الهند في عهد المغول من الفرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

الهند في عهد المغول

من الفرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر

التأريخ حتى الآن

كاريكاتير الحريم. لا يزال التيار السائد في كتابة تاريخ المغول حتى يومنا هذا مرتبطا بشكل تقليدي، بالأسس السياسية والاقتصادية لسلطة المغول. أما قضايا التاريخ الاجتماعي والثقافي، ناهيك عن قضايا النساء وعلاقات الجندر، فلم تجد لها بعد مكانا في تلك الكتابة. ومن عجب أننا، بالرغم من عدم وجود دراسة مستفيضة لتفاصيل التنظيم الداخلي للمنزل والشؤون الأسرية في عهد المغول نعيش مع كاريكاتير مقبول على نطاق واسع الصورة حريم غامض غير متغير وخيالي، ومن المفترض أن تلك الصورة تمثل مجموع الحياة الخاصة في عهد المغول من بداية هذا التكوين الإمبراطوري الرائع إلى نهايته (Lal 1988, Findly 1993, Nath 1994)

فلنتوقف أمام عبارة واحدة وردت عن الحريم في مجلد عن الهند في عهد المغول (Mughal India) الصادر ضمن السلسلة القيمة تاريخ كمبريدج الجديد عن الهند (New Cambridge History of India) :

كان الحريم، في الحالة المثلى، يوفر مستراحا وترويحا للرجل من النبلاء وأقربائه المقربين من الرجال – استراحة مع التنعم والجمال، ونظام تم تصميمه لإنعاش رجال الأسرة” (Richards 1993, 62).

أو فلنتأمل وصف ر. ناث للحريم في كتاب عن الحياة الخاصة للمغول الهند (R. Nath Private Life of the Mughals, 1994) لنلاحظ كيف تم إفراغ وصف الحياة الخاصةلجهانغير من أي معنى للحياة الاجتماعية، حيث تم وصف إمبراطور المغول هذا بأنه شخص حسي منغمس في الخمر والنساء، وأنه وفقا للتقدير الشائع كان لديه نحو ٣٠٠ شابة جميلة ارتبطن بمخدعه، وهو رقم لا يمكن استيعابه في العصر الحديث، مما يثبت انفلاته المفرط في الجنس وانغماسه الحاد في الحريم” (Nath 1994, 13, 15, 17).

إن هذه الصورة التي وصلتنا عن الحيز الأنثوي الجنسي المعزول، والقائمة على مبدأ المتعة الفجة لإشباع حاجات الجسد، والتي يفترض أنها كانت تنظم الحياة اليومية لأبناء الإمبراطورية رجالا ونساء، كانت من القوة بحيث أعمت أعين المؤرخين عن كثافة وتنوع الحياة المنزلية كما تعكسها الوثائق المعاصرة. إن الصورة التي وصلتنا عن حريم المغول وجوهرها المتعة وحدها وبشكل غير متغير، هي مدخل مناسب لهذه المداخلة.

المصادر. عندما نفكر في أسباب التركيز الخاص الذي حظيت به كتابة تاريخ المغول مؤخرا، عادة ما تثار مسألة عدم كفاية المصادر، بوصفها قضية حاسمة، فعندما بدأت بحثي عن التاريخ المبكر للحياة المنزلية للمغول قال لي أحد رواد مؤرخي الهند في عصر المغول: “كيف لك أن تكتبي تاريخا لحياة المغول المنزلية؟ فليس هناك مصادر لها“.وبالرغم من هذا التحذير الأكاديمي، فمن الممكن كتابة تواريخ بديلة، بل وتجب كتابتها، وآمل أن يكون ذلك من النقاط التي ترسخها هذه الدراسة.

إن المشكلة ليست مشكلة مصادر على الإطلاق، ولكنها مشكلة سياسات كتابة التاريخ. فالمصادر متوفرة لأشكال مختلفة تماما من التواريخ، طالما استطعنا أن نطرح الأسئلة المتعلقة بها. وأقترح عددا من الطرق التي يمكن من خلالها الخروج بتاريخ آخر، أي تاريخ معني بقضايا الجندر وعلاقات القوى بين الجنسين، أو تاريخ يتميز بوعي سياسي أكبر بالذات، بحيث لا تمكن تنحيته جانبا باعتباره تكميليا“. مثل هذا التناول سوف يعيد بالضرورة فتح قضايا أخرى ذات أهمية محورية بالنسبة لتاريخ المغول (Lal 2003, book In progress).

التأريخ في ما بعد الكولونيالية. تضرب كتابة تاريخ المغول بجذورها في تقاليد الكتابة عن القوة العسكرية والسياسية، والتي تتمثل في حالتنا هذه بظهور إمبراطورية المغول وسقوطها. فقد افتتن الحكام (والكتاب) الاستعماريون البريطانيون بالمغول العظام الذين رأوا فيهم أسلافهم المباشرين. وقد واصل التأريخ الهندي ما بعد الكولونيالي انبهاره بإنجازات المغول، ورأى فيه الدليل على عظمة الهند التاريخية وتطورها المستقل بل وحتى علمانيتها. لكل تلك الأسباب، استمر مؤرخو المغول المتبعون للتيار السائد على الاهتمام بالأسس السياسية الإدارية المؤسسية والاقتصادية للسلطة الإمبراطورية (Sarkar 1932- 50, Ali 1986, Qureshi 1973, Richards 1975, Chandra 1979, Alam 1986) وجنبا إلى جنب تلك الدراسات نجد أيضًا الدراسات التي ركزت على الظروف الزراعية والتحولات الاقتصادية والعلاقات التجارية وما صاحبها من صراعات طبقية (Moreland 1929, Habib 1963, Hasan 1973) وكان هناك الكثير من الكتابات في مجال ما يمكن أن نسميه التاريخ الاقتصادي الاجتماعي، في سياق كل من العلاقات الزراعية والتجارة وشبكات التبادل التجاري (Raychaudhuri 1962, Pearson 1976, Das Gupta 1979, Arsaratnam 1986).

وإلى جانب دراسة بلاط المغول بشكل وثيق ومفصل من الجوانب العسكرية السياسية والإدارية والدخل العام والشؤون الزراعية، تم دراسة هذا البلاط أيضًا على نحو انتقائي بوصفه موقعا لسياسات الفرق والأحزاب. ونستطيع أن نميز ملمحين مشتركين في معظم كتب التاريخ التي كتبت عن بلاط المغول والمؤسسات السياسية” (الإمبراطور والحروب والآلة الإدارية العسكرية). أولاً، إن الفرضية التي تقوم عليها تلك الدراسات هي أن هذه المؤسسات كانت مقارا قاصرة على شؤون السياسات العليا، وثانيًا، أن تلك الدراسات تظهر هذه المواقع المؤسسية باعتبارها تامة التطور منذ مولدها، وثابتة وغير معقدة في تركيبتها. وكل ما يلحظه المرء من تغير يقتصر على الأفراد والفرق وربما الموقع المادي لها. وتبدأ العديد من تلك المصادر بالإمبراطور أكبر، وهو ثالث الأباطرة، وكان بالفعل عظيم السلطان والقوة، وفي فترة كانت مؤسسات المغول العظام قد شهدت استقرارًا تامًا. إن هذا التصوير لعظمة المغول، في شكل إمبراطورية هائلة تامة التكوين، وتقديمها ككيان لا يتغير بمرور الزمن لا يكاد يذكر شيئا عن تكون المؤسسات وطابعها الذي تغير مع الزمن. ونجد قريبا من هذا النوع من التاريخ، تاريخا آخر للمغول قدم فيه الدارسون جهدًا متناسقًا لدراسة تطور الثقافة السياسية التي نشأت حول أشكال طقوس الملكية والإنجازات الأدبية والفن والروعة المعمارية. وقد نستطيع أن نقع في تلك الكتابات على كم من الاحتفالات المرتبطة بالسياسة، وبمفاهيم الزيجات التي تستهدف في المقام الأول الرفعة السياسية أو التحالف والتآزر(Roychoudbury 1941, 1951, Sharma 1962, Rizvi 1975, Richards, 1978, Ziegler 1978, Brand and Lowry 1985, 1985- 6).

التاريخ الاجتماعي. ماذا الذي حدث لتاريخ الحياة الاجتماعية للمغول في هذا السياق؟ لم يكن هناك سوى القليل مما استطاع المؤرخون قوله حول الظروف الاجتماعية والعلاقات الثقافية، ناهيك عن قضايا الجندر. ولنا أن نضيف هنا أن ذلك يمثل اختلافا ملحوظا عن الأساليب التي تناول بها الدارسون تاريخ الهند في الفترة الاستعمارية وما بعد الاستعمار (Sangari and 1995 Vaid 1989, Chatterjee 1993, Sinha 1995). إن دراسة العلاقات بين الجنسين في البلاط المغولي، وإعادة النظر في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية في ضوء أسئلة جديدة قد يطرحها المرء حول الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية والفكر الخاص بالأوضاع المنزلية، أو طبيعة الأسرة المغولية (إن أردنا تناول مثال أصغر وأكثر دقة)، لم تبدأ إلا مؤخرًا (Lal book In Aprogress).

يأخذ تاريخ المغول الاجتماعي، في صورته التي بين أيدينا، شكلين رئيسيين. أولهما مقولة تندرج تحت العنوان الفضفاض: “الظروف الاجتماعية وحياة الناس، ولكنه يزيد قليلا عن السرد الصحفي لأدوات الاستخدام اليومي والاحتفالات والتسلية، ويحتوي على أمر يطلق عليه وضع النساءوتعليم النساء“. ويتم وصف كل تلك الأمور بشكل تعميمي، وبعبارات تستند إلى الحدس العادي، فتقدم للقارئ تاريخا يمكن أن ينطبق على كل العصور. ولا يسع المرء إلا أن يلحظ عدم الالتزام بالمنهج التاريخي في المجموعات من هذا النوع (Chopra 1963, Srivastava 1964, Majumdar 1974). ففي مثل تلك المؤلفات العامة، وكذلك في الكتب التي تتناول حريم المغول، لا يجد المرء إلا القليل مما يشير إلى أن نساء البلاط كن عاملا حاسما في تكوين عالم المغول، إلا بالمعنى الأضيق المتمثل في أن النساء ساعدن في تكاثر عدد المغول.

أما الاتجاه الآخر في التاريخ الاجتماعى للمغول، فأفضل ما يوصف به هو أنه ينتمى إلى كتابات سير النساء الأسمى والأحق بالذكر. حيث تركز الدراسات التاريخية على ما ظهرت عليه نساء الإمبراطورية وما تمتعن به من سلطان. وبما أن تلك الكتابات قد اعتبرت كافية في موضوعها (النساء)، فلم تكن هناك إلا محاولات قليلة لتحدي الفرضيات والمسلمات القديمة حول أنشطة وعلاقات وسمات المغول نساء ورجال. وهكذا، فبالرغم من أن تلك الدراسات فتحت الباب لدراسة مجال طال إهماله، إلا أنها استبعدت في الوقت نفسه إمكانية التدقيق أو حتى طرح أسئلة جديدة فيما يتعلق بالحدود المقبولة الخاصة بقضايا الأسرة والمنزل، والحيزين العام والخاص، وعلاقات القوى بين الجنسين، والسلطة السياسية (Misra 1967, Nath 1990, Findly 1993).

يقدم كتاب ريخا ميسرا المبكر (Rekha Misra, Women in Mughal India, 1967) دراسة عن نساء الأرستقراطية المغولية مع تناول فترات حكم المغول العظام، حيث يعرض تفاصيل عن أنشطتين السياسية والتجارية، وتعليمهن ومواهبهن الفنية، وإقامتهن المنشآت وإشرافهن عليها، وأعمالهن الخيرية، ونظام الزيجات، وغيرها. وقد كتبت ريخا ميسرا عن النساء كما ظهرن في الوثائق الإمبراطورية وفي روايات الرحالة الأوربيين. وقدمت الكاتبة دراستها في شكل صور من سير حياة نساء الأسرة المالكة، فانتهى بها الأمر بطبيعة الحال إلى استنساخ المصادر التي اعتمدت عليها. وبعد ذلك بثلاثة وعشرين عامًا كان هذا الاتجاه لا يزال هو السائد في الكتابات عن نساء المغول. ففي عام ۱۹۹۰، استمرت رينوكا ناث (Renuka Nath) على خط كتابة سير وتراجم نساء النخبة، مع مجرد إضافة بعض الشخصيات إلى القائمة التي قدمتها ريخا ميسرا من قبل. ونجد أن عنوان كتابها (Notable Mughal and Hindu Women In the 16th and 17th Centuries) يكشف عن محتواه بوضوح. وفي سنة ۱۹۹۳، وهي نفس السنة التي صدر فيها كتاب ليزلي بيرس (Leslie Peirce) الرائع عن الحريم الإمبراطوري في العصر العثماني، نشرت إليسون بانكس فيندلي (Ellison Banks Findly) سيرة أخرى على نسق سابقاتها من كاتبات السير. وكان موضوعها نور جهان، إمبراطورة الهند المغوليةكما تسميها فيندلي. والمثير للدهشة في هذا الأمر، أن بعض تلك الأعمال صدرت في تسعينات القرن العشرين، في وقت شهد احتدام الجدل حول التاريخ النسوي والدور الفاعل لنساء النخبة والعامة على حد سواء.

وأكثر كتابات التاريخ الاجتماعي هذه فائدة، هي تلك التي استهدفت إحياء النساء، من خلال وصف سيرتهن في الأساس. بيد أنه يبدو أن كتب التاريخ تلك تعيش بوجه عام، في مجال منفصل، حيث تصبح في أفضل الأحوال مصادر تؤكد النساء كتابعات، على سبيل القول: لقد ركضت النساء أيضًا (أو في قول أكثر سوءًا: كانت توجد نساء أيضًا). ويبدو أن العديد من هؤلاء المؤرخين كانوا على اعتقاد، وهم يعملون، بأن تواريخ النساء ليست عنصرا من العناصر المكونة للمجال الأشمل الذي يضم تاريخ مغول الهند.

كانت هناك استثناءات مهمة بالطبع (Raychaudhuri 1953, 1969). حيث نجد أن كتاب ستيفن بليك (Stephen Blake, 1993) الذي صدر حديثا حول عاصمة الإمبراطورية المغولية شاه جهان آبادمن عام ١٦٣٩ إلى ١٧٣٩م، تناول فيه بوضوح بنية الأسرة الإمبراطورية، حيث أوضح أن الدولة المغولية كانت ذات بناء أبوي بيروقراطبي، ويتمتع الإمبراطور وأسرته فيه بأهمية طاغية. وقد قبل مؤرخون مثل جون ريتشاردز (John Richards) وبرتون ستاین (Burton Stein), ونوبورو کاراشيما (Nooru Karashima) وغيورغ بيركمر (George Berkomer) الصورة التي قدمها بليك، مع إدخال تعديلات طفيفة عليها (Kulke 1997).وتثبت دراسات هؤلاء الباحثين أن النظام الملكي المغولي كان قائما على شخص الحاكم, معتمدا على الأسرة وعلى شخصية الإمبراطور، وعلى الخدمة لشخصه (Richards 1984).وقد سارت روزاليند أوهانلون (Rosalind O’ Hanlon) مؤخرًا على هذا الخط البحثي عندما درست بنية الإمبراطورية الذكورية في عهد الإمبراطور أكبر، حيث كان ذلك جزءا مهملا في النظر إلى استراتيجية الحكم في عهد ثالث أباطرة المغول، فلفتت بذلك الانتباه إلى بعد مهم، وهو بعد الجندر وعلاقات القوى بين الجنسين في دراسة السياسات والهوية الإمبراطورية (O’Hanlon unpublished).

على أن هذا الاهتمام المحمود بالصور المتغيرة للسلطة، وبالتأسيس المقصود للجاذبية الشخصيةالتي تتمتع بها الإمبراطورية، وما يتعلق بذلك من تفاصيل ترتيبات المكان، وشؤون الزواج، وقواعد التعامل مع الجسد، لا تزال كلها متمحورة بشكل مكثف حول الإمبراطور. وبالرغم من افتراض كل من بليك وأوهائلون أن العائلة الإمبراطورية كانت المجال المحوري الذي يتم تبعا لنسقه بناء صورة بقية المجالات في الإمبراطورية، إلا أنه لم يول أى منهما كثير اهتمام بأنشطة وعلاقات – أو حتى هوية – بقية ساكني عالم المنزل. وهكذا، لا نجد تناولا لكيفية تبني قاطني الغرف الداخليةللمعايير والقيم المفروضة، وتفاوضهم حولها، ولا لكيفية تعديلها أثناء عملية التفاوض. حتى الملك نفسه يظهر في تلك الكتابات باعتباره فئة مجردة من البشر، وتم تشكيله في ضوء النصوص الأخلاقية الموروثة، وعندما يتم تقديم صورة الإمبراطور على هذا النسق فليس من المستغرب ألا تشتمل الدراسة على أعضاء العالم المنزلي المغولي، غير أولئك الظاهرين للعيان، والذين كافحوا لتشكيل أنفسهم، وساهموا بلا شك في ظهور مواقف وقيم وسلوكيات جديدة.

إن الكثير من كتب التاريخ التي كتبت في هذا السياق صورت هذا التاريخ كما لو كان مجرد ارهاصة للهند الحديثة“. فقد شكلتها أسئلة التكوين الإمبراطوري في علاقته بالتاريخ الكولونيالي وما بعد الكولونيالي. وقد ركز مؤرخو المغول على موضوعات كبيرة من قبيل قيام وسقوط الإمبراطورية المغولية (مفترضين أن سقوطها كان بداية الحكم الاستعماري البريطاني وبداية الهند الحديثة؟)، والتجارة مع أقطار بعيدة (أي إمكانات التطور الرأسمالي في الهند المغولية)، والنظام الإداري للمغول، والسياسة الدينيةفي عهود مختلف حكام المغول (ألم تكن الهند المغولية علمانية؟).

كيف للمرء إذن أن يكتب تاريخًا بديلاً للمغول ؟ لقد قيل كما أشرت سابقا أن مسألة عدم كتابة تاريخ بديل ترجع جزئيًا إلى عدم ملاءمة المصادر المتاحة. بيد أن تعبير عدم ملاءمةيحتاج منا إلى بعض التفصيل. هل بلغت المصادر من الندرة حدا لا يسمح لنا حتى بإثارة بعض أنواع الأسئلة الجديد؟ هناك أيضًا تساؤلات يجب أن نطرحها حول فرضية عدم الملاءمةهذه. على سبيل المثال، كيف غدت أهم المصادر المغولية متاحة لنا؟ بعبارة أخرى، ماذا يحدث لمحتواها وسياقها أثناء عملية الجمع والنشر والترجمة؟ فهذه العمليات تؤثر بلا شك في أسلوب أرشفة المصدر (أي جعله مصدرا بحثيا) وفي كيفية قراءة هذا المصدر أو ذاك (Lal 2003).

ولكن الأهم من ذلك هو حاجتنا إلى طرح أنواع مختلفة من الأسئلة، ومحاولة دراسة تاريخ المغول في أطر مختلفة عن تلك المحدودة في الأسس السياسية والمؤسسية والعسكرية والزراعية للفترة المبكرة من نظم الحكم الحديثة. ومن المجالات التي تحتاج إلى اهتمام خاص بالطبع هو مجال العلاقات الأسرية والحياة الشخصية والشؤون المنزلية والواجبات الإنجابية. ومن شأن مثل تلك الدراسات بالقطع أن تفتح أعيننا على تنوع الظروف وأساليب النظر إلى العالم وأشكال النضال والطموحات التي تشكل مختلف فترات التاريخ، بل وكل فترة من فتراته على حدة. على أن نقطة واحدة يجب أن تظل دائمًا ماثلة في الأذهان أثناء قيامنا بمثل تلك الدراسات، وهي أن تاريخ المغول لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد إرهاصة للحكم البريطاني للهند، أو على أنه شكل باهت (أو أقل تطورًا) للمؤسسات والممارسات الحديثة.

المصادر المعتادة. فلنبدأ بالنظر في الوثائق التي تكون الأرشيف المألوف لأوائل الملوك المغول. فنجد بالنسبة للملك بابر (١٤٨٧ ١٥٣٠م) أن أكثر مصادر تاريخه شيوعا بين الدارسين هي كل من : سيرته الذاتية البابرنامه (Thackston 1993, 1996, A. Beveridge 1997) وكتاب تاريخي رشيدي لمحمد حيدر دوغلت (Ross and Elias 1895)، وهو تاريخ كتبه أحد أقربائه عام ١٥٤٥ ١٥٤٦م.

أما بالنسبة لتاريخ الملك همايون (١٥٠۸ ١٥٥٦م)، فإن كتب التاريخ التالية هي الأكثر استخدامًا : كتاب قانوني همايوني, والمسمى أيضًا همايون نامه، وقد كتب سنة ١٥٣٤م تحت رعاية همايون وكتبه أحد موظفيه، وهو خواندمیر (BM, Add. 30.774, Elliot and Dowson 1867 – 7, Prasad 1939, Hosain 1940). وخواندمير هو حفيد المؤرخ الشهير ميرخواند مؤلف كتاب روضة الصفا. إن مذكرات خواندمير، كما يذكر هو نفسه، هي رواية شاهد عيان على قوانين وأوامر عهد همايون، مصحوبة بوصف لاحتفالات البلاط، وللمنشآت التي أقامها البادشاه. أما الكتاب الآخر فهو تذكرة الواقعات (والمسمى أيضًا همايون شاهي وتاريخي همايون) وقد وضعه جوهر أفتابشي سنة ١٥٨٧م الذي كان يعمل حامل أباريق همایون (Stewart 1832, 1971). إن هذا المصدر المباشر والصريح والمعاصر للملك، والذي كتبه خادم، كان أحد أهم مصادر إعادة صياغة صورة حياة وعصر ثاني حكام المغول، وذلك بالرغم من أنه لم يتم تناوله واستكشافه بالشكل المناسب من عدة أوجه.

يلي ذلك في مجموعة المصادر كتاب تذكرة همايون وأكبر من تأليف بايزيد بيات، والذي انتهى من وضعه ما بين عامي ١٥٩٠ ١٥٩١م (H. Beveridge 1898, Saxena 1925- 6, 1930, Hosain 1940) وهو كتاب يؤرخ لعهد كل من همايون وأكبر من سنة ١٥٤٢ حتى سنة ١٥٩١م.وكان الكاتب من مواليد تبريز، وانضم في فترة لاحقة إلى جيش همايون. وتعود السيرتان الأخيرتان إلى وقت جمع المواد من أجل كتابة تاريخ رسمي في عهد الملك أكبر. وفي هذا السياق ألفت عمة الامبراطور غولبدان بانو بيغوم كتابها التاريخي حوالي همايون بادشاه، والذي سأفرد له مساحة أكبر لاحقا (BL Or. 166, A. Beveridge 1892, 1902, 1994).

كان الملك أكبر هو أول من أمر بكتابة تاريخ رسمي للبلاط المغولي. وهنالك كتابان يعتبران من أهم المصادر التاريخية التي كتبت عن فترة حكمه، وهما كتاب أكبرنامه (الذي تم الانتهاء منه في عام ١٥٩٦م) الذي يؤرخ لحياة الملك أكبر وزمانه، وكذلك كتاب أعيني أكبري الذي يضاهيه أهمية من حيث طبيعته الرسمية وحجمه الكبير (وهو تقرير إداري وإحصائي عن حكومة أكبر بكل فروعها)، وقد كتبه صديق الإمبراطور المقرب ووزيره أبو الفضل علامي (Maulawi 1873- 86, H. Beveridge 1993,Blochmann 1872- 7, 1977, Jarrett,1977). وإلى جانب كتب التاريخ الإمبراطوري، يعتبر كتاب منتخب التواريخ لعبد القادر بداعوني، وكتاب طبقاتي أكبري لنظام الدين أحمد، والذي كتبه رجل آخر من رجال بلاط الملك أكبر، من المصادر شديدة الأهمية .(Ranking et al. 1986).

ومن سمات كتابة التاريخ المغولي التي نجدها حتى اليوم هي المكانة الرفيعة التي يتم إضفاؤها على بعض المصادر، كما أن اختيار الدارسين والدارسات لبعض المصادر واتخاذها كمصادر أساسية ومحورية يؤثر بدوره على كيفية كتابتهم للتاريخ. حيث نجد أن المؤرخين، باعتمادهم الشديد على نصوص مثل أكبر نامه، قد أعادوا إنتاج المصادر الأولية، عادة دون نظرة نقدية، وبالتالي كرروا التقييم الذي قام به من سبقوهم بشأن الإمبراطورية والعلاقات الإمبراطورية. وهكذا أدى وجود محور معين ترتكز عليه كتابة تاريخ المغول إلى تفضيل بعض أنواع المصادر، فأدت طبيعة هذه المصادر المميزة بدورها إلى ترسيخ بعض أنواع الكتابة التاريخية دون غيرها.

وعلينا أن نتساءل: لماذا يستولي كتابا أكبر نامه وأعيني أكبري على انتباه المؤرخين عند إعادة صباغة تاريخ الملك أكبر؟ ولماذا لا يحتل في أذهاننا بنفس القدر كتاب تاريخي خانداني تيمورية، وهو كتاب غير مكتمل ومجهول المؤلف (والذي تم تأليفه في بدايات حكم أكبر، وهو تاريخ تيمور وخلفائه من المغول حتى العام الثاني والعشرين من حكم أكبر)، أو كتاب هفت إقليم (وهو عمل متقن متعلق بمدينة أغرا، وضعه كاتب مستقل غير مرتبط بالبلاط المغولي سنة 1598م)، وذلك على سبيل المثال (Khuda Baksh 1920, Marshall 1967) ؟ يتضمن الرد جزئيا أن كتابي أكبرنامه وأعيني أكبري قد لفتا الانتباه لما يتمتعان به من موضوعيةودقةتاريخية، ولكن ربما يكون السبب الأكبر هو أنهما يمثلان المجموعة الرسمية التي تتناول بشكل مباشر الشؤون الإدارية السياسية (Mukhia 1976, Qureshi 1978, 1987). أما الحوليات الأخرى، فلا تنهض بنفسها على هذا النحو، بل تعتمد على هذه الوثائق الموثوق بها. والكثير من النصوص التي سبق ذكرها معروف، ولكن قلما يتم استخدامها. ولا شك أن العديد من أبعاد التاريخ المغولي المختلفة يمكن استكشافها بشكل أعمق من خلال دراسة مجال أوسع من المصادر المعروفة، ولكنها تلقى كل صنوف الإهمال (Subrahmanyam 1992).

مصادر أخرى الواقع أنه، بعيدا عن النصوص الصغرىالمذكورة سابقًا، توجد أنواع أخرى من المصادر والأعمال الوصفية التي تستحق دراستها عن قرب. ومن بين تلك الأعمال هناك العديد من المجلدات التي تحوي حكايات الرحالة الأوربيين بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، وهي مصدر أساسي للمعلومات بالنسبة لمؤرخي الهند المغولية، حيث تتضمن تفاصيل غير معتادة وقيمة حول العديد من جوانب الحياة الاجتماعية المغولية وتراتبها، كما أن لها أهمية خاصة بما تقدمه من وصف للرؤى والتحديات الاجتماعية على نحو مختلف عما تقدمه الحوليات الإمبراطورية. الأمر الواضح للعيان في الكتابات الأوربية هو وضعها لإطار معرفي ومرجعي للحياة المنزلية والسلوك الاجتماعي، وكذلك تناقضها واختلافها الشديد في تفسير تلك الأمور (Lal book in progress) وحتى في حالة بعض الكتاب المتأخرين (خاصة فرانشيسكو بيلسيرت من أنتويرب ١٦١٨ ١٦٢٥م، وفرانسوا بيرنييه الطبيب الفرنسي الذي عاش في الفترة ١٦٥٦ ١٦۸٦م، ونيكولا ومانوتشي الطبيب البيطري الذي عاش في الفترة ١٦٥٣ ۱۷۰۸م)، والذين تتميز كتاباتهم عن الحياة المنزلية المغولية بأنها أكثر تفصيلا وغناء إلى حد بعيد عن الكتابات المبكرة، تصدمنا ملاحظة اختلاف نبرة الكتابة (Irvine 1907, Moreland and Geyl 1925, Constable 1968).

ثم هنالك الكنز العظيم المتمثل في منمنمات المغول، وكذلك منشآتهم ومواقعهم المعمارية التي ما زالت قائمة في مدن فاتحبور – سيكري وأغرا ولاهور ودلهي. وتلك أيضًا ليست خافية أو غير معروفة. وقد جعل أكبر وخلفائه السير والتراجم الملكية الموجودة إلى الآن وغيرها من المصادر المهمة من كتب التاريخ والأساطير، كتبا مصورة بحيث تشكل المتعلمات جزءًا مبهراً ومهمًا ضمن أكثر المصادر قيمة لدى المؤرخين، وهي المتناثرة حاليا في المتاحف والمكتبات حول العالم، ولكن تلك المصادر الأخرى – الممثلة في المواد البصرية، والحكايات الطريفة والشعرية الواردة على لسان النساء والخدم، والآثار والأعمال الفنية التي وصلتنا – حولتها الكتابة التاريخية الحالية إلى مصادر ثانوية، سواء لأنها تتعامل مع تلك المصادر على أنها خاصة بفرع معرفي آخر (مثل تاريخ الفن)، أو للاعتقاد بأنها تتعلق بأمور قليلة الأهمية.

ولنتوقف أمام مثال واحد منها وهو كتاب أحوالي همايون بادشاه لغولبدان بانو بيغوم، وما يرويه لنا عن حياة المغول الأوائل المنزلية المفعمة بالحيوية والتغير عندما كانوا يحاربون ويناضلون ويحلمون بالنمو وبالإمبراطورية، وينجحون في الحياة يوما تلو آخر. إنه كتاب مذكرات معروف، ولكن تم اعتباره هامشيا في التأريخ المغولي، بوصفه صوتًا خافتًافي الأساس – ومتلاشيا في ضجيج أوامر رجال الدولة” (Guha 1996).

وقد تمت كتابة هذه المذكرات سنة ١٥٨٧م أثناء حكم الملك أكبر، وكانت غولبدان بانو بيقوم هي ابنة بابر وأخت همايون وعمة أكبر. وقد ولدت في كابول سنة ١٥٢٣م وسافرت إلى الهند وهي في السادسة والنصف من عمرها (١٥٢٩م) بعدما قام بابر ببعض الغزوات المهمة في تلك المنطقة. كانت غولبدان بانو بيغوم شاهدة على عمليات وآليات تكون الإمبراطورية، ورأتها مراحل مختلفة، بدءا من نشأة مملكة المغول في فتوحات بابر الأولى وحتى عظمتها التي ترسخت في عهد أكبر. وقد قامت بالكتابة عن كل ذلك يطلب من الملك أكبر الذي كان ابن أخيها، والذي اشتملت جهوده من أجل تدعيم وماسة السلطة المغولية على الأمر بكتابة تاريخ رسمي شامل وموثق لبداياتها ولفترة حكمه.

إن كتاب أحوالي همايون بادشاه هي مذكرات غير عادية من حيث التفاصيل التي توردها عن الحياة المنزلية للملكين المتنقلين، بابر وهمايون، وكذلك من حيث عدم التزامها بشكل الأنواع المتاحة من الكتابات والتي كانت في معظمها أعمال مديح للأباطرة. وقد نأت غولبدان بنفسها عن هذا النوع من الكتابة، لتخرج لنا مؤلفا يهتم أكثر بالأحداث البسيطةفي حياة كل من بابر وهمايون. وتعتبر رواياتها عن الحياة اليومية لهذه الأسرة الملكية في ظروف ارتحالها قطعة نثرية فريدة، حيث تورد معلومات مكثفة عن زيجات المغول، والعلاقات بين الأهل والخلان، والنساء والأطفال، واللحظات الحاسمة التي تعكس الإطار الأبوي للعلاقات، مثل تقديم الهدايا، والاعتراف بالتحالفات التي تتم لتعزيز التضامن الأسري، وما إلى ذلك.

أضف إلى ذلك التفاصيل المبهرة التي قدمتها تلك المذكرات عن الاحتفالات والمآدب التي كانت تقيمها كبريات النساء في مختلف المناسبات، لتظهر أمامنا صورة مفقودة لحياة البلاط في معسكر شكلته البيغوم على نحو ليس له من مثيل في الحوليات المعاصرة، بل ولا حتى في تلك التى كتبت في عهد المغول المتأخرين. ونسمع في مذكرات غولبدان عن مشاعر ممنوعة، وعلاقات أسرية تراتبية، وأفعال تتناقض مع منطق السلطة الإمبراطورية، وبذلك نجد أنفسنا أمام الشخصيات التاريخية العظيمة بشحمها ولحمها، وكذلك أمام القيود والابتكار في حياتهم المنزلية.

دعوني أورد حكاية قصيرة روتها البيغوم عندما كتبت عن الأدوار والأنشطة المختلفة للنساء في الأسرة المغولية. وتتحدث تلك الحكاية عن الفترة التي كان همايون هاربا فيها بسبب تهديد الحاكم الأفغاني شرشاه. وقد زاد من صعوبة تحركات همايون عبر مختلف مناطق هندستان وآسيا الوسطى، في ذلك الوقت، صراعه على السلطة مع أبناء زوجة أبيه، وهو صراع عادة ما كان ابنا زوجة أبيه، مرزا كامران ومرزا عسكري طرفين فيه.

ففي إحدى فترات هذا الصراع، اقترح مرزا كامران على ميرزا عسكري أن ينتزعا معا مدينة قندهار من ثالثهما، مرزا هندال. وعندما سمع همايون بما يحدث، ذهب إلى عمته (أخت بابر) خانزاده بيغوم وطلب منها أن تذهب إلى قندهار لتنصح مرزا هندال ومرزا كامران بأن يتعاضد الجميع لأن ذلك من مصلحتهم، حيث أن خطر الأوزبك والتركمان (العشائر المناوئة) كان عظيمًا. فسافرت خانزاده من مدينة جون إلى قندهار التي ما لبث أن وصل إليها مرزا كامران قادما من كابول. واستحث مرزا كامران خانزاده بيقوم على أن تلقي الخطبة” (أي مرسوم إعلان الملك الجديد) باسمه على المنابر. وفيما يتعلق بالخطبة، كتب أيضًا إلى والدة هندال (وزوجة أبيه) دلدار بيغوم، والتي اقترحت عليه أن يسأل خانزاده بيغوم، كبيرة سيدات الأسرة، عن حقيقة الخطبة“. وعندما تحدث کامران، أخیرا، مع خانزاده بيغوم نصحته قائلة: “بما أن جلالة فردوس مكاني [بابر] كان قد قرر أن يجلس الإمبراطور همايون على عرشه، وبما أنكم جميعا ألقيتم الخطبة باسمة حتى الآن، فعليكم أن تتخذوه لكم سيدا وتبقوا على طاعتكم له” (Or. 166, A. Beveridge 1994).

إن هذا المقطع الذي يمكن أن يوضع إلى جانب العديد من مثيلاته، يعكس صورة للحريم مختلفة أبعد الاختلاف عن تلك التي تقدم عادة، حتى في الدراسات الأكاديمية الحديثة. فهو يتعلق بامرأة من القرن السادس عشر تلعب دورا محوريا في الخطبة. وهكذا فإن هذا الجزء المقتطع من مذكرات غولبدان يكفي التدليل على نوعية الأسئلة التي يثيرها النص حول تداخل العالم المنزلي المغولي مع الحياة اليومية للبلاط والملوك، كما تعكس بالمثل تداخل البلاط والملوك في الحياة اليومية للعالم المنزلي والأسري.

وتفتح مذكرات غولبدان أمامنا مجالات رائعة، كما تساعدنا أيضًا على قراءة الحوليات المغولية الأخرى بشكل مختلف تمامًا، حيث يتضح لنا أن تلك الحوليات هي الأخرى أكثر ثراء في المعنى والمحتوى من الصورة التي يقدمها المؤرخون لنا عنها. فعندما تقترب منها بأسئلة جديدة، نكتشف أن المصادر التقليدية الرسمية السائدة والتي طالما استخدمها مؤرخو المغول أنفسهم، تنطق بمعلومات عن العديد من المسائل، حيث تقدم لنا أدلة غير معتادة وغير متوقعة عن الحياة الاجتماعية الفظة والمضطربة، وعن صراعات ومخاوف وملذات الحياة اليومية، وعن إعادة صياغة ذوات جديدة وظروف تاريخية جديدة. وهكذا يكتشف المؤرخ أو المؤرخة وجود إمكانية بارزة لكتابة تاريخ آخر” – تماما كما حدث من خلال التاريخ النسوي، ودراسات التبعية، وغيرها من الإضافات التي تمت في سياقات أخرى وهو تاريخ لا يعتمد على مذكرات أميرة واحدة فقط، ولكن أيضًا اعتمادًا على الأسئلة التي تتحدانا وتدعونا إلى إثارتها في المصادر المغولية الأخرى.

ومن المهم في هذا السياق أن نشير مرة أخرى إلى كتاب أبي الفضل العظيم أكبرنامه، والذي نجد فيه إشارات مفصلة لحج النساء الذي تم بقيادة غولبدان بيغوم نفسها. وللحج هنا أهمية خاصة لأنه حج خاص بالنساء، دعت إليه امرأة، وقامت بتنظيمه إلى حد بعيد مجموعة من النساء، حيث يكشف عن بعض الأمور الخاصة بتدعيم أركان إمبراطورية إسلامية في جنوب آسيا. ويبدو أن حج النساء كان من أهم الأنشطة الدينية التي دعمها الملك أكبر، والتي ربما رأى فيها تدعيما للوجه الإسلامي للإمبراطورية. ولم نسمع بعد ذلك عن مثل هذا الحدث في عهود خلفاء أكبر الذين كان قد استقر لهم الحكم. فهل كان ذلك لأن الأمور استقرت لهم تماما؟ أم لأن نساء العائلة المالكة أصبحن حينذاك أكثر احتجابافقلت بذلك كثيرا فرصهن في اتخاذ مبادرات استثنائية والقيام بمثل هذا الحج؟

وبالرغم من التفاصيل المهمة التي يقدمها كتاب أكبرنامه عن الحج، لم يولها المؤرخون من الاهتمام إلا القليل إن لم يكن تم تجاهلها تماما (Richards 1993, Pearson 1996). إن تغيير المقاربة المستخدمة مع زيادة الاهتمام بالأسئلة التي تدور عن الجندر والسلطة، يمكننا من طرح أسئلة حول تكوّنالمغول وهو الأمر الذي طالما تعرض للتهميش من قبل مؤرخي المغول جميعا، وهو أمر يتعلق بنشأة الإمبراطورية وظهورها إلى حيز الوجود، وكذلك بما تزامن معها من تأسيس أرشيف لها. ويمكننا ذلك من أن نرى كيف ظهر أحد أكثر المصادر المغولية مباهاة (كتاب أكبرنامه) إلى الوجود، جاعلا بذلك من مصادرهنفسها مصادر هامشية إن مذكرات غولبدان بانو بيغوم تطرح تساؤلا حول تكوينالمصادر في نفس الوقت الذي تثير فيه أسئلة حول الحدود المفروضة على تاريخ المغول.

إن التناول المتجدد للمصادر الرسمية والاهتمام الأكبر بالمصادر المهملة يوحي حقا بوضوح بالحقيقة القائلة بما اتسم به تأسيس هذه الدولة الجديدة من صعوبات – ليس فقط من حيث سلطتها الجديدة وعظمتها، ولكن أيضًا من حيث تشريعاتها ومرونتها وتقاليدها وتراتبيتها. وليس أمام المؤرخات والمؤرخين الراغبين في توسيع آفاق التاريخ المغولي إلا الدعوة إلى المزيد من التقدير لهذه المرونة، حتى وهو أثناء محاولة إعادة صياغة تاريخ الحياة اليومية، وما بها من علاقات وعواطف ومواقف، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإمبراطورية.

Primary Sources

(Manuscripts, Persian editions, and translations)

Gulbadan Bānū Begum, Aħvāl-i Humāyūn Bādshāh, British Library Ms. Or. 166.

A. S. Beveridge (trans.), The history of Humayun. Humayun Nama, Delhi 1902, repr. 1994.

Ā’īn-i Akbārī

H. Blochmann (ed.), The Ā’īn I Akbarī by Abu’l Fazl Allam, 3 vols., Calcutta 1872–7, vol. 1 trans. 1873, repr. Delhi 1997.

H. S. Jarrett, (trans.), The Ā’īn I Akbarī by Abu’l Fazl Allam, vols. 2 and 3, 1891, 1894, repr. Delhi 1997.

Akbarnāma

H. Beveridge (trans.), The Akbarnāma of Abu-l-Fazl, vols. 1–3, 1902–39, repr. Delhi 1993.

A. Maulawi (ed.), Akbarnāmah, 3 vols., Calcutta 1873–86.

Bāburnāma

A. S. Beveridge (trans.), Bābur-nāma (Memoirs of Babur), 2 vols., Delhi 1927, repr. 1997.

W. M. Thackston (trans.), Bâburnâma. Chagatay Turkish text with Abdul-Rahim Khankhanan’s Persian

translation/Zahiruddin Muhammad Babur Mirza, 3 vols., Cambridge, Mass 1993.

—— (trans., ed., and annotated), The Baburnama. Memoirs of Babur, prince and emperor, Washington, D.C. 1996.

Histories of Humāyūn

Sadasukh Lal Baini Prasad (ed. and trans.), Qānūn-i Humāyūni of Khwāndamīr, British Museum, Add. 30, 774.

H. M. Hidayat (ed.), The Qānūn-i Humāyūni of Khwāndamīr, Bibliotheca Indica, 260, no. 1488, New Series, Calcutta 1940.

——, Tazkira-i Humāyūn wa Akbar of Bāyazīd Biyāt, Bibliotheca Indica, 264, no.1546, New Series, Calcutta 1941.

Niżam al-Dīn Aħmad, The Ŧabaqāt-i Akbarī of Khwājah Niżammudin Aħmad, vols. 1–3, trans. D. B. and B. Prasad, Delhi

1936, repr. 1992.

Abd al-Qādir ibn al-Badā‘ūnī, Muntakhab al-tawārīkh, 3 vols., ed. and trans. G. S. A. Ranking, W. H. Low, and Sir W.

Haig, vols. 1–3, Delhi 1884–1925, repr. 1986.

H. Beveridge, The memoirs of Bayazid (Bajazet) Biyat, in Journal of the Asiatic Society of Bengal 4 (1898), 296–316.

Descriptive list of the photographic reproductions of illustrations from three Persian manuscripts [of the Badshah-namah of

Abd al-Hamid Lahauri, the Shahnamah of Firdausi, and the Timur-namah of Abd Allah Hatifi] in the Oriental Public

Library at Bankipore, India. Prepared by Wali-ud-din Khuda Bakhsh, British Library, Shelfmark 14773.1.3.

H. M. Elliot and J. Dowson, The history of India as told by its own historians, vols. 1–3. London 1867–77.

——, Humayun-Nama of Khondamir, in H. M. Elliot and J. Dowson (eds.), The history of India as told by its own

historians, vol. 5, London 1873, 116–26.

Mirzā Ħaydar, The tarikh-i Rashidī of Muhammad Haidar Dughlát. A history of the Moguls of Central Asia, ed. N. Elias

and trans. R. Denison, London 1895.

Jawhar, The Tezkereh al-Vakiāt. Or, private memoirs of the Moghul Emperor Humāyūn, written in the Persian language by

Jouher (a confidential domestic of His Majesty), trans. Major C. Stewart, Lucknow 1832.

B. Prasad, A note on the buildings of Humayun, in Journal of the Royal Asiatic Society of Bengal 5 (1939), 459–61.

B. P. Saxena, Baizid Biyat and his work “Mukhtasar” in Journal of Indian History 4:1–3 (1925–6), 43–60.

——, Memoirs of Baizid, in Allahabad University Studies 6:1 (1930), 71–148.

Tarikh-i Khandan-i Timuriyya, Ms. Khuda Baksh Oriental Public Library, Patna.

Secondary Sources

M. Alam, The crisis of empire in Mughal North India. Awadh and the Punjab, 1707–48, Delhi 1986.

M. Ali, The Mughal nobility under Aurangzeb, London 1966.

S. Arasaratnam, Merchants companies and commerce on the Coromandel coast, 1650–1740, Delhi 1986.

F. Bernier, Travels in the Mogol Empire AD 1656–1668 by Francois Bernier, trans. I. Brock, rev. A. Constable, Delhi 1968.

A. S. Beveridge, Life and writings of Gulbadan Begam (Lady Rosebody), in Calcutta Review 106 (1892), 345–71.

S. Blake, Shahjahanabad. The sovereign city in Mughal India 1639–1739, Cambridge 1993.

M. Brand and G. D. Lowry (eds.), Fatehpur Sikri, Bombay 1985.

——, Akbar’s India. Art from the Mughal city of victory, London 1985–6.

S. Chandra, Parties and politics at the Mughal court, New Delhi 1979.

P. Chatterjee, The nation and its fragments. Colonial and postcolonial histories, Princeton, N.J. 1993.

P. N. Chopra, Some aspects of society and culture during the Mughal Age (1526–1707), Jaipur 1963.

E. B. Findly, Nur Jahan, empress of Mughal India, New York 1993.

A. D. Gupta, Indian merchants and the decline of Surat: c. 1700–1750, Wiesbaden 1979.

I. Habib, The agrarian system of Mughal India, 1556–1707, Bombay 1963.

S. N. Hasan, Thoughts on agrarian relations in Mughal India, New Delhi 1973.

H. Kulke (ed.), The state in India 1000–1700, Delhi 1997.

K. S. Lal, The Mughal harem, New Delhi 198

١٤٥

R. Lal, The “domestic world” of the Mughals in the reigns of Babur, Humayun, and Akbar, 1500–1605, D.Phil. thesis,

University of Oxford 2000.

——, Rethinking Mughal India. The challenge of a princess’ memoir, in Economic and Political Weekly 38 (4 January

2003), 53–65.

——, Historicizing the Ħaram. Early Mughal domestic life, book in progress.

R. C. Majumdar (ed.), The Mughul Empire, Bombay 1974.

N. Manucci, Storia do Mogor, or Mogul India 1653–1708 by Niccolao Manucci, Venetian, 4 vols., trans W. Irvine, London

1907–8.

D. N. Marshall, Mughals in India. A bibliographical survey, London 1967.

R. Misra, Women in Mughal India 1526–1748, Delhi 1967.

W. H. Moreland, The agrarian system of Moslem India, Cambridge 1929.

H. Mukhia, Historians and historiography during the reign of Akbar, New Delhi 1976.

Renuka Nath, Notable Mughal and Hindu women in the 16th and 17th centuries A.D., New Delhi 1990.

R. Nath, Private life of the Mughals of India 1526–1803, Jaipur 1994.

R. O’Hanlon, Kingdom, household and body. Gender and the construction of imperial service under Akbar, unpublished paper.

M. Pearson, Merchants and rulers in Gujarat, Berkeley 1976.

——, Pilgrimage to Mecca. The Indian experience 1500–1800, Princeton, N.J. 1996.

L. P. Peirce, The imperial harem. Women and sovereignty in the Ottoman Empire, New York 1993.

F. Pelsaert, Jahangir’s India. The remonstrantie of Francisco Pelsaert, trans. W. H. Moreland and P. Geyl, Cambridge 1925.

I. H. Qureshi, The administration of the Mughul Empire, Patna 1973.

G. Ranajit, The small voice of history, in S. Amin and D. Chakrabarty (eds.), Subaltern Studies IX. Writings on South Asian

History and Society, Delhi 1996, 1–12.

T. Raychaudhuri, Jan Company in Coromandel, 1605–1690. A study in the interrelations of European commerce and

traditional economies, The Hague 1962.

J. F. Richards, Mughal administration in Golconda, Oxford 1975.

——, The formulation of imperial authority under Akbar and Jahangir in kingship and authority, in J. F. Richards (ed.),

Kingship and authority in South Asia, Madison, Wis. 1978, 252–85.

——, Norms of comportment among imperial Mughal officers, in B. D. Metcalf (ed.), Moral conduct and authority. The

place of adab in South Asian Islam, Berkeley 1984, 225–89.

——, The Mughal Empire, Cambridge 1993.

S. A. A. Rizvi, Religious and intellectual history of the Muslims in Akbar’s reign, Delhi 1975.

M. S. Roychoudbury, The Din-I-Ilahi. Or, the religion of Akbar, Calcutta 1941.

——, The state and religion in Mughal India, Calcutta 1951.

K. Sangari and S. V. Sangari (eds.), Recasting women. Essays in Indian colonial history, Delhi 1989.

J. Sarkar, Fall of the Mughal Empire, Calcutta 1932–50.

——, Mughal administration, Calcutta 1935.

S. R. Sharma, Mughal government and administration, Bombay 1951.

——, Religious policy of the Mughal emperors, Bombay 1962.

M. Sinha, Colonial masculinity. The “manly Englishman” and the “effeminate Bengali” in the late nineteenth century, Manchester, U.K. 1995.

A. Srivastava, The history of India (1000 A.D.–1707 A.D.), Agra 1964.

S. Subrahmanyam, The Mughal state. Structure or process. Reflections on recent western historiography, in Indian Economic and Social History Review 29:3 (1992), 291–321.

N. P. Ziegler, Some notes on Rajput loyalties during the Mughal period, in J. F. Richards (ed.), Kingship and authority in South Asia, Madison, Wis. 1978, 215–51

شارك:

اصدارات متعلقة

النسوية الإلغائية في فلسطين
نصائح من اجل بيئة عمل آمنة للنساء
نصائح للنساء لضمان السلامة خلال الحمل والولادة والوقاية من كوفيد19
الإجهاض القسري في نيجيريا وسؤال العدالة الانجابية
اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10