عددٌ من التحركات الساعية إلى التغيير قد حدثت بالفعل طوال هذه السنوات الثلاثين، لكنها سُحقت بوحشية أكثر من تلك التي كانت سائدة قبلها. خلال إحدى هذه التحركات في سبتمبر من عام 2013، دعا أحد النشطاء الناس إلى النزول إلى الشوارع، وإلا “فقد يلبسون أيضاً أوشحة الرأس و يمكثون في المنزل (مثل النساء)”. لم يكن هذا التصور الأبله مهينًا للنساء فحسب، بل إن أساس هذا الاستنتاج ببساطة غير صحيح.
لقد كانت النساء دائما جزءًا مهمًا من المقاومة، حيث احتججن على الظلم القاتل للنظام في السودان –غالباً على حساب سلامتهن الشخصية و عوائلهن وحرياتهن.
في الشوارع
كانت النساء من جميع الأعمار والخلفيات على الخطوط الأمامية للمظاهرات السلمية من اليوم الأول – قائدات للتحركات دون خوف – على الرغم من الغاز المسيل للدموع، الهجمات، الاعتقالات، والرصاص الحي. حيث تم احتجاز المئات وتعرضن للضرب و حلق الرأس من قبل قوات الأمن ، ليعدن إلى الشوارع بعد إطلاق سراحهن.
كان لوجودهن في الاحتجاجات أثر آخر أيضًا: فمع هتافاتهن التشجيعية و الصاخبة ، فإنهن يوفرن دافعًا فريدًا للجمهور، بِحَثِهِن على جعل الناس (الرجال) يترددون من فكرة الهروب من المظاهرات.
تفتح النساء في الأحياء والأزقة منازلهن لإيواء وإخفاء المتظاهرين، وتوفير الطعام والماء والإسعافات الأولية للجرحى.
نشاط منظم
في الاعتراض على حكومة متشددة مثل الحكومة السودانية ، لا تقتصر أفعال النساء على كونها في الشارع ، بل إن العديد منهن يتحدثن بشكل نشط و منظم. يبدو أن الناشطات من النساء على وجه الخصوص يثرن غضب النظام ؛ حيث نرى ذلك من خلال اعتقالهن الاستباقي تحسبًا، و الاعتقالات الأخرى في مكان الحدث في جميع أنحاء البلاد. يُحتجزون ، أحيانًا لأيام وأسابيع ، وغالبًا ما يقترن هذا بالإيذاء الجسدي والإساءة والتهديد اللفظي. قد لا يتوفر لدى جميع النساء المقدرة التنظيمية و المثابرة و القدرة على الوصول إلى نظرائهن من الذكور، لكن هذا ما يجعل النساء المنظمات فعالات بشكل خاص. لا يقتصر دورهن على الأوقات النشطة مثل هذه و حسب ؛ بل إن معاركهن يومية، في المناضلة من أجل حقوق المرأة وحرية التعبير والحكم العادل.
وتقدم المجموعة النسوية “لا لقهر النساء” المساعدة القانونية، حملات الدعوة والتوعية، وترصد انتهاكات حقوق الإنسان، فهي عامل متين وفعال في المقاومة. كان لمجموعات نشطة أخرى مثل التغيير الآن ، و قرفنا واللجنة المركزية للأطباء وغيرهم قوة حيوية وراء الحراكات السابقة والحالية. تشكل النساء قاعدة صلبة لهذه الجماعات، بما في ذلك في المناصب القيادية و المناصب المتحدثة. وقد عرضتهن هذه الأهمية للاعتقالات والمضايقات بشكل كبير من قبل النظام.
في الحلقة السياسية
ومن الأمثلة على الدور المهم للمرأة السودانية كسياسية منظمة، و الذي لا يحظى بالاهتمام الكافي: مريم المهدي ، نائبة رئيس حزب الأمة و العضو البارز في قوى نداء السودان المعارضة، و المكونة من عدة أحزاب وجماعات متمردة وفصائل مسلحة. كانت أول الأصوات المعارضة في الظهور (قبل أن تنضم قوى نداء السودان إلى تجمع ال مهنيين السودانيين) متحدية المسؤولين الحكوميين بظهورها على شاشات التلفزيون الدولية.
سبقت مريم المهدي عدد كبير من النساء في السودان مِن مَن مهدن الطريق، مثل الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم ، أول امرأة في البرلمان السوداني و المقاتلة الشرسة لحقوق المرأة على مر العصور. لكن في الوقت الذي تجاوزت فيه أعدادهن نسبة 25٪ من النساء في البرلمان ، فإن تمثيلهن في المناصب القيادية العليا في الأحزاب والحكومة منخفض. العديد منهن مهمشات داخل أحزابهن، ويعانين من ضعف القدرات الفنية، خاصة في المناطق الريفية و الولايات خارج العاصمة.
توثيق و بث الثورة
لعبت النساء دورًا حيويًا في توثيق التحركات داخليا، خاصة في تقديم مواد فلمية وإثباتات لوحشية الشرطة. عرّضهن هذا أيضًا لخطر الاعتقال والاعتداء. من خلال عملهن المهني و قدراتهن القاعدية ، فقد كن بمثابة قناة فعالة وبعيدة المدى تمنح صوتًا ووجهًا للاحتجاجات في وسائل التواصل الاجتماعية وعالميًا. قامت الصحفيات والمدونات بنشر التحديثات والتقارير في منافذ مختلفة ولجماهير لم تكن لتسمع عن التظاهرات.
إلى جانب التواصل الشفهي والكتابي المألوف، فقد ساعد فيض جميل من التصاميم والرسومات واللوحات ورسوم اللإنفوقرافيك والأغاني التي قامت بها النساء (والرجال)، ساعد على نشر صوت التظاهرات إلى مدى أبعد. فبعد كل شيء ، “يمكن للفن أن يكون أكثر فعالية من التقارير الصحفية في جذب الانتباه الدولي إلى محنة المواطنين العُزل في الحرب“. استخدمت النساء السودانيات فنهن في المقاومة، التوثيق، الشرح، التمجيد أو التذكير.
تحقيق
من ناحية أخرى، وفي عالم التكنولوجيا والعولمة اليوم، كانت لمنصات وسائل التواصل الاجتماعية جزءاً أساسياً من حشد الحراك، في حين فشلت وسائل الإعلام التقليدية. مجموعات نسائية مثيرة للاهتمام وفعالة للغاية على موقع فيسبوك قامت بتحديد مجرمين مزعومين من النظام، ب الاسم والوظيفة وحتى عناوين المنازل، مستخدمين لقطات متوفرة على الإنترنت يظهر فيها مجموعات من ضباط الشرطة و الأمن من الذين يطلقون النار على المتظاهرين. في هذه المجموعات النسائية على الفيسبوك، تم التعرف على الرجال في غضون بضع ساعات. صعب هذا الأمر من تواري المسؤولين الأمنيين الذين يحملون بنادق لاطلاق النار على مدنيين غير مسلحين. حيث تمكنت النساء من التعرف عليهن في الصور واحدة تلو الأخرى، مع تفاصيل شخصية مثل صور زفاف هؤلاء الضباط في حالة من الحالات. كان هذا الأمر مدمراً للنظام لدرجة أن ضباط الأمن الذين يهاجمون المتظاهرين صاروا يلجأون الآن إلى تغطية كامل وجوههم لتجنب ان يتم كشفهم.
لماذا تحتج المرأة السودانية؟
لفهم سبب وجودنا هنا، لا بد من النظر إلى الظروف التي تعيش فيها المرأة في السودان، فمع إنتشار انتهاك حقوق الإنسان، فإن النساء كن هن المتلقيات للتنمر من قبل هذا النظام منذ عقود. فقدت النساء في مناطق النزاع المهمشة مثل دارفور وجنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق أطفالهن وعائلاتهن وسبل عيشهن للحرب والمجاعة. وكثير من أولئك اللاتي قد فررن إلى العاصمة الخرطوم تم التخلي عنهن من قبل أزواجهن في الغالب، و كن عاجزات عن إعالة أسرهن.
علاوة على ذلك، استهدفت الحكومة عمداً النساء من خلال نقص التعليم، فحوالي 50٪ من النساء في السودان أميات . يتم تشريع الأعمال العنيفة مثل الختان والعنف المنزلي، بل و يتم التشجيع عليها، و تُحمى بوازع الدين والعادات و التقاليد.
إن القوانين كقانون النظام العام الذي يمنح الشرطة السودانية حرية اعتقال النساء و تغريمهن وضربهن وسجنهن بسبب “ملابسهن غير اللائقة” قد أدى إلى تحول حياة العديد من النساء إلى سجن. علاوة على هذه الانتهاكات المحددة ، تواجه النساء مثل جميع الناس في السودان المشاكل الاقتصادية والاضطرابات السياسية الحالية، مما يمنحهن المزيد من الأسباب لقيادة الاحتجاجات المطالبة بالحرية والسلام والعدالة.
النساء على الجانب الآخر
في حين أن العديد من النساء يتظاهرن، فإن الكثيرات أيضا يدعمن النظام. فهن أداة رئيسية تستخدم في سحق أصوات الإناث المعارضة داخل الحزب. يثنين على النظام في المنازل والأحياء والتجمعات الاجتماعية. كما ساعدن في تعليم الأطفال الصغار والفتيات في المدارس لكي يتم تجنيدهم من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم لسنوات. لديهن أيضا إمكانية الوصول إلى المنازل والأقارب والجيران ، راسماتٍ صورة بارعة وجميلة للنظام، و ناصباتٍ لشبكة سامة من الخوف من التغيير.
إن الطبيعة السودانية المحافظة نسبيا مقرونة بالتعليم الضعيف والطاعة المتأصلة للنظام الذكوري، تجعل من السهل جذب ودعم قاعدة دعم الإناث هذه. حيث يدل أقل انشقاق متحيز بسلاسة وإجماع على أنه كفر و جحد. ومع ذلك، تستمر أصوات النساء التقدمية في الارتفاع فوق هذا التوهج المتعب، مما يؤدي إلى إثارة الوضع الراهن و هبوب رياح التغيير الجديدة.
وبالرغم من أن العديد منهن قد ولدن في ظل وجود هذا النظام، فإن النساء صغار السن بما يكفي ليصبحن حفيدات الطبقة الحاكمة، يتحدّين اضطهاد النظام والقوة في المجتمع. يدفع هذا كلاهما إلى جنون محموم للاستمرار في خنقهن. لكن حتى مع ارتفاع القتال و عدد القتلى، فهن يزددن صرامة. هناك رسالتان مرتفعتان وواضحتان: نحن لسنا خائفات. و لن نتراجع.