(النـوع): مقولـة مفيـدة فـي التحليـل التاريخـي*
(النوع gender). اسم. مصطلح نحوى فقط. يُعَدُّ التنويه بأشخاص أو كائنات من (النوع) المذكر أو المؤنث – بما يعنى كونهم من الجنس المذكر أو المؤنث – ضربًا من الممازحة (المسموح أو غير المسموح بها وفقًا للسياق)، أو نوعًا من الخطأ الفاضح.
(هـ. و. فاولر: قاموس استخدامات اللغة الإنجليزية الحديثة)
أولئك الذين يحاولون تقنين معاني الكلمات إنما يدخلون معركة خاسرة، فالكلمات، مثلها مثل الأفكار والأشياء المقصود أن تدل عليها الكلمات، هي الأخرى لها تاريخ. فلا جهابذة جامعة أكسفورد ولا الأكاديمية الفرنسية ( Académie Française) استطاعوا إيقاف المد، عبر الإمساك بالمعاني وتثبيتها بصورة تخلو من ألعاب الابتكار والخيال الإنساني. وقد أعطت أمثال ماري ورتلي Mary Wortley لذعة لحضور الذهن في عبارتها المنددة “بالجنس الناعم” (“the fair sex”): (“إن عزائي الوحيد عن كوني من هذا (النوع) هو اطمئناني إلى استحالة زواجي من أي واحد/ ة منهم، إذ تعمدت إساءة استخدام قواعد النحو.1 وما برح الناس على مر العصور يقومون بتلميحات رمزية أو مجازية من خلال توظيف مصطلحات نحوية لاستحضار ملامح الشخصية أو الجنسانية. فعلي سبيل المثال، أورد قاموس اللغة الفرنسية عام ١٨٧٦ استعمالات مصطلح (النوع) على النحو الآتي: “ليس معروفًا من أي (نوع genre) هو، إن كان ذكرًا أم أنثى، ذلك تعبير يقال عن رجل كتوم لا نعرف شيئًا عن مشاعره“.2 كما وضع جلادستون Gladstone هذا التمييز في عام ۱۸۷۸: “إن أثينا لا تحمل من الجنس شيئًا سوى (النوع)، ولا من المرأة شيئًا سوى الشكل“.3 ومؤخرًا، أصبح “(النوع)” له استخدام جديد، وهو استخدام حديث، إلى درجة أنه لم يعرف بعد طريقه إلى القواميس أو إلى موسوعة العلوم الاجتماعية Encyclopedia of the Social Sciences، فقد شرعت النسويات يستخدمن – بشكل أكثر حَرْفية وجدية – “(النوع)” للإشارة إلى التنظيم الاجتماعي للعلاقة بين الجنسين.
وأما ارتباط المصطلح بالنحو فهو ارتباط صريح يحفل بإمكانات لم تختبر بعد، ويرجع هذا الارتباط الصريح إلى أن الاستخدام النحوي ينطوي على قواعد رسمية تنبع من تخصيص المذكر والمؤنث، غير أنها تحفل بإمكانات غير مختبرة لأن العديد من اللغات الأوربية – الهندية تحتوي على فئة ثالثة لا جنس لها أو محايدة. ففي النحو يُفهم (النوع) بصفته طريقة لتصنيف الظواهر، أو نظام تمييز متفق عليه اجتماعيًا، لا بصفته توصيفًا موضوعيًا لخواص متأصلة. وفضلاً عن ذلك، توحي التصنيفات بوجود علاقة بين الفئات تجعل عمليات التمييز والتقسيم إلى مجموعات منفصلة أمرًا ممكنًا.
يبدو أن “(النوع)” – في أقرب استخداماته عهدًا– قد ظهر أول الأمر في وسط النسويات الأمريكيات اللاتي أردن أن يؤكدن على الطابع الاجتماعي أساسًا لمظاهر التمييز القائمة على جنس المرء. فجاءت الكلمة تحمل ما يفيد رفض الحتمية البيولوجية الكامنة في استخدامات مصطلحات مثل “الجنس” أو “الاختلاف الجنسي“. كما أن “(النوع)” يشدد أيضًا على الجانب العلائقي (relational) في التعريفات المعيارية للأنوثة (femininity)، فالنسويات اللاتي انزعجن مما يحدث في دراسات النساء من تركيز على النساء بصورة محدودة منفصلة، لجان إلى مصطلح “(النوع)” لإدخال مفهوم عن تعالق مصطلحات لغتنا التحليلية بعضها ببعض. وطبقًا لهذه الرؤية، يجري تعريف النساء والرجال كلٌّ في ضوء الآخر، كما لا يمكن أن نفهم أيًا منهما بأن ندرسه منفصلاً تمامًا عن دراسة الآخر. وعلي ذلك اقترحت ناتالي دافيز Natalie Davis في عام 1975 الآتي:
يبدو لي أنه يجب علينا الاهتمام بتاريخ النساء والرجال معًا، وألا نعمل فقط على دراسة الجنس المطوَّع (subjected sex)، مثلما لا يسع مؤرخ الطبقات الاجتماعية أن يكتفي بالتركيز على الفلاحين فقط. إن هدفنا هو فهم دلالات “الجنسين“، دلالات مجموعات (النوع) في الماضي التاريخي. وهدفنا اكتشاف النطاق القائم لأدوار الجنسين (sex roles) والرمزية الجنسوية (sexual symbolism) في مجتمعات وفترات مختلفة، والتوصل إلى معرفة المعاني التي كانت لها، كذلك التوصل إلى كيفية أدائها عملها في الحفاظ على النظام الاجتماعي كما هو أو في التشجيع على تغييره.4
ويمثل (النوع) – بالإضافة إلى ذلك ولعله أهم ما في الأمر – “مصطلحًا تقدمت به النسويات اللاتي زعمن بأن البحث الأكاديمي المتعلق بالنساء سوف يحدث تحولاً أساسيًا في المنظومات الفكرية للتخصصات المعرفية“، إذ أوضحت الباحثات النسويات في وقت مبكر أن دراسة النساء لن تؤدي فقط إلى إضافة مادة جديدة للدراسة، ولكنها سوف تفرض أيضًا إعادة النظر في أسس العمل البحثي القائم وفرضياته ومعاييره من منطلق نقدي جديد. وقد كتبت ثلاثة من المؤرخات النسويات الآتي: نحن بصدد التعلم أن كتابة النساء في التاريخ أمر يقتضى بالضرورة إعادة تعريف – وتوسيع – المفاهيم التقليدية عن الأمور التي تحمل دلالة أو أهمية تاريخية، بحيث تتسع للتجربة الشخصية الذاتية كما تتسع للنشاطات العامة والسياسية. وليست مبالغة أن نشير إلى أنه مهما اتسمت البدايات الحالية بالتردد فإن مثل هذه المنهجية لا تعني ضمنيًا تاريخًا جديدًا للنساء فحسب وإنما تعني أيضًا تاريخًا جديدًا بشكل عام.5
وقد أصبحت قدرة هذا التاريخ الجديد على ضم تجارب النساء وتفسيرها متوقفة على إمكان تطوير “(النوع)” بوصفه مقولة تحليلية، وهنا كانت التشبيهات – مقارنة بالطبقة والعنصر– تتم بصورة صريحة، وبالفعل، كانت المتخصصات في دراسات النساء، من اللاتي يسعين إلى أكبر قدر من التضمين السياسي[ أي يحرصن على استخدام فئات تتسع لأكبر قدر من جماعات النساء على اختلاف هويـاتهن ومواقعهن الاجتماعية (من حيث الطبقة والعنصر والعرقية والميول الجنسية،….. إلخ)، وذلك على سبيل الاستجابة إلى نقد فئات من النساء والنسويات وجدن أنفسهن مهمشات في الخطاب النسوي الغربي التقليدي وفئاته التحليلية والسياسية بما فيها فئة “النساء” التي لا تعبر عنهن ولا عن هوياتهن وقضاياهن.]، يقمن بصورة منتظمة باستحضار الفئات الثلاثة – (النوع) والطبقة (class) والعنصر(race)- على أساس أنها تلعب دورًا حاسمًا في كتابة نوع جديد من التاريخ.6 ويشير مثل هذا الاهتمام بالطبقة والعنصر و(النوع)، أولاً، إلى التزام الباحثة بكتابة تاريخ يشمل قصص المقهورين، فضلاً عن تحليل القهر الواقع عليهم من حيث مدلوله وطبيعته. ويشير، ثانيًا – إلى وجود فهم لوقوع أشكال التفاوت في القوة/ السلطة على امتداد ثلاثة محاور على الأقل.
هذا التكرار في ذكر الطبقة والعنصر و(النوع) معًا يوحي بوجود تعادل قيمي بين الفئات الثلاثة؛ غير أن الحال لم يكن كذلك بالمرة. ففي حين ترتكز “الطبقة” في أغلب الأحيان على نظرية ماركس المفصلة (التي زاد تفصيلها وتطويرها فيما بعد) عن الحتمية الاقتصادية والتغير التاريخي، فإن “العنصر” و“(النوع)” ليس لهما مثل هذه التداعيات. كما أن أولئك الذين يستخدمون المفاهيم المتعلقة بالطبقة لا يجمعهم رأي واحد؛ إذ يستخدم بعض الدارسين مفاهيم مستمدة من نظريات ماكس فيبر، في حين يلجأ غيرهم إلى استخدام الطبقة بوصفها أداة استكشافية مؤقتة (heuristic). ومع ذلك، يبقي الواقع أننا حين نلجأ إلى الطبقة، نمشى إما مع، وإما ضد، مجموعة من التعريفات التي تتضمن– في حالة الماركسية– فكرة السببية الاقتصادية ورؤية عن المسار الذي على امتداده يتقدم التاريخ في حركة جدلية. أما بالنسبة إلى العنصر و(النوع) فلا وجود لوضوح أو تماسك من هذا القبيل، وفي حالة (النوع) فقد انطوت استعمالاته على نطاق من المواقف النظرية وعلى أشكال بسيطة من الإشارة الوصفية إلى العلاقات بين الجنسين.
ومع أن المؤرخات النسويات مدربات مثلهن مثل أغلب المؤرخات (أو المؤرخين) – على الارتياح إلى التوصيف أكثر من التنظير، فإنهن قد سعين – في وتيرة متزايدة– إلى إيجاد صياغات نظرية تصلح للاستخدام؛ لسببين على الأقل: أولاً، انتشار دراسات الحالة (case studies) في تاريخ النساء؛ مما تطلب فيما يبدو إيجاد منظور توليفي يتولى تفسير مظاهر الاتصال والانقطاع فيما بينها وتعليل وجود مظاهر ثابتة من الإجحاف وعدم المساواة، وفي الوقت نفسه تجارب اجتماعية تتميز باختلافها التام. ثانيًا، التفاوت بين المستوى الرفيع للأبحاث الحديثة في تاريخ النساء وبين الواقع الذي يبقيها في وضع هامشي بالنسبة إلى المجال الدراسي ككل (كما يبدو قياسًا علي حجم التواجد في الكتب الدراسية والمناهج المقررة والأبحاث أو الرسائل العلمية)، الأمر الذي يبرز حدود المقاربات الوصفية التي لا تعالج المفاهيم السائدة في أفرع المعرفة، أو على الأقل لا تعالجها بصورة تهز من قوتها إلى حد يحدث تحولاً فيها. كذلك لم يعد كافيًا أن تقوم مؤرخات النساء بإثبات أن النساء لهن تاريخ، أو بإثبات أن النساء شاركن في الانقلابات السياسية الرئيسة في الحضارة الغربية. ففي حالة تاريخ النساء، تمثلت استجابة معظم المؤرخات (أو المؤرخين) من خارج النسوية في إبداء نوع من الاعتراف يليه فصل المعطيات الجديدة أو غض النظر عنها (على أساس أن “النساء كان لهن تاريخ منفصل عن تاريخ الرجال، ومن ثم فلندع النسويات يعتنين بتاريخ النساء، إذ لا حاجة لنا في الالتفات إليه“، أو أن “تاريخ النساء يدور حول شئون الجنس والأسرة ويجب أن يمارس بمعزل عن التاريخ السياسي والاقتصادي“). أما بالنسبة إلى تاريخ مشاركة النساء، فلم يحظ إلا بحد أدنى من إثارة الاهتمام (من قبيل: “إن فهمي للثورة الفرنسية لا تغير منه معرفتي بأن النساء قد شاركن فيها“). وحقيقة الأمر أن التحدي الذي تفرضه ردود فعل من هذا القبيل هو في النهاية تحدٍّ نظري، لأنه يتطلب تحليلاً ليس فقط للعلاقات بين تجارب الذكور وتجارب الإناث في الزمن الماضي ولكن أيضًا للصلة بين التاريخ الماضي والممارسة التاريخية الحالية. كيف يؤدي (النوع) فعله في العلاقات الإنسانية الاجتماعية؟ كيف يقوم (النوع) بإعطاء معنى لتنظيم المعرفة التاريخية وصور إدراكها؟ تعتمد الإجابات على النظرة إلى (النوع) بوصفه مقولة تحليلية.
ظلت محاولات المؤرخات في تنظير (النوع) ضمن الأطر التقليدية للعلوم الاجتماعية على وجه الإجمال، مستخدمة صياغات قديمة العهد تقوم بتوفير تفسيرات سببية كونية (universal)؛ بمعني أنها صالحة لكل مكان وزمان. وهذه النظريات – على أفضل تقدير – تتسم بالمحدودية، لأنها تجنح إلى تعميمات تتسم بالاختزال أو التبسيط الزائد، الأمر الذي يعني إضعاف حس التاريخ – من حيث هو دراسة منهجية متخصصة – بالطابع المعقد للسببية الاجتماعية (social causation)، كما يعني أيضًا التزام النسوية بأنواع من التحليل تؤدي إلى التغيير. ولعل استعراض هذه النظريات يكشف حدودها ويتيح الفرصة لاقتراح مقاربة بديلة.
تقع المقاربات التي تستخدمها معظم المؤرخات (أو المؤرخين)، في فئتين مستقلتين: الأولى وصفية (descriptive) أساسًا، أي أنها تشير إلى وجود ظواهر أو حقائق واقعة، دون أن تشرع في تفسيرها أو شرحها أو وضع مسببات لها. أما طرق الاستعمال الثانية فهي سببية (causal)، أي أنها تقوم بالتنظير لطبيعة الظواهر أو الحقائق، ساعية إلى فهم كيفية اتخاذها الشكل الذي هي عليه وأسباب ذلك.
إن “(النوع)” في أبسط استخداماته الحديثة يُعَدُّ مرادفًا “للنساء“، إذ نجد العدد الأكبر من الكتب والمقالات التي تتخذ تاريخ النساء موضوعًا لها قد قامت في السنوات القليلة الأخيرة باستبدال بكلمة “(النوع)” بكلمة “النساء” في عناوينها. ويحيل هذا الاستعمال في بعض الحالات إلى بعض المفاهيم التحليلية بصورة مبهمة أو عابرة، ولكنه يُعد في الواقع ضربًا من السعي وراء المقبولية أو الوجاهة السياسية (political acceptability) للمجال. وفي هذه الحالات، يُقْصَدُ من استخدام “(النوع)” الدلالة على الجدية العلمية لعمل أو بحث ما، حيث يتمتع “(النوع)” بوقع أكثر حيادية وموضوعية من الوقع الذي للنساء، وهو يجد لنفسه مكانًا داخل مجموع المصطلحات الخاصة بالعلوم الاجتماعية وبالتالي يفصل نفسه عن السياسة النسوية (التي يُفترض أنها حادة النغمة). وفي هذا الاستعمال لا يبدو “(النوع)” حاملاً معه مقولة لازمة عن اللامساواة أو عن علاقات القوة، ولا هو يحدد بالاسم الطرف المهضوم حقه (والخافي عن الأنظار). وفي حين أن مصطلح “تاريخ النساء” يعلن طابعه السياسي عبر تأكيده (على نحو يخالف الممارسة المعتادة) أن النساء يصلحن بوصفهن ذواتًا تاريخية (historical subjects)، فإن مصطلح “(النوع)” يتضمن – على الجانب الآخر – النساء دون أن يقوم بتسميتهن، وبالتالي يبدو وكأنه لا يشكل تهديدًا خطيرًا. ويمثل استخدام “النوع” على هذا النحو وجهًا من أوجه ما يمكن أن يُطلق عليه مسعى التراث البحثي النسوي إلى الشرعية الأكاديمية في الثمانينيات القرن العشرين.
غير أنه ليس إلا وجهًا واحدًا، إذ إن “(النوع) بصفته بديل “النساء” يُستخدم أيضًا للإشارة إلى أن المعلومات عن النساء هي بالضرورة معلومات عن الرجال، ذلك أن دراسة أحدهما تقتضى ضمنًا دراسة الآخر. ويحمل هذا الاستخدام إصرارًا على أن عالم النساء إنما هو جزء من عالم الرجال، تكوَّن داخله وبواسطته، كما يرفض الجدوي التأويلية الموجودة في فكرة حيزين منفصلين، ملحًا على أن القيام بدراسة النساء بشكل منعزل إنما يحافظ على استمرار الفكرة الخيالية عن أن تجربة أحد الجنسين ليس لها علاقة تذكر أو لا علاقة لها على الإطلاق بالجنس الآخر. وفضلاً عن ذلك، يستخدم (النوع) أيضًا للدلالة على العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، وهو استخدام يظهر رفضًا صريحًا للتفسيرات البيولوجية من قبيل تلك التي تجد قاسمًا مشتركًا بين أشكال متنوعة من تبعية الإناث في واقع كون النساء لديهن القدرة على الولادة وكون الرجال لديهم قدرًا أكبر من القوة العضلية. وبدلاً من ذلك، يصبح (النوع) طريقة للدلالة على “الإنشاءات الثقافية” ( “cultural constructions”) – أي السيرورات ذات الطبيعة الاجتماعية تمامًا، في خلق الأفكار والتصورات بشأن الأدوار المناسبة للنساء والرجال. وتلك طريقة للإشارة إلى ما لهويات الرجال والنساء، الذاتية، من طبيعة اجتماعية حصرًا. إن (النوع) في هذا التعريف ليس إلا فئة اجتماعية مفروضة على جسد تَحَدَّدَ له جنس أو جسد مُجَنَّس (sexed body).7 ويبدو (النوع) وقد أصبح كلمة مفيدة بشكل خاص مع انتشار دراسات الجنس والجنسانية، فهو يعطى وسيلة للتفريق بين الممارسات الجنسوية والأدوار الاجتماعية المخصصة للرجال والنساء، ففي حين تقر الباحثات بوجود رابطة ما، بين الجنس وما يطلق عليه علماء اجتماع الأسرة “أدوار الجنسين” (“sexroles”)، لا تفترض تلك الباحثات وجود ارتباط من نوع بسيط أو مباشر بين الاثنين. إن استخدام (النوع) يؤكد على وجود نسق كامل من العلاقات التي قد تشمل الجنس ولكنها ليست محكومة بالجنس بشكل مباشر، ولا هي حاكمةٌ – مباشرةً – للجنسانية.
وقد تم توظيف هذه الاستخدامات الوصفية (للنوع) من قِبل المؤرخات (أو المؤرخين) في وضع معالم حقل معرفي جديد. فمع قيام المؤرخين الاجتماعيين بالالتفات إلى موضوعات جديدة للدراسة، كان (للنوع) صلته وفائدته فيما يخص محاور موضوعات مثل النساء، والأطفال، والأسرة، وأيديولوجيات (النوع). وبعبارة أخرى، يحيل (النوع) في هذا الاستعمال إلى تلك المجالات – البنيوية والأيديولوجية – التي تدخل فيها العلاقات بين الجنسين. ولأن الحروب والشئون الدبلوماسية والسياسية العليا تبدو في الظاهر وكأنها لم يكن لها دخل مباشر بتلك العلاقات، فإن (النوع) يبدو وكأن ليس له فائدة أو تطبيق، وبالتالي يستمر عدم الاهتمام به في تفكير المؤرخين (أو المؤرخات) المعنيين بقضايا السياسة والقوة/ السلطة. وتصبح النتيجة إقرار رؤية معينة من منطلق مبدأ وظيفوي (functionalist) تعطي تفسيرات قائمة على البيولوجيا، مستبقية وجود فكرة الحيزين المنفصلين (الجنس أو السياسة، الأسرة أو الأمة، النساء أو الرجال) في كتابة التاريخ. وبالرغم من أن (النوع) في هذا الاستخدام يؤكد أن العلاقات بين الجنسين اجتماعية إلا أنه لا يدلي بشيء عن سبب إنشائها بالشكل الذي هي عليه أو عن كيفية عملها أو كيفية تغيرها. يصبح (النوع) في استخدامه الوصفي إذن بمثابة مفهوم مرتبط بدراسة أشياء تتعلق بالنساء، وقد يُعَدُّ (النوع) محورًا موضوعيًا جديدًا، وشُعبة جديدة من شعب الاستقصاء التاريخي، لكنه يظل بلا قوة تحليلية تقدر على معالجة (وتغيير) المنظومات الفكرية التاريخية القائمة.
وبطبيعة الحال، كانت بعض المؤرخات على وعي بهذه المشكلة، ومن هنا جاءت جهودهن في تشغيل نظريات قد تشرح مفهوم (النوع) وتعلل التغيرات التاريخية. وأصبح التحدي يتمثل في توفيق الصعيد النظري الذي كان مصوغًا في لغة عامة أو كونية، مع صعيد التاريخ الذي كان ملتزمًا بدراسة الخصوصية السياقية والتغيرات الجوهرية. فكانت النتيجة توليفة من مصادر شتى، على نحو كالآتي: أمثلة اقتراض جزئي تبطل القوة التحليلية التي تميز نظرية أو أخري؛ أو – فيما هو أسوأ – تستخدم مبادئها دون الوعي بدلالاتها؛ أو مسارد تناقش التغيرات ولكنها بسبب كونها مبطَّنة بنظريات كونية، تتمسك بخيوط موضوعات لا تتغير؛ أو دراسات تتميز بخيال إبداعي رائع إلا أن جانبها النظري يظل مستترًا مما يجعلها غير صالحة بوصفها نماذج يُقتدى بها في أمثلة بحثية أخرى. ولأن النظريات التي ارتكنت إليها المؤرخات (أو المؤرخون) كثيرًا ما بقيت بلا إيضاح صريح لدلالاتها الضمنية، يبدو من المجدي تخصيص بعض الوقت لهذه المهمة، إذ من خلال مثل هذا التدريب وحده يصبح بوسعنا تقييم فائدة هذه النظريات والشروع في بلوَرة مقاربة نظرية أكثر قوة.
قامت المؤرخات النسويات باستخدام مجموعة متنوعة من المقاربات في دراسة (النوع)؛ بيد أن هذه المقاربات لا تعدو سوى اختيار من بين ثلاثة مواقف نظرية.8 الموقف الأول، وهو مسعى نسوي تمامًا، يحاول تفسير أصول السلطة البطريركية. والموقف الثاني يحدد موقعه في سياق أحد مذاهب الماركسية، ساعيًا إلى موائمة الانتقادات النسوية. أما الموقف الثالث، الموزع في الأساس بين نظريات ما بعد البنيوية الفرنسية (post-structuralist) ونظريات مدرسة العلاقات بالأشياء (object-relations) الأنجلوأمريكية، فهو يستند إلى مدارس مختلفة من التحليل النفسي في تفسير إنتاج وإعادة إنتاج الهوية (المنوّعة) للذات (the subject’s gendered identity).
لقد اتجهت المشتغلات (أو المشتغلون) بنظرية السلطة البطريركية باهتمامهن إلى تبعية النساء، ووجدن لها تفسيرًا في “حاجة” الذكر إلى التسيد على الأنثى. إذ تُعرف ماري أوبريان Marie O’Brien في تكييفها البارع لنظريات هيجل السيادة الذكورية بأنها نابعة من تأثير رغبة الرجال في تجاوز اغترابهم عن وسائل إعادة إنتاج الجنس البشري. فيقوم مبدأ تواصل الأجيال (generational continuity) بتجديد أولوية الأبوة (primacy of paternity) والتعتيم على الجهد الحقيقي والواقع الاجتماعي المتعلق بعمل النساء في ولادة الأطفال. وهنا، يتمثل مصدر تحرر النساء في “الفهم السليم لعملية الإنجاب/ إعادة الإنتاج (reproduction)[كلمة reproduction في اللغة الانجليزية تستخدم للدلالـة علـى إنجـاب الأطفال على عملية إعادة الإنتاج.]، وفي “التنبه إلى التناقض بين طبيعة عمل النساء الإنجابي والعمليات الإيديولوجية (الذكورية) التي تعتم عليه.9 أما بالنسبة إلى شولاميت فايرستون Shulamith Firestone فإن الإنجاب يعد “المصيدة المُرَّة” المنصوبة للنساء، غير أنها توضح في تحليلاتها التي تنزع نحو المادية نزوعًا أكبر أن التحرر سوف يأتي مع التحولات في تكنولوجيا الإنجاب التي قد تقضي في مستقبل ليس بالبعيد تمامًا على الحاجة إلى أجساد النساء بصفتها موكلة بإعادة إنتاج الجنس البشري.10
إنْ كان الإنجاب قد مثَّل مفتاح السلطة البطريركية بالنسبة إلى البعض، فإن البعض الآخر وجد الإجابة متمثلة في الجنسانية نفسها، كما توضح كاثرين ماكينون Catherine McKinnon في الصياغات الجريئة التي ابتكرتها، والتي أصبحت في الوقت نفسه صياغات مميزة لمنحى معين من المقاربات: “الجنسانية بالنسبة إلى النسوية تعادل العمل بالنسبة إلى الماركسية، أي أكثر شيء يملكه المرء فيما هو الشيء الذي ينتزع منه على الأكثر“، و “التشيئ الجنسي (sexual objectification) هو العملية الرئيسة في إخضاع النساء، فهي تربط الفعل بالكلمة، الإنشاء بالتعبير، الإدراك الحسي بالتطبيق، الخرافة بالواقع. رجل يضاجع امرأة، فاعل يفعل في مفعول به/ شيء[كلمة object في اللغة الإنجليزية لها معنى “شيء” كما تعني أيضًا “المفعول به“.] (Subject verb object)”.11 واستمرارًا للتماثلات الماركسية، تقترح كاثرين ماكينون استخدام رفع الوعي في مكان المادية الجدلية بوصفه منهجًا للتحليل في حالة النسوية. فهي تزعم أن النساء يمكنهن عبر التعبير عن تجربة التشيؤ المشتركة أن يتوصلن إلى فهم هويتهن المشتركة، وبالتالي يتحركن إلى الفعل السياسي. وبالرغم من أن العلاقات الجنسوية في تحليل ماكينون تعرّف بأنها اجتماعية في طبيعتها، فليس هناك فيما عدا اللامساواة المتأصلة في طبيعة العلاقة الجنسوية نفسها ما يفسر سبب سير عمل نسق القوة/ السلطة بالشكل الذي يسير عليه، فيبدو الأمر وكأن في منبع العلاقات غير المتساوية بين الجنسين ليس سوى العلاقات غير المتساوية بين الجنسين. ورغم إشارتها إلى أن اللامساواة – التي تجد الجنسانية تفسيرًا لها – تتجسد في “نسق كامل من العلاقات الاجتماعية“، تبقى مسألة في كيفية عمل هذا النسق مسألة بلا تفسير.12
لقد تناولت المشتغلات بنظرية السلطة البطريركية مسألة عدم المساواة بين الذكور والإناث على أصعدة لها أهمية، بيد أن نظرياتهن تفرض عدة مشاكل بالنسبة إلى المؤرخات (أو المؤرخين). أولاً، بينما تقدم هذه النظريات تحليلاً من داخل نسق (النوع) في حد ذاته، تقدم أيضًا أهمية هذا النسق على غيره في كافة أشكال التنظيم الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، لا توضح نظريات السلطة البطريركية علاقة اللامساواة القائمة على أساس (النوع) بغيرها من مظاهر اللامساواة. ثانيًا، سواء كان التسيد الذكوري يظهر في شكل استيلاء الذكور على عمل المرأة في الإنجاب، أو في شكل التشييء الجنسي للنساء على يد الرجال، يرتكز التحليل في الحالتين إلى
الاختلاف الجسدي، وأي اختلاف جسدي يتخذ بالضرورة بعدًا عموميًا/ كونيًا لا يتغير، حتى وإن كانت نصيرات نظريات البطريركية يأخذن في الحسبان وجود أشكال وأنساق متغيرة من اللامساواة على أساس (النوع).13 إن نظرية قائمة على متغير واحد – هو الاختلاف الجسدي – تمثل مشكلة بالنسبة إلى المؤرخات (أو المؤرخين)، إذ تفترض وجود معنى لجسد الإنسان، معنى ثابت على مبدأ واحد أو معنى متأصل فطريًا – أي خارج الإنشاء الاجتماعي أو الثقافي، وبالتالي تفترض لا تاريخية (النوع) نفسه، فيصبح التاريخ مجرد ظاهرة جانبية، ومصدرًا لتنويعات لا تنتهي على لحن موضوع لا يتغير، ألا وهو اللامساواة – الثابتة – على أساس (النوع).
تستخدم النسويات الماركسيات مقاربة لها بعد تاريخي إلى حد أكبر، وذلك بصفتهن يسرن من الأساس على هدي نظرية عن التاريخ. ولكن أيًّا كانت صور تنويع هذه النظرية وتكييفها، فإن الشرط الذي فرضنه على أنفسهن من ضرورة إيجاد تفسير “مادي” (للنوع)، قد أفضى إلى الحد من قدرتهن على استحداث خطوط تحليلية جديدة أو على الأقل إبطاء تطويرها. وسواء حدث تفضيل الحل الذي يطلق عليه أنساق ثنائية dual-systems (وهو حل ينطلق من فكرة المجالين – الرأسمالية والبطريركية – المنفصلين عن بعضهما والمتفاعلين معًا في آنٍ) أو تحليل أكثر رسوخًا في النقاشات الماركسية التقليدية بشأن أساليب الإنتاج، فإن التفسيرات الخاصة بالجذور التي تنبع منها أنساق (النوع)، والخاصة بالتغيرات في هذه الأنساق، تقع في الحالتين خارج تقسيم أدوار الجنسين؛ فتصبح في النهاية الأسرة (family) والمنزل العائلي (household) والجنسانية جميعها من نتاج أساليب الإنتاج المتغيرة. وهذا هو ما استخلصه إنجلز من استكشافاته في أصل العائلة. 14 وهذا هو أيضًا ما يقوم عليه في النهاية تحليل الباحثة الاقتصادية هايدي هارتمان Heidi Hartmann، فهي تؤكد أهمية أن نأخذ في الحسبان السلطة البطريركية والرأسمالية بوصفهما نسقين منفصلين ومتفاعلين معًا في آنٍ واحد، ومع ذلك يتكشف منطقها عن صدارة وأولوية تأخذها السببية الاقتصادية، بينما تتطور السلطة البطريركية وتتغير طبقًا لمعطيات علاقات الإنتاج.15
وقد دارت النقاشات الأولى بين النسويات الماركسيات في دائرة مجموعة واحدة من المشكلات من قبيل: رفض منطق الجوهرائية أو الماهيانية (essentialism) لدى من يجادلن بأن “مقتضيات إعادة الإنتاج البيولوجي/ الإنجاب“، هي التي تحكم التقسيم الجنسوي للعمل في ظل الرأسمالية؛ عدم جدوى حشر أسالب إعادة الإنتاج/ الإنجاب في نقاشات أساليب الإنتاج (إذ تبقى الأولى فئة معارضة (oppositional) لا يصح أن تتخذ وضعًا متساويًا مع أساليب الإنتاج)؛ الإقرار بأن الأنظمة الاقتصادية لا تتحكم أو تفصل مباشرة في علاقات (النوع)، بل إن تبعية وضع النساء مسألة تعود في حقيقة الأمر إلى ما قبل نشأة الرأسمالية وتستمر في ظل الاشتراكية؛ القيام مع ذلك بالبحث عن تفسير مادي يستبعد الاختلافات الجسدية الطبيعية.16 ثمة محاولة جادة للخروج من هذه الدائرة صدرت من جون كيلي Joan Kelly في مقالتها “الرؤية المضاعَفة للنظرية النسوي“The Doubled Vision of Feminist Theory” حيث تقول إن نسقي الاقتصاد و(النوع) يتفاعلان فيما بينهما فيؤديان إلى إنتاج خبرات اجتماعية وتاريخية، وليس لأي منهما دور سببي “وإنما يعملان متزامنين على إعادة إنتاج البنى الاقتصادية – الاجتماعية التي يهيمن عليها الذكور، في نظام اجتماعي معين“. إن إشارة كيلي إلى الوجود المستقل الذي تحظى به أنساق (النوع) قد شكلت فاتحة فاصلة على صعيد المفاهيم، ولكنها بفعل التزامها بالبقاء داخل إطار ماركسي آلت إلى إبراز الدور السببي للعوامل الاقتصادية في تشكيل مصير نسق (النوع): “تعمل العلاقة بين الجنسين وفقا لأبنية اقتصادية – اجتماعية ومن خلالها، وكذلك أبنية خاصة بالجنس/ (النوع)”.17 لقد أدخلت جون كيلي فكرة “واقع اجتماعي مبني على جنس الأفراد“، ولكنها اتجهت – بالأحرى – إلى تأكيد الطبيعة الاجتماعية، لا الجنسوية، لهذا الواقع، كما أن مفهوم “الاجتماعي” – كما تستخدمه – يظهر في أغلب الأحيان مؤولاً إلى علاقات الإنتاج الاقتصادية.
بعد مجلد مقالات قوى الرغبة Powers of Desire الذي نشر عام ١٩٨٣ العمل الأبعد أثرًا من بين محاولات النسويات الأمريكيات الماركسيات الساعية إلى استكشاف الجنسانية.18 وثمة العديد من العوامل، منها: الاهتمام المتصاعد لدى الناشطات السياسيات والدارسات المتخصصات في قضايا الجنسانية، ودور الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكوه في تأكيد أن الجنسانية لها سياقات تاريخية تحيط بعملية إنتاجها، فضلاً عن تكوُّن الإيمان بحاجة “الثورة الجنسوية” القائمة إلى تحليل جاد، جعلت هذه العوامل مجموعة مؤلفات هذا العمل يتخذن من قضايا السياسة الجنسوية (“sexual politics”)[“السياسة الجنسوية” مفهوم استحدثته كيت ميليت Kate Millet وكـان لـه تـأثير كبيـر علـى الصعيدين النظري والسياسي في إطـار حركـة المـد النسـوي الثـاني إبـان السبعينيات. ويشير المفهوم إلى أن العلاقات بين الجنسين لها جانب سياسـي يجـري إغفالـه وتجاهلـه، ويتبنى تعريفًا “للسياسـة” يلتفـت إلـى الأبنيـة والمؤسسـات والعلاقـات السياسية غيـر الرسمية فيشمل أية علاقات قوة في أي ترتيب اجتماعي تتسيد فيـه جماعـة علـى جماعـة أخرى.] محورًا لأبحاثهن وتحرياتهن، ومن ثم اعتنين بإثارة مسألة السببية وتقديم حلول متنوعة لها. وحقيقة الأمر أن ما يجعل هذا الكتاب مثيرًا للاهتمام هو خلو تحليلاته من إجماع الرأي، أي تميزه بنوع من الشد مستشعر في أوتار التحليل. فإن كان ثمة مؤلفات يملن إلى تأكيد سببية سياقات اجتماعية (كثيرًا ما يقصد بها سياقات “اقتصادية“) فهن مع ذلك يدرجن إيماءات إلى أهمية دراسة البعد النفسي والوجداني في تشكيل هوية (النوع)، وإذا كانت “أيديولوجية (النوع)” يشار إليها أحيانًا بصفتها “تعكس” البنى الاقتصادية والاجتماعية، فثمة أيضًا إقرار حاسم الأهمية بالحاجة إلى فهم “الصلة المعقدة بين المجتمع والبنية النفسية العصية على التبدل“.19 وفي حين تصادق المحررات على النقطة التي تثيرها جيسيكا بنیامین Jessica Benjamin عن ضرورة الاهتمام السياسي “بمكونات الحياة الإنسانية المتعلقة بالإثارة الحسية والخيال“، فإننا – على الجانب المقابل – لا نجد – فيما عدا مقالة جيسيكا بنيامين – أية مقالات أخرى تتعامل بشكل كامل وجاد مع القضايا النظرية التي تثيرها المؤلفة.20 وبدلاً من ذلك، ثمة افتراض ضمني يسري في الكتاب من أوله إلى آخره، مفاده إمكان توسيع الماركسية بحيث تتضمن نقاشات عن الأيديولوجية والثقافة وعلم النفس، وسوف يتحقق هذا التوسيع بفحص الأدلة فحصًا واقعيًا وملموسًا على نحو ما تتكفل به أغلب تلك المقالات. وتكمن الميزة في مثل هذه المقاربة في تلافيها الخلاف الحاد في المواقف النظرية، بينما يكمن عيبها في عدم مساسها بالنظرية المتكاملة التي تفسر كل شيء بدءًا من العلاقات بين الجنسين وانتهاءً بعلاقات الإنتاج.
وانطلاقًا من المقارنة بين مساعي النسويات الماركسيات الأمريكيات – وهي مساعٍ استكشافية ومتسعة النطاق نسبيًا– وبين مساعي نظيراتهن من البريطانيات اللاتي لهن صلة أوثق بسياسة تقليد ماركسي قوي قابل للتطبيق أو النجاح، يتكشف لنا أن قدر الصعوبة في التغلب على قيود التفسيرات الحتمية المحضة كان أعلى لدى البريطانيات.[ مذهب الحتمية أو الحتمانية (determinism) يتبـع نظريـة فلسـفيـة عـن تطـور الأحـداث والأمور على نحو يخضع لتسلسـل منطقـي سـببي، محــدد سـلفًا أو خـارج عـن إرادة الإنسان، أو لا سبيل للفكاك منه – وهو المغـزى المقصـود غالبًـا فـي هـذا النـوع مـن النقاشات.] ويمكننا رؤية احتدام تلك الصعوبة في المناظرات على صفحات مجلة اليسار الجديد The New Left Review، بین میشیل باریت Michele Barrett وناقدات لها يتهمنها بالتخلي عن التحليل المادي للتقسيم الجنسوي للعمل في ظل الرأسمالية.21 كما يمكننا رؤيتها أيضًا في استبدال ما كان قد بدأ بوصفه محاولة نسوية للتوفيق بين نظريات التحليل النفسي من جهة والماركسية من جهة أخرى، بلجوء بعض الباحثات إلى اختيار أحد هذين الموقفين النظريين، وقد كُنَّ أوان في سابق يؤكدن أن التوصل إلى نوع من الالتحام بين الموقفين أمر ممكن.22 أم عن الصعوبة التي تواجه النسويات البريطانيات وكذلك الأمريكيات اللاتي يعملن في إطار الماركسية، فتظهر واضحة في الأعمال التي قد أشرت إليها هنا، والمشكلة التي يواجهنها على النقيض من تلك التي تطرحها نظريات السلطة البطريركية، إذ ظل مفهوم (النوع) في سياق الماركسية يعامل – لوقت طويل– بوصفه ناتجًا ثانويًا من نواتج البنى الاقتصادية المتغيرة؛ مما يعني أن (النوع) لم يحظ بوضع تحليلي قائم بذاته.
ولكي نستعرض نظرية التحليل النفسي لا بد من تحديد أسماء مدارسها المختلفة، فقد كان ثمة اتجاه إلى تصنيف مختلف المقاربات تبعًا لأوطان المؤسسين لها ومعظم العاملين على هديها. إذ توجد المدرسة الأنجلو– أمريكية التي تعمل في إطار نظريات العلاقات بالأشياء، أما في الولايات المتحدة فتعد نانسي تشودورو Nancy Chodorow الاسم الذي يتبادر إلى الذهن فيما يخص هذه المقاربة. وبالإضافة إليها، كان لأعمال كارول جيليجان Carol Gilligan تأثير واسع المدى في الدراسات الأمريكية المتخصصة، بما فيها دراسات التاريخ. وتستند أعمال كارول جيليجان إلى أعمال نانسي تشودورو، وإن كانت الأولى لا تهتم بمسألة إنشاء الذات قدر اهتمامها بالتطور والسلوك الأخلاقي. وعلى العكس من المدرسة الأنجلو – أمريكية، تقوم المدرسة الفرنسية على قراءات لغوية لنظريات فرويد من منظور مدارس البنيوية وما بعد البنيوية (ويعد جاك لاكان Jacques Lacan الشخصية المحورية بالنسبة إلى النسويات في هذا الصدد).
كلتاهما – البنيوية وما بعد البنيوية – تهتمان بالعمليات التي تتكون هوية الذات عبرها، وكلتاهما تركزان على المراحل الأولي من تطور الطفل بحثًا عن مفاتيح فهم كيفية تكوين هوية (النوع) وتشكيلها. إذ تقوم نظرية العلاقات بالأشياء بالتشديد على تأثير التجربة الفعلية (الطفل يرى ويسمع ويكون علاقة بأولئك الذين يعتنون به وخصوصًا والديه بالطبع)، بينما يؤكد أتباع ما بعد البنيوية دور اللغة المركزي في توصيل (النوع) وتفسيره وتمثيله. (ولا يقصد اتباع ما بعد البنيوية بـ “اللغة” الكلمات وإنما أنساق من المعنى – نظم رمزية – تأتى سابقة على التمكن من الكلام والقراءة والكتابة). ويمثل اللاوعي مجالاً آخر للاختلاف بين هاتين المدرستين الفكريتين، وإذ تعده نانسي تشودورو أمرًا يخضع في النهاية لفهم العقل الواعي، لا يراه لاكان كذلك. العقل اللاواعي بالنسبة إلى اتباع لاكان عامل حرج في إنشاء الذات، وهو فضلاً عن ذلك موضع التقسيم الجنسوي، ولهذا السبب بعد مركز تقلب متواصل في حالة الذات (المنوَّعة).
وقد انجذبت، في السنوات الأخيرة، المؤرخات النسويات إلى هذه النظريات، إما لأنها تفيد في تأييد نتائج بحثية خاصة عبر تعليقات عامة، أو لأنها تبدو وكأنها تقدم صياغات نظرية مهمة عن (النوع). فتقوم المؤرخات اللاتي يستخدمن في عملهن مفهوم “ثقافة النساء” (“women’s culture”) [ ثقافة النساء أو الثقافة النسائية عبارة عن مصطلح “سُك” فـي إطـار الحركة النسائية في السبعينيات ليعبر عن اعتداد النسـاء بكيـانهن بوصـفهن نسـاء فـي مواجهـة أيديولوجيـة سائدة تحقّر من شأن النساء أو تـبخس مـن قيمتهن، وقـد أبـرز هذا المصطلح أدوار النساء في الأمومة والرعاية وجوانب الفاعلية والاستقلالية التـي لهـن علـى الـرغم مـن قيود التبعية. إلا أن انتقادات هذا المذهب التـي شـرعت تظهـر فـي الثمانينيات، رأت أن هذا التشديد على ثقافة نسائية يؤدي إلى تجاهل بني القوة والسلطة والتفـاوت التـي تشـكل حياة النساء، كما رأت أن الاحتفاء بمبدأ الاختلاف قـد يفهـم منـه قبـول وضـع النساء الثانوي]. بالاستشهاد – على نحو متزايد – بأعمال نانسي تشودورو أو كارول جيليجان، على سبيل إثبات صحة تأويلاتهن وتفسيرها في آنٍ واحد. أما المؤرخات اللاتي يجدن مشقة في التعامل مع النظرية النسوية، فيلجأن إلى لاكان، ومن وجهة نظري، لا تصلح هذه النظريات جميعًا لأن تستعين بها المؤرخات (أو المؤرخون)، ولعل نظرة مدقة في كل منها كفيلة بإيضاح الأسباب.
يتعلق تحفظي بشأن نظرية العلاقات بالأشياء بنزعتها الحرفية وتعويلها على بني التفاعلات الصغيرة نسبيًا في تفسير إنتاج هوية (النوع) وتوليد التغيير. فنجد التقسيم الأسري للعمل والتخصيص الجاري فعليًا لمهام الأم ومهام الأب، يلعبان دورًا حاسمًا في سياق نظرية نانسي تشودورو. والأنساق الغربية الغالبة ينتج عنها تقسيم واضح بين الذكر والأنثى، بحيث يصبح “حس الأنثى الأساسي بالنفس متصلاً بالعالم، بينما ينفصل حس الذكر“.23 طبقًا لنانسي تشودورو، لو كان الآباء أكثر انخراطًا في تربية أطفالهم وأكثر تواجدًا في سياقات المنزل والأسرة، لكانت دراما أوديب ربما قد انتهت على نحو آخر. ٢٤
إن هذا التأويل يحصر مفهوم (النوع) في الأسرة وخبرة الحياة العائلية، ولا يدع سبيلاً للمؤرخة (أو المؤرخ) كي يربط المفهوم (أو يربط الفرد) بأنساق اجتماعية أخرى تخص الاقتصاد أو السياسة أو القوة/ السلطة. ومن المفهوم ضمنًا – بالطبع– أن الترتيبات الاجتماعية التي تلزم الآباء بالعمل والأمهات بتأدية معظم مهام تربية الأطفال تتولى تشكيل طريقة تنظيم الأسرة. أما من أين جاءت هذه الترتيبات، ولماذا يتم التعبير عنها في هيئة تقسيم للعمل على أساس الجنس، فهذه تبقى أمورًا غير واضحة، مثلما تبقى أيضًا مسألة اللامساواة (inequality) – بدلاً من مجرد عدم التناظر (asymmetry) – مسألة لا يتم تناولها. ثم كيف نعلل من خلال هذه النظرية الاقتران المستمر بين الذكورة والقوة، وإعطاء الرجولة قيمة أعلى من قيمة “الأنوثة“/ المرأة (womanhood)،[انظري المقدمة حيث تناقش المترجمة مشكلة ترجمة كلمة “womanhood”.] وأن الأطفال يتعلمون هذه التداعيات والتقويمات حتى لو كانوا لا يعيشون في سياق أسرة نووية أو كانوا يعيشون في منزل يتقاسم فيه الزوج والزوجة وظيفة الوالدين بالتساوي؟ وأعتقد أنه بدون قدر من الالتفات إلى الأنساق الدالة (signifying systems)، أي الطرق التي تقوم المجتمعات عبرها بتمثيل (النوع) وخلق التصورات عنه، لن يكون بوسعنا استخدام هذه النظرية لبيان قواعد العلاقات الاجتماعية وتفصيلها، أو لإنشاء معنى التجربة، إذ بدون المعنى لا توجد التجربة، وبدون العمليات الدالة لا وجود لمعنى.
تعد اللغة مركز النظرية اللاكانية، فهي الأداة التي يستهل بها الطفل دخوله إلى النظام الرمزي، ومن خلال اللغة يتم إنشاء هوية (النوع). طبقًا للاكان، يغدو العضو الجنسي للذكر، أي القضيب (the phallus) دالاً رئيسًا على الاختلاف الجنسي، بيد أن معنى القضيب تجب قراءته بصورة مجازية. بالنسبة إلى الطفل، تضع دراما أوديب شروط التفاعل الثقافي، ما دام خطر الخصاء يجسد قوة قانون الأب وقواعده (the Father’s law). وتعتمد علاقة الطفل بهذا القانون على الاختلاف الجنسي، وعلى قيام الطفل بتمثل هوية الذكورة أو الأنوثة، مستخدمًا الخيال أو الخرافة. وبكلمات أخرى، يتم فرض قواعد التفاعل الاجتماعي – من حيث المبدأ وعلى وجه التخصيص – وفقًا لـ(النوع)؛ نظرًا لأن علاقة الأنثى بالقضيب الرمزي مختلفة بالضرورة عن علاقة الذكر به. بيد أنه بينما تبدو عملية التماهي مع (النوع) (gender identification) وكأنها تتسم بالاتساق المنطقي وبالثبات، فإنها تتميز في الواقع بقدر كبير من عدم الاستقرار؛ نظرًا لأن الهويات الذاتية بوصفها أنساقًا من المعني – عبارة عن عمليات تمييز (differentiation) وتفريق (distinction)، تتطلب قمع مظاهر تعدد المعنى أو التباسه وكذلك عناصر التضاد؛ من أجل تأمين (على سبيل الوهم) وجود الاتساق المنطقي والفهم المشترك. ويرتكز مبدأ الذكورة بصفة ضرورية على كبت جوانب الأنوثة – أو استعداد الذات لازدواجية الجنسانية (bisexuality) ويقوم بإدخال مبدأ الصراع في المقابلة بين المذكر والمؤنث. إن الرغبات المكبوتة حاضرة في اللاوعي، وهي مصدر تهديد مستمر لاستقرار التماهي مع (نوع ما)، مما يمنع إمكان وحدة هذه الهوية ويفسد حاجتها إلى الأمان. وفضلاً عن ذلك، ليست التصورات الواعية عن الذكورة والأنوثة ثابتة؛ إذ تتنوع تبعًا للسياق الذي تستخدم فيه، وبالتالي يوجد دومًا صراع بين حاجة الذات إلى مظهر من الوحدة والتمام (wholeness) وبين عدم دقة المصطلحات ونسبية معناها وقيامها على الكبت.25 ويجعل هذا النوع من التأويل فئتي “رجل” و“امرأة” مسالة إشكالية من حيث إنه يشير إلى أن الذكورة والأنوثة ليست بالخواص المتأصلة طبيعيًا وإنما هي عبارة عن منشآت (constructs) ذاتية أو خيالية. كما يوحى هذا التأويل أيضًا بأن الذات رهن عملية إنشاء مستمرة، ويهيئ طريقة منهجية في تفسير الرغبة الواعية والرغبة اللاواعية عبر إشارته إلى اللغة بصفتها الموضع لإجراء التحليل. من هذه الناحية أجد هذا التأويل مفيدًا.
ومع ذلك، يظل يؤرقني هذا الاهتمام المنحصر كله في قضايا الذات الفردية والميل إلى تجسيد المعاداة بين الذكور والإناث، التي تنشأ أصلاً على صعيد الذاتية، بوصفها أهم ما يخص (النوع) من حقائق. وإلى ذلك، فعلى الرغم من أن ثمة انفتاحًا في المفهوم الذي يصور الكيفية التي يتم بها إنشاء “الذات“، تنزع النظرية إلى إخضاع فئتي الذكر والأنثى والعلاقة بينهما للتعميم الكوني، فتصبح النتيجة بالنسبة إلى المؤرخين قراءة مختزلة للأدلة والشواهد المستقاة من الماضي. وفي حين أن هذه النظرية تأخذ في حسبانها العلاقات الاجتماعية حين تربط عقدة الخوف من الخصاء بفكرة التحريم والقانون، فإنها مع ذلك لا تسمح بإدخال فكرة الخصوصية التاريخية والتنوع التاريخي. إذ ما من دال (signifier) سوى القضيب وحده، فتصبح – في النهاية– عملية إنشاء الذات (المنوَّعة) عملية يمكن قراءتها مسبقًا بسبب كونها عملية واحدة لا تتغير. فإن كان يجب – كما تقترح المنظِّرة تريزا دي لورتس Teresa de Lauretis المتخصصة في دراسات السينما – أن نفكر في عملية إنشاء الذاتية بوصفها تحدث في سياقات اجتماعية وتاريخية فما من وسيلة لتحديد تلك السياقات في إطار معطيات نظرية لاكان. بل وإنه في إطار محاولة تريزا دي لورتس أيضًا، يبقى الواقع الاجتماعي (أي العلاقات “المادية والاقتصادية والعلاقات بين الأشخاص وبعضهم البعض، التي هي في الواقع علاقات اجتماعية، والتي تعد أيضًا تاريخية من منظور أوسع“)، يبقى هذا الواقع كما لو أنه يقع خارج الذات، بمعزل عنها؛26 فنظل نفتقد طريقة لتصور “الواقع الاجتماعي” بمعطيات (النوع).
إن مشكلة المعاداة بين الجنسين في إطار هذه النظرية لها جانبان: أولاً، تنقل صورة عن وجود خاصَّة أبدية لا زمن لها، حتى حين نحسن تأريخها كما فعلت سالي ألكسندر Sally Alexander، التي أدت بها قراءتها للاكان إلى استنتاج أن “المعاداة بين الجنسين أمر لا مفر منه في عملية اكتساب هوية جنسية. إنْ كانت هذه المعاداة كامنة الوجود دائمًا، فمن الجائز أن التاريخ لا يقدم حلاً نهائيًا وإنما فقط عملية مستمرة من إعادة تشكيل وتنظيم أشكال ترميز الاختلاف، وتقسيم العمل وفقًا للجنس“.27 لعل نزعتي الطوباوية هي التي تجعلني أتوقف مترددة أمام هذه الصياغة، أو قد يكون السبب هو أنني لم أتخلص بعد من الأساس المعرفي (episteme) لما يطلق عليه فوكوه العصر الكلاسيكي. أيًّا كان التفسير، تسهم صياغة سالي ألكسندر في تثبيت مقابلة النقيضين أو التعارض الثنائي (binary opposition)[مصطلح يشير إلى تصوير العلاقة بين شيئين أو مفهومين على أنهـا علاقـة تضـاد بـين طرفين، أو بين شيء ونقيضه، يحتل فيها طرف منهما مرتبـة أعلـى مـن مرتبـة الطـرف المقابل (الحضور والغياب، النور والظـلام، العقـل والعاطفـة). وهـو مصـطلح يستخدم في إطار النظريـة النقديـة ومدرسـة البنيويـة ومـا بعـد البنيويـة ودراسـات مـا بعـد الاستعمار، ثم دخل في مفردات المـدارس النسـوية للإحالـة إلـى تصـوير العلاقـة بـين الذكر والأنثى في الفكر الغربي السائد.] بين الذكر والأنثى، بوصفه العلاقة الوحيدة الممكنة بينهما، وبوصفه جانبًا أبديًا من حالة الإنسان، إذ يكرس هذا التعارض وجود ما تشير إليه دنيز رايلي Riley Denise بأنه “السمة البغيضة من الثبات في القطبية الجنسوية“، بدلاً من أن تجعلها محل سؤال. فتقول دنيز رايلي: “إن الطبيعة المنشأة تاريخيًا للتعارض الثنائي [بين الذكر والأنثى] لها مفعولات، منها على وجه التحديد هذا الإيحاء بوجود تضاد ثنائي – الرجال/ النساء – يتسم بالرتابة وعدم التنوع“.28
ذلك التعارض الثنائي بكل ملله ورتابته، هو على وجه التحديد الشيء الذي روجت له (لو عدنا إلى الجانب الأنجلو– أمريكي) أعمال كارول جيليجان، إذ تفسر کارول جيليجان إتباع الأولاد والبنات مسارين مفترقين من التطور الأخلاقي/ المعنوي بوصفه أمرًا ينتج عن اختلافات في “التجربة” (الواقع المعيش). وليس من المستغرب أن المؤرخات للنساء قد التقطن أفكارها واستخدمنها في تفسير “الأصوات المختلفة” التي أمكنهن سماعها من خلال عملهن، وتُعد المشكلات الناجمة عن مثل هذه الاقتباسات متعددة وإن كان يجمع بينها ترابط منطقي.29 المشكلة الأولي تتمثل في نوع من الانزلاق يحدث كثيرًا أثناء الإسناد السببي، فتنتقل الحجة من مقولة مثل: “إن تجربة النساء تفضي بهن إلى اختيارات أخلاقية تتوقف على السياقات والعلاقات” إلى مقولة كالآتية: “إن النساء يفكرن ويخترن على هذا النحو لأنهن نساء“. وينطوي هذا الخط من التفكير على تصور عن “المرأة” له سمة لاتاريخية، إن لم تكن جوهرانية محضة. وقد قامت كارول جيليجان وأخريات باستخدام وصفها المبني على عينة صغيرة من تلاميذ المدارس الأمريكية في أواخر القرن العشرين، بوصفه تقديرًا استقرائيًا صنعت منه مقولة عن النساء جميعًا. ويبدو هذا التقدير الاستقرائي واضحًا بصفة خاصة، وإنْ لم تكن حصرية، في نقاشات بعض المؤرخات “لثقافة النساء” (“women’s culture”) التي تستعين بأدلة من حياة القديسات من عصور قديمة حتى الناشطات العصريات في حقوق العمال، وتقلص تلك الأدلة إلى مجرد إثبات لفرضية جيليجان عن نزعة كونية لدى الأنثى نحو إيثار التعلق أو التواجد في علاقة (relatedness). 30 ويبرز هذا الاستخدام لأفكار جيليجان تباين واضح مع التصورات الأكثر تعقيدًا وتأريخًا “لثقافة النساء“، على نحو ما يتضح في الحلقة الدراسية لدورية دراسات نسوية (Feminist Srudies) عام في 1980. 31 وحقيقة الأمر أن المقارنة بين هذه المجموعة من المقالات وبين صياغات کارول جیلیجان توضح مدى لا تاريخية مفهومها، بتعريفه ثنائية المرأة والرجل بوصفها لقاء الضدين أو تعارضًا بين طرفين، ومقابلة تتسم بكونية وجودها وتقوم بإعادة إنتاج نفسها، بطريقة ثابتة دومًا. إن النسويات من خلال تأكيدهن وجود اختلافات ثابتة (وفي حالة كارول جيليجان، من خلال القيام بتبسيط بيانات عن الصلة بين جنس المرء واختياره الأخلاقي، بغض النظر عن إمكان استخلاص نتائج أكثر تنوعًا وتمازجًا، بهدف إبراز الاختلاف القائم على الجنس)، من خلال ذلك، تسهم النسويات في نوع التفكير الذي يهدفن إلى الوقوف ضده، ففي حين أنهن يصررن على إعادة تقييم فئة “أنثى” (تقترح كارول جيليجان مثلاً أن اختيارات النساء الأخلاقية قد تكون أكثر إنسانية من اختيارات الرجال) لا يقمن – مع ذلك – بالنظر في التعارض الثنائي من أساسه.
نحن في حاجة إلى رفض صفة الثبات والدوام في التعارض الثنائي، وإلى تأريخ وتفكيك حقيقيين لمفردات الاختلاف بين الجنسين. لا بد أن نصبح أكثر وعيًا بأنفسنا وأشد حرصًا على التمييز بين مفرداتنا التحليلية والمادة التي نريد تحليلها. لا بد من أن نواصل باستمرار إيجاد طرق (مهما كانت ليست بالكاملة) لإخضاع فئاتنا للنقد، ولإخضاع تحليلاتنا للنقد الذاتي. وإذا استخدمنا تعريف جاك دريدا لمنهج التفكيك (deconstruction)، فإن هذا النقد يعني أن نتولى تحليل طريقة عمل أي مقابلة بين نقيضين أو تضاد ثنائي، تحليلاً يأخذ السياق في الحسبان، وأن تقوم بعكس وإزاحة إنشائها التراتبي، بدلاً من قبولها بصفتها حقيقية أو واضحة بذاتها أو جزءًا من طبيعة الأشياء. 32 على نحو ما، من المؤكد أن هذا هو ما تفعله النسويات منذ سنين، فتاريخ الفكر النسوي هو تاريخ رفض الإنشاء التراتبي للعلاقة بين الذكر والأنثى في سياقاته المحددة، وهو محاولة من أجل قلب فعله أو إزاحته. إن وضع المؤرخات النسويات الآن يعدّهن للقيام بالتنظير في شأن ممارساتهن وتطوير مفهوم (النوع) بوصفه مقولة تحليلية.
لم يظهر الاهتمام بـ(النوع) بوصفه مقولة تحليلية إلا في أواخر القرن العشرين، فهو غير حاضر في الأعمال المؤسِّسة للنظريات الاجتماعية التي خرجت إلى الوجود بدءًا من القرن الثامن عشر حتى أوائل القرن العشرين. ولا شك في أن بعض هذه النظريات قد بنت منطقها على قياسات (analogies) التضاد بين الذكر والأنثى، وبعضها الآخر أقر وجود “مسألة المرأة“، بينما تصدى البعض الآخر لمسألة تكوين الهوية الجنسية الذاتية، ولكن (النوع) بوصفه وسيلة للحديث عن أنساق من العلاقات الاجتماعية أو الجنسوية، بقيت بلا ظهور. وقد يكون هذا التجاهل ما يفسر جزئيًا الصعوبات التي لاقتها النسويات المعاصرات في إدماج مصطلح “(النوع)” داخل الأعمال النظرية القائمة وإقناع أتباع مدرسة نظرية أخرى بأن(النوع) يندرج في معجم مفرداتهم. يعد مصطلح “(النوع)” جزءًا من محاولة النسويات المعاصرات لتأكيد أحقيتهن في تعريف بعض المصطلحات المرجعية، أو تأكيد عجز الأعمال النظرية المتاحة عن تفسير استمرار وجود اللامساواة بين النساء والرجال. ويبدو لي أمرًا له دلالته أن استخدام كلمة “(النوع)” نشأ في لحظة قلقة شديدة على الصعيد المعرفي أخذت في بعض الحالات شكل نقلة من منظومات فكرية علمية إلى أخرى أدبية في أوساط علماء الاجتماع (أي نقلة من التركيز على المسببات إلى التركيز على المعنى، أفضت إلى طمس معالم الحدود بين أنواع (genres) البحث المختلفة، طبقًا لعبارة عالم الأنثروبولوجيا كليفورد جيرتز cifford Geertz)،33 كما أخذت في حالات أخرى شكل جدالات نظرية بين هؤلاء الذين يؤكدون شفافية الحقائق الواقعة، وأولئك الذين يصرون على أنه ما من حقيقة إلا وكانت مؤولة أو منشأة؛ بين هؤلاء الذين يؤيدون فكرة أن الإنسان “هو المتحكم بعقلانيته في مصيره الشخصي” وأولئك الذين يضعون هذه الفكرة موضع الشك. وانطلاقًا من هذا الحيز الذي انفتح من خلال ذلك الجدال، والمراجعة النقدية لأسس العلم التي قامت بها العلوم الإنسانية، ونقد المدرسة التجريبية (empiricism) والفلسفة الإنسانوية (humanism) التي قام بها أتباع ما بعد البنيوية – انطلاقًا من ذلك بدأت النسويات يجدن صوتًا أو موقفًا نظريًا خاصًا بهن، بل وحلفاء لهن من أوساط المشتغلين أو المشتغلات بالبحث الأكاديمي والسياسة. داخل هذا الحيز لا بد أن نعمل على صياغة (النوع) بصفته مقولة تحليلية.
ماذا يتعين على المؤرخين (أو المؤرخات) فعله، وهم الذين قد شاهدوا هذا المبحث العلمي – مجال تخصصهم – يتعرض للاستخفاف أو الرفض على أيدي بعض المشتغلين بنظريات حديثة بوصفه من الآثار المتخلفة عن عهد الفكر والفلسفة الإنسانوية؟ لا أعتقد أنه علينا هجر الدفاتر والسجلات أو الإقلاع عن دراسة الماضي، وإنما علينا العمل على تغيير بعض الطرق التي كنا نؤدي بها عملنا حتى الآن، وتغيير بعض الأسئلة التي نقوم بطرحها. نحن في حاجة إلى تفحص مناهجنا التحليلية، وإلى توضيح افتراضاتنا الإجرائية، وإلى تفسير كيفية حدوث التغيير في اعتقادنا. وبدلاً من البحث عن أصل أو منشأ واحد للأشياء، يتعين علينا أن نتصور سيرورات على قدر من الترابط والتداخل فيما بينها، يصعب معه أن نفصلها عن بعضها. نحن – بطبيعة الحال – نقوم بتحديد المسائل المطلوب دراستها، وهذه تشكل بدايات أو نقاط دخول إلى قلب عمليات معقدة التركيب، وهذه العمليات – على وجه التحديد – المسألة التي يجب أن نبقيها في خاطرنا بصفة متواصلة. لا بد أن نتساءل أكثر عن كيف حدثت الأشياء، حتى تكتشف لماذا حدثت، إذ يجب أن نسعی ليس خلف سببية كونية عامة، وإنما خلف تفسير ذي معنى على نحو ما نفهم عبارة ميشيل روز الدو Michelle Rosaldo باحثة الأنثروبولوجيا، وهي تكتب: يبدو لي الآن أن مكان النساء في الحياة الاجتماعية الإنسانية ليس بالأمر الناتج على أي وجه مباشر عن الأشياء التي تقوم بها المرأة وإنما عن المعنى الذي تكتسبه نشاطاتها عبر التفاعل الاجتماعي الفعلي“. 34 ويتطلب منا السعي خلف المعنى التعامل مع الذات الفردية والتنظيم الاجتماعي في الوقت نفسه، كما يتطلب منا بلورة طبيعة العلاقات بين الجانبين، إذ إن كليهما يلعب دورًا حاسمًا في فهمنا لكيفية عمل (النوع) وكيفية تغييره. وأخيرًا، نحن في حاجة إلى أن نستبدل بفكرة أن السلطة الاجتماعية تتسم بالتوحد والتماسك الداخلي والتمركز، شيئًا من قبيل مفهوم فوكوه عن القوة/ السلطة (power) بوصفها كوكبات متناثرة من علاقات غير متساوية تكوَّنت بواسطة خطابات في سياق “حقول من القوة (“fields of force”) الاجتماعية.35 بداخل هذه العمليات والأبنية، يتسع المكان لمفهوم عن فاعلية الإنسان بصفتها محاولة (عقلانية على الأقل جزئيًا) لإنشاء هوية، وحياة، ومجموعة من العلاقات ومجتمع، وذلك في حدود معينة وباستعمال لغة فكرية تقوم في آنٍ واحد برسم الحدود وتهيئة إمكان النفي، والمقاومة، وإعادة التأويل، وألعاب الخيال، والابتكار المجازي.
إن تعريفي للنوع يتكون من شقين وعدة نقاط فرعية، وهي مترابطة فيما بينها، ولكنها يجب أن تبقى متمايزة على الصعيد التحليلي. ويرتكز لب التعريف على ارتباط کامل بين طرحين اثنين: إن (النوع) عنصر مكوَّن للعلاقات الاجتماعية ومكوَّن عبرها، وهو يقوم على الاختلافات المتصورة بين الجنسين، كما أن (النوع) وسيلة أولية دالة (signifying) على علاقات القوة[أي خلق معانٍ ودلالات عن طريق ربط مدلول بدال، أو تكوين طريقـة فـي الإشارة إلـى شيء مادي أو معنوي يتحمل دلالة معينة، في عملية تسير وفقًـا لعلاقـات القـوة القائمـة أو على سبيل إعادة إنتاجها أو تغييرها.] وفي حين أن التغيرات في تنظيم العلاقات الاجتماعية يتوازي دائمًا مع التغيرات في صور تمثيل القوة/ السلطة، لا يتبع التغيير بالضرورة اتجاهًا واحدًا. إن (النوع) بصفته عنصرًا مكونًا للعلاقات الاجتماعية قائمًا على الاختلافات المتصورة بين الجنسين، يتضمن أربعة عناصر مترابطة فيما بينها: أولاً، الرموز المتاحة ثقافيًا التي تقوم باستحضار صور تمثيلية متعددة (ومتناقضة في كثير من الأحيان) – حواء ومريم على سبيل المثال بوصفهما رمزين للمرأة في التقليد المسيحي الغربي– كما تستحضر أيضًا أساطير النور والظلام، التطهر والتلوث، البراءة والفساد. وفيما يخص المؤرخات (أو المؤرخين) تتشكل الأسئلة المثيرة للاهتمام على النحو الآتي: أية صورة من هذه الصور التمثيلية الرمزية يتم استدعاؤها؟ وكيف؟ وفي أية سياقات؟ ثانيًا، المفاهيم المعيارية التي تضع – وتنشر– التأويلات لمعاني الرموز، والتي تسعى إلى حصر – واحتواء – إمكانات استخدامها مجازيًا أو رمزيًا؛ حيث يتم التعبير عن هذه المفاهيم في هيئة تعاليم ومبادئ دينية وتعليمية وعلمية وقانونية وسياسية، وعادة ما تتخذ شكل تعارضات ثنائية بين طرفين، تجزم بمعنى الذكر والأنثى، الذكوري والأنثوي، في شكل نهائي لا رجعة فيه. وفي الواقع، هذه التقريرات المعيارية إنما تعتمد على رفض أو قمع الإمكانات البديلة، ومن ثم يحدث أحيانًا أن تُثار بشأنها نزاعات علنية (في أية لحظة تنشأ وتحت أية ظروف؟: تلك مسائل ينبغي أن تصبح محل اهتمام المؤرخين)، ثم يحدث أن الموقف الذي يفرض سيطرته في النهاية يتم تقريره بوصفه الشيء الوحيد الممكن، وتتم كتابة التاريخ بعدئذ كما لو أن تلك المواقف المعيارية لم تنتج إلا عن إجماع اجتماعي، لا عن عملية صراع. ومن الأمثلة على هذا النوع من التاريخ، تناول الأيديولوجية الفيكتورية المعنية بربط المرأة بالحياة المنزلية (ideology of domesticity)، كما لو أن هذه الأيديولوجية قد تكونت بوصفها كلاً تامًا بلا انقسام، ثم تلتها فيما بعد ردود أفعال، بدلاً من كونها – وهو الأصح – كانت تمثل باستمرار موضوعًا لاختلافات شديدة في الآراء. ونجد مثلاً من نوع آخر في الجماعات الدينية الأصولية المعاصرة، التي جعلت نشاطها يدور حول العمل على استعادة دور المرأة “التقليدي” المفترض أنه أكثر أصالة، في حين أنه في الواقع لا يوجد فيما سبق من التاريخ ما يقطع بأداء سلس لمثل هذا الدور. إن الغرض من بحث تاريخي جديد إيقاف فكرة الثبات والاستقرار، واكتشاف طبيعة الجدال أو طبيعة القمع الذي يؤدي إلى مظهر الدوام خارج تأثير الزمن بوصفه سمة الثنائيات الممثِّلة (للنوع). وهذا الضرب من التحليل لا بد له من أن يتضمن تصورًا للسياسة، كما يتضمن إشارة إلى المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية – وهذا هو الجانب الثالث من علاقات (النوع).
بعض المشتغلين بالبحث الأكاديمي، وخصوصًا في مجال الأنثروبولوجيا، قد قصروا استخدام (النوع) على نظام القرابة (kinship system) (مركزين على المنزل العائلي والأسرة بوصفهما قاعدة التنظيم الاجتماعي). بيد أننا في حاجة إلى رؤية أكثر اتساعًا، لا تشمل صلات القرابة فقط وإنما أيضًا (وخصوصًا في حالة المجتمعات الحديثة المعقدة) سوق العمل (فسوق العمل يمثل جزءًا من عملية إنشاء (النوع)، والتعليم (فالمؤسسات التعليمية، المخصصة للذكور فقط، أو المقتصرة على جنس واحد، أو المختلطة، كلها تشكل جزءًا من العملية نفسها)، ونظام الحكم والسياسة (إذ إن حق الاقتراع الممنوح للذكور هو أيضًا جزء من عملية إنشاء (النوع). من غير المنطقي أن نعزو قسرًا هذه المؤسسات إلى دورها الوظيفي في إطار نسق القرابة، أو نقول بأن العلاقات المعاصرة بين الرجال والنساء ما هي إلا آثار تخلفت عن أنساق القرابة القديمة القائمة على تبادل النساء. 36 فـ (النوع) وإن كان يتم إنشاؤه من خلال نظام القرابة فليس هذا هو العامل الوحيد فيه حصرًا، قهر يُنشأ أيضًا عبر نسقي الاقتصاد والسياسة اللذين يعملان حاليًا، على الأقل في مجتمعاتنا، بشكل مستقل إلى حد كبير عن نسق القرابة.
ويتمثل الجانب الرابع من (النوع) في الهوية الذاتية، واتفق مع عبارة باحثة الأنثروبولوجيا، جايل روبن Gayle Rubin، المتعلقة بأن منهج التحليل النفسي يقدم نظرية مهمة عن إعادة إنتاج (النوع)، حيث يصف “التحول في الجنسانية البيولوجية للأفراد حين يتم تنشئتهم ثقافيًا“. 37 بيد أن سمة التعميم الكوني في دعوى منهج التحليل النفسي تجعلني أتوقف أمامها. فقد تكون نظرية لاكان مفيدة في التفكير بشأن إنشاء الهوية، ومع ذلك تبقى المؤرخات (أو المؤرخون) في حاجة إلى العمل على صعيد أكثر تاريخية. فإذا كانت هوية (النوع) قائمة فقط، وفي عموم الزمان والمكان، على الخوف من الخصاء، فإن المغزى من أي بحث تاريخي ينتفي أساسًا، فضلاً عن أن الرجال والنساء في واقع الحياة لا تجري أحوالهم دائمًا أو حرفيًا وفقًا لشرائع مجتمعهم ولا وفقًا لمقولاتنا التحليلية. على المؤرخات (أو المؤرخين) أن ينظرن – بالأحرى – في الطرق التي من خلالها يجري إنشاء هويات (النوع) على أصعدة ملموسة، وأن يربطن نتائج بحثهن بنطاق من نشاطات ومنظمات اجتماعية وصور تمثيلية ثقافية مرتبطة بسياق تاريخي محدد. وليس من المستغرب أن أفضل المساعي في هذا المجال – حتى الآن – تتمثل في التراجم والسِيَر الذاتية (biographies)، ومن أمثلتها: تأویل بیدی مارتن Biddy Martin لسيرة لو أندرياس سالومي Lou Andreas Salomé، وتصوير كاثرين سكلار Kathryn Sklar لشخصية كاثرين بيتشر Catharine Beecher، وكتاب جاكلين هول Jacqueline Hall عن حياة جيسي دانييل إيمزJessie Daniel Ames، ونقاش ماري هيل Mary Hill عن شارلوت برکینز جيلمان Charlotte Perkins Gilman. 38 كما أن المعالجات هي الأخرى واردة، كما تبين مرينالين سينها Mrinalin Sinha ولو راتيه Lou Ratte، الأولى في دراستها لشروط إنشاء هوية (النوع) لدى موظفي إدارة الاستعمار البريطاني، والثانية في دراستها الخاصة بالهنود الذين تلقوا تعليمًا بريطانيًا فيما برزوا بوصفهم زعماء وطنيين مناهضين للإمبريالية. 39
وإذن، يتكون الجزء الأول من تعريفي (للنوع) من هذه العناصر الأربعة معًا، وهي عناصر لا يجري عمل أي منها بمفرده، ولا في تزامن مع غيره بشكل يجعل أحدها مجرد انعكاس للعناصر الأخرى. أما طبيعة العلاقة بين هذه الجوانب الأربعة فهي تمثل موضوعًا للبحث التاريخي في حقيقة الأمر. ويجوز استخدام هذا العرض السريع الذي قدمته عن عملية إنشاء علاقات (النوع) في مناقشة الطبقة والعنصر والعرق/ الإثنية، وإن شئنا القول: يجوز استخدامه في أية عملية من العمليات الاجتماعية. فقد كان غرضي إيضاح وتعيين طريقة التفكير المطلوبة بشأن مفعول (النوع) في العلاقات الاجتماعية والمؤسسية، إذ كثيرًا ما يجري هذا التفكير بشكل غير دقيق أو غير منهجي. أما التنظير في (النوع) فهو ما أقوم به في سباق الطرح الثاني. يشكل (النوع) وسيلة أساسية أولية دالة على علاقات القوة، ولعله من الأفضل القول بأن (النوع) يشكل مجالاً يتم في إطاره أو يتم بواسطته الإعراب عن القوة/ السلطة، وليس (النوع) بالمجال المتفرد في هذا الصدد، ولكنه يمثل طريقة مثابرة ومتكررة لتهيئة إمكان إعطاء المعاني للقوة/ السلطة في العالم الغربي في التقليد اليهودي – المسيحي، وأيضًا في التقليد الإسلامي؟ وقد يبدو هذا الجزء من التعريف وكأنه ينتمي إلى المقطع الخاص بالمفاهيم المعيارية داخل هذا الطرح، ولكنه ليس كذلك. فالمفاهيم المرتبطة بالقوة/السلطة قد تعتمد على (النوع) أو تلجأ استخدامه، غير أنها لا تخص (النوع) في حد ذاته، بشكل حرفي، دائمًا؟ وقد كتب عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردیو Pierre Bourdieu عن أن “تقسيم العالم“(di- vision du monde)[ يلعب بورديو بكلمة division الفرنسية التـي تعنـي تقسيم أو انقسام، فيكتبهـا “di-vision” حيث يشير المقطع الأول (di) إلـى شـيء ثنـائي (مـن dis التـي تعنـي فـي اللاتينيـة مرتين)، وبما أن المقطع الثاني (vision) هـو الكلمـة الفرنسية المرادفـة لكلمـة “رؤيـة” بالعربية، فإن الكلمة تذكرنا بأن هـذا التقسيم يعنـي رؤيـة ثنائيـة أو رؤيتين أو رؤيـة منقسمة إلى شقين.] – عبر الإحالة إلى “الاختلافات البيولوجية، وبالتحديد تلك التي تحيل إلى تقسيم العمل المتعلق بالتناسل/ إعادة الإنتاج“- يعمل بصفته “أقوى الأوهام الجمعية تأسسًا“. فإذ تتأسس مفاهيم (النوع) بوصفها مجموعة من المراجع الموضوعية، تقوم بتشكيل الإدراك ورسم تنظيم كافة جوانب الحياة الاجتماعية، الملموس منها والرمزي. 40 وبقدر ما تقوم هذه المراجع بتأسيس توزيعات القوة/ السلطة (power) (بمعنى الأنصبة المتفاوتة من التحكم في السبل إلى الموارد المادية والرمزية)، يصبح (النوع) متورطًا في إنشاء القوة/ السلطة في حد ذاتها وخلقها. وقد عبر عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي، موريس جودلييه Maurice Godelier، عن هذه الفكرة قائلاً:
الجنسانية ليست هي الشبح الذي يطارد المجتمع، وإنما المجتمع هو الشبح الذي يطارد جنسائية الجسد، إذ يتم استدعاء الاختلافات الجسدية المتعلقة بالجنس بوصفها شهادات عن علاقات وظواهر اجتماعية ليس لها في الواقع أية علاقة بالجنسانية، وهي ليست مجرد شهادات عن أمر ما، وإنما هي شهادات في صف أمر ما. إنها بعبارة أخرى شهادات تمنح المشروعية.41
وتؤدي وظيفة (النوع) هذه في إضفاء الشرعية مهمتَها عبر طرق عديدة، فقد أوضح بورديو على سبيل المثال كيف تجري الأعمال الزراعية في بعض الثقافات وفقًا لمفاهيم عن الزمن ودورة الفصول ترتكز إلى تعريفات معينة للتعارض الثاني بين المذكر والمؤنث. كما قامت جاياتري سبيفاك Gayatri Spivak بتحليل ثاقب عن استخدامات (النوع) والفكر الاستعماري في بعض نصوص كاتبات إنجليزيات وأمريكيات؟ 42 كذلك أوضحت ناتالي ديفيز Natalie Davis الصلة التي وجدت مفاهيم الذكوري والأنثوي وكيفية فهم قواعد النظام الاجتماعي في فرنسا الحديثة ونقدها. 43 أما المؤرخة كارولين بينوم Caroline Bynum فقد ألقت ضوءًا جديدًا على المذهب الروحاني في العصور الوسطى بالتفاتها إلى العلاقات بين مفاهيم الذكوري والأنثوي، وبين السلوك الديني. ويبصِّرنا عملها بالطرق التي من خلالها أثرت هذه المفاهيم في تشكيل سياسات مؤسسات الرهبانية وكذلك الأتباع من المؤمنين.44 كما أن المؤرخين (أو المؤرخات) في مجال الفن قاموا بفتح آفاق جديدة عبر استقرائهم الدلالات الاجتماعية من التصوير الواقعي للنساء والرجال.45 وتقوم هذه التأويلات على فكرة أن لغات المفاهيم الفكرية تستخدم منهج التمايز (differentiation) تأسيس المعاني، وأن الاختلاف الجنسي يعد طريقة أولية دالة على عمليات في التمييز.46 وإذن، يهيئ (النوع) وسيلة لترجمة شفرة المعاني وفهم الروابط المعقدة بين أشكال متعددة من التفاعل الإنساني. ومن ثم، يمكن للمؤرخات (أو المؤرخين) – من خلال البحث عن الطرق التي يتولى بها مفهوم (النوع) إضفاء الشرعية على العلاقات الاجتماعية وإنشائها – أن ينمّين إدراكهن للطبيعة التبادلية في علاقة (النوع) والمجتمع، التي تقوم عبرها السياسة بإنشاء (النوع) ويقوم (النوع) بإنشاء السياسة.
ليست السياسة سوى مجال واحد من عدة مجالات يصلح فيها استخدام (النوع) للتحليل التاريخي، بيد أنني اخترت الأمثلة التالية التي تتعلق بالسياسة والقوة/ السلطة بالمعنى الأكثر تقليدية، أي كما يخصان مجال الحكومة والدولة القومية (the nation state)، وذلك لسببين. أولاً، يشكل هذا المجال منطقة مجهولة عمليًا، حيث ظل (النوع) باستمرار الأطروحة المضادة للسياسة وهمومها الجادة. ثانياً، ظل التاريخُ السياسي – وهو النهج السائد في البحث التاريخي– معقلَ المقاومة ضد إدخال أية مادة علمية أو أية أسئلة تتعلق بالنساء و(النوع).
لا يزال (النوع) يُستخدم في إطار النظرية السياسية، سواء حرفيًا أو عبر المماثلة، لتبرير الحكم الملكي أو لنقده، وللتعبير عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وربما نتصور أنه من الطبيعي أن الجدل الذي كان دائرًا بين معاصري عهد الملكة إليزابيث الأولى في إنجلترا أو معاصري عهد كاترين دي مدسيس في فرنسا بشأن نظام الحكم، كان منصبًا على قضية مدى ملائمة النساء للحكم السياسي، غير أنه في عصر كان فيه الارتباط كاملاً بين منصب الملك (kingship) وصلات الرحم أو القرابة (kinship)، كانت مناقشة أحوال الملوك الذكور لا تختلف عن مناقشة أحوال الملكات من حيث قدر الانشغال بمفاهيم الذكورة والأنوثة؛47 فنجد جون بودان Jean Badin وروبرت فیلمر Robert Filmer وجون لوك John Locke يقيمون حججهم مرتكزين إلى قياسات بالعلاقة الزوجية. أما إدموند بورك Edmund Burke فيقيم هجومه على الثورة الفرنسية برسم صورة لفئة الجمهوريين المتطرفين (sansculottes) بوصفهن نساء حيزبونات، قبيحات المظهر وسفاحات (“ثورات الجحيم، في شكل معيب، شكل أكثر النساء قبحًا وشرًا“)، في تباين بارز مع صورة مقابلة، ألا وهي الأنوثة الناعمة لماري أنطوانيت “التي هربت من جموع الغوغاء تلتمس الملاذ عند أقدام زوجها الملك“، والتي كان جمالها ذات يوم مثارًا للاعتزاز القومي. (وقد كان بورك يومئ إلى الدور اللائق بالأنوثة داخل النظام السياسي حين كتب: “حتى نقوم بحب بلدنا ينبغي لبلدنا أن تكون محببة في جمالها“).48 غير أن القياس لا يجري دائمًا على الزواج أو حتى على الجنسانية الغيرية، إذ نجد رموز القوة/ السلطة السياسية – في الفكر السياسي للعصور الوسطي الإسلامية – تحيل في أغلب الأحيان إلى الجنس بين الرجال والغلمان، لا تشير فحسب إلى وجود أشكال من الجنسانية المقبولة تقارب تلك التي وصفها فوكوه في آخر أعماله عن بلاد اليونان في العصر الكلاسيكي، وإنما أيضًا إلى غياب أي قدر من الاعتداد بالنساء في أي تصور عن السياسة والحياة العامة.49
وحتى لا يُظن بالتعليق الأخير نوع من الإشارة إلى أن الفكر السياسي ما هو إلا انعكاس للتنظيم الاجتماعي، من المهم أن نأخذ في الحسبان أن التغيرات في علاقات (النوع) قد تنطلق أيضًا من رؤى عن احتياجات الدولة. ونجد مثالاً قويًا في حجة لوي دي بونال Louis de Bonald [ فيلسوف سياسي رجعـي ورجـل دولـة فرنسـي (١٧٥٤ – ١٨٤٠) منـاهض لقيــم الثـورة الفرنسية ومؤيد للملكية والسلطة الكنسية.] عام 1816 وهو يعلل أهمية إلغاء تشريعات الطلاق التي كانت الثورة الفرنسية قد أصدرتها، إذ يقول إنه مثلما أن الديمقراطية السياسية “تتيح للشعب، وهو الجزء الضعيف من المجتمع السياسي، أن ينهض ضد السلطة المؤسسة” كذلك فإن الطلاق، وهو “ديمقراطية منزلية بحق،” يتيح للزوجة، وهي “الجزء الضعيف، أن تثور ضد السلطة الزوجية…. إنه من الضروري، حتى تبقى أمور الدولة خارج يد الشعب، أن نُبقى الأسرة خارج يد الزوجات والأطفال“.50
يلجأ بونال في البداية إلى القياس أو المماثلة، ثم ينتهي إلى المطابقة المباشرة بين الطلاق والديمقراطية. كما أن القوانين الجديدة التي وضعت هذه الرؤية موضع التطبيق، عبر استحضارها حججًا أقدم عهدًا عن الأسرة المنضبطة وكونها أساس الدولة المنضبطة، فإنها – هذه القوانين– قد أعادت تعريف حدود العلاقة الزوجية. وبالمثل، يريد أصحاب الأيديولوجيات السياسية المحافظة – في زمننا الحالي – أن يمرروا مجموعة من القوانين التي تحكم تنظيم الأسرة وسلوكها، من شأنها أن تغير الممارسات الحالية. وهذه الصلة بين نظم الحكم الفاشية ومسألة التحكم في النساء، قد استرعت الانتباه وإن كانت لم تحظ بدراسة وافية. فالحكام الصاعدون، سواء كان ذلك في لحظة فاصلة من سيطرة حزب اليعاقبة في عهد الثورة الفرنيسية،[ أشهر جماعة سياسية مرتبطة بالثورة الفرنسية، تكونـت بهـدف حمايـة مبـادئ الثـورة، وعرفت بالدعوة إلى المساواة التامة، كما ارتبط اسمها بـالعنف ضـد “أعـداء الثـورة بعـد أن تولت زعامة الحكومة (١٧٩٣ – ١٧٩٤).] أو عند تأهب ستالين لفرض سلطة مهيمنة، أو في زمن تطبيق السياسة النازية في ألمانيا، أو مع فوز آية الله الخميني في إيران، في كل هذه الحالات سعى الحكام الجدد إلى تأكيد شرعية مظاهر السيطرة (domination) والقوة (strength) والسلطة المركزية (centralauthority) وسلطة الحكم (ruling power)، بوصفها خصائص ذكورية (ومعاملة فكرة الأعداء والغرباء والمخربين والضعفاء بوصفهها خصائص أنثوية)، كما جعلوا هذه الشفرة الرمزية واقعًا حرفيًا في هيئة قوانين تضع النساء في مكانها (من قبيل أن تمنع النساء من المشاركة السياسية، وتجرِّم الإجهاض، وتحرِّم عمل الأمهات مقابل أجر، وتفرض قواعد على ملبس النساء).51 إن هذه المبادرات وتوقيت حدوثها ليس لها في حد ذاتها معنى مفهوم، ففي معظم الحالات لم يكن للدولة مصلحة مباشرة أو مصلحة مادية تحققها بالسيطرة على النساء أو التحكم فيهن، ومن ثم فإن منطق هذه المبادرات لا يتضح إلا في إطار تحليل عمليات إنشاء القوة/ السلطة وتوطيد أركانها، حيث كانت الوسيلة لإثبات القدرة على التحكم والسيطرة (control) أو تأكيد القوة والصلابة (strength) التي تأخذ شكلها في هيئة سياسة تُعنى بالنساء. وفي هذه الأمثلة المذكورة، جرى تصور فكرة الاختلاف الجنسي في إطار لغة السيطرة والتسيد على النساء. وبينما تعطى تلك الأمثلة قدرًا من البصيرة فيما يخص بعض أنواع علاقات القوة التي يجري إنشاؤها في التاريخ الحديث، لا يشكل نموذج هذه العلاقة بعينها نمطًا سياسيًا كونيًا بأية حال. فعلى سبيل المثال، قامت النظم الديمقراطية في القرن العشرين، عبر طرق متغايرة، بإنشاء أيديولوجياتها السياسية، مستخدمة هي الأخرى مفاهيم قائمة على (النوع)، ثم ترجمة هذه المفاهيم إلى سياسة عملية. فدولة الصلاح العام/ دولة الرعاية الاجتماعية (welfare state) مثلاً، برهنت على تبنيها مفهوم الحماية الأبوية (paternalism) في شكل قوانين موجهة إلى النساء والأطفال،52 وكذلك على الصعيد التاريخي، فقد رفضت بعض الحركات الاشتراكية والحركات الفوضوية (anarchist) استخدام استعارات من لغة السيطرة والسيادة، فأظهرت قدرة خلاقة بإبداء نقدها لنظم حكم أو تنظيمات اجتماعية معينة عبر إحداث تحولات في هويات (النوع). إذ تصور أتباع الاشتراكية الطوباوية أو الخيالية (utopian socialists) في فرنسا وإنجلترا – في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن التاسع عشر– أحلامهم عن مستقبل يسوده التناغم، في شكل أفراد تتكامل طبائعهم معًا تكاملاً يجد مثله النموذجي في اتحاد الرجل والمرأة على مستوى ما يشكل “الفرد الاجتماعي“. 53 أما الفوضويون الأوروبيون فقد عُرفوا بالباع الطويل لا في رفضهم أعراف الزواج البرجوازي فقط، وإنما أيضًا في تبنيهم رؤى عن عالم لا يقتضي فيه الاختلاف الجنسي ضمنًا التراتبية (hierarchy).
وتكشف هذه الأمثلة وجود ارتباطات صريحة بين (النوع) والقوة/ السلطة، غير أن ذلك ليس سوى أحد جوانب تعريفي للنوع بوصفه وسيلة أولية دالة على علاقات القوة، حيث كثيرًا ما يأخذ التركيز على (النوع) شكلاً غير صريح، إلا أنه يظل مع ذلك جزءًا حاسمًا من تنظيم المساواة أو اللامساواة. إن البنَى التراتبية تعتمد مفاهيم معممة عما يسمى بالعلاقات الطبيعية بين الذكر والأنثى، وقد اعتمد مثلاً مفهوم الطبقة في القرن التاسع عشر على (النوع) للإعراب عنه، وعلي سبيل المثال بينما رسم المصلحون من أبناء الطبقة الوسطي في فرنسا صورة للعمال باللجوء إلى مفردات تعامل بوصفها رموزًا لما هو أنثوي (خاضعين، ضعفاء، مستغَلين جنسيًا مثل المومسات)، رد الزعماء الاشتراكيون والعماليون بتأكيد الوضع الذكوري للطبقة العمالية (منتجين، أشداء، حامين لنسائهم وأطفالهم). ولم تكن البنود موضوع هذا الخطاب معنية صراحة بـ(النوع)، ولكنها لقيت دعمًا عبر الإحالات إليه، إذ إن تقنين بنود معينة وفقًا لـ(النوع) أدى إلى تأسيس معانيها وجعلها تبدو طبيعية أو فطرية. ومن نتائج ذلك أن التعريفات المعيارية (للنوع)، المحددة بظرفها التاريخي (والمسلم بها وقتها)، جرى إعادة إنتاجها وإدخالها إلى صلب ثقافة الطبقة العاملة الفرنسية.54
كثيرًا ما يأتي ذكر موضوع الحرب والدبلوماسية والسياسات العليا حين يتساءل المؤرخون السياسيون التقليديون عن جدوى (النوع) بالنسبة إلى عملهم، غير أنه أيضًا هنا يجب ألا تتوقف أنظارنا عند اللاعبين الاجتماعيين (actors) وما في كلماتهم من دلالة حرفية. إن علاقات القوة بين الأمم ومن هم في منزلة رعايا الاستعمار، قد جرى تقريبها للفهم (وبالتالي منحها شرعية) باللجوء إلى إطار العلاقات بين الذكر والأنثى. فقد اتخذت طرق شرعنة الحرب – أي التبديد في حياة الشباب في سبيل حماية الدولة – أشكالاً متعددة، من مناشدة صريحة للرجولة (الحاجة إلى حماية النساء والأطفال الذين لا حول لهم)، إلى تعويل ضمني على الإيمان بواجب الأبناء في خدمة زعمائهم أو خدمة (أبيهم) الملك، وإلى تداعيات تربط بين الذكورة وقوة الأمة، 55 كما أن السياسة العليا هي في حد ذاتها مفهوم (منوّع)؛ حيث إنها تؤسس أهميتها الحاسمة وسلطتها في الحياة العامة وأسباب تمتعها بالسلطة المرجعية (authority) العليا، عبر إقصاء النساء من مجال عملها. ويشكل (النوع) أحد المراجع المتكررة التي تستخدم في خلق السلطة السياسية وإكسابها شرعية ثم في انتقادها كذلك، وهو – أي النوع – يستند إلى المعنى القائم للتعارض الثنائي بين الذكر والأنثى، ولكنه أيضًا يقوم بتأسيسه. ومن أجل تبرير السلطة السياسية وتزكيتها يجب أن يظهر المرجع بوصفه مؤكدًا وثابتًا مستقرًا، خارجًا عن مجال الإنشاء البشرى، وجزءًا من النظام الطبيعي أو الإلهي، فيصبح على هذا النحو كل من التعارض الثنائي بين طرفي (النوع) والسيرورة الاجتماعية لعلاقات (النوع) – كلاهما – جزءًا من معنى القوة والسلطة ذاتها، بحيث تصبح أية محاولة للتشكيك أو التبديل في أي جانب منها بمثابة خطر يتهدد النسق بأكمله.
إذا كانت دلالات (النوع) ودلالات السلطة تقوم إحداهما بإنشاء الأخرى، فكيف إذن للأمور أن تتغير؟ الإجابة بشكل عام هي أنه يمكن للتغيير أن يبدأ من عدة أماكن، فالتقلبات السياسية الضخمة التي تبلبل الأنظمة القديمة وتأتى بأنظمة جديدة إلى الوجود قد تُحدث – في سعيها وراء أشكال جديدة من المشروعية – مراجعة في مفردات (النوع) (وبالتالي في تنظيمه). غير أنه قد لا يحدث ذلك، فقد جرى أيضًا استخدام المفاهيم القديمة عن (النوع) في تأكيد صلاحية نظم حكم جديدة.56 ومن الوارد أن الأزمات الديموجرافية الناجمة عن نقص الغذاء أو الأمراض الوبائية أو الحروب قد تتسبب في مراجعة فكرة معيارية الزواج التقليدي بين الجنسين (heterosexual marriage)، (كما حدث في بعض الدوائر في بعض البلدان في العشرينيات من القرن العشرين)، غير أنه يحدث أيضًا أن تؤدي مثل هذه الأزمات إلى تحريك سياسات مؤيدة لزيادة معدل المواليد تؤكد اقتصار أهمية المرأة على وظائف الأمومة والإنجاب.57 كما أن تغيرات أنماط العمالة قد تؤدي إلى تغيرات في استراتيجيات الزواج، وإلى إمكانات جديدة في إنشاء ذاتية الفرد، ولكنها بالمثل قد تترجم بوصفها ساحات جديدة لنشاط الزوجات والبنات العارفات لواجبهن. 58 وكذلك، فقد يؤدى ظهور أنواع جديدة من الرموز الثقافية إلى إمكان إعادة تفسير، بل وإعادة كتابة دراما أوديب في شكل جديد، كما قد يفيد في نقش حروف تلك الدراما الهائلة مرة أخرى، بلغة أشد وضوحًا ودلالة. ووحدها العمليات السياسية هي ما سوف يحدد المحصلة التي لها الغلبة؛ وهي سياسية بمعني أن مختلف الفاعلين ومختلف المعاني تقوم فيما بينها بالتنازع على مقود الأمور، وليس من الممكن تحديد طبيعة هذه العملية وطبيعة الفاعلين وأفعالهم إلا في سياق له زمان ومكان. كما لا يمكن لنا كتابة تاريخ هذه العملية إلا إذا سلمنا بأن “الرجل” و“المرأة” فئات فارغة وفائضة بما فيها في آنٍ واحد، فهي فارغة لأنه ليس لها معنى متنزه نهائي، وهي فائضة لأنها حتى وهي تبدو ثابتة الشكل تظل تحتوى في باطنها على تعريفات بديلة يجري إنكارها أو قمعها.
وبمعنى ما، يتمثل التاريخ السياسي على مسرح (النوع)، فهو مجال يبدو ثابتًا مستقرًا في حين أن معناه يظل محل تنازع وتجاذب وحراك متواصل. وإذا كنا سنعامل التعارض الثنائي بين الذكر والأنثى بوصفه مسألة إشكالية بدلاً من كونه مسألة معروفة الشأن، وبوصفه أمرًا يتم تعريفه داخل سياق، أمرًا يجرى إنشاؤه بصفة متكررة، فلا بد لنا من ألا نفتأ نسأل ليس فقط ما الأمور المطروحة في كفة الميزان عبر البيانات أو الجدالات التي تستدعى (النوع) في تفسير أو تبرير مواقفها، وإنما نسأل أيضًا كيف يجري استدعاء مفاهيم (النوع) الضمنية، وكيف يعاد تثبيتها من جديد، أي ما العلاقة بين القوانين الخاصة بالنساء وبين سلطة الدولة؟ لماذا (ومنذ متى) أصبحت النساء خافيات عن النظر بوصفهن ذواتًا تاريخية، في حين أننا تعرف أنهن قد اشتركن في أحداث التاريخ الإنساني، الكبير منها والصغير. هل كان للنوع دور في شرعنة ظهور سلك من الأسلاك المهنية أو آخر؟59 وهل الذات (إذا اقتبسنا عنوان مقالة حديثة للنسوية الفرنسية لوس إيريجاري Luce Irigaray) كما يتصورها مجال العلم هي ذات لها جنس (مجنَّسة sexed)؟ 60 ما العلاقة بين سياسة الدولة واكتشاف “جريمة” الجنسانية المثلية؟61 كيف قامت المؤسسات الاجتماعية بإدراج (النوع) داخل افتراضاتها وتنظيماتها؟ هل حدث في أي وقت أن تواجدت مفاهيم قائمة حقًا على المساواة وارتسمت ضوئها صور نظم سياسية، أو وصلت إلى حيز التنفيذ؟
إن استقصاء هذه القضايا له أن يثمر عن تاريخ يهيئ منظورات جديدة عن أسئلة قديمة (مثلا كيف يتم فرض حكم سياسي ما؟ أو ما أثر الحرب في المجتمع؟)، ويعيد تعريف الأسئلة القديمة في إطار جديد (مُدخِلاً مثلا اعتبارات الأسرة أو الجنسانية في دراسة الاقتصاد أو الحروب)، فضلاً عن أنه يجعل النساء ظاهرات للرؤية بصفتهن مشاركات فعليات، كما يخلق مسافة تحليلية ما بين لغة الماضي التي تبدو وكأنها ثابتة على حالها وبين لغة المصطلحات التي نستخدمها نحن. وفضلاً عن ذلك، سيفتح هذا التاريخ الجديد احتمالات التفكير في الاستراتيجيات السياسية النسوية الحالية وعلاقتها بمستقبل طوباوي، فهو يشير إلى ضرورة إعادة تعريف (النوع) وإعادة تشكيله بالاقتران مع رؤية عن مساواة سياسية واجتماعية لا تشمل فقط عامل الجنس وإنما الطبقة والعنصر أيضًا.
*Joan Wallach Scott, “Gender: A Useful Category of Historical Analysis,”in Feminism and History, ed. Joan Wallach Scott (Oxford and New York: Oxford University Press, 1996), 152 -180.
1 – The Compact Edition of the Oxford English Dictionary (Oxford: Oxford University Press, 1971), i.1126
2 – E. Littré, Dictionnaire de la langue française (Paris, 1876).
3 – Raymond Williams, Keywords (New York: Oxford University Press, 1983), 285,
4 – Natalie Zemon Davis, “Women’s History in Transition: The European Case”, Feminist Studies, 3 (1975 – 6). 90.
5 – Ann D. Gordon, Marie Jo Buhle, and Nancy Shrom Dye, “The Problem of Women’s History”, in Bernice Carroll (ed.), Liberating Women’s History (Urbana: University of Illinois press), 89.
6 – أفضل مثال تعطيه جون كيلي، عبر المقالة الآتية:
Joan Kelly, “The Doubled Vision of Feminist Theory”, in Women, History and Theory, ed., Joan Kelly (Chicago: University of Chicago Press, 1984), 51-64, esp. p. 61.
7 – للاطلاع على رأي يقف ضد استخدام (النوع) على سبيل إبراز الجانب الاجتماعي للاختلاف الجنسوي، انظر/انظري:
Moira Gatens, “A Critique of the Sex Gender Distinction”, in J. Allen and P. Patton (eds.). Beyond Marxism? (Leichhardt, NSW: Intervention Publications, 1985), 143-60.
وأنا أتفق مع قولها بأن التفرقة بين الجنس و(النوع) تمنح قدرة تحكمية مستقلة أو شفافة، فيما هو تجاهل لفكرة أن ما نعرفه عن الجسد لا يخرج عن كونه معرفة من إنتاج الثقافة.
8 – للاطلاع على توصيف أو تقسيم مختلف للتحليلات النسوية، انظر/انظري:
Linda Nicholson, Gender and History: The Limits of Social Theory in the Age of the family (New York: Columbia University Press, 1986).
Mary O’Brien, The Politics of Reproduction (London: Routledge and Kegan Paul, 1981) 8 – 15 46.
10 – Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex (New York: Bantam Books 1970)
مـاري أوبريان هي صاحبة عبارة “المصيدة المرة“، انظر/انظري المصدر السابق، ص۸.
11 – Catherine McKinnon, “Feminism, Marxism, Method, and the State: An Agenda for Theory”, Signs, 7 (1982), 515, 541
12 – المصدر نفسه، ص 541 و543.
13 – للاطلاع على مناقشة شيقة لمواطن القوة والضعف في مصطلح “البطريركية“، انظر/انظـري النقاش المتبادل بين المؤرخات:
Sheila Rowbotham, Sally Alexander, and Barbara Taylor in Raphael Samuel (ed.), People’s History and Socialist Theory (London: Routledge and Kegan Paul, (1981), 363-73.
14 – Friedrich Engels, The Origins of the Family, Private Property, and the State (1884; repr. New York: International Publishers, 1972.)
15 – Heidi Hartmann, “Capitalism, Patriarchy, and Job Segregation by Sex”, Signs, 1 (1976), 168. See also “The Unhappy Marriage of Marxism and Feminism: Toward Progressive Union”, Capital and Class, 8 (1979), 1-33; “The Family as the Locus of Gender, Class, and Political Struggle: The Example of Housework”, Signs, 6 (1981), a More 366 – 94
16 – نجد أمثلة النقاشات النسوية الماركسية في المصادر الآتية:
Zillah Eisenstein, Capitalist Patriarchy and the Case for Socialist Feminism (New York: Longman, 1981); A. Kuhn, “Structures of Patriarchy and Capital in the Family, in A. Kuhn and A. Wolpe (eds.). Feminism and Materialism: Women and Modes of Production (London: Routledge and Kegan Paul, 1978); Rosalind Coward, Patriarchal Precedents (London: Roultedge and Kegan Paul, 1983); Hilda Scott, Does Socialism liberate women? Experiences from Eastern Europe (Boston: Beacon Press, 1974), Jane Humphries, “Working Class Family, Women’s Liberation and Class Struggle: The Case of Nineteenth-Century British History”, Review of Radical Political Economics, 9 (1977), 25-41; Jane Humphries, “Class Struggle and the Persistence of the Working Class Family”. Cambridge Journal of Economics, 1 (1971), 241-58,
وانظري كذلك الجدال حول أعمال چين هامفريز (أعـلاه) فـي: Review of Radical Political Economics, 12 (1980), 76-94.
17 – Kelly, “Doubled Vision of Feminist Theory,” 61.
18 – Ann Snitow, Christine Stansell, and Sharon Thompson (eds.), Powers of Desire: The Politics of Sexuality (New York: Monthly Review Press, 1983).
19 – Ellen Ross and Rayna Rapp, “Sex and Society: A Research Note from Social History and Anthropology”, in Powers of Desire, 53.
20 – T. “Introduction,” Powers and Desire, 12; and Jessica Benjamin, “Master and Slave: The Fantasy of Erotic Domination”, Powers of Desire, 53.
21 – Johanna Brenner and Maria Rammas, “Rethinking Women’s Oppression”. New Left Review (1984), 144: 33-71; Michèle Barrett, “Rethinking Women’s Oppression: A Reply to Brenner and Ramas”, New Left Review, 146 (1984), 123-8; Angela Weir and Elizabeth Wilson, “The British Women’s Movement”, New Left Review, 148 (1984), 74 103; Michèle Barrett, “A Response to Weir and Wilson”, New Left Review, 150 (1985), 143-7; Jane Lewis, “The Debate on Sex and Class”, New Left Review, 149 (1985), 108 20.
انظري أيضًا:
Hugh Armstrong and Pat Armstrong, “Beyond Sexless Class and Classless Sex: Towards Feminist Marxim”, Studies in Political Economy, 10 (1983), 7-44; Hugh Armstrong and Pat Armstrong, “Comments: More on Marxist Feminism”, Studies in Political Economy, 15 (1984), 179-84; and Jane Jenson, “Gender and Reproduction: Or, Babies and the State”, unpub. Paper, June 1985, 1-7.
22 – للاطلاع على الصياغات النظريـة الأولـى انظـري:
Papers on Patriarchy: Conference, London 76 (London: n.p 1976).
أنا ممتنة إلى جين كابلان Jane Kaplan لقيامها بإطلاعي على وجود هذا العمل المنشور وتكرمها بأن تشركني في قراءة نسختها ومناقشة ما لديها مـن أفكار عنها. للاطلاع على موقف مدرسة علم النفس التحليلـي انظـري:
Sally Alexander, “Women, Class and Sexual Difference”, History Workshop, 17 (1984), 125-35.
وتجدر الإشارة إلى أن جولييت ميتشل Juliet Mitchell في حلقات دراسية عقدت في جامعة برنستون أوائل عام ١٩٨٦ عادت فيما بدا إلى التشديد على أولوية التحليل المادي لـ (النوع). للاطـلاع على محاولة الخروج من الطريق النظري المسدود أمام النسوية الماركسية انظري: Coward, Patriarchal Precedents وانظري أيضًا الإسهام الأمريكي الباهر في هذا الاتجاه على أيدي الباحثة الأنثروبولوجية جايل روبن:
Gayle Rubin, “The Traffic in Women: Notes on the Political Economy of Sex”, ch. 5 this vol., p. 105.
23 – Nancy Chodorow, The Reproduction of Mothering: Psychoanalysis and the Sociology of Gender (Berkley: University of California Press, 1978), 169.
24 – “يشير تقريري إلى أن هذه القضايا المرتبطة بـ (النوع) ربما تشكل بتأثير مرحلة عقدة أوديب ولكنها ليست متوقفة عليها، فمعالجة هذه القضايا تجري في سياق سيرورات أكثـر اتسـاعًا تتعلق بالأنا (ego) والعلاقات بالأشياء، وهي سيرورات لها تأثير مساوٍ لتأثير عقدة أوديب في تكوين البنية النفسية، وفي الحياة الوجدانية وأنماط تكوين العلاقات بـالآخرين لدى الرجـال والنساء. كما أنها تفسر الاختلاف في أنماط التماهي مع الأشخاص/ الأشياء من الجنس الآخـر والتوجه الجنسي حيالهم. هذه النواتج مثلها مثل النواتج المتعلقة بالتفسير الأوديبـي التقليدي، تنشأ عن عدم التناظر في تنظيم أدوار ومهام الوالدين، حيث تلعب الأم دور الوالد/ ة (parent) الأساسي مع بعد الأب في العادة عن الطفل وانصباب اهتمامه ونشاطه على عملية التنشئة الاجتماعية، لا سيما في المجالات الخاصة بـالتنميط (النـوعي).” ( Nancy Chodorow, The Reproduction of Mothering, 166) من المهم هنا أن نلتفت إلى وجود اختلافات على صعيد التأويلات والمقاربات بين نانسي تشودورو والمنظرات البريطانيات مـن مدرسة العلاقـات بالأشياء اللواتي يسترشدن بأعمال د. و. وينيكوت وميلاني كلاين. إن المقاربة التي تستخدمها نانسي تشودورو تميل أكثر إلى أن تكون نظرية اجتماعية أو محاولة في هذا الاتجاه، بيد أنها العدسة التي ساد اختيارها بين النسويات الأمريكيات لرؤية نظرية العلاقات بالأشياء. حـول تاريخ نظرية العلاقات بالأشياء البريطانية في السياسة الاجتماعيـة انظـري:
Denise Riley War in the Nursery (London: Virago, 1984)
25 – Juliet Mitchell and Jacqueline Rose (eds.), Jacques Lacan and the Ecole Freudienne (New York: Norton, 1983); Alexander, “Women, Class and Sexual Difference”.
26 – Teresa de Lauretis, Alice Doesn’t: Feminism, Semiotics, Cinema (Bloomington: Indiana University Press, 1984), 159.
27 – Alexander, “Women, Class and Sexual Difference,” 135.
28 – E. M. Denise Riley, “Summer of Preamble to Interwar Feminist History Work”, unpub.Paper, presented to the Pembroke Center Seminar, May 1985, p.11
، وهذا الرأي تطرحه دنيس رايلي بتفصيل كامل في كتابهـا اللامـع:
E. M. Denise Riley, “Am I that Name?”:
29 – Carol Gilligan, In a Different Voice: Psychological Theory and Women’s Development (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1982).
30 – تجدر الإشارة إلى بعض المقالات النقدية المفيدة حول كتاب كارول جيليجان:
J. Auerbach et al., “Commentary on Gilligan’s In a Different Voice”, Feminist Studies, 11 (1985), 149 62, and “Women and Morality”, a special issue of Social Research 50 (1983).
إن تعليقاتي على ميل المؤرخات أو المؤرخين إلى الاستشهاد بكلمات كارول جيليجان تنبـع مـن قراءتي لكتابات غير منشورة وعروض مشروعات لمنح دراسية، ولذلك لا يبدو مـن العـدل الاستشهاد بها هنا، إلا أنني قمت برصد هذه المراجع على مدى أكثر من خمس سنوات ولا يزال العدد في ازدياد.
31 – Feminist Studies, 6 (1980), 26-64.
32 – للاطلاع على نقاش حول دريدا يتميز بكونه محكم وفي متناول الفهم أيضًا، انظري:
Jonathan Culler, On Deconstruction: Theory and Criticism after Structuralism (Ithaca NY: Cornell University Press, 1982), esp. 156-79.
انظري أيضًا:
Jacques Derrida, Of Grammatology, trans. Gayatri Chakravorty Spivak: (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1974); Jacques Derria, Spurs (Chicago: University of Chicago Press, 1979); and a transcription of Pembroke Center Seminar, 1983, in Subjects/ Objects (Fall 1984).
33 – Clifford Geertz, “Blurred Genres”, American Scholar, 49 (1980), 165-79.
34 – Michelle Zimbalist Rosaldo, “The Uses and Abuses of Anthropology: Reflections on Feminism and Cross – Cultural understanding.” Signs 5 (1980), 400.
35 – Michel Foucault, The History of Sexuality, i. An Introduction (New York: Vintage, 1980); Michel Foucault, Power/ Knowledge: Selected Interviews and Other Writings, 1972 – 1977 (New York: Pantheon, 1980).
36 – حول هذا الطرح انظري جايل روبن, “The Traffic in Women”, ch. 5 this vol.
37 – المصدر نفسه.
38 – Biddy Martin, “Feminism, Criticism and Foucault”, New German Critique, 27 (1982), 3 30: Kathryn Kish Sklar, Catharine Beecher: A Study in American Domesticity (New Haven: Yale University Press, 1973); Mary A. Hill, Charlotte Perkins Gilman: The Making of a Radical Feminist, 1860-1896 (Philadelphia: Temple University Press, 1980); Jacqueline Dowd Hall, Revolt Against Chivalry: Jesse Daniel Ames and the Women’s Campaign Against Lynching (New York:Columbia University Press, 1974).
39 – Lou Ratté, “Gender Ambivalence in the Indian Nationalist Movement”, unpub. Paper., Pembroke Center Seminar, Spring 1983; And Mrinalini Sinha, “Manliness: A Victorian Ideal and the British Imperial Elite in India”, unpublished paper, Department of History, State University of New York, Stony Brook, 1984.
40 – Pierre Bourdieu, Le Sens Pratique (Paris: Les Editions de Minuit, 1980), 246-7, 333-461, esp. 366.
41 – Maurice Godelier, “The Origins of Male Domination”, New Left Review, 127 (1981), 17.
42 – Gayatri Chakravorti Spivak, “Three Women’s Texts and a Critique of Imperialism”, Critical Inquiry, 12 (1985), 243-6. See also Kate Millet, Sexual Politics (New York: Avon, 1969).
المصدر الآتي تتولى فيه لوس إريجاري فحص كيف يجري توظيف الإحالات الأنثوية في قلـب نصوص رئيسة في الفلسفة الغربية:
Luce Irigaray, Speculum of the Other Woman, trans. Gilligan C. Gill (Ithaca, NY: Cornell University Press, 1985(.
43 – Natalie Zemon Davis, “Women on Top”, Society and Culture in Early Modern France (Stanford: Stanford University Press, 1975), 124-51.
44 – Caroline Walker Bynum, Jesus as Mother: Studies in the Sexuality of the High Middle Ages (Berkley: University of California Press, 1982); Caroline Walker Bynum, “Fest, Feast and Flesh: The Religious Significance of Food to Medieval Women”, Representations, 11 (1985), 1-25: Caroline Walker Bynum, “Introduction”, Religion and Gender: Essays on the Complexity of Symbols (Boston: Beacon Press, 1987).
45 – انظري على سبيل المثال:
T. J. Clark, The Painting of Modern Life (New York: Knopf, Jill Jute sail to 1985).
46 – إن وجه الاختلاف حول هذه المسألة بين المنظرين العاملين بالبنيوية وهؤلاء العاملين بما بعـد البنيوية يتعلق بطريقة رؤيتهم لفئات الاختلاف من حيث مدى انفتاحها أو انغلاقها، إذ بقدر ما يمتنع ما بعد البنيويين عن إعطاء معنی کولی ثابت لهذه الفئات والعلاقة بينها تبدو مقاربتهم مؤدية إلى نوع التحليل التاريخي الذي أنادي به.
47 – Rachel Weil, “The Crown Has Fallen to the Distaff: Gender and Politics in the Age of Catherine de Medici”, Critical Matrix, Princeton Working Papers in Women’s Studies, , no. 1 (1985). See also Louise Montrose, “Shaping Fantasies: Figurations of Gender and Power in Elizabethan Culture”, Representations, 1 (1983), 61-94; and Lynn Hunt “Hercules and the Radical Image in the French Revolution”, Representations, 1 (1983) 95 – 117.
48 – Edmund Burke, Reflections on the French Revolution (1892; repr., New York, 1909), 208-9, 214. See Jean Bodin, Six Books of the Commonwealth (1606, repr., New York: Barnes and Noble, 1967); Robert Filmer, Patriarcha and Other Political Works (Oxford, Blackwell, 1949); and John Locke, Two Treatises of Government (1690, repr., Cambridge: Cambridge University Press, 1970). See also Elizabeth Fox-Genovese,
“Property and Patriarchy in Classical Bourgeois Political Theory”, Radical History Review, 4 (1977), 36-59; and Mary Lyndon Shanley, “Marriage Contract and Social Contract in Seventeenth-Century English Political Thought”, Western Political Quarterly, 3 (1979), 79-91.
49 – أدين لبرنارد لويس Bernard Lewis بفضل هذه الإشـارة التـي تخـص الإسـلام. Michel Foucault, Historie de la Sexualité, ii. L’Usage des plaisirs (Paris: Gallimard, 1984). حول النساء في أثينا العصر الكلاسيكي انظري: Marilyn Arthur, “Liberated Woman” The Classical Era”, in Renate Bridenthal and Claudia Koonz (eds.), Becoming Visible
Women in European History (Boston: Houghton Mifflin, 1977), 75-8.
50 – وردت مقتبسة فيRoderick Phillips, “Women and Family Breakdown in Eighteenth Century France: Rouen 1780-1800”, Social History, 2 (1976), 217.
51 – حول الثورة الفرنسية انظري:Darline Gay Levy, Harriet Applewhite, and Mary Durham Johnson(eds.), Women in Revolutionary Paris, 1789-1795 (Urban: University of Illinois Press, 1979), 209-20;
حول التشريعات السوفييتية انظري الوثائق الموجودة في Rudolph Schlesinger, Changing Attitudes in Soviet Russia: Documents and Readings, i. The Family in the USSR (London: Routledge and Kegan Paul, 1949), 62-71, 251-4.
حول سياسة النازية، انظري:Tim Mason, “Women in Nazi Germany”, History Workshop, 1 (1976), 74-113, and Tim Mason, “Women in Germany, 1925-40: Family, Welfare and Work”, History Workshop, 2 (1976), 5-32.
52 – Elizabeth Wilson, Women and the Welfare State (London: Tavistock, 1977); Jane Jenson, “Gender and Reproduction”; Jane Lewis, The Politics of Motherhood: Child and Maternal Welfare in England, 1900-1939 (London: Croom Helm, 1980); Mary Lynn McDougall, “Protecting Infants: The French Campaign for Maternity Leaves, 1890s- 1913” French Historical Studies, 13 (1983), 79-105.
53 – حول الطوباويين الإنجليز انظري: Barbara Taylor , Eve and the New York: Pantheon, 1983).)
54 – Louis Deviance, Femme, famille, travail et morale sexuelle
ans l’idéologie de 1848″, in Mythes et représentations de la femme au XIX siècle (Paris Champion, 1977), Jacques Rancière and Pierre Vauday, “En allant à l’expo: L’ouvrier, sa femme et les machines, Les révoltes logiques, 1 (1975), 5-22.
55 – Gayatri Chakravorty Spivak, “Draupadi” by Mahasveta Devi”, Critical Inquiry, 8 (1981) 381 – 401 Homi Bhabha, “Of Mimicry and Man: The Ambivalence of Colonial Discourse”, October 28 (1984), 125-33; Karin Hausen. “The German Nation’s Obligations to the Heroes’ Widows of World War I”, in Margaret R. Higonnet et al.
Behind the Lines: Gender and the Two World Wars (New Haven: Yale University Press. 1987), 126-40. See also Ken Inglis, “The Representation of Gender on Australian War Memorials”, Daedalus, 116 (1987), 35-59.
56 – الثورة الفرنسية انظري: Levy et al., Women in Revolutionary Paris، حول الثـورة الأمريكية انظري:
Mary Beth Norton, Liberty’s Daughters: The Revolutionary Experience of American Women (Boston: Little, Brown, 1980); Linda Kerber, Women of the Republic (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1980), Joan Hoff-Wilson, “The Illusion of Change: Women and the American Revolution”, in Alfred Young (ed.). The American Revolution: Explorations in the History of American Radicalism (DeKalb: Northern Illinois University Press 1976) 383- 446.
حول الجمهورية الفرنسية الثالثـة انظري:
Steven Hause, Women’s Suffrage and Social politics in the French Third Republic (Princeton: Princeton University Press, 1984).
تتناول ماكسين مولينو حالة حديثة العهد في معالجة شيقة للغاية، انظـري:
Maxine Molyneux” Mobilization without Emancipation? Women’s Interests, the State and Revolution in Nicaragua”, Feminist Studies, 11 (1985), 227-54.
57 – حول سياسة تشجيع زيادة معدل الإنجاب، انظري:
Riley, War in the Nursery, and Jensen, “Gender and Reproduction”.
وفيما يخص العشرينيات من القرن العشرين انظري المقالات المتضمنة في كتاب:
Stratégies des Femmes (Paris: Editions Tierce, 1984).
58 – للاطلاع على تأويلات متعددة لتأثير العمل الجديد في النساء انظـري:
Louise A. Telly and Joan W. Scott, Women, Work and Family (New York: Holt, Rinehart and Winston, 1978; Methuen, 1987); Thomas Dublin, Women at Work: The Transformation of Work and Community in Lowell, Massachusetts, 1826-1860 (New York: Columbia University Press, 1979); and Edward Shorter, The Making of Modern Family (New York: Basic Books, 1975).
59 – انظري على سبيل المثال:
Margaret Rossiter, Women Scientists in America: Struggles and Strategies to 1914 (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1982).
60 – Luce Irigaray, “Is the Subject of Science Sexed?”, Cultural Critique, 1 (1985), 73-88. Louis Crompton, Byron and Greek Love: Homophobia in Ninetennth Century England (Berkeley: University of California Press, 1985).
كما يتطرق الكتاب الآتي لهذه المسألة، انظري:
Jeffrey Weeks, Sex, Politics and Society: The Regulation of Sexuality Since 1800 (London:Leyman, 1981).