إدراك الذُكورة*
النَّوع الاجتماعي والوطنية الفلسطينيّة 1
تقديم المحررة:
قام جوزيف مسعد بنشر هذا المقال عام 1995، ثم أعاد نشره في كتابه الذي صدر عام 2006 بعنوان The Persistence of the Palestinian Questionوقد اخترت هذا المقال للكتاب نظرًا لأنه يتناول قضية نادرًا ما يتطرق إليه النقاش حول النوع الاجتماعي في الشرق الأوسط، وأعني الدور الذي تلعبه الذكورة في بعض الخطابات السياسية والقومية. ولا يزال البعض يفترض أن النوع الاجتماعي هو ملكية أنثوية، مع التغافل عن النوع الاجتماعي للرجال. ويتتبع المؤلف بنجاح أثر الذكورة على الخطاب القومي الفلسطيني، ووثائقه السياسية المهمة.
النَوع الاجتماعي والوطنية الفلسطينية1
جوزيف مسعد
يخضع الفكر الوطني الفلسطيني، كغيره من فكر الحركات الوطنية الأخرى، لتأثير عصر التنوير والفكر الرومانسي لما بعد التنوير. وقد شكّلت فلسفة التنوير أساسًا لمجموعة متنوعة من القوميّات في أوروبا وكذلك في بقيّة أنحاء العالم من خلال الكولونياليّة الأوروبيّة. في سياق الحصار الكولونيالي، يرى المستعمَرون أن الفكر التنويري الأوروبي هو الخطاب الوحيد المتوفر (لا سيما في ظلّ القيود الزمنية لمعركة المقاومة ضد الاستعمار) لتعبئة الناس ضدّ العدوانيّة والهجوم الكولونيالي. إلا أنّ امتداد الفكر القومي للعالم المستعمَر كان مشروعًا حافلاً بالتناقضات. فمن أهم مكونات الفكر القومي المناوئ للاستعمار مزجه ما بين التحديث والتراث. فبينما يكون إنجاز التحديث التكنولوجي أحد هدفي القوميّة والوطنيّة المناوئة للاستعمار، فإن هدفها الثاني هو التأكيد على ثقافة وطنية تراثية. أما على صعيد الفضاءات السياسية الأوروبيّة، فتجد النزعات القوميّة والوطنيّة تعبيرًا لها من خلال سرديّات ترتكز على النوع الاجتماعي (Gender) وعلى الرغم من أن فاعليّة القومية المعادية للكولونيالية تُعرِّف نفسها في سياق يتعارض مع النزعة القومية الأوروبية، فإنها مع ذلك لا تفلح بالتحرر من تلبَسها بدواخل السرديّة نفسها.2 ففي سياق رد القوميّين المناوئين للاستعمار على خطاب الكولونيالية الغربيّة، والذي ينفي إمكانية وجود فعاليّة قوميّة في المستعمرات، اضطر هؤلاء القوميّون إلى التفكير في مكانة التحديث الغربي في مشروعهم الهويّاتي (identitarian) يُعتِّبر المشروع القومي، والمبني على خلق هوية وطنية وقومية، هذه الهوية ذاتها كمركز التفاوض على ما بين التراثي والحداثي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الاستعارة للادعاء بأن الوطن هو أرض الأجداد، وعملية الدفاع عنه، وإدارته من خلال مؤسسات اجتماعية متماثلة كالجيش والبيروقراطية، وإعداد استراتيجيات النوع الاجتماعي، والتي لا تقتصر على إعادة إنتاج الوطن والفاعلين الوطنيين فيه، بل تمتد لتشمل كذلك الثقافة الوطنية ذاتها التي تقدم تعريفًا للثقافة الوطنية، كانت تُعد في مجملها مكونات أساسية الخطاب الوطني والقومي.3 وطبقًا لتعريف كوماري جاياو اردینا (Kumar Jayawardena). تتمثل أهداف النوع الاجتماعي للمُصلحين القوميين عبر آسيا في ناحيتين:
تأسيس نظام الأسر النووية المستقرة أحادية الزواج في بلدانهم، في ظل تعليم النساء وخروجهن العمل، كما حدث خلال التطور الرأسمالي والأيديولوجي البرجوازي وفي الوقت نفسه ضمان بقاء هؤلاء النساء في موقع الخضوع التقليدي داخل الأسرة.4
عندما وُضع هذا المشروع موضع التنفيذ، لم يُسفر دمج القوميين بين الأعراف الأوروبية التي تقوم حول النوع الاجتماعي عن توفيقية ثقافية، وإنما أصبحت بالأحرى عملية يتم بمقتضاها استدخال الأعراف الأوروبية لتلك الأعراف التراثية وتجاوزها (sublation). تُعد أعراف النوع الاجتماعي الجديدة ابتكارات حداثية ترتدي زيًّا تقليديًّا بغية ارضاء الادعاء االوطني والقومي بأنهما يمثلان الثقافة الوطنية. ويمكن القول بأن هذه المُثل الجديدة ليست تراثية بقدر ما أصبحت متأترثة (traditionalized).5
في الشرق العربي، كما هو الحال في باقي أنحاء آسيا،6 كانت الهوية الوطنية والفاعلية الوطنية والقومية محلاً للتفاوض ليس حول الشرق والغرب فحسب كفئات لمرتكزات مفهومية، وإنما كانت كذلك وبالقدر نفسه من الأهمية تدور حول أسس خدعة المواطنة القائمة على النوع الاجتماعي. لقد برزت المسؤوليات المترتبة على الرجال والنساء تجاه الأمة بوصفها حجر الزاوية المعرفي الطامح لبناء الأمة. وسأتخذ من الحجة القائلة بأن الذكورة كانت دائمًا بمثابة ركن الهوية لدى الفكر القومي الأوروبي نقطة انطلاق كي تناول بالدراسة والبحث كيفية إدراك الوطنية الفلسطينية للذكوري عند تعريف الفاعلية الوطنية الفلسطينية. وعلى هذا النحو، سوف نوضح بأن فئة الذكورة تتسم بصفات مميزة مُتضمنة داخل تصور زمني يرتبط بحداثة ما بعد التنوير، وتصور طبقي يتعلق بأصحاب المشاريع البرجوازية، وتصور جغرافي ثقافي يرتبط بالثقافة الكولونيالية الأوروبية بوصفها نسقًا يجري من خلاله (إعادة) تفسير التراث. ولا يقتصر هدفي هنا على مجرد وصف تكشف ارتكاز النزعة الوطنية والقومية على الذكوري، بقدر ما يتمثل في توضيح العملية التي تمكنت الذكورة من خلالها من العيش في إطار الشكل الوطني والقومي، وبالقطع كيفيّة إضفاء الطابع الوطني والقومي عليها. أود هذا التأكيد على أن الاستعارات التي تستخدمها الحركات القومية في عمليات الحشد والتعبئة ليست مجرد استعارات فقط، وإنما بيان كونها تعكس فرضيات الفكر الوطني والقومي الأساسية – الفكر الذي يؤسس لتكوين النوع الاجتماعي، والأدوار الاجتماعية للفاعلية الوطنية والقومية مستقبلاً. ويوضح لنا التاريخ فشل ثورات أخرى بُنيت على استراتيجية “الأمة أولاً، والنساء لاحقًا“. وبالتالي لا يُعتبر من السابق لأوانه هنا أن نطرح السؤال المتعلق بالفكر الوطني الفلسطيني وخططه لمستقبل ما بعد كولونيالي.
لقد بقي الشعب الفلسطيني دون قيادة وطنية لفترة تصل إلى عقد من الزمن عقب إنشاء دولة إسرائيل في أيّار/ مايو ١٩٤٨. وقد ترتب على ذلك طرد وتشريد حوالي مليون فلسطيني. وبناًء على ذلك سعت الغالبية العظمي من الفلسطينيين إلى الطلب من الحكومات العربية في المنطقة ومناشدتها لمساعدتهم على استعادة فلسطين من الصهاينة، وإعادتهم إلى ديارهم. وعندما لم يتحقق هذا الأمر، بدأت المجموعات الفدائيّة تظهر إلى العلن أواخر الخمسينيات بين معسكرات اللاجئين، وطلاب الجامعات الفلسطينيين. إلا أن هذا التطور كان بمثابة تهديد للأنظمة العربية التي توصلت، في ذلك الوقت، إلى وضعيّة مؤقتة مع الدولة الإسرائيليّة التي بلغت عشر سنوات من العمر.
واستجابة لامتداد تصاعد الغليان الوطني الفلسطيني، وفي سياق محاولة السيطرة على الشعب الفلسطيني ومقاومته، قامت العديد من الحكومات العربية7 بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وفي أعقاب الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لباقي فلسطين (وطرد مئات الآلاف من الفلسطينيّين)، كثفت المجموعات الفدائية الفلسطينية من هجماتها العسكرية على إسرائيل، وصعّدت من حملتها الأيديولوجية على الحكومات العربية. وقد تصاعدت هذه المواقف ووصلت إلى نوع من الانقلاب في عام 1969. وقد جرد هذا الانقلاب أحمد الشقيري من منصبه كرئيس لمنظمّة التحرير الفلسطينية ونصّب ياسر عرفات بدلاً عنه، وفي هذا السياق، أصبح عرفات – الذي كان يشغل منصب قائد حركة التحرير الوطني الفلسطيني المستقلة (فتح) – ومن معه من قادة المجموعات الفدائية الرئيسية الأخرى، أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لقد تزامن هذا التطور مع حدوث تحولات وتغيرات أخرى في طبيعة الثروات الاجتماعية والاقتصادية للبرجوازيّة الفلسطينيّة في الشتات. ففي لبنان، برز تحالف ضمّ عناصر مختلفة من البرجوازية اللبنانية المعارضة لتراكم ثروات البرجوازية الفلسطينية. وقد أفضى هذا التحالف إلى محاولة نجحت عام 1965 بتدمير بنك إنترا الذي يملكه فلسطيني – أكبر بنك عربي في الشرق الأوسط في ذلك الوقت.8 ومع قرب نهاية حقبة الستينيات، أصبحت البلدان العربية في الخليج – والتي فتحت حدودها من قبل أمام الأنتلجنسيا الفلسطينية وأصحاب الأعمال الفلسطينيين – تضع قيودًا على دخولهم إليها، وذلك بهدف اتخاذ تدابير مسبقة لإحباط المنافسة المستقبلية بين الفلسطينيين والسكان الوطنيين الذين بدؤوا بتحصيل درجات التعليم العالي في تلك البلدان.9وقد شهد عام 1970 اندلاع الحرب الأهليّة في الأردن بين الجيش الأردني والفدائييّن التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتصاعدت حدة المواجهات، والتي أفضت إلى طرد منظمة التحرير من الأردن بعد مرور سنة على المذابح التي قام بها الجيش الاردني ضد آلاف الفدائييّن الفلسطينيّين.10 وتساعد هذه التطورات على تفسير الحماسة الوطنية المفاجئة لدى البرجوازييّن الفلسطينييّن في الشتات، والذين استمر صمتهم حتى الستينيات. 11ومع حلول عام ١٩٧٤، نجحت البرجوازية الفلسطينية، التي ساندت حركة فتح بقيادة عرفات، مستعينة بدعم الجامعة العربية للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وفي العام نفسه، ألقى عرفات خطابًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة باسم الشعب الفلسطيني، وهو تطور انتزع اعتراف العالم (باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل) بشرعية النضال الفلسطيني.12
في الحالة الفلسطينية، كما هي الحال في جميع الحركات الوطنية والقومية، بدأ مشروع إضفاء طابع النوع الاجتماعي على النزعة الوطنية في لحظة إنشاء الحركة الوطنية. ويجادل أندرو باركر وآخرون (Andrew Parker et all)، في كتابهم الرائد Nationalisms and Sexualities أنه “بنفس طريقة تحديد (الرجل) و(المرأة) لأنفسهم تبادليًّا (وإن كان ليس تماثليًّا على الإطلاق)، ، تحديد الهوية الوطنية على أساس صفاتها العضويّة، وإنما بناء على ما هو (افتراضًا) ليس من صفاتها“.13 وبالتالي لا تقتصر المهمة الأساسية المطروحة أمام القوميّين المناهضين للكولونيالية على مجرد تحديد أدوار الجنسين في علاقتهما ببعضهما البعض، وإنما تشمل أيضًا تحديد دور كل منهما في علاقته بالمشروع الوطني والقومي، وبذلك ينفصل ارتباط الهوية الوطنية عن أي تلويث كولونيالي.
لقد كان “الميثاق الوطني الفلسطيني” و“الميثاق القومي الفلسطيني” أول وثيقتين تصدرهما منظمة التحرير الفلسطينية؛ وكانتا بمثابة الدستور الذي يقدم تعريفًا للأهداف السياسية الفلسطينية، والحقوق الفلسطينية، والوطنية الفلسطينية ذاتها بطبيعة الحال، كما أنهما وثيقان تأسيسيتان لجيل الوطنيين الفلسطينيين الجديد. إن تحليل هذين النصيّن يعطينا مؤشرًا حول كيفية تمفصل الوطنية الفلسطينية بعد عام 1948 عن طريق مهندسيها.
تعتبر مقدمة الميثاق القومي الفلسطيني أن الغزو الصهيوني لفلسطين يُعدّ بمثابة اغتصاب للأرض. 14 وتعتبر الفلسطينيين أبناء فلسطين، والتي يتم تصويرها باعتبارها الأم. ويتناول العدو الصهيوني بوضوح باعتباره مذكرًا، ويستخدم الميثاق الاستعارة لوصف الأذي الذي اقترفه هذا العدو ضد الفلسطينيين بأنه يتسم بطبيعة جنسية عنيفة. 15
وتنسجم هذه الرؤية بالكامل مع الخطاب الصهيوني المبكر، والذي اعتبر دور الصهاينة متمثلاً في تخصيب الأرض البكر. لقد كانت فلسطين بالنسبة إلى الصهاينة بمثابة الأرض – الأم التي يحتاج اليهود إلى العودة اليها، والأرض – البكر التي يحتاج الصهاينة إلى افتضاضها وتخصيبها وتلقيحها. وكما بينت دراسة إللا شوحط (Ella Shohat)، فقد كانت وجهة النظر الصهيونية مستعارة بدورها من الخطاب الكولونيالي الأوروبي، وخاصة تلك المتعلقة بـ “العالم الجديد“، إن “صبرا” الإسرائيلي – مثله مثل آدم الأميركي، ولكن على خلاف يهود الشتات “المؤنثين” 16– كان ذكرًا رائدًا جديدًا يُلقح الأرض البكر/ الأم ببذرة حياة جديدة. ومن المفترض أن ينتج “يهودي جديد” عن هذا الحمل. 17 ويريد الخطاب الصهيوني القائم على النوع الاجتماعي الخطاب الاستشراقي – فقد وصف المستشرقون الشرق “باعتباره مؤنثًا، ووصفوا ثرواته بالخصوبة، واعتبروا رموزه الرئيسية: المرأة الحسيَّة، والحريم، والحاكم الاستبدادي – وإن كان جذابًا“. 18
لقد كانت هذه المُسلمات الخطابية ذكورية المركز، التي شكلت النزعة القومية الأوروبيّة منذ بدايتها. ويجادل كل من بنيدكت أندرسون 19(Benedict Anderson) وجورج موسي 20 (George Mosse) بأن النزعة القومية تُفضل شكلاً اجتماعيًّا متجانسًا اجتماعيًّا على نحو متميز للرابطة الذكورية (homosocial)، ويطرح موسي حجة أن “النزعة القومية [الأوروبية] ترتبط بالمجتمع الذكوري ارتباطًا خاصًا، كما ترتبط بمفهوم الاحترام الذي يضفي شرعية على هيمنة الرجال على النساء“.21 ويذهب أندرسون إلى أن “الأمة يجري إدراكها دومًا بوصفها رفقة أفقية عميقة، وفي نهاية المطاف، فإن هذه الأخوة (fraternity) الذكوريّة (التشديد من عندي) هي التي أتاحت – عبر القرنين الماضيين – لعدة ملايين من الناس، ليس إمكانيّة قتل الكثيرين بقدر ما كانوا هم على استعداد للموت من أجل هذه التخيّلات المحدودة“. 22وفي كتابه عن “المجتمعات المتخيلة” Imagined Communities، يشير أندرسون إلى أن “كل فرد في العالم الحديث يمكن – يجب أن تكون (الديه) جنسية، تمامًا كما (لديه) نوع اجتماعي“.23 ويُعد هذا التطور جزءًا لا يتجزأ من دخول الحداثة، وبوجه خاص الطرق الحديثة لتصنيف الناس، على أن هناك تاريخًا لهذا التطبيع للهوية الوطنية – مثل تطبيع النوع الاجتماعي والهويّات الجنسيّة التي تتزامن معه – وسوف أحاول تقديم تصور له في حالة فلسطين.
تقدم المادة 4 من الميثاق الوطني الفلسطيني تعريفًا للشخصية الفلسطينية باعتبارها “صفة أصليّة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء“. 24 وتنص المادة 5 على ما يلي: “الفلسطينيّون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947, …. وكل من وُلد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ – داخل فلسطين أو خارجها – هو فلسطيني [التشديد من عندي]”.25 ومما يُثير الاهتمام أن هذا التعريف للهويّة الفلسطينيّة يختلف باختلاف المرحلة التاريخيّة، فبينما كان تعريف الفلسطينييّن حتى عام 1947 – أي حتى “الاغتصاب” (الذي يُعتبر شرعيًّا بموجب قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام ١٩٤٧) – يعتبرهم من كانوا يقيمون في فلسطين، أي الذين قاموا على الأرض – الأم، فإن الأمر لم يُعد كذلك بعد 1947. وفي فترة ما بعد 1947، لم يعُد الفلسطينيون – سواء الذين ما يزالون يعيشون داخل فلسطين التاريخية أو خارج حدودها – يندرجون في ذلك التعريف السابق. لقد أصبح هذا الشرط المكاني – الزماني للهوية الفلسطينيّة، وتأكيدها المجازي على الأمومة، يرتبط ارتباطًا مباشرًا – بعد “الاغتصاب” – بقضية إعادة إنتاج الأمة. ويُطبق الخطاب القومي ذلك من خلال أبوّة جسديّة ومجازيّة، بحيث يصبح مولد الفلسطيني من أب فلسطيني شرطًا أساسيًّا لاكتساب الهويّة الفلسطينيّة. ومن الأهمِّية بمكان الإشارة إلى أن هذا الأب تنبع فلسطينيّته من خلال إقامته على الأرض الأم قبل “الاغتصاب“. ويكشف هذا التعريف عن أهمِّية تحسين النسل في المنطق الوطني والقومي، بحيث يمكن القول بأن هذا التعريف يمدّ نفسه إلى الأجيال المستقبليّة، حيث بمقتضاه يواصل أبناء هؤلاء الأباء إنجاب الشعب الفلسطيني. وفي المجمل، بينما كانت الأرض كأم مسؤولة عن إنجاب الفلسطينييّن حتى ١٩٤٧، فقد سلب منها الاغتصاب هذا الدور, وأصبح الآباء الآن مسؤولين عن إعادة إنتاج الأمة. لقد حلت الأبوّة محل الأرض.
إن عجز الأرض كأم عن أداء دورها الإنجابي الوطني في الميثاق – لا ينكر أنه بإمكانها كأم أن تنتج أطفالاً، وإنما بالأحرى لم يُعد ممكنًا الاعتماد عليها – منذ الاغتصاب – في إنجاب أطفال فلسطينييّن شرعيّين. وفي إطار هذا التصور المجازي، لا يمكن بوضوح أن تصبح النساء قوة فاعلة للجنسية، وبالتالي يصبح دورهن ثانويًّا ومساندًا في سرديّة النزعة القوميّة.26 كما أن فكر القوميّة المناوئة للكولونياليّة مشتق من فكر عصر التنوير الأوروبي، فإنّ القوانين التي تحدد الجنسية في الدول التي استقلت عن الاستعمار هي بدورها أيضًا مشتقة من قوانين الدول الأوروبية. وفي هذا السياق، فإن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينيّة ليس استثناء. فإنّ إقامة الأبوّة كمصدر للوطنيّة كان قد كُرس مسبقًا في حالة بريطانيا النموذجية في قانون الجنسية البريطاني منذ القرن التاسع عشر.
استخدم ياسر عرفات – رئيس منظمة التحرير الفلسطينية – في خطابه عام ١٩٧٤ أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، مرة أخرى الاستعارات الخاصّة بالعنف الجنسي لوصف استخدام الصهاينة للأساليب الكولونياليّة من أجل “اغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم تشريده“.27 ويؤكد عرفات أن تحالف إسرائيل الدولي مع القوى الكولونيالية والولايات المتحدة ضدّ تحرّر العالم الثالث واستقلاله يقدّم صورة أوضح لعدونا “الذي اغتصب بلادنا“، كما يوضح “شرف” النضال الذي نشنّه ضدّه. 28 ويتم استحضار صورة الاغتصاب مرة أخرى في البيان السياسي الذي أصدره المجلس الوطني الفلسطيني في تشرين الثاني/ نوفمبر ۱۹۸۸. إذ يطرح البيان، من خلال إعادة تأكيد استمرار تصوير الاحتلال الصهيوني الرمزيّة الجنسيّة على النحو التالي: “ظهرت إسرائيل على حقيقتها، دولة فاشية عنصرية استيطانيّة، تقوم على اغتصاب الأرض الفلسطينيّة وإبادة الشعب الفلسطيني“. 29 وبالتالي، يُطرح التحرر بوصفه صفقة بين الرجال على شرف امرأة – أمّ، تنتقل ملكيّتها من خلال الأبوة.
يتضمّن هذا الخطاب زخمًا خاصًا به, ولتفسير رفض الشعب الفلسطيني قبول قرار الأمم المتحدة للتقسيم في عام ١٩٤٧ – حيث “قسّمت ما لا يجوز لها أن تُقسم – أرض الوطن الواحد” – يقارن عرفات في خطابه في الأمم المتحدة عام 1974 بين الشعب الفلسطيني والأمّ الحقيقيّة في قصة الملك سليمان: “وحين رفضنا ذلك القرار، فلأننا مثل أم الطفل الحقيقية التي رفضت أن يُقسِّم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة أخرى“.30 ومن المثير للاهتمام الإشارة إلى هذا النوع من قلب الأدوار، ففي حالة فلسطين، كان أبناء فلسطين الحقيقيون – الرجال النساء الذين يعيشون في فلسطين – هم من رفضوا قرار تقسيم الأمم المتحدة لأمهم، مما يشير إلى مدى انخراط الرجال والنساء الفلسطينييّن في الدفاع عن أمهم ضد ما أصبح يُشار إليه فيما بعد باعتباره اغتصابًا. لاحظ كيف نقل عرفات فاعلية الأم في قصة سليمان إلى الأبناء، مع احتفاظ فلسطين كأم بموقع الضحية فحسب. يرى عرفات أن الفاعلية الوطنية الفلسطينية عام 1947 كانت تتسم بدفاع الأبناء عن أمّهم، ولكن على خلاف الأمّ في قصة سليمان التي أقنعه موقفها بإعادة طفلها إليها، فشل أبناء فلسطين الحقيقيون في الدفاع عن أمّهم؛ فقد وقع الاعتصاب.
عقب مرور عشرين سنة على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وقطاع غزّة، ثار الفلسطينيّون ضد الكولونياليّة للمرّة الثانية خلال نصف قرن. لقد كانت الانتفاضة الفلسطينيّة التي اندلعت في عام ١٩٨٧ أكثر شدة من الثورة الأولى التي استمرّت من 1936 إلى 1939. واستمرّت الانتفاضة الفلسطينيّة حتى أنهاها عرفات – من خلال اتفاقيات أوسلو في عام ١٩٩٣، لكنها أفضت إلى ظهور قيادة فلسطينيّة جديدة، بدأت بتنظيم المظاهرات والإضرابات وغيرها من نشاطات مقاومة الاحتلال. وبعد ذلك انضمّت منظّمة التحرير الفلسطينية – التي كان مقرها في الشتات – إلى القيادة الوطنيّة الموحدة للانتفاضة، وأمدّت السكان الذين يقاومون الاحتلال بالقيادة والدعم المالي. وكانت البيانات المشتركة التي تصدرها القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، فضلاً عن إعلان استقلال فلسطين الذي أصدرته منظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر ۱۹۸۸ من مقرها في تونس، بمثابة الوسيلة الأساسية لتعبئة السكان وحشدهم.
وفي خطابه أمام الأسم المتّحدة عام 1974، وصف ياسر عرفات الشعب الفلسطيني باعتباره “حارسًا أمينًا” للأماكن المقدسة في وطنه.31 لقد اعتبر إعلان الاستقلال في تشرين الثاني / نوفمبر ۱۹۸۸، المرأة الفلسطينية، والذي أضفى صفة “الشجاعة” عليها، “حارسة بقائنا وحياتنا، وحارسة نارنا الدائمة“.32 ونجد ّأن بيانات القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة أيضًا تدرك المرأة الفلسطينيّة باعتبارها حارسة البقاء الفلسطيني والحياة الفلسطينية.”33
تحت عنوان “نداء عرس الدولة الفلسطينية المستقلة“، يحتفل البيان رقم ۲۹ بإعلان الاستقلال، ويتقدم بالتهنئة إلى النساء لدورهن كأمّهات، كما يوجه البيان التحية إلى “أم الشهيد وزغرودتها، فهي لم تزغرد إلا مرّتين، يوم مضى ابنها، ويوم أُعلنت الدولة [التشديد من عندي]”.
ويتحدّث البيان رقم 5 عن “أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا” الفلسطينيات بوصفهن “منابت“، أو التربة التي نما عليها “العزة والكرامة والرجولة“. ويُشير البيان إلى النساء بمصطلحات ترتبط بيولوجيًّا واجتماعيًّا بالرجال. كما يدعو البيان النساء “للعمل معًا إلى جانب أزواجهنّ وابنائهنّ وإخوانهنّ…”. بينما يعتبر بيان آخر الأمّهات والشقيقات والبنات بمثابة التربة التي تنتج الرجولة والعز والكرامة.34 ويصدر بيان بعد ذلك يعتبر الشعب الفلسطيني– بوصفه مذكرًا – بمثابة “صانع المجد والعزّ والكرامة“. ويحتلّ التناقض هذا موقعًا مركزيًّا فيما يتعلق بإدراك الفاعلين الوطنييّن الفلسطينييّن باعتبارهم ذكورًا. فعلى حين يحقق الرجال بفعاليّة المجد والعزّ والكرامة، فإنّ النساء لسن سوى التربة التي تنمو هذه الصفات، إلى جانب الرجولة، عليها. المرأة إذن تماثل التربة من حيث كونها “حارسة” الحياة الفلسطينيّة والبقاء الفلسطيني.35
وتبدو القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة – والتي أصدرت بيانات الانتفاضة – ملتبسة في بعض الأحيان، بينما تبدو في أحيان أخرى متورطة بالكامل في استمرار التراث التقليدي المبكر بشأن إدراك الذكورة. فتشير بعض البيانات 36 إلى النساء مع المجموعات المهنية مثل التجّار, والفلاحين، والطلاب، والعمال؛ مما يعطي انطباعًا بأن هذه المجموعات المهنية تضمّ الرجال فقط، أو أنّ النساء – على خلاف الرجال – يشكّلن مجموعة مهنيّة، مع التسليم جدلاً بأدوارهنّ كزوجات دون منح هذا الدور كرامة المهنة. وتشير بيانات أخرى37 إلى النساء في إطار قطاعات السكان المعرّضة للتأثر، 38وتحديدًا الأطفال وكبار السنّ، مما يضعهنّ في سياق دورة الحياة. ولا يأتي ذكر النساء مع الرجال إلا في سياق المقاومة والنضال، وبالتالي تَقرّ البيانات بفاعلية الرجال بوصفها الصفة التعريفية الوحيدة لهم، واعتبار أنّ النساء (اللاتي لسن أمّهات) يمتلكن فاعليّة محدودة.39
وتتّسم خصوصية أجساد النساء الفلسطينيّات بالدلالة في هذه النصوص، وذلك عند أخذ الإنجاب في الحسبان فقط. ويطرح هذا الإدراك للجسد تعريفًا للفلسطيني الموجود في ذهن القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة عند إعلانها أنّ الانتفاضة تتكوّن من “أطفال وشباب الحجارة و المولوتوف، هي آلاف النساء اللواتي أُجهضن بالقنابل الغازيّة والسامّة واللواتي ألقي بأبنائهنّ وأزواجهنّ في السجون النازيّة“.40 يُشار إذن للنساء الفلسطينيّات من حيث قدراتهنّ الإنجابيّة (عندما يُجهض)، أو من حيث أدوارهنّ الاجتماعيّة (عند اعتقال أبنائهنّ).
وتتجلّى بوضوح الأدوار الإنجابيّة للمرأة في مواضع عديدة في بيانات السنة الأولى للانتفاضة. وتتمثل معاناة النساء على أيدي المحتل في الإجهاض – أي فشلهن في إنجاب الفاعلين الوطنيّين.41 ومع ذلك، تُمتدح النساء بوصفهنّ أمّهات عبر البيانات. فمن حيث الاعتراف بقدرتهنّ الإنجابيّة، تتوجه القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة إلى النساء بالمحبّة،42والتحية،43 وتخاطبهنّ بوصفهنّ أمّهات “الشهداء، والمعتقلين، والجرحي [كلهم ذكور]”,44 وتتوجّه إليهنّ بالتهنئة عند استشهاد أبنائهنّ، 45 وتتعاطف معهنّ بوصفهنّ “أرامل وثكالى“.46
وتنظر تلك البيانات إلى النساء أيضًا خارج سياق أدوارهنّ الإنجابيّة؛ حيث توجّه اليهنّ التحيّة كمعتقلات لدى سلطات الاحتلال، 47 وتعلن الحداد عند قتلهنّ – وقتل الأطفال والشيوخ – من جانب الإسرائيليّين،48 وعندما يُشار إلى دور المرأة الشهيدة، يُشار إليها كإبنة، وهنا تُذكر جنبًا إلى جنب مع الأبناء الذكور.49 كما يُشار إلى النساء أيضًا– بالإضافة إلى الأطفال والشباب وكبار السنّ – بوصفهنّ صنّاع الانتفاضة،50 ويجري اختيارهنّ لأداء الانشطة التي ترى القيادة الوطنيّة الموحّدة للانتفاضة أنها مسؤوليتَهن.51 وتضمّ هذه “المسؤوليات” الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، 8 آذار / مارس، بالخروج في تظاهرات ضد الاحتلال. وتنال النساء المديح لإخضاعهنّ قضايا النوع الاجتماعي إلى القضايا الوطنية، ويُطلب منهن ضمنًا نقل شرعية هدفهنّ ضد القمع الجنسي في النضال الوطني.52 وعلى الرغم من أن بيان 8 آذار/ مارس الصادر عن اللجان النسائية (الملحقة بمختلف فروع الحركة الوطنية) تناول بشكل مباشر الأوجه المختلفة لأنشطة النساء أثناء الانتفاضة، فإنّ اللّجان لم تقدم أجندة واضحة في مجال النوع الاجتماعي، إن أنشطة النساء كما عالجتها اللجان النسائيّة، “وظلّت امتدادًا للأدوار التقليديّة [للنساء] في مجالات مثل في التعليم والخدمات الاجتماعية“.53
وفي مقابل نعمة البيانات السابقة، وجهت القيادة الوطنيّة الموحدة للانتفاضة التحيّة إلى المرأة الفلسطينيّة في عام ١٩٨٦ – وأعلنت “إعجابها ببطولتها في الكفاح الوطني“.54 وفي عام 1990، وضعت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة عنوان “نداء المرأة” على أحد بياناتها، حيث ضم قسمًا خاصًا مكرسًا للنساء وإن كان عبر تقديمهنً مرة أخرى من زاوية علائقية بالرجال.
“تحتفل الأمم التقدميّة باليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/ مارس، باعتباره يوم النضال لجماهير النساء في العالم. وفي إطار الاحتفال بهذا اليوم العظيم، فإننا نتقدم بالتحيّة، باسم جميع أبناء شعبنا، إلى الجماهير النسائيّة في العالم وجماهير الحركة النسائيّة الفلسطينيّة ومنظّماتها الطليعيّة، ونوجّه التحيّة إلى كل امرأة عاملة ومناضلة وزوجة، وخاصة مناضلاتنا المعتقلات. إننا نُعرب أيضًا عن إجلالنا لدور الحركة النسائيّة النضالي في الانتفاضة الفلسطينيّة، ولكلّ أمّ فقدت إبنًا, بنتًا، زوجًا، أو شقيقًا، وإلى كل امرأة تلتقي بابنة مناضلة أو ابن بطل خلف سجن باستيل العدوّ الصهيوني“
ويواصل البيان توجيه الثناء إلى الشعب الفلسطيني لصنعة التاريخ “عبر دماء أبنائه“.55 وتشتمل بيانات القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة على تناظر ضمني بين الانتفاضة والحمل، إذ حين تشير البيانات إلى دخول الانتفاضة إلى شهرها الثامن أو التاسع أو الثاني عشر، 56 فإنها تشير دومًا إلى محاولة العدو قهرها باعتبارها محاولته لاجهاضها.57 ويُعتبر الاستقلال الفلسطيني بوضوح المولود الأخير لحمل الانتفاضة (انظر/ ي إعلان الاستقلال). كما توصف الانتفاضة أيضًا بأنها “العرس الفلسطيني“، ذروة الحبّ بين الجنسين.58 ويبدو أنّ ناتج حمل الانتفاضة يتمثل في مولود وعرس، من زاوية أنّ العرس يفتتح دورة إنجابيّة جديدة – إنجاب الجيل القادم، وهو الأمر الذي يضع إنجاب الأسرة من الجنسين في موقع المركز في المشروع الوطني. أما أطراف العرس، فهم ليسوا سوى الفلسطينيّين كفاعلين وطنيّين وقوميّين، ودائمًا ذكور، وفلسطين / الأم / المرأة / الأرض، ولكن ما أن يتحقق الاستقلال، لا يبدو واضحًا ما إذا كانت فلسطين – الأم – جديرة بالثقة مرة أخرى في حمل / إنجاب الشعب الفلسطيني. حتى ذلك الحين، سيبقى الرجل الفلسطيني يُعدّ بمثابة المسؤول عن حمل / إنجاب الأمة. وفي هذا السياق، يعتبر ياسر عرفات نفسه (ويشار إليه في بعض المناسبات بكلمة “الأخ“) “الأب الرمزي” للأمة.59
إن إنشاء نموذج جديد للذكورة المناهضة للكولونياليّة كان محاولة أكثر تعقيدًا من محاولة النظير الكولونيالي. ففي الخطابات القوميّة الأوروبيّة، كما تحادل شاندرا موهانتي (Chandra Mohanty)، كانت الذكورة الأوروبيّة البيضاء هي دومًا بمثابة تعريف الفاعليّة القوميّة في الوطن. وفي المستعمرات، كانت تلك الذكورة البيضاء الكولونياليّة نفسها – التي جعلتها الكولونياليّة الأوروبيّة معيارًا – هي التي سادت عند التعامل مع الأهالي.60 وعند تكييف الفكر القومي الأوروبي ليتوافق والظروف المحليّة، واجه القوسيون المناهضون للكولونياليّة مهمة تعريف، لا تقتصر على أدوار الرجال والنساء في المشروع القومي فقط، وإنّما تمتد لتشمل أيضًا ما يمكن أن تبدو عليه الذكورة القومية غير الأوروبيّة، ونوع الأدوار الأدائيّة التي تضمن تحقيقها. وفي سياق هذا المجرى، وضعت الوطنية الفلسطينيّة لنفسها مهام مماثلة – مثلها مثل القوميّات الأخرى المناهضة للكولونياليّة.
تشير المادة 7 من الميثاق الوطني الفلسطيني إلى “الفرد” الفلسطيني بأسلوب نظريّة التعاقد النمطي، وبالتالي تقل خصوصيّته من حيث النوع الاجتماعي عن باقي الجوانب بالميثاق. تنصّ المادة 7 على أن “الواجب القومي” الفلسطيني يتمثل في تنشئة هذا “الفرد تنشئة عربيّة ثوريّة واتخاذ كافة وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه“. وتحدّد هذه المادة الواجب القومي للفرد الفلسطيني– بعد تنشئته وفقًا لتوصيات المادة 7، والتي تنص على “تأهيله للنضال والكفاح المسلح” – بأن يعمل على “التضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير“.61 ولا يقتصر هذا النداء للفلسطينيّين على القدرة الذكورية على الكفاح المسلح فحسب، وإنما يضم أيضًا التمتع بوضع اقتصادي برجوازي، كما يأتي هذا النداء في سياق الشتات الفلسطيني، حيث تعيش الآن أغلب البرجوازيّة الفلسطينيّة.
إنّ مسار الاستعارات الواردة في هذا الخطاب يُسهم في إنتاج ذهنية من الفاعليّة تتسم بطابع النوع الاجتماعي، ولها قوة دفع خاصة بها. ففي خطابه عام 1974 أمام الأمم المتحدة حول الفلسطينييّن في الشتات، أعلن عرفات أنّ الأبناء الفلسطينييّن الذين تعلموا في الشتات – حيث يعملون ويُسهمون في بناء وتطوير البلدان المجاورة – قد حققوا دخلاً استخدموه لمساعدة أقاربهم الأصغر والأكبر الذين لم يتمكنوا من مغادرة مخيّمات اللاجئين، كما أكد عرفات:
“علَّم الأخ أخاه وأخته وحافظ على والديه وربّى أولاده، ولكنه ظلّ يحلم في قلب ذاته بالعودة إلى فلسطين …. ظل فلسطينيًّا متمسكًا بوطنه لا يهتز ولاؤه لها ولا تهن عزيمته ولا يفتر حماسه“.62
وكجميع الأيديولوجيّات السياسية الأخرى، تُشتق النزعة الوطنيّة والقوميّة من بنائها الاجتماعي. وفي سياق هذا المجرى، من الأهميّة بمكان ملاحظة الجانب الأدائي للفاعليّة الوطنيّة في نص عرفات والذي بمقتضاه يسدد الشقيق مصروفات تعليم شقيقه وشقيقته، ويتولى رعاية والديه، وتنشئة أبنائه، ويحلم قلبه بالعودة إلى فلسطين، وهو ما يميز قوة الفاعليّة الوطنيّة الفلسطينيّة. ووفقًا لأطروحة جوديث بتلر (Judith Buller)، يبدو واضحًا أن الأثر الجوهري للفاعليّة القوميّة – مثل الهوية الجنسيّة وهويّة النوع الاجتماعي – يُنتج من خلال الأداء، ويخضع للممارسات الناظمة لاتساق فئة الفاعلية القوميّة ذاتها.63 وبما أن الوطنية – مثلها مثل جميع المواقف السياسية الأخرى – تُعد أدائيّة بحكم الظروف، فإن الفاعليّة الوطنية تُثبت أنها تتشكل أدائيًّا من خلال التعبيرات نفسها التي يُقال إنها من نتائجها، وكما يوضح الاقتباس السابق، تتشكل الفاعليّة الوطنيّة من خلال أداءات ذات خصوصية تتعلق بالنوع الاجتماعي، حيث تقترن معانيها دائمًا بالوطنية. وقد يبدو الأداء الوطني عندئذ متداخلاً مع الأداءات الذكوريّة التي تكفل اتساقه التعريفي، والتي بدونها يصبح مستحيلاً، ومما يثير الاهتمام هنا, ذلك التباين بين أدائيّة الفاعليّة الوطنيّة والهويّة الفلسطينيّة ذاتها، والتي تشكلت من خلال المناداة بالمعنى الألتوسيري (interpellation)، ويتأكد هذا التكوين المناداتي للهوية الفلسطينية عن طريق الأمر التعريفي الوارد. في الميثاق الوطني، والذي ينادي الفلسطينييّن بوصفهم “فلسطينييّن“.64 وبينما تتم مناداة الرجال والنساء كفلسطينيّين، بمعنى أنهم يتمتعون بالهوية الفلسطينيّة بمعنى الكلمة، فإن الأدائية الذكورية هي وحدها التي تمثل تعريف الفاعلية الوطنية الفلسطينيّة.
ويبدو جليًّا, عند الإشارة إلى الفلسطينييّن، وجود زلة لسانيّة في نص خطاب عرفات. ففي بعض الأحيان تعني كلمة “الفلسطينيّين” الرجال والنساء، وفي أحيان أخرى تشير إلى الرجال فقط. إلا أن ما يهمنا هنا يتمثل في سياق حدوث هذه الزلة. فعند تعريف الفاعلين الوطنيين الفلسطينيين والتزامهم بفلسطين، نجد انتقال الفاعلية من طابعها العام الذي لا يميز ظاهريًّا بين الجنسين نحو العالم الذكوري الواضح. لكنها زلة ليست غير مميزة. بل هي بالأحرى، وكما سنوضح فيما بعد، انعكاس لكيفية إدراك المذكر والمؤنت داخل الفكر الوطني الفلسطيني.
وفي حين أنّ دعوة الميثاق البرجوازية الفلسطينيّة للتضحية بمالها كانت في منتصف الستينيّات، فإن وجهة نظر عرفات بشأن الفاعلين الوطنيين الفلسطينيّين تكمن في تحسين حياة كثير من الفلسطينيّين اقتصاديًّا، داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات، على مدار العقد القائم. ويرى عرفات أن الفاعل الوطني الفلسطيني يعمل باجتهاد ويحصل على المال لدعم أسرته وتعليم أشقائه وشقيقاته. و[هو] يقدر على القيام بذلك نتيجة لتوفر فرص اقتصاديّة في الخليج. وتمدّ هذه التطورات الاقتصادية عرفات بالسياق اللازم لتصوير الفاعل الوطني الفلسطيني ليس فقط بوصفه ذكرًا، وإنما أيضًا باعتباره ينتمي إلى برجوازية في طور التكوين. وبهذا الصدد, من المهم الإشارة إلى أنه على الرّغم من أن الوضع الوطني المستقبلي للشقيق الثاني يُعتبر مكفولاً من خلال اتباعه لخُطى (أي ممارسة الأداء نفسه) الشقيق الأوّل الأكبر الذي تولى تعليمه، فإنّ عرفات لم يفكر في الوضع الوطني المستقبلي للشقيقة، التي سدّد الفاعل الوطني الفلسطيني مصاريف تعليمها. ونجد هنا أن ليلي خالد – وهي من أشهر الفدائيات المقاتلات في الستينيات والسبعينيات – تتفق في سيرتها الثانية مع عرفات في نقطة واحدة: إنها كعرفات، تتوقع من الرجال الفلسطينيّين اتباع مدونة سلوك بعينها. فهي لم تشك في شقيقها الثوري محمد عندما تأخر وصول المال الذي وعدها بإرساله لها من أجل التسجيل للدراسة في الجامعة الأميركية في بیروت: إنه “يفي بوعوده، مثل جميع الرجال العرب الصالحين“.65 إن ليلى خالد، مثلها مثل أية امرأة عربية “صالحة“، تقبل اعتمادها على شقيقها.
وفي مواجهة الاحتلال، في سياق الانتفاضة، يصبح جسد الفاعل الوطني بمثابة الأداة الحاسمة. إذ يتوجّه أحد البيانات، على سبيل المثال، إلى الطلاب (الذكور) على النحو التالي: “أنتم الجسد الأقوى، أنتم الشريان النابض دائمًا بين جماهير شعبنا“.66 إن الصفة المقارنة “أقوى” تطرح تباينًّا ضمنيًّا بين حسن الفاعل الوطني الفلسطيني وجسد عدوه المذكر. ومع فإن ذراع / يد الفاعل الوطني هي التي يجري استحضارها دومًا عند وصف جسد الفاعل. ومن المفترض أن النساء، على سبيل المثال، يقفن جنبًا إلى جنب مع الرجال، “في صف واحد وبيد قوية واحدة“.67 وتقول القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة أن “سواعدكم القوية التي تدك أسس الاحتلال الصهيوني في السواعد ذاتها التي سوف تبني الدولة الفلسطينيّة المستقلة“.68 إن الآلاف من “أبناء غزة“، كما تقول القيادة الوطنيّة الموحدة للانتفاضة، خرجوا “من العرين يتصدّون بأجسادهم لآليات المحتلين“.69
على أنّ القيادة الوطنيّة الموحدة للانتفاضة ترك الشعب الفلسطيني باعتباره جسدًا واحدًا, جسد رجل. وتصف جسد هذا الشعب باعتباره جسد مارد «انتصب … ولن ينحني [التشديد من عندي]”.70 والنداءات الموجّهة إلى الشعب الفلسطيني للنهوض بطريقة موحدة تجد تعبيرًا عنها في نداء القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة للشعب الفلسطيني “بالوقوف وقفة رجل واحد” في مواجهة الحصار، ويدافع عن حق الشعب في النضال.71 وفي هذا السياق، فإن المعارك ضد العدو – والتي يُقتل خلالها الأطفال الفلسطينيوّن – ليست سوى “معارك الشرف، والبطولة، والفداء“. 72 إنّ الفاعل الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى أنه مذكر، وينتمي إلى برجوازية في طور التكوين، نجده شابًا ويتمتع بجسد قوي خال من العوالق البدنية لسن الشيخوخة. إنه يدرك نفسه من زاوية هوية جماعيّة توحده مع الشبيبة (الذكور) الذين يناضل معهم ضدّ الاحتلال. إن القناع الذي يضعه كثير من الشباب الرجال الفلسطينيّين (وبعض النساء)، عند مواجهة محتليهم (خوفًا من تعرف الإسرائيليّين عليهم ومعاقبتهم)، يسهم في محو هويّاتهم الفردية وظهور هوية جماعيّة قويّة. وغالبًا ما يكون القناع نفسه عبارة عن الحطة الفلسطينيّة (غطاء الرأس الذكوري أو الكوفيّة)، أي رمز الهوية الفلسطينيّة. وبالتالي، لا يقتصر النضال ضد المحتلين والمستعمرين الإسرائيلييّن على تأكيد الفاعلية الوطنية الفلسطينيّة فحسب، وإنما يمثل أيضًا عملاً لإضفاء الطابع الذكوري من أجل تمكين الاقتران الفعلي بين الفاعليّة الوطنيّة والذكورة (حيث يقترنان دائمًا بالفعل على مستوى المفهوم)، وعدم انفصالهما المنطقي داخل خطاب الوطنيّة. وبالتالي، يمكن استخدام مقاومة الاحتلال لأداء أفعال ذكوريّة في خضم أداء أفعال وطنيّة. وهكذا من خلال هذه المقاومة الوطنية المناهضة للكولونياليّة، تتشكل صورة جديدة للأجساد الذكوريّة على أرضية النضال الوطني، وهي صورة تصبح نموذجًا للفاعلية الوطنيّة الفلسطينيّة ذاتها.73
نحو مستقبل “ما بعد كولونيالي” 74
بعد أن حللنا أسس النوع الاجتماعي التي يرتكز عليها الفكر الوطني الفلسطيني، سنتناول بالبحث كيفية تأثير هذه الأسس على تجربة النساء الفلسطينيّات في الانتفاضة، وإمكانية تحررّهنّ في ظل الدولة الفلسطينيّة المستقلة مستقبلاً. تتوقف هذه الدراسة عند توقيع معاهدة أوسلو، ولكنّ التطورات اللاحقة للمعاهدة لم تقدم تغييرات مفهوميّة ملموسة في الفكر الوطني فيما يتعلق بموضوع النوع الاجتماعي.
لقد أصبحت حرِّية حركة النساء الفلسطينيّات وأسلوب ملبسهنّ وسلوكهنّ مفيدًا بدرجة كبيرة في غزّة، منذ أوائل التسعينيّات، نتيجة للتعاون بين الموقفين العلماني والديني للفكر الوطني الفلسطيني، وقد أكد الوطنيّون العلمانيّون للنساء بأن هذا ترتيب مؤقت، وأنّ النساء سيتحرون أيضًا بعد التحرير الوطني. ولم يكن هذا الموقف بمثابة خطأ تكتيكي ندمت القيادة العلمانيّة، فيما بعد، على استخدامه.75 بل كان بالأحرى تحركًا سياسيًّا لم يساوم إلا على القليل من الأيديولوجية الوطنيّة. لقد نبع مباشرة، في واقع الأمر، من كيفيّة إدراك الفكر الوطني دائمًا للمؤنث والمذكر. وفي إطار هذا السياق من الفكر الوطني، القائم دومًا بالفعل على أساس النوع الاجتماعي، تؤكد أن ماكلينتوك (Ann Mclintock) أن “النزعة القوميّة، أن لم تعتمد بعمق على تحليل سلطة النوع الاجتماعي، فإن الدولة الوطنية ستبقى مستودعًا للآمال الذكورية، والطموحات الذكورية، والامتياز الذكوري“.76
انطلاقًا من تجربة النساء الفلسطينيّات في الانتفاضة الأولى، يمكن القول بأنّ هذه الرؤية تتقاسمها الكثير من المفكرات والمناضلات الفلسطينيات.77 تقول إحدى الناشطات في اتحاد لجان النساء الفلسطينيات العاملات:
“ما يزال الرجال يصنعون القرارات… وسيستغرق الأمر زمنًا طويلاً من النضال [لتحقيق المساواة]، ونحن لن نحصل تلقائيًّا على حقوقنا كنساء عندما نحصل على دولتنا.78
وتؤكد ناشطة أخرى:
“نحن ندرك أننا إن لم نثر القضايا الآن، فلن نتمكن من دفعها قدمًا فيما بعده وسوف تُسيء الحركة الوطنية معاملتنا. إننا نناضل من أجل الاستقلال، لكننا لا نريد المساومة على دورنا كنساء. لقد أثيرت القضية الآن لأننا أدركنا من خلال عملنا في الانتفاضة [الأولى] مدى أهمية دورنا بالفعل. وقد منحنا ذلك الثقة“.79
لقد خلقت الانتفاضة فضًاء خطابيًّا جديدًا، حيث يمكن أن تتحدى النساء الفلسطينيّات من خلاله المفهوم السائد للفاعل الوطني الفلسطيني. ومع ذلك، لا تزال شدة ومرونة المُسلّمات الذكوريّة التي تدعم الفكر الوطني الفلسطيني، مع الأسف، قويّة ومحصّنة وبمنأى عن أي تهديد.80
وعلى الرّغم من المنطق الذكوري للفكر الوطني الفلسطيني، فإن النسويّة الفلسطينيّة حنان ميخائيل عشراوي أعربت – مع بعض التشكك – عن اقتناعها بقدرة النساء الفلسطينيّات على تحرير أنفسهنّ في إطار الوطنيّة الفلسطينيّة.81 وهي تلمح إلى ذلك بتأكيدها أن النسويّات الفلسطينيّات يتحرّكن “على المسار الصحيح“.82 وعلى أمل تجنّب تكرار الهزيمة التي مُنيت بها النساء الجزائريّات بعد الثورة، تشير حنان عشراوي إلى أنّ النسويّات الفلسطينيّات “يحاولن إيجاد مكان لأنفسهنّ، والمشاركة في عمليّة صنع القرار“.83 وهو هدف يتنافى مع واقع المسلمات الخطابيّة للوطنيّة الفلسطينيّة. لقد رفعت الانتفاضة من وعي كثير من النساء فيما يتعلق بأجندة النوع الاجتماعي، كما أوضحت المطبوعات النسائيّة التي صدرت أثناء الانتفاضة. ولكن لم يُترجم أي من ذلك على أرض الواقع بعد مأسسة أوسلو. على أن زعم عشراوي القائل إن “العمل القاعدي والدلالة التنظيميّة للجان النسائية في مجال التحول الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع … قد أضفي على الحركة النسائية مصداقيّة ومشروعيّة، بحيث لم يقتصر الأمر على قبول تمفصل النظريّة النسوية وإنما أيضًا جعله مرغوبًا“،84 كان شديد المبالغة. وبينما عشراوي على حق في زعمها أن مساهمات النساء في الانتفاضة أدت إلى تمفصل القضايا النسوية ومعالجتها من جانب كثير من النساء الفلسطينيّات، فإنّ زعمها بأنّ هذه المساهمة جعلت تمفصل النظريّة النسويّة “مرغوبًا” ظاهريًّا من قبل الحركة الوطنية و / أو المجتمع الفلسطيني – لم يكن يبعث على الاقتناع لا قبل أوسلو ولا بعدها.85
لقد أدّت الانتفاضة الأولى بالفعل إلى زيادة وعي النساء بموقعهنّ داخل الفكر الوطني والحركة الوطنيّة. وعلى سبيل المثال، جاء ردّ فعل عشراوي على الرطانة الوطنيّة الذكوريّة التي تعتبر المرأة “موقعًا للتفريخ” بقولها إن “التعريف الذكوري للقيمة الذاتية يرتكز على ذريِّتهم– الفخر في (النسب الذكوري) … والإبقاء على دور المرأة في الحمل، وخضوعها في المنزل – أي بدور يتحدّد بيولوجيًّا وفقًا للرجال“.86 على أنه في سياق الانتفاضة، وكما أكدت عشراوي نفسها – حيث كان الرجال الفلسطينيّون مهتميّن بزيادة عدد السكان الفلسطينيّين، وكان المحتلون الإسرائيليّون مهتميّن بالحدّ من هذه الزيادة – أصبحت أجساد النساء ميدان المعركة، مع القليل من القدرة المتروكة لهنّ على أجسادهنّ. أما نضال المرأة الفلسطينية من أجل استمرار الحمل، فهو نضال يقع في سياق من حالات الإجهاض الناجمة عن الغازات المسيلة للدموع والغازات السامة الإسرائيليّة – وهو نضال تدعمه القيادة الذكورية ارتكازًا على أجندتها الخاصة بها.
وفي مقابل التصورّات السابقة عن النساء الفلسطينيّات اللاتي اغتصبهنّ العدوّ، أحدثت الانتفاضة بعض التغيرات في المفاهيم المتعلقة بالنساء الفلسطينيّات اللاتي اغتصبهنّ اليهود الإسرائيليّون، وتشير عشراوي إلى ما يلي:
“لم تكن النساء السجينات قبل [الانتفاضة] “سلعًا للزواج“، لكونهنّ “سلعًا فاسدة“. وقد حدث تغيير مفاجي مع الانتفاضة: فقد أصبحت السجينات مرغوبات بعد إطلاق سراحهنّ، حيث أصبحت مصدرًا للشرف – دخولهنّ السجن، ونضالهنّ – ولم تعُد التساؤلات الأسطورية بشأن البكارة أو السلع الفاسدة مطروحة. وحصل ذلك بوجه خاص نتيجة الدعم على المستوى النسوي – من اللجان النسائيّة، وأخيرًا من المجتمع بمجمله” .87
مع الأسف، فإنّ هذا التغير التقدمي لم يبشّر بمزيد من التغيرات الجذرية، ولم يؤد إلى مساءلة الأساس الذكوري للفاعليّة الوطنيّة الفلسطينيّة. وفي واقع الأمر، تشير عشراوي نفسها إلى أن هذا التغيير كان مصاحبًا بحركة ارتجاعيّة، حيث “بدأت الأسر في حماية بناتها بإعادتهنّ إلى الأسرة عن طريق الزواج، وأحيانًا عن طريق الزواج المبكر“.88
وعلى الرّغم من أن الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، ومشاركة النساء النشطة في الانتفاضة الأولى، ضغطت على القيادة العلمانيّة لتغيير جزء من إطارها المفهومي. فإنّ الذكوريّة لا تزال تسود في الفكر الوطني الفلسطيني.89 لقد دأب النضال الفلسطيني المناهض للاستعمار، منذ بدايته، على تغيير حياة النساء الفلسطينيّات وتصوّراتهنّ عن أدوارهنّ المجتمعيّة، ومع ذلك لم تُترجم هذه التغيّرات إلى تغيير جوهري في طريقة إدراك الفكر الوطني الفلسطيني للنساء الفلسطينيّات. فلا تزال النظرة إلى النساء تعتبرهنّ أفرادًا خاضعين للوطن. لقد غيّر الفكر الوطني الفلسطيني من مفاهيمه، عبر عقود، فيما يتعلق بأدوار النساء وواجباتهن تجاه الوطن. لكن هذه التغيّرات كانت دومًا رد فعل لتغيّر المفهوم الوطني الفلسطيني لأدوار الرجال في النضال الوطني، ولمقتضيات النضال الوطني ذاته. وعلى هذا النحو، ظلت الفجوة قائمة بين أدوار الرجال والنساء، واستمر وضع المرأة الخاضع، على الرّغم من التغيرات التي شهدتها خصوصيّات تلك الأدوار فيما يتعلق بالنضال الوطني.90 هنا يجب الإشارة إلى أن مفهوم الذكورة في الفكر الوطني الفلسطيني بعد عام ١٩٤٨ يختلف بطريقة ملحوظة عن نظيره في الفترة التي تسبق النكبة، حيث إن الذكورة الوطنيّة الفلسطينيّة في حينها لم تشتمل على كون الفلسطيني بورجوازيّا وحاصلاً على درجات عالية من التعليم بل اشتملت على كونه فلاحًا أو صاحب أرض يرفض بيعها للصهاينة ومناضلاً ضد المستوطنين في فلسطين.
وقد تتمتع النساء الفلسطينيّات، في المستقبل القريب، بزيادة فرص التعبير عن رأيهنّ في السياسات الفلسطينيّة. ولكن مع معرفة البنية الخطابيّة للفكر الوطني حول المرأة، يمكن القول بأن النساء الفلسطينيّات سيستطعن تحقيق ذلك، ليس بوصفهنّ نساء فلسطينيّات يناضلن من أجل حقوق المرأة الفلسطينية، وإنما بوصفهن نساء فلسطينيّات يناضلن من أجل الحقوق الفلسطينيّة المبنيّة خطابيًّا، حيث الفلسطيني مُدرك دومًا بالفعل في إطار الذكورة. ويوضح الأداء الأخير للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التزام القيادة الفلسطينيّة بالمسار الذكوري السائد نفسه.91 وباستخدام لغة التحرر الوطني، يمكننا أن نضيف أنه لا توجد أمة حرة يُعتبر نصف أفرادها ثانوييّن وخاضعين. إن اعتبار ذلك حجة مقبولة ظاهريًّا يُعد في حد ذاته جزءًا من أعراض المشكلة. وإذا لم يتمكن النضال الفلسطيني من تطوير هذا النقد الذاتي المستمر في ظلّ ظروف المعركة، فان دروس التاريخ المنسيّة ستجعل ثمن انتزاع النصر باهظًا.
*Joseph Massad. “Conceiving the Masculine: Gender and Palestinian Nationalism”. The Middle East Journal, volume 49, number 3 (Summer 1995). Reprinted in The persistence of the Palestinian Question: Essays on Zionism and the Palestinians (New York: Routledge, 2006), pp. 41-54
1- قدمت صيغة مبكرة من هذه الورقة البحثية إلى المؤتمر السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط ، الذي انعقد في بورتلاند، أوريجون، تشرين الأول / أكتوبر ۱۹۹۲. وأود أن أتوجه بالشكر إلى كل من رباب عبد الهادي، وميرفت حالم، ونفيل هود، ومارك لينش، وعفاف محفوظ، وإدوار سعيد، وجياتري سبيفاك لما بذلوه من جهد لقراءة النسخ الأولى من هذه الورقة والتعليق عليها، وقد نشرت هذه الدراسة لأول مرة عام 1995.
2- انظر/ ي:
Partha Chatterjee, Nationalist Thought and the Colonial world. A Derivative Discourse, London, Zed Press, 1986
3- تشير الفاعلية الوطنية إلى القدرة والإرادة لأداء مجموعة من الأفعال والممارسات التي تستهدف تحقيق الأعراض الوطنية، كما يُعرّف الخطاب الوطني هذه القدرات والأفعال والممارسات والأغراض. والفاعل الوطني هو الشخص الذي يعتبر نفسه – ويعتبره الخطاب الوطني – جزءًا من الأمة، والشخص الذي يعتبره الخطاب الوطني مالكًا لتلك القدرة والإرادة وفقًا للمعايير التي حدّدها الخطاب الوطني نفسه.
4- انظر/ي:
Kumari Jayawardena, Feminism and Nationalism in the Third world, London, Zed Press, 1986, p. 15.
5- حول التأثرت (Traditionalization)، انظر/ ي
Abdullah Laroui, The Crisis of the Arab Intellectual, Traditionalism or Historicism? Berkeley, University of California Press, 1976..
6- تواجه النزعة القومية الأفريقية المناهضة للكولونيالية خطابًا أوروبيًّا كولونياليًّا يختلف عن الخطاب الذي تواجهه النزعة القوميّة الآسيويّة، بينما بنى الاستشراق فكرة احتياج الشرق للحضارة الغربية، فقد بنى الخطاب الكولونيالي إفريقيا في الخيال الأوروبي بوصفها “القارّة المظلمة” التي تحتاج إلى التنوير الأوروبي الكولونيالي.
7- حول تاريخ منظمة التحرير الفلسطينيّة، انظر/ ي:
Alain Gresh. The PLO: The Struggle Within, Towards an Independent Palestinian State, London, Zed, 1985, and Helena Cobban, The Palestinian Liberation Organization, People, Power and Politics, New York, Cambridge University Press, 1984.
8- حول الفلسطينيين في لبنان وتحطيم بنك إنترا، انظر/ ي:
Tabitha Petran, The Struggle Over Lebanon, New York, Monthly Review Press,1987
9- حول الفلسطينييّن في الخليج، انظر/ ي:
Laurie Brand, The Palestinians in the Arab World: Institution Building and the Search for a State, New York, Columbia University Press, 1988.
10- حول الأحداث التي وقعت في الأردن، انظر/ ي:
David Hirst, The Gun and the Olive Branch, the Roots of Conflict in the Middle East, London, Faber and Faber, 1984
11- حول البرجوازية الفلسطينيّة في الشتات، انظر/ ي:
Pamela Ann Smith, 1948. Palestine and the Palestinians, 1876-1983, London, Croomhelm, 1984.
12- حول تمثيل الفلسطينييّن في الغرب، انظر / ي:
Edward Said’s. The Question of Palestine, New York, Vintage, 1979.
13- انظر / ي:
Andrew Parker, Mary Russo, Doris Sommer, and Patricia Yaeger, eds., Nationalisms and Sexualities, New York, Routledge, 1992, p. 5
14- منظمة التحرير الفلسطينيّة، “الميثاق القومي الفلسطيني“، في: فيصل حوراني، الفكر السياسي الفلسطيني، ١٩٦٤ – ١974 دراسات المواثيق الرئيسية المنظمة التحرير الفلسطينيّة، بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينيّة، ۱۹۸۰، ص ۲۲۸
15- هذه آراء شائعة لدى أغلب النزعات القومية المناهضة للكولونياليّة. فقد تحدث فرانز فانون (Franz Fanon)، على سبيل المثال، عن “الاختراق العربي للفضاء الوطني“، بينما تحدّث إيمي سيزار (Aime Ceaire) عن “تعرية” إفريقيا و“اغتصابها“. وتطرح الوطنية الفلسطينيّة نفسها بوضوح في إطار الخطاب الذكوري نفسه. انظر/ ي:
Frantz Fanon, A Dying Colonialism, New York, Grove Weidenfeld, 1965, p. 42 And Aime Cesaire, “Introduction”, in Victor Schoelcher, Esclavage es Colonisation, Paris, Presses Universitaires de France, 1948, p. 7.
16- حول صورة يهود الشتات المؤنثيّن، انظر/ ي:
Paul Breines, Tough Jews. Political Fantasies and the Moral Dilemma of American jewry, Basic Books, 1991, and Sander Gilman, The Jew’s Body, Routledge, New York, 1991.
17- حول أهمِّية إضفاء الذكوريّة على رجال الشتات اليهودي عند وصولهم إلى فلسطين / إسرائيل، انظر / ي:
Joseph Massad, “The Post-Colonial Colony: Time, Space and Bodies in Palestine/Israel,” forthcoming in Fawzia Afzal-Khan and Kaplana Seshadri- Crooks, eds., The Pre-Occupation of Post-Colonial Studiesm Durham Duke University Press, 2000.
وحول الفاعليّة الصهيونيّة القائمة على النوع الاجتماعي في وعلاقتها بفلسطين، انظر/ ي:
Ella Shohat, “Eurocentrism, Exile and Zionist Discourse,” Paper presented at Middle East Studies Association Annual Conference, Washington, D.C 1991, and Shohat’s Israeli Cinema, East/West and the Politics of Representations, Austin, University of Texas Press, 1989.
انظر / ي أيضًا:
Simon Sharoni, “Militarized Masculinity in Context: Cultural Politics and Social Constructions of Gender in Israel.” Paper presented at the Middle East Studies Association Annual Conference, Portland, Oregon, 1992.
18- انظر/ ي:
Edward Said, “Orientalism Reconsidered,” Cultural Critique, I, Fall 1985, p103
19- انظر / ي :
Benedict Anderson, Imagined Communities, London, Verso, 1991
20- انظر/ ي:
George Mosse, Nationalism and Sexuality, Respectability and Abnormal Sexuality in Modern Europe, New York, Howard Fertig, 1985
21- انظر/ ي:Mosse, Nationalism, p. 67
22- انظر / ي:Anderson, Imagined, p.7
23- انظر / ي:Anderson, Imagined, p. 5
24- منظمة التحرير الفلسطينية، “الميثاق الوطني الفلسطيني“، في حوراني، الفكر ، ص236.
25- المرجع السابق، ص ٢٣٦. اتخذت الأمم المتحدة في عام 1947 قرار تقسیم فلسطین دون التشاور مع الشعب الفلسطيني، وبعد ذلك مباشرة (في كانون الأول/ ديسمبر ١٩٤٧)، بدأت القوى الصهيونية في طرد السكان الفلسطينيين.
26- توضح فرانشسکا کلج (Francesca Klug) في حالة بريطانيا كمثال، أن “إنتاج الأمة البريطانية كان مسموحًا النساء على أساس جنسية الأب فحسب، فلم يكن مسموحًا لهن التمتع بحق نقل جنسيّاتهنّ إلى أطفالهنّ“. وفي واقع الأمر، “كانت النساء البريطانيات اللاتي يتزوّجن من رجال يحملن جنسيات أخرى يفقدن جنسياتهنّ، كما يفقد أطفالهنّ الجنسيّة البريطانيّة أيضًا“. ومن الناحية الأخرى، كان أطفال الرجل البريطاني من زوجة غير بريطانية يحصلون تلقائيًّا على الجنسية البريطانيّة. ويصدق الشيء نفسه على الزوجات غير البريطانيات. وقد تغيرت بعض تلك القوانين في عامي ۱۹۸۱ و1985، حيث فازت النساء البريطانيات بحق تمتع أطفالهنّ المولودين خارج بريطانيا بالجنسيّة البريطانية. انظر / ي:
Francesca Klug, “Oh to be in England’: the British Case Study,” in NiraYuval- Davis and Floya Anthias, eds., Women-Nation-State, London, Macmillan1989,p. 21.
إنّ هذا النموذج البريطاني هو الذي نُقل إلى المستعمرات. وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع الأطفال الذين ولدوا داخل الإمبراطورية البريطانية منذ ١٩٧١ يجري اعتبارهم بريطانيّين، بغضّ النظر عن النسب الأبوي.
27- یاسر عرفات، “الحرب تندلع من فلسطين، والسلم يبدأ من فلسطين“، (خطاب عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة)، ص 8. يمكن الإطلاع على النصّ في مجلة “شؤون فلسطينيّة” (كانون الأول / ديسمبر ١٩٧٤)، ص 5 – ١٩، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة “اغتصاب” أحيانًا تترجم إلى usurpation (استيلاء)، إنّ الجذر الإيتيمولوجي لكلمة “اغتصاب” هو “غصب“، أي أجبر شخصًا على القيام بشيء ضدّ رغبته / رغبتها. وعلى الرّغم من أن كلمة “اغتصاب” يمكن استخدامها في سياق الاستيلاء، كما في “اغتصاب الحقوق” – بمعنى “الاستيلاء على الحقوق” – فإنّها تحتفظ دومًا بمعناها المزدوج ورمزيتها الجنسيّة.
28- عرفات، ص12.
29- منظمة التحرير الفلسطينية، “البيان السياسي“، ويمكن الإطلاع على النصّ الرسمي في “مجلة شؤون فلسطينيّة“، العدد ۱۸۸, تشرين الثاني / نوفمبر ۱۹۸۸، ص ۸.
30- عرفات، الحرب، ص 10.
31- عرفات، ص 11.
32- منظمة التحرير الفلسطينية “إعلان الاستقلال” ويمكن الاطلاع على النص الرسمي في “مجلة شؤون فلسطينية“، العدد 188، تشرين الثاني / نوفمبر 1988، ص 5.
33- القيادة الفلسطينية الموحدة للانتفاضة من خلال بيانات القيادة الوطنية الموحدة، تونس, مجلة “الحرية” وقد اقتصرت على دراسة الثلاثين الأولى التي صدرت في السنة الأولى للانتفاضة.
34- البيان رقم 10.
35 – حول الدور الأيديولوجي للنساء الإسرائيليات في إنجاب صبرا الإسرائيلية، والموقع المركزي لهذا الدور في الخطاب الكونيالي الصهيوني، أنظر/ ي:
Nira yuval-Davis, Nationl Reproduction and “the Demographic Race’ in Israel, in Davis et al. Woman,pp. 92-109
36- أنظر/ ي البيان رقم 2 والبيان رقم 3، من بين بيانات أخرى.
37- البيانات رقم: 12، و14, 21, 24.
38- من المثير للاهتمام أن البيان رقم 5 يذكر القطاعات المهنية ، مثل الطلاب والعمال.. إلخ، والقطاعات المعرضة للتأثير، مثل الأطفال وكبار السن، مع وضع النساء بوضوح ضمن القطاعات المعرضة للتأثير وليس القطاعات المهنية: ” ياتجارنا، يا عمالنا، يا فلاحينا، يا طلابنا، يا أطفالنا، يا نساءنا، يا شيوخنا، يا أهلنا، يا كل الأهل، يا كل فئات شعبنا البطل…” ويدعو البيان نفسه الرجال والنساء والشباب والشيوخ لمقاومة الاحتلال. ويرد ذكر النساء، في نهاية البيان نفسه، ضمن الفلاحين والطلاب والعمال.
39- البيانات رقم 12، و14، و21، و 24. ويتحدث البيان رقم 12 عن “أطفال ورجال الانتفاضة” كفئتين تتعرضان للاحتجاز من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
40- البيان رقم 12
41- البيان رقم 8 وبيان رقم 12
42- البيان رقم 8
43- البيان رقم 10
44- البيان رقم 12
45- البيان رقم 29
46- البيان رقم 30
47- البيان رقم 17 والبيان رقم 22
48- البيان رقم 21
49- البيان رقم 6
50-البيان رقم 12
51- البيانات رقم 9، و 12، و 23
52- حول المأزق الذي يواجه جهود النساء الفلسطينيات لتطوير أجندة نسوية في سياق النضال الوطني، انظر/ ي:
Rita Giacaman and Penny Johnson, “Palestinian Women: Building Barricades and Breaking Barriers,” in Zachary Lochman and Joel Beinin, eds., Intifada, The Palestinian Uprising Against Israeli Occupation. Boston, South End Press, 1989, pp. 155-169.
35- انظر/ ي:
Islah Abdul-Jawwad, “The Evolution of the Political Role of the Palestinian Women’s Movement in the Uprising,” in The Palestinians: New Directions. ed., Michael Hudson, Washington D.C., Center for Contemporary Arab Studies, 1990, p. 71
54- البيان رقم 35. انظر/ ي:
Joost Hiltermann, Behind the Intifada, Labor and Women’s Movements in the Occupied Territories, Princeton, Princeton University Press, 1991, pp. 201.
55- البيان رقم 35، 6 آذار/ مارس ۱۹۹۰، اقتبسه هیلترمان (Hiltermann)، ص ۲۰۱. جميع الإشارات المرجعيّة إلى البيانات الصادرة عامي ۱۹۸۹ و ۱۹۹۰ مأخوذة من:
Joost Hiltermann, Behind the Intifada, pp. 200-201
56- انظر/ ي البيانات رقم ۲۱، و ۲۳، و ۲۸. إن الفعل “يدخل” – مثل نظيره في الإنجليزية ((enter – يمكن استخدامة للإشارة إلى بداية فترة أو مرحلة، مثل: العاصفة “دخلت يومها الثاني“، أو الثورة “دخلت عامها الثالث” …. الخ، على أن علاقته بالحمل مباشرة، في هذا السياق، نظرًا لاستخدام الفعل “يُجهض” للإشارة إلى محاولات المحتل الإسرائيلي المستمرّة لإنهاء الانتفاضة بالقوة المسلحة.
57- البيانات رقم: 15، و ١٦، و ۱۸، و ۱۹، و 28.
58- البيان رقم ۲۹
59- البيان رقم ۲۸
60- انظر / ي:
Chandra Talpade Mohanty. “Introduction, Cartographies of Struggle. Third World Women and the Politics of Feminism,” in Chandra Talpade Mohanty, Ann Russo, and Lourdes Torres, eds. Third World Women and the Politics of Feminism, Bloomington, Indiana University Press, 1991, pp. 1-49
61- الميثاق الوطني الفلسطيني، في حوراني، الفكر، ص ٢٣٦. باقي البيان مكتوب بصيغة الفرد “العام“، انظر/ ي المادتين ۱۷ و ۳۰. وحول “العام” الذي يتمتع دومًا بطابع النوع الاجتماعي، واستخدامه في نظرية العقد، انظر/ ي:
Carole Pateman, The Sexual Contract, Stanford, Stanford University Press, 1988.
62- عرفات، الحرب، ص 16
63- انظر/ ي:
Judith Butler, Gender Trouble, Feminism and the Subversion of Identity. New York, Routledge, 1990.
64- حول المناداة، انظر/ ي:
Louis Althusser, “Ideology and Ideological State Apparatuses,” in Lenin and Philosophy and Other Essays, New York, Monthly Review Press, 1971.
65- إنظر / ي:
Leila Khaled, My People Shall Live: The Autobiography of a Revolutionary, edited by George Hajjar, London. Hodder and Stoughton, 1973, p. 59.
66- البيان رقم 4
67- البيان رقم 5
68- البيان رقم ۱۷
69- البيان رقم ٢٤، والتشديد مُضاف
۷۰– البيان رقم 8
۷۱– البيان رقم ۲۲
72- البيان رقم ۲۸
73- ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن البناء الخطابي للذكورة الفلسطينية وتابعها الخاضع, الأنوثة، يتخلل جميع أنماط الإنتاج الأدبي والثقافي الفلسطيني بطريقة نفاذ البناء الأوروبي القومي نفسها (وبالطبع العالمي) للجنسانية (sexuality) إلى الإنتاج الثقافي الأوروبي، وكذا نفاذه أيضًا إلى السياسات الأوروبية تجاه سكان أوروبا ذاتهم، وتجاه الشعوب التي استعمرتها أوروبا عبر تداخله والخطابات حول العرق والطبقة. حول تجربة النساء الفلسطينيات داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، يمكن الإطلاع على الدراسة الرائدة التي أعدتها خديجة أبو علي حول النقد الذاتي تحت عنوان “مقدمة حول واقع المرأة وتجربتها في الثورة الفلسطينية“، بيروت: الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، 1975. وحول تمثيل الأدوار التقليدية للنساء الفلسطينيات من خلال الشعر، انظر / ي دراسة إلهام أبو غزالة:
Ilham Abu-Ghazaleh, The Portrayal of Women in Intifada Poetry, paper presented at the Alif Gallery, Washington D.C. 1992.
وحول تمثيل النساء في الأدب الشعبي الفلسطيني، انظر / ي: عابد عبيد الزريعي، “المرأة في الأدب الشعبي الفلسطيني“، منشورات الهدف، بيروت، 1986 (طبعة ثانية منقحة). وحول صورة النساء في الصحافة الفلسطينية، انظر/ ي: عريب نجار، “التغطية الإعلامية للنساء في صحف الضفة الغربية“، في “شؤون المرأة“، العدد 3، حزيران / يونيو ۱۹۹۲، ص١٤٢ – ١٥٨
74- حول الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، انظر/ ي:
Joseph Massad, Repentant Terrorists or Settler-Colonialism Revisited: The PLO- Israeli Agreement in Perspective, Found Object, 3. 1994, pp. 81-90
انظر/ ي أيضًا:
Joseph Massad, “Palestinians and the Limits of Racialized Discourse, “Social Text, 34, 1993, pp. 94-114
٧٥– انظر / ي:
Rema Hammami, “Women, the Hijab and the Intifada,” Middle East Report, 164-165 1990 pp. 24-28.
76- انظر/ ي:
Ann McClintock, “No Longer in a Future Heaven, Women and Nationalism in South Africa,” Transitions, 51, 1991. P. 122.
77- للإطلاع على مزيد من المعلومات حول النساء والانتفاضة، انظر/ ي: Orayb Nayef Najjar, Portraits of Palestinian Women, Saltlake City, University of Utah Press, 1992
۷۸– مقابلة مع ناشطة في اتحاد لجان النساء الفلسطينيّات العاملات، نابلس، ۱۷ کانون الأول ديسمبر، ۱۹۸۹، مُقتبسة في:
Hiltermann, p. 200
79- مقابلة مع ناشطة في اتحاد لجان النساء الفلسطينيّات العاملات، القدس، ۲۱ تشرين الأول / أكتوبر، ۱۹۸۹، مُقتبسة في:203 .Hilterman, p. وفي سياق الانتفاضة، تجادل ریتا جقمان (Rita Giacuman) وبني جونسون(Penny Johnson) أن النساء الفلسطينيّات “وسعن من أدوارهنّ التقليديّة بدلاً من تبني دور حديد بالكامل. فقد كان العديد من أشكال مشاركة النساء السياسية يرتكز على جوانب من هذا الدور، وخاصّة الدفاع عن الأسرة، وتغذية أفراد الأسرة ومساعدتهم، والتعاون المتبادل مع الأقارب. وأصبحت هذه الجوانب لدور المرأة مصدرًا للمقاومة، لأنّ النساء جعلنّ مسؤوليّاتهنّ الأسرية تشمل المجتمع ككل“. انظر/ ي:
Giacaman, et al., Palestinian Women, p. 161
80- على أية حال، كانت النساء الفلسطينيّات قادرات على إجبار القيادة الوطنيّة الموحّدة للانتفاضة على تبني بعض قضاياهنّ. فبعد شهور من النضال، وافقت القيادة الوطنيّة الموحّدة للانتفاضة على إصدار البيان رقم 45، حيث عارضت سيطرة حماس على الحياة اليوميّة لنساء غزّة. انظر / ي Hammami, Women
۸۱. انظر/ ي:
Hanan Mikhail Ashrawi. “The Feminist Behind the Spokeswomen – A Candid Talk with Hanan Ashrawi.” interview by Rabab Hadi. Ms., MarchLApril, 14-17 1992..
۸۲– انظر/ ي :14.Ashrawi, p
٨٣– المرجع السابق
٨٤– انظر/ي :
Hanan Mikhail Ashrawi. “The Politics of Cultural Revival,” in The Palestinians New Directions. Ed., Michael Hudson Washington D.C.: Center for Contemporary Arab Studies, 1990, pp. 81.
85- على الرّغم من نزعة الشك المقتبسة أعلاه، فإن الافتراض الذي يطرح أن النساء الفلسطينيّات سوف يحصلنّ على حقوقهنّ القانونيّة مع تحقيق الاستقلال لا يزال مستمرًا في الانتشار بين كثير من النساء الفلسطينيّات. لكن إصلاح جاد تجادل قائلة: “إن أية دراسة للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة لن تقدّم سوى القليل لتبرير هذا الافتراض“. وتضيف: “إن غياب النقد الاجتماعي في الحركة الوطنية، وخاصة من جانب فتح التي = تُعتبر عمودها الفقري، إنما يضيف إلى الخطر الذي يواجه الحركة النسانية“. انظر/ ي:
Islah Jad. “From Salons to the Popular Committees, Palestinian
Women, 1919 – 1989 “in Intifada, Palestine at the Crossroads, eds. Jamal Nassar and Roger Heacock, New York, Praeger, 1990, p. 138..
٨٦– انظر/ ي: Aslawi, “The Feminist” ,p. 16
87- أنظر/ي : Ashrawi, “The Feminist, p.15.
88- المرجع السابق.
۸۹– حول الافتقار إلى أيّ تغيير أساسي في نظرة الحركة الوطنية إلى النساء، انظر/ ي: سهير التلّ، “المسألة الاجتماعيّة، انتقاضة في الانتفاضة“، “صوت الوطن“، قبرص، كانون الثاني / يناير ۱۹۹۰، ص ١٥ – ١٨.
۹۰– حول أراء الفدائيّين الفلسطينييّن الذكور بشأن العلاقات بين الجنسين فيما يتعلق بالنضال الوطني، انظر/ ي: غازي الخليلي، المرأة الفلسطينيّة والثورة، بيروت، مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، ۱۹۷۷.
۹۱– انظر/ ي، على سبيل المثال، الانتقاد الذي وجهته عشراوي نفسها ضد سجلّ السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة حول المرأة، وذلك في سيرتها الذاتية التي نشرتها بعنوان:
This Side of the Peace, A Personal Account, New York. Simon and Schuster, 1995 pp. 293-294.
لم يسعفني الوقت، مع الأسف، لتناول كتاب عشراوي الأخير في هذه الدراسة، حيث كنت قد انتهيت من أغلبها قبل صدور الكتاب، يمكن الإطلاع أيضًا على الأوراق البحثية المُقدمة إلى مؤتمر السكان وتنظيم الأسرة في فلسطين، والذي عُقد في 3 نيسان / أبريل 1994 في القاهرة. الكثير من هذه الأوراق (وإن لم تكن جميعها) يؤيّد النسليّة ويعتبر جسد المرأة وقدرتها الإنجابية جزءًا لا يتجزأ من النضال الوطني. انظر/ ي، بوجه خاص، ورقة دياب عيوش:
Dhiyah’ Ayyush. “Towards a National Population Policy in “Palestine”
حيث يطرح أنّ الزيادة أو النقص في عدد السكان الفلسطينييّن يجب أن يخضعا لمقتضيات النضال الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن عيوش يحتلّ منصب نائب وزير الرفاه الاجتماعي بالسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.