انتشار الإسلام في الصين من القرن السابع إلى منتصف القرن السابع عشر

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع

انتشار الإسلام في الصين

من القرن السابع إلى منتصف القرن السابع عشر

أسرة تانغ (۱۱۸ ۹۰۷ م)

منذ فجر الإسلام، كان هناك مسلمون يعيشون في الصين. وكان التجار الفرس والعرب يبحرون إلى الساحل الجنوبي الشرقي للصين على مدى قرون قبل مولد الرسول (ص). ويرجع طريق الحرير البحري، وقرينه البري إلى تاريخ طويل يعود إلى القرون الأولى من الميلاد. فكان التجار الذين يتخذون طريق البحر يصلون إلى كانتون (غوانغزهو الحالية) التي كانت الميناء الوحيد المفتوح أمام الأجانب آنذاك، حيث يعيشون هناك في أحياء منفصلة. وكانت العاصمة الصينية تشانغ آن (زي آن الحالية) منتهى رحلة معظم القادمين برا.

كان التجار المسلمون يعيشون في كانتون مع غيرهم من الأجانب في العزلة النسبية التي فرضتها الأحياء المعروفة باسم فانفانغ” (أي الأحياء الأجنبية). واستقر بعض التجار بصفة دائمة في تلك المجتمعات، بينما استمر البعض الآخر في الارتحال من وإلى غرب آسيا. وفي تلك الأحياء التي كانت قائمة خارج أسوار المدينة، تم السماح للمقيمين الأجانب بدرجة من الحكم الذاتي. وكانوا يختارون واحدا من بينهم ليمثلهم في المعاملات مع السلطات الصينية، ولكنهم كانوا مع ذلك خاضعين لقوانين الدولة الصينية الإمبراطورية. وقد اجتذبت العاصمة الصينية، تشانغ آن، خلال عهد أسرة تانغ (618 – ۹۰۷م) أعدادا غفيرة من المقيمين الأجانب من جميع أنحاء آسيا، كان منهم العرب، والترك، والأويغوريون، والفرس، والسوغديان، والهنود، واليابانيون، والكوريون، وكذلك المسيحيون النسطوريون والمازدكيون واليهود، والمانويون والزرادشتيون، والمسلمون. وقد سمح لتلك الجماعات بإقامة دور عبادة، وضمت تركيباتهم السكانية طائفة متنوعة من المهن. وكان من بين المقيمين الأجانب عدد كبير من المبعوثين الأجانب عدد كبير من المبعوثين الأجانب الذين كانوا على رأس بعثات لتقديم فروض الولاء في العاصمة الصينية. وأصبحت تشانغ آن أكبر مدن العالم وأكثرها عالمية، وبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة.

ولا نعرف سوى القليل عن الحياة اليومية لأوائل المقيمين من المسلمين. وقد سجلت الوثائق التاريخية الصينية تطور العلاقات الدبلوماسية بين البلاط الإمبراطورى والدول الإسلامية في وسط وغرب آسيا. ولكن لم تصلنا أي وثائق تصف تطور مجتمعات المسلمين الأولى هناك. وبالتالي، فنجد شبه استحالة في الإجابة حتى عن أبسط الأسئلة المتعلقة بدور النساء في تلك المجتمعات. فنحن لا نعلم على سبيل المثال، ما إذا كانت هناك نساء من بين هؤلاء الرحالة والمقيمين الأوائل.

ويتمثل أحد المفاتيح القليلة المتعلقة بهوية زوجات أوائل المسلمين الذين أقاموا في الصين، في العديد من المراسيم الإمبراطورية التي صدرت عبر السنين، والمتعلقة بزواج الأجانب المقيمين من نساء صينيات. فعلى اختلاف فترات تلك الحقبة، كان يسمح للأجانب المقيمين بالزواج من صينيات، أو يمنعوا من الزواج منهن، أو يسمح لهم اتخاذ خليلات من بينهن، ولكن كانوا يمنعون من اصطحابهن معهم إذا عادوا لأوطانهم. وبما أن الحكومات قلما تمنع رسميا بعض الأفعال إلا إذا كانت شائعة نسبيا، فلنا إذن أن نعتقد أن التزاوج بين المقيمين من المسلمين والنساء المحليات كان ممارسة شائعة. وكان الأطفال الذين يولدون من تلك الزيجات يربون، بشكل شبه مؤكد، تربية إسلامية. وكان باستطاعة الابن أن يتزوج من امرأة صينية وينشئ أبناءه كمسلمين، بينما يكون من المتوقع أن تتزوج الابنة من أجنبي مسلم، أو من صيني تحول إلى الإسلام. وقد خرجت دراسة د. ليزلي بنظرية مفادها أن أحد أسباب بقاء الجالية اليهودية في الصين في مرتبة دنيا نسبيا لعدة قرون، مقارنة بعدد المسلمين هناك والذي نما بشكل كبير خلال تلك الفترة، هو أن أوائل من استقر في الصين من اليهود كانوا يسمحون لبناتهن بالزواج من رجال من خارج عقيدتهن (Leslie 1986, 138).

ونجد في التشريعات الخاصة بعائلات وأسر الأجانب العديد من المواد التي نصت على منع امتلاك العبيد وتبني الأطفال. ويبدو أن ممارسة المسلمين علق العبيد الذين يتحولون إلى الإسلام كانت متناقضة مع الأفكار الصينية الخاصة بالرق. وكانت ممارسة المسلمين الواسعة لتبني الأطفال الصينيين الذين تركهم الأهل، وتربيتهم كأحد أبناء الأسرة هي المستهدفة من منع التبني في أغلب الظن، حيث كان ترك الأطفال أو بيعهم خلال فترات الشدة ممارسة مقبولة اجتماعيا على مدار التاريخ الصيني. وبالرغم من هذا المنع المبكر، فقد استمر نقشي قيام الصينيين المسلمين بتبني أطفال من غير المسلمين في جميع أنحاء الصين، وذلك حتى العصر الحديث.

وبالرغم من أن المصادر التاريخية في تلك الفترة تورد ذكر الأجانب من الرجال، بشكل شبه حصري، ولا تورد سوی النذر اليسير إن وجد عن النساء، فإن المصادر الأدبية والفنية تورد الكثير عن وصف النساء الأجنبيات في الصين. فقد اشتهرت الأجنبيات كمغنيات وراقصات ومضيفات، كما ورد وصفهن في طائفة واسعة من الوسائط الفنية والأدبية. ومن بين أكبر تأثيرات الأجنبيات كان تأثيرهن في أزياء النخبة من الصينيات، إلى حد أثار ضيق بعض، إن لم يكن كل، الرجال الصينيين. وفى مقال مصور بعناية حول هذه الظاهرة تتناول سوزان كاهيل المؤثرات الغربية على أزياء النساء في عصر أسرة تانغ (Suzanne Cahill, “Our Women are Acting Like Foreigners’ Wives!: Western Influences on Tang Dynasty Women’s Fashions”)

وقد اقتبست الباحثة مقولة يوان زهين” (۷۷۹ – ۸۳۱م) التي يتحسر فيها على تأثير الأجانب: “منذ أثار راكبو الخيول الأجانب الغبار والوحل، ملأ الفراء والصوف، والعفن والزنخ زبانغيانغ [تشانغ آن] ولويانغ. نساؤنا تتصرفن كزوجات الأجانب، فيتدارس أنواع المساحيق الأجنبية؛ والمغنون يقدمون أصواتا أجنبية، خدم للموسيقى الأجنبية!” (Cahill 1999, 109 – 110).

وبالرغم من أنه كان من الواضح أن هناك عددا هائلا من الأجنبيات مقيمات في تشانغ آن وفي غيرها من المدن الصينية الكبرى في ذلك الوقت، إلا أنه ليس من الواضح للأسف كم كان عدد المسلمات بينهن.

اقتصرت التجارة خلال عهد السونغ على الطريق البحري، ففتحت بالتالي العديد من الموانئ الإضافية على امتداد الساحل الجنوبي الشرقي أمام التجارة الأجنبية. ونتيجة لذلك استقرت أعداد كبيرة من المسلمين في قوانزهو (زيتون في المصادر العربية)، وهانغزهو، ونينغبو، وجزيرة هاينان. وبالرغم من أن ظهور جنكيز خان في منغوليا حمل الدمار إلى الكثير من بقاع العالم الإسلامي في الشرق الأوسط، إلا أن سياساته سهلت انتشار ونمو الإسلام في جميع أرجاء الإمبراطورية الصينية. ففي أعقاب كل حملة من حملاته العسكرية الضخمة عبر وسط آسيا، كان يعيد توطين عشرات الآلاف من الفنانين والحرفيين والمهندسين والكتبة والعلماء والعمال العاديين المسلمين في منغوليا بشكل قسري. وكان جنكيز خان يأخذ أيضًا أبناء العديد من الحكام المحليين في المناطق التي يغزوها ويعود بهم معه كرهائن، وكان يدخل هؤلاء الشباب الصغار في حاشيته وتتم تربيتهم كجزء من عائلته. وقد خدم العديد منهم كرجال دولة رسميين مخلصين في ظل حكم المغول في كل بقاع آسيا، وفي الصين بعد غزوها وتأسيس حكم أسرة يوان سنة ١٢٧٤م.وهناك مجتمعات إسلامية منتشرة في كل مناطق الصين اليوم، ويستطيع العديد منهم أن يتتبعوا شجرات أنسابهم ليصلوا بها إلى الموظفين المسلمين الذين نصبهم هناك الأباطرة المغول خلال حكم أسرة يوان.

ومع اتساع إمبراطورية المغول، دأب هؤلاء على استخدام أعداد متزايدة من المسلمين وغيرهم من الأجانب، للمساعدة في تطوير إدارات الحكم المحلي وأنظمة الضرائب وشبكات الاتصالات وبناء مدن جديدة، بما فيها عاصمة جديدة تعرف الآن باسم بكين“. وقد أثبت هؤلاء المسلمون فائدتهم للزعامة المغولية في الكثير من المجالات، ومنها المالية والفلك والطب وعلم الخرائط وصناعة القذائف والهندسة العسكرية والهندسة المائية واللغويات والعمارة.

وخلال تلك الفترة استقر عشرات الآلاف من المسلمين في الصين. وربما يكون بعض كبار الموظفين قد جلبوا معهم أسرهم، ولكن معظم المسلمين كانوا غالبا من الرجال الذين استقروا في الصين وتزوجوا من نساء صينيات. ولكن المصادر غير الصينية القليلة التي تذكر المسلمين في الصين خلال تلك الفترة تفتقد للأسف إلى إشارات تفصيلية إلى النساء. فبالرغم من أن ماركو بولو، على سبيل المثال، يكثر من الإشارة إلى المسلمين (Saracens) الذين التقى بهم في رحلاته عبر الصين عندما كان يعمل في خدمة حكام المغول (۱۲۷٥ – 1295م)، فإنه لم يذكر أية امرأة مسلمة. كذلك التقى ابن بطوطة بطائفة واسعة من المسلمين في رحلاته الكثيرة التي وصلت فيما يقال إلى الصين، ولكنه لا يورد هو الآخر أي ذكر النساء المسلمات. على أن ذلك ربما يعكس نفور الأسر المسلمة من السماح لنسائها بالتعامل مع الضيوف من الرجال، أو إحجام الرجال عن الكتابة عن نساء الأسر المسلمة التي زاروها.

أسرة مينغ (١٣٦٨ – ١٦٤٤م)

إن الإسقاط النهائي للحكم الهمجيلأسرة يوان المنغولية، وتأسيس حكم أسرة مينغ الهان الصينية، صاحبتها فترة من الجهود المكثفة لاسترجاع الفكر الصيني التقليدي والعادات الاجتماعية الصينية التقليدية إلى جميع أنحاء الإمبراطورية، حتى يكون كل ما تحت السماء صحيحا“. وبعد قرن من حكم المغول في الصين، والذي تبوأت خلاله أعداد كبيرة من الأجانب مناصب مهمة تمتعوا من خلالها بالسلطة والنفوذ في جميع أنحاء الإمبراطورية، كان الإمبراطور زهو يوانزهانغ، مؤسس أسرة مينغ مصمما على اجتثاث أكثر العلامات الدالة على وجودهم. وبالرغم من أن المقيمين الأجانب لم يتعرضوا للقتل أو الترحيل من البلاد، إلا أنهم خضعوا لسلسلة من القوانين التي صدرت لتأكيد هيمنة العادات والممارسات الاجتماعية الهان الصينية. وتضمنت هذه القوانين قوانين ترغم كل المقيمين في الصين على اتخاذ أسماء صينية، والتحدث بالصينية، وارتداء ملابس صينية، واتباع الممارسات الثقافية الصينية. وبالرغم من أن أسرا مسلمة كانت تعيش في الصين قبل ذلك بعدة أجيال، بل وعدة قرون في بعض الحالات، إلا أن الدولة الصينية كانت تعتبرهم مع ذلك أجانب“.

وقد استهدفت الحكومة الجديدة زواج الأرملة، وهو ممارسة مقبولة على نطاق واسع بين المغول والمسلمين على حد سواء، ولم تشجعه بوصفه مثالا على انعدام الأخلاق لدى الهمج“. فالمثل الكونفوشية التقليدية الخاصة بالزواج تركز على أن تبقى الأرملة على وفائها لزوجها بعد وفاته، وأن تستمر في خدمة أهله.

وفي محاولة أقوى لتسهيل استيعاب المقيمين الأجانب، نص أول تشريع للدولة على قانون يطالب كل الرجال المغول والأجانب الذين جاءوا معهم إلى الصين بالبحث عن نساء صينيات على استعداد للزواج منهم: “لا يسمح لهم بالزواج من عرقهم. وسوف يعاقب الخارجون على القانون بثماني ضربات بالعصا الغليظة، وسوف تستعبد الدولة كلا من الرجال والنساء منهم” (Farmer 1995, 82).

 

بالرغم من التقدم الهائل الذي شهدته مجالات تاريخ النساء في الصين، وتاريخ النساء في العالم الإسلامي، فلا علم لي بأي بحث أجراه دارسون صينيون أو غربيون يركز على دور النساء في مجتمعات المسلمين خلال الفترة المبكرة للإسلام في الصين. ومما يزيد من فقر المصادر التاريخية التي تتناول الحياة اليومية للمسلمين أن مصادر السير والتراجم الخاصة بأعيان المسلمين من الرجال في تلك الفترة عادة لا تذكر أسماء الزوجات أو البنات. وفي الحالات القليلة التي ذكرت فيها تلك الأسماء، خاصة منذ عهد أسرة مينغ، كانت كلها أسماء صينية لا يمكن في العادة تمييزها عن أسماء غير المسلمين. وبالرغم من تلك التحديات، إلا أنه من الممكن أن نكتشف في كتب السير والتراجم القليل من الحالات الفردية.

ومن بين تلك الأمثلة، الإشارة إلى صفاليقحفيدة محمود يالافاتش، من الفترة المبكرة لحكم أسرة يوان. وتعود أصول الرجل إلى خوارزم، وكان من أوائل المسلمين الذين خدموا المغول، وكذلك خدمهم أبناؤه، بمن فيهم علي بيغ، والد صفاليق. على أن حفيدته كانت واحدة من الحالات القليلة للمسلمات المعروفات الهوية في تلك الفترة، نظرا لسلوكها النموذجي. يشير كاتب سيرتها الصيني إلى أنها بالإضافة إلى كونها امرأة ذات ذكاء وقدرات استثنائية لعبت أيضًا دورا حيويا في مساعدة زوجها، تيمور بوقا في القيام بواجباته كموظف في خدمة أسرة يوان المغولية. وبعد وفاة زوجها المبكرة، استطاعت صفاليق أن تربي أبناءها وحدها، في ظروف شديدة الصعوبة، رافضة عروض الإحسان، ولم تتزوج بعده. وقد كان لها أربعة أبناء ذكور (لا يوجد ذكر لبنات) خدموا جميعًا كموظفين في عهد أسرة يوان. وبعد وفاتها أقام لها الموظفون الصينيون المحليون لوحة تكريما لذكراها، وتكريما لوفائها لزوجها (Rachewiltz 1993).

احتل رفض صفاليق الزواج بعد رحيل زوجها جانبا ملحوظا في هذه السيرة. فبوصفها ابنة أسرة مسلمة بارزة تولت مواقع سلطة ونفوذ في الصين ووسط آسيا (ينسب إلى عمها مسعود بيغ إنشاء مدرسة كبيرة في بخارى في سبعينات القرن الثالث عشر) لابد أنها قد نشأت في أسرة مسلمة تقليدية. ونظرا لأن زواج الأرملة ليس مستهجنا في معظم المجتمعات الإسلامية التقليدية، فليس من المعروف ما إذا كان قرارها بعدم الزواج جاء عن رغبة منها في الحفاظ على القيم التقليدية للمجتمع الصيني الذي عاشت فيه، أم صدر عن رغبة شخصية. ولكن نتيجة ذلك نالت عرفانا رسميا بمسيرة حياتها وقام باحثون صينيون بتوثيقها.

هناك مثال ثان يعود إلى نفس الفترة الزمنية، ونقصد به آ لو (أرقون؟) والدة ماي شو دينغ (مجد الدين؟) الذي كان موظفا مسلما في عهد المغول. وقد مات أبوه آهي ما (أحمد) في الثانية والثلاثين من عمره وكان ماي – شودينغ لا يزال صغيراً. وتنسب سيرته فضل تنشئته ونجاحه بعد ذلك كموظف رسمي إلى والدته. فقد استطاعت، وفقا لهذا المصدر، أن تنشئه على مثل الإخلاص في العمل، والالتزام الصارم، ومعاملة الناس بالإحسان“. ونظرا لأن هذه العبارة وردت بين علامات تنصيص في الأصل الصيني، ونظرا لأن علامات الترقيم ليست واحدة في كل اللغات، وبالرغم من أن المثل الواردة فيها صينية صرفة، إلا أن كاتب السيرة الصيني المسلم ربما يكون قد أشار هنا إلى نص فارسي أو عربي لأحد الأحاديث الشريفة. وتضيف هذه السيرة بعد ذلك أن تلك السيدة عاشت حتى بلغت الثمانين وأنعم عليها بلقب شرقي بعد وفاتها (Bai Shouyi 1985).

مثال أخير نجده في الفترة المبكرة من عهد أسرة مينغ، وهو سيرة حياة دينغ يوئي (1320؟ – 1350؟). وقد تم تكريم هذه السيدة بوضع سيرتها أولا في قسم عن النساء النموذجياتفي التاريخ الرسمى لأسرة مينغ (Tang 1985 – 91, 7691) وكان أول من كتب عن مجموعة من النساء النموذجيات هو ليو زيانغ (۷۹ ۸ ق.م.) ووثق فيها لنساء كانت حيواتهن (ووفياتهن في العادة) تحمل قيما كونفوشية تقليدية. ومن المثل شائعة التوثيق في هذه السير بر الأبناء، ورفض الأرملة للزواج، وجهود النساء لصيانة عفتهن وشرف أسرهن بالانتحار لتحاشي احتمال الاغتصاب.

وبالرغم من أن دينغ كانت تتمتع بقدرات فكرية هائلة، فإن الاحتمال الأكبر أن سيرتها كرمت بإيرادها في تلك المجموعة بسبب قيادتها لمجموعة من النساء للقيام بانتحار جماعي ردا على هجوم من حفنة من قطاع الطرق. ووفقا لما جاء في السيرة، عندما كان قطاع الطرق يقتربون من المدينة، قامت دينغ التي كانت تحمل طفلة على ذراعها، بقيادة تسع نساء أخريات إلى لجة من الماء بغرض الغرق. وتذكر السيرة أن آخر كلمات لفظتها عند وفاتها هي أنا من أسرة عريقة في العلم، فكيف لي أن أسمح لنفسي بأن أتعرض للانتهاك من قطاع طرق“. وبفضل هذا التصرف فقط، خلدت ذكراها واستطعنا أن نعرف بعض الأشياء عن الجوانب الأخرى لحياة هذه المرأة المسلمة. وبالرغم من عدم ذكر اسم أمها أو أخواتها، فقد عرفنا أن أسرتها كانت في الأصل من آسيا الوسطى وأن اسم أبيها زهي ما لو – دينغ (جمال الدين). وقد أظهرت ذكاء استثنائيا منذ طفولتها فكان يسمح لها بحضور الدروس مع أخيها، فاكتسبت بذلك فهما عميقا للكلاسيكيات الصينية، وكذلك فهمت المبادئ الأصلية للاستقامة“. وكانت تحظى باحترام شديد لشخصها ولصفاتها العقلية المثالية، كما درست على يديها مجموعة من النساء.

ويذكر لدينغ يوئي أيضًا أنها علمت أخاها الأصغر، دينغ هينيان (1335 – ١٤٢٤م)، وقد أصبح فيما بعد عالما شهيرا من علماء تلك الفترة، حيث تمكن في البداية من الكلاسيكيات الكونفوشية، ثم أصبح شاعرا مفوها ومن أتباع البوذية. وتقدم لنا سيرته لمحة رائعة عن الطبيعة الدافقة للهوية والثقافة والممارسات الدينية بين المسلمين في الصين في ذلك الوقت. ويذكره علماء الصين الهان ويشيرون إليه بـ. “الهمجيالذي تحضرعندما اكتسب بمهارة كل جوانب اللغة والثقافة الصينيتين. وقد ولد في أسرة مسلمة كثيرة العدد وعالية المقام، ثم اتبع تدريجيا طائفة واسعة من الممارسات الصينية التقليدية، حتى أنه بلغ، في سنة ١٣٧٩م، حد العودة إلى مسقط رأسه ووتشانغ (ووهان الحالية في وسط الصين)، ليتعرف على موضع دفن أمه الذي لم يكن يحمل أية علامة، وذلك أن والدته كانت قد دفنت حسب التقاليد الإسلامية، فصمم على استخراج رفاتها ووضعها في تابوت مناسب، وإعادة دفنها ووضع لوحة على قبرها، وتقديم أضاحي اللحم والنبيذ لها. وتشي تصرفاته هذه بجهد واع للتنكر لدينه الذي ولد عليه وقبول العادات الصينية التقليدية. ومع ذلك، فبعد ٤٥ سنة، ومع اقتراب ساعته، قام الرجل بإعداد قبر لنفسه على سنة المسلمين في مدافنهم في هانغزهو.

ومن منطلق تلك الفترة التي شهدت التفاعل والمواجهة الحيوية على المستويين الثقافي والديني، تكشف هذه السير عن بعض التعقيدات والتحديات الصعبة التي تواجه الباحثات والباحثين المتخصصين الذين يسعون إلى فهم طبيعة حياة نساء المسلمين ورجالهم الذين عاشوا في الصين في تلك الفترة.

ويوجد عدد قليل للغاية من الدارسات والدارسين في جميع أنحاء العالم ممن يركزون أبحاثهم على الفترة المبكرة للإسلام في الصين، وحسب علمي لا يوجد تركيز على دراسة النساء في تلك الفترة. وعلى الرغم من أن سير الرجال المسلمين في تلك الفترة حظيت بتوثيق جيد على أيدي الدارسين الصينيين، وأشار إليها عرضا مؤرخو العصور الوسطى العرب والفرس، فليس هناك من جمع منظم لسير النساء. وفي حالة دينغ يوئي وأخيها، ذكرت المصادر الصينية بوضوح أنه كان مسلما، ولكنها وصفتها مع ذلك في غموض بأنها من أصول وسط آسيوية.

إن تلك الأمثلة القليلة تترك الباب مفتوحا أمام إمكانية القيام بأبحاث أكثر فاعلية في المستقبل، ولكنها توضح في الوقت نفسه الصعوبات التي ستواجهها الباحثات والباحثون في محاولة العثور على نساء مسلمات في مصادر التاريخ المبكر للإسلام في الصين. وتتمثل إحدى السبل المتاحة لذلك في شواهد قبور المسلمين التي بقيت في مقابرهم في شتى أنحاء الصين.

وقد نقشت تلك الشواهد في العادة بلغتين (الصينية والعربية أو الفارسية)، واشتملت في العادة على نقوش إسلامية تقليدية أيضًا. وبالإضافة إلى تحديد هوية المتوفى باعتباره مسلما، تحتوي شواهد القبور في الصين عادة على أسماء الأقارب المباشرين للمتوفى، بمن فيهم نساء الأسرة مثل الأم والبنات والحفيدات.

 

Bai Shouyi (ed.), Records of notable Hui. The Yuan period [in Chinese), Yinchuan 1985.

S. E. Cahill, “Our women are acting like foreigners’ wives!” Western influences on Tang dynasty women’s fashion, In V. Steele and J. S. Major, China chic. East meets West, New Haven, Conn. 1999,

Y. Chen, Western and Central Asians In China under the Mongols. Their transformation into China, Los Angeles 1966.

R. E. Dunn, The adventures of Ibn Battuta A Muslim traveller of the fourteenth century, London 1986.

E. L. Farmer, Zhu Yuanzhang and early Ming legislation. The reordering of Chinese society following the era of Mongol rule, Leiden 1995.

L. C. Goodrich (ed.), Dictionary of Ming biography, 1368-1644, New York 1976.

D. D. Leslie, Islam In traditional China. A short history to 1800, Canberra 1986.

I. de Rachewiltz et al. (eds.), In the service of the Khan. Eminent personalities of the early Mongol-Yuan period, Wiesbaden 1993.

Tang Gang. History of the Ming dynasty [In Chinese], Shanghai 1985- 91.

شارك:

اصدارات متعلقة

النسوية الإلغائية في فلسطين
نصائح من اجل بيئة عمل آمنة للنساء
نصائح للنساء لضمان السلامة خلال الحمل والولادة والوقاية من كوفيد19
الإجهاض القسري في نيجيريا وسؤال العدالة الانجابية
اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10