“النظام الضريبي والنوع الاجتماعي في مصر“
تزداد نسبة تمثيل المرأة بين أصحاب الدخول المنخفضة في معظم دول العالم، ولا خلاف على أن الشرائح ذات الدخل المنخفض تعيش في ظروف سيئة للغاية، لاسيما في الدول التي ينخفض فيها الإنفاق الحكومي. في ذات الوقت الذي لم توضع فيه التساؤلات حول النظام الضريبي في مقدمة أولويات حركات حقوق المرأة، فثمة حاجة ملحة إلى تعميم النوع الاجتماعي في القضايا المالية. فبالنظر إلى النظام الضريبي، نجد أنه يؤثر على المرأة بسبب أنماط توظيفها التي تتضمن: الأجور، وحصتها من العمل غير المدفوع، وأنماط الاستهلاك، بالإضافة إلى حيازة الممتلكات والأصول. فالمرأة على مستوى العالم، نقضي مزيدًا من الوقت (يتراوح من مرتين إلى عشر مرات) في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر مقارنة بالرجل1. وقد يعني هذا أن المرأة لا تخضع إلى الضرائب المباشرة، لكنه يشير إلى أن المرأة لديها مصادر أقل لتغطي التزاماتها الضريبية، أضف إلى ذلك كونها مستبعدة من الحصول على المزايا التي يمنحها إياها النظام الضريبي،مثل: أنظمة المعاشات القائمة على المساهمة. في الدول منخفضة الدخل، يتم تحصيل حوالي ثلثي الإيرادات الضريبية من الضرائب غير المباشرة2،وفي بعض هذه الدول، حيث تميل المرأة إلى شراء الطعام والملابس والاحتياجات الأساسية للمنزل، تؤثر بشدة نظم الضرائب القمعية – مثل تلك التي تعتمد على الضرائب غير المباشرة، مثل: ضريبة القيمة المضافة – على دخل المرأة،وبالتالي تؤثر على قدرتها الشرائية. يهدف هذا البحث إلى تقييم العدالة الضريبية في مصر من خلال التركيز على النوع الاجتماعي. ويأتي ذلك من خلال تقديم نظرة عامة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، وكذلك نظرة عامة على نظام الضرائب المصري موضحًا ومحللاً الأبعاد الجنسانية من خلال النظام،وأخيرًا محاولة تقديم توصيات سياسية نحو نظام ضريبي أكثر عدلاً ومساواة يراعي مسألة النوع الاجتماعي.
بعد الاطلاع على التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين لعام 2015،تبين أن مصر قد جاءت ضمن أقل 10 دول في التقرير،في المركز 136 من أصل 145 دولة. وقد جاءت الدرجات الضعيفة في المشاركة الاقتصادية / مشاركة القوى العاملة والمشاركة السياسية بنفس الترتيب (136 من 145). كما جاء الدخل المكتسب في المرتبة 133 من أصل 143،حيث بلغت نسبة الإناث إلى الذكور3 0.30. ومن الملحوظ أن مشاركة المرأة في العمل تنخفض معدلاتها عن الرجل في كافة الدول، على الرغم من أن المرأة تساهم بمزيد من الوقت في المجمل، سواء في العمل بأجر أو بغير أجر4. وعلى الرغم من أن نسبة مشاركة المرأة في العمل من مصر قد ارتفعت من 4.2 مليون في عام 2001 إلى 6.5 مليون في عام 2013، بنسبة 23.4%
من إجمالي القوى العاملة مقابل 76.6% للذكور 5،لا تزال البطالة بين الإناث أعلى بكثير من نسبة البطالة بين الذكور، التي تصل إلى 24.3% مقابل 9.7% للذكور،مسجلين أعلى نسبة بطالة حتى الآن6. أما بالنسبة لملكية المشروعات،تشكل النساء نسبة مئوية أقل مقارنة بالذكور بنسبة 1.6% و 13.7% على التوالي7. كما تعتبر نسبة مشاركة القوى العاملة في القطاع الخاص أعلى،إليها القطاع الحكومي ثم يأتي أخيرًا القطاع العام. وترتفع نسبة مشاركة الرجل عن المرأة في القطاع الخاص من 74.7% إلى 59.9% بينما يختلف الوضع في القطاع الحكومي، حيث تصل نسبة مشاركة المرأة إلى 37.2% مقابل 18.3% للرجل. ويمكن ربط ارتفاع نسبة عمل المرأة في القطاع الحكومي بالمزايا التي يقدمها القطاع، مثل: ساعات عمل أقل. تمتاز بالمرونة،في ظل عقود مفتوحة. ولكن هذه المزايا تأتي على حساب الأجور المنخفضة عامة عن نظيرها في القطاع الخاص، مقيدًا المصادر المالية للمرأة ونزعتها إلى حراك اجتماعي اقتصادي متصاعد. كما تقل مشاركة العمل في القطاع العام في ضوء خصخصة المصانع التي أدت إلى تسريح الكثير من العمال؛ إذ تصل نسبة البطالة بين الرجال إلى 4.8% مقابل 1.7% بين النساء.
ويشار أن الفجوة بين الجنسين في نسبة الأجر الأسبوعي لموظفي القطاع العام والخاص، تصل إلى 20.3% لصالح الرجل8 فقد أظهر مسح أجري لقياس نسبة الأجور وعدد ساعات العمل للعاملين والموظفين في القطاع العام والخاص، أن متوسط الأجر الأسبوعي للرجل هو 769 جنيهًا مصريًا، بينما يصل إلى 714 جنيهًا مصريًا للمرأة نظير ساعات العمل نفسها9. ويتنوع الفرق في الأجور وفقًا لقطاع العمل، أما بالنسبة للرجل،يرتفع متوسط الأجر عن نظيره للمرأة في أغلب القطاعات. فعلى سبيل المثال، يحصل الرجل في قطاع الزراعة على متوسط أجر أسبوعي بقيمة 448 جنيهًا مصريًا، بينما تحصل المرأة على 356 جنيهًا مصريًا. بينما يرتفع متوسط أجر المرأة عن الرجل في قليل من القطاعات. مع ذلك، قد لوحظ أن معدل تمركز الرجال في كافة المهن أعلى من النساء. وأظهر المسح ذاته أيضًا أن متوسط الأجر الأسبوعي للرجل في القطاع الخاص أعلى من المرأة؛ 456 في مقابل 364. بينما ينعكس الوضع في القطاع العام بالنسبة إلى النساء. حيث يصل متوسط الأجر الأسبوعي للمرأة 1065 في مقابل 951 جنيها مصريًا للرجل10.
تعتبر ديناميكية القوة بين كل من الطبقات والنوع الاجتماعي والعرق، جزءًا لا يتجزأ من السوق. فتظهر ديناميكيات النوع الاجتماعي جلية في عدم المساواة التي تواجهها المرأة في المجال الاقتصادي، حيث يتم إقصائها بالقوى الاجتماعية، فعلى سبيل المثال،عن طريق: الوصم، والأفكار النمطية التي تخص سعيهن وراء ما يطمحن إليه من مهن مربحة في ما يعتبر حقول ذكورية إلى حد ما. تظهر هذه السيطرة الذكورية عادة في التأكيد على السلطة، من خلال تفضيلهم بأن تكرس المرأة وقتها للأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وفي الحقيقة،إن مثل هذه القيود تقود إلى عدم قدرة المرأة على ترجمة العمل الذي تؤديه إلى عمل مدفوع الأجر،ومن ثم إلى دخل. إن الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة بدون تعويض مادي تشكل النسبة الرئيسة للقطاع غير الرسمي، حيث ارتفعت نسبتها من 29% في 1998 إلى 47.7% في11 2013، بينما انخفضت نسبة أداء هذا النوع من الأعمال بالنسبة للرجل من 13% إلى 7.4% في12 2012. في عام 1995، بلغت نسبة النساء العاملات في القطاع غير الرسمي في المدن المصرية 6.9% لكن ارتفعت هذه النسبة إلى 17.7% في 2013. وخلال الأعوام ذاتها، انخفضت نسبة العمالة النسائية في القطاع الرسمي من 93.1% إلى 82.3% وعلى العكس تمامًا، فقد انخفضت نسبة عمالة المرأة في القطاع غير الحكومي في المناطق الريفية من 75.4% في 1995 إلى 44.6% في 2013، بينما ارتفعت نسبة العمالة في القطاع الحكومي خلال الفترة ذاتها من 24.6% إلى 32.5% ويمكن تفسير هذه الاتجاهات المتفاوتة بأنها تعبير عن عمليات التحضر السريعة التي تقود الرجل إلى المراكز الحضرية، والتي تعتبر المفضلة للأعراف الاجتماعية الذكورية والقوالب النمطية التي تمكنهم – الرجال – من زيادة حصتهم في سوق العمل على حساب المرأة في المناطق الحضرية، مما يدفعها إلى الاتجاه إلى القطاع غير الرسمي،بينما تتاح مساحة أكبر للمرأة في المناطق الريفية حتى تصعد من خلال قطاع السوق الرسمي.
وبالنظر إلى نسب عمالة الرجال نجد ارتفاعًا بسيطًا في العمالة في القطاع غير الحكومي من 44.6% في عام 1995 إلى 47.6% في 2013 ونرى انخفاضًا للعمالة في القطاع الحكومي خلال الأعوام ذاتها من 55.4% إلى 52.4% فعلى الرغم من ارتفاع نسب عمالة الرجال والنساء في القطاع غير الحكومي، نجد 27.8% من النساء يحصلن على تعويض مادي مقابل عملهن مقارنة بنسبة 43.5% من الرجال. كما أن 19.6% – فقط – من النساء العاملات في القطاع غير الحكومي في المناطق الحضرية بمصر يحصلن على مقابل مادي، مقارنة بـ 3.3% في المناطق الريفية13.
الجدير بالذكر أنه في معظم دول العالم. تقوم النساء بمعظم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر14. وعلاوة على أن ذلك يعد تعبيرًا عن التدهور المستمر للوضع الاقتصادي، فإنه يوضح أيضًا كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية على المرأة بشكل غير متناسب للغاية. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة حول معدلات الفقر بين النساء، فمن الواضح من خلال الحقائق المتوفرة أن الفقر يؤثر على النساء أكثر من الرجال، مما يجعل الفقر قضية تتعلق بنوع الجنس،فمن سياسات ضريبية رجعية تستهدف الفقراء بشكل غير عادل، إلى سياسات غير عادلة تستهدف النساء وتحملهن الكثير من الأعباء.
إن السياسات الضريبية الرجعية التي تؤثر على الفقراء أكثر من غيرهم – وخاصة النساء الفقيرات – ما هي إلا جزء من السياسات المالية التي تضع الفقراء في وضع سيء للغاية. وهناك مؤشرات أخرى لذلك، ألا وهي الإحصاءات مثل: نسبة التضخم السنوي الذي يصل إلى ما يقرب من 20% بالإضافة إلى القرار الأخير بزيادة الضرائب الجمركية بمعدلات تتراوح بين 40 – 60% على أكثر من 300 سلعة،بعضها محدد حسب نوع الجنس،مثل: كل منتجات التجميل بما في ذلك الشامبو، إضافة إلى السلع المحايدة جنسيًا، مثل مزيلات العرق وأدوات المطبخ والفواكه المستوردة15.
علاوة على أن الحكومة المصرية تمتنع بصفة عامة عن بذل الجهد لتقييم الآثار الخاصة بنوع الجنس في سياساتها؛ يظل هذا الامتناع غير ملحوظ إلى حد ما بسبب الامتناع عمدًا عن حصر النوع الاجتماعي في معظم البيانات التي تجمع. وهذا يعني أننا لا نستطيع أبدًا أن نعرف على وجه التحديد حجم مساهمة المرأة في القوى العاملة سواء الرسمية أو غير الرسمية،أو قدرتها الإنتاجية، أو الضرائب المفروضة عليها. وفي ظل قلة المعلومات الفعلية،نجد أن كل ما يمكن القيام به لمحاولة فهم الأوضاع هو وضع كل نسبة تقريبية على أخرى،حتى تصل إلى صورة هي الأقرب للواقع. وحتى يتم ذلك بشكل صحيح، نبدأ أولاً بنظرة عامة على النظام الضريبي المصري، ثم ننتقل بعد ذلك إلى القضايا والرؤى المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
إن قانون “ضريبة الدخل الشخصي” الحالي لا يفرق بين الرجال والنساء حيث يعاملون بالتساوي. يحصل كل من النساء والرجال على نفس العلاوات الشخصية، والتي تبلغ 5000 جنيه مصري، بغض النظر عن حالة الشخص (متزوج أعزب، معول،معيل,…). وهذا القانون الذي ينص على منهج المساواة في المعاملة لم يدخل خير التنفيذ إلا في عام 2005 من خلال ما يعرف بالقانون 91 لضريبة الدخل الشخصي لعام 2005. فقبل ذلك، كان الرجال والنساء يعاملون بشكل مختلف فيما يتعلق بالعلاوات الشخصية الممنوحة، والتي كانت مبنية على الشريعة الإسلامية التي ذكرت أن الرجال هم أوصياء على النساء، فبموجب القانون القديم، أعطيت المرأة بدل يبلغ 2000 جنيه بغض النظر عن حالتها. من ناحية أخرى،كان يحصل الرجال على بدلات متفاوتة محددة على أساس حالتهم. على سبيل المثال، كان يُمنح الرجل بدلاً قدره 2000 جنيه مصري (وهو الحد الأدنى المسموح به في القانون السابق)، وكان يمنح الرجل المتزوج الذي لا يعيل عائلة 2000 جنيه أيضًا، بينما يحصل الرجل غير المتزوج ولكن يعيل عائلة (على سبيل المثال الأم) 2500 جنية، وأخيرًا يحصل الرجل المتزوج الذي يعيل عائلة 3000 جنيه مصري بدالات16، وأثارت المناقشات المجتمعية هذه القضية، على أساس أن كل من الرجال والنساء يتحملون الأعباء المالية المنزلية، وأن كليهما يحمل أيضًا أعباء بغض النظر عن حالته الزوجية. أما بالنسبة لتقديم الإقرارات الضريبية، فالرجال والنساء يسددون ضرائبهم بشكل منفصل على أساس الشريعة الإسلامية، التي تؤكد على فصل الملكية للرجال عن النساء.
ونظرًا لاختلال طبيعة نظام الضرائب المصرية،والغياب التام للمعلومات المتاحة عن دافعي الضرائب والتقسيم الطبقي لهم،والفوارق الشاسعة التي يمكن إيجادها، نجد أن القضايا الضريبية في مصر تفهم بشكل أفضل من خلال حقائق جمعها بدلاً من وصفها القانوني. على سبيل المثال، بينما دعمت الحكومة – رسميًا – نظامًا ضريبيًا تدريجيًا لضريبة الدخل، فإن أعلى تعريفة نسبية هي 22.5% للدخل السنوي على أكثر من 200,000 جنيه مصري،في حين تطبق الإعفاءات على الذين يبلغ دخلهم السنوي 13,500 جنيه مصري. ولا يزال الشخص الذي يحصل على 13.500 جنيه سنويًا ويعيل نفسه فقط تحت خط الفقر، ولكن من المتوقع أن يساهم بنسبة 10% من دخله للضرائب، في حين أن أغنى المصريين الذين يكسبون عشرة أضعاف،من المتوقع أن يساهموا بحد أقصى 22.5% ومن المهم ملاحظة أن نسبة 22.5% قد وصلت إلى 30% في عام 2015 حيث كان الحد الأقصى للمساهمة 25% بالإضافة إلى ضريبة الثروة بنسبة 5% لمدة ثلاث سنوات،والتي استمرت حتى قررت الحكومة الحالية وضع حد أقصى بنسبة 22.5% في محاولة لجذب المستثمرين قبل مؤتمر مصر الاقتصادي في عام 2015. ومن المهم أيضًا ملاحظة أن القانون الذي ينص على الحد الأقصى للأجور عبر القطاعات المختلفة، قد ألغي بعد شهر تقريبًا من إصداره، وهو ما يعني بشكل فعال أنه لا يوجد لدينا قانونًا للحد الأقصى للأجور للعمل بموجبه، وبالتالي تم تعيين الحد الأقصى للضريبة في فصل من السياق الحالي، وهناك مصدر آخر لإيرادات الضرائب المباشرة،ألا وهو ضرائب الشركات التي تم توحيدها بنسبة 25%17، فيما عدا البنك المركزي المصري وقناة السويس والمعهد الوطني للبترول الخاضع لضريبة بنسبة 40%. وكانت ضريبة الأرباح الرأسمالية، وهي نموذج آخر للضرائب المباشرة معفاة من الضرائب. في عام 2014 تم تطبيق ضريبة بنسبة 10% على المكاسب الرأسمالية، ولكن تم إلغاء الضريبة نتيجة للغضب واسع النطاق من قبل المستثمرين. وبالإضافة إلى الأشكال السابقة للضرائب الرجعية. قدرت شبكة العدالة الضريبية أن تكلفة ممارسات التهرب الضريبي المختلفة تصل إلى 68 مليار جنيه سنويًا. وقد أكدت الحكومة المصرية نفس هذا الرقم خلال إعلانها استراتيجيتها لمحاربة الفساد18. وهذا يترجم بشكل أساسي إلى الأموال المفقودة من أجل الإنفاق الاجتماعي، خصوصًا على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والنقل وكذلك شبكات الأمان. التي تؤثر على أكثر شرائح السكان ضعفًا (بافتراض أن برامج الإنفاق تصل إلى الفقراء والشرائح المستهدفة). ولكن في النهاية، تتحمل نفس الطبقات أعباء الدين العام للبلاد. وقد كشفت الدراسات التجريبية أنه مقارنة بالرجال، تميل النساء إلى إنفاق نسبة أكبر من دخلهن على سلع مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، مما يعزز قدرات الأطفال ورفاهتهم19.
إن هذا النظام الضريبي لا يعاقب فقط أفقر طبقات المجتمع وأكثرها ضعفًا،لكنه أيضًا يجعل السرد حول الضرائب التصاعدية في مصر ليس أكثر من قصة وقت النوم،اختفت نتيجة لإهمال المشاركة في الموضوع. وبالنسبة للسبب في ذلك، نحتاج فقط إلى النظر في معدل الضريبة على إجمالي الناتج المحلي في مصر.
والذي انخفض بشكل مطرد في العقد الماضي20 من ارتفاع 15.8% إلى 13.1% في السنة المالية (2015 – 2016) ومعدل متوقع للسنة المالية 16 – 17 من 13.3%. والجدير بالذكر أيضًا أن آخر مرة كانت فيها المجموعة الحكومية مطابقة أو تجاوزت التوقعات،كانت في السنة المالية 2008 – 2009 مما يعني أن المجموعة للسنة المالية الحالية من المحتمل أن تنخفض إلى أقل من 13%21 والجدير بالذكر أن أقل متوسط للبلدان المتوسطة الدخل – المجموعة التي تنتمي إليها مصر – يبلغ 26.4% 22.
يكشف هذا النقص المزمن وطبيعته المتقلبة عن عيوب الدولة المصرية ونظامها الضريبي. وبما أن الحكومة تفتقر إلى القوة والسلطة لجلب المزيد من دافعي الضرائب إلى دفع الضرائب، مع الأحد في الاعتبار أن أكثر من 50% من الاقتصاد المصري يعتبر الآن غير رسمي،فعلى الحكومة أن تعتمد على القاعدة الضريبية23 الحالية وحدها، وبما أنه من الصعب رفع ضرائب الدخل بعد ذلك على الشرائح الأقل – كما ذكرنا من قبل فهي إما تحت خط الفقر أو العيش في فقر مدقع – دون المخاطرة بالاضطرابات الاجتماعية، وبما أن الحكومة المصرية كانت عرضة بشكل خاص لضغوط من المصالح التجارية لذلك فإنها تمتنع عن جباية الضرائب من كبار الموظفين أو فرض الضرائب التي قد تضر بمصالحهم مثل ضريبة الأرباح الرأسمالية أو ضريبة سوق الأوراق المالية بغض النظر عن مدى ضآلة المعدلات، فيتعين على الحكومة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة. إن هذا الاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة الأقل ضآلة يعد أمرًا مثيرًا للمشاكل، ليس فقط بسبب آثارها السلبية على الاقتصاد من حيث التضخم ونمو الاستهلاك، ولكن أيضا لأن هذه الضريبة التي لا مفر منها هي رجعية للغاية حيث أن آثارها السلبية تزداد بشكل غير متناسب مع زيادة معدلات الفقر.
وبسبب ذلك،تضاعفت عائدات الحكومة من الضرائب غير المباشرة، مثل: ضرائب المبيعات والخدمات، خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك قبل تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) التي زادت معدلات الضرائب إلى13%، مع الوعد بإنفاق نسبة 1% على برامج “العدالة الاجتماعية“. وزيادة معدل الضريبة، ليبلغ 14% في عام 2017. ويتضح ذلك الاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة كجهد متضافر ومباشر من جانب الحكومة في الميزانية المقترحة للسنة المالية 2016 – 2017؛ فهي نظرة سريعة تكشف عن مشاكل هيكلية ضخمة في الجهاز الضريبي، حيث أنه ليس فقط من المتوقع أن تنخفض عائدات ضريبة الدخل من 158 مليار جنيه في السنة المالية 2015 – 2016 إلى أقل بقليل من 150 مليار جنيه، ولكنها تكشف أيضًا أن أكثر من ثلث الإيرادات المذكورة لا تأتي إلا من البنك المركزي المصري وقناة السويس وهيئة البترول وشركائها، بمعنى أن ضرائب الدخل الفعلية المفروضة بالكاد تبلغ 100 مليار جنيه مصري، أي ما يقرب من 3% من الناتج الإجمالي المحلي. وفي الوقت ذاته، ارتفعت عائدات ضريبة المبيعات والخدمات من 184 مليار جنيه. إلى 199.5 مليار في الفترة ذانها، مما وضع الضرائب المباشرة على ما يقرب من ضعف الضرائب المباشرة24 التي جمعت بالفعل.
وعلى الرغم من أن السلطات المصرية لا تصدر بيانات كافية عن معدلات الفقر، ولاسيما فيما يتعلق بالفقر بين النساء، يمكننا الحصول على نظرة عامة حول النزوح الطبيعي للمرأة نحو الفقر،عن طريق التحقق من وضع المرأة في القوى العاملة والذي قدمنا نظرة عامة عليه سلفًا في هذه الورقة.
إن المشكلة ليست فقط في معدل البطالة بالنسبة للنساء والذي هو أربعة أضعاف معدل البطالة لدى الرجال، ولكن أيضا زيادة معدلات الأمية بين النساء بسبب العقبات التي تمنعهن من إكمال التعليم25،مما يعني أن بعض منهن ينجحن في العثور على طريق للعمل في وظائف منخفضة الأجر والأسوأ من ذلك، هو حقيقة أنه من المرجح أن ينتهي الأمر بالنسبة للنساء للعمل في القطاع غير الرسمي – باحتمالية مضاعفة عن حدوث ذلك بالنسبة للرجال – إذ يحرمن من حقوق العمل الأساسية، بعيدًا عن حقوق العمل الخاصة بالجنس، مثل: إجازة الأمومة. ولا يقتصر الأمر على حرمان النساء من الحماية في القطاع غير الرسمي فحسب، بل إنهن محرومات أيضًا من الحماية الاجتماعية والقانونية في بعض القطاعات الرسمية، مثل: القطاع الزراعي، الذي فيه تكون مشاركة المرأة مرتفعة بشكل ملحوظ. ومع ذلك، لم تعترف الحكومة المصرية بمثل هذه المشاركة، وحرمت النساء من الخدمات التي تقدمها الجمعيات الزراعية في القرى، حيث أن الرجال هم الذين يتلقونها بشكل تقليدي. وقد اقترح البعض أن تأتي هذه الظاهرة تحت عنوان “تأنيث الفقر“26. ولاستكمال هذه الصورة القائمة، يكفي أن نشير إلى أن آخر الأرقام الرسمية المتاحة في عام 2008 قد أشارت إلى أن 17.3% من الأسر تعيلها امرأة،مع العلم أن 70% منهن أميات27. ومع ذلك، فقد أشار البيان الذي أصدره “المجلس القومي للمرأة” مؤخرًا إلى أن نسبة الأسر التي تعيلها نساء قد وصلت إلى 30% 28. في حين تشير الدراسات الميدانية التي أجرتها منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حقوق المرأة إلى أن ذلك الأمر يصل إلى ما يقارب الـ 70% في الأحياء العشوائية29. أما في صعيد مصر، فالوضع أكثر سوءًا، حيث تمنع 95% من النساء من الحصول على حقهن في الميراث،على أن يحصلن على تعويض نقدي بدلاً من ذلك، والذي غالبًا ما يكون ذا قيمة أقل بكثير من قيمة الميراث المزعومة30.
إن السياسات الضريبية العادلة والفعالة لا تنتج عن سياسات ضريبية منصفة وتقدمية فحسب، بل تنتج كذلك من خلال إدارات ضرائب عادلة وفعّالة، تحتاج في الأساس إلى قدرات قوية للدولة من شأنها أن تضمن استخدام النظام الضريبي لأغراض إعادة التوزيع كما هو مقرر. إن التركيز في هذه الورقة لم ينصب على جانب الإدارة، ولكن الورقة قد أعادت النظر في الجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي في المشهد الاقتصادي المصري، ويمكننا أن نرى أن قضايا المرأة قد أحيلت إلى الستارة الخلفية عمدًا؛ لأنها تتناقض مع أي سرد حكومي حول الإصلاح التدريجي أو الرخاء الاقتصادي يغذي دوائر الفقر والإهمال. وهذا يجعل المسألة أكثر من مجرد معلومة اقتصادية صغيرة يمكن أن تحل نفسها تلقائيًا في حالة التخفيف من الأزمة أو مع نمو اقتصادي متزايد، بل يجعلها أيضًا تعبر عن التقاليد الذكورية والأبوية التي كان يجب محاربتها بفعالية من خلال جهود منسقة،تظهر في سياسات موجهة بشكل واضح، وتهدف إلى الموازنة في مجال المنافسة الاقتصادية من خلال تعويض المواقف التمييزية التي تظهر في السوق، من خلال تنفيذ سياسات مصممة خصيصًا للسماح للنساء بتمكين أنفسهن، وإنهاء هذه الدورة القمعية شبه البدائية.
-
توصيات متعلقة بالسياسات:
– تلتزم الحكومة المصرية بتضمين الأرقام الموزعة حسب الجنس في جميع منشوراتها، كي يمكن ذلك الإعلام من نقاش قضايا المرأة وكيفية مواجهتها بأفضل طريقة.
– ضرورة مراجعة قانون الضرائب المصري لصالح نظام أكثر عدالة، يعتمد على الضرائب المباشرة. بدلاً من النموذج الحالي واستخدام حوافز وتخفيضات ضريبية خاصة بالجنسين.
– إعداد ميزانيات تراعي النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى تضمين قسم حول النوع الاجتماعي في جميع مقترحات الميزانية، والنشر، والتحليلات.
– مراجعة قوانين العمل الحالية مع وضع هدفين في الاعتبار أولهما: تناول القضايا الخاصة بالمرأة (مثل: إجازة الأمومة)، والثاني هو: محاولة دمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي،وكذلك البحث عن طريقة لتقدير قيمة عمل المرأة غير مدفوع الأجر، وذلك لزيادة الإيرادات الحكومية في حين تقدم للعمال منافع أفضل وتأمين حقوقهم.
1- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية،أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر،2014.
2- كير جراون،“الضرائب والمساواة بين الجنسين“، ص 13،2010.
3- تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي، 2015 ص 54.
4- كير جراون،“الضرائب والمساواة بين الجنسين“، ص 14،2010
5- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الرجال والنساء فى مصر،2014 صفحة
48 http://www.tseries.capmas. gov.eg/pdf/women- men/women- men 2014 pdf
6- المرجع السابق ص 51
7- المرجع السابق.
8- منى عزت “حقوق المرأة والعدالة الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي“، 2012، صفحة 53.
9- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء النشرة السنوية لإحصاءات التوظف والأجور وساعات العمل،2013، ص 11.
-10 المرجع السابق ص 13.
-11 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الرجال والنساء في مصر 2014،صفحة 59.
12- سلوى عنتارى ونفيسة دسوقي. “عمل المرأة في القطاع غير الرسمي“. مؤسسة المرأة الجديدة ص 20
13- المرجع السابق..
-14 كير جراون،“الضرائب والمساواة بين الجنسين“، ص5 2010.
15- طبقًا لعادات الزواج فى مصر،تشتري العروس أي من أجهزة المطبخ أو جميعها.
16- من مقابلة مع محاسب في مصلحة الضرائب المصرية.
17- انخفض من 40% في 2005.
18- أسامة دياب،المندرة المصرية للحقوق الشخصية 2015
http/www,eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/ tax haven.dfp
19- كير جراون “الضرائب والمساواة بين الجنسين“، ص 5،2010