روح العالم تنتفض ضد طبول الحرب
هل نستطيع أن نقف لحظة التأمل كل التفاصيل رغم الدمار الذي عشناه ومازلنا نعيشه؟ لحظة فاصلة بين اليأس والأمل بين الاستسلام للغرق في دم ضحايا آلات الحرب والإمساك بقوة بالإرادة الإنسانية القادرة على المواجهة وفرض رؤيتها لعالم أكثر عدلاً وحريةً وجمالاً. لحظة لنرى الكوب كله النصف الفارغ والنصف الممتلئ.
رغم أن النصف الموجع والأكثر إيلامًا من نصيب عالمنا العربي، فيحاصرنا التخريب والتشريد والقتل الذي يصل لحد الإبادة الجسدية والإبادة التاريخية والثقافية، ولكن وفي النصف الممتلئ من الكوب رفض شعوب العالم لمنطق وأطماع الآلة الحربية في أمريكا وإسرائيل، فمنذ أن بدأت طبول الحرب ضد العراق تدق في أيدى أمريكا حتى تفجرت الدنيا بالبشر في مظاهرات ضخمة لم يشهد مثلها التاريخ ولا أيام فيتنام والتي وصلت لأكثر من مليون متظاهر في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت النساء في القلب في حركات الإجماع التي شارك فيها الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً، ولنرصد هنا بعض تلك الحركات مركزين على حركة النساء في العالم ضد إبادة الشعب العراقي والفلسطيني فبعد الاندلاع الحرب الأنجلو– أمريكية ضد العراق بأربعة أيام وتحديدًا يوم ٢٥ مارس الماضي صدر بیان نشر كإعلان مدفوع الأجر بأكثر من 50 صحيفة أمريكية وموقع من أكثر من 65 ألفًا من معارضي الحرب وسياسات الإدارة الأمريكية الحالية من بينهم أعضاء سابقون وحاليون بالكونجرس وعلماء وأدباء وشعراء وفنانون ومشاهير وأساتذة للعلوم السياسية واثنان من الحاصلين على جائزة نوبل العالمية وغيرهم من فئات المجتمع الأمريكي، وقد نشر البيان بعنوان “ليس باسمنا” وجاء فيه أننا نؤمن بأنه يجب على أصحاب الضمائر ذكورًا وإنائًا أن يتحملوا مسئولية ما تفعله حكوماتهم فيجب علينا أولاً معارضة الظلم الذي يرتكب باسمنا، لقد أعلن الرئيس بوش ” أنتم إما معنا أو ضدنا” وها نحن نجيب: نرفض أن نسمح لك التحدث باسم الشعب الأمريكي، ولن نتخلى عن حقنا في السؤال، ولن نسلم ضمائرنا مقابل وعد خاو بالأمان، ونقول ليس باسمنا. نرفض أن نكون طرفًا في هذه الحروب، كما نتبرأ من أي تدخل أما باسمنا أو من أجل حسن عیشنا، إننا نمد اليد لأولئك الذين يعانون من تلك السياسات في أرجاء العالم قاطبة، وسنعبر من تضامنا بالكلام وبالفعل، ومن أبرز النساء الموقعات على هذا البيان الأديبة الأمريكية الحاصلة على جائزة نوبل “توني موريسون“، والممثلة المعروفة “جین فوندا“، والممثلة “سوزان ساراندون“، ولوس أرلیارد” الناقدة الفنية“، “ونانسي سبيرو” رسامة، والروائية “ناعومي واليس” وشارن تومیكوسانتوس” نائبة بالمجلس التشريعي لواشنطن، وراهبات مارينول بغرب الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهن كثيرات ومعهن من أبرز الأسماء من المفكرين والكتاب الرجال الذين وقعوا على البيان “نعوم تشوكوفسكي و“ادوارد سعيد” والقس “جيس جابسون” مرشح الرئاسة الأسبق وغيرهم كثيرون.
وتتوالى المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت قبل واشتعلت مع اشتعال الحرب ووصلت لحد حصار البيت الأبيض بالآلاف من المتظاهرين التي واجهتها قوات الأمن الأمريكية بعنف لا يقل ضراوة عن عنف قوات الأمن المصرية في مواجهة مظاهراتنا، وفي تلك المظاهرات ألقي القبض على عشر نساء بينهن اثنتان من حملة نوبل، بينما تضرب أمريكا بغداد وتقتل حرمة الحياة بها، كانت النائبة الديمقراطية “جرابارا نلي” تقود مظاهرة تضم عشرة آلاف مواطن أمريكي في مدينة أوكلاند بالقرب من سان فرانسسكو بولاية كاليفورنيا وتعلن بقوة أن هذه الحرب العدوانية التي تشنها إدارة بوش هي حرب مدمرة لمواردنا وشبابنا، وهي خطيئة وعمل غير شرعي ودعت لمحاكمة بوش كمجرم حرب.
ومع وصول النعش الأول حاملاً أول قتيل أمريكي على أرض العراق رفضت أمه تلقی العزاء ومقابلة جورج بوش، وقالت “لقد قتل بوش ابنی، كنت سأشعر بالفخر لو قتل ابني من أجل قضية عادلة“.
ومن محيط البيت الأبيض إلى الكنائس كانت الرسائل عبر أجهزة الاتصالات تلف العالم كله تدعو النساء لارتداء السواد وحمل الشموع لتقف بالآلاف حول الكنائس صامتة معلنة رفضها للحرب والقتل والدمار. وفي خطوة وموقف آخر لإعلان الاحتجاج شكلت النساء وفدًا مكونًا من ١٢ دولة أوربية بالإضافة إلى كندا وأستراليا وتوجهن إلى العراق كدرع بشرية بقيادة “سودار ثلج” التي عملت دبلوماسية بوزارة الخارجية البريطانية لمدة ٢٠ عامًا، في طريقها للعراق حيث أعلنت عن موقف المجموعة من تلك الحرب قائلة “الحرب ضد العراق غير شرعية وستكون لها مضاعفات سيئة ومرعبة لكل العالم، ولا أعتقد أن قضية العراق تخصه وحده بل تخص كل شعوب المنطقة، ونحن هنا نمثل رأيًا عالميًا رافضًا لهذه الحرب المدمرة لحضارة عمرها آلاف السنين والشعوب الأوربية والأمريكية تشعر بالمسئولية تجاه هذه الحرب ومضاعفتها لذلك نحن نذهب لمساندة العراق إعلاميًا وجسديًا.
كما قالت عضوة من عضوات الدرع البشرية فرنسية الجنسية رفضت ذكر اسمها “إن هذه الحرب تحمل داخلها نهاية العالم ودماره ونحن نحمل معنا كل طموحاتنا وأحلامنا بوقفها لقد بعت مجوهراتی وتركت عملي في باريس وكتبت رسالتي الأخيرة لأهلي وتوجهت للعراق لأقف مع أطفاله ونسائه الذين شاهدتهم مرة على التليفزيون فعرفت أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومحبة البشر ستتحول إلى كذبة إن لم ندعمهم بالفعل، وأن أفعل وأمارس إنسانيتي، لعن الله الحرب وكل من يريدها، الحرب على العراق هي حرب على الدول الإسلامية أولاً وعلى الإنسانية وحضارتها، ثانيًا لعن الله النفط“
ومن العراق أرسلت “هیلاری أندرسون صحفية إنجليزية في شبكة الـ بي بي سي البريطانية شهادتها للتاريخ والإنسانية حيث كانت تقوم بتغطية أخبار المعارك الدائرة في البصرة وحولها فكتبت بعنوان “حرب كبيرة يصعب استيعابها” وقالت “في الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور أجد نفسي في بلد دون أن أحمل تأشيرة دخول له دون أن أمر على أية نقطة تفتيش، ومعنى هذا أنني شاركت القوات البريطانية في عملية الغزو ومعناه أيضًا أنني أتواجد في العراق بشكل غیر قانونی… بأی حق أتواجد في العراق وهو دولة ذات سيادة وبأي حق تتواجد بريطانيا هذا ما يرغب العراقيون في معرفته، ومع ذلك يصف المتحدث في مقر قيادة القوات الميليشيات العراقية التي تتصدى للقوات البريطانية بأنها قوات إجرامية خارجة عن القانون!… إن تلك الحرب أكبر من أن يستوعبها أحد، وهي تنذر بميلاد نظام عالمی جدید يبدو مخيفًا وغريبًا“
وتعتبر موجات الرفض المحيطة لتلتحم بمظاهرات يومية لمعلمات أندونيسيا أمام السفارة البريطانية في جاكرتا رافعات لافتات كتبن عليها ” نحن نصلي من أجل العراق “.
ورغم المواجهات الدامية في بنجلاديش لم تتوقف طالبات الجامعات هناك عن التظاهر اليومي رافعات شعار ” لا للحرب.. لا لبوش وبلير” “لا للدم مقابل النفط “.
وفي تركيا ورغم حدة المواجهة الأمنية أيضًا احتلت النساء لأكثر من مرة المنطقة المحيطة بمقر القنصلية الأمريكية في اسطنبول رافعات شعارات مناهضة للحرب ولأمريكا ورافضة للمساعدات التي تقدمها تركيا لقوات الغزاة حتى وصل عدد من اعتقلتهن قوات الأمن التركية في يوم واحد 215 امرأة.
وكان للفنانات على مستوى العالم كله موقف رافض للحرب نسجل منه تحديد موقف فنانات أمريكا لما يحمله من دلالات فعلى سبيل المثال سجلت مادونا أغنية بعنوان أنني أعيش الحلم الأمريكي ومع أصوات قنابل وغبار التفجيرات في العراق مع صورة بوش مصاحبًا لجملة في الأغنية تقول ” احموني قبل أن يرتفع غبار اللون البرتقالي هذا اللون يعقب الانفجار” أما الفنانة نیکول کیدمان فقد جمعت قبل الحرب مليون توقيع ضد الحرب والمطالبة بمنعها.
ولم تمنع كل المواجهات الأمنية في مصر والعالم العربي الشعوب العربية من الاحتجاج الذي وصل إلى ذروته في مظاهرات یومی ۲۰، ۲۱ مارس الماضي وقبل ذلك شاركت نساء مصر ونشيطات العمل العام في كل فاعليات الاحتجاج بارتداء السواد واشعال الشموع أمام جامعة الدول العربية وبجوار السفارتين الأمريكية والبريطانية حيث منعهن الأمن من الوصول إلى مقر السفارتين.
إذا وعلى الرغم من جبروت القوة العسكرية الأمريكية إلا أن روح العالم والشعوب بنسائها ورجالها لم تنطفئ فمازلنا جميعًا قادرات وقادرين على المقاومة من أجل عالم أفضل.