الثقافة والقانون والاقتصاد:
بعض المحددات التاريخية الحاكمة لإسهام المرأة المصرية في قوة العمل
مقدمة
تسعى هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على مجموعة من الأفكار والفرضيات الخاصة بعلاقة المرأة المصرية بالعمل، وهي العلاقة التي تمثل واحدة من المحددات العامة التي يمكن بها قياس وضع المرأة في المجتمع على حد تعبير مقدم Moghadam) (1). وفي هذا تحاول هذه الدراسة بحث عدد من الاقترابات المختلفة لقضية عمل المرأة، فمثلاً سيتم استخدام بعض الأدوات التحليلية التي يمدنا بها الاقتراب التاريخي، وذلك من خلال تحديد فترة زمنية معينة (كعينة تمثيلية على الأقل) لاستكشاف طبيعة تفاعلات القضية محل البحث في سياق زمنى محدد، وهو تقليد سارت عليه العديد من الكتابات المعاصرة حول المرأة المصرية عمومًا وعمل المرأة بصفة خاصة. فمثلاً تَفْرد “بث بارون” الفصل الرابع من كتابها “النهضة النسائية في مصر، الثقافة، المجتمع، الصحافة” والذي اتخذت فيه من الصحافة محورًا لقراءة التحولات والتغيرات المرتبطة بالمرأة – لتحليل آراء الكتاب الذين تعرضوا بالمناقشة لقضية عمل المرأة(2).وركزت على فترة زمنية (10 أعوام تقريبًا) تبدأ
من العام الذي كتبت فيه فاطمة راشد رؤيتها الخاصة بضرورة أن تكرس المرأة المسلمة نفسها لأسرتها وترك مجال العمل للرجال ورغم اختيار بث لعينات تمثيلية دونما حصر (شبه عام) على الأقل لجميع الكتابات في الصحف النسائية، فإنها سرعان ما تستنتج أن هذه الكتابات مثلت “رفضا لاتباع الطريق الذي سارت فيه المرأة الغربية“(3) ، أي طريق الخروج من المنزل للدخول في سوق العمل. وهذه “مارجو بدران” في كتابها “رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن“(4) ، تخصص فصلاً كاملاً عن عمل المرأة في النصف الأول من القرن العشرين. وهو ما جعل بدران في موقع متقدم نسبيًا عن كل الذين كتبوا عن عمل المرأة في تلك الحقبة. لقد قامت مارجو بدران باستعراض تطورات إسهام المرأة التاريخي في قوة العمل، سواء من خلال استعراض المجالات النشاط التي عملت فيها المرأة (المصانع والمحال التجارية)، أو من خلال بحث أثر المنظومة التعليمية على عمل المرأة، والذي أثر في خلق قطاعات جديدة لعمل المرأة مثل القطاع الطبي والتمريض وصولاً للمحاماة. كما أشارت بدران باختصار إلى ظهور فضاء عام جديد لعمل المرأة وهو الخاص بالقطاع الحكومي، وفي هذا السياق وبعد استعراض هذين النموذجين، فقد قمت بتحديد فترة تاريخية طويلة نسبيًا، جرى العرف على نعتها بالفترة الليبرالية في التاريخ المصرى (5)، من أجل معالجة بعض الأفكار والخطابات الخاصة بالمرأة
في سوق العمل، وحدودها الاجتماعية، وذلك عن طريق البحث في التطور التاريخي لقضية عمل المرأة وبعض الأفكار المرتبطة بهذه الفترة الزمنية سواء كانت فترة الاحتلال العثماني (1517- 1798)، أو فترة حكم محمد على (1805 – 1848)، ورغم عقبة ندرة الإشارات عن معدلات إسهام المرأة في قوة العمل (الرسمية وغير الرسمية) في هذه الفترات، فإن هذه العقبة لم تمنع بعض الباحثين من التفكير في بعض الفرضيات العامة حول نسب إسهام النساء في قوة العمل. وفي سياق لاحق يعالج جزء من الدراسة النظرة إلى عقد الثلاثينيات من القرن الماضى ولكن من خلال اختيار وسيلة قياس وتحليل أخرى هي “البنية القانونية“، أو بمعنى أكثر تحديدًا القواعد القانونية المنظمة للعلاقات الناشئة عن العمل، أي أنها لن تتناول النقاشات العامة حول عمل المرأة ولن تتناول أيضًا الجزء المهم الخاص بالنقاشات حول هذه البنى القانونية. وتبريري لهذا الاختيار أن عقد الثلاثينيات من القرن العشرين لم يكن مجرد حلقة في النقاش حول عمل المرأة. لقد اهتمت الصحف (المصدر الرئيسي للنقاشات) بشكل عام بقضية المرأة والعمل طوال الفترة الليبرالية، ويمكن إجمالاً التمييز ما بين ثلاث رؤى أساسية تمحورت حولها النقاشات:
الرؤية الأولى تتمثل في ما عبر عنه بعض الكتاب والقراء من مناصرتهم لعمل المرأة بدون تحفظ (6)، والرؤية الثانية هي الموافقة على عمل المرأة ولكن من خلال بعض الشروط (حدود الجنس، المجتمع، المهن)، والرؤية الثالثة الرافضة لأي شكل لتعاطي المرأة مع سوق العمل. عقد الثلاثينيات لم يخرج عن هذه الرؤى الثلاثية في النقاش العام، لكن هذا العقد يقدم ما هو أكثر من مجرد ردود الأفعال والرؤى الثلاثية سالفة الذكر.إنه يقدم نموذجًا لحركة مكثفة ودءوب من قبل الدولة القومية لتأطير عمل المرأة. لقد مثل هذا العقد المحاولة الأكثر اكتمالاً لتقديم خطوات متبلورة لتقنين وتأطير بنية قانونية ولائحية لتنظيم عمل النساء الأجيرات في الأنشطة غير الزراعية.
في تقديرى أن هذه الأنماط القانونية واللائحية تفرض التوقف أمامها بصورة أكثر تركيزًا، فهي أحد منتجات التحولات الاقتصادية، وهذه التحولات هي أحد أبعاد خطاب الحركة الوطنية حول الاستقلال. من ثم يمكننا هنا التعرف على بعض ملامح خطاب
الاستقلال الوطني حول النساء والذي أجازف بالقول أنه كان خطابًا غارقًا في الرجعية وقام بانتهاج سياسة منظمة لاقصاء النساء من دائرة الفعل. من اللافت في النقاش هنا أن أحد مطالب الحركة العمالية المصرية كانت في المساواة في الأجور بين العمالة الأجنبية والوطنية، ولم تتعد ثنائية العامل الوطني / العامل الأجنبي، إلى الدرجة التي يندر أن تجد أى إشارات حول مساواة الرجل / المرأة في الأجور في الأعمال نفسها. ويمكن استنتاج هذه النتيجة بسهولة من خلال قراءة عمل جويل بنين وزكاري لوكمان والذي يمثل المرجع الأقوى والأكثر تركيزا فيما يتعلق بالحركة العمالية المصرية. يرى بنين ولوكمان، أن دراستهما هذه لن تتطرق بأي شكل إلى دور النساء في قوة العمل ودائرة الحياة الخاصة، والتبرير هو ندرة أنواع المصادر التي يمكن أن تلقى الضوء على نشاط النساء العاملات في هذه الفترة(7) ، وأظن أن المشكلة ليست فقط في ندرة المصادر ولكنها في ندرة التحركات من أجل تحقيق المساواة في الأجور بين الرجال والنساء.
المحطة التاريخية التالية هي الحقبة الناصرية والتي شهدت ظاهرة التوسع المطرد لعمل المرأة في القطاع الرسمى وبداية ظاهرة “تأنيث العمل الحكومي في مستوياته الدنيا والوسطى“. وفي معالجة هذه المرحلة سيتم إيلاء بعض الاهتمام لحالة واتجاهات النقاشات العامة حول قضية عمل المرأة ومفهوم “المرأة العاملة” مرورا بالنقاشات التي عالجت التحول البطيء في مفاهيم المنزل والأسرة والتربية(8). تجادل الدراسة أيضًا أن الفترة الناصرية قد شهدت “انقلابًا” نسبيًا في طبيعة إسهام المرأة في سوق العمل، ليس من خلال التركيز الكمي ولكن من خلال المظاهر التي خلقها نظام يوليو لعمل المرأة، فأضحت المرأة مساهمة في القوة الرسمية للعمل، وأضحى لدينا بسبب مخرجات التعليم الجامعي مجموعة كبيرة نسبيًا من النساء التكنوقراط. هل تؤكد هذه المظاهر على أن العهد الناصري
كان مختلفا من حيث نظرته للنساء من خلال التوسع المطرد في سياسات التعليم والتوظيف، بل وحتى في نظرته القانونية لأوضاع النساء في المجتمع؟، إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال ستحيل حتمًا إلى مناقشة حدود التحول الناصري في نظرته للنساء، والقيود التي فرضها عليهن. وفي النهاية ستتطرق هذه الدراسة إلى معالجة لقضايا المرأة والعمل سواء فيما يتعلق بالنقاشات العامة أو من خلال معدلات الإسهام في سوق العمل.
هذاوستقوم هذه الدراسة باستعراض بعض مناطق الاختلاف حول الفرضيات العامة لعمل المرأة على طول التاريخ المصري، فمثلا ما الأسباب التي دفعت بالمرأة للخروج من المجال الخاص إلى المجال العام؟ أحد التفسيرات تكمن في أن التحولات الخاصة بالاقتصاد المصرى وإدماجه في النظام الاقتصادي العالمي مما أدى إلى زيادة الطلب على العمالة بشكل عام وعمالة المرأة بشكل خاص. وهو ما يعنى أولوية المتغير الاقتصادي في تفسير خروج المرأة إلى العمل، لكن قد يدفع البعض بأن الدعوات الإصلاحية والتي بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر (الطهطاوى) مرورًا بالمحطة المهمة قاسم أمين، قد أدت إلى إعادة النظر إلى طبيعة أدوار الجنسين وهو ما مكن مجموعة من النساء في البداية إلى اختراق المجال العام بشكل أولى عن طريق الانخراط في مؤسسات التعليم أو حتى (النمط الخاص بطلب العلم من المنزل لفتيات الطبقات العليا)، وهو الأمر الذي أفضى إلى خلق فضاءات جديدة لممارسات المرأة سواء من خلال كونهن “مثقفات” يكتبن الكتب والمقالات في الصحف، أو التحاق بعض النماذج في العمل الحكومي مثل (نبوية موسى).
من الملاحظ أنه بدءا من منتصف السبعينيات أعاد المجتمع تداول مجموعة من المقولات تتشابه كثيرًا مع المقولات التي سادت النقاش العام في العقود الأولى من القرن العشرين ، لكن مع اختلاف جوهري وهو أن مجتمع منتصف السبعينيات والثمانينيات قد شهد بفعل التحولات الديموجرافية أزمة اقتصادية خانقة جعلت من إسهام المرأة في قوة العمل حقيقًة اجتماعية لا يمكن التخلى عنها (لدي الدولة على الأقل)، وخلال هذه الفترة زادت الإحالات إلى التفسيرات ذات الطبيعة المحافظة للإسلام. وهذه المتغيرات ظلت حاكمة إلى اليوم ولكن مع دخول متغيرات جديدة، أولها هو الطبيعة المتجددة للآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي الذي بدأ العمل هو به منذ 1991،وتعني الآثار ببساطة اختلال طبيعة سوق العمل وتسريح عمال القطاع العام، وتخلى الدولة عن سياسات التوظيف، بما له من آثار سلبية في عمل المرأة(9). أما المتغير الثاني فهو المتعلق بزيادة تأثير “الخارج” على مسألة المرأة عمومًا، وعمل المرأة بشكل خاص، لقد أدت ظاهرة العولمة وتسويق المنتجات، والأفكار والتزايد الهائل في عملية التشبيك إلى إنتاج أجندة نسائية عالمية، بدأت خطاها الأولى منذ مؤتمر المرأة العالمي الأولى (المكسيك ، 1975)، مرورًا بالتطور الأكثر أهمية مع مؤتمر المرأة العالمي الرابع (بكين 1995) والذي تبنى أجندة مفصلة أطلق عليها “برنامج عمل بكين” لتقييم الأداء الوطني فيما يتعلق بمؤشرات تمكين المرأة عالميًا. هذا بالإضافة إلى الأهداف الثمانية الإنمائية للألفية والتي يجب على الدول تحقيقها حتى عام 2015، وبالطبع أهم هذه الأهداف فيما يتعلق بهذه الدراسة هو الهدف الثالث الخاص بالمساواة بين الجنسين. تقدم لنا هذه المستجدات في النهاية فرصة لبناء نموذج عالمي لتقييم أداء الفاعلين الاجتماعيين على اختلاف مشاربهم، وهو الأمر الذي جعل نماذج التقييم منطلقًا لتحرك قطاعات من المجتمع المدني والدولة على السواء ولكن من خلال استراتيجيات جديدة متباينة.
“على المرأة أن تعود إلى البيت، لا بأس من أن تتعلم ولكن لحساب البيت لا الوظيفة، ولا بأس من أن تضمن الدولة معاشًا في حال الطلاق أو فقد العائل“، وردت هذه العبارة على لسان عبد الوهاب إسماعيل أحد شخصيات مرايا نجيب محفوظ (10) ، ورغم أنها تكشف عن البوادر الصغيرة لخروج جماعة الإخوان المسلمين “أعداء المشروع الناصري” حیز إلى المجال العام مرة أخرى، فإن هذه العبارة البليغة تمثل “إحدى البقرات شبه المقدسة” التي تم تسويقها في فترات زمنية معينة في التاريخ المصري. فخلال النصف الأول من القرن العشرين راج مضمون هذه العبارة، وقبل نهاية القرن بعقدين ونصف تقريبًا شهدت فترة منتصف السبعينيات والثمانينيات إعادة اكتشاف هذه العبارة(11) والتسليم بصحتها بعد غياب نسبي في الفترة الناصرية، وأضحت هذه العبارة وما يرتبط بها من مقولات، حاكمة ومؤثرة في الوعي الجمعي المصري “ذي الطبيعة المحافظة“. أحد أسباب رواج هذه المقولات هو الاعتقاد أكثر فأكثر بوطأة النتائج الثقافية المزعومة للحتمية البيولوجية، فعند أنصار أو دراويش هذا التفسير فإن النتائج ببساطة هي أن التقسيم البيولوجى للمرأة/ الرجل، يؤثر على أدوار ومكانة الجنسين عمومًا، وفي مجال “سوق العمل“، يراهن هؤلاء أن القدرات البدنية للمرأة أقل من الرجل سواء في نواحي الحجم، الشكل، القوة العضلية، كذلك لا يمكن إغفال الوظيفة الإنجابية للنساء وما يترتب عليها من مظاهر تجعل النساء غير لائقات لممارسة الأعمال التي يمارسها الذكور. يضاف إلي هذا أنه تم إدخال متغير “الإسلام” ليس بمعنى الدين ذاته، بل بعض التفسيرات ذات الطبيعة المحافظة، والتي تتخذ من بعض الآيات والأحاديث وبعض الممارسات سنداً لتأكيد حالة من التقسيم التعسفي للأدوار بين الرجل/ المجال العام، المرأة/ المجال الخاص. دفع هذا التقسيم البعض إلى تبني آلية الفتوى لتقنين هذا التقسيم، وحيث إنه على حد علمي لم تصدر دار الإفتاء المصرية أي فتاوى تتعلق بعمل المرأة، فمن ثم تصبح فتوى الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الجمهورية والتي صدرت في أبريل 1952 حول خوض معركة الانتخابات للمرأة(12) ، على أنها تأكيد لشرعية التقسيم بين الرجل / المجال العام، المرأة/ المجال الخاص من ناحية، والرد المحافظ (في ثوب ديني) لقضية عمل المرأة (13). لكن لا ينفرد الواقع المصرى بهذا النوع من النقاشات، فبالمقارنة ببعض الدول العربية الأخرى تبدو الحالة المصرية في عمل المرأة وإسهامها في قوة العمل نموذجًا تقدميًا(14) ، لكن لا يمكننا هنا إنكار الحقيقة وهي أن مصر تقبع في ذيل قائمة الدول فيما يتعلق بمؤشرات تمكين المرأة عمومًا وفي إجمالي مساهمتها في قوة العمل. ويبدو السؤال الأكثر إلحاحًا في هذه اللحظة هو كيف كانت فعالية التفسيرات الثقافية في الدول التي تتمتع بمساحة أكبر من المساواة بين الرجل / المرأة. وحتى لا نقع في فخ “تاليه” الغرب من الضروري الإشارة إلى النتيجة التي بلورتها منظمة العمل الدولية من أن “على الرغم من ملاحظة أن سوق العمل العالمي يتميز بترسخ فوارق قائمة على أساس الجنس، حيث تشير هذه الفوارق إلى مساحات كبيرة من اللامساواة في أشكال مساهمة المرأة في قوة العمل وتركزها في الأعمال والوظائف الأقل كيفًا أو الأقل من ناحية الأجر أي أنه لا توجد لدينا حالة صافية ومثالية لمساواة الرجل / المرأة في سوق العمل، ولكن توجد تمايزات بالطبع. فالحالة الغربية تقدم لنا مثالاً آخر لدور العوامل الثقافية في تحجيم إسهام المرأة في سوق العمل، ولكن باختلاف أساسي هو أن المتغيرات الثقافية كانت جزءًا من مجموعة أخرى من المتغيرات، وفي هذا يرى كل من جون تشاربليس وجون روری (15) إن هناك عوامل أربعة هي: الدين، التعليم، الإثنية والطبقة الاجتماعية ، قد قلصت من قدرة النساء على تعزيز أوضاعهن في سوق العمل بصورة إجمالية. وتقدم هارييت برادلي مقولة مهمة على صعيد عمل المرأة وهي أن نضالات النساء من أجل الاندماج المتساوي في سوق العمل تصطدم دائمًا بخطاب الفوارق البيولوجية الذي يعزز من الرؤى الخاصة بعدم ملاءمة النساء للإسهام في سوق العمل (16).
إذا كان خطاب الفوارق البيولوجية والذي يلقى دعمًا من بعض التفسيرات المحافظة للإسلام وبعض الخطابات الخاصة بالتراث الشفهي في المجتمع، إلا أن هذا الخطاب لا يحتكر وحده النقاشات حول قضية عمل المرأة. ولذلك من الصعب اختزال قضية عمل المرأة في كونها أسيرة التفسيرات والتأويلات الثقافية، ومرجع ذلك أن هناك أبعادًا أخرى للنقاش العام، فمثلاً، وقع نمو الأكاديمية المصرية بشكل عام وتبلور المسافات الدراسية، ظهر منذ السبعينيات تقريبًا اتجاه جديد للبحث في قضايا المرأة من منظور سوسيولوجي، وقد أثمرت محاولات متعددة إلى درجة تبلور نسبى لمناقشة قضايا المرأة العاملة وأثر ذلك على مفاهيم وظواهر اجتماعية أخرى مثل مؤسسة “الأسرة“، مدى التغير في منظومات القيم وكذلك تغير هياكل الأدوار والمكانات الاجتماعية. وبالطبع جزء من هذه التحولات كانت بمثابة استجابة للتحولات التي شهدها علم الاجتماع الأنجلوسكسوني من تغير نظرته لعدد من المفاهيم مثل مفهوم الأسرة، وكون الأسرة بهذا الشكل هي أقرب إلى كونها فكرة مجردة وبناء أيديولوجي أكثر منه تعبير مؤسسي للطريقة الحقيقية التي يعيش بها البشر (17). وقد أثرت هذه التحولات بدورها على رؤية باحثي علم الاجتماع العرب. فمثلاً ركز عبد القادر عرابي على أهمية الطابع الأبوي للأسرة العربية في التأثير سلبًا على المرأة وذلك لما تتسم به بنية الأسرة العربية (وفقا للتفسير الفيبري للسلطة الأبوية) من الاعتماد على علاقات السلطة والخضوع، وتسلط الرجال على النساء، وعلى قدسية التراث(18).
وفي فترة التسعينيات واستجابة لقرارات الدولة حول التخلي عن تركة السياسة الاقتصادية التي خلفها النظام الناصري، تمت خصخصة بعض القطاعات الحيوية في جهاز الدولة، وهنا وجد النقاش العام حول عمل المرأة مساحة جديدة وخطيرة وهي أثر هذه السياسيات على عمل المرأة، وشهدت مصر نقاشات متخصصة تركزت بشكل أساسي على الأدوات التحليلية الاقتصادية، وقد شهدت هذه الفترة تزايد اهتمام الدولة بشكل لافت للنظر في حجم ونوعية الكتابات والمؤتمرات الخاصة بقضية عمل المرأة(19).
وبدا أن هناك اتجاهًا أكثر عقلانية في النقاش العام ركز على أثر متغير الاقتصاد (ومدى إسهام المرأة في سوق العمل) على تغير الأدوار والمكانات الاجتماعية في المجتمع. فلم يكن من المتوقع أن نرى مصطلحًا ذا طبيعة اجتماعية واضحة مثل “المرأة العاملة” دونما النظر إلى مسببات هذه المصطلح والتي هي أبعاد اقتصادية في المقام الأول.
قضية “عمل المرأة” إذن ليست قضية خطية، فهي تتشابك مع منظورات فلسفية وحقوقية، كما تقبع وراءها أبعاد اقتصادية وأبنية وهياكل ثقافية. هذا التشابك يجعل من أسئلة مثل نوعية العمل، الكيفية التي تقوم بها المرأة بالعمل، وإشكاليات الأجر المتساوي، ونوعية الأعمال المحرمة على المرأة، وبناء المرأة منظماتها الخاصة، أو شكل مساهمتها في الأبنية النقابية، مجموعة من الأسئلة المشروعة في مجال البحث في علاقة المرأة بالعمل. كذلك لا يمكن إنكار الإشكاليات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي مثل تحليل احتياجات الأسرة النووية ومدى قدرتها على الوفاء بمتطلبات الحد الأدنى وهو الأمر الذي قد يدفع بعدد من عناصر الأسرة (الأطفال والنساء) إلى اختراق سوق العمل ليصبحوا أعضاء في سوق العمل ولكن بشروط السوق نفسه، فهم في نهاية المطاف عمالة ثانوية وعمالة غير رسمية(20).
يشير قطاع واضح من الخطاب العام في مصر إلى درجة كبيرة من الحنين لما يسمى بالعهد الليبرالي وهي تعنى الفترة السابقة لثورة يوليو 1952، وفي هذا الحنين تبدو المقارنة واضحة بعهد ما قبل يوليو في مقابل الدولة الناصرية، ولعل أبرز المقارنات التمثيلية كانت في الخطاب الذي ساقه فؤاد سرج الدين، عندما قال إن ثورة 1919 “خلقت الإنسان المصري، أيقظته من سبات عظيم” بينما ثورة يوليو 1952 “قتلت الإنسان وأهدرت كرامته” وفي مجال اختلاف الثورتين في تعاملهما مع النساء قال سراج الدين إن “ثورة 1919 يا أخواتي كانت السيدات يسرن في الطرقات يلقين الجند البريطاني وصدورهن معرضة للرصاص، وثورة 1952 كانت السيدات تهتك أعراضهن في السجون“(21). إن ما ساقه فؤاد سرج الدين ويسوقه غيره لا يمثل إلا تعبيرًا عن سلفية سياسية ماضوية عمادها الحنين إلى الماضي الذهبي كما ينبغي أن يكون وليس كما كان فعلاً.
المهمة هنا ليست في الاشتباك الفكري مع سراج الدين أو غيره ، وإنما في التفكير في الحدود المجتمعية وسقف الحريات العامة في ذلك العهد. لقد شهدت هذه الفترة ظاهرة تدفعنا للبحث عن التساؤلات التاريخية عن الأسباب التي دفعت النساء المصريات للخروج إلى سوق العمل؟ والمعوقات التي رافقت خروج النساء من فضاء “سوق المنزل” إلى فضاء “سوق العمل“؟ وحيث إنه من الصعب هنا تحديد لحظة تاريخية فاصلة يمكن من خلالها القول إن هناك لحظة بعينها تصلح لأن تكون هي لحظة البداية في مجال خروج للعمل إلا أنني سأجازف هنا بتحديد فترة تاريخية مبدأيه وهي الفترة اللاحقة للحرب العالمية الأولى. وفي هذا الاختيار فإن هناك تجاهلاً شبه كامل للفترة العثمانية الواقعة بين 1517 – 1798، ولا يكمن هذا التجاهل أو الاستبعاد في تحامل ما ضد هذه الفترة، ولكن يكمن السبب ببساطة أنه وتحت أفضل التقديرات المتخيلة لم تساهم المرأة بنسبة أعلى من 5% في قوة العمل غير الزراعي في تلك الفترة.
لم تصبح المرأة جزءًا من قوة العمل (غير الزراعي)، إلا بعد أن استقرت بعض نتائج التحولات الاقتصادية الحديثة المتمركزة حول التصنيع، وبالطبع لن يجادل أحد في أن مصر لم تشهد أي بنى صناعية(22) (بمعنى هياكل مصنعية ذات معدلات إنتاجية كبيرة، عمالة كثيفة) قبل أن يبدأ محمد علي في مشروعه التصنيعي بدءا من العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وهو الأمر الذي أسفر عن تحول من الصناعات الأولية إلى صناعات ذات إنتاج رأسمالي كثيف في صناعات الغزل والنسيج والصناعات الحربية. ورغم قلة الإشارات حول إسهام المرأة في قوة العمل في هذه الفترة، فإنه يمكننا تتبع بعض الشذرات هنا وهناك. فمثلاً ترصد إحدى الباحثات نقلاً عن تقرير بوالكمت أن محمد على لم يكتف بسياسة العمل الإجباري للرجال، ولكنه عمد أيضًا إلى تشغيل النساء، “فقد كان يوزع على النساء في القرية مقدارًا معينًا من الكتان ويطالبهن بإعادة هذا القدر معزولاً في وقت محدد.. على أن محمد على قد سار في هذا الطريق إلى ما هو إبعد من ذلك حيث استخدم النساء في عدد من المصانع وكان منهن نحو 15 في كل من مصنعى دمياط والمنصورة يشتغلن محجبات“(23). وفي النهاية يبدو أن الأرقام الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها هي نتائج إحصاء 1846 – 1848، وفي هذا يورد كلٌ من جيلان آلوم وفيليب فارج في تحليلهما لمستخلصات بيانات تعداد 1848 (عن طريق عينات تقديرية)، تقديرًا لنسبة إسهام النساء في قوة العمل في مدينة القاهرة حيث قدر عدد النساءالعاملات بـ 3609 امرأة في مقابل 68085 رجلاً، أي أن نسبة إسهام المرأة في إجمالي قوة العمل في مدينة حضرية هي مدينة القاهرة لم تزد على 5.5% من إجمالي قوة العمل (24)
منذ العقد الأخير في القرن التاسع عشر (25) شهدت مصر مجموعة من البوادر نحو نوع مختلف من عمل المرأة وارتبط بشكل أعم بعدد من المشاهد الخاصة بدور المرأة في العمل العام، وهو الدور الرمزي الذي لعبته أميرات الأسرة الحاكمة في ثورة عرابي، أو دورهن في إنشاء مبرة محمد على. وبغض النظر عن أثر هذه التحركات المحدودة في نطاقها، إلا أن هذا الوقت قد بدا ملائمًا جدًا لظهور نتائج المؤسسات التعليمية التي أقامها خريجو بعثات محمد على (الطهطاوي، على مبارك). فأسهمت النساء اللائي حظين على قدر ما من التعليم في ظهور فضاء جديد في الحياة المصرية وهن النساء المثقفات. ولكن للأسف لم تتعد معالجات هؤلاء النساء لقضايا المرأة إلا عند حدود معينة تتعلق بالزواج المبكر وتعليم النساء. ولكن لم يكن مشهد النساء في مصر خاليًا من بعض الأصوات “الراديكالية” إذا جاز التعبير خصوصًا مع الهجرات الشامية وتبلور موقعها في الحياة الفكرية المصرية. في هذه الفترة ظهر نموذج قاسم أمين وكتابيه تحرير المرأة 1899، والمرأة الجديدة 1901. إن أهمية قاسم أمين لا تكمن في مضمون ما كتبه في حد ذاته، فكما تقول ليلي أحمد فإن آراء قاسم أمين حول فرص التعليم الابتدائي للنساء وإصلاح قوانين تعدد الزوجات والطلاق لا يمكن وصفها على إنها جديدة(26). أهمية قاسم أمين تكمن في شيئين، الأول هو حالة النقاش العام التي دارت حول الكتابين، واعتبار كتابي قاسم أمين
أحد مصادر النزاع ليس حول قضية “المرأة الشرقية” وإنما حول قضية الاستقلال الوطني ذاتها. وعلى هذا فإن النقاش العام قد خلق ثنائية “المرأة الشرقية بين السفور والحجاب” ، وتمحورت مواقف القوى الوطنية من هذه الثنائية بين داعم لخطاب السفور مثل بشارة تقلا، وكذلك أحمد لطفي السيد، ولكن على النقيض رفضتها أسماء مؤسسة لخطاب الاستقلال الوطني من أمثال كل من الشيخ على يوسف في المؤيد، ومعه محمد فريد وجدى ، وكذلك مصطفى كامل في اللواء. الأمر الثاني الذي يوضح أهمية قاسم أمين هو أصبح لاحقًا رمزاً فاعلاً ومؤثراً في خطاب قطاع أساسي من الحركة النسائية، أقصد هدى شعراوي والاتحاد النسائي المصري، والذي يكاد يكون قد نسخ دعوة قاسم أمين ليضعها كبرنامج عمل.
لقد كان قاسم أمين مثقفًا مصريًا فرنسي الهوى، وقد كان كذلك رجل قانون بارز ، فلم يتعد في دعوته الحدود الدنيا لتحسين أوضاع النساء، وهو ما انعكس جليًا فيما بعد في خطاب هدى شعراوي والذي كان خطابًا “خيريًا” في المقام الأول. وبمتابعة مجمل النشاطات التي قام بها الاتحاد النسائي المصري حتى أوائل الثلاثينيات، فإن تقييم هذه النشاطات (خصوصًا في مجال قضية عمل النساء) لن يخرج عن الاستنتاج الذي قدمته بارون من أن اهتمام المثقفات من النساء ينصب على قضية عمل المرأة كفكرة مجردة تعكس اهتمامات طبقتهن دون الاهتمام بالظروف الموضوعية لعمل المرأة في الطبقات الدنيا(27). بعد حوالي عقد من الزمان على كتابي قاسم أمين كتب خليل الغريب مقالاً فريدًا في مجلة فتاة الشرق، يؤكد فيه على حتمية عمل المرأة، فيرى مثلاً أن الولايات المتحدة أعدل مثال للارتقاء البشرى وأحد الأسباب المباشرة التي تجعلها في هذا الموقع هو كونها تتمتع بوجود ما يسمى “المرأة العاملة” والتي يفتقر إليها الشرق. ولكن يفتقر الشرق للمرأة العاملة ليس لضعف ما في المرأة، وإنما للشروط القاسية المفروضة على النساء والتي لا تتناسب مع قدرات النساء، حيث يؤكد الغريب أن “اتساع عقل المرأة” لم يعد يحتمل أن “يبقى محجوزًا ضمن جدران البيت، وأن تكون معارفه محصورة في ترتيب أثاثه وفي الغسل والطبخ“. لم يكن مقال خليل الغريب سوى نقلة نوعية للنقاشات التي تمت بلورتها فيما يتعلق بعقد المقارنات بين “المرأة الشرقية” وغيرها من النساء. وحيث إن النخب المصرية وقتها لم تكن مستعدة للصدام أكثر مع مجتمعها فقد تركت هذه المواجهة إلى الأصوات الشامية في نقل القضية إلى الأمام، فهذه الأصوات لم تكتف بتقديم الدعم
في معركة قاسم أمين، بل قدمت لاحقًا مقاربات مختلفة لعمل النساء، فساهمت الهلال عمومًا وجورجي زيدان بصفة خاصة في شحذ الأفكار حول الأوضاع السيئة للمرأة الشرقية مقارنة بغيرها من نساء العالم، فتعددت إشارات المجلة إلى ملامح المرأة في القرن المتحدة هي العشرين (28) ، وقدمت الهلال تحليلاً خاصًا باليابان والتي تعد في المقام الأول “أمة شرقية” لكنها منحت العديد من الحقوق للمرأة، وفي هذا فإن اليابان تمثل أسبق الأمم الشرقية إلى الرقى السياسي فعندهم “130 امرأة تتعاطى صناعة الطب” (29)
هذه العينات التمثيلية من المواقف والرؤى ظلت أسيرة خطوط فكرية معينة، ولم تتوافر معدل تصاعد إسهام النساء في قوة العمل. لقد شهدت الفترة من1907 حتى 1917 نمواً في قوة عمل المرأة الأجيرة ولكن من خلال قطاعات العمل رسمية أو غير رسمية، وهو ما يعني بشكل ما أن المصطلح الذي صكته كاثرين أنتونى “أمهات يجب أن يكسبن المال“، والذي استخدمته لتفسير ظاهرة عمل النساء في أوائل القرن العشرين صحيح تمامًا في الحالة المصرية أيضًا. فمنذ بداية القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى تزايد معدل إسهام النساء في قوة العمل في الأنشطة الزراعية (بأجر) والصناعات المتعلقة بها، من 4.1% فقط في 1907 لتصبح 40% في عام 1917. أي أن النسبة تضاعفت 10 مرات خلال عقد واحد من الزمان، في النشاط الاقتصادي الأكثر مركزية في البلاد في ذلك الحين. كذلك بلغت نسبة قوة عمل النساء في مجال الأنشطة الصناعية5،2% عام 1907، وفي عام 1917 بلغت النسبة حوالي 13.9% من إجمالي قوة العمل(30).
في العاشر من يوليو عام 1933 وبعد مناقشة مستفيضة في مجلسي النواب والشيوخ تم إصدار أول قانون كامل ينظم عمل النساء بشكل مباشر، وهو القانون رقم 80 لسنة
1933 الخاص بوضع نظام تشغيل النساء في الصناعة والتجارة(31). لم يكن هذا القانون والنقاشات التي دارت حوله سوى رد فعل وتقنين لظاهرة أو توجه جديد للنساء المصريات في الخروج من نطاق المنزل (خصوصًا في المناطق الحضرية) إلى نطاق العمل المأجور بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المصري(32). وهو ما يمثل إحدى الاستجابات على جملة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى. جاء هذا القانون بعد 15 عامًا تقريبًا من نهاية الحرب، وهي فترة شهدت لحظة تفكير عميقة بين النخبة السياسية المصرية على اختلافها من أجل بناء اقتصاد قوى. خصوصًا مع التغيرات شديدة الوطأة في بنية وهيكل الصناعة المصرية ومن ثم سوق العمل في مصر، ويكفي هنا رصد أهم متغيرين بنائيين في مجال التطورات الاقتصادية(33) وهما إنشاء بنك مصر وإلغاء التعريفة الجمركية. دفعت هذه المتغيرات بقطاع مهم من النخبة السياسية المصرية في التفكير بصورة جدية في تنظيم علاقات العمل الناشئة عن هذه التحولات في الاقتصاد المصري وكرد فعل على هذه التطورات قامت الدولة بإصدار العديد من القوانين وذلك لمحاولة ضبط متغيرات العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مصر ومنها بالطبع إصدار القانون 80/ 1933. من المهم الإشارة هنا إلى أن عمل النساء قد شهد محاولات عدة من قبل الدولة الحديثة لتأطير وتقنين عمل المرأة في قطاعات معينة. والغريب أن الدولة المصرية قد اهتمت بشكل لافت للنظر بتنظيم العمل في بيوت الدعارة، وكان إصرار الجهات ذات الاختصاص على إجبار هؤلاء النساء على الخضوع لكشف طبى دوري، إمعانًا في التأكيد على اهتمام الدولة بتوفير أفضل الأجواء للسادة “طالبی
المتعة“، فمثلاً أصدر ناظر الداخلية القرار رقم 7 لسنة 1885 الذي ينظم التفتيش على النسوة العاهرات(34)، وفي عام 1887 أجرى ناظر الداخلية تعديلاً طفيفًا على هذه اللائحة(35). في عام 1896 أصدر ناظر الداخلية مصطفى فهمى القرار 1/ 1896 والخاص ب “لايحة لبيوت العاهرات“(36)، وهي التي نتج عنها صدور أكثر من 25 قرارًا ينظم عمل هذه البيوت في محافظات مصر المختلفة من الإسكندرية إلى أسوان. وفي عام 1905 شهدت مصر ظهور لائحة جديدة حيث أصدر ناظر الداخلية مصطفى فهمي اللائحة 7/ 1905(37) بتنظيم بيوت العاهرات، وهي اللائحة التي أنتجت بدورها عددًا ضخمًا من قرارات المحافظين بتنظيم أعمال هذه البيوت في المحافظات المختلفة. كذلك كان هناك إطار قانوني آخر تم فيه ذكر النساء كجزء من قوة العمل، وهو الإطار المنظم لعمل المخدمين والذي ظهر إلى الوجود في عام 1903(38). لكن يظل القانون 80/ 1933 هو أول محاولة مباشرة ومقننة لتنظيم عمل النساء بأجر في الأنشطة الصناعية والتجارية(39). اشتمل هذا القانون على 23 مادة، حددت المادة الأولى منه تعريف مهنتى (الصناعة والتجارة)، وصنفت المادة
5 نشاطات شديدة العمومية تمثل مجمل الأنشطة الصناعية. وفي المادة 2 أرسى القانون تقليدًا مأساويًا بإقصاء عمالة المرأة في أعمال الأراضي الزراعية، وفي المصانع المنزلية عن مظلة هذا القانون، وهي بالطبع النشاطات التي ينخرط فيها السواد الأعظم من النساء المصريات. في المادة الثالثة حدد القانون الحد الأقصى لساعات العمل ب 9 ساعات، وفي الواقع هذه الساعات التسع قد تزيد وذلك لفترات الراحة التي تضاف على هذه الساعات التسع. ونصت المادة (5) على عدم جواز تشغيل النساء ليلاً. في المادة 10 صنف القانون 20 نوعًا من الصناعات لا يجوز تشغيل المرأة فيها، ويمكن تقسيم هذه الصناعات إلى أربع فئات، فهناك صناعات “خطيرة في حد ذاتها على صحة النساء“(40) (صناعة واحدة هي العمل في المناجم والمحاجر)، وصناعات تدخل فيها تركيبات كيميائية (حوالي 15 نوعًا من الأنشطة الصناعية)، وهناك الأنشطة الصناعية المتعلقة بإدارة أو مراقبة الماكينات (2 نشاط صناعي)، ثم أخيرًا النشاطات الصناعية ذات الأبعاد الأخلاقية مثل صناعات الكحول (صناعة واحدة). وحددت المواد 12 حتى 17 الظروف المرتبطة بالإنجاب والرضاعة. أغفل القانون إذن تحديد الأجور ومن ثم أغفل القانون المساواة في الأجور بين المرأة والرجل. لم يتحدث القانون عن إصابات العمل، وترك القانون أرباب العمل بدون قيود قانونية واضحة. بعد 6 شهور من صدور هذا القانون صدر قرار وزير الداخلية رقم 25 لسنة 1933 بشأن الصناعات الموسمية التي يجوز تشغيل النساء فيها ليلاً، وذلك وفقا لما نصت عليه الفقرة ثانيًا من المادة (5) في القانون 80/ 1933، والتي نصت على أن يصدر وزير الداخلية قرارًا يحدد فيه نظام تشغيل النساء في الصناعات الموسمية الخاصة بالمواد القابلة للتلف. قد حدد وزير الداخلية ثلاث صناعات هي:(فرز البصل، وفرز الخضر والفاكهة، وفرز البيض (41). ويبدو أن عمل النساء المأجورات كان أكبر بكثير من محاولة التقنين القانوني المتعسف والذي رأيناه في القانون 80/ 1933، فبعد ثلاث سنوات فقط جاء قانون جديد
يتعلق بالتنظيم القانوني لعمل المرأة، وهو القانون رقم 22 لسنة 1936 والصادر في فبراير 1936، جاء هذا القانون ليعدل فقط فقرة من القانون 80/1933، حيث كانت الفقرة تنص على عدم جواز عمل النساء ليلاً، فتم وضع استثناء وهو الخاص بالنساء القاطنات في مدينة بورسعيد. وقد ساقت المذكرة التفسيرية أسباب هذا التعديل والتي تمثل الرؤية الانتهازية لاستخدام النساء في سوق العمل، لقد تمت مقاربة عمل المرأة من خلال جمل بالغة الدلالة. فعمل النساء ليس تلبية لحاجة أو رغبة أو حتى لتخفيف وطأة الظروف المعيشية، وإنما – كما ساقت المذكرة التفسيرية للقانون – أن “عمالة النساء (غير الرسمية) ضرورة لفوائد التجارة“، وأوضحت المذكرة التفسيرية لشرح وضع مدينة بورسعيد المتفرد بين المدن المصرية وذلك لأن النشاط التجاري في المدينة يعتمد في جزء منه على البواخر التي تصل بورسعيد ليلاً. وتذهب المذكرة خطوة أبعد في التأكيد على الأدوار النمطية للرجال والنساء حيث إنه من الضروري أن تعمل النساء ليلاً وذلك لقيامهن بعمليات البيع في الملبوسات الداخلية وأدوات الزينة. لقد ظل تصميم الأطر المنظمة لعمل النساء عملية فاعلة طوال فترة الثلاثينيات، وكانت الدولة تكتشف كل يوم تغيرات جديدة فتصدر تعديلاً أو تقنيئًا جديدًا، فمثلاً في مارس من عام 1937، جاء قرار وزير الصناعة بشأن تعديل الصناعات (العشرين) الذي تم إقراره في القانون 80/1933 ليضيف عليها صناعة جديدة لا يحق للنساء العمل فيها وهي صناعة الفحم من عظام الحيوانات(42). وأصدر وزير الصناعة نفسه قرارًا آخر في العام نفسه بشأن الجدول المنظم لتنظيم النساء في الصناعة والتجارة. وفي النهاية تبدو هذه البنية القانونية والتي تصاعدت وتيرتها بشدة في فترة الثلاثينيات، دليلاً قويًا على أن عمل النساء لم يكن محل اهتمام النقاشات العامة فقط ، بل كان مناط اهتمام الدولة القومية ذاتها. ولعل هذا الاهتمام هو الذي بلور موقف الدولة التاريخي من عمل النساء والذي يتلخص في الإفراط في مظلة الحماية في مجالات معينة وتجاهلها تمامًا في مجالات أخرى. هذا ناهيك عن التمييز المؤسسي الذي صممته الدولة بسبب إفراطها في بعض أشكال الحماية.
“يجب على صاحب العمل في جميع الأماكن التي تعمل فيها النساء أن يوفر لهن مقاعد تأمينا لاستراحتهن إذا استدعت طبيعة العمل ذلك“، هذا هو جزء من نص المادة 139 من قانون العمل لسنة 1959. وقد تضمن هذا القانون أيضًا مادتين تقننان المساواة بين الرجال والنساء في الأجور(43) وذلك لأول مرة في التاريخ القانوني المصري، وسبق هذا القانون بثلاث سنوات قانون يعطى المرأة حق التصويت والترشيح للمجالس المنتخبة لأول مرة. ونصت الوثيقة الأعلى في البلاد التي صدرت في يناير 1956 على عدم جواز التمييز على أساس الجنس. وجاء قانون التأمينات المعاشية ليقرر مجموعة من المزايا للنساء، وصولاً إلى يونيو 1962 عندما أقر المؤتمر الوطنى مشروع الميثاق الذي قدمه جمال عبد الناصر، والذي نقرأ فيه عن المرأة كلمات أقرب إلى قصيدة غزل، يقول الميثاق: “إن المرأة لابد وأن تتساوى بالرجل، ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمل وإيجابية في صنع الحياة“. الخلاصة هنا أنه قد تم إقرار مساواة المرأة أمام الدستور والقانون وتم إقرار المساواة في الأجور ومساواة في الحقوق المدنية وأخيرًا فهي أحد صناع الحياة كما قال الميثاق.
إنها خطوات تعبر عن غرام الدولة الناصرية بالنسا1ء. وهو غرام فطنت إليه لطيفة الزيات شاهدة العصرين في ذلك الحين. كتبت لطيفة الزيات تقول إن ثورة 23 يوليو قد جاءت بمفهوم تقدمي لدور المرأة في المجتمع، واستطاعت هذه الثورة أن تحرر النساء من السجن المادي. وبقى السجن المعنوي الذي ترزح فيه النساء، لكن هذا السجن لم يكن من تصميم ثوار يوليو “المغرمين بالنساء“، بل كان سجنًا “يفرضه الرأى العام من ناحية والذي تفرضه (أي المرأة) هي على نفسها، حين تسلك وتتصرف عن إيمان مترسب في الأعماق بتبعيتها للرجال“(44)
لكن كيف تحولت أمور النساء هكذا؟ كيف تحررت النساء من سجنهن المادي؟ الإجابة هذه التساؤلات تكمن في لحظة 23 يوليو 1952، لحظة حدثت قبل صدور دستور 1956 بثلاث سنوات وقبل صدور قانون العمل لسنة 1959 بست سنوات.
بدأت القصة القصيرة في 23 يوليو 1952 عندما قاد مجموعة من ضباط الجيش المصرى انقلابًا عسكريًا، وخلال فترة سنتين استطاع هؤلاء الضباط التمكن التام من السيطرة على مفاتيح العملية السياسية في مصر كافة، وودعت البلاد سياسييها القدامي بشكل شبه نهائي. انتهى إذا عهد “الإقطاع” وكبار ملاك الأراضي الزراعية ، انتهى زمن أسرة مالكة فاسدة ومفسدة، وانتهت – وهذا هو الأهم – شرعية شعار “الاستقلال التام أو الموت الزؤام” ليس لأنه شعار يحتاج إلى معجم لغة عربية لتفسير ما هو الزؤام، ولكن ببساطة لأن الموت تحقق ولم يتحقق الاستقلال. والغريب في الأمر أن هؤلاء الضباط قد نجحوا في فترة سنتين فقط من تحقيق الهدف التاريخي لمصر منذ 1882 وهو الاستقلال الوطني. وبالطبع كانت مصر أمام نظام سیاسی واجتماعي جديد. وبالطبع هناك مكان للمرأة في هذا النظام الجديد. ورغم قلة التحليلات عن رؤية هؤلاء الضباط الشبان للمرأة ووضعها في المجتمع، فإننا يمكن أن نتلمس بعض أشكال الرؤية هنا وهناك، فقد أكد محمد نجيب (أعلى هؤلاء الضباط رتبة) حاجة المجتمع إلى “مساهمة النساء في كثير من الأعمال المهمة كتقويم المنزل“. وقد تمنى أنور السادات أن تكون المرأة المصرية “زوجة مثالية تستطيع أن تحمل العبء الذي حملته جدتي فتسعد زوجها“. لا يوجد مفهوم ثوري للمرأة إذن، إلا إذا كانت الثورية في التأكيد على أن المنزل هو المكان الوحيد للنساء حسب رؤية ضباط يوليو. لكن وبعيدًا عن هذه الآراء المتفرقة والتي يغلب عليها طابع “المحافظة” المجتمعية ، فقد ساهمت لحظة 1954 الخاصة بإضراب مجموعة من النساء في دار نقابة الصحفيين من أجل الحصول على حقوقهن السياسية المتمثلة في الحق في الترشيح والتصويت، في تبلور موقف ضباط يوليو من قضية المرأة عمومًا ومن قضية المرأة والعمل العام بدرجة أكثر تحديدًا. لقد مثلت هذا اللحظة أحد التحركات شديدة الدلالة والرمزية في تاريخ الحركة النسائية المصرية وفي تاريخ ثورة يوليو من ناحية أخرى، إنها المرة الأولى التي تقف فيها مجموعة من النساء بوضوح وشكل مباشر ضد النظام السياسي الحاكم من أجل المطالبة بالحصول على بعض الحقوق الخاصة بالنساء. مهدت هذه الخطوة لحصول المرأة على الحقوق المتعلقة بالانتخاب والترشيح للمجالس النيابية المختلفة رغم أنف هؤلاء الضباط. إلا أن انتصار هؤلاء النسوة في هذه المعركة لم يكن بلا ضريبة. فقد كان على إحدى المشاركات في هذا الاعتصام أن تدفع حريتها ثمنا لموقفها الشجاع.
نحتاج في هذه اللحظة إلى بحث مفصل للظروف التي أفضت إلى قرار الضباط منح المرأة حقوقها السياسية. وذلك لأن هذا القرار وما عبر عنه القانون يمثل تنازلاً ما من الضباط الجدد. ولكن يبدو أن الدرس الذي تعلمه هؤلاء الضباط هو أن نعطى بعض الحقوق قبل أن تطالب بها النساء. وهو ما حدث في يناير من عام 1956 عندما صدر دستور “الجمهورية المصرية“، والذي نص في المادة 31 لأول مرة في تاريخ الدساتير المصرية على عدم التمييز على أساس الجنس (45)، حيث إن الفترة السابقة لثورة يوليو التي عرف عنها رطانتها القانونية ذات الطابع الليبرالي لم تنص على التمييز على أساس الجنس سواء في دستور 1923، أو دستور 1930، ودخل التمييز على أساس الجنس لأول مرة في التاريخ الدستوري والقانوني المصرى مع دستور 1956(46)
وانطلقت الدولة الناصرية من إقرار رؤية للمساواة في الدستور إلى القانون، في أبريل 1959 صدر القانون 91 لسنة 1959(47) والذي يعد تحولاً مركزيًا في رؤية الدولة لعمل النساء حيث تضمن هذا القانون لأول مرة تعريف العامل على أنه “كل ذكر أو أنثى يعمل لقاء أجر مهما كان نوعه في خدمة صاحب عمل وتحت سلطته أو إشرافه (48)، وخصص
القانون فصلا كاملا عن تشغيل النساء (الفصل الرابع ويشمل المواد من 130 حتى 140)، أكدت المادة 130 على المساواة بين الرجال والنساء(49) ، وشملت باقي المواد، تنظيم ظروف الوضع (المواد 133 إلى المادة 137)، وفي المادة 139 جاءت بعض الوسائل الرعائية التي تمت الإشارة لها سابقا، لكن لم ينس القانون الناصري أن يمد جسور الألفة مع النظام الليبرالي، حيث جاءت المادة 140 من هذا القانون لتستثني النساء العاملات بالزراعة عن طريق استخدام نفس المنطلقات التي أوردتها المادة (2) من القانون 80/ 1933. ولكن لم تنته جسور الألفة مع النظام الليبرالي عند استثناء العاملات في الزراعة من أي مظلة حماية، حيث قام النظام الناصري أيضًا بتحديد مجموعة من الأعمال التي لا يجوز للنساء أن تزاولها، تأكيدًا للنهج الذي أرساه القانون 80/ 1933، ففي فبراير 1960 أصدر محمد عبد الفتاح وزير الشئون الاجتماعية والعمل القرار رقم 63 لسنة 1960 وذلك وفقًا للمادة 132 من قانون العمل. أحد ملامح أهمية هذا القرار تكمن في أنه حدد بوضوح أسباب عدم جواز عمل النساء في بعض الصناعات وذلك لكون هذه الصناعات ضارة صحيًا وضارة أخلاقيًا و“كذلك الأعمال الشاقة التي لا يجوز تشغيل النساء فيها“. وقد حدد القانون 24 صناعة تتوافر فيها شروط الضرر الأخلاقي والصحي وكذلك الأعمال الشاقة. التمييز القانوني هنا هو أن الوزير قد نصب نفسه أولاً وصيًا على الأخلاق، فأباح للرجال العمل في صناعة الكحول والبوظة والمشروبات الروحية كافة ولم يبحها للنساء (نسي القانون أن هناك نساء من أديان مختلفة تعيش في الزمن الناصري، ونسى أيضا وهذا هو الأهم أن الكحوليات حرام على الرجال والنساء وليس على النساء فقط). المحصلة النهائية أن هنا هو أن هناك بنية قانونية متسامحة نسبيًا ولم تشهدها مصر من قبل، تعززها البيئة الحاضنة للنظام الناصري أي الظروف الاجتماعية والاقتصادية(50) من ظلال البدء في
التصنيع الثقيل وحركة التأمينات والأهم زيادة التحاق المرأة بالتعليم الجامعي(51). هذه المظاهر خلقت ظاهرة عمل المرأة الرسمي بصورة لم يسبق لها مثيل، ولكن كل هذه المظاهر لم تدفع بعمل النساء إلى أن يحدث قفزة كبيرة للأمام. في وسط كل هذه الحقائق العامة يظهر الشيطان في الكثير من التفاصيل. فمثلا لقد تم تقنين المساواة في الأجور من خلال نصوص قانونية ولكن دون أدوات رقابية فعالة. ومن ثم كان واقعيا أن نرى الشكاوى المستمرة من عدم مساواة النساء واقعيا في الأجور. فكما ترصد أسما حليم في دراسة لها في عام 1965 أن أجر المرأة في صناعة الغزل والنسيج – وهي أقدم الصناعات التي عملت بها المرأة – يبلغ نصف أجر الرجل (العاملة 144 قرشًا في الأسبوع في مقابل 280 قرشًا أسبوعيًا للعامل)، وفي الصناعات الغذائية يبلغ متوسط أجر النساء أقل من نصف أجر الرجل (113 قرشًا للمرأة في مقابل 237 للرجل في الأسبوع)، وهذا المعدل نفسه نراه في الصناعات الكيماوية (167 قرشًا للمرأة في مقابل 393 قرشًا للرجل في الأسبوع)(52).
بناءً على ما تمت الإشارة إليه سابقًا أن نسبة وشكل مساهمة المرأة في قوة العمل أحد المتغيرات المركزية في الحديث عن وضعية المرأة في بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمجتمع ما. ومع ذلك فإن هناك صعوبة بالغة في افتراض أن شكل ونسبة إسهام المرأة في قوة العمل هو المتغير الأكثر حسما في تحديد وضعها المجتمعي ومكانتها ومن ثم الأدوار التي تلعبها في سياق هذا المجتمع. لقد عبرت منظمة العمل الدولية مرارا وتكرارا من أنه لا يمكن الحديث عن قضية المساواة في الأجور “داخل منظومات العمل دون أن يتوازى معها مساواة في المجتمع الكبير الذي يقع خارج نطاق المصنع أو المؤسسة الاقتصادية. يفرض علينا هذا الطرح محاولة فك الاشتباك ما بين تنازع فرضيتين رئيستين (53) تتعلقان بخطاب المساواة داخل نطاق منظومات العمل أو خارجها.
الفرضية الأولى (وأسميها هنا الفرضية الإيجابية) هي تفترض خطابًا نقيضًا وهو أن اندماج المرأة المصرية في منظومة العمل (أو إدماجها قسرًا)، نتج عنه إعادة توزيع الأدوار والمكانات الخاصة بـ الرجل / المرأة في بنية العلاقات الاجتماعية، بمعنى آخر أن أضحت المرأة بشكل أو بآخر مفاوضًا في السياسات المنزلية والأسرية، ولها دور في تحديد شكل القرارات الخاصة بالحياة في المجال الخاص. وبالطبع فإن هذا الشكل من الأدوار الجديدة للمرأة وما ينتج عنه من إعادة هيكلة الأدوار الاجتماعية سيفضي بشكل واضح إلى مجموعة من المتغيرات مثل التأكيد على ذمتها المالية المستقلة من ناحية، وكذلك حصولها على مجموعة أخرى من الحقوق خصوصًا المدنية والسياسية.
أما الفرضية الثانية (وأسميها هنا الفرضية السلبية) فتتمثل في أن أشكال اللامساواة الصارخة بين كل من الرجل / المرأة على صعيد بنية المجتمع سواء في المجال العام أو المجال الخاص قد انعكست بدورها على أنماط وأشكال القوانين واللوائح والقرارات المنظمة لعلاقات العمل. فجاءت علاقات العمل بين المرأة الأجيرة وبين أرباب العمل كتجلٍ لأشكال هذه اللامساواة. ورغم الاعتراف بأن هذه الأشكال من اللامساواة كانت جزءًا من شكل أعم من اللامساواة بين أرباب العمل والعمال سواء كانوا رجالا أو نساء، إلا أن المرأة كانت هي الفئة الأوفر حظًا في الحصول على نصيب الأسد من أشكال اللامساواة.
تمثل هاتان الفرضيتان إحدى مساحات الصراع بين خطابات الدولة والمجتمع المدني. تبدو الفرضية الأولى أقرب إلى فرضية الدولة والتي لا تمثل سوى قشرة الحقيقة ورطانة إعلامية في المقام الأول. فلم يكن اندماج المرأة المصرية في منظومة العمل الأجير بمثابة اختيار واع، بل كان في أفضل الفروض رد فعل على تدهور دخل الأسرة. ومن ثم فقد ساد فهم (ولا يزال) أن عمل المرأة مؤقت ومرهون ببعض التغيرات في هيكل ميزانية الأسرة، ومن ثم عبر هذا الفهم عن نفسه مجتمعيًا من خلال عمل المرأة في (ورديتين) واحدة في سوق العمل المنزلي حيث لا توجد أجور وأخرى في سوق العمل الخارجي حيث تتوافر الأجور. من ناحية أخرى، ورغم أن إعادة توزيع الأدوار والمكانات الخاصة بـ الرجل / المرأة في بنية العلاقات الاجتماعية هي بمثابة نتيجة حتمية لخروج المرأة إلى سوق العمل، فإننا نستطيع أن نتلمس وبسهولة أن توزيع الأدوار هذا لم يكن بدرجة من التحول العميق، لقد ذهبت النساء إلى العمل لكن لازلن يتعرضن إلى العنف وعدم السيطرة على مخصصاتهن المالية، هذه الأسباب تجعلني أميل إلى القول أن الفرضية الثانية الأكثر صحة، بل إنها تلعب أحيانًا دورًا أقرب إلى الحقيقة الاجتماعية. ويمكن هنا رصد مجموعة من التأثيرات لأثر أشكال اللامساواة العامة في المجتمع على عمل النساء وهي:
التنميط:
التنميط ببساطة هو رؤية أحادية الطابع تتسم بالمبالغة والتحيز ضد مجموعة ما من الأفراد، وهو في الغالب مرتبط بتقسيمات على أساس العرق أو الجنس… إلخ (54). وفي حالة عمل النساء فإن الخطورة لا تتمثل فقط في آراء أحادية الجانب، بل تتعدى ذلك لتنفذ إلى سياسات الدولة الخاصة بالتنميط الوظيفي. لقد نجم عن دخول النساء المكثف إلى قوة العمل، استشعار حقيقتين، الأولى هي إدراك الدولة أهمية هذه النسبة من حيث الوصول إلى الحل الأمثل لتوظيف الموارد البشرية، والحقيقة الثانية هي ضرورة توفير أطر حمائية تستجيب لبعض الاحتياجات الخاصة والطارئة لبعض النساء (مثل النساء الحوامل)، لكن أفضى تقديم الدولة لبعض الأطر الحمائية أن تكون قاطرة لمؤسسة التنميط الوظيفي بين الرجال والنساء في سوق العمل. يتخذ هذا التنميط الوظيفي إحدى صورتين، الصورة الأولى وهي الخاصة بقيام النساء بشغل وظائف معينة أضحت بشكل شبه تام هي وظائف النساء، وذلك لهيمنة الانطباع الخاص بكون هذه الوظائف تلائم الطبيعة الجسدية والنفسية للنساء، مثل وظائف التمريض مثلا أو الوظائف الكتابية في الجهاز الإداري للدولة، فعلى سبيل المثال من جملة 13 نشاطًا من الأنشطة الاقتصادية في الدولة تساهم النساء بنسبة 48,9؟% من إجمالي قوة العمل في مجال الصحة والعمل الاجتماعي (أي إنها نسبة تقترب من نصف قوة العمل في هذا النشاط) ، كما أن النساء يشاركن ب 41.2% من قوة العمل في نشاط التعليم، وهي نسبة مرتفعة أيضا، لكن ماذا عن نشاطات مثل الصناعات التحويلية أو الإنشاءات أو التعدين، هنا تظهر الصورة الثانية من التنميط وهي الخاصة بوجود وظائف معينة للرجال، فمثلا يحتكر الرجال العمل في هذه الأنشطة الاقتصادية بحيث يمكن القول أن نسبة إسهام النساء في هذه الأنشطة الاقتصادية عبارة عن نسب جد هامشية (فمثلا تبلغ مساهمة النساء في نشاط التعدين 4.3%، وفي نشاط الصناعات التحويلية حوالي 9.6%، وتمثل 1.6% فقط في نشاط الإنشاءات).
یعنی التمييز هنا وضع قاعدة عامة مجردة تقوم على التفرقة المتعمدة بين الأفراد. ويوفر التمييز القانوني مدخلاً ملائمًا لإظهار بعض أشكال اللامساواة، فمثلا في القانون80/1933 حدد القانون 20 صناعة لا تعمل بها النساء دونما توضيح لماهية الآثار الصحية لهذه الأعمال على النساء. لكن رغم إلغاء القانون 80/1933(55) ، فإنه استقر تقليدا في تاريخ علاقات العمل في مصر فجاء على غراره قرار وزير الشئون الاجتماعية والعمل رقم 63/1960، أحد ملامح أهمية هذا القرار تكمن في أنه حدد بوضوح أسباب عدم جواز عمل النساء في بعض الصناعات وذلك لكون هذه الصناعات: ضارة صحيًا وأخلاقيًا و“كذلك الأعمال الشاقة التي لا يجوز تشغيل النساء فيها“. وقد حدد القانون 24 صناعة تتوافر فيها شروط الضرر الأخلاقي والصحي وكذلك الأعمال الشاقة. والتمييز القانوني هنا أنه على الرغم من أن بعض هذه الصناعات تمثل ضررا صحيا للنساء (خصوصا الحوامل) فإننا لا نعرف ماهية تأثيرات الصناعات الأخرى. كما أنه ليس من المنطقى أن تقوم الدولة برسم الحدود الأخلاقية لعمل النساء. كذلك دأب القانون المصري على فرض شرط ضرورة أن تمضى المرأة 6 أشهر في العمل على الأقل من أجل أن تحصل على إجازة وضع. ورغم كون هذه المدة متعسفة (إجبار النساء على التحكم في حملهن من أجل الحصول على إجازة) فإن القانون الجديد 2003 قد زاد هذه المدة إلى 10 شهور. ومن ثم إذا حملت المرأة قبل أن تمضى فترة 10 شهور في العمل فسيكون مصيرها الفصل، وكل ما يمكن أن تطالب به هو تأمين المرض المنصوص عليه في قانون التأمينات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى فالمرأة لن تحصل على هذه الإجازة سوى مرتين فقط، أي أن الدولة تجير النساء على تنظيم الأسرة بشكل تعسفي.
في إطار بحث العلاقة ما بين النساء والعمل، من الطبيعي أن نبحث عن رؤية الفاعلين السياسيين لهذه القضية سواء كان هذا الفاعل هو الدولة، أو فاعلين من غير الدولة، ولكن قلما نجد أي إشارات حول موقف القضاء من عمل النساء، خصوصا في الفترة السابقة لقيام حركة الجيش في يوليو 1952 خصوصا مع الأخذ في الاعتبار عدم واحدية التنظيم القضائي السائد في تلك الفترة (المحاكم المختلطة، المحاكم الأهلية). لكن سأختار هنا بعض العينات التمثيلية لأحكام القضاء المصري في فترات مختلفة، وهذه الأحكام تكشف درجة الكارثية التي تعامل بها القضاء المصري مع عمل النساء. القاضي مطبق للقانون ولكنه في هذه الحالة مطبق لما جرت عليه التقاليد والانطباعات في المجتمع. أبرز مثالين وجدتهما في هذا الإطار يتعلقان بالفترة الناصرية وقد آثرت عرضهما هنا باختصار وذلك لأنهما بمثابة اتجاه عام لدى الدولة وليستا حكرًا على مرحلة بعينها. المثال الأول يرجع إلى الحكم الصادر في القضية 2536 لسنة 6 قضائية (56)، ومضمون القضية باختصار أن المدعية قد اشتركت في مسابقة للتعيين في إحدى الوظائف ونجحت، ولكن جهة الإدارة قامت بتعيين من يليها في ترتيب النجاح وذلك ببساطة لأنها امرأة. وقد أفرد الحكم الأسباب أن “الحكم الدستوري المجرد الذي يقضى بالمساواة شيء وتقرير المشرع أو سلطة التعيين لصلاحية المرأة للاضطلاع بمهام بعض الوظائف شيء آخر“. ومن ثم يحمد لجهة الإدارة في هذه الحالة أنها لم تعين النساء في بعض الوظائف وذلك لأنه وفقا لنص الحكم “فلا تثويب على الجهة الإدارية لو جنبت المرأة مسالك لا تحمد مغبتها وحبست عنها وظائف ينبغى قصرها على الرجال باعتبارهم أقدر على احتمال أعبائها وأقدر على معاناة مشقتها“. هذا المنطق نفسه نص عليه الحكم في القضية 898 لسنة 7 قضائية (57). والذي يمثل تكرار ما قيل في القضية 2536 لسنة 6 قضائية. المشكلة هنا أن القاضي قد ضرب بالدستور عرض الحائط وبني حكمه بناء على الانطباعات العامة التي تسود قطاعات عريضة من المجتمع.
حاولت في السطور السابقة مناقشة بعض الرؤى والأفكار الخاصة بقضية عمل النساء، وحاولت أن أقيس درجات تأثير خطاب اللامساواة العامة في المجتمع على أوضاع سوق العمل في مصر. وتبقى هنا نقطة أخيرة للمناقشة وهي المتعلقة بدور الدولة في هذا الصراع حول عمل النساء وحول هذه الرؤى المتنازعة. الدولة طرف في النزاع حول عمل النساء وهي فاعل رئيسي في منظومة الصفقات واستراتيجيات الانتهازية. فهناك انتهازية تحكم النظر إلى عمل المرأة فهو في النهاية عمل مؤقت ومرحلي. وقد نجحت أشكال اللامساواة المتجذرة في المجتمع الكبير أن تنفذ بقوة إلى مجتمع العمل. لقد استطاعت مثلا قطاعات مجتمعية عدة أن تلتف حول الحقيقة الاجتماعية (المتمثلة في عمل النساء) بفرض مجموعة جديدة من الشروط حول عمل المرأة، من خلال الزي مثلا فهذه الوظيفة تحتاج إلى امرأة محجبة وهذه تحتاج إلى امرأة غير محجبة. وهناك تنوع كبير من أنواع الزي تغطى المساحة ما بين المرأة المحجبة وغير المحجبة. لا ينتهى مسلسل الصفقات وفرض الشروط عند حالة الزي فقط أو عند قطاعات من المجتمع، فهناك نوع آخر من الصفقات ظهر في العهد الناصري، وتبلور بشكل لم يسبق له مثيل في عهد مبارك. لقد لجأ النظام إلى توظيف النساء التكنوقراط (مخرجات النظام التعليمي) كمكون فاعل في بنية خطاب النظام، لكن تم استبعاد وتهميش قطاعات متعددة من النساء المصريات من أن يكون لهن أي أثر في هذا الخطاب.
لم تكن عملية فرز النساء لإدماجهن في النظام مقصورة على ممارسات عهد مبارك، فهي ممارسة مصرية تاريخية أصيلة سواء من قبل الدولة أو من قبل الفاعلين الاجتماعيين. وحيث إن أحد محددات سقف المرحلة الليبرالية كان في فشل الأصوات المختلفة في أن تحدث قضية توافق على مشروع الحد الأدنى. الممارسة نفسها لجأ إليها النظام الناصري ولكن بصورة أوسع وأكثر تقنينا. أدعى أن إجراءات الإصلاح الزراعي (المحدودة بالفعل) والتي لجأ إليها عبد الناصر قامت بعملية استبعاد مبكرة للنساء، وهو ما جعل الرجال هم المستفيد الرئيسي من القوانين، لم يتطرق النظام الناصري إلى الفقر ولم تول عناية الدولة إلى المرأة الريفية. في مرحلة لاحقة نجح النظام الناصري في تدجين “النساء” لصالح خدمة مشروعه من ناحية أولية، وسواء كن هؤلاء النسوة من اللائي تفتحت أعينهن في النظام الناصري، أو كن ناشطات في العصر السابق ليوليو فقد تم تدجين الجميع، وكانت الإقامة الجبرية والسجن مصير من حاول أن يخرج عن حظيرة النظام. في العهد الناصري كان الطابع التعاقدي “للصفقة” مكونًا من فئات اجتماعية جديدة كونت ما يسمى الطبقة الوسطى على حساب نساء الريف من ناحية وعلى حساب الموافقة على تأميم النساء من ناحية أخرى.
في عهد مبارك استمر هذا التقليد حيث قامت الدولة (متأخرة) بإعادة ترتيب بعض “موضوعات وقضايا” أجندتها الخاصة فيما يتعلق بالمرأة ليس استجابة للتحديات الأكثر إلحاحًا، وإنما كنوع من الديكور من أجل الحصول على نصيب من المكافآت الدولية أو المجتمعية فيما يتعلق بالمرأة. لم تكن المرأة العاملة هنا جزءًا من الصفقة (كما كانت في العهد الناصري) وإنما كانت مجموعة من النساء التكنوقراط سواء في جهاز الدولة أو لأكاديميا المصرية المستأنسة. تكون من هؤلاء النساء منذ الثمانينيات “المجلس القومى للطفولة والأمومة“، وفي عام 2000 تشكل “المجلس القومي للمرأة، والذي أنيط به حسب القرار الجمهوري 90 لسنة 2000، عدة مهمات عامة تتمثل في اقتراح سياسات ووضع مشروع خطة قومية للنهوض بالمرأة وحل المشكلات التي تواجهها، وكذلك تقييم السياسة العامة في مجال المرأة(58). ورغم هذه الأهداف الرنانة فإن المجلس لم يكن تنظيما ديموقراطيا، بل أقرب إلى النمط الاستبعادي سواء في القضايا أو في استبعاد قطاعات واسعة من التمثيل فيه(59). المجلس أقرب إلى “بيت خبرة“، لكن ليس من أجل إنتاج المعرفة حول أوضاع النساء المصريات، ولكن للتبرير وتجميل السياسات المجزئة للنظام فيما يتعلق بالنساء. فهو تطور لإنشاء بعض المؤسسات كنتيجة لمشاركة “مصر الرسمية” في مجموعة من المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة (60). ويأتي التطور في المؤتمرات الدولية في شكل أنها أضحت منبرًا أقوى؛ وصيغة أنها مؤتمرات أكثر رسمية ومدعومة من الأمم المتحدة. وفيما يتعلق بقضية المرأة قامت الأمم المتحدة بعقد أربعة مؤتمرات كبرى، فجاء مؤتمر المرأة العالمي الأول الذي عقد في المكسيك والذي حظى بنجاح محدود، وتلاه نجاح أكثر نسبيًا في مؤتمر المرأة العالمي الثاني الذي عقد في نيروبي، ثم اللحظة الأكثر أهمية وهى مؤتمر المرأة العالمي الرابع الذي عقد في العاصمة الصينية، بكين.
في السياق المصري تبلور منذ عام 1994 عام انعقاد مؤتمر السكان والتنمية مشاركة مصر الرسمية في بلورة أجندة خاصة بالنساء، لكن هذا التبلور لم يكن لقناعة ذاتية معينة بل كان لتصاعد وتيرة النشاط الذي تقوم به السيدة زوجة الرئيس، وهو ما انعكس واضحًا في العام التالي حيث كانت الدولة المصرية ممثلة في السيدة/ سوزان مبارك زوجة رئيس الجمهورية (61)، قد حسمت دور مصر الرسمية في المنابر الدولية. وعلى هذا فقد اشتركت مصر الرسمية بوفد رسمي كبير في مؤتمر المرأة العالمي الرابع والذي عقد في بكين 1995. لن أقول هنا إن الوفد المصري شارك بفاعلية، ولكن على الأقل رأى الالتزامات الخاصة التي تم طرحها في الوثيقة المعروفة بـ “منهاج عمل بكين“(62). لاحقا وفي عام 1996 عقد المؤتمر الثاني للمرأة المصرية، وقدمت سوزان مبارك مضمون رؤية الخطاب الرسمي فيما يتعلق بالمرأة والذي دمج ما بين التاريخ الذهبي للنساء المصريات في القضية الوطنية، والتطورات الدولية المتصاعدة فيما يتعلق بتزايد درجة المشروعية العالمية لخطاب المساواة، خصوصا بين شعوب دول العالم الثالث. وإذا كان مؤتمر بكين فرصة لبعض بلدان العالم لمراجعة النشاطات والتحديات والرؤى فيما يتعلق بتمكين المرأة عموما (ونسبة إسهام النساء في قوة العمل على وجه التحديد)، فقد فرضت الأهداف الإنمائية للألفية تحديًا جديدًا للدولة المصرية وخطابها الرسمي، فالآن ولأول مرة يمكن ببساطة قياس مدى نجاح الدولة والخطاب الرسمي في تحقيق الالتزامات التي تم تبنيها والتي أسفرت عن كم من التحويلات المالية والمعنوية لقطاعات معينة في الدولة.
لكن يبقى السؤال الخاص بالأسباب التي دفعت بالدولة المصرية لكي تهتم بقضايا النساء بهذا الشكل بلا إجابة. أحد مداخل الإجابة عن هذا السؤال تكمن في بعض الملاحظات الأولية للتغيرات الناتجة في البنية القانونية والرسمية ، حصرا أربعة تغيرات فقط لا غير وهي القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، قانون محكمة الأسرة رقم 10 لسنة 2004، القانون رقم 11 لسنة 2004 بإنشاء صندوق نظام تأمين الأسرة وتعديلات قانون الجنسية عام 2004. جاءت هذه المبادرات بمنح من السيد رئيس الجمهورية. حقوق النساء ترتبط هنا ليس بنضالهن من أجل انتزاع حقوقهن ولا حتى في تغير المناخ العام، بل منحة من الحاكم.
في شهر سبتمبر 2003 أصدر أحمد العماوي وزير القوى العاملة والهجرة قرارا يتعلق بقانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003، والذي ناقشه وأقره مجلس الشعب في العام نفسه. هذا القرار هو القرار 155 لسنة 2003، في شأن تحديد الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، جاء هذا القرار بعد 7 عقود كاملة من صدور قرار مشابه هو القانون رقم 80 لسنة 1933، كل من القرار 155/ 2003، والقانون 80/ 1933 يحددان الأعمال التي لايجوز تشغيل النساء فيها، لكنهما يختلفان في بعض الأمور. الأمر الأولى أن القانون 80/ 1933 صدر من وزارة الداخلية وهي الجهة التي أنيط بها مجموعة من الصلاحيات الواسعة فيما يتعلق بعلاقات العمل، أما القرار 155/ 2003 فقد صدر من وزارة القوى العاملة. اختلاف مهم فيما يتعلق بتطور التخصص الوظيفي للمؤسسات المصرية. لكن هذا التطور شكلي. حدد القانون 80/ 1933 20 صناعة لا يجوز تشغيل النساء فيها، أما القرار 155/ 2003 فقد أشتمل 30 صناعة، أي بزيادة 10 صناعات عن قانون 80/ 1933، 7 عقود من الزمان لم تنتج أي تغيير في قانونية منطق “الحتمية البيولوجية“. لحظة صدور القرار155/ 2003، كانت المرأة المصرية العاملة تشهد أعلى معدلات لإسهامها في إجمالي قوة العمل في التاريخ المصري، والتي تراوحت بين 20% من إجمالي قوة العمل، ولكن لا تزال هذه النسبة ضعيفة للغاية (بالمقارنة بدول العالم المختلفة)، كما أن السياسات الاقتصادية للنظام أثرت في أن تكون النساء أكثر القطاعات المجتمعية في نسبة البطالة(63)، رغم سيادة نظرة شائعة أن النساء أكثر توظفا من الرجال.
منذ أوائل التسعينيات شهد إسهام المرأة في قوة العمل معدلات أكبر من الماضي. لا ندري ما سبب الإصرار على هذا التقليد القانوني الخاص بتحديد صناعات ما لا تعمل بها المرأة. لكن هذه القوانين في النهاية هي بمثابة مسيرة تواصل الاستفادة من حكمة وحكماء الماضي. وتبدو المجازفة كبيرة إذا حاول البعض التغيير من نصوص القوانين والتي هي بمثابة نصوص مقدسة. في مارس 2003 وأثناء مناقشات مجلس الشعب حول قانون العمل الجديد، نشب خلاف حول معنى كلمة في نص المادة 97 التي تنص على “يستثنى من تطبيق أحكام الفصل الثاني من هذا الباب العاملات في الزراعة البحتة“، حيث أثار السيد كمال الشاذلي عدم اقتناعه بمعنى كلمة البحتة، وقال ساخرا إنه لم يقابل هذه الكلمة إلا في الرياضة البحتة. واقترح الوزير حذف الكلمة. ما كان من رئيس المجلس والذي هو بالأساس رجل قانون، أن دافع عن الكلمة ليس لأنه يعرف المغزى منها ولكن “قطعا لها معني ما دامت وردت في القانون 137 لسنة 1981، ومطبق منذ اثنتين وعشرين سنة، قطعا أخذت معنى“(64). لقد انشغل رئيس المجلس بكلمة اكتسبت القداسة لأن عمرها 22 عاما، ولم يعر رئيس المجلس ولا غالبية الحاضرين في هذه الجلسة أي أهمية إلى اقتراح كل من د. فائقة الرفاعي، ود. زينب رضوان المتمثل في ضرورة أن يقضى القانون بمنح العاملات في الفلاحة شهرًا إجازة بعد الوضع. لم تلتفت هاتان العضوتان إلى أن الدولة قد رفضت حذف كلمة ظلت سارية لمدة 22 عامًا، ومن ثم فإنه من المستحيل بالطبع أن تقوم الدولة بتغيير التقليد الخاص باستبعاد العاملات في الزراعة من أي حماية قانونية وهو التقليد الذي يبلغ من العمر70 عامًا.
استبعاد العاملات في النشاط الزراعي من مظلة الحماية هو أحد أوجه الأوضاع السلبية
لعمالة المرأة (65) ، لكن الوجه الأكثر خطورة يتعلق بمدى مساهمة النساء في قوة العمل، في عام 1990 كانت نسبة إسهام المرأة في إجمالي قوة العمل هي 27.2%، ولكن شهدت السنوات اللاحقة انخفاضا جزئيا في هذه النسبة لتصبح النسبة 22.9%، 22%، 22%، في سنوات 1993، 1995، 1997 على التوالي. ثم استقرت النسبة لتكون 21% في عامي 1998، 1999. ما لبثت هذه النسبة أن ارتفعت بشكل هامشي للغاية لتصبح في عام 2000 ، 21% في عامي 2002، 2004 ارتفعت هذه النسبة بشكل مشابه لما حدث في عام 2000 تقريبا حيث كانت الزيادة في معدل إسهام المرأة في قوة العمل هو 1% في عام 2002، %3 في عام 2004. لن استطرد هنا في سرد الأرقام، ولكن من المهم للغاية طرح مجموعة من الأسئلة الخاصة بمدى استيعاب النقاش العام لهذه النسب. بالتأكيد لا يحتاج المرء إلى رصد نماذج لخطابات مجتمعية تدعو النساء للرجوع إلى منازلهن. حيث لا تقوم الدولة بتبني هذا الخطاب، وذلك ليس من أجل الإقرار بحقوق النساء، ولكن لأن الدولة أكثر الفاعلين إدراكا حتى الآن لما تعنيه مساهمة النساء في قوة العمل. كما ذكرت في السابق فإن نسبة مساهمة النساء في قوة العمل تبلغ 24%، أي أن ربع القوى العاملة المصرية تشغلها النساء. وبالطبع فإنه من الصعب منهجيا حصر لمستوى التوقعات السياسية والاقتصادية الناجمة عن “ترحيل” النساء إلى المنازل، ولكن على أقل تقدير سينتج عن هذا الترحيل تغير بنية الاقتصاد السياسي للدولة نحو مزيد من الاختلالات الهيكلية سواء في سوق العمل أو الإنتاجية أو حتى المؤشرات الاجتماعية المتعلقة بنسبة الإعالة والتخفيف من حدة الفقر. هذا بالإضافة إلى أن الدولة والنخب السياسية ، وكذلك قطاعات مجتمعية تدرك مظاهر الزيادة السكانية، وبشكل أكثر دقة لقد أدت التحولات الديموجرافية(66) Demographic Transition إلى زيادة نسبة السكان المؤهلين
للدخول في سوق العمل، رغم الإقرار بصعوبة تبنى فرضية عامة تربط بين التحول الديموجرافي وزيادة الإسهام في قوة العمل(67). ويتوقف عرض العمل الحالي للنساء على مجموعة متنوعة من المحددات مثل العمر (الفئات الأصغر سنا) مستوى التعليم، المنطقة الجغرافية، ثم المحددات المتعلقة بالثقافة، هذا بالإضافة إلى المتغير الاقتصادي الخاص بميزانية الأسرة. فخط الفقر يعتبر بمثابة مؤشر مركزي في تفسير عرض العمل (خصوصا في العمل غير الرسمي)، ومن هنا فإنه إذا كان مستوى دخل الأسرة يقع فوق خط الفقر، ففي هذه الحالة تلعب المحددات الاجتماعية (بالإضافة إلى المحددات ذات الطبيعة الاقتصادية) دورًا في التأثير على قرار النساء الدخول في سوق العمل. لكن إذا كان مستوى دخل الأسرة يقع تحت خط الفقر، ففي هذه الحالة تذوى المحددات الاجتماعية والثقافية لتفسح المكان تمامًا للمحددات الاقتصادية.
الظاهرة اللافتة أخيرًا تتمثل في المحدد السلبي الخاص بظاهرة “تأنيث البطالة“، فمثلا بلغت معدلات البطالة في عام 1977 في ظل إجراءات الخصخصة التي قام بها النظام لدى النساء 17%، وبعد حوالي عقدين من الزمان شهدا تحولات ديموجرافية ضخمة ومعدلاً أعلى في الخصخصة بلغت نسبة البطالة لدى النساء 25%. يكشف هذا المعدل عن عجز سافر للدولة في توفير فرص العمل الخاصة بالنساء (أكثر القطاعات المجتمعية في نسبة البطالة)، ودرجة من النمو اللامتوازن في الأنشطة الاقتصادية المختلفة. وهناك عدة ملاحظات حول وضع بطالة الإناث، فالملاحظ مثلا أن هناك تأثيراً للتوزيع الخاص بالحضر / الريف في التأثير على معدلات البطالة، فتبلغ نسبة البطالة بين النساء الحضريات 30% (مقابل 7% من الرجال) في حين تقل هذه النسب في مجموعها في المناطق الريفية حيث يبلغ معدل بطالة النساء 20% في مقابل 5% للرجال.
ولا تقتصر أبعاد بطالة النساء على الأعداد فقط، حيث تتسم بطالة النساء بأنها ربما تكون بطالة لا نهائية. أحد الأسباب الأصيلة في ازدياد معدلات البطالة لدى النساء تكمن في ظاهرة التطورات الاقتصادية غير المتوازنة والتي أصابت قطاعات معينة من الاقتصاد تتميز بتفضيلها التاريخي لعمل الذكور مثل النقل والمواصلات، الأنشطة العقارية وما يرتبط بها.
رغم أن المشهد العام يخلق انطباعًا بأن النساء المصريات يسرن بشكل حثيث إلى زيادة أعدادهن الكمية والكيفية في قوة العمل. فهناك تزايد ليس في أعداد خريجات المدارس المتوسطة فقط، بل في خريجات التعليم الجامعي، خصوصا في الدراسات ذات الطبيعة التقنية(68). هذا المشهد يؤكد أن الدعوات المؤسسة على تفسيرات ثقافية والتي تأمل في عودة النساء إلى المنازل تواجه صعوبات تجعل من عملية الرجوع أمرًا مستحيلاً، لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه الاستحالة ليست نتيجة لتحولات ثقافية فيما يتعلق بالمرأة سواء بتغير النظرة الجمعية إلى مكانتها ودورها في المجتمع، بل هو نتاج بالأساس إلى متغيرات ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية تحتم على المرأة أن تخرج إلى العمل (أو تحتم في سياقات أخرى إخراج المرأة قسراً إلى العمل). أحد هذه المتغيرات الجديدة – القديمة هو التعليم والذي أتاح فرصة ذهبية للنساء من أجل الاندفاع في سوق العمل. في عام 1996 بلغت نسبة النساء اللائي يخرجن إلى العمل حوالى 18% من إجمالي عدد النساء، وفي عام 2004 زادت النسبة لتصبح 31%. لم تصبح النساء كما كن في الأيام الخوالي، يجلسن في المنزل ولا يوجد لديهن ما يفعلنه. لقد أصبحن بفضل التعليم يتمتعن بخيارات أوسع من تلك التي تمتعت بها النساء منذ عقد أو أكثر. وهو ما يعنى أن هناك تغيرات أساسية في مواقع المرأة المصرية في الفضاء العام من ناحية وفي قضية التنمية من ناحية أخرى. منذ عقدين من الزمان تخوف أحد أساتذة الاجتماع من نمط الإدارة الأبوية للعملية التعليمية: “التعليم أكثر تحيزا للذكور ضد النساء وبالتالي كان من نتائج هذا الوضع أن أضحى الكم الأكبر من المتعلمين ومن المشتغلين بالبحث العلمي، ومن الشاغلين لمواقع مؤثرة في
القرارات الخاصة بالمشروعات البحثية والتنمية.. من الرجال“(69)، ومن ثم فقد يبدو أن هذا التخوف ليس له ما يبرره الآن، مع إنجاز المرأة المصرية والعربية شوطًا كبيرًا في التعليم ومع تولى مجموعة من النساء مهام تخطيط وإدارة إستراتيجيات بحثية كبرى. لكن لا يعني هذا التحول أفول الإدارة الأبوية للعملية التعليمية والبحثية، فلا تزال هذه الأبوية قائمة فيما يتعلق بدمج مجموعة من النساء التكنوقراط لخدمة استراتيجيات الدولة، وهو ما يعني أن الإدارة الأبوية (الممثلة في الدولة) هنا قد غيرت من بعض اللاعبين ولكن تظل هي المحرك المركزي للعملية البحثية والتعليمية في نهاية المطاف. وتظل كذلك هي أداة الإجهاض الرئيسية للتنمية في بلادنا. لقد تنبه عالم التربية المرموق حامد عمار إلى علاقة المرأة بالتنمية، فصاغ مقولة أن قضية المرأة “ينبغي أن تكون في قلب عملية التنمية ومعاناتها وممارساتها“(70). وبين سؤال ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، تبدو النتيجة في نهاية المطاف أن هناك سيناريو أقرب إلى “المؤامرة” في سحب بعض المكتسبات التاريخية للمرأة المصرية في مجال سوق العمل، أو على الأقل إبقاء الوضع كما هو عليه. ورغم أن نظرية المؤامرة قد تبدو منفرة للبعض، فإنها قد تكون ذات مشروعية لإعلان تحمل الجميع مسئولية الواقع المذرى للمرأة العاملة في الإطار الرسمي أو غير الرسمي ومن ثم موقع المرأة في قضية التنمية. فالمرأة المصرية عمومًا والمرأة العاملة بصفة خاصة تعانى جسامة التحديات المفروضة، ورغم كونها من الناحية الرسمية قد أنجزت (أو هي في طريق إنجاز) انتقالين أساسيين، هما تخفيض معدلات الخصوبة(71) من ناحية، والاستفادة من التعليم، إلا أن التحدي الثالث الخاص برفع معدل إسهامها في قوة العمل يظل بعيد المنال. لقد حاولت في هذه الدراسة تقديم عرض عام حول قضية عمل المرأة من منظور تاریخی، ولكن ليس من خلال سرد المحطات التاريخية المختلفة لعمل المرأة ولكن من خلال استكشاف أهم العناصر الفاعلة حول قضية عمل المرأة. فمثلا في الفترة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وحصول مصر على استقلالها الشكلي في عام 1922، احتكر المجتمع النقاش حول قضية عمل المرأة (وعلى قضية المرأة عموما)، ولم تتدخل الدولة وأجهزتها إلا في بلورة أفعال معينة حول عمل المرأة وفي لحظات نادرة للغاية. لكن الدولة كانت حاسمة في مساحات أخرى للفعل سواء في بنية قوانين الأحوال الشخصية أو خطابها حول التعليم. بعد الاستقلال الشكلي أدعى أن الدولة قد اتخذت مواقف مناوئة للنساء خصوصا منذ صدور القانون 11 لسنة 1923 والذي قامت فيه الدولة بزيادة مساحة فعل الرجال بقصر حق الانتخاب على الذكور وفقا للمادة الأولى من القانون(72). وهو ما يعتبر أول مصدر مباشر وصريح لفكرة استبعاد النساء قانونيا من الدخول في العمل العام. مع عقد الثلاثينيات بدأت قضية عمل المرأة تتخذ مسارات مختلفة كما ونوعا، فقامت الدولة بالدخول كمنافس قوى في مجال إنتاج الرؤى حول عمل المرأة من خلال إصدار بنية قانونية سواء من خلال مجلس النواب أو الشيوخ أو من خلال قرارات الوزارات المعنية (وأغلب القرارات كانت من خلال وزارة الداخلية). توازي مع نشاط الدولة هذا تحول كيفي في التطرق لعمل النساء من خلال النقاشات العامة. لكن قدمت ثورة يوليو رشوة صريحة (لكنها كانت سخية) للنساء، فدخلت النساء لتسهمن في قوة العمل بشكل غير مسبوق مع اعتراف مجتمعي نسبي بموقع المرأة الجديد. لكن للأسف الشديد خلقت الدولة مناخ الاتكالية للنساء. لقد وقعت بعض قطاعات النساء في فخ الدولة الناصرية ونسين أن النظام الناصري هو الذي أمم جميع مصادر الفعل المستقل للنساء المصريات. لم يستطع النظام السياسي المصري التالي لعبد الناصر تقديم رشوة كبيرة مثل النظام الناصري، لكنه استطاع أن يتغلب على ضعفه في الاستجابة للأوضاع المتردية للنساء سواء في مجال العمل أو الأحوال الشخصية أو حتى في أنماط التمييز والعنف من خلال خلق خطاب جديد خاص بالسيدة الأولى، وهو الخطاب الذي لعب دورًا مهمًا في فترة السادات عن طريق جيهان رءوف، ودورًا أكثر أهمية مع سوزان ثابت في تجنيد بعض النساء لإخفاء تناقضات شديدة الوطأة فيما يتعلق بنمط إدارة الدولة للمجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى غياب دور الدولة في توفير مظلة حمائية لوقاية النساء من العنف،
خصوصا أن النساء دخلن كمتغير جديد في العملية السياسية من خلال استخدام أجساد النساء كطرف في الصراع السياسي.
وفي النهاية لن أجد كلمات تلخص جوهر العلاقة العامة للنساء بالعمل، سوى تلك الكلمات التي كتبتها القيمة الراحلة إنجي أفلاطون في كتابها الفريد “نحن النساء المصريات“، تقول إنجي أفلاطون:”تعمل المرأة لأن مساهمتها في نواحي النشاط الاجتماعي المختلفة من اقتصادية وثقافية وعلمية أساس في تقدم المجتمع الذي تعيش فيه(73)”.
أحمد زكي عثمان:باحث في العلوم السياسية، ومسئول برنامج بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
1-Valentine M. Moghadam, Modernizing Women: Gender and Social Change in the Middle East, American University in Cairo Press, 1st edition, 1994, p29.
(2) انظر، بث بارون، النهضة النسائية في مصر، الثقافة، المجتمع والصحافة، ت لميس النقاش، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومى للترجمة، ص 141.
(3) السابق ص 141.
(4) مارجو بدران، رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن، ت على بدران، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومى للترجمة، ط1، 2000، ص ص 29 ، 259.
(5) يزعم سعد الدين إبراهيم أن هناك فترة ليبرالية قد سادت التاريخ المصري، وهي الفترة الممتدة من حوالي 1850 إلى حركة الجيش في 1952، أي إنها استمرت قرابة القرن وهي فترة اتسمت بالتسامح السياسي عمومًا، لكن تقدم أميرة الأزهري سنبل توصيفًا مختصراً ومغايرًا لتوصيف سعد الدين إبراهيم، ولكنه توصيف يمتاز بالدقة لوصف الفترة الليبرالية، حيث ترى سنبل أن هذا التوصيف صحيح إذا كنا بصدد الحديث عن جملة المنافع التي تمتع بها طبقة رجال الأعمال الأوروبيين وحلفائهم من النخب المصرية. وهي في هذا تلمح سريعًا إلى الحدود الاجتماعية لتلك الفترة (أو الحدود الطبقية)، وهي فرضيات سوف أتعرض لها لاحقًا في الجزء الخاص بالحدود الاجتماعية للعصر الليبرالي، انظر توصيف سنبل في:
Amira El Azhary Sonbol, “The Woman Follows the Nationality of Her Husband”: Curdienship, Citizenship and Gender, 2003, Hawwa, Volume, Issue 1, p 86.
أما توصيف سعد الدين إبراهيم فقد ورد في:
Saad Eddin Ibrahim “Reviving Middle Eastern Liberalism”, Journal of Democracy, Volume 14, Number 4, October 2003, p 9
(6) وهذه الرؤية تخالف تمامًا استنتاج بث بارون السابق الإشارة إليه، حيث إنه لا يمكن القول أن الاتجاه العام للصحافة كان معارضًا لعمل المرأة، فعلى سبيل المثال تبني الهلال والأهرام موقفًا داعمًا لهذا الحق (من جملة موقفهما تجاه قضايا المرأة عمومًا).
(7) جويل بنين، ركارى لوكمان، العمال والحركة السياسية في مصر، جزء 1 ، ت أحمد صادق سعد، القاهرة، مركز البحوث العربية، ط1، 1992 ، ص ص 40 ، 39
(8) لعل أبرز النتائج المتعلقة بزيادة إسهام المرأة الكمي والنوعي في قوة العمل يكمن في تغير الأنماط الموروثة والتاريخية حول أدوار ومكانة المرأة في شبكة العلاقات الاجتماعية وخصوصًا مؤسسة الأسرة. تشير باب (أستاذة الأنثروبولوجيا ودراسات المرأة) في دراستها عن المرأة والعمل في أمريكا اللاتينية، بأن اندماج المرأة في أمريكا اللاتينية قد أسهم في بلورة ممارسات استقلالية قرارات المرأة الاقتصادية، وتعزيز قدرتها على التفاوض في السياسات المنزلية، وكذلك تحول عام في ماهية دورها الاجتماعي انظر :
Florence E. Babh., Women and Work in Latin America, Latin American Research Review, 1990, Volume 25, issue 2, 236-247.
(9) تكاد تجمع الأدبيات التي تتناول أثر برامج التكيف الهيكلي على عمالة المرأة، على الأثر السلبي لهذه السياسات فيما يتعلق بإسهام المرأة في قوة العمل. أي أن المرأة العاملة حصلت على نصيب كبير من الآثار السلبية لهذه السياسات سواء بطريق مباشر أو غير مباشر. بل إن إحدى الأكاديميات المعروفة بولائها الشديد للدولة ترى أن المرأة هي الضحية الأولى لهذه السياسات في مصر والدول النامية، وهي تعزو كون المرأة ضحية إلى عزوف القطاع الخاص عن توظيف النساء لظروفها التي قد تعوقها عن العمل لفترات طويلة. انظر هبة نصار، زيادة نسبة المرأة العاملة بأجر في الأنشطة غير الزراعية إلى إجمالي العمالة الأجرية: رؤية عامة لتمكين المرأة المصرية في النشاط الاقتصادي، في المرأة المصرية والأهداف الإنمائية للألفية، المؤتمر الرابع للمجلس القومي للمرأة، القاهرة، المجلس القومى للمرأة، 2004، ص 1881.. ويقدم اسعد تفسيرًا أكثر عمقًا لأثر هذه السياسات على عمالة المرأة، في أن هذه الآثار السلبية خلاصة ثلاثة أسباب: الأول هو تركز للنساء في قطاعات معينة من النشاط الاقتصادي، والثاني يكمن في ضعف قدرة النساء على التحرك بين هذه القطاعات مقارنة بالرجال، والثالث وضع المرأة بين نوعين من العمل المنزلي والأعمال الأخرى بأجر… انظر:
Ragui Assaad and Melanie Arntz, “Constrained geographical mobility and gendered laBor market outcomes under structural adjustment: Evidence from Egypt,” World Development, 2005, Vol 33, issue 3, pp 431-435.
حسب إحصائيات 2004 بلغت نسبة النساء المتعطلات (من إجمالي النساء) حديثًا 29.2% في الحضر (مقابل 6.2 للرجال)، وبلغت النسبة 20% في الريف (مقابل 4.9% للرجال) وبذلك يصبح إجمالي نسب المتعطلات حديثًا حوالي 5 أضعاف الرجال، 23.7% للنساء في مقابل 5.4% للرجال. انظر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ص 164.
(10) نجيب محفوظ، المرايا، القاهرة، مكتبة مصر، ط5، ص 208.
(11) بداية من منتصف السبعينيات راجت مقولات وفرضيات من عينة عمل المرأة بين مؤيد ومعارض، عمل المرأة من وجهة نظر الإسلام، على النساء أن تعود للمنزل لأنها تأخذ فرص عمل أخيها، وزوجها، وعمل المرأة هو المسئول عن التفكك داخل الأسرة المصرية وهو المسئول أكثر عن موجات التحلل الأخلاقي في المجتمع.
(12) انظر نص الشيخ حسنين محمد مخلوف، بعنوان “خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز“، الموضوع 1072، رقم الفتوى 3193، في 5 أبريل 1952، وذلك في موقع دار الإفتاء المصرية www.dar-alifta.org.
(13) يحدد مخلوف في البداية أن المرأة محكومة بطبيعتها الأنثوية ومن ثم تتحدد وظيفتها في إطار هذه الطبيعة وهي نهوض المرأة بأعبائها التي لا تخرج عن كون المرأة “زوجة صالحة وأمًا مربية وربة منزل مدبرة” ، هذه الوظائف تمثل مناط التكليف إذن، وذلك لأن الإسلام أحاط “عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان“، من خلال تحريم الإسلام لها أن “تخالط الرجال في مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها في الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها” وبناء على هذا يستنتج الشيخ الجليل أن “ذلك شأن المرأة في الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم في الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفع، وما إلى ذلك مما هو أكثر إثمًا وأعظم خطرًا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها“.
(14) يعتبر إسهام النساء في إجمالي قوة العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخفضًا على وجه الإجمال مقارنة بباقي مناطق العالم.
(15) John Sharpless and john Rury, the Political Economy of Women’s Work: 1900-1920, Social Sience History, Vol 4, 3, No, 3, summer 1980, p 317,
(16) Harriet Bardley, Men’s Work, Women’s Work, University of Minnesota press, 1st edition, 1989, pp 10-30.
(17) Michele Barrett and Mary McIntosh, The Anti-Social Family, London, Verso, 1st edition, 1982.
(18) عبد القادر عرابي، المرأة العربية بين التقليد والتجديد، المستقبل العربي، السنة 13، العدد 36، يونيو1990 ص 54 وما بعدها.
(19) اذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، مؤتمرين كبيرين عقدتهما الدولة من أجل البحث في قضايا المرأة وهما مؤتمر المرأة المصرية وتحديات القرن الـ 21، والذي عقد في يونيو 1994، رئاسة مجلس الوزراء، المجلس القومي للطفولة والأمومة، اللجنة القومية للمرأة، وفي قضية عمل المرأة نظم الاتحاد العام لنقابات عمل مصر مؤتمرًا كبيرًا عن المرأة العاملة تحديات القرن العشرين، مايو 1995.
(20) وتضاف هنا ساعات العمل في قوة العمل غير الرسمية إلى ساعات العمل الأخرى في الأعمال المنزلية.
(21) فؤاد سراج الدين، لماذا الحزب الجديد، القاهرة، دار الشروق، ط1، 1977، ص20.
(22) اتسمت حالة البنية الصناعية بتخلف شديد، وكان مجمل النشاط الاقتصادي يتركز في مجموعة من النشاطات ذات الطابع الأولى مثل الصناعات الغذائية والحيوانية وبالطبع صناعة الغزل والنسيج (والدباغة) هذا بالإضافة إلى صناعات البناء والمراكب.
(23) نقلاً عن نوال قاسم، تطور الصناعة المصرية منذ عهد محمد على حتى عهد عبد الناصر، القاهرة، مكتبة مدبولی، ط1 1987، ص 55.
(24) جيلان آلوم وفيليب فارج، نشأة جهاز الإحصاء في مصر: تعداد الكسان عام 1846 – 1848، متون عصرية، القاهرة، مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، شتاء وربيع 2000، ص ص 140, 107.
(25) أبدى بعض الباحثين آراء حول أثر “رأسمالية الدولة” في القرن التاسع عشر على مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي، سواء كانت الأعمال التجارية أو الزراعية، فعلى حين يلقى جابريل باير فرضية استشراقية تقليدية في كتابه “دراسات في التاريخ الاجتماعي لمصر الحديثة” ملخصها أنه على الرغم من التحولات في الهيكل الصناعي في مصر القرن التاسع عشر فإن وضع المرأة والأسرة المصرية لم يطرأ عليهما أي تغير يذكر. انظر:
Gabriel Baer, Studies in the Social History of Modern Egypt, University of Chicago
210-211.Press, 1st edition, 1969. Pp
لكن تخالف جوزيف تاكر هذه الرؤية تمامًا، حيث تصل إلى نتيجة أن عمل النساء كان أكثر من مجرد كونه موجودًا في القرن التاسع عشر، فقط كان عمل النساء يتميز بالتنوع في الشكل والنطاق أيضا. انظر:
Judith Tucker, Egyptian Women in the Work Force: An Historical Survey, MERIP Reports, No. 50 (Aug., 1976), p7.
وانظر كذلك دراسة خالد فهمي والتي تتبع فيها ميلاد أول “موظفات أميات” في التاريخ المصري الحديث من خلال مدرسة القابلات التي تم تأسيسها في عام 1832. خالد فهمي، النساء والطب، والسلطة، مجلة طيبة، مركز دراسات المرأة الجديدة، العدد التجريبي، مارس 2002، ص ص 132 ، 165.
(26) ليلى أحمد، المرأة والجنوسة في الإسلام، ت هالة كمال، منى إبراهيم، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة. المشروع القومي للترجمة، ط 1999، 1، ص ص 157 ، 155.
(27) بث بارون، النهضة النسائية في مصر، الثقافة، المجتمع والصحافة، م. س. ذ، ص 143.
(28) الهلال، عدد 10، يوليو 1910، السنة 18، ص 603.
(29) الهلال، عدد 9، يونيو 1910، السنة 18، ص 558.
(30) النسب من تجميع الباحث اعتمادًا على تعداد سكان 1917، أنظر وزارة المالية، مصلحة عموم الإحصاء، تعداد سكان القطر المصري لسنة 1917، الجزء الثاني، ص ص 381 ، 380، أما مصطلح كاثرين آنتونی “أمهات يجب أن يكسبن المال“، فهو نقلاً عن
Eileen Boris and S. Kleinberg, Mothers and Other Workers, reconceiving labor, maternalsim and the’state, Journal of women’s History, Vol 15, No. 3, p
(31) الوقائع المصرية، عدد 65، 17 يوليو 1933، ص ص 3 ، 5.
(32) وقد تركز عمل النساء في النشاطات الزراعية وما يتعلق بها من أعمال حيث بلغ عدد النساء العاملات في نشاط استثمار اليابسة (الملاك، العمال المستأجرون، وتربية الماشية، وغيرها) 812، 622، 1 عاملة (أي 40% من قوة العمل في الأنشطة الزراعية (بأجر) في عام 1917. كما كان للنساء دور في صناعات النسيج، حيث بلغ عدد النساء العاملات في عام 1917 حوالي 20.000 عاملة (في مقابل 53.000 عامل تقريبًا). وفي الصناعات المتعلقة بالملابس بلغ عدد النساء العاملات حوالي 40.000 في مقابل (100.000 عامل من الرجال أى أنها تقترب من النصف). بل إن الملاحظة الغريبة في تعداد 1917 أن النساء قد شاركن في المناصب الحكومية أيضًا فقد بلغ عدد النساء اللاتي يعملن في المصالح العامة 274 سيدة في مقابل 43.087 رجلاً. انظر في ذلك البيانات النهائية لإحصاء 1917 ومقارنتها بإحصاء 1907 في: وزارة المالية، مصلحة الإحصاء، تعداد سكان القطر المصري لسنة 1917، الجزء الثاني، م س <، صفحات متفرقة.
(33) منعًا للاستطراد فقد تجاهلت هنا بعض المتغيرات الحاسمة هذه الفترة مثل فترة الكساد الاقتصادي، لكنها في النهاية كانت فترة مؤقتة.
(34) قرار ناظر الداخلية عبد القادر حلمي رقم 7/ 1885، بشأن “لائحة مكتب التفتيش على النسوة العاهرات” في الوقائع المصرية، العدد 78، 4 يوليو 1885، ص ص 650، 651، ويكشف هذا القانون خطأ المعلومة التي أوردتها مارجو بدران من أن السلطات الاستعمارية هي التي أصدرت مرسومًا بتقنين البغاء في عام 1905، مارجو بدران، رائدات الحركة النسوة المصرية والإسلام والوطن، م، س، ذ ص 305، وهي المعلومة نفسها التي نقلتها حنان خلوصی حرفيًا في مقالها “الحديث عن ثورة: النوع الاجتماعي وسياسات الزواج في مصر في بدايات القرن العشرين“، مجلة طيبة، مركز دراسات المرأة الجديدة، العدد 5، سبتمبر 2004، ص 22، حيث إن أول تقنين كان من قبل نظارة نوبار باشا (1884 – 1888) وليس من قبل السلطات الإنجليزية، وقد كان التقنين في سنة 1885 وليس 1905.
(35) قرار ناظر الداخلية مصطفى فهمي رقم 11/1887 “بشأن تعديل المادة العاشرة من لائحة مكتب الكشف على النساء العاهرات الصادر بقرار النظارة في أول يوليو سنة 1885″ في الوقائع المصرية، العدد 51، 4 مايو 1887.
(36) الوقائع المصرية، العدد 22، 79، يوليو 1896، ص ص 1705، 1704
(37)الوقائع المصرية، العدد 132، 18 نوفمبر 1905، ص ص 2181، 2183
(38) قرار ناظر الداخلية إبراهيم نجيب الخاص ب “لائحة بشأن المخدمين” في الوقائع المصرية، السنة 72، عدد 105 20 سبتمبر 1903، ص ص 1663 ، 1664
(39) سبق هذا القانون صدور المرسوم 5 لسنة 1932 بإصدار المعاهدة الدولية الخاصة بإلغاء الإتجار بالنساء والأطفال ، واسمها الرسمي International Convention for the Suppression of the Traffic in Women and Children، والتي دخلت حيز النفاذ في 30 سبتمبر 1921. (كانت أعمال الاتجار بالبشر قد تم إلغاؤها في مصر سنة 1877، كذلك من المهم الإشارة إلى القانون رقم 48 لسنة 1933 والخاص بوضع نظام تشغيل الأحداث من الذكور والإناث في الصناعة، انظر الوقائع المصرية، العدد 58، 26 يونيو 1933.
(40) هذا ما رأته منظمة العمل الدولية، حيث أصدرت المنظمة من خلال مؤتمر العمل الدولي في دور انعقاده التاسع عشر (يونيو 1935)، الاتفاقية رقم 45 والتي تحرم عمل النساء في المناجم بصورة شبه كاملة (يستثنى من ذلك النساء اللاتي يعملن في وظائف إدارية، طبية، بحثية)، وقد صدقت مصر على هذه الاتفاقية في عهد رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في عام 1947. انظر المرسوم الملكي رقم 114 لسنة 1947 بشأن إصدار هذه الاتفاقية، وكذلك مواد الاتفاقية في، الوقائع المصرية، العدد 93، 9 أكتوبر 1947، ص 6 وما بعدها.
(41) قرار وزير الصناعة رقم 2 لسنة 937 في الوقائع المصرية، عدد 7، 22 يناير 1934، ص 6.
(42) الوقائع المصرية، العدد 21، 11 مارس 1937، ص 2.
(43) هما المادتان 2 و 103 من القانون 91/ 1959.
(44) لطيفة الزيات، المرأة وعملية التحول الثوري، الطليعة، السنة الثانية، العدد 1، يناير 1966، ص ص 107، 106.
(45) نصت المادة 31 من دستور عام 1956 على: “المصريون أمام القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة“، هذه هي المرة الأولى التي ينص فيها دستور مصري على التمييز على أساس الجنس، حيث لم يتضمن دستور 1923 في المادة 3 منه الجنس كأحد أنواع التمييز (نص على ثلاثة أنواع من التمييز هي:الأصل، اللغة والدين)، وتم نقل المادة 3 من دستور 1923 حرفيًا إلى دستور 1930 وفي باقي دساتير نظام عبد الناصر تكرر معنى المادة 31 من دستور 1956 في المادة 7 من دستور 1958، كذلك المادة 24 من دستور 1964. واستمر هذا التقليد ساريًا حتى الآن من خلال دستور 1971 الذي نص في مادته الرابعة على إدراج التمييز على أساس الجنس كنوع من أنواع التمييز.
(46) حمل دستور 1956 مجموعة أخرى من المواد للتأكيد على مفهوم الأسرة (أي الجماعة) في مقابل مفهوم المرأة (الفرد)، حيث نصت المادة 18 مثلا على أن الدولة تكفل دعم الأسرة وحماية الطفولة والأمومة (لا يوجد ذكر للأبوة أو الوظيفة المشتركة للنساء والرجال في الأسرة)، وفي المادة 19 تم تقنين مفهوم العمالة الطارئة للمرأة وأن عملها المركزي هو المنزل، حيث نصت المادة على أن تسير الدولة للمرأة التوفيق بين عملها في المجتمع وواجباتها في الأسرة. لكن جاء دستور 1971 بما هو أكثر من ذلك حيث أقر في المادة 11 منه على كفالة الدولة التوفيق بين عملها في المجتمع وواجباتها في الأسرة من ناحية، وبين مساواتها مع الرجل ولكن في ضوء الشريعة الإسلامية.
(47) الجريدة الرسمية العدد 71 مكرر “ب“، 7 ابريل 1959 ، ص 3.
(48) المادة 2 من القانون 91 لسنة 1959.
(49) في عام 1960 صدقت مصر على اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 100 الخاصة بشأن مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية (دخلت حيز النفاذ في مايو 1933)، وكذلك الاتفاقية رقم 111 الخاصة بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة (دخلت حيز النفاذ سنة 1960).
(50) لا يمكن إنكار دور الإصلاح الزراعي في تخفيف حدة الفقر نسبيا في الريف المصري، خصوصا وأن إجراءات الإصلاح الزراعي قد استفادت منها ما يقرب من 263,000 أسرة ( حوالي 1.300.000 نسمة)، انظر مصطفى طيبة، ثورة يوليو والفلاحون، الطليعة، عدد 7، يوليو 1965، ص 135، لكن لا يمكننا بسهولة رصد التأثيرات المباشرة لهذه الإجراءات على المرأة (خصوصًا أن الأراضي قد وزعت في الغالب الأعظم على الرجال).
(51) في 7 سبتمبر من عام 1954 صدر قرار بتخفيض المصروفات الجامعية بنسبة 30% من ناحية، وكذلك توسيع عدد المنح المجانية للممتازين من الطلبة والطالبات.
(52) أسما حليم، المرأة على أرض الثورة، الطليعة، عدد 10، أكتوبر 1965، ص 13.
(53) تجاهلت هذا الفرضية التاريخية المهيمنة والمتعلقة بأولوية مطالب التحرر الوطني على المطالب القطاعية الضيقة الخاصة بالنساء.
(54) Nicholas Abercrombie, Stephen Hill and Bryans Turner, The Penguin Dictionary of Sociology 2nd edition, London, Penguin, 1988, p. 242.
(55) تم إلغاء القانون 80/ 1933 بموجب قانون العمل 91 لسنة 1959.
(56) القضية 2536 لسنة 6 قضائية، جلسة 31 مارس 1963.
(57) القضية 898 لسنة 7 قضائية، جلسة 28 فبراير 1965.
(58) هذه الاختصاصات هي جزء من 11 اختصاصًا للمجلس حددها القرار الجمهوري 90 لسنة 2000.
(59) لم يكن النقاش حول هذا المجلس سوى ترديد لثنائية حدية ما بين التهليل والقذف. فعلى حين وصفت سوران مبارك – في خطابها أمام المؤتمر الثاني للاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية أبريل 2000 – إنشاء المجلس على أنه نقطة تحول حقيقية في تاريخ المرأة المصرية. الأهرام 24 أبريل 2000، وزاد أحمد يوسف القرعي في هذا قائلا إن البرنامج “الطموح” للمجلس بمثابة التحرير الثاني للمرأة المصرية على مدى 100 عام، انظر أحمد يوسف القرعي في الأهرام 20/ 6/ 2000. يخالف محمد عمارة هذا التوجه وذلك لأن المجلس القومي للمرأة جاء استجابة لمقررات بكين، وقد راعه أن اختصاصات المجلس لا تذكر أي إشارة إلى الأسرة. انظر محمد عمارة، إنصاف المرأة، الشرق الأوسط، 6/5/2000. وبالطبع لم يخل النقد من درجة من العبثية مثل التي أبداها المستشار عثمان حسين عبد الله في رؤيته في صحيفة (ليبرالية) أن إنشاء مجلس قومى للمرأة لا لزوم له وذلك “لأن الواقع يقول إن المجتمع المصري يعطى للمرأة حقها ويخولها الفرصة الكاملة في الأسرة، وفي التعليم والعمل“، انظر عثمان حسين عبد الله، مجلس قومي للمواطن، الوفد 27/5/2000.
(60) وقد يبدو لافتًا أن مشاركة المرأة المصرية في المؤتمرات الدولية كانت بمثابة أحد روافد النقاش العام وتفعيل العمل الداخلي حول قضايا المرأة. فتاريخيا استفادت المرأة المصرية من مشاركتها في المؤتمرات الدولية، فمثلا لم يكن اشتراك الثلاثي هدى شعراوي ونبوية موسى وسيزا نبراوي في المؤتمر النسائي الدولي (الثامن) والذي عقد في روما 1923 مجرد اشتراك عادي، لقد كانت النقاشات التي أثيرت حول المؤتمر وحول برنامج المؤتمر وقضاياه (أو من خلال الأفعال الرمزية مثل نزع هدى شعراوي لحجابها عند وصولها من المؤتمر) من الثراء لدرجة أنه يمكن استخلاص مجمل أوضاع المرأة من خلال قراءة لما أسهمت به الصحافة في هذا الحدث. ولقراءة حول المعنى الرمزي لخروج هؤلاء النسوة، انظر:
Margot Badran and Lucia Sorbera, In no need of Protection. Al-Ahram Weekly, 24-30 July 2003, Issue No. 648.
(61) أظن أنه من المفيد الإشارة إلى أنه لا توجد لدينا نقاشات ذات قيمة لدور ما يسمى بالسيدة الأولى في مصر في صنع السياسات العامة على الرغم من أهمية هذا الدور في مجال الفعل السياسي وتشكيل الخطابات في لحظات سياسية محددة. لقد ارتبطت هؤلاء النسوة بدرجة أكبر من كونهن زوجات الرئيس، فالدور الذي لعبته الملكة فريدة عموما أكبر من كونها الرئيسة الشرفية لجمعية الهلال الأحمر. كذلك من المهم الإشارة إلى صورة تحية كاظم (زوجة عبد الناصر) في خيال المصريين في تلك الفترة وهي الأم الحنون والزوجة الوفية التي تقف وراء زوجها في السراء والضراء. وهو الخط الذي رفضته تماما جيهان رءوف والتي خلع عليها لقب جيهان السادات والتي أثرت بقوة في السياسات العامة تجاه المرأة (ما عرف بقانون جيهان)، في عهد مبارك شهد النظام توغلاً فعليًا لدور السيدة الأولى – ممثلاً في سوزان ثابت – خصوصا في مجموعة الإجراءات القانونية منذ سنة 2000 والمتمثلة في إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية (المعروف إعلاميا بقانون الخلع)، وإنشاء المجلس القومى للمرأة، وتعيين السيدة/ تهاني الجبالي كأول قاضية في التاريخ المصري الحديث (في المحكمة الدستورية العليا)، وصدور قانون محكمة الأسرة رقم 10 لسنة 2004 وصدور أيضا القانون رقم 11 لسنة 2004 بإنشاء صندوق نظام تأمين الأسرة الذي يضع إطارا يضمن =
= تنفيذ أحكام النفقة، وكذلك تعديلات قانون الجنسية والتي ضمنت حق النساء المصريات المتزوجات من أجانب في منح جنسيتهن إلى أبنائهن.
انظر في طبيعة هذا الدور في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعد أقرب مثالا لحالتي جيهان السادات وسوزان مبارك التحليل التالي:
Shawn Parry-Giles and Diane Blair, The Rise of the Rhetorical First Lady: Politics, Gender Ideology, and Women’s Voice, 1789-2002, Rhetoric & Public Affairs, 2002. pp 565, 599.
(62) لم يكن صدور وثيقة منهاج العمل هي النجاح لهذا المؤتمر، لقد شهد المؤتمرات نجاحات أخرى تتمثل في المشاركة الكثيفة من قبل منظمات المجتمع المدني، وكذلك عدالة المشاركة الجغرافية ما بين مناطق العالم (استضاف المؤتمر واحدة من أكثر الحكومات حساسية لكلمة حقوق الإنسان). وكما تقول إيفا بريمز فقد نجح المؤتمر بصورة أساسية
في غلق الأبواب أمام خطابات النسبية الثقافية، انظر:
Eve Brems, Enemies or Allies? Feminism and Cultural Relativism as Dissident Voices in Human Rights Discourse, Human Rights Quarterly 19.1, February 1997, p153.
= تنفيذ أحكام النفقة، وكذلك تعديلات قانون الجنسية والتي ضمنت حق النساء المصريات المتزوجات من أجانب في منح جنسيتهن إلى أبنائهن.
انظر في طبيعة هذا الدور في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعد أقرب مثالا لحالتي جيهان السادات وسوزان مبارك التحليل التالي:
Shawn Parry-Giles and Diane Blair, The Rise of the Rhetorical First Lady: Politics, Gender Ideology, and Women’s Voice, 1789-2002, Rhetoric & Public Affairs, 2002. pp 565, 599.
(63) يسود انطباع عام مفاده أن النساء إما أنهن يحصلن على وظائف الرجال ومن ثم فهن السبب في زيادة معدل =
= البطالة لدى الرجال (وكان العمل هو كم ثابت من الوظائف)، أو أن فرص حصول النساء على عمل أكبر من فرض الرجال، وبالطبع فإن الحقائق المتمثلة في أن نسبة البطالة بين النساء الراغبات في العمل أعلى بكثير من الرجال (فتبلغ نسبة البطالة بين النساء الحضريات 30% (مقابل 7% من الرجال) في حين تقل هذا النسب في مجموعها في المناطق الريفية حيث يبلغ معدل بطالة النساء 20% في مقابل 5% للرجال) وكما يرى برايان كاتيوليس فإن النساء قد يحصلن على وظائف ما بسبب انخفاض أجورهن مقارنة بالرجال، أو أن أرباب العمل يرون في النساء العاملات أقل إثارة للمشكلات من الرجال، انظر في ذلك:
Brian Katulis, Women’s Rights in Fous: Egypt, Findings from June 2004 focus groups with Egyptian citizens on women’s rights, Freedom House, 2004. P17.
(64) مضبطة الجلسة 55، 23 مارس 2003، ص ص 37، 39.
(65) بلغت نسبة العاملات في الأنشطة الزراعية 58% من إجمالي النساء العاملات في الريف. وتبلغ نسبة إسهام النساء في العمالة الزراعية 23% من إجمالي العمال الزراعيين. ولا يتمتع هؤلاء النساء بأي حماية قانونية تذكر، وبالطبع لا توجد هناك مساواة في الأجور على الأعمال نفسها بين الرجال والنساء. بالإضافة إلى أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لا تقدم لهؤلاء النساء أي خدمات إرشاد وتدريب ذي قيمة، انظر، نادية رمسيس فرح، تحليل وضع المرأة الريفية والنساء في قطاع الزراعة، القاهرة، المجلس القومى للمراه، أوراق بحثية، ص 3.
(66) يقصد بالتحولات الديموجرافية عموما هي أنها تلك التحولات التي ينتج عنها انخفاض في معدلات خصوبة النساء وكذلك انخفاض معدلات الوفيات، عن طريق المعادلة التالية: معدل النمو السكاني = معدل المواليد الخام – معدل الوفيات الخام.
(67) هبة نصار، وسمية عبد المولى، النمو السكاني في مصر، الأفاق والمتطلبات، القاهرة، جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية، سلسلة مشروعات بحثية، عدد 12، فبراير 2003، ص 12.
(68) تدعم الأرقام هذا الانطباع العام، فمثلا فيما يتعلق بالحالة التعليمية للإناث بلغت نسبة الأمية بين الإناث في عام 1986 62% , في عام 1996 انخفضت النسبة بمعدل 12% لتصبح 50% (لا تزال نسبة مرتفعة للغاية). في عام 1986 بلغت نسبة الحاصلات على مؤهلات متوسطة بين النساء 17% لترتفع إلى 31% في عام1996. وبلغت نسبة الحاصلات على مؤهل جامعي فأعلى 3% عام 1986، لترتفع إلى 4% فقط عام 1996، مع ملاحظة أنه حتى الأعوام الأخيرة شهدت نسبة المقيدات في التعليم الجامعي زيادة واضحة (تشكل الفتيات نسبة 49% من إجمالي المقيدين بالتعليم الجامعي)، انظر النتائج النهائية لتعداد السكان في عامي 1986، 1996، وكذلك مجلس الوزراء، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، قطاع دعم القرار، تطور أوضاع المرأة (مصريا – عربيا)، يناير 2002، وانظر أيضا مجلس الوزراء، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، قطاع المعلومات القومية، تقرير معلوماتي عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية، ص 14.
(69) عبيد الباسط عبد المعطى، “المرأة في السياق البنائي للقرية العربية“، في تنمية المرأة الريفية في الوطن العربي (تونس، جامعة الدول العربية، 1985)، ص 69.
(70) حامد عمار، “الإطار العام لمشاركة المرأة العربية في التنمية في ضوء استراتيجية العمل الاجتماعي في الوطن العربي“، شئون عربية، العدد 31، سبتمبر 1983، ص 25.
(71) لا يحسب هذا الإتجار كله لصالح النساء المصريات، فقد صممت الدولة عمدا مجموعة من الإجراءات التي هدفت إلى خفض معدلات الإنجاب لدى النساء المصريات ليس عن طريق الحملات الإعلامية ولكن عن طريق فرض مجموعة من القيود القانونية.
(72) نصت المادة الأولى من القانون 11/1923 على أنه “لكل مصري من الذكور بالغ من السن إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب“، انظر الوقائع المصرية، العدد 46 (غير اعتيادي)، 30 أبريل 1923، ص 1.
(73) أنجي أفلاطون، نحن النساء المصريات (صدرت طبعته الأولى في عام 1949)، القاهرة مركز دراسات المرأة الجديدة، 1999، ص 49.