النشاط الإقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلامية
رقم الايداع:
2007/26782
الترقيم الدولي:
977-5895-23-5
رقم العدد:
4
رقم الطبعة:
الطبعة الأولى
تاريخ النشر:
2007
اعداد بواسطة:
مراجعة:
النشاط الإقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلامية
تمهيد:
إن الدراسات التاريخية التي تحلل الأوضاع الاقتصادية – بالتفصيل – لبلد ما في فترة تاريخية محددة متوافرة: مثل رصد حركة التجارة والأسواق، وطبيعة البضائع، وتصديرها واستيرادها وأثمانها، وطبقات السكان أو التجار الذين يمارسون تجارة معينة وأماكنها، ودرجة ثراء أو مكاسب منطقة ما، إلى آخره. فيتم رسم المشهد برمته والسياق المحيط للبلد أو المنطقة المعنية. وهذه دراسات هامة بالطبع لأنها تصل إلى نتائج واستخلاصات حول النشاط الاقتصادي، ومهن السكان، وما يتبع ذلك من التوصل لحقائق حول التاريخ الاجتماعي لهذه القطاعات.
الهدف من هذا البحث هو استكمال الصورة، عن طريق تسليط الضوء على النساء في هذا المشهد، ورصد حالات للنساء العاملات اللاتي ثم استكشافهن في المصادر، والتفاصيل الخاصة بحياتهن المهنية، أو تجارتهن، أو معاملاتهن المالية، وهي حالات دالة على الكثير.
ينصب اهتمامنا على تسجيل وتوثيق هذه التفصيلات لعدة أسباب، منها: (أ) عادة ما تتوارى هذه الأمور والمسائل الحياتية لقطاع النساء، أو لا يُلتفت إليها كثيرًا، وإلى دلالاتها وسط الخطوط العريضة للتاريخ الرسمي العام. (ب) إن هذه التفاصيل والدلالات هي التي تساعدنا على استخدام ما اصطلح عليه في الدراسات التاريخية الحديثة “بالمخيلة التاريخية“، لإعادة بناء الصورة المنقوصة وملء فجواتها. لذلك قد تبدو الأمثلة والنماذج التي نوردها هنا غير خاضعة إلى معیار محدد في الاختيار، ولا تمثل مسحًا كميًا شاملاً، ولكنها نماذج دالة على “التواجد الكيفي” للنساء في هذه المجالات وتنوعه، كذلك أشكال المهن والحرف والمعاملات المالية التي مارسنها في هذه العصور. (ج) لفت الانتباه إلى قراءة هذه الحالات الموثقة – لكنها مبعثرة في مصادر شتي – كمؤشر لعلاقة النساء في المجتمعات الإسلامية الوسيطة بالمال والثروة والنشاط التجاري والاستثماري، كوسائل للتمكين الاقتصادي والاستقلالية.
نساء الطبقة العاملة حتى العصر الفاطمي والأيوبي
هدى السعدي
هذا الجزء محاولة لاستكشاف تواجد المرأة في الحياة الاقتصادية والتجارية في مصر منذ بداية التاريخ الإسلامي ووصولاً إلى الخلافة الفاطمية، وهو يركز على مشاركة الطبقة العاملة من النساء في الاقتصاد المدني، بهدف تحديد أنماطهن السلوكية وأنشطتهن كمنتجات وكمستهلكات في السوق. كما تطرح الورقة العديد من الأسئلة، مثل: كيف استطاعت المرأة اقتحام عالم الاقتصاد والتجارة في ذلك الوقت؟ وما هي قنوات المشاركة ومجالات الاستثمار التي تفتحت للمرأة في السوق؟ وكيف تأثرت حياة النساء الاجتماعية وعلاقتهن بالرجال في محيط الأسرة والمجتمع، ومع الإناث بمساهمتهن الاقتصادية؟
يعيد هذا البحث تقديم التواجد التاريخي النشط للمرأة في الساحة الاقتصادية بهدف:
(1) إلقاء الضوء على دور المرأة كأحد العوامل الاقتصادية والتركيز عليها.
(۲) دحض الصورة التاريخية عن التبعية الاقتصادية للمرأة ومجابهة الصورة النمطية التي تفرضها الحداثة، بأن البيت هو مملكة المرأة وأن السوق الذي هو مصدر الثروات حكر على الرجل، والفصل بين الحياة العامة والخاصة.
ومن حسن الحظ أن الفترة التي سنتناولها بالدراسة هنا قد حظيت بتوثيق جيد، لذا فإن لدينا الكثير من المصادر الأساسية كالكتب التاريخية والمصادر القانونية وكتب الحسبة والفتاوى بالإضافة إلى الأوصاف التي ذكرها الرحالون والتي وردت في الكشوفات الجغرافية. لكن مع ذلك، وكما هو الحال مع معظم المصادر العلمية التي تعود للقرون الوسطى، فإن أيًا من هذه المصادر الأساسية لم تكتبه المرأة نفسها، ولم تكن هي المؤرخة. ونظرًا لأن المرأة لم تكتب أي وثائق عن نفسها فإن الصورة النهائية عادة لا تكون مكتملة، بل غالبًا ما تكون مشوهة. لذا يجب أن نضع في اعتبارنا هذه المشكلة التوثيقية عند قراءة أي أعمال عن النساء بوجه عام، ولاسيما تلك التي تتناول عامة النساء وليس الصفوة منهن(۱).
وعلى الرغم من وجود مراجع تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الثروة التي حظيت بها الصفوة من النساء والنساء اللاتي كن يعملن في القصور لخدمة الوجهاء، فإن عمل المرأة خارج أبواب القصر قلما يذكر، وإن ذكر يكون ذكره عرضيًا في أحسن الأحوال، ويأتي غالبًا في سياق الحديث عن الجواري ونساء القصر(2). أما ما يتصل بحياة العوام من النساء العاملات فلم يلق بالاً من الكتب التي تحكي تاريخ العصور الوسطى، وذلك لأن مثل هذه الكتب كانت تصدر برعاية القصور أو الخلفاء.
والمشكلة الثانية التي تبرز للباحث في تاريخ أوائل العصور الوسطى هي عدم وجود سجلات محاكم لهذه الفترة، ولكن البرديات العربية ووثائق الجنيزة والأوراق التجارية التي عثر عليها في القصير بالبحر الأحمر عوضت هذا النقص إلى حد ما. لقد سجلت الدراسة القيمة التي أجراها “جيوتاين” على وثائق الجنيزة الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية في حياة اليهود في مصر إبان العصور الوسطى وما تلاها من عصور. وقد أكد “جيوتاين” علي أن الجماعات اليهودية اتبعت العديد من الممارسات والعادات وأساليب الحياة التي سادت داخل عموم المجتمع الإسلامي الرحب في ذلك الوقت، وأنهم كانوا يعيشون ويعملون في إطار النظام الاجتماعي الشامل والثقافة الواحدة في الدولة العربية الإسلامية(3). أما بالنسبة لوثائق القصير، فقد عثر عليها مؤخرًا أثناء أعمال التنقيب في البحر الأحمر بمصر(4)، وتعد وثائق القصير من المصادر العربية الإسلامية القليلة المشابهة لوثائق الجنيزة، كما أنها بمثابة منجم من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها في الدراسة الاجتماعية والاقتصادية والبحرية لمصر الإسلامية، حيث أنها تحتوي على معلومات متفرقة، ولكنها في ذات الوقت شيقة، عن مصر إبان القرن الثالث عشر.
لذا – نظرًا لمشكلات التوثيق هذه – وإضافة إلى الحالة المبعثرة للمعلومات المكتشفة، فإنه لا يوجد بحث واحد يغطي عمل المرأة في الفترة محل الدراسة(5). ومع ذلك فإن الثراء الذي تميز به العصرين التاليين، وهما العصر المملوكي والعصر العثماني، شجع علماء المؤرخين على دراسة الدور الاقتصادي الذي اضطلعت به المرأة في تلك الحقب المتأخرة. وتعد وثائق الحرم التي تعود إلى القرن الرابع عشر في القدس، ووثائق الأوقاف التي تعود إلى القرن الخامس عشر في القاهرة من أهم الوثائق المملوكية التي مازلت موجودة حتى الآن بهيئتها الأصلية. وقد قام العديد من الباحثين بدراسة هذه الوثائق وفحصها، مما عزز من استيعابنا للعلاقة الاجتماعية بين الجنسين في ذلك الوقت(6). وقد قام باحثون كثيرون – أيضًا – بقراءة سجلات المحاكم الكثيرة التي تعود إلى العصر العثماني وفحصها بهدف التحقق من الدور الاقتصادي الذي قامت به المرأة في ظل الحكم العثماني (7). وقد كان هذا عاملاً محفزًا لكي نركز في ورقتنا البحثية – هذه – على الفترة التاريخية التي ذكرناها من قبل كي نتمكن من ملء هذه الفجوة، وإثبات أن عمل النساء النشط في المجال العام كان من المكونات الطبيعية للمجتمعات الإسلامية على مر العصور، وكذلك التنبيه إلى عنصر الاستمرارية في هذه المجتمعات.
عملت المرأة في مهن عديدة وقدمت العديد من الخدمات للمجتمع. ويمكن تقسيم المهن التي عملت فيها المرأة إلى فئتين رئيسيتين: الأولى هي المهن والخدمات ذات الصلة بحياة المرأة، وهناك قطاع عريض من المهن النسائية التي قدمت فيها المرأة خدمات للمرأة فقط، بدءًا من عملها كمدرسة ومرورًا بعملها في الأربطة النسائية وعملها كقابلة ومرضعة وماشطة وخاطبة وغاسلة ونائحة وعاملة حمام وسجانة. وقد كانت المرأة تجيد تنظيم كل هذه الخدمات بالرغم مما استلزمته من مهارات ومعرفة لممارستها. وقد كانت الخدمات التي تقدمها القابلات والمرضعات من المهن الضرورية بالنسبة لجميع شرائح المجتمع، وكانت هناك شروط حددتها الشريعة للاستعانة بالمرضعة، حيث كان عقد الرضاعة يضمن للمرضعة حصولها على مكان للنوم وملابس وطعام جيد (۸).
أما التدريس، فكان يتطلب علمًا غزيرًا، وإدارة الأربطة النسائية كانت تتطلب مهارات إدارية جيدة (9)، وبالنسبة لتحضير العروس للزفاف، فإن التمشيط المتقن والملابس المتأنقة كانت تتطلب امرأة خبيرة في هذا المجال. وقد كانت بعض ماشطات العرائس يستعن بإحدى العاملات كي تساعدهن في يوم الزفاف الكبير، وكانت بعضهن تأتين بالملابس والجواهر التي كانت تستأجرها الأسر متوسطة الحال (۱۰).
وبالنسبة للحمامات النسائية، فقد كان يعمل فيها جامعات للأجرة وخادمات خبيرات في إزالة الجلد الميت والغسل وإزالة الشعر. وقد كانت هؤلاء النساء ماهرات في عملهن لأن عمليات التجميل كان يستخدم فيها في بعض الأحيان مواد كيميائية سامة. وكما أن التجميل كان يحتاج لخبرة المرأة، فإن طقوس الدفن أيضًا ومعاملة جسد المرأة قبل دفنه كان مقصورًا على الغاسلات الماهرات. ولما كان الناس دائمًا ما يتمسكون بمعتقداتهم الدينية وتقاليدهم المحلية في الأمور المتعلقة بالموت، فإن الغاسلات كان من اللازم عليهن أن تكن ملمات بهذه الممارسات الدينية والتقاليد المحلية. أما مهنة الدلالة، فقد كانت من المهن الهامة التي كانت النساء يخدمن بعضهن البعض فيها. والدلالة هي المرأة التي كانت تعمل كوسيط بين البائع والمشتري، حيث كانت تزور النساء في بيوتهن وتبيع لهن السلع، وخاصة المنسوجات. ولم تكن الدلالات تشترين البضائع التي تبعنها، ولكنهن كن يحصلن على عمولة من بائع الجملة أو الصانع. وكان الحصول على عمولة يشجع النساء الماهرات بعد ذلك كي يبدأن العمل أصالة عن أنفسهن، لأن مثل هذا النوع من الأعمال لم يتطلب رأس مال، ولكن كان بإمكان المرأة أن تكوّن رأس المال من العمولات التي تدخرها، وكانت أموالها تنمو بمرور الوقت اعتمادًا على سمعتها التجارية الطيبة وعلاقاتها المهنية.
وكانت من بين المهن النسائية مهنًا سيئة السمعة، ولكنها كانت تدر دخلاً على من امتهنّها، وذلك مثل النائحات والمغنيات والغانيات، فكل هذه المهن كانت أدنى اجتماعيًا ويحظرها الإسلام. وقد كانت النائحات المحترفات يأتين في الجنازات لكي يمدحن الميت ويولولن عليه، وبالرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف يحظر النياحة، وأن الخلفاء ورجال الدين كانوا يستنكرون أعمال النائحات وعويلهن فإن هذا الاستنكار على المستوى الرسمي، لم يحل دون ممارستهن لعملهن. وإذا كانت مهنة النياحة من المهن المهمشة في المجتمع فإن بعض النائحات حققن شهرة واسعة وكن يحصلن على أجور عالية في جنازات الخلفاء والوزراء. وكانت خَسروان (أو خُسروان) من أشهر النائحات المحترفات في العصر الفاطمي، لذا فقد تم الاستعانة بها في جنازة الوزير العادل سلار (۱۱).
أما النساء العاملات في مجال الترفية كالمغنيات والعازفات ومن يعملن في البغاء فقد كن سيئات السمعة، وكان المجتمع ينظر لهن على أنهن منحلات أخلاقيًا وملفوظات اجتماعيًا. ومع ذلك فإن المراسم العالية التي كانت تصدر عن الحكام بحظر هذه الأعمال في أي عصر من العصور لم تكن تستمر كثيرًا، فلم تكن تمضي سوى أيام أو أسابيع قلائل ويعود الوضع لما كان عليه (١٢)، لأن هؤلاء النساء كن يكتسبن عيشهن من هذه المهن، ويبدو أن مكاسبهن كانت تُفرض عليها الضرائب التي كان يجمعنها “ضامنات المغاني“، وهن النساء المسئولات عن جمع الضرائب منهن وتسليمها للحكومة (13).
أما الفئة الثانية من المهن النسائية فقد شملت المهن التي كانت النساء يقدمن فيها خدماتهن أو عملهن للرجال والنساء معًا، وهي المهن التي لا تعتمد على جنس من يقدمها. فقد كانت الطبيبات تتطببن الرجال والنساء، (14). وقد عملت المرأة أيضًا كعالمة دين وفقيهة ومفتية، وكانت تتعامل مباشرة مع العلماء من الرجال. وقد قال الكثير من رجال الدين أنهم تلقوا العلم على أيدي نظيراتهم من النساء(15). ومن المهن الهامة الأخرى التي تعاملت النساء فيها تعاملاً مباشرًا مع الرجال مهنة التفتيش على الأسواق. حيث تشير المصادر إلى أن إحدى الإماء كانت تسير في الأسواق لتغلق جميع متاجر الخمور في آخر شهر جمادة الثاني وتحذر الناس من شراء الخمور(16).
وقد كانت الأغلبية العامة من النساء يعملن في الغزل والنسيج طوال الوقت، الثريات منهن والفقيرات. ومن المدهش أن إحدى الأميرات الفاطميات واسمها رشيدة “كانت تتكسب من الغزل” (١٧). وقد كان الغزل من الحرف المربحة، حيث كان يمثل مصدر دخل للكثير من الأرامل والعوانس والمطلقات والفقيرات. ولما كان الفقهاء على علم بأن الغزل يمثل مصدر الرزق الوحيد لكثير من النساء الفقيرات فقد عدلوا الأحكام كي تتناسب مع هذا الوضع، حيث أجازوا للنساء الفقيرات أن يمارسن الغزل في نهار رمضان بالرغم من أن الصيام يمنعهن من وضع مواد الغزل في أفواههن (۱۸).
وقد أمدتنا المصادر بأمثلة عديدة للنساء اللاتي كن يعلن أنفسهن وأسرهن اعتماداً على الغزل، ولكن لا يوجد دليل على وجود ورش للغزل لتشغيل الغازلات. إلا أنه ولو كانت النساء يغزلن من منازلهن فإنه كان من اللازم أن يخرجن في وقت أو آخر لشراء الخامات أو بيع المنتجات. ويروى أن أرملة كان لديها أربعة من البنات وكن يكسبن رزقهن من الغزل ويترددن على السوق بانتظام لبيع ما ينتجنه من منسوجات، وكانت الأرملة تنسج الأقطان وتقصد السوق كل جمعة في الفسطاط وتبيع ما لديها لقاء عشرون درهمًا. وكانت تشتري بنصف ما تكسب كتان لكي تنسجه في الأسبوع التالي وتشتري بالنصف الآخر ما تحتاجه هي وبناتها (19). كما تذكر المصادر أيضًا أن النساء كن يتجمعن أمام دكاكين بائعي القطن والكتان ينتظرن إعداد الخامات (۲۰).
وقد لعبت النساء دورًا هامًا في صناعة الغزل بالمدن، فبجانب أنشطة الغزل التي كانت جزءًا لا يتجزأ من هذه الصناعة، عملت بعض النساء في التطريز وفي الحياكة وفي العقادة. وعلى الرغم من أن النسج كحرفة تجارية كان أغلب من يقومون به هم الرجال، فإن وثائق الجنيزة تشير إلى أن بعض النساء كن يعملن في نسج الحرير وصبغه (٢١). كما أن هناك بعض الأمثلة لنساء عملن في تجارة الأغذية حيث كن يبعن منتجات “الصناعات المنزلية” مثل بذر الكتان وزيت الفجل والصوف والدواجن والبيض واللحم والفول المدمس (٢٢). كما كانت النساء أيضًا يعملن في الخبز حيث كن إما موردات للدقيق (23) أو خابزات للعيش (٢٤).
ويتضح من كل ما ذكرناه أن المرأة كانت تشارك بنشاط كبير – في الاقتصاد الحضري، ولكن بالرغم من أن معظم المهن التي ذكرناها كانت تتصل اتصالاً مباشرًا بحياة المرأة، وأن الدخل الذي كانت تدره كان متواضعًا، فإن هذا لا يعني أن النساء العاملات كن يعشن في عالم منفصلاً أو أنهن لم يمثلن جزءًا من الاتجاه الاقتصادي العام في المجتمع. بل كانت المرأة تمثل جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الحضري، حيث كانت تكتسب أجورًا وتعيد ضخها في السوق ليس فقط من خلال شراء احتياجاتها اليومية أو الإسهام في دخل الأسرة بالأموال التي تكتسبها، ولكن باستثمار أموالها مهما كانت قليلة في أوجه الاستثمار المختلفة.
وقد كان الكثير من النساء يستثمرن دخلهن في رأس المال الخاص بأعمالهن، فالماشطات اللاتي ذكرناهن من قبل كن يشترين الملابس والحلي لتأجيرها للأسر ذات الظروف المتواضعة، وكذلك كان من بين الماشطات من يستعن بعاملة لمساعدتهن على أداء أعمالهن، وهو ما يعد مثالاً جيدًا للنساء اللاتي استطعن أن يعدن استثمار دخلهن في العمل كي يتوسع أكثر وأكثر. وقد كانت نساء كثيرات يشترين العبيد لمساعدتهن في العمل، وكان شراء العبيد استثمارًا ذكيًا، حيث كانت بعض الأسر تبيع عبيدها في أوقات القحط أو ضيق ذات اليد (٢٥). وقد ذكر ناصر خسرو في كتابه “سفر نامة” قصة طريفة لامرأة ماهرة في أساليب البيع التقى بها في القاهرة الفاطمية وكان لديها 5000 من الأواني النحاسية، وكانت تقرض الإناء الواحد لقاء درهم كل شهر بشرط أن يتم رده بدون عيوب. ونلاحظ أن المرأة كانت تعي بوضوح ظروف السوق في عصرها، حيث أن المصريين في ذلك العصر كانوا في حاجة مستمرة للأواني لجمع مياه الشرب، لذا فقد استثمرت هذه المرأة أموالها في شراء الأواني النحاسية وجعلت من جمع المياه تجارة مربحة (٢٦)، ولا مانع من القول أن إدارة هذا العمل كانت تتطلب قدرات إدارية جيدة، حيث أن متابعة هذا العدد الضخم من الأواني شهريًا وصيانتها لم تكن مهمة سهلة أو عشوائية.
وقد كانت النساء الدلالات من الأمثلة الجيدة للمرأة النشطة التي توسع نطاق أعمالها من خلال استثمار ما تحصل عليه من أموال من هذه الأعمال. وبالرغم من أن معظم هؤلاء النساء كن يعملن على نطاق محلي ضيق ويحصلن دريهمات قليلة كل يوم في شكل عمولة، فقد كن يستثمرن تلك الدريهمات في شراء السلع الجديدة أو تسديد ثمن السلع التي أخذنها ولم يسددن ثمنها. وقد تمكنت بعض النساء العاملات من توسيع نطاق أعمالهن وتطويرها إلى أن أصبحن تاجرات يشاركن في التجارة الإقليمية والدولية. وقد كانت “وَحشة” الدلاله مثالاً جيدًا لسيدات الأعمال النشيطات، وكانت تعيش في الفسطاط في العصر الفاطمي حيث تشير وثائق جنيزة إلى مشاركتها في صفقات تجارية ضخمة وتثبت أن تجارتها كانت تتعدى الأسواق المحلية حيث كانت تستثمر أموالها في التصدير، ودخلت في صفقات تجارية مع أحد التجار في بلاد الهند (٢٧).
وقد كشفت الوثائق العربية التي اكتشفت في القصير معلومات هامة عن دور المرأة في الاقتصاد، حيث أثبتت أن المرأة كانت تلعب دوراً نشطاً في عالم التجارة، وكانت تشارك في الأنشطة التجارية. وقد اشتملت تلك الوثائق على خطاب يقول كاتبه للمرسل إليه: “يا سيدي يجب أن تعلم أنها أخبرت صاحب الزكاة وأطلعته على الخطاب الذي جاء فيه… (۲۸)” وهذا الخطاب يشير إلى أن إحدى سيدات الأعمال كانت تتفاوض مع جامع الزكاة. وهناك أدلة أخرى في وثائق جنيزة توضح أن المرأة شاركت في رحلات تجارية لمسافات طويلة، حيث ورد في أحد الخطابات دعاء بصلاح الحال لمجموعة من الرجال والنساء المسافرين في قافلة تجارية أو في بعثة حج أو ربما في الاثنين معًا (٢٩).
وقد شاركت بعض النساء أيضًا في أنشطة الإقراض والدين، وهناك أمثلة عديدة للدلالات اللاتي عشن في القاهرة أيام الحكم الفاطمي وكن يقرضن قروضًا كبيرة، ولكن معظم الحالات كانت لنساء يهوديات، ولا تزال مشاركة المرأة المسلمة في الإقراض غير واضحة في هذه الفترة (30). ومع ذلك فقد أشارت المصادر الخاصة بالعصرين التاليين، وهما العصر المملوكي والعثماني، إلى وجود حالات عديدة للنساء المسلمات اللاتي عملن في الإقراض (31)، وكان من الشائع أيضًا أن تقوم النساء بإقراض أزواجهن، وكن يرفعن الأمر للقضاء إذا امتنع هؤلاء الأزواج عن تسديد ما عليهم من ديون. ولكن من الأمثلة الواضحة للأنشطة الإدخارية والمالية هي “الجمعية“، التي كانت من الممارسات الشائعة، حيث كانت النساء يقمن بتجميع مواردهن المالية مع بعضها البعض، وتدفع كل أمرأة مبلغ معين كل أسبوع، وكانت إحدى النساء تأخد الأموال كل حسب دورها. وقد كانت هناك امرأة تنظم هذه الأعمال وتسمى “المرأة الجامعة” وكانت مسئولة عن إدارة الجمعية بأكملها وإعطاء مبلغ من المال لكل مشاركة في دورها حتى نهاية الجمعية التي يتم الاتفاق عليها مقدمًا، وكانت المرأة الجامعة تحصل على نسبة نظير جهودها (۳۲). وقد دخلت النساء في عالم الاقتصاد النقدي من خلال تلك الأعمال الإدخارية التي كن يقوم بها، والتي تتشابه كثيرًا مع الجمعيات التي توجد في مجتمعاتنا المعاصرة (٣٣).
وكانت العقارات من الوسائل الهامة الأخرى التي كان النساء يستثمرن أموالهن من خلالها، حيث كان استثمار الأموال في العقارات مجالاً مفتوحًا للنساء اللاتي ينتمين إلى الطبقتين الدنيا والوسطى من المجتمع بغض النظر عن دياناتهن. وقد وردت أمثلة عديدة في المصادر الوثائقية والقانونية تثبت أن المسلمين والمسيحيين واليهود الذين كانوا يعيشون جنبًا إلى جنب كانوا يستأجرون الدور والدكاكين من بعضهم البعض وكانوا يتشاركون في ملكية المنازل (34). وقد ورد أن امرأة مسلمة كانت تتقاضی ۲۸ درهمًا شهريًا من صيدلي يهودي نظير استئجاره صيدليتها (35). لقد كانت التعاملات في مجال العقارات تمثل أمنًا اقتصاديًا مستدامًا في هذه المجتمعات. وأظهرت النساء قدرات إدارية متميزة في إدارة ممتلكاتهن وشراء المنازل وبيعها وتأجيرها وترميم المباني. وقد كانت بعض الصفقات التجارية العقارية ضخمة ومربحة بينما كانت الصفقات الأخرى صغيرة ومحدودة. ولكن في جميع الأحوال كانت النساء اللاتي يعملن في مجال العقارات سيدات أعمال ماهرات وقادرات على إدارة ممتلكاتهن ومستعدات لمجابهة أي شخص ينازعهن على تلك الممتلكات، حتى ولو أدى الأمر إلى اللجوء للقضاء أمام الهيئات القضائية المختلفة. وقد وردت قصة طريفة لامرأة حاربت بشراسة ضد دعوى أقيمت عليها بشأن عقار لها، حيث لجأت للحاكم أحمد بن طولون، وكانت يائسة لأنها كانت بمفردها، وكان هذا العقار هو مصدر الدخل الوحيد الذي تملكه (36). وقد وردت أيضًا أخبار عن نساء كن يطالبن أزواجهن بدفع الإيجار إذا اختاروا العيش في ديارهن، وهناك قصة لامرأة وافقت على أن يعيش زوجها معها في دارها بدون مقابل، ثم عدلت عن قرارها وطلبت منه أن يدفع كل الإيجار بأثر رجعي (٣٧).
ويتضح لنا – من كل ما سبق ذكره – أن المرأة من الطبقة الدنيا والمتوسطة كانت تشارك في مهن مختلفة وكانت تستثمر أموالها في مجالات متنوعة. ومع ذلك فمازال هناك العديد من التفاصيل التي لم يصل إليها علمنا بشأن ظروف العمل لهولاء النساء مثل الأجور التي كن يحصلن عليها ومواقع عملهن وكذلك الضبط والتدريب المهني الذي كن يحصلن عليه، ولكن تواجدهن البارز والظاهر في السوق كان حقيقة واقعة على أي حال، وقد مثلن قوة دافعة حركت عجلة الاقتصاد إلى الأمام، وقد ساهم دخلهن، وإن كان ضئيلاً، بجزء من رأس المال المتداول في الاقتصاد، كما أن استثماراتهن، وإن كانت نطاقاتها محدودة، أثرت تأثيرات كبيرة ومتعددة على نمو الاقتصاد لأنها أتاحت فرص عمل وحولت النقد المتداول إلى رؤوس أموال. وتتطابق هذه الأنشطة الاقتصادية التي قامت بها النساء مع ما يسميه باحثو العصر الحديث “رأس مالية القروش“، أي معتمدة على حد أدنى من رأس المال. ويعتبر توفير الفائض المالي والترشيد الاقتصادي واحتمالية الربح من أهم عوامل النمو الاقتصادي، وقد اشتركت في هذه العوامل جميع النساء العاملات والمستثمرات.
ولم يقتصر دور المرأة في الاقتصاد على كونها منتجة أو مستثمرة، بل كان لعمليات الشراء والقوة الشرائية أثرًا قويًا على السوق والاقتصاد. فقد كانت المرأة هي المشتري الأساسي للسلع ذات الاستهلاك اليومي، كما كانت النساء، سواء المستهلكات أو المنتجات، مشاركات نشطات في الأسواق، حيث تعددت الروايات في المصادر أن أسواق القاهرة وشوارعها كانت تكتظ بالنساء أكثر من الرجال. لذا فإن أي تقييد لحركة المرأة في السوق كان سيؤدي يقينًا إلى حالة من انعدام التوازن.
وهناك أدلة كثيرة على دور المرأة البارز بالنسبة للاقتصاد الحضري وتواجدها في الحياة العامة بكثرة وطبيعية، مثلاً الحادثة الطريفة المعروفة في عصر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، حيث أصدر هذا الخليفة فرمانًا يحظر على المرأة أن تتردد على أسواق القاهرة وشوارعها، ولكي يتأكد من انصياع الناس لأوامره أمر بمنع صنع الأحذية النسائية (٣٨). ولم تكن هذه الإجراءات المناهضة للمرأة تصدر سوى في أوقات الكوارث والجفاف والأوبئة والقحط. حيث كانت المجتمعات في العصور الوسطى تعتقد أن هذه الكوارث عقاب ناتج عن التخلي عن الإيمان والضوابط الأخلاقية، وكان رجال الدين عادة ما يجعلوا من المرأة كبش الفداء، ليخفوا الأسباب الحقيقة التي تقف وراء الأزمات السياسية والاقتصادية والكوارث الطبيعية، أو يساعدون الناس على تقبلها.
ولم تدم أوامر الحاكم بأمر الله طويلاً، ولم يسلم الرجال ولا النساء بحكمه ويخلدوا إلى السلبية والدعة، ولكنهم أظهروا – ولأول مرة – مطالبة المرأة بحرية الحركة. حيث كان من المستحيل بالنسبة لكثير من النساء اللاتي لم يتوافر لديهن دعم مالي من الرجال أن يسلموا بأمر الخليفة ويتخلفوا عن السعي وراء أرزاقهن وتحصيل مؤنهن، فقد كانت النساء تتمتعن بحرية الحركة في شوارع القاهرة وأسواقها، ولم يكن مستعدات عن التخلي عن هذه الحرية بسهولة (39). وقد كانت مقاومة الرجال لهذا الحكم أشد ضراوة من مقاومة النساء لأنهم تأثروا بغياب المرأة عن السوق، وبدأ التجار يشكون للخليفة من الأضرار التي حلت بالأسواق وبأرزاقهم بسبب سياساته التي تحد من حرية النساء اللاتي يمثلن أهم القوى المحركة للسوق (40). وقد صدرت قرارات مشابهة عدة مرات في الحقبات التاريخية التالية، ولكنها لم تدم هي الأخرى كثيرًا وغالبًا ما كانت تلقى مقاومة لما لها من أثر سيء على الاقتصاد. ويعتبر لجوء الخليفة لفرض قيود على المرأة في حد ذاته دليلاً على أن الوضع العادي للنساء في هذا العصر كان هو الخروج للشوارع والأسواق.
وقد كانت المرأة تخرج إلى الشارع للبيع والشراء والإقراض وتأجير العقارات، وكانت تختلط اختلاطًا طبيعيًا مع الرجال بسبب هذه الأعمال. وكانت المرأة تتعامل بشكل مباشر مع الرجل في السوق وكانت تباشر عملها دون الحاجة إلى وكيل، وكان عملهن وسلوكهن يخضع لمراقبة المحتسب مثلهن مثل باقي الرجال في السوق. وهناك حادثة هامة لإحدى الغازلات التي اشتكت للمحتسب أن أحد التجار باعها خامات مغشوشة كانت تريد أن تستخدمها في نقع الكتان. وترجع أهمية هذه الحادثة إلى أنها تعكس خلافًا تجاريًا جمعت أطرافه بين امرأة ورجل ومسئول حكومي، وهو ما يثبت أن الرجال والنساء كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض تعاملاً مباشرًا ومهنيًا في نفس المجال (41).
وغالبًا ما كان لتواجد المرأة في السوق والدور الذي اضطلعت به في الاقتصاد الحضري عظيم الأثر على وضعها داخل الأسرة وفي المجتمع ككل. فمجرد حصول المرأة على أجر خاص بها، مهما كان هذا الأجر زهيدًا، أكسبها نوعًا من الاستقلالية الاقتصادية التي أثرت على جميع نواحي حياتها. فقد سمح هذا الدخل لها بأن تعيل نفسها وأسرتها، بما في ذلك زوجها، في كثير من الأحيان. وكما ذكرنا آنفًا، فإن هناك العديد من الأمثلة التي وردت في المصادر عن النساء اللاتي استطعن أن يستغللن أجورهن في أن يُعلن أسرهن ويربين أولادهن بعد وفاة أزواجهن أو اعتلال صحتهم. ولا شك في أن تحول المرأة إلى عائلة للأسرة قد أسهم في تمكينها ومنحها ثقة بالنفس وشخصية مستقلة وسلطة داخل أسرتها، كما أن عمل المرأة وتلقيها الأجر، كان له أثرًا إيجابيًا على توازن القوى وتحقيق التكافؤ بين النساء والرجال، بدلاً من هيمنة طرف على آخر، فالنساء، وإن كن يحصلن على أجورٍ أقل من الرجال، إلا أنهن كن مستقلات اقتصاديًا ولهن ذمة مالية منفصلة فعليًا، وليس فقط على الورق على أية حال، وقد سمحت الأجور التي حصلت عليها النساء من العمل لهن بأن يظللن بدون ارتباط لفترات طويلة. وعادة ما احتوت المدن المصرية على أعداد كبيرة من الأرامل والمطلقات اللاتي لم يتزوجن مرة أخرى ولكنهن عشن على الأجور التي كن يحصلن عليها من عملهن (٤٢). نحن لا نقول أن هذا النمط من الحياة مطلوب تعميمه، أو السعي إليه، ولكن ننبه أن هذه ليست ظاهرة محدثة بسبب التأثير الغربي، وتلك الظاهرة وإن لم تكن حميدة، لم يتكلم عنها المؤرخون على أنها ظاهرة تفكك، ولكن تم التعامل معها بطبيعية وقبول للحال.
إن كل ما قلناه في هذه الورقة يدحض المفهوم التاريخي النمطي لتبعية المرأة اقتصاديًا ويعد دليلاً جليًا على أن المرأة كانت عبر التاريخ الإسلامي غير منعزلة أو متقوقعة في عالمها الخاص، بل كان الرجال والنساء في تواصل مستمر في الأسواق، وكانوا يشاركون في أنشطة اقتصادية مختلفة، وكان السوق مفتوحًا للجنسين على قدم المساواة، وكانت المرأة متمتعة بقدر أكبر من القوة وحرية الحركة في العمل العام. وقد تحدت النساء اللاتي انشغلن بالعمل والاستثمار الصورة النمطية لانعزال المرأة وانفصالها، وأثبتن أن الاعتقاد السائد بأن الحياة الخاصة والعامة يتصادمان غير صحيح. فالتقسيم المعهود للسوق الذي يمثل مصدر الثروات كمجال للرجال فقط، والبيت كمجال طبيعي للنساء لم يكن موجودًا بهذه الصرامة في تلك المجتمعات الأولى. وقد أثبتت المرأة قدرتها على المشاركة بفاعلية في السوق، مما كان له آثاره الجيدة على وضعها المالي. ورغم أن النساء كن نشطات في تلك الحقب السابقة من التاريخ الإسلامي، إلا أنك تجد في القرن الواحد والعشرين مجادلات حول شرعية خروج المرأة للعمل، وكأنه شيئًا جديدًا ووافدًا مع العصر الحديث.
المال والاستثمار عند نساء الطبقة الميسورة: نماذج من العصر المملوكي
أميمة أبو بكر
سنعرض في هذا الجزء نصوصًا لأمثلة مشابهة عن النشاط الاقتصادي، ولكن لنساء الطبقة الميسورة، وخاصة في الفترة المملوكية اللاحقة، وذلك حسب المصادر المتوفرة لدينا والمعلومات التي جمعناها. الهدف الرئيسي – بعد أن تم تقديم صورة شاملة للمجالات المتنوعة التي عملت بها النساء في الحياة المهنية والحرفية العامة – أن نقدم للمهتمين نظرة مقربة لنصوص هذه المصادر، وكيف اعتبرناها أمثلة وأدلة على المعاملات المالية النشطة، من خلال التحليل والاستنباط. فكما تقدم، قلما نجد هذه الأمثلة الصغيرة المبعثرة مجموعة في إطار واحد. هذه إذًا قراءة في بعض الحالات أو النماذج من نساء الطبقة المتوسطة الميسورة، إلى حد ما، ثم نساء النخبة الثرية اللاتي امتلكن الثروة والأموال، وبالتالي كان لهن وضعًا اجتماعيًا قويًا، واستقلالية في القرار، لا نتوقعها عادًة في تلك الحقبة التاريخية التي تسمى بما قبل الحداثة.
يرجع الفضل إلى كل من عفاف لطفي السيد – مارسو، ونيللي حنا، في دراستهما الرائدة، إلى إظهار مكانة ودور النساء من طبقة التجار الثرية والنخبة في العصر العثماني وعصر محمد علي (43). هذا إلى جانب أن الباحثين في التاريخ الاقتصادي عامًة يتحدثون الآن عما أسموه ب“الاقتصاد غير الرسمي أو غير المرئي” للمجتمعات، حيث عملت (ولا تزال تعمل) قطاعات مهمشة خارج الدوائر الرسمية الظاهرة (44)، وأن هذه المجموعات – خاصة النساء – كانت لها مساهمة فعالة (وإن كانت في القطاع غير الرسمي لسوق العمل) في الاقتصاد العام لبعض المناطقة المهمة، مثل النشاط التجاري لحوض البحر المتوسط في العصور الوسطى ومؤخرًا الكشف عن منطقة البحر الأحمر(45).
بادئ ذي بدء، أشارت المصادر الخاصة بالعصرين المملوكي والعثماني إلى وجود حالات عديدة لنساء عملن في الإقراض، وكان من الشائع أيضًا أن تقوم النساء بإقراض أزواجهن، وكن يرفعن الأمر إلى القضاء، إذا امتنع هؤلاء الأزواج عن تسديد ما عليهم من ديون. أما بعض الأنشطة الأخرى التي يمكن أن نتدرج تحت التجارة وتشغيل الأموال (أو “تثمير المال” كما اصطلح عليه)(46)، فيمكن أن نستنبطها من مسائل الفتوى التي ترد للفقهاء في هذا العصر، لأنها تشير إلى حالات من الواقع الاجتماعي والاقتصادي. مثلاً مما جاء في “فتاوى النساء” لابن تيميه (661 ه – ٧٢٨ ه: أي ق ١٤ م) (٤٧)، تحت باب “البيع“، ثم “المعاملات“، أخبارًا عن امرأة تشتري دارًا من زوجها بيع أمانة بأربعمائة درهم وتستوفي ثمنه من أجرته (48)، ثم امرأة تسأل عن شراء وبيع قماش (49)، وأخرى تدفع مالاً “مضاربة” على أرض زراعية مع شريك لها يزرعها وتطالب بكسبها من الربح (50)، كذلك من تؤجر “مصاغها“، أي “تكريه وتأكل كراه” (51). ويلاحظ كما قلنا، العديد من الحالات التي تسجل معاملات مالية مع الأزواج أو الأخوة والاستفتاء حول شرعية إجراءات معينة، مما يشي بجدية هذه التعاملات.
مثلاً: امرأة تداين زوجها ولم يوفيها فتسأل عن إمكانية إبرائه من الدين لسفره بعيدًا، إلخ (٥٢). بينما أخرى حبست زوجها “على كسوتها وصداقها“، وتسأل إذا كان لها أن تطالبه بنفقتها مدة إقامته في حبسه، والجواب أنه إذا كان قادرًا وامتنع، ضد الشرع، و“إذا كانت هي مع هذا باذلة ما يجب عليها، وجبت لها النفقة” (٥٣).
مما يلفت النظر أيضًا في فتاوى ابن تيميه، أنها تحوي العديد من “المسائل” التي تسجل حالات الإبراء والهبات والتصدق من المرأة الزوجة أو الأم، مما يشير إلى حرية التصرف في مالها بالعطاء أو المنع، وإلى استقلاليتها حتى عن أقرب الأقربين، دون شعور بالحرج أو التورط. بسبب آراء مجتمعية معينة. ورغم أن خطاب كل “سؤال” و“إجابته الشرعية” تكون بالطبع مختصرة وموضوعية، إلا أننا لا نستشف استغرابًا أو استنكارًا عند عرض هذه الحالات، فيبدوا أنها انعكاس حقيقي للوضع المالي لشريحة من النساء وتعاملاتهن، وللاهتمام الفقهي بتأمين هذه الحقوق الشرعية، يُسأل ابن تيميه عن امرأة وهبت لزوجها “كتابها” (أي مال مخصص لها)، ولكن إخوتها يعترضون ويريدون منعها، فيفتي ابن تيميه بأن “ليس لإخوتها عليها ولاية ولا حجر: فإن كانت ممن يجوز تبرعها في مالها، صحت هبتها سواء رضوا أو لم يرضوا” (54). أما الزوجة التي وهبت لزوجها مبلغًا من المال بناء على طلبه، ثم طلقها، فيقول ابن تيميه “… لها أن ترجع فيما وهبته والحال هذه فإن سألها الهبة وطلقها مع ذلك، وهي لم تطب نفسها أن يأخذ مالها لسؤالها ويطلقها” (55). نستطيع أن نقرأ في هاتين الفتوتين حماية للنساء ذوات المال من الضغوط والاستغلال وسلب حريتهن. وكان موضوع صداق المرأة (المقدم أو المؤخر) حقًا شرعيًا ودينًا يؤخذ بجدية ويدخل في ذمتها المالية بل وإرثها دون مساومة: حتى أنه في أحد الفتاوى يُسأل عن صحة إبراء زوجة مريضة لزوجها من الصداق، بعد أن حضرتها الوفاة وجاءت بشهود ليشهدوا بذلك (56) (ص ١٩٧). كما سُئل عن امرأة أعاطاها زوجها “مبلغًا عن صداقها لتنفع به نفسها وأولادها منه“، أي جعل نصيب الأولاد إليها، ثم توفى وادعى عليها أحد عدم أحقيتها في هذا المبلغ، وجاء الجواب أنها هبة صحيحة.
تقابلنا في المصادر حالات لنساء كن يبعن ويشترين عقارات أو بضائع ويؤجرن للآخرين مواردًا مملوكة (على صغرها أحيانًا)، لتدر عليهن دخلاً. ويفعلن ذلك بالأصالة عن أنفسهن مباشرة في معظم الأوقات، وليس عن طريق ولي أو وكيل (إلا في حالات قليلة). ومن المؤكد أن هذه الاستقلالية في المعاملات التجارية والاستثمارية كان لها أثرًا على الحياة الاجتماعية وجوانب الحياة الأخرى لهؤلاء النساء، بمعنى أنه إذا كُن فعلاً يمارسن ويطبقن بشكل عملي وحقيقي الذمة المالية المستقلة، فإن من التداعيات المباشرة حيوية شبكة العلاقات الإنسانية والتعاملات والاختلاط مع أطراف أخرى في هذا السياق، وهذا ينم عن قدرة اقتصادية واستثمار للإمكانيات، كانت تسعى إليها المرأة (على اختلاف الطبقات كما سلف في الجزء الأول)، وحتى لو كانت محدودة الموارد (٥٧).
ومن الوثائق المفيدة في هذا المضمار، وثائق “حصر الإرث” أي “حصر ممتلكات شخص في مرض الموت” – لأنها تحتوي على معلومات تفصيلية، ووصف لأشياء وممتلكات، مثلاً أسماء الملابس، وأدوات المنزل، أو معلومات عن أنواع السكان والمسافرين المتنقلين من مكان أو من بلدة إلى أخرى، ومعلومات عن حركة التجارة والاستيراد عندما تُذكر أسماء ملابس وأدوات منسوبة إلى مكان صنعها، ومعلومات عن أسماء أحياء وشوارع ومقابر ومدارس وأسواق، إلخ، وابنية أخرى داخل مدينة ما، وهكذا. فكما يقول د. كامل العسلي في مقدمته لبعض الوثائق المملوكية والعثمانية الرسمية والقضائية والقانونة التي حققها ونشرها في أكثر من مجال، إن هذه الوثائق – ومنها الدعاوى، وحصر الإرث، والإشهادات والإقرارات – “تتصل اتصالاً وثيقًا بحياة الناس…، ونمط معيشتهم وعلاقاتهم الأسرية، وأحوالهم الاجتماعية…، ويمكن أن يجني المرء فوائدًا كثيرة منها عن البلد والعصر والناس الذين عاشوا فيها” (58)، وذلك لأن البيانات الواردة فيها “فيضًا من المعلومات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والسياسية والدبلوماتية واللغوية وسائر أنواع المعلومات الأخرى” (59). ورغم أن هذا المجلد يجمع وثائق مقدسية بالتحديد، إلا أن تاريخها (الثامن الهجري، أي حوالي الرابع عشر الميلادي)، يلقي الضوء على نمط الحياة والإجراءات القانونية في الفترة المملوكية بصفة عامة، سواء في فلسطين أو مصر. يؤخذ في الاعتبار أن أقاليم مصر والشام الكبرى بالذات كانت تشكل امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا، ذات أواصر ومسارات تجارية وثيقة بدون حدود واضحة أو فواصل سياسية وثقافية قاطعة، ولذلك فإن الظواهر الاجتماعية العريضة في مصادر القدس تنسحب بسهولة على مصر أيضًا.
ورد في مجلد العسلي ثلاث وثائق تتعلق بتركات نساء، منها تركة كبيرة لامرأة تدعى “دلشاد“، كان والدها “معلمًا من أصحاب الحرف“ (60)، مما يدعو للتساؤل إذا كانت هي أيضًا عملت بصناعةٍ ما، مكنتها من هذا اليُسر في معيشتها، وامتلاك كل هذه المفروشات والأدوات. ثم وثيقة لامرأة تدعى “زليخا بنت الحاج خضر بن إلياس“، وفي آخر حصر ممتلكاتها إقرار منها “أنها لا تستحق في ذمة زوجها المذكور حقًا ولا بقية من حق ولا دعوى ولا طلب ولا صداقًا ولا باقي صداق ولا نفقة ولا كسوة” (61). يُلاحظ تكرار هذا النوع من الإقرار لإبراء الزوج من أي ديون أو مستحقات مالية لا تزال في ذمته للزوجة حتى بعد وفاتها؛ وهذا كما قلنا ينم عن أخذ الحقوق المالية الشرعية للزوجة مأخذ الجد، وتنفيذها قانونيًا وقضائيًا. حتى المرأة الثرية السابقة الذكر “دلشاد بنت سلطان شاه بن عبد الله“، ورد في وثيقة “حصر الإرث” لها إقرار بأنها “لا تستحق ولا تستوجب عن زوجها “بهرام” المذكور حقًا ولا بقية من حق ولا دعوى ولا طلبًا ولا ذهبًا ولا فضًة ولا صداقًا ولا كسوًة ولا نفقًة ولا قماشًا ولا أثاثًا ولا نحاسًا ولا شيًا….” (62).
أما جزء “الشهادات” في هذا المجلد فيضم شهادتين فقط بشأن امرأتين، إحدهما “بثينة بنت خليل بن غازي“، يبدو أنها شهادة شهود بناء على طلبها لإثبات حقها – أنهم يعرفون الشخص الذي تزوجها زواجًا صحيحًا شرعيًا، ولكنه اختفى: “غاب عنها قبل دخوله بها، ولم يُعلم مكانه بعد عرسه، ولم يترك عندها نفقة لها ولا له ما ينفق عليها منه، وإنه معسر عن مهرها…” (63). وفي فصل “الإقرارات“، التي تم أكثرها كما يقول المحقق خارج المحكمة، ولكن منها ما أبرم في مجلس القضاء، وعليها علامة القاضي وتوقيعه، نجد كثيرًا منها تتعلق بالعلاقات الزوجية والأسرية، وما يترتب عليها. مثلاً إقرارات من زوجات يقررن فيها بقبض “فرض” أولادهن من “أمين الحكم” (المسئول عن رعاية شئون الأيتام في المحكمة) أو غيره بعد وفاة الزوج، أو قبض مؤخر الصداق. مثلاً، إقراران مختلفان من “شيرين بنت عبد الله زوجة المرحوم برهان الدين إبراهيم الناصري“، واحد: أنها قبضت وتسلمت من أمين الحكم مبلغ كذا “عن فرض ولديها محمد وعلي اللذين هما في حضانتها عن مدة أربعة شهور…”، ثم ثان: أنها قبضت مبلغ كذا عن مدة شهرين كاملين، وعليها “الخروج من عهدته بطريقه الشرعي… ” (64). وهناك أيضًا “فاطمة بنت المرحوم محي الدين عثمان بن زين الدين عمر“، وزوجة “التاجر ناصر الدين محمد الحموي“، أحد سادة التجار الأثرياء (الذي يتكرر اسمه كثيرًا في هذه المجموعة من الإقرارات والإشهادات، ويبدو أنه كان حريصًا على توثيق معاملاته عند القاضي“. الطريف أننا نجد أيضًا إقرارين من “فاطمة” هذه واحد: أنها تسلمت منه دنانير ذهبية “أربعين مثقالاً“، كمؤخر صداقها، وأنها “مواصلة بكسوتها ونفقتها من زوجها المسمى…”، ثم أن “في ذمتها لزوجها المسمى فيه بطريق القرض الشرعي من الدراهم… {كذا}” (65)، وإقرار ثاني ينص على أنها: “زوج المرحوم ناصر الدين محمد الحموي“، وأنها تسلمت من أمين الحكم مبلغًا من المال “فرض أولادها من ناصر الدين محمد المذكور أعلاه… (66)“.
أما إقرار “فاطمة ابنة المرحوم علم الدين سليمان…، التي كانت زوجًا لموسى بن عبد الله الغلاييني“، فهو يخص معاملتين مع شقيقها، الذي تنص الوثيقة أنه كان “قيمًا على تركة موسى المذكور أعلاه…”، وأنها تسملت من شقيقها هذا مبلغًا معينًا “وذلك صداق الزوجة دينًا على موسى“، أي أنها قبضت صداقها الذي لم يدفعه زوجها في حياته من “ثمن المبيعات” من تركته. وفي نفس الإقرار إشارة أخرى إلى تسلمها كذلك من شقيقها “نصيبها في الدار المخلفة عن والدها“(67). نستدل من هذه الحالات وما شابهها علي أمور عدة، أولها وأوضحها، انخراط النساء بقوة، حتى العصر المملوكي (في مصر والشام وفلسطين)، في المعاملات المالية وتبادُل المنافع وتأمين المصالح والحقوق القانونية، ثم حرص الجميع على توثيق الحصول على هذه الحقوق. ثانيها، وجود شريحة من نساء هذه الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة اللاتي من الممكن أن نعتبرهن وارثات أو مورّثات أموال وممتلكات وعقارات، من وإلى آبائهن أو أزواجهن، وبالتالي مرشحات أن يكُنّ أيضًا مستثمرات لهذه التركات والأموال. وكما لاحظنا كان من المهم جدًا أن يتم توضيح وضع ذمة الزوج تجاه الزوجة أو الأرملة أو المطلقة، فأي حق مالي لها لم يُستوف هو دَين على الزوج، تقبضه من تركته، كما يورث منها. حتى في إقرار زوجة بأن زوجها هو وارثها الوحيد، استوجب تأكيدًا أنها “لا تستحق في حقه كسوة ماضية ولا نفقة ماضية ولا بقية من ذلك إلى تاريخه…” (68). كما نجد إقرارًا آخر خصص لتبرئة ذمة زوج أو “مطلقها…” فلان من أي حق “ولا بقية من حق ولا صداق ولا بقية من صداق ولا كسوة ولا نفقة ولا متعة (متعة الطلاق)…، إلى آخره” (69). نجد كذلك مثالاً لوثيقة تعيين زوجة وصية قانونية على تركة زوجها، تتصرف فيها التصرف الشرعي (70). وآخر إقرار غريب بعض الشئ، سنذكره هنا هو من التاجر (الذي مر علينا من قبل) ناصر الدين محمد الحموي، وهو يبدو في مرضه الأخير أنه “جهز ابنته” بمبلغ عشرة آلاف درهم “وأن ذلك حوايج على عادة الجهاز” (71).
أما بالنسبة لنساء النخبة الحاكمة – السياسية والعسكرية – فما أكثر من معاملاتهن المالية والاستثمارية بسبب الأملاك والأموال والعقارات بأسمائهن وتحت تصرفهن. ومن أهم أشكال هذه الملكية هي الأوقاف ونظارتها، ثم الوصاية القانونية على الممتلكات والثروات، التي أتاحتها ظروف العصر المملوكي، ونظام المجتمع في ذلك الوقت القائم على “البيوت العسكرية“، وفوضى التناحر والحروب المستمرة بين هؤلاء القادة الحربيين، بسبب الشقاق والتنافس السياسي والسلطوي والعسكري، مما أدى إلى ارتفاع معدلات تعرض المماليك المحاربين من الذكور إلى القتل والنفي والسجن والإعدام، بينما لوحظ طول مدة عمر النساء بالمقارنة. وهكذا شكلت النساء عنصر استمرارية وحفاظ على استقرار وتماسك نسب العائلة، وعدم تفكك أو ضياع أراضيها وممتلكاتها وثرواتها، واكتسبن لذلك تقديرًا واحترامًا باعتبارهن رمزًا لامتداد التركات والإرث والأموال، فقد لجأ الكثير من الرجال ليس فقط إلى كتابة الأملاك بأسمائهن ولكن أيضًا إلى تعيينهن وصيات، لتحويلهن السلطة القانونية لإدارة هذه الأملاك، والإشراف عليها، والتصرف فيها بيعًا واستئجارًا وشراًء، إلى آخره.
يذكر “كارل بتري” Carl Petry في مقال هام له، عددًا من نساء هذه النخبة من بنات وأخوات وزوجات السلاطين والأمراء المماليك، ناقلاً أخبارهن وتواريخهن من المصادر التاريخية التي وصلتنا لمؤرخي هذه الفترة، مثل الصيرفي وابن إياس وعبد الباسط بن خليل (۷۲). وبدورنا نسلط الضوء هنا على بعض النماذج الدالة التي تفيد أن هؤلاء النساء كن أكثر من مجرد أميرات ثريات، يعشن حياة العزلة والسلبية والترف، فقد انخرطن بفعالية واستقلالية في إدارة الملكية، وخوض النزاعات القانونية والسياسية للحفاظ على الثروة والمكانة، وعلى حقوقهن في الوصاية والتصرف، حتى أصبحت كل واحدة منهن بمثابة رأس العائلة الفعلية. مثلاً “خوند شقرا” ابنة السلطان الناصر فرج (۱۳۹۹ – ١٤٢١م)، لم تكن مجرد أميرة وارثة، ولكن المهم أنها كانت ناظرة وقف لأرض زراعية بالفيوم، ولها معاملات قانونية معقدة في تأجير وإبدال وخلافه.
وكذلك الأميرة “مُغُل” ابنة القاضي ناصر الدين ابن البريزي، وزوجة السلطان جقمق: بعد وفاة السلطان سكنت في منزل زوج ابنتها الأتابك “أزبك“، الذي ولَي حماته “الأميرة مُغُل” (بعد وفاة ابنتها أي زوجته) وصاية ابنه، وجعلها على رأس العائلة ومشرفة أعماله، كما عينها ناظرة أوقاف والدها وأخيها وزوجها السابق. ويثني المؤرخ الصيرفي على شخصيتها القوية المحترمة، وعلى كرمها وفعلها للخير، عندما يذكر المدرسة التي أنشأتها للفقراء في بيت المقدس، وقد صلى السلطان قايتباي نفسه عليها في جنازتها، وتم دفنها في مقابر الإمام الشافعي إكرامًا لها (۷۳).
أما “خوند فاطمة بنت علاء الدين علي بن خليل بن خزبك“، التي أصبحت زوجة للسلطان قايتباي فيما بعد، فلها تاريخ بارز موثق في الحوليات وتواريخ عبد الباسط وانب إياس من ناحية، ثم في حجيات الوقف وغيره (في مجموعة محمد أمين) من ناحية أخرى: قبل زواجها من السلطان كانت بالفعل تدير أملاكها، فقد عينها أبوها مشرفة أو وصية على كل من أخيها الناصر محمد وأختها المصونة عائشة، كما وصلنا عدد 39 حجة باسمها، تسجل استثماراتها من بيع وشراء لعقارات في أنحاء متفرقة بالقاهرة، مثل باب الشعرية وبولاق وأراضي زراعية في الغربية بالدلتا وأشمونين بالصعيد والمطرية بشمال القاهرة (بتري ص 135). ومن المرجح أن هذه الممتلكات الشخصية ظلت مستقلة عن ثروة وممتلكات زوجها، لأن هناك ما يشير أنها – إلى جانب ذلك – اشترت أسهمًا في أراضي مملوكة لبعض الأمراء التابعين للسلطان، كنشاط آخر منفصل عن أملاكها وأوقافها الشخصية.
وقد اطلعنا في دار الوثائق بالقاهرة على العديد من وقفيات مملوكية أخرى بأسماء نساء (المسجلة حاليًا على ميكروفيلم)، التي توثق “تصرفات” متعددة من خلال الوقف، وتوضح دور النساء الفعال والبارز في هذا المجال. ففي مجموعة (وقف تواجر) مثلاً يقابلنا تسجيل في محكمة مصر الشرعية لحالات “إبدال” أوقاف: “إبدال من وقف مباركة خاتون بنت إبراهيم“، و“تبادل في وقف حنيفة خاتون بنت محمد الحفناوي“، ثم في محكمة الباب العالي: “تبايع وإبدل باسم عايشة بنت علاء الدين بن محمد“، و“تواجر لبنبا الشماشرجية“، وهكذا. ومن الحجج الطويلة التفصيلية المثيرة للاهتمام حجة رقم ٢٧٣ من مجموعة (أمراء وسلاطين – ميكروفيلم 5)، التي تسجل وقف “أم الحسن ابنة أبي عبد الله محمد بن محمد البلقيني“، وهو عبارة عن “وكالة بها مخازن سفلية وعلوية بالقاهرة المحروسة، خارج باب البحر ببولاق بجوار حقلة السمك“، الحجة التي بها عدة تصرفات: فهي وقف، ثم تعديل شروط الوقف، ثم استبدالن المبدّل هي خديجة ابنة محمد بن علم الدين (الناظرة على الوقف)، تستبدل بخديجة ابنة تاني بك، ثم انتقال من خديجة ابنة تاني بك، إلى ستيتة المدعوة ست الملوك ابنة الأمير كاشف. مما يلفت النظر إلى أن صاحبة الوقف عدلّت وبذلت في نظارة الوقف من امرأة إلى أخرى، كما غيرت في الشروط (مما لم نرده هنا) من إدخال وإخراج وزيادة نقصان في حياتها أو بعد مماتها. ومن المؤكد أن مثل هذه الحجج والوقفيات التي تُظهر النساء كأطراف متعددة في نفس الحالة، متواجدة ومتكررة، وأن تلك ليست حالة فريدة من نوعها.
في ختام هذا العرض يتضح لنا الكثير بخصوص الصورة التاريخية الشاملة للنساء في المجتمعات الإسلامية قبل فترة الحداثة. ومن الممكن استخلاص الآتي: (أ) إن النساء لم يكن بمعزل عن حراك الحياة الاقتصادية العامة على امتداد شرائحهن وطبقاتهن الاجتماعية، وعلى اختلاف أنواع هذا التواجد والتفاعل في المجتمع؛ فمن مهن وحرف وصنائع يدوية وخدمية وكسب نشط للرزق، إلى أعمال أخرى مرتبطة بالسوق والتجارة والبيع والشراء، ومشاركة في عملية تدوير الإنتاج والاستهلاك، إلى ملكية الأموال والتركات والعقارات والأوقاف والأراضي واستثمارها والعمل على إدارتها، والحفاظ عليها، واستخدامها للتمويل، وبالتالي تأكيد المكانة والاستقلالية والتمكين الاقتصادي. (ب) لسنا بصدد رسم صورة وردية لزمن جميل مثالي، ولكننا نتسائل أمام كم وطبيعة هذه المعلومات: إلى متى سنظل نحكم على الماضي بعيون “حداثية استشراقية“، أي بمرجعية تاريخية غربية، تدعو إلى انقطاع حاسم مع الماضي برمته، وتقليل من شأن العصور التاريخية قبل “التنوير الأوروبي“، في سبيل المضي على خط تطوري تصاعدي، يمحو الحصاد التاريخي، ولا يعترف به، ويتجازه تمامًا؟ لا نطالب بـ“الرجوع إلى الوراء“، ولكن تغيير النموذج التحليلي (paradigm) نفسه وتبديل المنظار بمنظار آخر، وإعادة التفكير في “قدسية” الحداثة “التي لا تخطئ أبدًا“، والتي تُفرض علينا أحيانًا كمثال لا يُناقش أو يضاهي أو يُفكك، على حساب فترات تاريخية سابقة، ليس بالضرورة أن كلها “تخلف وشر وظلام“، من الأجدى النظر إلى التاريخ بموضوعية والتمحيص والتدقيق فيه لاستخلاص أو صياغة مفاهيم ونماذج تاريخية متوازنة. (جـ) من هذا المنطلق لازلنا نقول: إن المرأة العربية والمسلمة لها تاريخ لا يزال يحتاج إلي الكثير من الدراسات للتنقيب والكشف والتحليل، ليس باعتباره تاريخًا منفصلاً، ولكن تاريخًا مهملاً وغير مفهوم. ولذا بإمكاننا من خلال إعادة تركيب التاريخ، أو التخيل التاريخي، دمج المرأة داخل المنظومة الكلية للتاريخ العربي والإسلامي. (د) يثبت دائمًا ذلك التاريخ أن النساء في هذه المجتمعات عملن قبل الحداثة على قدر ظروف كل حقبة أو إقليم أو جماعة، وكُن جزًء من الحياة العامة. إن عمل النساء في العصر الحاضر ليس ظاهرة غربية وافدة أو بدعة ضالة ضد موروثات المجتمعات العربية والإسلامية، أو ضد فطرة المرأة، أو ضد الدين كما مارسه القدماء، تلك أفكار ومفاهيم ثقافية مجتمعية محدثة، تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء الحقائق التاريخية المكتشفة.
(1) R. Lamdan, A Separate People: Jewish Women in Palestine, Syria and Egypt in Sixteenth Century, Leiden: Brill, 2000, 8.
(2) D. Cortese and S. Calderini, Women and the Fatimids in the World of Islam, Edinburgh: Edinburgh University Press, 2006.
(3) S. D. Goitein, A Mediterranean Society: The jewish Communities of the Arab World as Portrayed in the Documents of the Geniza, Vol. 1. Berkely: University of California Press, 1967-93. 70-1.
(4) Li Guo, Commerce, Culture, and Community in Red Sea Port in the Thirteenth Century: The Arabic Documents from Quseir, Leiden: Brill, 2004. This Book is the First Comprehensive Study of the Arabic Documents uncovered in Quseir port during the 1980s.
(5) هناك بحثان مميزان عن المرأة في العصر الفاطمي، ولكن كان التركيز في البحثين على النساء البارزات من الطبقة الحاكمة أو الصفوة في الأسرة الفاطمية دون الاهتمام بالنساء العاديات ودورهن في الحياة المالية والتجارية في مصر وإسهاماتهن فيها. انظر/ انظري ناريمان أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي، القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۱۹۹۳. وأيضًا:
D.Cortese and S Calderini, Women and the Fatimids in the World of Islam.
(6) قام دونالد ليتل بفهرسة وثائق الحرم، انظر/ انظري:
S.D Littl, A Catalogue of Islamic Documents from al-Haram as-Sarif in Jerusalem, Beirut and Wiesbaden Stiener, 1984. The Haram documents were also subject to a monograph by Huda Lutfi who paid special attention to the question of gender. See: H.lutfi, al-Quds al mamlukiyya: A History of Mamluk Jerusalem Base on the Harem Documents, Berlin Schwartz, 1985.
(7) Ronald Jennings, “Women in Early 17th Century Ottoman Kasseri” JESHO, 18 (1975):96; Yvonne J. Seng, “Invisible Women: Residents of Early Sixteenth Century of Istanbul” in Gavin Hambley, ed. Women in Medieval Islamic World, New York: St. Martin’s Press, 1999. 241-268.
(8) M. Shatzmiller. “Women and Wage Labour in Medieval Islamic West: Legal Issues in an Economic Context”, JESHO 40 (1997): 182-188.
ناقشت شاتيسميلر بالتفصيل كيف أن الرضاعة في شمال أفريقيا كانت من المهن المربحة التي تنظمها الشريعة. وعلى الرغم أن شاتسميلير ركزت في بحثها على شمال إفريقيا إلا أن هذا ينطبق على مصر حيث أن المنطقتين تشاركتا في نفس الممارسات والثقافة وأساليب الحياة التي سادت المجتمع الإسلامي الأعم في ذلك الوقت. وقد عاش الناس في هاتين الدولتين وعملوا في نفس إطار الأنظمة الاجتماعية والمهنية التي سادت الدولة العربية الإسلامية.
(9) الحصول على معلومات عن النساء اللاتي عملن في إدارة الأربطة النسانية، انظر/ انظري هدي السعدي وأميمة أبو بكر، “المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب“، أوراق الذاكرة (۲)، ملتقى المرأة والذاكرة، القاهرة، ۲۰۰۱. ۱– 4
(۱۰) تقي الدين المقريزي، كتاب السلوك لمعرفة الدول والملوك، إصدار: محمد مصطفى زيادة وسعيد عبد الفتاح عاشور، مجلد 1. القاهرة: دار الكتب المصرية، 1934- 72- 521. راجع / راجعي أيضًا Goitein. A Mediterranean Society, Vol. 1. 127.
(11) D. Cortese and S. Calderini, Women and the Fatimids. 202
(12) S. Gutherie, Arab Women in the Middle Ages: Private Lives and Pulbic Roles, London: Saqi Book, 2001, 200.
(۱۳) لمعلومات عن ضامنات المغاني انظر/ انظري:
Ahmad Abdel Raziq, La Femmes au Temps des Mamlouks en Egypte, Vol. 1.Cairo: IFAO, 1973.86.
(١٤) لمعلومات عن الطبيبات راجع أميمة أبو بكر وهدى السعدي، “النساء ومهنة الطب في المجتمع الإسلامي” أوراق الذاكرة (1)، ملتقى المرأة والذاكرة، القاهرة، ۱۹۹۹
(15) أميمة ابو بكر، وهدي السعدي، “المرأة والحياة الدينية“. هذا المقال يحتوي على قائمة بأسماء النساء الباحثات اللاتي نشطن في الساحة الدينية جنبًا إلى جنب مع الرجال.
(١٦) تقي الدين المقريزي اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، إصدار ج. الشيال و م. حلمي مجلد 3. القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، ۱۳۸٧ – 3 / 1967- 73 – 82.
(17) Cortese and Calderini. Women and the Fatimids, 200-1
(18).Shatzmiller Women and Wage Labour. Pp. 194 نقلاً عن أحمد ب. يحيى الونشريسي، المعيار المعرب والجمع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والمغرب. تحقيق فريق من الفقهاء تحت إشراف م. حاج. مجلد ۱، بیروت: ۱۹۸۱.
(۱۹) شمس الدين أبو عبد الله الأنصاري، ابن الزيات، الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة، بغداد، مطبعة الموثانة، 1968 ٣٢–٣٣. ولمعلومات عن النساء الغازلات يمكن الحصول على الكثير من التفاصيل في: R.B.Serjeant, “Materials for a history of Islamic Textiles up to the Mongol Conquest” ars Islamica, vol. 9-16, 1942
(20) عبد الرحمن ابن ناصر الشيرازي، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق السيد الباز العريني القاهرة، مطبعة لجنة التراث والتراجم والنشر ١٩٢٦،69 – 70 محمد ب. أحمد ب. بسام، كتاب نهاية الرتبة في طلبات الحسبة، إصدار حسام الدين السمراني، بغداد، مطبعة المعارف ١٩٦٨. ٧٤. ابن الأخوة، معالم القربة في أحكام الحسبة، تحقيق ر. ليفي، لندن ۱۹۳۸، 225,279 ويشير ابن الأخوة أن بائعي الكتان كانوا يتعاملون بشكل أساسي مع النساء. (21)Goitein, A Mediterranean Society, Vol. 1, 360-62, 430.
(۲۲) نفس المصدر السابق، جزء 1 صفحه ۱۲۹
(۲۳) تضمنت وثائق القصير قائمة بالموردين الذين كانوا يمدون التاجر ابو الفرج بالقصير بالحبوب والبضائع وتضمنت القائمة أسماء بعض النساء. كما توجد شهادة بأسعار الدقيق الذي كان تبيعه بعض النساء “قيمة دقيق المرأة“.Guo, Commerce, Culture, and Community 18.
(٢٤) محمد المسبحي، أخبار مصر في سنتين 414 – 415 هجرية، تحقيق وليام ملورد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب ۱۹۸۰–۲۲۷. وذكر المسبحي في كتابه وفاة رجل يدعى ابن الخبازة. ومن المفيد أن نلاحظ أنه لوحظ في بحث سابق أن أحد المؤرخين الرجال كان يعرف بابن الداية (القابلة)، وهذا يعني أنه كان من المقبول اجتماعيًا أن يدعى الرجل باسم أمه العاملة، وهو ما يثبت انتشار النساء العاملات بين كل طبقات المجتمع وعدم وجود استهجان لهذه الإشارة. أنظر /أنظري أميمة أبو بكر وهدى السعدي، “النساء ومهنة الطب“.
(25) Goitein, A Mediterranean Society, Vol. 1. pp. 142.
(٢٦) ناصر خسرو، سفر نامة، ترجمة يحيى الخشاب، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، ۱۹۹۹. ۱۱۹.
(۲۷) Goitein, A Mediterranean Society, Vol. 3. 346352-.
(28) Guo, Commerce, Culture, and Community, 8.
(۲۹) نفس المصدر السابق: صفحة 99.
(۳۰) Goitein, A Mediterranean Society Vol. 3. 205.
(31) للحصول على معلومات بشأن مشاركة النساء في الإقراض إبان العصر المملوكي انظر/ انظري:
H. Lutfi, al-Quds al Mamlukiyya, no.607 and also H.Lutfi, “A Study of Six Fourteenth Century Iqrars from al Quds Relating to Muslim Women. JESHO 26 (1983), 246-278ff; no.591 published in Donald P. Little. “Documents Related to the Estates of a Merchant and his wife in Late Fourteenth Century Jerusalem”, MSR 3 (1999): 93-177.
(32) Y. Rapoport, Marriage, Money and Divorce in Medieval Islamic Society, Cambridge: Cambridge University Press, 2005. 25.
(۳۳) نفس المصدر السابق، ص ٢٥.
(34) للحصول على معلومات عن النساء القبطيات اللاتي استثمرن أموالهن في الممتلكات راجع / راجعي البرديات العربية في كتاب أوراق البردي العربية، إصدار أدولف جروهيمان، مجلد 1، القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، – ١٩٣٤ ۱۲۹، 147، 15۳، 167، ۱۷۳، ۲۲۰، ٢٢٤. وبالنسبة للتفاعل بين المسلمين والمسيحيين واليهود واختلاطهم ببعضهم البعض في السوق تحت إشراف المحتسب أو مشرف السوق، راجع / راجعي G.Weigert, “A Note on the Muhtasib and Ahl al-Dhimma”, Der Islam. 75 (1999). 335-7
(35) Goitein. A Mediterranean Society, Vol.3. pp. 327
(٣٦) أبي محمد عبد الله البلاوي، سيرة أحمد بن طولون، تحقيق محمد كاردعلي، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية 160. n.d.
(37) Rapoport, Marriage, Money and Divorce, 63
(۳۸) لمعرفة المزيد عن الإجراءات التقييدية التي فرضها الحاكم بأمر الله انظر/ انظري المقريزي، اتعاظ، مجلد ۲: ۳۸، 53, 95, 96.
(۳۹) للحصول على معلومات بشأن اختلاط الرجال والنساء بحرية في شوارع القاهرة، انظر/ انظري: تقي الدين المقريزي، كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية. بيروت دار سدر، ١٨٥٣. مجلد ۱: ٤٨٨ ومجلد: ۱۰۸.
(٤٠) للحصول على معلومات بشأن أثر غياب المرأة عن السوق وخسائر التجار، انظر/ انظري: عبد الله ب. الدواداري، كنز الدرر وجامع الغرر: الدرة المضيئة في أخبار الدولة الفاطمية، تحقيق س. المنجد. مجلد 6، القاهرة، 1961. 298.
(41) يحيى عمر الأندلسي، كتاب النظر والأحكام في جامع أحوال السوق، تونس، الشركة التونسية للتوزيع. 1975. 124.
(42) Rapoport, Marriage, Money and Divorce, pp. 112-3.
(43) نحيل القارئ على سبيل المثال لا الحصر إلى كتابي:
نيللي حنا، تجار القاهرة في العصر العثماني: سيرة أبو طاقية شاهبندر التجار، ترجمة وتقديم رؤوف عباس، الدار المصرية اللبنانية، ۱۹۹۷.
Afaf Lutfi Al-Sayyid – Marsot, Women and Men in Late Eighteenth Century Egypt, Austin: University of Texas Press, 1995.
(44) Richard Lobban, ed. Middle Eastern Women and the invisible Economy. Gainesville, Florida: University Press, 1998.
(45) Robert Lopez and Irving Raymond, Medieval Trade in the Mediterranean World. New York: Columbia University Press, 2001.
كذلك راجع / راجعي حواشي الجزء الأول: رقم 4.
(٤٦) أبي الفضل جعفر بن علي الدمشقي، الإشارة إلى محاسن التجارة، مطبعة المؤيد، ١٩٠٠، (ص ٦٦).
(47) ابن تیمیه، فتاوى النساء، تحقيق إبراهيم محمد الجمل، القاهرة، مكتبة القرآن، ۱۹۸۳.
(48) المصدر السابق، (ص ١٦٨).
(49) المصدر السابق، (ص۱۷۰).
(50) المصدر السابق، (ص ۱۸۱).
(51) المصدر السابق، (ص ١٨٤).
(٥٢) المصدر السابق، (ص ۱۹۷).
(٥٣) المصدر السابق، (ص 285).
(54) المصدر السابق، (ص ۱۹۳).
(55) المصدر السابق، (ص ١٩٦).
(56) المصدر السابق، (ص ۱۹۷).
(57) في هذا السياق نذكر حالة وردت في أخبار مصر للمسبحي، وإن كانت في العصر الفاطمي السابق، لكنها نموذجًا لشريحة النساء ذوات المال، اللاتي انخرطن في الاستثمار: هي “ابنة أبي عبد الله الحسين بن أحمد“، التي توفيت “وخلفت من المال والفضة والذهب والجوهر العظيم الشأن والثياب والأمتعة والآلات والفروش… “، كذلك خلفت “ما قدره 600 دينار أجره في كل شهر وورث كل ذلك ابنتها“. نستنتج من كم ونوعية هذه الممتلكات اشتغالها بالتجارة واستثمار الأموال.
(58) د. كامل جميل العسلي، وثائق مقدسية تاريخية، المجلد الثاني، مؤسسة عبد الحميد شومان/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٢٤، (ص ۳۱).
(59) المصدر السابق، (ص ۸).
(٦٠) المصدر السابق، (ص ۳۷).
(61) المصدر السابق، (ص 44).
(٦٢) المصدر السابق، (ص ۳۸).
(63) المصدر السابق، (ص 51).
(64) المصدر السابق، (ص 105 – ۱۰۷).
(65) المصدر السابق، (ص ۱۱۱).
(66) المصدر السابق، (ص ١٠٩).
(67) المصدر السابق، (ص ۱۱۳).
(٦٨) المصدر السابق، (ص ۱۱۸).
(٦٩) المصدر السابق، (ص 116).
(۷۰) المصدر السابق، (ص ١٤٢).
(۷۱) المصدر السابق، (ص ۱۲۰).
(72) Carl Petry, “Class Solidarity Versus Gender Gain: Women as Custodians of Property in Later Medieval Egypt”, in eds. Nikki Keddie and Beth Baron, Women in Middle Eastern History. new Haven: Yale University, Press, 1991.
(73) من تداعيات إحياء اهتمام الباحثين المتخصصين والمؤرخين بدراسة تاريخ الأوقاف وجمع وتحقيق الوقفيات وتحليل مضمونها، التوصل إلى معلومات كثيرة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, وكذلك إعادة اكتشاف دور النساء خاصًة، واشتراكهن البارز في أعمال وتصرفات الوقف. يلاحظ مثلاً أن من بين عدد ألف وقفية جمها وفهرسها وحققها د. محمد محمد أمين، هناك عدد ٢٨٣ وقفية لنساء أوقفن أملاكاً أو أشرفن على وأدرن أوقاف أخرى: “فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك (۲۳۹ – 922 ه/ ٨٥٣ – ١٥١٦ م)”، القاهرة، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، ١٩٨١، كذلك انظر/ انظري لمزيد من المسح التاريخي للأوقاف: الأوقاف في سطور وصور، أمينة البنداري وهدي السعدي، مؤسسة المرأة والذاكرة، القاهرة، 2006.
المصادر:
– ابن تيمية، فتاوى النساء، تحقيق إبراهيم محمد الجمال، القاهرة، مكتبة القاهرة 1983.
– الأندلسي، يحي عمر، كتاب النظر والأحكام في جامع أحوال السوق، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، ١٩٧٥.
– البرديات العربية في كتاب أوراق البردي العربية، إصدار أدولف جروهيمان، القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية 1934.
– البعلوي، أبي محمد عبد الله، سيرة أحمد بن طولون، تحقيق محمد كارد علي، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية. n.d.
– الدمشقي، أبي الفضل جعفر بن علي، الإشارة إلى محاسن التجارة، مطبعة المؤيد، ۱۹۰۰.
– الدواداري، عبد الله، كنز الدرر وجامع الغرر، الدرة المضيئة في أخبار الدولة الفاطمية، تحقيق س. المنجد. مجلد 6، القاهرة، 1961.
– الصفدي، صلاح الدين خليل أيبك، كتاب الوفي بالوفيات، Wiesbaden: F Steinner,1988
– كامل جميل العسلي، وثائق مقدسية تاريخية، المجلد الثاني، مؤسسة عبد الحميد شومان/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
– كتاب السلوك لمعرفة الدول والملوك، تحقيق محمد مصطفى زيادة وسعيد عبد الفتاح عاشور، 4 مجلدات. القاهرة: دار الكتب المصرية، ١٩٣٤–٧٢.
– كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، (المعروف بالخطط المقريزية) بيروت دار صادر 1853.
– المسبحي، محمد، أخبار مصر في سنتين 414 – 415 هجرية، تحقيق وليام ملورد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب ۱۹۸۰.
– المقريزي، تقي الدين، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، تحقيق ج. الشيال و م. حلمي، 3 مجلدات. القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1387 – 3 / 1967- 73.
– ناصر خسرو، سفر نامة، ترجمة يحيى الخشاب، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، ۱۹۹۹.
– الونشريسي، أحمد ب. يحيى، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والمغرب، تحقيق فريق من الفقهاء تحت إشراف م. حاج. ۱۳ مجلد، بیروت: 198182-n.p.،
– أميمة أبو بكر وهدى السعدي، “النساء ومهنة الطب في المجتمع الإسلامي” أوراق الذاكرة (1)، ملتقى للمرأة والذاكرة، القاهرة، ١٩٩٩.
– أمين محمد محمد فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك (۲۳۹ – ۹۲۲ ه/ ٨٥٣ – ١٥١٦ م)، القاهرة، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، ١٩٨١.
– أمينة البنداري وهدى السعدي، الأوقاف في سطور وصور، مؤسسة المرأة والذاكرة، القاهرة ٢٠٠٦
– عبد الكريم ناريمان أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي، القاهرة
– الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۱۹۹۳.
– نيللي حنا، تجار القاهرة في العصر العثماني: سيرة أبو طاقية شاهبندر التجار، ترجمة وتقديم رؤوف عباس، الدار المصرية اللبنانية، ١٩٩٧.
– هدى السعدي وأميمة أبو بكر، “المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب“، أوراق الذاكرة (۲)، ملتقى المرأة والذاكرة، القاهرة، ۲۰۰۱.
– Abd ar-raziq Ahmed, La Femmes au Temps des Mamlouks en Egypte, Cairo: IFAO,1973.
-Cortese, D, and Calderini S. Women and the Fatimids in theWorld of Islam. Edinburgh: Edinburgh University Press, 2006.
– Early, Evelyn, Baladi Women of Cairo playing with an Egg and a Stone.Boulder:Lynne Rienner,1993.
– Gavin Hambley, ed. Women in Medieval Islamic Worid,NewYork: St. Martin’s Press, 1999. 241-268.
-Goitein, S.D.A Mediterranean Society The Jewish Communitiesof the Arab World as Portrayed in the Documents of the Geniza,6vols.Berkely: University of California Press,1967-93.
– Guo, Li. Commerce, Culture, and Community in a Red Sea Portin the Thirteenth Century:The Arabic Documents from Quseir,Leiden:Brill,2004.
-Gutherie,Shirley.Arab Women in the Middle Ages:Private Livesand Public Roles, London: Saqi Book, 2001.
-Jennings,R.“Women in Early 17th Century Ottoman Kasseri”,Jourmnal of Economic and Social History of the Orient 18 (1975).
-Lamdan,R. A Separate Peopie:Jewish Women in Palestine,Syria and Egypt in the Sixteenth Century,Leiden:Brill,2000.
– Little, Donald. A Catalogue of Islamic Documents from al-Haramas-Sarif in Jerusalem, Beruit and Wiesbaden:F Steiner, 1984.
-Lobban, Richard,ed. Middle eastern Women and theInvisibleEconomy,Gainesville, Florida:University press,1998
-Lopez,Robert and Irving Raymond. Medieval Trade in theMediterranean World,New york:Columbia university press,2001
– Marsot, Afaf Lutfi Al-Sayyid. Women and men in Late EighteenthCentury Egypt.Austin University Press,1998
-Petry,Carl.”Class Solidarity Versus Gender Gain: Women asCustodians of Property in Later Medieval Egypt”, in eds. NikkiKeddie and Beth Baron, Women in Middle Eastern History.NewHaven: Yale University, Press,1991.