النساوية: صوت مسموع في النقاش الديني
الإسلام عند مجيئه وضع الأسس الأولى لقيام مجتمع إسلامي جديد، لا تمييز فيه بين أعضائه رجالاً ونساء، ولا تفضيل لأحدهما على الآخر إلا بالعمل الصالح، فأكد منذ البداية على تساوى الجنسين: في الأصل الذي تفرع عنه الإنسان، في المرتبة والقيمة الإنسانية، في القوة البدنية والإدراك العقلى، وكرم بنى آدم على العموم ولم يخص بذلك الرجال دون النساء، كما أثبت للمرأة استقلال شخصيتها وأكد أنها ليست بإنسان تابع للرجل، واعترف لها بشخصيتها المدنية الكاملة، وبحريتها المطلقة في التصرف في مالها، وبحقها كالرجل في أن تكون لها ذمة مالية مستقلة لتحقيق كيانها البشرى وكيانها الاقتصادى، هذا وقد جعل الإسلام المرأة عضواً كامل العضوية في المجتمع الإسلامي، ووضعها على قدم المساواة الكاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات الاجتماعية منها والثقافية والاقتصادية (1).
ولكن إذا كان الإسلام بكل هذا قد جعل المرأة إنسانًا كامل الإنسانية، إنسانًا ذا شخصية ذاتية وكيان مستقل لا تابع، فإنه مع انقضاء خير القرون، عادت التصورات والعادات الجاهلية المتأصلة في بعض النفوس الذكورية أو التي ظلت كامنة عند البعض إلى الظهور من جديد، ومع توالى القرون ازداد البعد عن هدى الله في شأن المرأة بخاصة، حتى صارت في نظر الرجال إنساناً من الدرجة الثانية أو الثالثة: فهى إما ضعيفة بلهاء تخدع وتسقط من أول نظرة أو كلمة، وإما خبيثة ماكرة لعوب لا تحسن غير الكيد والإفساد، وهي في كل الأحوال ليس لها شخصية الإنسان السوى بل هى مجرد لعبة جنسية ويصدق عليها قول القائل:
ما للنساء والكتابة والعمالة والخطابة
هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة (٢)
وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وفي إطار تنامى الوعى بحقوق الإنسان النساء ووعي النساء خصوصاً بحقوقهن ومطالبتهن عبر المنظمات النسائية في التمتع بها مساواة مع الرجل، نجد ردود أفعال من يتحدثون باسم الإسلام، تعارض هذه المطالب بدعوى أنها ليست من الدين، ومعتبرة مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق المدنية والاقتصادية والثقافية دخيلاً على الإسلام مستوردًا من الغرب، وبذلك فتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين في هذه الحقوق هو خروج عن الإسلام.
وقد ازداد التضييق اليوم على النساء بعلة دعوى فساد الزمان وضعف الأخلاق وانتشار الفسق والفجور، فصار محظورًا سلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال، وأصبح صوت المرأة عورة وفيه فتنة، وأصبح تعامى المرأة للعمل زنا، والتعليم شرًا وإشاعة للفساد، والمرأة المتعلمة تصبح مرادفة لزانية، أقل ما تستحقه هو الاغتصاب، وهكذا أصدروا حكمًا على المرأة المثقفة، باعتبارها داعية زنا، وأنها تشيع الفاحشة بكل الطرق فكرياً وسلوكياً وأخلاقياً. وهي لذلك لا تستحق أن يؤاخذ الرجل من أجل اغتصابها.
وهكذا اتهمت مجموعة من النساء العربيات بالدعارة، ويوجود ثلاثة أنواع من المني في أرحامهن لمجرد مطالبتهن بحق قيادة سيارتهن عوض السائق الأجنبي عنهن عملاً بالقول الذي يحتج به في مناسبات عديدة: ما اجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما. كما اتهمت امرأة عربية بالفسق والدعارة لأنها أرادت فقط التمتع بحقوقها السياسية، فترشحت لعضوية البرلمان.
وأخيراً – وربما ليس أخيراً – وبعد مضى ما يربو عن أربعة عشر قرناً على مجيء الإسلام صدرت فتوى في شهر يونيو ۱۹۹٦ من طرف الشيخ الذي يقدم على أنه الإمام الذي يجب أن تتبع أقواله تقضى بأن “الدعوة إلى نزول المرأة إلى الميادين التي تخص الرجال أمر خطير أثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع“، أي أن عمل المرأة في أى ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية “الخاصة بالرجال” – سواء أكان ثقافيًا أم اقتصاديًا أم سياسيًا هو زنا، فهل تغيرت نظرة الرجل العربي المعاصر للمرأة – وسوء الظن بها واستضعافها واحتقارها وإذلالها وتهميشها عن نظرة الرجل في العصور التي خلت؟.
إن نظرة الرجل المعاصر إلى المرأة، واستضعافها، وسوء الظن بها وتهميشها، وحرمانها من حقوقها المدنية والثقافية والاقتصادية، ازدادت غلواً وتقوت بحكم “تأصيلها” الديني أو مرجعيتها الدينية، فلقد أصل القوم هذه النظرة تارة بالاعتساف في تأويل النصوص القرآنية، وبالاستناد إلى المتشابهات من النصوص وترك المحكمات البينات، وتارة بالاستشهاد بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو بتأويل سئ للأحاديث الصحيحة، ووضعها في غير موضعها والاستدلال بها في غير ما سيقت له.
والتضييق اليوم أكثر على النساء، ومنعهن باسم الإسلام من المشاركة في الحياة الاجتماعية، فقد وجد هؤلاء في قاعدة “سد الذريعة” والغلو في تطبيقها سنداً شرعياً صالحاً لذلك.
لتغيير هذه النظرة، ولترسيخ قيم الإسلام وأحكامه الرفيعة في شأن المرأة والرجل لابد للمنظمات الحقوقية وبشكل خاص المنظمات النسائية/ النساوية والمرأة العربية المسلمة عموماً. من المساهمة في المجال الديني، والإدلاء بوجهة نظرها/ باجتهادها، في كل المواضيع التي تتناول وضعيتها سواء داخل الأسرة أو داخل المجتمع، حتى تصبح بذلك صوتاً مسموعاً في النقاش الديني، صوتاً ينم عن قوة شخصية المرأة العربية المسلمة وعن حسن إدراكها لحقوقها ولواجباتها في الإسلام، صوتاً يؤخذ بعين الاعتبار في تشريع القوانين التي ستطبق عليها، لا صوتاً تنفذ عليه فقط، صوتاً حاضراً بكل ثقله التصدي لكل محاولة يراد منها حرمان المرأة من حقوقها عن طريق فرض اجتهادات فقهية إنسانية باسم الإسلام وكأنها أحكام قدسية إلاهية، صوتاً حاضراً بكل ثقله، عند صدور الفتاوى التي تذل المرأة وتهمشها باسم الدين لدحضها وتفنيدها والرد عليها، صوتاً مدركاً أن التبريرات التي تقدم من طرف من يرفضون مبدأ المساواة بين الجنسين تعتمد على قراءة انتقائية للذاكرة الإسلامية، وإنه من الواجب على المرأة الإسلامية الكشف عن الأحكام المنسية والمغيبة، الكشف عن الجوانب المغيبة من هذه الذاكرة، أى الجانب الذي يمنح النساء مكانة مساوية للرجال، صوتاً…
إن غياب المرأة عن الحق الديني، وفراغ المساحة الدينية من وجودها، وارتفاع الأمية في صفوف أفراد المجتمع العربي من الجنسين معًا، سهل مأمورية من نصبوا أنفسهم بأنفسهم ناطقين رسميين باسم الإسلام لإصدار فتاوى تحرمها من حقوق أو تضيق عليها مجال الاستفادة منها.
وعن طريق المساهمة في المجال الديني، والإدلاء باجتهاداتها، وإسماع صوتها، ستعمل المرأة على استعادة الدور المنسى والضائع الذي لعبته النساء المسلمات من قبل، من أمثال: عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب بنت جحش وأسماء بنت أبى بكر وجويرية وأم سليم وأم ابن الزبير وأم حبيبة وصفية بنت يحيى وميمونة وأم عطية وزينب امرأة عبد الله بن مسعود وأم شريك وخولة بنت حكيم وأم الحصين وأم كلثوم بنت عقبة وأم هانيء بنت أبي طالب وفاطمة بنت قيس و… وفي تاريخنا كثير من العالمات في الحديث والفقه، كما أن هناك أمثلة لنساء جليلات، كانت لهن مكانة اجتماعية وعلمية رفيعة، منهن من دخل عداد الصحابة الذين عرفوا بالإفتاء.
فقد روت أمهات المؤمنين كثيراً من أحاديث الرسول، وكن مرجعاً موثوقاً به في أمور الدين، خاصة السيدة عائشة رضى الله عنها التي تعد من أئمة الرواة، ومن جملة الستة الذين هم أكثر العلماء علماً. وقد استمع الأمراء وتتلمذ كبار الأئمة على يد أم الدرداء، التي كانت تلقى بالمسجد الأقصى دروساً عمومية، كان في جملة الذين يحضرونها الأمير الأموي سليمان، وكما كان الشأن بالنسبة إلى السيدة نفيسة صاحبة المحاضرات العظيمة في القاهرة، الذي كان الإمام الشافعي من التلامذة المخلصين لها. هذا وقد كانت كريمة بنت أحمد المروزية إحدى راويات صحيح البخاري، ونسختها إحدى النسخ المعتمدة التي نوه بها الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري. وقد وجد من علمائنا من يقول: حدثتنى الشيخة المسندة الصالحة، فلانة بنت فلان.
ولنا في الصحيحين أمثلة كثيرة عن قوة شخصية المرأة المسلمة، وحسن إدراكها لحقوقها: فلقد كانت عائشة رضى الله عنها تتحدث بنصوص السنة وترد قول من تحدث من الرجال بنظره حتى لو كان من كبار العلماء والصحابة، فلقد ردت نظر عمر وابن عمر وأبي هريرة…. ولقد أورد بدر الدين الزركشي استدراك عائشة رضى الله عنها لها على ثلاثة وعشرين من أعلام الصحابة مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وبلغ عدد استدراكاتها تلك تسعة وخمسين.
وهذه خنساء بنت خدام تشكو تزويجها وهى كارهة، وهذه بريرة تتمسك بحقها على الرغم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: “فلا حاجة لي فيه“. وهذه عاتكة بنت زيد تتمسك بحقها في شهود الجماعة على الرغم من غيرة عمر لأنها تعرف حقها من قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله“، وهذه فاطمة بنت قيس تنطلق فيمن انطلق من الناس لما نودي في الناس أن الصلاة جامعة ملبية الدعوة إلى اجتماع عام، وهذه أم سلمة لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر وهى تمتشط: “أيها الناس” تقول لماشطتها: استأخري عنى: فتقول لها: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء فتقول لها : إني من الناس (۳). وأم سلمة رضى الله عنها التي يرى بعض الفقهاء (٤)، أنها تزعمت الحركة النساوية التي واكبت الثورة الإسلامية قبل زواجها من الرسول وحافظت على موقفها بعد ذلك، حيث يرى الفقه نفسه أنه كان يوجد حزبان بالمدينة: حزب نساوى تقوده أم سلمة وحزب ضد نساوى يحركه عمر بن الخطاب، الذى يروى أن أم سلمة أجابته لما ذهب إليها سائلاً: هل تراجع رسول الله؟ “عجباً يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه. “فقال: فأخذتني والله أخذاً كسرتني عن بعض ما كنت أجد” (٥)، وروى كذلك أن أم سلمة قالت: “يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولهم الميراث ضعف ما لنا فليتنا كنا رجالاً“. وروى كذلك أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: “مالنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ “فأنزل الله تعالى: إن المسملين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات..” الآية (٦).
دون أن نسترسل في ذكر هذه النماذج التي تدل على أن المرأة المسلمة دافعت بكل قوة وجرأة ودون حياء عن حقوقها، ولعبت دوراً مهماً من خلال تواجدها في الحقل الديني في إرساء هذه الحقوق وتثبيتها. ومساهمة منا فيما ندعو إليه، وهو ضرورة مساهمة المرأة في النقاش الديني، والإدلاء باجتهادها، سنعمد في هذه الورقة إلى تقديم نماذج من النصوص القرآنية التي أسىء تأويلها ومن الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستشهد بها على كيد المرأة ومكرها وضعفها و…. (النقطة الأولى)، وإلى تقديم نماذج من المتشابهات من النصوص القرآنية ونماذج من الأحاديث الموضوعة التي تم الاستناد عليها ولا زال لحبس المرأة في البيت ومنعها من الخروج (النقطة الثانية)، وأخيراً تقديم تطبيقات لقاعدة “سد الذريعة” التي كثر الالتجاء إليها والاحتماء بها اليوم حجة شرعية يقتضيها فساد الزمان وضعف الأخلاق وانتشار الفسق والفجور، لإبعاد المرأة باسم الإسلام من المشاركة في الحياة الاجتماعية، لتصبح تلك التي جعلها الإسلام إنسانًا كامل الإنسانية، وكائنًا من الدرجة الأولى أسوة بأخيها الرجل، مهمشة وكائنًا من الدرجة الثانية أو الثالثة في القرن العشرين (النقطة الثالثة).
النقطة الأولى: نماذج من النصوص التي يستشهد بها على احتقار المرأة وإذلالها وسوء الظن بها واستضعافها.
أولاً: المرأة مصدر اللعنة والخطيئة الأبدية:
باسم الإسلام تعتبر المرأة أحبولة الشيطان وشريكة إبليس في الإغواء: فلقد بدأت حياتها بالغواية غواية آدم / الرجل في الفردوس، بل إن كيدها أعظم من كيد الشيطان لأنها حاولت إغراء سيدنا يوسف عليه السلام، ولذلك فهى أصل الشر والبلاء، ومصدر الإثم واللعنة والخطيئة الأبدية.
أ – فحواء هي التي بدأت بالإغراء، وهذا ما ذكره بعض المفسرين عند شرحه الآيات القرآنية (۷)، التي تتطرق إلى قصة الشجرة الممنوعة التي أكل منها آدم وحواء. معتمداً على أقوال حفاظ التوراة من بني إسرائيل الذين دخلوا في الإسلام، وهكذا يذكر الطبرى مثلاً نقلاً بالإسناد عن وهب بن منبه حكاية الحية المشهورة، ومما جاء في هذه القصة (8). “.. ثم قال ربه” يا حواء أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملته كرهاً، فإذا أردت أن تضعى ما في بطنك أشرفت على الموت مراراً.
استناداً إلى هذا الشرح الذى مرجعه قصة التوراة التي حفظها وهب بن منبه، ورواها لصحبه من المسلمين بعد دخوله الإسلام، أصبحت المرأة من ذات السوابق في ميدان الإغواء، وأصبحت تمثل اللعنة وترمز إلى الفتنة.
لقد حرر القرآن الكريم المرأة لأول مرة من عقدة الذنب التي ظلت تلاحقها من بدء الخليقة، من اللعنة التي ظلت تطاردها جيلاً بعد جيل، من الخطيئة المزعومة التي تتهمها بأنها بدأت حياتها بالغواية: غواية آدم وإخراجه من الجنة، وأبرأت ذمتها من هذه اللعنة.
وبناء على ذلك فليس في القرآن ما يجعل المرآة مسؤولة عن خطيئة آدم، بل إذا تمعنا جيداً قوله تعالى في سورة طه: “وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى” (9). وقوله تعالى: “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً” (۱۰)، أي أن آدم عليه السلام نسى نهى الله له عن قربانه الشجرة – سنجد أن المسؤولية الأولى مسؤولية آدم.
ب – وكثيراً ما يستشهد رجال الدين ومن يأخذون عنهم من العامة – مادام أنهم الناطقون الرسميون باسم الإسلام – بقوله تعالى في سورة يوسف : “إن كيدهن عظيم” (11)، لتأكيد أن المرأة تشكل الخطيئة بالإضافة إلى اللعنة، بل تتم المقارنة بين قوله تعالى في هذه الآية وما جاء من قوله تعالى في سورة النساء: “إن كيد الشيطان كان ضعيفاً” (١٢)، لإبراز أن كيدها أعظم من كيد الشيطان.
إن هاتين الآيتين اللتين يقارن بينهما لتأكيد أن المرأة أصل الشر والبلاء، وأن كيدها أعظم من كيد الشيطان مع استئصالهما من إطارهما التاريخي لإثبات ذلك، لهى من الآيات التي أسييء تأويلها، وبالتالي تحط من كرامة المرأة: جاء عند الإمام القرطبي(۱۳): قوله تعالى: “إنه من كيدكن إن كيدكن….” قيل: قال لها ذلك العزيز عند قولها: “ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً“. “يوسف ٢٥“. وقيل قال لها الشاهد…” فهذا القول إذن ورد على لسان الشاهد أو على لسان العزيز وجاء تعليقاً منه على واقعة عين صدرت من امرأته، ومن ثم لم يرد هذا القول على لسان الحق سبحانه حتى يعتبر “حكماً إلاهياً قاطعاً محدداً لطبيعة النساء كل النساء في كل زمان ومكان” (١٤).
وأخيراً: هل لا يتضح القصد من الكشف عن كيد المرأة ومقارنته بكيد الشيطان، ولا يتم الكشف عن كيد الرجل ومقارنته بكيد الشيطان؟. فلماذا لا يستشهد رجال الدين والعامة من الرجال بما جاء ذكره في الآيات (۱۱ – ۱۸) من سورة يوسف؟. لنتأمل بالرجوع إلى هذه الآيات كما يقول الفقه (١٥)، كيف كاد إخوة يوسف له كيداً عظيماً واحتالوا لتنفيذ كيدهم أكبر حيلة من تمهيد خبيث ثم فعل قبيح ثم كذب مفضوح وتزوير ماكر، ونسائل رجال الدين: هل كيد الرجال هذا أعظم أم كيد النساء؟. وهل كيد الرجال هنا أعظم أم كيد الشيطان؟. ولماذا لم يسأ تأويل هذه الآيات الكريمة ولم تستأصل من إطارها التاريخي ومن المناسبة التاريخية التي قيلت فيها لتعميم الكيد وسوء الظن بكل الرجال على النهج نفسه الذي سلكتموه في الآية ٢٨ من سورة يوسف؟. هل لأن الرجل معصوم من الخطيئة وكرامته لا تقبل الإهانة؟.
بأسم الإسلام يعتبر الذكر أرفع مكانة من الأنثى، وأن هذه الأخيرة مخلوقة هامشية من ضلع الرجل، وباسم الإسلام تعتبر الأنثى كائنًا غير مرغوب فيه، فلا يرحب بمولدها في كثير من الأوساط، وباسم الإسلام تعتبر المرأة ناقصة عقل ودين.
أ – يستشهد بعض الفقه (١٦) بقوله تعالى في سورة آل عمران: “وليس الذكر كالأنثى (۱۷). “للقول بأن الذكر أرفع منزلة من الأنثى وأنه أقوى… وأنه…. ويستشهد آخر (۱۸) قائلاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم الختن القبر، “ودفن البنات من المكرمات“، للقول بأن هناك فائدة في موت البنت، لأنها مجلبة للهم والعار و…. وبهذا تستمر التصورات الجاهلية عنها: فالأنثى لا يرحب بمولدها في كثير من الأوساط ولدى كثير من الناس، ولا تعامل معاملة الذكر، فهي كائن غير مرغوب فيه.
جاء في تفسير قوله تعالى: “وليس الذكر كالأنثى (۱۹): أن امرأة عمران نذرت ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم إذا كان المولود ذكراً. فلما وضعت قالت: “ربي إني وضعتها أنثى” قال ابن عباس: إنما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور“. والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى“، فقد قرأ البعض كلمة “وضعت بضم” التاء فتكون الجملة من كلامها المحكي وليس كلام الله، وقرأها الجمهور بسكون التاء، فتكون الجملة من كلام الله تعالى وليس من كلامها المحكي. والمقصود منه: أن الله أعلم منها بنفاسة ما وضعت وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألته، والمعنى: وليس الذكر الذي رغبت فيه بمساو الأنثى التي أعطيتها لو كانت تعلم علو شأن هذه الأنثى“. وليس المقصود ما يحتج به البعض لإظهار أن هناك فوارق بين الجنسين، فلو قيل “وليست الأنثى كالذكر لفهم المقصود، ولكن قدم الذكر هنا لأنه هو المرجو المأمول فهو أسبق للفظ المتكلم (٢٠).
في ضوء هذا يتضح كيف تطوع النصوص القرآنية، وكيف يعتمد على قراءة انتقائية لها مع ذكر جملة من الآية دون ما جاء قبلها وبعدها، ودن ذكر أسباب نزولها واستئصالها من إطارها التاريخي لتأكيد التمييز بين الجنسين.
حتى لو كان هذا الذكر أرفع مكانة من الأنثى في ذلك المجتمع، فإن الأصل في الشرع الإسلامى هو المساواة بين الجنسين (۲۱). ويلخص هذا القول الجامع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرر أصل المساواة بين الرجل والمرأة: “إنما النساء شقائق الرجال“. كما أن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت للقضاء على كل تفرقة يكون أساسها الجنس أو التمييز بين الذكر والأثني. فمن الركائز التي يقوم عليها الدين الإسلامى وحدة الأصل وتساوى الجنسين في المرتبة الإنسانية، ولهذا فالإسلام كفل للمرأة مساواة تامة مع الرجل من حيث الجنس، من حيث الأصل الذي تفرع عنه الإسلام: فالجنسان يرجعان كلاهما إلى أصل واحد، وزوج المرأة مخلوق منها وزوجة الرجل مخلوقة منه، وقوله تعالى في سورة آل عمران: “بعضكم من بعض” (22)، تعنى أن الذكر من الأنثى، وأن الأنثى من الذكر، وأن كليهما خلق من نفس واحدة أو هما شقيقان ينحدران من نفس واحدة، ومنها أنبت الرجال والنساء، ومن ثم، فكلاهما يشارك الآخر في القيمة الإنسانية.
فمن أين إذن جاءت حكاية الضلع؟. أو حكاية أن حواء خلقت من ضلع آدم؟. من غير أن يحس عليه السلام بذلك؟ (۲۳)، أو حكاية أن المرأة مخلوقة هامشية من ضلع الرجل؟. بينما ليس في القرآن كله إشارة إليها من قريب أو من بعيد،. وإنما الذي فيه أنه تعالى خلقنا من نفس واحدة.
كما أعلن القرآن بشكل شامل أن الرجل والمرأة متساويان في القوة البدنية والإدراك العقلى: أى متساويان من حيث التركيب البيولوجي والتكوين السيكولوجي، فقوله سبحانه وتعالى: “والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجاً (٢٤)، وقوله تعالى: “هو الذي خلقكم من نفس واحدة” (٢٥)، وقوله تعالى: “بعضكم من بعض” (٢٦)، لقول كريم بين وواضح ولا يبقى معه مجال للريب.
ب – وحتى لو كان الذكر أرفع مكانة من الأنثى في ذلك المجتمع، فإن أول ما صنعه الإسلام تعزيزاً لكرامة الأنثى، أنه حارب كرهها والتشاؤم بها. جاء في القرآن الكريم: “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم..” الآية (۲۷). فالخطاب في هذه الآية للذين يكرهون أن ينجب الواحد منهم أنثى، حيث بين لهم الحق سبحانه أن الأنثى ليست مجلبة للهم وللعار، وقوله تعالى: “وإذا بشر أحدهم بالأنثى” يفيد بأن مولد الأنثى بشارة عظمى. وقال سبحانه وتعالى: “يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً” (۲۸). بهذا القول الكريم بين الحق سبحانه وتعالى كذلك الذين يكرهون أن ينجب الواحد منهم أنثى، أنه جل جلاله، هو صانع الذكر والأنثى، ولا يشاركه في الخلق أحد، ولهذا فإن من يضيق بالأنثى إذا رزق بها، يصير آثماً متمرداً على قضاء الله وهو بالجاهلين أشبه. لهذا إذا كان الإنسان لا يملك أن يصور في الرحم أنثى ولا ذكراً، فلماذا تحمل المرأة مسؤولية إنجاب الإناث فقط؟. ولماذا تعامل “معاملة من لو كانت ولادة الذكور باختيارها، ولماذا لا يحقد الرجل على نفسه إذ يلقح امرأته بأنثى..؟(۲۹). حسبنا هنا قوله صلى الله عليه وسلم: آية يمن المرأة تبكيرها ببنت“.
أما الحديثان اللذان يستشهد بهما للقول بأن هناك فائدة في موت البنت لأنها مجلبة للهم وللعار، فهماً من الأحاديث الموضوعة المختلفة على رسول الإسلام وتتناقض مع قوله صلى الله عليه وسلم: “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر عليها ولده أدخله الله الجنة” (30).
بكل هذا ارتقى الإسلام بالأنثى إلى مدارج العزة والكرامة، وألزم المسلمين باستقبالها ورعايتها كشقيقها الذكر دون فارق أو تمييز: فليس الذكر أرفع مكانة من الأنثى، ولهذا فلا ذنب لنصوص الشريعة إذا استصغر الناس شأن الأنثى وتشاموا بها. فالأنثى نفس إنسانية إهانتها إهانة للعنصر الإنساني الكريم.
جـ – كثيراً ما يستشهد العامة ورجال الدين بالحديث المعروف في كتب الفقه، والمروى بعدة روايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “النساء ناقصات عقل ودين، قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلى“. وفي رواية ثانية أنه قال: “يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن“.
فقيه معاصر (٣١) يتعرض للرواية الثانية من الحديث من ثلاث زوايا : الأولى الدلالة العامة لقوله صلى الله عليه وسلم هذا القول. قائلاً: “إن النص يحتاج إلى دراسة وتأمل سواء من ناحية المناسبة التي قيل فيها أو من ناحية من وجه إليهن الخطاب أو من حيث الصياغة التي صيغ بها الخطاب وذلك حتى نتبين دلالته على معالم شخصية المرأة، فمن ناحية المناسبة فقد قيل النص خلال عظة للنساء في يوم عيد، فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء أو يحط من كرامتهن أو ينتقص من شخصيتهن في هذه المناسبة البهيجة؟. ومن ناحية من وجه إليه الخطاب، فقد كن جماعة من نساء المدينة، وأغلبهن من الأنصار الذين قال فيهن عمر بن الخطاب: “فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار“، وهذا يوضح لماذا قال الرسول الكريم: “ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن“. أما من حيث صياغة النص، فليست صيغة تقرير قاعدة عامة أو حكم عام، وإنما هي أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء – وفيهن ضعف – على الرجال نوى الحزم، أى التعجب من حكمة الله/ كيف وضع القوة حيث فطنة الضعف وأخرج الضعف من مظنة القوة. لذلك نتساءل هل تحمل الصياغة معنى من معانى الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟ وهل تحمل تمهيداً لطيفاً لفقرة من فقرات العظة وكأنها تقول: أيتها النساء إذا كان الله قد منحكن القدرة على الذهاب بلب الرجل الحازم على الرغم من ضعفكن فاتقين الله ولا تستعملنها إلا في الخير والمعروف. وهكذا كانت كلمة “ناقصات عقل ودين” إنما جاءت مرة واحدة وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة في صيغة تقريرية سواء أمام النساء أو أمام الرجال“.
ودون الاسترسال في ذكر تعريف هذا الفقيه يمكن القول إنه يستنتج من الحديث معنى يجعل من الممكن استخدامها لصالح المرأة (۳۲).
ولكن عبد الرحمان الجزيري (۳۳)، في تعليقه على رواية الحديث الأولى، يقول: “ولكن هذا الحديث غير صحيح، فقد قال ابن الجزي: إن هذا حديث لا يعرف، وقال البيهيقي: لم أجده في شيء من كتب الحديث، وقال غيرهما: إن هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه، والواقع أنه لا معنى له مطلقًا، لأن الشارع هو الذي منع النساء من الصلاة وهن حائضات، فأي ذنب لهن في ذلك حتى يوصفن بهذا الوصف الظالم؟“.
فقه آخر (٣٤) يقول: “أما عن الحديث: “النساء ناقصات عقل ودين” فإنه ليبدو لنا أن من الأمور البينة التي لا يعوزها بيان أو برهان أن هذا الحديث هو واحد من بضعة آلاف من الأحاديث التي وضعت ونسبت كذباً إلى الرسول (٣٥)، فمن علامات الوضع (أي الكذب) في متن الحديث – فيما ذكر علماء الحديث – فساد المعنى، أى أن يكون الحديث مما لا تستسيغه العقول ويخالف البداهة، أو مخالفة الحديث لصريح القرآن (٣٦)، أو أن يخالف الحديث الحقائق التاريخية. ويبين بعد ذلك أن هذا الحديث ينطوى على هذه العلامات الثلاث من علامات وضع الأحاديث.
ومن الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي يكثر تداولها على الألسنة والتي يستشهد بها على ضعف خلق المرأة والارتياب في عقلها، ونقصان دينها نجد: “إن النساء سفاء إلا التي أطاعت زوجها“. “يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقى ذلك مؤخرة الرجل“، “طاعة المرأة ندامة“. لولا النساء لعبد الله حقاً حقاً“، “شاوروهن وخالفوهن“، “هلكت الرجال حين أطاعت النساء“، “أعدى عدوك زوجتك“ (۳۷).
وأخيراً نقول مع الفقه بأن الأحاديث التي تستخف بالنساء وتسفه عقولهن لا يمكن تصور صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء عنه أنه قال: ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم“، و “إنما النساء شقائق الرجال فاتقوا الله في النساء“، “وأوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان“، وما زال جبريل يوصينى بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن“، ولم يفت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشير إلى النساء في خطبة الوداع، حيث قال: “واستوصوا بالنساء خيراً” (۳۸).
النقطة الثانية : نماذج من النصوص التي يستشهد بها على حبس المرأة في البيت، ومنعها من أن تكون عضواً في المجتمع الإسلامي.
باسم الإسلام تمنع المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية، ومن أن تكون عضواً كامل العضوية في المجتمع الإسلامى على أساس أن هذا الأخير مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك أو مجتمع فردى لا زوجي، للرجال مجتمعهم وللنساء مجتمعهن، ومن ثم فالإسلام نظر إلى المرأة كعرض يجب أن يصان، فمنعها من الخروج ومن الاختلاط بعالم الرجال في الحياة العامة.
باسم الإسلام إذن يعتبر وجه المرأة عورة وصوتها وكلامها عورة وارتيادها المجالس العامة سيؤدي إلى فساد أخلاق الرجال، ومخالطتها لهم ستؤدى إلى فساد المجتمع بل مخالطتها لهم حسب الفتوى الأخيرة تعتبر من أعظم وسائل الزنا.
باسم الإسلام إذن تحبس المرأة في البيت، وينكر عليها حق التعليم؛ فالعلم يعتبر رذيلة بالنسبة إليها، وينكر عليها حق العمل والسعى في طلب الرزق والمساهمة في خدمة الأسرة والمجتمع على أساس أن الإسلام يرى في الاختلاط بين الجنسين خطراً محققاً.
وبناء على ذلك، وحتى إذا كانت هناك نصوص شرعية تفيد مشروعية لقاء النساء بالرجال، إلا أن كثيراً من العلماء يرون منع مثل هذا اللقاء من باب “سد الذريعة” وذلك أن طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها فيها كثير من الفتنة، والواجب شرعاً أن نعمل على درء الفتنة (٣٩).
أولاً: القرار في البيت أمر إلاهي مقدس
لقد أعفي الإسلام الزوجة من الكد والسعي وجعل نفقتها على زوجها، وأمرها ألا تخرج من البيت الزوجي دون حاجة تعرض لها. وهدفه من ذلك هو أنه يريد أن يكون البيت هو الدائرة الحقيقية لواجباتها.
وسند الفقهاء من القرآن لتبرير ما ذهبوا إليه من أن الإسلام أمر النساء بالقرار في البيوت هو قوله تعالى “وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى” (٤٠)، وقوله تعالى: “لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن” (٤١). أما سندهم من القرآن الذي يفيد أن الإسلام نظر إلى المرأة كعرض يجب أن يصان ومنعها من السفور ومن الاختلاط بعالم الرجال فهو قوله تعالى: “وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب” (٤٢).
فكان تفسيرهم الآية الأولى: “وقرن في بيوتكن” هو أن قول الله هذا، قول واضح المعنى ظاهر الحكمة بأن على النساء لزوم بيوتهن ولا يخرجن إلا لأسباب ضرورية قاهرة.
ودفعاً لأي اعتراض بالقول: إن هذه الآية إنما أمرت بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، يذهب هؤلاء الفقهاء إلى أنه حتى وإن كان الخطاب في هذه الآية موجهًا من الله تعالى إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى لأنه في الواقع أمر عام لجميع نساء المسلمين، وإنما خاطب الله نساء النبى بذلك تشريفاً لهن. أما الشريعة فهى واضحة، تأمر النساء بلزوم بيوتهن. وبناء على هذا فإن بعض الفقه لم يتوان في إصدار أوامره إلى المرأة بأن تلزم بيتها وأن يكون هو مقامها ومستقرها ما دام أن الله أمر أمهات المؤمنين وأفضل نساء العالمين بالقرار في البيوت.
أما الآية الثانية، فقد توصل أئمة الفقه والتفسير إلى أن البيوت في قوله تعالى: “لا تخرجوهن من بيوتهن” مضافة إلى ضمير النسوة مع أن البيوت للأزواج لالهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليست إضافة تمليك بل إضافة إسكان تقررت لاستمرار لزوم المرأة البيت. وقد كان تفسير الفقهاء آية الحجاب هو أن قوله تعالى هذا أمر لجميع المسلمين، فكما نهاهم عن الدخول على زوجات النبي فهو يأمرهم بألا ينظروا إليهم بالكلية، وكما دخل في النهي سائر المؤمنين، فإن جميع النساء يدخلن في هذا المعنى.
ولهذا لا يمكن أن يقول قائل: إن هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المسلمات. إن هذا مطلوب من المسلمات جميعاً كما هو مطلوب من أمهات المؤمنين، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة للمسلمين ولذلك يجب الاقتداء به.
وبناء على هذا فالإسلام هو الذي فرض على المرأة الحجاب / الاستقرار في البيت، ولذلك فلا يحق للمرأة أن تبرح مسكنها إلا لأسباب ضرورية قاهرة، وإلا كانت مخلة بتعاليم وأحكام الشريعة الإسلامية (٤٣).
في ضوء هذا يتضح أن الأمر بالقرار في البيت، أمر إلاهي مقدس لا يجوز مسه أو مناقشته. ولكن على الرغم من أن السند الشرعي يلعب بالنسبة إلى الفقهاء دور الحجة والأساس لإضفاء طابع قدسي/ شرعي على آرائهم، وبالتالي إلزامي/ إكراهي على اتباع وتطبيق ما توصلوا إليه دون نقاش، فإننا سنقوم بمناقشة تأويلاتهم لهذه الآيات الكريمة التي استندوا إليها لتقرير عدة أحكام باسم الإسلام.
فإذا كان بعض الفقهاء، استناداً إلى الآيات السابقة الذكر، قد توصلوا إلى أن الإسلام فرض على المرأة الاستقرار في البيت، فإن فقهاء آخرين توصلوا إلى أن هذه النصوص الكريمة خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهن من نساء المسلمين.
قال الحافظ ابن حجر (٤٤) قوله تعالى: “وقرن في بيوتكن” فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم..” وجاء عند محمد الطاهر بن عاشور (٤٥). “.. هذا أمر خصصن به وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيراً لهن وتقوية في حرمتهن“، وجاء عنده كذلك فيما يخص آية الحجاب“، وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها (…) تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين… وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن“، وجاء عند قاسم أمين (٤٦): “ولا يوجد اختلاف في جميع كتب الفقه من أى مذهب كانت ولا في كتب التفاسير في أن هذه النصوص الشريفة هي خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم… ولما كان الخطاب خاصاً بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم… فهذا الحجاب (قصر المرأة في بيتها) ليس بفرض ولا بواجب على أحد من نساء المسلمين“.
أما ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أنه حتى لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، وحتى إن كان الخطاب في هذه الآية هو لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى لأنه في الواقع أمر عام لجميع نساء المسلمين، فإن هذا الجانب الثانى من الفقهاء يجيب بأن قولهم هذا مردود لأن قوله تعالى: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء” يشير إلى عدم الرغبة في المساواة هذا الحكم وينبهنا إلى أن في عدم الحجاب حكماً ينبغي لنا اعتبارها واحترامها في وليس من الصواب تعطيل تلك الحكم مرضاة لاتباع الأسوة.
أما قوله تعالى: “وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب” (٤٧) فإنه جاء في بداية هذه الآيه قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم..” (٤٨)، وبذلك فالآية تتحدث صراحة عن بيوت وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وليس عن بيوت وأزواج عامة المسلمين.
أما قوله تعالى: “لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن“، فهى آية واردة في سورة الطلاق التي جاء في أولها قوله سبحانه وتعالى: “يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة..”. الآية. ولذلك فهي خاصة بسكنى المرأة المطلقة أثناء العدة.
وأخيراً يمكن القول إن الله تعالى لم يأمر بأن تبقى المرأة في البيت وأن تمنع من الخروج وأن تسجن فيه وإلا لما قال سبحانه وتعالى: “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن…” الآية (٤٩). فالأمر بغض الأبصار لا يمكن أن يكون مع قصر وحبس النساء في البيوت، ولما قال عز علاه: “واللاتي يأتين الفاحشة منكم، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا، فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً” (٥٠). فلو أراد سبحانه وتعالى إلزام النساء بالقرار في البيوت لما جعل الحبس فيها عقاباً للزانيات. هذا وإن احتجاب النساء لا يتفق مع ما قرره التشريع الإسلامي من حرية للمرأة في التصرف المطلق في أموالها، إذ لو كان الدين قد فرض عليها الحجاب لما اعترف لها بحق التصرف المطلق في أموالها.
أما بالنسبة إلى الأحاديث فيستشهد بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لابنته فاطمة عليها السلام: “أي شيء خير للمرأة؟“. قالت: ألا ترى رجلاً ولا يراها رجل، فضمها إليه وقال: “ذرة بعضها من بعض“. وهذا حديث ضعيف على الرغم من وروده كثيراً على ألسنة الخطباء وعلى صفحات الكتب والمجلات ولم يرد في أى من الكتب الأربعة، بل رواه البزار – مع بعض الاختلاف – وقال عنه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه البزار وفيه من لم أعرفه). وقال عنه الحافظ العراقي في تخريجه أحاديث كتاب إحياء علوم الدين رواه البزار والدارقطني في الأفراد من حيث روايته بسند ضعيف. هذا من حيث السند أما من حيث المتن فهو مخالف مخالفة صريحة لما تواتر من القرآن الكريم والأحاديث الصحاح والنهج الذي سارت عليه الصحابيات على عهد رسول صلى الله عليه وسلم، فقد شاركن في الحياة الاجتماعية ولقين الرجال في مناسبات كثيرة جداً (٥١).
فقه آخر (٥٢) في حديثه عن استغلال وهضم حق المرأة يقول عن هذا الحديث الضعيف الذي تتناقله ألسنة الخطباء كما يرد في كتب بعض العلماء المحدثين: “فجاوا بأحاديث لا خطم لها ولا أزمة، ولا يعرف لها أصل ولا سند، أو أحاديث واهنة شديدة الوهن، أو موضوعة مكذوبة على رسول صلى الله عليه وسلم مثل حديث (الحديث) وهو حديث واه لا يساوى المداد الذي كتب به.
ومن الأحاديث التي يستشهد بها كذلك في هذه النقطة، حديث: “المرأة إذا تعطرت وخرجت من بيتها فهى زانية“؛ وحديث: “والطريق المغنى عن الغيرة أن لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج إلى الأسواق” وحديث: “إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان“، وحديث : “إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان“، كناية عن الفتنة المصاحبة إقبال المرأة وإدبارها، وحديث: “ما خلا رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما” أو: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان” (٥٣)، هذه الأحاديث – وغيرها كثير (٥٤)، هي من الأحاديث الموضوعة التي تنسب كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥٥). والتي يتعين علينا كمسلمين عدم الاستشهاد بها.
في ضوء هذا يتضح أن الفقهاء استندوا في حبس المرأة على المتشابهات من النصوص، وعلى الأحاديث الموضوعة تاركين حوالى ثلاثمائة نص تشمل أفعالاً وأقوالاً وتقريرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم – قطعية الورد قطعية الدلالة – تفيد بأن مشاركة المرأة الحياة الإجتماعية ولقاءها الرجال سنة من سننه صلى الله عليه وسلم (٥٦).
إذا كان لا يوجد نص صريح يأمر بحجب النساء عن المجتمع كما خلصنا إلى ذلك، فإنه يمكن القول: إن الفقه قد بالغ في تفسير النص القرآني للحد من حقوق المرأة الشخصية، المدنية منها والاجتماعية والسياسية، ويمكن إرجاع سبب هذه المبالغة إلى موقفه من جسد المرأة ومن الإختلاط، ومن ثم غلوه في تطبيق قاعدة “سد الذريعة“.
فالمرأة بالنسبة إليه – كما سبق القول – تمثل اللعنة وترمز إلى الخطيئة والفتنة، وهي عنده من ذات السوابق في هذا الميدان، فهى كما تمكنت من إغواء آدم فإن تحالفها المتواصل مع الشيطان في الأرض سيجعلها تغوى أبناء آدم (الرجال) عن الطريق السوى، وهذا سيؤدى إلى فساد المجتمع. فتبرج المرأة ومبالغتها في الزينة ومخالطتها الرجال، وارتيادها المجالس العامة هو سبب فساد أخلاق الرجال، وضعف ملكتهم، وهو سبب انحلال وانهيار الحضارات العريقة، وسقوط الأمم الإسلامية في العهود القديمة وفي العصور الحديثة.
ولكن هذه اللعنة بالنسبة إليه لا تنفي عنها أنها امرأة: أى أنها جمال وزينة وجاذبية، أى أنها جسد أى أنها الجنس، فالمرأة الأنثى/ الجسد تشكل موضوع إغراء وافتتان، فإن اختلطت بالرجال فهذا سيؤدى إلى فساد الأخلاق وانهيار القيم وبالتالي إلى عرقلة إقامة مجتمع سليم ناهض. ولهذا يجب سجنها في البيت، ومنعها من الاختلاط بالرجال في الحياة العامة، وذلك بإقامة سور حديدي فاصل بينها وبين الرجال، على مستوى ثنائى يمتد ليقسم المجتمع الواحد إلى مجتمعين منفصلين: مجتمع للرجال ومجتمع للنساء، مجتمع رحب ومجتمع مغلق.
وهكذا فالحل الوحيد بالنسبة إلى الفقه، للمحافظة على أخلاق الرجال، وقوة ملكتهم، وإقامة المجتمع الإسلامي المثالي، هو تقييد الجسد الأنثوى الباعث على الإغراء والفتنة، وعزله وراء جدار فاصل بين الجنسين، نموذجين: كنموذج الرجل الفاعل الإيجابي، ونموذج المرأة الخاضعة السلبية. وبهذا يبقى البيت هو عالم المرأة، هو مملكتها الخاصة، ويبقى المجال الاجتماعي العام مملكة الرجال، فالحياة العامة ليست من شأن النساء بل هي من شأن الرجال: هم القوامون على السياسة والتشريع والاقتصاد.
في ضوء هذا، يتضح أن المرأة في المنظور الفقهي، هي الجاذبية/ الزينة/ الجمال/ الفتنة الأنثى المتعة، الأنثى الجنس، وليس الإنسان. فالمرأة الإنسانة لا وجود لها في المنظور الفقهي، فهي دوماً المغيبة في تصوره، في حين أن مقدمة المرأة/ اللذة، المرأة/ المتعة، هي الحاضرة بكل قوة. وهذه المرأة المتعة / اللذة بالنسبة للفقه ليست في آخر المطاف سوى الامتداد لتلك المرأة اللعنة والخطيئة: فهناك المرأة الصالحة، والمرأة غير الصالحة، المرأة الوجه والكفان وغير الوجه والكفين، والمرأة المثالية والمرأة الغانية والغاوية، فهى المتعة إذا بقيت بمقرها/ البيت وهي اللعنة إذا غادرته (٥٧).
هذه المرأة الفتنة وليس الإنسان، بالنسبة إلى الفقه يجب حبسها في البيت ومنعها من الخروج، ومن الاختلاط بعالم الرجال في الحياة العامة، لأن الواجب شرعاً بالنسبة إليه يقتضى العمل على درء هذه الفتنة، من باب “سد الذريعة“.
وقاعدة سد الذريعة، تعنى أن الأمر المباح يصبح مكروهاً أو حراماً إذا كان فعله ذريعة إلى فساد أو إلى فتنة. وهي قاعدة محكمة في ذاتها ولكن تطبيقها محل اجتهاد واسع واختلاف كبير، وهنا مضلة أفهام ومزلة أقدام كما يقولون، ومن ينظر في كتب الفقه المتأخرة أو يستعرض تطبيق المسلمين يلحظ بوضوح كم ضلت أفهام وزلت أقدام في تطبيق هذه القاعدة الجليلة حتى أضحت سيفاً مسلطاً على كثير من الأحكام الشرعية، فصبغت حياة المجتمع المسلم بصبغة مخالفة لما كان عليه الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (٥٨).
وبناء على هذه القاعدة ونتيجة للغلو في تطبيقها، وضعت قيود وضغوط كثيرة على حياة المرأة: فلقد شرع الإسلام للمرأة أن تلقى الرجال فتراهم ويروها، وتجتمع بهم وتتبادل الحديث وتتعاون معهم على عمل من الأعمال دون تكلف أو حساسية أو تعقيد – والذي يسمونه الاختلاط – ولم يحظر ذلك “سدا للذريعة“، وإنما وضع لذلك آداباً رفيعة. وعلى الرغم من وجود نصوص عديدة، صحيحة وفي أعلى درجات الصحة تفيد لقاء النساء الرجال (٥٩). فإن كثيرًا من العلماء يرون منع مثل هذا اللقاء من باب “سد الذريعة“، وذلك لأن طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها فيها كثير من الفتنة والواجب شرعاً كما قلنا في نظرهم، يتطلب العمل على درء الفتنة.
وقد غلوا في تقدير الفساد، وغلوا في تطبيق “سد الذريعة“، وعطلوا كثيرًا من النصوص بسببها: فأصبح وجه المرأة عورة، فأمروها بستره – “سدا الذريعة” خوفاً من الفتنة، ولم يأمروا الرجال بغض أبصارهم، وعلى الرغم من أن الرجل هو كذلك يمكن أن يكون فتنة لم يطبقوا عليه الحكم نفسه. أمر الإسلام المرأة أن تطلب العلم، ولكن منعت “سدا للذريعة“. شرع لها أن تبيع وتشترى وتعمل حتى تكون لها ذمة مالية مستقلة لتحقيق كيانها البشرى وكيانها الاقتصادي ولكنها منعت “سداً للذريعة“.
وهكذا تم الغلو في “سد الذريعة” مخافة فتنة المرأة، وتم الغلو في سوء الظن بالمسلمين وكأنهم سيفجرون بكل امرأة يلقونها وكأن كل امرأة دون رجل مال سايب وصدق من قال بأن كل غلو في مجال فتنة المرأة تقع مغبته عليها هي لا على الرجال (٦٠).
أولاً: ساند المسرفون المغالون إسرافهم وغلوهم بآثار ضعيفة أو موضوعة، مخالفة لما ثبت في الأحاديث الصحيحة، بل في أعلى درجات الصحة. وهكذا اختلق الواضعون أحاديث تفرض الأمية على النساء وتحكم عليهن بالبقاء في ظلمة الجهل، منها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور“، وقد جاء بصدد هذا الحديث قول الفقه: وأما الحديث الذى تلوكه بعض الألسنة (الحديث) فهو حديث باطل موضوع. وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من المتقدمين. الغريب أن يغتر به بعض المشايخ المتدينين ويوردوه في كتبهم؛ فمثل هذا الحديث الموضوع يمثل للعاقل مبلغ أثر الأحاديث المكذوبة في توجيه الثقافة الإسلامية توجيهاً خاطئًا. ألا فاحذروا أيها المسلمون أمثال هذا الحديث (٦١).
وإذا كان بعض الفقه لا ينكر على المرأة حقها في التعليم على أساس أنه حق لها كما هو حق للرجل، إلا أنه يرى أن يتم ذلك في حدود الشرع المطهر، بألا ينعم كل منهما إلا بما يتناسب مع فطرته وطبيعته ومهمته التي خلق من أجلها. وانطلاقاً من هذا الأساس يجب الفصل بين الجنسين في قاعات الدرس، ووضع برامج تعليمية خاصة بكل واحد منهما. فالاختلاط في التعليم سنة سيئة ومعول هدم لكيان المجتمع الاسلامى، وتقليد وتبعية للغرب. كما أن تلقين الجنسين معاً المواد التعليمية نفسها لهو من المسائل التي استوردناها من الغرب (62).
هذا ولم يكتف البعض بالتعبير عن رأيه في الاختلاط في التعليم وتلقين الجنسين نفس المواد التعليمية، بل إنه عبر عن رأيه وعن تصوره للمرأة المثقفة اليوم ولم يتوان في أن يصدر بشأنها حكماً قاطعاً، يصل حدود التجريم، وإباحة الاعتداء عليها: “إن المرأة اليوم، خصوصاً المثقفة منها، هي داعية زنا بكل ما في الكلمة من معنى، وإنها تشيع الفاحشة بكل الطرق فكرياً وسلوكياً وأخلاقياً (وهى لذلك) لا تستحق أن يؤاخذ الرجل من أجل اغتصابها (٦٣).
قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” (٦٤). والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتسنى للمؤمن أو المؤمنة القيام به إلا بالتعليم، وعن أنس بن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” (٦٥) بهذه النصوص – وغيرها كثير – (٦٦) سوى الإسلام بين المرأة والرجل في حق التعليم والتثقيف، وهذا مظهر من مظاهر تكريمه المرأة، حيث أعطاها الحق نفسه الذي أعطاه للرجل، وحثها على طلب العلم، وأباح لها أن تحصل على ما تختاره من فروع العلم والمعرفة. وخطاب الشارع في كل النصوص التي تحض على طلب العلم، موجه إلى المؤمنين عامة رجالاً ونساء، لا إلى الرجال فقط. ولهذا فطلب العلم فريضة على كل مسلم، وهو التزام نص عليه القرآن الكريم ودعت إليه السنة النبوية وجعلته فرضاً. هذا وإن الأحاديث النبوية التي تحث على طلب العلم لم تحدد نوع العلم وإنما تدعه مطلقاً لكي يحصل كل من الجنسين على كل علم نافع في الدين أو الدنيا.
ثانياً: وبما أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة للرجال، فإن عملها خارج البيت لدى أصحاب التصور نفسه، لا يمكن أن يؤدى إلا إلى انهيار أخلاقى جارف. فالاختلاط “يفضي بأهله إلى أشر غاية وأسوأ حالة.. فإن غشيان النساء لهذه الجامعات والأعمال والمعامل هو من أقوى الوسائل لتعرف الفساق بهن وإغوائهن (٦٧).
ولهذا فخروج المرأة للعمل يجعلها في متناول أى رجل، لأنها دون حماية، الأمر الذي يجعلها في متناول كل ساقط وفاسق، ومن ثم وبما أن خروج المرأة للعمل خارج البيت يؤدى بها إلى السفور وإلى الاختلاط وإلى الخلوة بالرجل الأجنبي، وبما أن هذا يؤدى إلى فساد الأخلاق، فإن عملها محرم مادام أنه يؤدى إلى ذلك.
وفي شهر يونيو ١٩٩٦ نشرت الفتوى الأخيرة الشيخ بن باز: “العمل زنا“. ولقد قال فيها بالنص: “أن إخراج المرأة من بيتها الذى هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها، فالدعوة إلى نزول المرأة إلى الميادين التي تخص الرجال أمر خطير آثاره الإختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا، التي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه” (٦٨).
وبناء عليه، ووفقاً لهذا النص، لم تجد الصحف التي نشرت الفتوى أية غضاضة في أن تضع للفتوى عنواناً واضحاً غير متجاوز “عمل المرأة زنا“. فإذا كان الاختلاط زنا ومن ثم تعاطي المرأة العمل في كل الميادين الاجتماعية يعتبر زنا، فهل هذا يعني في رأى الشيخ أن النساء المسلمات العاملات كافة في جميع الدول الإسلامية زانيات؟ وإن كن كذلك فلماذا لم يفت بتطبيق حد الزنا (مائة جلدة) عليهن وعلى كل من يشاركهن هذه الجريمة من الرجال: وهم بالطبع كل الرجال في العالم العربي الذين يختلطون بالنساء في كل الميادين التي تخصهم؟. ببساطة كل المجتمع الرجالى: يقول سبحانه وتعالى: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” الآية (٦٩).
فهل باستطاعة الشيخ إثبات هذه الجريمة؟. هل باستطاعته أن يأتي بأربعة شهداء، يشهدون على كل امرأة/ زوجة بأنها اقترفت مثل هذه الجريمة؟. وحكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة يرون ذلك كالمرود في المكحلة؟. قال الله تبارك وتعالى: “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم” (70) وقال تعالى: “إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.” الآيات (۷۱).
وإذا لم يستطع القاذف إثبات ما يرمى به هاته النساء المحصنات، فهل أولياء الأمر سيطبقون عليه العقوية المنصوص عليها في هذه الآيات؟. أو إذا تابعت النساء المسلمات في كل البلدان العربية الشيخ قانونياً (بناء على نصوص القانون الجنائي لكل دولة، يوجد لديها مثل هذا القانون) بجريمة القذف على أساس أن فتواه تعتبر قانونيًا ركناً ثابتاً لهذه الجريمة، فهل سيحكم على مثله باقتراف هذه الجريمة ومعاقبته طبقاً للنصوص القانونية؟.
في خير القرون لم يكن المجتمع يتوانى عن تطبيق العقوبة على الذين يقذفون/ يسبون/ يرمون المحصنات، المؤمنات بالفاحشة ويعجزون عن إثباتها، واليوم وفي أي بلد متحضر، بل في كل دولة الحق والقانون. تكفي مثل هذه الفتوى لإحالة المتفوه بها أو بأقل منها على القضاء.
للقضاء باسم الإسلام حين يعارض أو يحرم عمل المرأة خارج البيت، أن يستند في ذلك على نص مباشر في الكتاب أو السنة وليس على تأويلات لنصوص خاصة أو الاستشهاد بأحاديث ضعيفة وموضوعة. والفقه في تقريره هذا الحكم لم يستند إلى نصوص مباشرة في الكتاب والسنة، وإنما اعتمد على التأويلات التي أعطيت للآيات سابقة الذكر نفسها، وهي نصوص خاصة كما سبق أن بينا. كما أنه لم يستشهد بأحاديث صحيحة، فكل الأحاديث التي ذكرناها في منع المرأة من الخروج والتي سنذكرها ضعيفة، منها: حديث “للنساء وسط الطريق” وحديث: “ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال” وحديث: “النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها مخافتي، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه“. وحديث “المرأة إذا تعطرت وخرجت من بيتها فهى زانية“. وحديث “أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية وكل عين زانية (۷۲).
فهل هناك نصوص دينية صريحة تفرق بين الرجل والمرأة في ممارسة حق العمل؟. إن القرآن لم يقم أي تمييز بين الجنسين في تنظيم العلاقات الاجتماعية وممارسة الحقوق المدنية من أفراد المجتمع المسلم، وهذا يعنى أن المبدأ العام هو المساواة بين الجنسين في الحقوق الاجتماعية للفرد مثل الأهلية المدنية والتعليم والعمل وتقلد الوظائف العامة والحقوق السياسية. وبناء عليه فالمبدأ العام هو المساواة بين الجنسين في هذه الحقوق ولا خروج عن هذا المبدأ، إلا إذا وجد نص مباشر وصريح أو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (۷۳). وبهذا لم يفرق القرآن بين المرأة والرجل في ممارسة حق العمل كما أن الخطاب كذلك في كل النصوص التي تتطرق إلى هذا الموضوع ( ٧٤) موجه إلى الذكور والإناث على حد سواء. كذلك لم ترد نصوص تحدد مجال عمل كل منهما، وبالتالى فلا وجود لأى تمييز على أساس الجنس.
يقول سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله” (٧٥). “يا أيها الذين آمنوا” الخطاب في هذه الآية الكريمة موجه إلى الذكور والإناث على حد سواء، والمراد بـ “فضل الله” اكتساب المال والرزق. “وذروا البيع” الخطاب هنا موجه للذكور والإناث على حد سواء كذلك. فعلى المرأة المسلمة كالرجل تماماً أن تترك البيع/ التجارة إذا نودى لصلاة الجمعة وأن تسعى مثل الرجل إلى ذكر الله. ويقول سبحانه وتعالى: “للرجال نصيب مما اكتسبوا والنساء نصيب مما اكتسبن” (76).
والاكتساب: “السعي للكسب.. والمعنى يحتمل أن يكون قد استحق الرجال والنساء كل حظه من الأجر والثواب المنجز له من عمله، ويحتمل أن المعنى: استحق كل شخص سواء كان رجلاً أو امرأة حظه من منافع الدنيا المنجز له ما سعى إليه بجهده (۷۷). وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها بينها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يدًا“، قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول بدا، قالت: فكانت أطولنا بدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق” (۷۸).
ثالثاً: وبما أن المرأة في المنظور الفقهي – كما سبق القول – هي الجانبية/ الزينة/ الجمال/ الفتنة، الأنثى المتعة/ الأنثى الجسد التي تشكل موضوع إغراء وافتتان وليس المرأة الإنسان. وبما أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة للرجال. فإن دعتها الضرورة والحاجة إلى الخروج فعليها كما يقول الفقه أن تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق وأن تستر وجهها سدا للذريعة ولأمن الفتنة، وأن لا ترفع صوتها بمحضر الرجال الأجانب، وأن لا تمس يد الرجال عند التحية سداً للذريعة ولأمن الفتنة.
أ – فكثير من الفقهاء قالوا بوجوب ستر وجه المرأة سداً للذريعة ولأمن الفتنة، لأنه مع الكشف قد ينظر إليها أهل الريبة بشهوة، والنظرة عن شهوة تؤدى إلى زنا العينين، لذلك كانت النظرة إليها محرمة.
إن هذا القول من الفقهاء هو اجتهاد منهم لأمن الفتنة، وليس هو الحكم الأصلي الوارد من الشارع في شأن الوجه، ذلك أنه لم يرد نص صريح من القرآن ولا في السنة يوجب ستر وجه المرأة. ومن ثم فالوجه ليس بعورة. وهذا حكم ثابت في الشرع، قال تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن” (79). ففي هذه الآية التي يأمرنا فيها الحق سبحانه رجالاً ونساءً بالغض من الأبصار، نجد أولاً: أن حرف الجر “من” جاء هنا للتبعيض، فأمرنا الله نساءً ورجالاً بالغض من البصر لا بغض البصر مطلقاً، وفعل غض للدلالة على لطف الفعل، لا على فظاظة الفعل، ثم نجد ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى لم يضع المفعول به بالنسبة إلى الرجل والمرأة على حد سواء، أى لم يقل لنا أن نغض من أبصارنا عن ماذا؟. فتركت مفتوحة حسب الأعراف، حسب الزمان والمكان، ومفتوحة للمؤمن والمؤمنة على حد سواء.
وإذا رجعنا إلى العهد النبوي الذي نزلت فيه هذه الآية، سنجد بأن كشف الوجه كان هو السائد، وهو الأصل، وأن المرأة كانت تخرج وتخالط الرجال في الحياة العامة، وإلا لماذا كان الإلحاح من قبل الشارع على الغض من الأبصار؟. عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والجلوس بالطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا: من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟. قال: غض البصر، وكف الأذى ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (۸۰).
فالرجال هنا مأمورون بغض البصر عن ماذا إذا اتخذوا الطريق مجلساً لهم؟ هل عن بعضهم البعض؟ وهل هذا لا يقطع كذلك بأن المرأة كانت تخالط الحياة العامة؟.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل ابن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئاً، فوقف النبى صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بدقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر” (۸۱). فهل أمر رسول الله المرأة هنا أن تستر وجهها سداً للذريعة ولأمن الفتنة؟ إن رسول الله لم ينكر على المرأة سفورها وإنما حاول أن يصرف نظر الفضل إلى اتجاه آخر، لأنه أدمن النظر إلى المرأة لإعجابه بها، ولأنه خشى الفتنة عليه، ولو كان صلى الله عليه وسلم أمن على الفضل الفتنة لما منعه من الاسترسال في النظر.
ولقد كان الرجال ينظرون إلى المرأة ويتأملون محاسنها بحثاً عن الزوجة الصالحة، وكذلك كان الشأن بالنسبة إلى المرأة: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى جويرية، فتعجبه فيعرض عليها الزواج، وهذه صفية يلقاها الرجال فيذكرون جمالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويمدحونها عنده ويرشحونها زوجة لرسول الله، فلما جاءت ونظر إليها صلى الله عليه وسلم اختارها وتزوجها. وهذه سبيعة بنت الحارث لما تعلت من نفاسها، تجملت للخطاب، فلقيها رجلان شاب وكهل وعرضا عليها الزواج، فحطت إلى الشاب. وغير هذه النماذج كثير.
ب – ومما حرمه الله كذلك عند الفقهاء، أن ترفع المرأة صوتها بمحضر الرجال الأجانب، فصوتها عورة لأن فيه فتنة، وسندهم في ذلك قوله تعالى: “فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً (۸۲). أولاً : الخطاب في هذه الآية موجه إلى نساء النبي – كما سبق بيان ذلك – حيث جاء في أولها: “يا نساء النبى لستن كأحد من النساء، إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول..” الآية، ولذلك فسياق الآية واضح الدلالة في خصوصيته بنساء النبي دون غيرهن من النساء. ثانياً: يقول القرطبي (۸۳): “فلا تخضعن بالقول” : أي لا تلن القول. أمرهن الله أن يكون قولهن جزلاً وكلامهن فصلاً، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات فنهاهن عن مثل هذا “. فالمنهي عنه حتى بالنسبة إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم هو الكلام بصوت لين، وليس الكلام، و“قلن قولاً معروفاً” ولهذا كن رضي الله عنهن يروين الأخبار للرجال، ولم ينقطعن عن ذلك حتى بعد نزول آية الحجاب.
جـ – ويذهب الفقهاء كذلك إلى أنه إذا كنا قد أمرنا بالغض من أبصارنا لأن البصر وسيلة لإثارة الشهوة، فالقبض من أيدينا عن المصافحة أولى، لأن اللمس أكثر إثارة للشهوة من النظر، ولهذا إذا خرجت المرأة عند الضرورة إلى الحياة العامة، فيجب عليها ألا تصافح الرجال، سداً للذريعة ولأمن الفتنة، وذلك لأن لمس يدها من طرف الرجال عند المصافحة يحرك الشهوة لديهم، وستكون عاقبة ذلك، الوقوع في الهلاك بارتكاب الفاحشة. وسندهم في هذا: “عن ابن مسعود: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أصاب من امرأة قبلة أو مسا بيد أو شيئاً، كأنه يسأل عن كفارتها. قال: فأنزل الله عز وجل” وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل. الآية (٨٤). وعن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزناً اللسان النطق (وزاد مسلم، واليد زناها البطش). الحديث (85)، وعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسامرأة لا تحل له” (86)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من مس كف امرأة ليس منها بسبيل، وضع على كفه جمر يوم القيامة“. وكذلك ما ورد عن أميمة بنت رقيقة، أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقالت: (….) فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء (۸۷). وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله كان لا يصافح النساء في البيعة (۸۸).
ولنا وقفتان أمام هذه النصوص: الأولى أمام كل النصوص التي جاء فيها ذكر لكلمة “المس” وكلمة “البطش“، والثانية أمام النصوص التي جاء فيها ذكر لكلمة “المصافحة“. ففيما يتعلق بالأولى، فهي تفيد تحريم المس بشهوة. ولفظ المس الوارد في الحديثين الأول والثالث ولفظ البطش في الحديث الثاني، كلا اللفظين يعنيان المباشرة باليد للاستمتاع، أي اللمس بشهوة، ويؤكد ذلك قوله في الحديث الثالث: “يمس امرأة لا تحل له” أي لا يحل له الاستمتاع بها (89). وقد فسر الإمام أبو حنيفة لفظ “لامس” الوارد في الآية الكريمة: “أو لامستم النساء” (۹۰) بالجماع. وفسره عبد الله بن عباس بقوله: اللمس والمس والغشيان الجماع (۹۱). وبناء على هذا يجب التفريق بين المس واللمس والبطش من جهة، والمصافحة والسلام وتبادل التحية، من جهة ثانية.
وفيما يتعلق بالثانية، فهى نصوص تفيد أن امتناعه صلى الله عليه وسلم عن مصافحة النساء في المبايعة لا يعنى تحريم الأمر مطلقاً، فضلاً عن أن الأدلة الواردة تحتمل الخصوصية؛ إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إني لا أصافح النساء” أي بضمير المفرد (92)، ولم يقل إننا أو نحن أو ما يفيد ضمير الجمع بينه وبين جميع المسلمين. ثم هي نصوص خاصة بالنبي في المبايعة، تفيد – من بين ما تفيد أنه، صلى الله عليه وسلم لم يجد داعياً قوياً للمصافحة، أو أنه صلى الله عليه وسلم “تنزه عن المصافحة، وهي هيئة من هيئات اللمس لها دلالتها الخاصة. وتتكرر خاصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يكثر لقاؤه الرجال والنساء وتتعدد مناسبات المصافحة سواء بقصد التحية في أكمل صورها أو لطلب الدعاء والبركة بلمس بشرته الشريفة أو للبيعة على الإسلام (۹۳). وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد تنزه عن المصافحة في هذه الحالة، فهذا لا يعني تنزهه صلى الله عليه وسلم عن اللمس في أية صورة أخرى. عن أنس بن مالك قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت (94). قال الحافظ بن حجر: (.. وفي رواية أحمد عن طريق على بن زيد عن أنس : “أن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجئ فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت” (٩٥)، فهل سيقال هذه معاملة خاصة منه صلى الله عليه وسلم للجارية وليس الحرة؟. ثم كيف سنتعامل مع المجتمع الحالي حيث تسود لمصافحة بين الرجال والنساء عند اللقاء؟. يجيبنا بعض الفقه عن السؤال الأخير بقوله: ولكننا في تعاملنا مع المجتمع الحالي، قد نضطر إلى قدر من المسايرة أحياناً رفعاً للحرج – إذا وجد – هذا من ناحية ونظراً إلى عدم وجود تحریم قاطع من ناحية ثانية (96).
فإذا كان لا يوجد تحريم قاطع، وإذا كان لفظ المس واللمس كما بينا، وأنه لا يعنى المصافحة أو أخذ اليد بقصد التحية، فلماذا يحرم الفقه المصافحة؟. بل إنه لا يدعى ذلك شخصياً وإنما يقول: ومما حرمه الله عز وجل وحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مصافحة الرجل المرأة الأجنبية.
في ضوء هذا، يتضح ما سبق قوله من أن المرأة – في المنظور الفقهي – هي: الفتنة/ الجاذبية/ الزينة، الأنثى المتعة/ الأنثى الجنس، وليس الإنسان. ولذلك نعيد القول والتأكيد على ضرورة مساهمة المرأة في المجال الديني، لإزالة هذه النظرة، ولإرساء وترسيخ قيم الإسلام الرفيعة في شأن المرأة والرجل، فكل تفسير أو تأويل أو قول أو فتوى أو أى اجتهاد فقهى كيفما كانت صفته، يبقى مجرد رأى بشرى/ إنساني، ليست له أية صبغة قدسية، وليس كذلك وحياً واجب الطاعة، حتى لو قال صاحبه: إن قولى هذا هو قول الله في هذه الآية، أو هذا هو الحكم الشرعي الذى أتت به الشريعة الإسلامية أو هو الحق الذي لا شك فيه.
خلاصة القول : لقد أنزل الله علينا شريعة سمحة حذرتنا من كل تشدد، والتشدد يعني مخالفة تيسير الشريعة على الناس، وذلك إما بحظر ما أباحته أو التنزه عنه، وإما بإيجاب ما لم توجبه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه” (۹۷)، كما قال: “يسروا ولا تعسروا” (۹۸)، وقال: “هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون” (۹۹)، والمتنطعون: جمع متنطع وهو المبالغ في الأمر قولاً وفعلاً.
وأخيراً، إن التيسير قاعدة محكمة من قواعد الشريعة الإسلامية، والله تعالى يقول: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (١٠٠). صدق الله العظيم وهدانا الله إلى الحق.
* – فريدة بناني: أستاذة باحثة بكلية الحقوق، جامعة القاضي عياض، مراكش، المغرب.
1 – الوقوف على كل ذلك بتفصيل انظر: فريدة بناني وزينب معادى: مختارات من النصوص المقدسة المرسخة “الحقوق الإنسانية للمرأة في الاسلام” مؤسسة فريدريش إيبرت الرباط ۱۹۹٥ (۲۱۲ صفحة).
2 – عبد الحليم أبو شقة: “تحرير المرأة في عصر الرسالة دار القلم الطبعة الأولى ۱۹۹۰ – الجزء الثالث، ص ۱۹۹.
3 – حول هذه النصوص انظر: “مختارات من النصوص..” م س ص ٨٤ – ١٥ و ١٥٢ – ١٥٣.
4 – انظر: محمد الطالبي: أمة الوسط: “الإسلام وتحديات المعاصرة” سراس للنشر تونس ١٩٩٦، ص ۱۲۲.
5 – للإطلاع على النص بالكامل أنظر: “مختارات من النصوص” م س ص: ١.
6 – سورة الأحزاب: الآية ٣٥.
7 – سورة البقرة: الآية ٣٥ وسورة طه: الآيات ۱۱5 و ۱۲۰ – ۱۲۱ – ۱۲۲ وسورة الأعراف.
8 – أنظر القصة بكاملها في كتاب عباس محمود العقاد: “المرأة في القرآن” دار الكتاب العربي بيروت لبنان ط ٣. ١٩٦٩ ص ٢٨.
9 – سورة طه: الآيتان: ۱۲۱ – ۱۲۲.
١٠ – سورة طه: الآية: ١١٥.
١١ – سورة يوسف: الآية: ۲۸.
١٢ – سورة النساء الآية: ٧٦.
13 – في كتابه: “الجامع لأحكام القرآن” دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى ۱۹۸۸، المجلد ٥ الجزء ٩ ص ١١.
١٤ – عبد الحليم أبو شقة: المرجع السابق: الجزء الثالث، ص ۲۱.
١٥ – نفسه.
١٦ – وهبي سليمان غاوجي: “المرأة المسلمة: وليس الذكر كالأنثى” مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، ۱۹۸۸، ص ٤٣ وما بعدها الفصل الثاني، “وليس الذكر كالأنثى“.
۱۷ – سورة آل عمران: الآية ٣٦.
۱۸ – سورة ال عمران: الآية ٣٦.
١٩ – أنظر عبد العليم أبوشقة: “المرجع السابق، الجزء ١، ص ١٣.
۲۰ – حول هذا وللمزيد من التفصيل انظر: القرطبي: المرجع السابق المجلد الثاني الجزء ٤، ص ٢٢.
– محمد الطاهر بن عاشور: “تفسير التحرير والتنوير” الدار التونسية الدار الجماهيرية ليبيا، الجزء الثالث، ص ٢٣٢ – ٢٣٤.
۲۱ – انظر في كل هذا: “مختارات من النصوص…” المرجع السابق الذكر. من ٦٩، وما بعدها.
٢٢ – سورة آل عمران. الآية ۱۹۰، “فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” وقرأ كذلك الآية الأولى من سورة النساء، والآية ١٣ من سورة الحجرات.
۲۳ – مثل ما جاء عند وهبي سليمان غاوجي: المرجع السابق، ص ۱۸.
٢٤ – سورة فاطر: الآية ۱۱.
٢٥ – سورة الأعراف: الآية ۱۸۹.
٢٦ – سورة آل عمران: الآية ۱۹۰.
۲۷ – سورة النحل، الآية ٥٨.
۲۸ – سورة الشورى الآيتان 49 – 50.
29 – محمد الطاهر بن عاشور: المرجع السابق الجزء الرابع عشر ص ١٨٤.
۳۰ – انظر: “مختارات من النصوص“: المرجع السابق، ص ۲۷.
٣١ – عبد العليم أبو شقة: المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٢٧٥ وما بعدها.
٣٢ – انظر مختارات من النصوص، المرجع السابق، ص: 66.
33 – في كتابة “الفقه على المذاهب الأربعة، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ۱۹۹۰ الجزء الأول كتاب الطهارة، ص: ۱۱۸.
34 – عبد الحميد متولي: “مبادئ نظام الحكم في الإسلام” منشأة المعارف بالإسكندرية الطبعة الرابعة ديسمبر ۱۹۷۸، ص: 437.
٣٥ – فقه آخر يقول بأن هذا الحديث هو من “الأحاديث الموضوعة التي شاءت في القرن الثاني الهجري” وأن الإسلام أنصف المرأة وأعطاها حقوقاً وافرة وعلى ذلك فإنه يأبى التسليم بصحة الأحاديث التي تشير إلى نقص عقل المرأة ودينها وضعف خلقها وإذا كان الفقهاء يقولون إن هذا الحديث ورد في كتب الصحاح فإنه يرد على ذلك الدفع بعدة نقط حولها وحول كلامه السابق الرجوع إلى: عبد الحميد الشواربي: “الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام منشأة المعارف الاسكندرية ۱۹۸۷“، ص: ۱۱۲ وما بعدها.
٣٦ – حول مخالفته صريح القرآن أنظر: مختارات من النصوص، المرجع السابق، ص ٣٥ و ٦٧٦٦ وص ١١٥ وما بعدها.
۳۷ – حول البعض منها، انظر عبد العليم أبوشقة: المرجع السابق، الجزء الأول، ص ۲۸۷.
38 – عبد الحميد الشواربى: المرجع السابق، ص ١١٤ وما بعدها.
٣٩ – عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق الذكر، الجزء الثالث، ص ۱۳۱.
٤٠ – سورة الأحزاب من الآية ٣٣.
٤١ – سورة الطلاق، من الآية 1.
٤٢ – سورة الأحزاب، من الآية ٥٣.
٤٣ – حول هذا وللمزيد من التفصيل أنظر كتابنا: تقسيم العمل بين الزوجين في ضوء القانون المغربي والفقه الإسلامي – الجنس معياراً – سلسلة منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش رقم 9/ 1993، ص: ١٣١، وما بعدها.
44 – في: “فتح الباري شرح صحيح البخارى” دار المعارف، الجزء الثامن، ص ۱۰۸.
45 – في: “تفسير التحرير و.. ” المرجع السابق الذكر الجزء ۲۲ ص ۱۰ و ۱۱ و ۹۲.
٤٦ – في: “تحرير المرأة” دار المعارف القاهرة ۱۹۸۰، ص ۹۰.
٤٧ – والحجاب في هذه الآيات يعني شيئاً يحجز بين طرفين، فلا يرى أحدهما الآخر أى تنعدم معه الرؤية تماماً. والاحتجاب يعنى أن يكون حديث الرجال الأجانب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ستر فلا يرون شخوصهن، ولذلك فالحجاب لا يعنى لباساً يلبسه إنسان، ولا يعنى ستر بدن المرأة بثياب سابقة كما صار شائعاً اليوم على ألسنة الناس ومتداولاً في الكتب الحديثة التي تسمى اللباس حجاباً شرعياً. فاللباس ولو ستر جميع بدن المرأة حتى وجهها. فلن يمنع هذه المرأة أن ترى الناس من حولها ولن يمنع الناس من أن يروا شخص المرأة وإن تسربلت بالسواد من قمة رأسها مع وجهها حتى إخمص قدميها. حول هذا وللمزيد من التفصيل أنظر: عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق، الجزء 3، ص ١٩ و ٦٧ وما بعدها والجزء ٤، ص ١٦.
٤٨ – سورة الأحزاب: الآية ٥٣.
٤٩ – سورة النور: الآية ٣١.
٥٠ – سورة النساء: الآية: ١٥، ومن الملاحظ أن هذه العقوية لمن تأتى الفاحشة شرعت قبل تشريع حد الزنا.
٥١ – عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق الجزء الأول، ص ٣٦.
٥٢ – يوسف القرضاوى في تقديمه مؤلف عبد الحليم أبو شقة: المرجع السابق الجزء الأول، ص ١٢.
– محمد الغزالي في تقديمه لنفس الكتاب يقول (ص ٥) بإن هذا الحديث منكر لم يذكره كتاب سنة محترم، ويخالف ما تواتر من القرآن الكريم والأحاديث الصحاح وسيرة النبي الكريم وخلفائه الراشدين.
٥٣ – وبرواية أخرى عن أبى إمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياك والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل بإمرأة إلا دخل الشيطان ببينهما، ولأن يزخم رجل خنزيراً متلطخاً بطين أو حمأة خير له من أن يزخم منكبيه منكب امرأة لا تحل له“. وهذا الحديث ضعيف بل هو ضعيف جداً،. انظر مؤلف حسن البنا: “المرأة المسلمة ” خرج أحاديثه وراجعه محمد ناصر الدين الألباني، دار الجيل بيروت، الطبعة الثانية، ۱۹۸۸، ص ١٥.
٥٤ – فمن الأحاديث الضعيفة التي يستشهد بها في هذه النقطة، حديث “أعروا النساء يلزمن المجال” (والحجال هو الستر الذي يضرب للمرأة في البيت). وحديث “واروا عوراتهن بالبيوت” أنظر عبد العليم أبوشقة: المرجع السابق، الجزء الثالث، ص ۲۱۹.
٥٥ – حول ذلك انظر: عبد الحميد متولى، المرجع السابق، ص 4٤٩ – 451 وعبد الحميد الشواربي، المرجع السابق، ص ١٥٩ – ١٦١.
٥6 – انظرها عند عبد العليم أبو شقة المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٦٧ – ٦٨ والجزء الثالث بأكمله (٤٦١ صفحة).
٥٧ – للمزيد من التفصيل، انظر مؤلفنا: “تقسيم العمل“، المرجع السابق، ص 159.
٥٨ – عبد العليم أبو شقة: المرجع السابق، الجزء الثالث، ص 183.
٥٩ – انظر بصددها مؤلف: عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق الذكر، الجزء الثانى: “مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية (٤٦١ صفحة).
٦٠ – نفسه، الجزء الثالث، ص ۲۰3، مضيفاً: “وهكذا جار الرجال على النساء ولا نصير لهن، حابوا أنفسهم ولم يجدوا من يسألهم أو يمنعهم“.
٦١ – أنظر كتاب حسن البنا، السابق الذكر، ص ۹ – ۱۰، هامش ۳.
٦٢ – حول هذا وللمزيد من التفصيل أنظر كتابنا: “تقسيم العمل بين الزوجين“، المرجع السابق الذكر، ص ١٦٧ وما بعدها.
٦٣ – حسن الغضباني: “الموقف” العدد ٤٣ – ٩ مارس ١٩٨٥.
٦٤ – سورة التوبة، الآية: ٧١.
٦٥ – رواه البيهقي. ورد في صحيح الجامع الصغير تحت رقم ۳۸۰۸.
٦٦ – انظر البعض منها في: “مختارات من النصوص” المرجع السابق الذكر، ص ١٤٣ – ١٤٧.
– الرجوع كذلك إلى الأبواب التالية من صحيح البخارى: كتاب العلم: باب عظة الإسلام الإمام النساء وتعليمهن باب هل يجعل للنساء يوماً على حدة في العلم؟. كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله.
٦٧ – عبد الله بن زيد آل محمود: “نهاية المرأة الغربية بداية المرأة العربية” الرسالة الثالثة من كتاب حسن البنا: المرجع السابق الذكر، ص ٧٥.
٦٨ – عن جريدة روز اليوسف عدد ٣٤٥٣، وعن جريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم الخميس ١٨ يوليو ١٩٩٦ عدد ٤٧٢٥، ص ٩.
٦٩ – سورة النور: من الآية ٢.
٧٠ – سورة النور: الآيتان ٤ – ٥.
٧١ – سورة النور، الآيات ٢٣ – ٢٤.
۷۲ – بصدد البعض منها الرجوع إلى كتاب: حسن البنا السابق الذكر، ص ١٤.
73 – للمزيد من التفصيل انظر كتابنا: “تقسيم العمل” المرجع السابق، ص ١٤.
٧٤ – انظر كتابنا: “حق تصرف الزوجة في مالها: حق شرعى وقيود تشريعية” دار تينمل مراكش 1995، ص 53 وما بعدها.
٧٥ – سورة الجمعة: الآيتان ۹ و ۱۰.
٧٦ – سورة النساء – الآية ٣٢.
77 – الطاهر ابن عاشور: المرجع السابق، الجزء الخامس، ص ۳۲.
78 – رواه مسلم انظر: “صحيح مسلم بشرح النووي” الدار الثقافية العربية – بيروت، الجزء ١٦، ص ٨، وأنظر كذلك فتح البارى: المرجع السابق الذكر، كتاب البيوع، باب الشراء والبيع مع النساء، وانظر كذلك عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٥٤ – 57 وانظر كذلك “مختارات من النصوص“، المرجع السابق، ص ١٣٧ – ١٤٢.
٧٩ – سورة النور: الآيتان ۳۰ و ۳۱.
80 – رواه البخاري ومسلم انظر فتح الباري: ج ١٣ ص ٢٤٦ وصحيح مسلم ج ۷ ص ٣.
۸۱ – رواه البخاري ومسلم انظر: فتح البارى، المرجع السابق، الجزء ١٣، ص ٢٤٥ ومسلم الجزء: 4، ص 101.
۸۲ – سورة الأحزاب ۳۲.
83 – في الجامع لأحكام القرآن المرجع السابق الذكر، المجلد السابع، الجزء ١٤، ص ١١.
84 – سورة هود: “الآية ١١٤ – الحديث رواه مسلم، انظر “صحيح مسلم” المرجع السابق، الجزء الثامن، ص ۱۰۲.
85 – رواه البخاري، ومسلم انظر: فتح البارى المرجع السابق، الجزء ۸ ص 52.
86 – رواه الطبراني انظر: “صحيح الجامع الصغير” ورقم ٤٩٢١.
۸۷ – رواه مالك، انظر: عبد الحليم أبوشقة، المرجع السابق، الجزء الثانى، ص 91.
۸۸ – رواه أحمد عن نفس المرجع، ص ۹۳ =۸ نفسه ص ۹۰.
89 – سورة المائدة: من الآية ٦.
90 – انظر القرطبي، المرجع السابق، ج ٦ م ۳، ص ۷۰.
۹۱ – عبد الحليم أبو شقة نفس المرجع، ص ۹۲ – ۹۳۲.
۹۲ – نفسه.
93 – رواه البخاري: انظر فتح الباري، المرجع السابق، الجزء ۱۳، ص ۱۰۲.
94 – انظر نفس المرجع.
95 – عبد الحليم أبوشقة: المرجع السابق، ص ۹۳.
٩٦ – رواه البخارى: نفس المرجع، الجزء الأول، ص ۱۰۱.
97 -….. الجزء ١٣ ص ١٤١.
۹۸ – رواه مسلم : انظر صحیح مسلم الجزء ٨، ص ٥٨.
٩٩ – سورة البقرة. الآية، ١٨٥.