بعد قرار رئيس الوزراء بتحويل هيئة التأمين الصحي إلى شركة قابضة وفصل التمويل عن تقديم الخدمة تمهيدًا لخصخصته، أعدت الحكومة مشروع قانون للتأمين الصحي، قال عنه د. حسن عبد الفتاح الرئيس السابق لهيئة التأمين الصحي إنه كارثة على الفقراء وخاصة النساء والأطفال.
في ظل الوضع الاقتصادي المتدني والذي يكون أول من يعاني منه المرأة، يحذر الخبراء وعلى رأسهم “د. عبد المنعم عبيد” – أستاذ التخدير بطب قصر العيني وعضو جمعية التنمية الصحية والبيئة من خطورة خصخصة التأمين الصحي وآثار المدمرة على صحة المرأة.
يقول “د. عبد المنعم عبيد“: “إن الفقر – في تقديري – امرأة وخاصة في صعيد مصر نجد أن النساء تبتلى بالعبء المرضي، فالنساء معرضات للإصابة بالأمراض المعدية والمزمنة وفي حالة خصخصة التأمين الصحي يصعب على السيدة الفقيرة الحصول على الخدمات الصحية في ظل ارتفاع تكلفة العلاج.
أكد “د. عبد المنعم عبيد” إن سلامة الحمل والولادة واكتشاف الحالات الوراثية السيئة أو الحمل خارج الرحم أو سقوط الرحم كل هذه الأمور تحتاج إلى فحص دوري للأم الحامل، وهذا لن يحدث في ظل خصخصة التأمين الصحي حتى وإن تم استبدال التأمين بالوحدات الصحية، فهذ الوحدات غير مجهزة للقيام بهذه المهمة وليس بها أطباء على مستوى عالٍ من الكفاءة، وبالتالي سوف تترتب صعوبات كبيرة للأم الحامل خلال فترة الحمل وسوف تنتشر عمليات الولادة في المنازل على أيدي الدايات، وعندها تتأزم الأمور يتم الإلقاء بالأم في أحد المستشفيات العامة في غياب الدم والخيوط المخصصة للعمليات الجراحية، ويضطر الأهل لشرائها من الصيدليات بأسعار باهظة.
د. عبد المنعم عبيد
لأن الفقر امرأة فإن علاجها سيصبح فريضة مؤجلة
وتحدث “د. عبد المنعم عبيد” في قضية مؤجلة عن السرطانات التي تصيب المرأة كسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم قائلاً: “هذان النوعان من الأمراض من أخطر ما يهدد صحة المرأة ونظرًا لتطور العلم يمكن اكتشافه مبكرًا، ولكن بعد خصخصة التأمين الصحي سوف تدخل المرأة في صراع مع الموت خاصة في ظل الموروث الشعبي القديم الذي يجعل المرأة في آخر القائمة، خاصة أنه في ظل انخفاض مستوى المعيشة سوف تصبح الصحة هي الفريضة المؤجلة. وحول المزايا التي يقدمها التأمين الصحي الحالي للمرأة أوضح “د. عبيد” أن التأمين الصحي يقدم خدمة ممتازة من الخدمات للمنتفعين كافة ولكن للأسف غالبية المنتفعين رجال يعملون بالجهاز الاداري للدولة، وكنا نتمنى أن يضم مشروع قانون التأمين الصحي زوجات المنتفعين حتى نضمن تأمينًا صحيًا لجميع نساء مصر، ولكن للأسف لم يحد هذا، كما أن هناك جيوشًا من العاملات في المصانع يتعرضن للعديد من الأمراض ورغم ذلك ليس لهن حق في التأمين الصحي لأنهن انضممن إلى طابور العمالة غير المنتظمة، فضلاً عن النساء المعيلات اللاتي يعملن في البيع والشراء، كل هؤلاء غير مؤمن عليهن الأمل الوحيد هو إجراء تأمين صحي إجتماعي شامل حتى يتم ضم هؤلاء السيدات واللاتي يصل عددهن إلى أكثر من 7 ملايين سيدة هذا بالإضافة إلى 5 ملايين طالب وطالبة من المتسربين من التعليم ومعظمهم من الفتيات الفقيرات.
ورفض د. عبد المنعم عبيد” مشروع القانون الحكومي الذي يهدف إلى تهرب الحكومة من تقديم الرعاية الصحية المتقدمة الخاصة بالعمليات الجراحية الكبرى وعلاج الأورام وزرع المفاصل وغيرها.
نظام قومي شامل
ويطالب ببناء نظام تأمين صحى اجتماعي قومي شامل يضم جميع القطاعات غير المشمولة كالعمالة غير المنتظمة والفلاحين والفلاحات والطلاب المتسربين، وأن يتم عمل دراسة لزيادة نسبة الاشتراكات مع الأخذ في الاعتبار أن تدعم الضرائب محدودي الدخل والفقراء وتتولى الحكومة تقديم الدعم لهم.
وأشار “د. عبيد” إلى أن الإنفاق الحكومي على الصحة وصل إلى 10 مليارت جنيه منها ۲ مليار جنيه فقط تنفق على التأمين الصحي الذي يخدم نحو 37 مليون مواطن أي ٥٢% من السكان بنصيب للفرد 55 جنيهًا سنويًا. أما الإنفاق الكلي على الصحة بلغ ۳۰ مليار جنيه أي هناك تصاعدًا فلكيًا في الإنفاق الشخصي، وهناك حوالي ۲۰ مليار جنيه يتم دفعها سنويًا من الجيب من خلال هروب الناس للعلاج الخاص لانهيار العلاج الحكومي ويقدم د. عبيد من أجل توفير تكلفة التأمين الصحي الشامل أن تتم زيادة اشتراك الفرد في التأمين الصحى من 55 جنيهًا إلى ٢٠٠ جنيه للفرد سنويًا بتكلفة كلية 14 مليار جنيه منها ٢ مليار لوزارة الصحة في مهامها الإدارية والإشرافية، وبالتالي يستطيع التأمين الصحي الحالي تقديم أعلى خدمة في إطاره الحالي مع قائمة أدوية رئيسية وممتازة وأجور كافية لمقدمي خدمة تأمينية متفرغين لعملهم في حدود 6 مليارات جنيه، ويضم تدريجيًا العمالة غير الرسمية ثم العمالة الفلاحية ثم جحافل البطالة ليمكن استكمال نشر الخطة الشاملة المتكاملة على الشعب، تاركين للأغنياء والقادرين رعايتهم لأنفسهم ماداموا سيساهمون بنصيبهم القومي في التأمين الصحي المنشود غير الهادف للريح.
مشروع تجاري
وانتقد “د. محمد حسن خليل” – استشاري أمراض القلب بهيئة التأمين – مشروع القانون الحكومي موضحًا أنه ضد مبدأ التكامل الاجتماعي فهو يلزم المواطن بدفع نسبة تبلغ 30% من تكلفة الدواء والفحوص والعلاج والإقامة بالمستشفيات، ويحدد مشروع القانون دفع ثلث التكلفة دون حد أقصى، ولذلك فهو ينتهك مبدأ التأمين الذي يقضي بدفع متوسطات التكلفة كبيرة أو صغيرة، لكي يستبعد القانون الجديد عددًا غير محدود من الخدمات الطبية من تغطية التأمين الصحي إلا مقابل اشتراك خاص.
وحول الخدمات التأمينية التي يوفرها قانون التأمين الصحي الحالي للمرأة يقول “د. محمد حسن خليل” : “إنه يوفر لها الخدمات الخاصة بالأمراض خلال المرحلة الإنجابية وما بعد المرحلة الإنجابية، فالتأمين الصحي يغطي جميع الأمراض المتعلقة بالحمل والولادة والمرتبطة بالجهاز التناسلي، كما أن 56% من المؤمن عليهن تتم ولادتهن داخل مستشفيات التأمين.
خروج العمليات الكبرى من الرعاية الصحية
وأكد إن الخطة في مشروع القانون الجديد هو أن يتم تقديم الرعاية الصحية والثانوية، وهي الرعاية السريرية، أما الرعاية الصحية المتقدمة التي تشمل العمليات الجراحية كسقوط الرحم، وعمليات تثبيت الرحم وعلاج العقم، وعنق الرحم وسرطان الثدي وغيرها فهي مكلفة جدًا وتحتاج إلى متابعة وتأهيل في مراحل المرض، وللأسف هذه الحزمة من الخدمات مرشحة للخروج من حزم الإنتفاع الأساسية وبالتالي سوف يصبح هذا التعديل له آثار المدمرة على صحة المرأة لأنه سيتم دفع سعر تجاري للخدمة وليس تكلفتها في التأمين الصحي الاجتماعي، كما أن عمل حزم متعددة يعد إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين في تلقي خدمة علاجية واحدة عملاً بالمبدأ الرأسمالي كل واحد على قد فلوسه “واللي ماعاهوش ما يلزموش“
إنجازات التأمين الصحي
د. محمد حسن خليل القيصرية حاليًا تتكلف ۱۰۳ جنيهات وسوف تتكلف 3 آلاف جنيه في القانون الجديد
وبلغة الأرقام أوضح “د. محمد حسن” خليل إن التأمين الصحي قام بإجراء أكثر من 400 ألف عملية جراحية خلال العام الماضي تبلغ تكلفة العملية ذات المهارة الخاصة فيها 575 جنيهًا في المتوسط والعملية الكبرى 336 جنيهًا والمتوسطة کالولادة القيصرية بلغت 103 جنيهات والصغرى 59 جنيهًا.
ويقول عند مقارنة هذه الأسعار بما يحدث عند الخصخصة سنجد أن عملية الولادة القيصرية سوف يزيد أجرها على 3 آلاف جنيهًا، وبالتالي تصبح السيدة مطالبة بتسديد ثمنها وفقًا لأسعار المستشفيات الخاصة والاستثمارية، يتكلف الغيار على الجراحة للمرة الواحدة من 50 جنيه إلى 100 جنيه.
أما آثار خصخصة التأمين الصحي على طالبات المدارس فيوصفها “د. محمد حسن خليل” قائلاً: “إن خروج حزمة الرعاية المتقدمة سيكون له آثار كارثية على صحة طالبات المدارس نظرًا لكثرة إصابتهن بالحمى الروماتيزمية أو عيوب القلب الخلقية وهي أمراض تحتاج إلى متابعة وجراحة مكلفة جدًا.
مسئولية الدولة
د. حسن عبد الفتاح المرأة تتعرض لتمييز صارخ ضدها منذ مولدها
وأكد “د. حسن عبد الفتاح” – رئيس هيئة التأمين الصحي السابق إن قرار رئيس الوزراء بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية هو بداية لتنفيذ مخطط خصخصة التأمين الصحي والاستيلاء على أموال المؤمن عليهم وبداية أيضًا لتخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، في حين أن هذا لا يجوز في بلد به ۲۱% من المصريين تحت مستوى خط الفقر و40% من سكان المدن الكبرى يعانون من فقر وحرمان، هذا بالإضافة إلى نسبة الإعالة في مصر والتي تفيد بأن كل فرد يعول حوالي 3 أشخاص غيره، وفي حالة رفع قيمة الاشتراك في التأمين الصحي إلى نحو 10 أو 15 جنيهًا شهريًا هذا يعني إن كل فرد عليه دفع نحو 40 أو 60 جنيهًا شهريًا وذلك للرعاية الصحية الأولية، وسنجد إن هناك نحو ۳۲ مليون مواطن غير قادرين على الوفاء بالاشتراكات، أما الوعد بقيام وزير التضامن بسداد الاشتراكات فهذا أمر غير منطقي لأن الوزير ليس لديه الأموال لسداد هذه المبالغ ولن تتوافر لديه سبل دراسة أوضاع كل هؤلاء الأفراد غير القادرين على الدفع.
وأوضح د. حسن عبد الفتاح أن الخطورة من مشروع القانون الجديد لا تقف عند هذا الحد بل إن القانون يرفع نسبة الاشتراك ثم يطالب المنتفع بثلث التكلفة، ولا ينص على خدمة الخدمات العلاجية المقدمة، ويترك للوزير تحديد الخدمات التي تؤدى وفق اشتراك خاص وهذا يعني إننا ندفع اشتراكات محددة لقاء خدمات غير محددة.
تميز ضد المرأة
خصخصة التأمين الصحى كارثة على المرأة والأطفال
وحول آثار خصخصة التأمين الصحي على صحة المرأة أوضح د. حسن عبد الفتاح إن معظم الدراسات الحالية أثبتت أن هناك تميزًا صارخًا يمارس ضد المرأة في شتى مراحل حياتها، كما أن الأسر المصرية لا تزال تفضل الولد على البنت حتى في فترات الرضاعة فإرضاع الطفل يزيد في المتوسط شهرين على الطفلة مما يكسبه مناعة أكثر، كما أن سوء التغذية أكثر انتشارًا في الإناث عن الذكور لأن الذكر دائمًا يحصل على أفضل الطعام ولذلك نجد تزايد نسبة المصابات بالأنيميا فتبلغ نسبة الأنيميا بين الحوامل حوالي 90% من بين المترددات على مركز الأمومة والطفولة. كما أكدت دراسة أعدها البنك الدولي تزايد أعداد وفيات الإناث الرضع عن الذكور يبلغ معدل وفيات الإناث حديثي الولادة 29.3 لكل ألف مولود ، بينما الذكور 22.4 لكل ألف مولود، أما وفيات الإناث من سن 1 إلى 4 سنوات فبلغت 16.1 لكل ألف مولودة أما الذكورة 14.6 لكل ألف مولود.
ويستكمل د. حسن عبد الفتاح حديثه قائلاً: “إن التمييز ضد المرأة يتضح أيضًا من خلال سرعة لجوء الأهل إلى الخدمات الصحية في حالة مرض الولد، أما الطفلة يتم محاولة مداواتها بالوصفات المنزلية مما يؤدي إلى سوء حالتها الصحية وبسبب ارتفاع معدل وفيات الأطفال من الإناث عن الذكور علمًا بأن الإصابة بالمرض لدى الذكور أعلى.
ويستخلص من هذا د. حسن عبد الفتاح إن التمييز ضد المرأة سوف يزداد في حالة خصخصة التأمين الصحي نظرًا لقلة الفرص المتاحة للعلاج التي سوف تصبح مرهونة بالقدرة على الدفع، ومعظم السيدات وخاصة في القرى وصعيد مصر غير قادرات على دفع ثمن كلفة العلاج في ظل وجود ٢٢% من الأسر تعولها سيدات أي نسبة الفقر تزداد لهن.
تطوير الخدمة
أما د. منى مينا – عضو بجماعة أطباء بلا حدود – فتحدثت عن أهمية تطوير التأمين الصحي، وتحسين مستوى الخدمة المقدمة وتحسين مستوى العاملين بدلاً من الخصخصة مؤكدة أن التأمين الصحي قد لا نحتاج إليه في نزلة شعبية يمكن أن تعالج بالمضاد الحيوي ولكن معظم المواطنين الفقراء وعلى رأسهم النساء يحتاجون إليه بشدة في العمليات الجراحية الكبيرة والأمراض الصحية التي تحتاج إلى علاج ومتابعة.
تكليف الأطباء
وتفجر د. منى مينا قضية أخرى لا تقل أهمية عن قضية خصخصة التأمين وهي إلغاء تكليف الأطباء ومدى تأثير على صحة المرأة فتقول أن صحة المرأة خاصة في الصعيد سوف تتأثر كثيرًا في ظل إلغاء تكليف الأطباء، فالتكليف لأي طبيب واجب يقوم به تجاه المجتمع، وعادة ما يتم التكليف في المناطق الريفية والنامية لأن الأطباء الشباب هم الذين يستطيعون تحمل مشقة العيش في المدن الريفية، وهم من خلال عملهم في الوحدات الصحية بالقرى يساعدون النساء والأطفال فهناك نحو 4 آلاف وحدة صحية في حالة إلغاء التكليف من الذي يعمل في هذا العدد من الوحدات! وأكدت أن وجود الطبيب الخريج من كلية الطب وإن كان في بداية حياته العملية، وهذا أفضل مائة مرة من إتجاه السيدات إلى الوصفات الشعبية لعلاجهن وعلاج أطفالهن مما يتسبب في زيادة معدلات الوفيات من الأمهات والأطفال – وسوف تتزايد معدلات الولادة على أيدي القابلات – أما في حالة وجود طبيب في الوحدة الصحية سوف يباشر عمل الداية ويراقبها أثناء الولادة ويصر على عادات النظافة.
د. منى مينا
لن نجد سوى الشعوذة والدجل للعلاج
انهيار التعليم الجامعي
إن الطالب الخريج يحتاج إلى ثلاث سنوات تدريبًا حتى يكتسب الخبرة التي تؤهله للعمل في مستشفي، وهذه السنوات يجب أن يتم تكليفه في إحدى الوحدات الصحية بالقرى والمناطق النائية ولكن بأجر جيد ويوفر له المسكن والمأكل والمواصلات، وتوفير أعداد كافية للعمل في فترات مسائية وهذا يتطلب نحو 30 إلى 40 ألف خريج وليس 4 آلاف كما ترى الحكومة وأشارت إلى أهمية وجود طبيب الوحدة الصحية لمتابعة الحمل والإشراف على الولادة والاكتشاف المبكر للحالات الخاصة لمنع انفجار الرحم أو وفاة الجنين، وبالتالي فإن غياب الأطباء في هذه القرى يمثل الكارثة التي تقصم ظهر أي نظام صحي.
الجماعات المتطرفة
أما د. حسن عبد الفتاح فأكد أن تخلي الدولة عن مسئوليتها بخصخصة التأمين الصحي، فضلاً عن إلغاء تكليف الأطباء حرمان القرى والمناطق النائية من الطبيب المتعلم المؤهل سوف يتيح الفرصة للجماعات التي تخلط الدين بالسياسة من أجل السيطرة على المجتمع المصري ونشر الأفكار المتطرفة وذلك من خلال إنشاء المراكز الطبية والمستوصفات لعلاج الفقراء، وتأدية الخدمة الصحية للمواطنين الفقراء مقابل ثمن زهيد وبالتالي سوف يؤثرون فيهم ويستحوذون عليهم.
ويطالب د. حسن عبد الفتاح بضرورة وضع نظام صحي متكامل له ميزانية محددة ويكتسب رضا الجماهير، ووضع سياسات تهتم أولاً وأخيرًا بمساندة الفقراء وخاصة المرأة والأطفال.