د. کمال مغيث

المواطنة ، هي المساواة القانونية والواقعية الكاملة بين أبناء الوطن الواحد ، بصرف النظر عن الدين والنوع والثقافة وغيرها من تمايزات ، وللمواطنة تلك أبعاد أربعة هي: الحرية، والمشاركة ، والمساواة ، والمسئولية, وقبل أن نتحدث عن المرأة والمواطنة تحديدًا فإننا من المهم أن نشير إلى تدهور المواطنة بأبعادها السابقة لدى المصريين جميعًا ، ففي ظل النظام الاستبدادي الذي نحياه منذ ما يزيد على الخمسين عامًا ، لم يعد المصريون جميعًا رجالاً ونساءً أحرارًا ، فلقد تعددت الإجراءات والقيود التي تقمع الحرية بجميع أبعادها الفكرية والسياسية وغيرها من أبعاد ، كما لم يعد المصريون مدعوين للمشاركة إلا في الحدود التي يسمح بها النظام والتى لا تخر غالبًا عن الدور الذي يرسمه هو للناس والذي لا يتعارض بأي شكل مع توجهاته ومنطلقاته ومصالحه التي راحت تضيق شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى حدود مصالح الشلة والطغمة الفاسدة الحاكمةفحسب، كما ينعدم الاحساس بالمساواة عامًا بعد عام مع تدهور الإمكانات وخاصة للفقراء من ناحية ومع القدرة على تجاوز الحق والقانون للأثرياء والحكام فى الوقت نفسه ، ومازال النظام الحاكم يضع العراقيل أمام المصريين جميعًا في طريق الحصول على حقهم الكامل في المواطنة .

ومع ذلك تظل للمرأة خصوصية واضحة ، تحول دون حقها الكامل في المواطنة وأيضًا دون مساواتها بالرجل في هذا الحق ، ويمكن إجمال الأسباب التي تحول دون التحقق الكامل لحق المرأة في المواطنة إلى أسباب اجتماعية وقانونية وسياسية وثقافية واعلامية وتعليمية ، يمكن الاشارة إليها باختصار

فعلى المستوى الاجتماعي مازال المجتمع ينظر إلى المرأة باعتبارها كائنًا غير كامل الأهلية وإنما هي في حوذة أقرب الذكور إليها ، الأب ، الأخ الأكبر أو حتى الاصغر ، فإن لم يوجد فالخال أو العم .. الخ ولهذا الذكر أن يقرر للمرأة كيف تعمل وكيف تسلك ويظل ذلك الذكر هو المرجع والمعيار، وليست الحقوق المكفولة التي يمنحها الدستور ويحميها القانون، ولقد ترسخت تلك العادات حتى أصبحت عادات وتقاليد إجتماعية صارمة لا سبيل إلى تجاوزها إلا بقدر كبير من المخاطرة والقدرة على السباحة ضد التيار ، ولن نتوقف عند العديد من الممارسات العنيفة الموجهة ضد المرأة والمقبولة إجتماعيًا لدى غالبية الناس ، ويشير تقرير التنمية البشرية الذي تصدره الأمم المتحدة إلى تدهور الدخل القومى للمراة بالمقارنة بالرجل ، فبينما بلغ دخل الرجل ٦٨١٧ دولارًا سنة ٢٠٠٤ ، فإن متوسط دخل المرأة قد بلغ ١٥٨٨ في السنة نفسها، ولاشك أن انعدام المساواة في الدخل يعكس انعدامًا واضحًا في الإمكانية وفى الحقوق معًا.

أما إذا انتقلنا إلى القانون فمن الحق أن نعترف أن الدستور يقر في مواده المساواة الكاملة بين المرأة والرجل ، كما يمنح الناس الكثير من الحقوق في المشاركة والانتماء للأحزاب وتأسيس الجمعيات الأهلية وغيرها من الحقوق, ومع ذلك فإن القانون يضع العثرات في سبيل تفعيل هذه الحقوق، ولقد استقر في يقين المرأة أنه إذا كان الرجال غير مدعوين أصلاً للمشاركة فإن النساء غير مدعوين بدرجة أكثر ، هذا بالاضافة إلى العقبات القانونية الواضحة التي تهدر مبادئ المساواة بين المرأة والرجل في مواضع متعددة

أما إذا انتقلنا إلى الواقع السياسي، فإننا نلاحظ أن القمع الذي يصبه النظام على الناس قد أدى لإحجام الجميع ، وكما أسلفنا انعزلت المرأة وتركت السياسة لمن يستطيعون تحمل مخاطرها، ولقد شايعت الأحزاب المختلفة حتى المعارض منها النظام في توجهه ولذلك أصبح من النادر أن تضع الاحزاب النساء ضمن تشكيلاتها المختلفة وضمن مرشحيها للمجالس المختلفة، حتى انتهينا إلى ذلك الوضع الغريب والذى لا يليق بوضع مصر كأول دولة عربية تمنح النساء حقًا لتصويت والترشيح للمجالس النيابية سنة ۱۹٥٦ ، فقد بلغت نسبة النساء في مجلس الشعب ۲%

 

سنة ١٩٩٥ ، و ٤ ، ٢ سنة ٢٠٠٠ ، ثم عادت إلى ٢% سنة ٢٠٠٦ ، فما بالنا لو عرفنا أن أغلب تلك النسبة مصنوع ومتعسف بفعل القرارات الإدارية لرئيس الجمهورية.

أما إذا انتقلنا للأبعاد الثقافية ، فسوف نلاحظ أن مصر قد تعرضت في خلال العقود الماضية ومنذ تدهور المشروع الناصري تحديدًا إلى خطاب دینی بدوى متزمت، سواء في منابر الإعلام الرسمي للدولة أو من خلال الذي بثته العديد من الجماعات الدينية المتطرفة ، ذلك الخطاب الذي راح يركز على جسد المرأة لا على عقلها ولا على إمكاناتها ، وراح يعتبرها محتوى للعورة ومصدرًا للفتنة ومن ثم فقد راح يحدد لها وظيفتها في الحياة وهي أن تسعد الرجل وأن تقر في البيوت وتترك العناء والسعي في الأرض للرجال ، وفي ظروف اجتماعية قاسية وغير مواتية وجد هذا الخطاب آذانًا صاغية للأسف من فئات كثيرة من المجتمع في ظل غيبةذ خطاب ثقافي تتبناه الدولة، وربما كان هذا الخطاب الديني المتزمت هو الأكثر مناسبة للدولة من الخطاب التحرري والنهضوي الذي يدفع الناس للحركة والعمل والحياة

وعلى المستوى الإعلامي فمازال الإعلام يروج للصورة الأنثوية للمرأة ، فإمكانات المرأة ليست في عقلها أو تعليمها أو عملها ، وإنما في سماتها وصفاتها الأنثوية ومهارة المرأة في استثمار تلك السمات والصفات هذا بصرف النظر عما إذا كان العمل الإعلامي قصة درامية أو برنامجًا اخباريًا أو غير ذلك من أشكال الإعلام ، هذا فضلاً عن أن الإعلام في ضوء تركيبته الحالية يصعب عليه مواجهة ومعارضة الاتجاه الذكوري في المجتمع الذي يجعل السياسة والثقافة والتاريخ وقفًا على الذكور

ولا شك أن التعليم يعد في النهاية تكثيفًا للقيم الإجتماعية التي أشرنا إليها في السطور السابقة ، وتشير الأبحاث إلى تخلف القيم الإجتماعية التي تتناول دور المرأة في التعليم ، كما تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأميات من النساء تعادل 71% من صافى نسبة الأمية ، وللذكور ال 29% الباقية من نسبة الأمية سنة ٢٠٠٤ وطالما لم تتبن الدولة ذلك المشروع النهضوى الثقافى الذى يسعى للإعتاق من وهدة التخلف وتحقيق المواطنة الكاملة للناس جميعًا وللمرأة بوجه خاص .

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات