Cerrahi dervishes, in S. Faroghi and C. K. Neumann (eds.). The illuminated table, the prosperous house. Food and shelter in Ottoman material culture, Orient-Institut der DMG (forthcoming).
S. Cakır, Osmanlı kadın hareketi, Istanbul 1994.
F. Davis, The Ottoman lady. A social history, New York 1986.
S. Delibas, Behice Sultan’in ceyizi ve muhallefats, in Topkapı Sarayı Yilliga 3 (1988), 63-104,
A. Duben and C. Behar, Istanbul households Marriage, family, and fertility 1880-1940 Cambridge 1991.
P. Dumont, La structure sociale de la communauté juive de Salonique à la fin du dix-neuvième siècle, in Revue historique 263: 2 (1982), 351- 93.
H. Edip, Memoirs, New York 1926.
Y. H. Erdem, Slavery In the Ottoman Empire and Its demise. 1800-1909, Houndsmills, Basingstoke 1996.
S. Faroghi, Two women of substance, in C. Fragner (ed.), Osmanistik, Turkologie, diplomatik Festgabe an Josef Matuz, Berlin 1992, 37-56.
-, Crime, women and wealth In the eighteenth-century Anatolian countryside, in M. Zilfi (ed.), Ottoman women, Leiden 1997, 6-27.
-, Approaching Ottoman history. An introduction to the sources, Cambridge 1999.
-, Women as representatives. Defending the interests of Ottoman families in the middle of the eighteenth century, in S. Faroghi, Stories of Ottoman men and women. Establishing status, establishing control, Istanbul 2002, 179- 96.
C. V. Findley, Fatma Aliye. First Ottoman novelist, pioneer feminist, in D. Panzac (ed.), Histoire économique et sociale de l’Empire ottoman et de la Turquie (1326-1960), Louvain 1995a, 783-94.
-, La soumise, la subversive. Fatma Aliye, romancière et féministe, Turcica 27 (1995b), 153-72.
B. Fortna, Imperial classroom, Islam, the state and education in the late Ottoman Empire, Oxford 2002.
E. Frierson, Unimagined communities. Women and education in the late-Ottoman Empire, 1876-1909, in Critical Matrix 9: 2 (1995), 55- 90.
-, Mirrors out, mirrors In. Domestication and rejection of the foreign in late-Ottoman women’s magazines (1875-1908) in D. Fairchild Ruggles (ed.), Women, patronage and self-representation in Islamic societies, Albany N.Y. 2000.
G. Goodwin, The private world of Ottoman women, London 1997.
S. Graham-Brown, Images of women. The portrayal of women In photography of the Middle East, New York 1988.
A. Kal’a et al. (eds.), Istanbul külliyatı I. Istanbul ahkam defterler, Istanbul 1997- .
C. Kayra and E. Üyepazarcı, Ikinci Mahmut un Istanbul’u Bostancıbaşı sicilleri, Istanbul 1992.
Leyla Saz, Le harem Impérial et les sultanes au XIXe siècle. Leila Hanoum. Souvenirs adaptés au français par son fils Youssouf Razi, Paris 1925, repr. With preface by Sophie Basch, Brussels 1991.
B. Melman, Women’s Orients English women and the Middle East, 1718-1918 Sexuality, religion and work, London 1992.
N. Micklewright, Tracing the transformations in women’s dress in nineteenth-century Istanbul, in Dress. The Annual Journal of the Costume Society of America 13 (1987), 33-43.
-Late nineteenth-century Ottoman wedding costumes as, indicators of social change, Mukarnas 6 (1990), 161-74.
Lady M. W. Montagu, Turkish embassy letters, ed. A. Desai and M. Jack, London 1993.
A. Osmanoglu, Babam Abdulhamid, Istanbul n.d.
R. Ozdemir, XIX Yüzyılın Ilk yarısında Ankara, Ankara 1986.
I. Parlatır, Tanzimat edebiyatında kölelik, Ankara 1987.
J. Perrot, F. Hitzel, and R. Anhegger, Hatice sultan ile melling kalfa. Mektublar, Istanbul 2001.
D. Quataert. The silk industry of Bursa, 1880-1914, in J. Bacqué-Grammont and P. Dumont (eds.), Contributions à L’histoire économique et sociale de l’Empire ottoman, Leuven 1983, 481-503
-, Ottoman manufacturing in the age of the Industrial revolution, Cambridge 1993.
-, Clothing laws. State and society in the Ottoman Empire, 1720- 1829, in International Journal of Middle East Studies 29 (1997), 403- 25.
G. Renda (ed.), Anadolu kadininin 9000 yılı, Istanbul 1993.
M. Rozen. The life cycle and the meaning of old age In the Ottoman period, in D. Porat, A. Shapira, and M. Rozen (eds.), Daniel Carpi memorial volume, Tel Aviv 1996, 109-75
B. Sagaster, Im Harem von Istanbul Osmanischtürkische Frauenkultur im 19. Jahrhundert, Rissen, Germany 1989 (on Leyla Saz).
N. Seni, Fashion and women’s clothing in the satirical press of Istanbul at the end of the 19th Century, in S. Tekeli (ed.), Women in modern Turkish society. A reader, London 1995.
A. S. Somel, Osmanlı modernlesme döneminde kız egitimi, in Kebikeç 10 (2000), 223-38.
-, The modernization of public education in the Ottoman Empire 1839-1908. Islamization, autocracy and discipline, Leiden 2001.
-, Osmanlı son döneminde iskat-I cenin meselesi, in Kebikey 13 (2002), 65-88.
J. Strauss, Ottoman rule experienced and remembered. Remarks on some local chronicles of the Tourkokratia, in F. Adanır and S. Faroghi, Ottoman historiography Turkey and Southeastern Europe, Leiden 2002, 193-222.
A. Ter-Minassian, Une famille d’amiras arméniens. Les Dadian, in D. Panzac (ed.), Histoire économique et sociale de l’Empire ottoman et de la Turquie (1326-1960), Paris 1995, 505- 20.
M. N. Todorova, Balkan family structure and the European pattern. Demographic developments in Ottoman Bulgaria, Washington 1993.
E. Toledano, Slavery and abolition in the Ottoman Middle East, Seattle 1998.
M. C. Uluçay, Osmanlı sultanlarına ask mektupları, Istanbul 1950.
-, Harem’den mektuplar, Istanbul 1956.
-, Padisahların kadınları ve kızları, Ankara 1980.
-, Harem, Ankara 1985.
M. Zilfi, Ibrahim Pasa and the women, in D. Panzac (ed.), Histoire économique et sociale de l’Empire ottoman et de la Turquie (1326-1960), Paris 1995, 555-9.
-, Women and society in the Tulip Era, 1718-1730, in A. El Azhary Sonbol (ed.), Women, the family, and divorce Laws in Islamic history, Syracuse, NY. 1996, 290-306.
-, Goods in the mahalle. Distributional encounters in eighteenth-century Istanbul, în D. Quataert (ed.), Consumption Studies and the history of the Ottoman Empire, 1550-1922. An introduction, Albany, N.Y. 2000, 289- 312.