بعض مسائل الأحوال الشخصية بين التمثلات النظرية والممارسات الواقعية

تاريخ النشر:

2013

بعض مسائل الأحوال الشخصية بين التمثلات النظرية والممارسات الواقعية

مقدمة

إن الجدل الثائر حول حقوق الرجل والمرأة بوجه عام وفي مجال الأحوال الشخصية بوجه خاص، وما تعكسه المفاهيم مثل: القوامة والطاعة والولاية وغيرها من المفاهيم الأخرى، يدور كله حول أدوار كل من الرجل والمرأة، وما طرأ عليها من تغيرات جذرية أدت إلى غياب محددات كل منها. ففي البداية وبحكم الظروف والأوضاع المجتمعية لم يعد الرجل قادرًا على القيام بكل أدواره، وأصبحت المرأة تساعده وتقوم ببعض أدواره بالإضافة إلى أدائها لدورها المتعارف عليه في المجتمع، وظل الوضع هكذا إلى أن أصبح الرجل طوعًا يتخلى عن أدواره ويجبر المرأة على أن تقوم هي بها دون أدنى تقدير معنوي، فتحول الأمر إلى حقوق مكتسبة للرجل، مقابل ضياع حقوق المرأة، حتى كادت تطمس معالم حقوقها تمامًا في ظل الظروف الحالية. فالشاب المقبل على الزواج أصبح هو الذي يملي شروطه، وتقابلها الفتاة وأسرتها بالقبول والإذعان حتى لا توصم الفتاة بكونها «عانس» وهو لقب انفردت به الفتيات دون الشباب في العالم العربي، حتى الرجال الذين تقدم بهم العمر ولم يتزوجوا لا يطلق عليهم هذا اللقب. والأكثر خطورة أن الوضع في تدهور مستمر لأن ما يحدث مع الزوجة الحالية التي لم تحصل على أدنى حقوقها، تورثها إلى أبنائها وبناتها أثناء عملية التربية والتنشئة إما بشكل مباشر بالتمييز – الذي صنعناه نحن بأفكارناأو بشكل غير مباشر من خلال ملاحظة الأبناء لسلوك الأب والأم وطبيعة العلاقة بينهما.

وتناقش الورقة البحثية الحالية التناقض الذي يعيشه المجتمع بين ما تنص عليه القوانين، وما أقرته الشريعة، وبين ما تتم ممارسته بالفعل، فيما يخص بعض مسائل الأحوال الشخصية في مصر. حيث تعرض دراسات حالة لأربعة رجال يشغلون مواقع مختلفة، ثلاثة منهم يشغلون مواقع وظيفية مرتبطة إلى حد كبير بمجال الدراسة وهو الأحوال الشخصية. وهذا هو الشق الجديد الذي تحاول تقديمه في هذه الورقة، حيث رصد التناقض ما بين ما يطبقه هؤلاء الرجال في حياتهم الشخصية، وما يمارسونه في عملهم.

 

تستمد هذه الورقة أهميتها من أهمية الموضوع الذي نحن بصدد طرحه، حيث تثير قضايا الأحوال الشخصية جدلاً كبيرًا، ومؤخرًا، ظهرت مطالبات بإلغاء بعض القوانين التي حاولت رد بعض الحقوق إلى المرأة، ومازال الجدال مستمرًا، فقط قد تزيد من حدته الظروف السياسية غير المستقرة في البلاد والتي انعكست على باقي الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والقانونية. وترجع أهمية هذا البحث إلى التأكيد على أن عوامل التنشئة الاجتماعية والثقافية تكون في كثير من الأحوال أهم من التعاليم الدينية، ونصوص المواد القانونية.

يهدف البحث إلى تبين الفروق بين الممارسات الواقعية والتمثلات النظرية لبعض مسائل الأحوال الشخصية.

ويتحقق هذا الهدف من خلال الآتي

  • التعرف على مفهوم كل من: الشروط في وثيقة الزواج، قائمة المنقولات، المهر، الشبكة، العصمة، حقوق وواجبات الزوج، حقوق وواجبات الزوجة، الخلع، في تعاليم الشريعة الإسلامية، ونصوص المواد القانونية.

  • التعرف على واقع ممارسة المبحوثين لهذه المفاهيم من واقع ممارساتهم العملية.

  • التعرف على واقع ممارسة المبحوثين لهذه المفاهيم من واقع حياتهم الشخصية.

  • الوقوف على نقاط الاتفاق والاختلاف بين واقع الممارسات العملية والتعاملات الشخصية فيما يتعلق بالمفاهيم التي تتناولها الورقة البحثية.

  • ينتمى البحث الحالي الى البحوث الكيفية، واستخدم المنهج الوصفي لجمع وتحليل البيانات، ومعايشة المبحوثين في أكثر من موقف وأكثر من مكان.

  • كما اعتمدت على أسلوب دراسة الحالة مع عدد أربعة من المبحوثين، بشكل متكامل من حيث حياتهم الشخصية، وعملهم وسماتهم الشخصية وتعاملاتهم.

  • الأدوات

تم استخدام أدوات المقابلات المتعمقة مع المبحوثين، ومع بعض أفراد أسرهم. واستخدمت أداة الملاحظة سواء أثناء المقابلات للتعرف على ردود فعل المبحوثين تجاه بعض الاستجابات، إضافة إلى ملاحظتهم في أماكن عمل بعضهم، لعدم موافقة بعضهم على الذهاب لأماكن العمل.

  • وصف العينة

اشتمل البحث على دراسات حالة لعدد أربعة من الرجال في مواقع وظيفية مختلفة، ولكنها مرتبطة إلى حد كبير بمجال الأحوال الشخصية، ما عدا أحدهم. وتتنوع الحالات ما بين مقبل على الزواج، ومطلق، واثنين متزوجين. وحرصًا على سرية البيانات وخصوصية المبحوثين، ومناصب بعضهم الحساسة، سوف يرمز إليهم بحروف، وهي بعيدة تمامًا عن أسمائهم الحقيقية.

  • الحالة الأولى: ب. في مستشار في محكمة الأسرة، 43 عامًا، غير متزوج، يعمل منذ سبع سنوات في محاكم الأسرة، في القاهرة وبعض الأقاليم.

  • الحالة الثانية: ح. س أستاذ فقه بجامعة الأزهر، 44 عامًا، متزوج، يعمل أستاذًا للفقه والعقيدة بجامعة الأزهر، وبعض معاهد إعداد الدعاة.

  • الحالة الثالثة: س. أ محامٍ عام ويعمل في قضايا الأحوال الشخصية، 48 عامًا، مطلق ولديه ولدان، يعمل في مجال الأحوال الشخصية أحيانًا بجانب قضايا أخرى.

  • الحالة الرابعة: ع. س مهندس مدني، 38 عامًا، متزوج منذ 6 سنوات، ولديه معلومات عن الأحوال الشخصية من خلال عمل أخته المحامية في قضايا الأحوال الشخصية مع إحدى الجمعيات النسائية الحقوقية.

يهتم البحث الحالي بالتعرض إلى بعض مسائل الأحوال الشخصية والمفاهيم المرتبطة بالزواج على ثلاثة مستويات: المستوى النظري، وهو ما أطلقنا عليه «التمثلات النظرية»، حيث نعرض رأى الشرع ورأى القانون في المفاهيم والمسائل التي يطرحها البحث. ثم نعرضها من واقع الممارسات الواقعية على المستوى المهني، والمستوى الشخصى للمبحوثين.

1 – الشروط في عقد الزواج

الشرط في اللغة: إلزام الشيء والتزامه، وفي الاصطلاح: تعليق شيء بشيء، أو هو ما يتوقف عليه الشيء من غير أن يكون داخلاً فيه، وهو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده.

على المستوى الفقهي: اتفق الفقهاء على وجوب الوفاء بالشرط إذا كان مما يقتضيه عقد الزواج لقول رسول الله «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»(1)، كما اتفق الفقهاء على فساد الشرط الذي ينافي عقد الزواج أو الذي نص الشرع على فساده. ومن الشروط التي يقتضيها عقد الزواج الإنفاق على الزوجة والعشرة بينهما بالمعروف وأن يكون الزوج كفيلاً بدفع المهر. كما اتفق الفقهاء على بطلان الشروط التي تنافى عقد الزواج، لقول رسول الله «كل شر ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»(2). ومن الشروط التي تنافي عقد الزواج أن يشترط الزوج ألّا ترثه الزوجة، أو ألّا ينفق عليها، أو ألّا يعاشرها معاشرة الأزواج، أو أن لا مهر لها. بينما اختلف الفقهاء في الشروط التي لا تنافى مقتضى العقد، وليست مما يقتضيه العقد، ولا تخل بالمقصود الأصلى للعقد، ولا بما جاء الشرع بجوازه أو جرى العرف الصحيح به، كأن لا يتزوج عليها أو ألّا يسافر بها من بلدها أو ألّا يسكنها في بلد معين، على قولين: القول الأول: وقد ذهب إليه الحنابلة والأوزاعي، حيث جواز هذه. الشروط ووجوب الوفاء بها، فإذا لم يف الزوج بالشرط كان للزوجة حق فسخ عقد الزواج، واستدلوا على ذلك بما يلي: قول الرسول «المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالاً أو أحل حرامًا»(3) الحديث يدل على أن الأصل في الشروط الصحة حتى يقوم دليل شرعى على بطلان تلك الشروط. وفي الحديث «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، يدل على وجوب الوفاء بجميع الشروط المقترنة بعقد الزواج إذا كانت لا تنافى مقاصده. القول الثاني: ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه لا يجب الوفاء بالشروط حتى يوجد دليل شرعي يدل على اعتبارها، وقال بعضهم باستحباب الوفاء بها. ويمكن الأخذ بأي من الرأيين، وكان الرأى الأول هو الذي يتم ترجيحه لما فيه من السعة والمرونة(4).

وفي القانون المصري، صدر عام 2000 قرار وزير العدل 1727 بتعديل لائحة المأذونين ووثيقة الزواج الجديدة لإيجاد فرصة لإصلاح المشكلات الأسرية، حيث تم تعديل المادة رقم 33، والتي نصت على أنه من اختصاصات المأذون أو الموثق لعقد الزواج أن يوقع أو يبصم الطرفين أو من ينوب عنهما بما يجوز لهما الاتفاق عليه في العقد من شروط، وتشمل اللائحة الخاصة بشروط الزواج التي شملتها الوثيقة الجديدة خمسة شروط، أولها الاتفاق على من تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية، والشرط الثاني الاتفاق على من يكون له حق الانتفاع وحده بمسكن الزوجية في حالتي الطلاق والوفاة، أما الشرط الثالث فهو الأكثر إثارة للجدل والمشكلات حيث يشترط عدم الموافقة على اقتران الزوج بأخرى إلا بإذن كتابي من الزوجة، والشرط الرابع هو الاتفاق على رصد مبلغ مقطوع أو راتب دورى يدفعه الزوج لزوجته إذا طلقها بغير رضاها، وجاء الشرط الخامس بالموافقة على تفويض الزوجة على حقها في تطليق نفسها، بالإضافة إلى شروط أخرى كحقها في التعليم والعمل، وذلك كله فيما يزيد على الحقوق المقررة شرعًا وقانونًا ولا يمس حقوق الغير. وعلى المأذون أن يثبت ما تم الاتفاق عليه من المسائل السابقة، أو أي اتفاق آخر لا يحل حرامًا أو يحرم حلالاً، في المكان المعد لذلك بوثيقة الزواج (5).

2 – المهر والشبكة وقائمة المنقولات

يعرف «المهر» بأنه ما تُعطاه المرأة مقابل النكاح، أوجب الشرع الإسلامي على الرجل أن يعطى الصداق للمرأة إن أراد أن يتزوجها،( وءاتوا النساء صدقتهن نحلة ) (النساء: 4). ويستحب أن يسمى الصداق في العقد، وهذا لأنه يجنب الخصومة والنزاع، غير أن المهر ليس شرطًا ولا ركنًا في العقد. ومع أن الإسلام قد جعل المهر – نقدًا أو عينيًا – حقًا للمرأة، وألزم الزوج به، إلا أنه حرره من الغلو، فلم يحدده بقدر محدد أصلاً، ولم ينظر إليه كقيمة مادية(6). و«المهر» من حقوق الزوجة المؤكدة، واللازمة لإتمام الزواج، ولم يتم تحديده بقيمة معينة لأكثر من سبب، منها: التيسير على الأزواج، وحتى لا يفسره البعض أنه مقابل امتلاك المرأة، بل هو بمثابة هدية لتكريم وتعزيز شأن المرأة، وعلو مكانتها.

يوضح المستشار الدكتور أحمد حامد البدري – نائب رئيس محكمة النقض – أن الأصل في قائمة المنقولات الزوجية أن تتضمن كل ما قام الزوج بشرائه لزوجته المدخول بها، ويتسلمها على سبيل الاستعمال احتفاظ الزوجة بملكيتها على أن يقوم بتسليم تلك المنقولات حال نشوب خلاف استحالت معه العشرة بينهما. وجرى العرف على أنه يتم تحرير قائمة بالمنقولات، ويقوم في نهايتها الزوج بالتوقيع عليها بما يفيد تسلم تلك المنقولات من الزوجة وتعهده بالحفاظ عليها، مع إضافة عبارة أنه يكون مبددًا لتلك المنقولات إذا لم يقم بتسليمها للزوجة عند طلبها، وهنا إذا امتنع عن التسليم يكون مرتكبًا لجريمة التبديد المنصوص عليها في المادة 143 من قانون العقوبات. ويعاقب بالحبس ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز 100 جنيه مصرى إذا لم يقم بتسليم المنقولات للزوجة (7).

3 – العصمة بيد الزوجة

الأصل في الطلاق أن يكون بيد الرجل، ومعنى كون العصمة بيد الزوجة أي أن الزوج فوضها أو وكلها في تطليق نفسها مع احتفاظها بكل حقوقها المادية بعد وقوع الطلاق وكل من التفويض والتوكيل لا يسقط حق الزوج ولا يمنعه من استعماله متى شاء. وللرجل أن يجعل إلى المرأة طلاقها على وجهين: الأول، أن يوكلها، وله في هذه الحالة أن يرجع ما لم تطلق نفسها. والآخر أن يملكها، وفي هذه الحالة ليس له الرجوع، إلا أن تبطل تملكها، والتمليك له وجهان: تمليك تفويض ويقول فيه قد ملكت أمرك، أو أمرك بيدك. وتمليك تخيير، وهو إعطاؤها الخيار بأسلوبين أحدهما تخيير مطلق، وهو التخيير في النفس، ويقتضى اختيار ما تنقطع به العصمة وهو ثلاث طلقات معا، فيقول لها اختاريني أو اختارى نفسك، وإذا قالت اخترت نفسي كان لها الطلقات الثلاثة. والآخر تخيير مقيد أي يخيرها في عدد بعينه من أعداد الطلاق (طلقة واحدة، أو اثنتين أو الثلاثة)(8). وللزوج أن يردها في حال تطليق نفسها منه دون الرجوع إليها أثناء العدة، فإذا انتهت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق طلاق بينونة صغرى فلا يراجعها إلا بمهر وعقد جديدين. إلا إذا كتبت الزوجة في عقد الزواج شرط أن تكون العصمة بيدها عند كل تطليقة، وأن لا يراجعها الزوج إلا بموافقتها.

أقر القانون بحق الزوجة في أن يكون لها حق تطليق نفسها في أكثر من موضع، سواء في الشروط الممكن أن تضعها في وثيقة الزواج – والمذكورة سلفًا في لائحة المأذونينأو في المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 المعدل بالقانون 91 لسنة 2000، والتي ذكرت فيها يخص تنظيم إجراءات الطلاق وتوثيقه عبارة «فإن أصر الزوجان معًا على إيقاع الطلاق فورا أو قررا معًا أن الطلاق قد وقع أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه، وتطبق جميع الأحكام السابقة في حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق في ذلك في وثيقة الزواج».

4 – قوامة الزوج وساعة الزوجة

القوامة للزوج تعنى قيام الرجل بواجباته تجاه زوجته وأسرته، ابتداًء من تقديم المهر، وتوفير المسكن والملبس اللائق بها، وأداء النفقة الواجبة عليه، وحسن العشرة، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر بالحسنى. وأن تكون له الكلمة الأخيرة فيما يحدث من اختلاف فيما يخص شئون الأسرة، مع عدم إغفال حق الزوجة في الشورى، إذ أن المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، مع تفرده بحق الفصل فيما اختلف فيه ما دام متحققًا بصفات الرجولة، ومقتضيات القوامة. وقد جعل الله سبحانه وتعالى سببين لقوامة الرجال، السبب الأول: ما خلق الله سبحانه في الرجال من صفات وسمات وخصائص اقتضت تفضيل الرجال على النساء، من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال، فنجد تفوق الرجال على النساء في القوة والشدة، على عكس النساء، فقد خلقن على الرقة والعطف واللين، (هذا الجزء منقول من المرجع المذكور، ومن جهة الأوامر الشرعية التي تطلب من الرجال دون النساء. السبب الثاني: إنفاق الرجال على النساء؛ إذ إن الرجل اكتسب خاصية القوامة لكونه القائم على الزوجة من جهة الإنفاق والتدبير والحفظ والصيانة ولا يجوز هنا القول بأن إنفاق الزوجة على زوجها يجعلها هي صاحبة القوامة إذ إن ذلك مخالف للأصل الذي جعله الشارع فالرجل هو الذي يقوم بالمهر والنفقة والسكن لزوجته، وما شذ مخالف للأصل ولا يجوز (9).

وكما أقرت النصوص الشرعية بحق الزوج في القوامة، فقد أكدت أيضًا على طاعة الزوجة، مع الوضع في الاعتبار بأن هذه الطاعة ليست مطلقة، فكلاهما مرتبط ومترتب على الآخر، فقيام الزوج بمقتضيات القوامة المادية والمعنوية شرط مهم لطاعة الزوجة، ولفظ الطاعة هنا لا يعنى الخضوع المقهور، بل هو الاستجابة الاختيارية. وقد سمى القرآن ترفع الزوج عن ذلك نشوزا، كما سمى ترفع المرأة عن طاعة الزوج نشورًا أيضًا.

والطاعة بموجب القانون تعنى الإنذار بالطاعة، والذي نصت عليها المادة 11 مكرر من قانون الأحوال الشخصية رقم 1 المعدل برقم 91 لسنة 2000، ونصت على أنه إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق، توقفت نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع. وتعتبر ممتنعة عن دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن. وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ هذا الإعلان، وعليها أن تبين في صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته، وإلا حكم بعدم قبول اعتراضها، ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به في الميعاد.

5 – نشوز الزوج

«النشوز»: يعنى كراهية كل واحد منهما صاحبه وسوء عشرته له، وهو أيضًا الخروج عن الواجبات التي تطلب من الزوجين في إطار الأسرة، فكل من الزوجين له حقوق وعليه واجبات، فإذا ما تخلى أي منهما عن واجباته اعتبر متمردًا وناشزًا. ويقال نشزت المرأة على زوجها أي معصيتها إياه فيما يجب عليها، ونشز عليها زوجها جفاها وأضر بها، أو أعرض أو انصرف عنها بوجهه أو ببعض منافعه التي كانت لها منه، أو الترفع عليها لبغضه إياها. فإذا كان النشوز من الزوج ولم يتم إصلاح بين الزوجين، فلا يحل له أن يستمر في نشوزه عليها، ليضطرها أن تفتدي نفسها ببذلها ما آتاها أو بعضه ليطلقها، بل عليه أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان. ويحرم النشوز من الزوج كما يحرم من الزوجة، وأيضًا يصدق على الزوج أنه ناشز إذا منع زوجته حقوقها الشرعية الواجبة لها ولو في بعض منها، وأساء خلقه معها وآذاها وضربها. ويجب على المرأة أن تنصحه وتذكره وتعظه ليرجع عن محاولة إدخال بعض الصالحين بغرض الإصلاح وإعادة الأمور إلى نصابها بينهما، كالإمام، أو العالم أو الداعية، أو رجل صالح من الأسرة، وإذا لم ينجح وينفع فيه وعظها أو محاولات الإصلاح المبذولة معه رفعت أمرها إلى القاضي الشرعي حتى يلزمه برعاية حقوقها الشرعية بعد إثبات وجه تظلمها عنده، ولا يحق شرعًا للزوجة هجر زوجها الناشز ولا الإساءة إليه، وإذا نهى القاضي الشرعي الزوج الناشز فلم ينته عزره بما يراه مناسبًا. ولو هجر الزوج زوجته وترك المبيت معها ألزمه القاضي الشرعي بقضاء حقها، ووبخه وأنذره. ولو امتنع عن الإنفاق مع قدرته جاز للقاضي أن ينفق عليها من مال الزوج نفسه، ولو ببيع شيء من عقاره إذا توقف ظلمه، عليه، فإن تعذر ذلك أجبره على طلاقها أو هيأ القاضي لها الفسخ (10).

لم يُسن في القانون أي مادة لعلاج أو التصدي لنشوز الزوج، ولكن يًعتد بالخلع في هذه المسائل، حيث يرجعه البعض – أحيانًاإلى إعراض الزوج عن زوجته، وعدم إيفائها حقوقها الزوجية.

6 – الخلع

لغة: خلع الشيء يخلعه خلعًا واختلعه: كنزعه إلا أن فـي الـخـلع مهلة. اصطلاحًا: اختلفت عبارات الفقهاء في التعبير عنه بناء على آرائهم الفقهية، وفيما يلى بعض التعاريف على المذاهب الفقهية المشتهرة: عرفه الحنفية بقولهم: هو عبارة عن عقد بين الزوجين، المال فيه من المرأة تبذله فيخلعها أو يطلقها. وعرفه المالكية بقولهم: هو إزالة العصمة بعوض من الزوجة أو غيرها. وعرفه الشافعية بقولهم: هو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع. والعلاقة بين المعنى اللغوى والمعنى الاصطلاحي كما قال العلماء هي أن الله تعالى جعل النساء لباسًا للرجال، والرجال لباسًا لهن؛ فقال تعالى: ( هن لباسٌ لكم وأنتم لباسُ لهنَّ.. (البقرة: 187)؛ فإذا افتدت المرأة بمال تعطيه لزوجها ليبينها منه فأجابها إلى ذلك، فقد بانت منه وخلع كل واحد منها لباس صاحبه. اختلف الفقهاء في التعبير عن الخلع، وعن المختلعة، ومن هذه المصطلحات:

الصلح: وهو في اللغة اسم من المصالحة وهي التوفيق والمسالمة بعد المنازعة، ومعناه في الشرع عقد يرفع النزاع، والصلح من الألفاظ التي يؤول إليها معنى الخلع الذي هو بذل المرأة العوض على طلاقها، والخلع يطلق غالبا على حالة بذلها له جميع ما أعطاها، والصلح على حالة بذلها بعضه.

الفدية: وهي في اللغة اسم للمال الذي يدفع لاستنقاذ الأسير، وفدت المرأة نفسها من زوجها تفدي، وافتدت أعطته مالا حتى تخلصت منه بالطلاق، والفقهاء لا يخرجون في تعريفهم للفدية عما ورد في اللغة، والفدية والخلع معناهما واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، ولفظ المفاداة من الألفاظ الصريحة في الخلع عند الشافعية وعند الحنابلة لوروده في القرآن.

المباراة: وهي في اللغة صيغة مفاعلة تقتضى المشاركة في البراءة، وهي في الاصطلاح اسم من أسماء الخلع والمعنى واحد وهو: بذل المرأة العوض على طلاقها لكنها تختص بإسقاط المرأة عن الزوج حقًا لها عليه، وهي عند أبي حنيفة كالخلع كلاهما يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح كالمهر والنفقة الماضية دون المستقبلة، وقد اختلف الفقهاء في التعبير عن هذه المصطلحات، وخاصة المالكية، قال مالك: «المبارئة التي تبارئ زوجها قبل أن يدخل بها، فتقول: خذ الذي لك فتاركني. والمختلعة التي تختلع من كل الذي لها، والمفتدية التي تعطيه بعض الذي لها وتمسك بعضه، وقال مالك: وهذا كله سواء» (11).

في القانون أثارت مادة الخلع جدلاً كبيرًا ومازال قائمًا إلى الآن، ورغم أن له أساسًا شرعيًا فإنه يجد مقاومة كبيرة من الرجال، اعتراضًا على تفرد المرأة بحق الطلاق، رغم أن حق الطلاق في الأصل يكون للرجل. وجاءت هذه المادة كرد على إساءة استغلال بعض الرجال لحق الطلاق، وتعسفهم الشديد في استخدامه، وتعريض الزوجة للضرر، وساعدت المحاكم على ذلك من خلال إطالة وصعوبة إجراءات قضايا الطلاق للضرر، والتعنت معها لإثبات الضرر، رغم مخالفة هذا للآية ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن). (البقرة: 229). وقد نصت مادة 2 من القانون رقم 1 لسنة 2001، المعروفة بالخلع على أن «للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه. ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة 18 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من هذا القانون، وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض. ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو أي حق من الحقوق.

ألقينا الضوء فيما سبق على رأى الشريعة الإسلامية، ونصوص مواد القانون المصري. ولقد وقع الاختيار على هذه الموضوعات لأنها أكثر الموضوعات إثارة للجدل في أوساط المتخصصين والعامة، ونظرًا للخلط الشديد ما بين ما تقره الشريعة ونصوص القوانين، وما ترسخ بفعل العادات المجتمعية والموروثات الثقافية، وتجسد ذلك في وجود تناقض ظاهر جدًا بين هذه التمثلات النظرية وما يمارسه البعض في حياته الشخصية متأثرًا وملتزمًا بموروثاته الثقافية والاجتماعية، أكثر من التزامه بالشريعة والقانون.

وفيما يلى سوف نركز على واقع الممارسات العملية لعدد أربعة من الرجال يشغلون مناصب لها علاقة مباشرة بمجال الأحوال الشخصية، وأحدهم علاقته بهذا المجال غير مباشرة، ولكن يمكن القول أن لديه الحد الأدنى من المعلومات في هذا المجال.

تناقش هذه الورقة البحثية الفروق ما بين ممارسات الفرد وقناعته الشخصية لبعض المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، وبين ما يمارسه ويطبقه في حياته العملية، وبين النصوص النظرية.

وفيما يلي سوف نعرض أربع دراسات حالة لرجال، ونتعرف على آرائهم وخبراتهم، ولكن في البداية نود أن نعطى صورة عامة عن كل من الحالات الأربع التي تم إجراء البحث معها، لرسم ملامح طبيعة شخصياتهم وتحديد تأثيرها على ممارساتهم وآرائهم حول القضايا التي يطرحها البحث.

  • الحالة الأولى: ب. ق مستشار في محكمة الأسرة، 43 عامًا، غير متزوج، يعمل منذ سبع سنوات في محاكم الأسرة، في القاهرة وبعض الأقاليم.

وافق المستشار ب. ق على المقابلات بصعوبة شديدة، نظرًا لحساسية مركزه، وموقعه الذي يحتم عليه السرية في البيانات، وعدم القيام بمقابلات عامة. ولعل هذا السبب يفسر صعوبة إجراء مقابلات مع قضاة في محاكم الأسرة، وقد وافق هذا المستشار على المقابلة بمساعدة أحد المعارف الذي أكد له سرية البيانات، وعد الكشف عن أی معلومات سوف تشير إليه، بالطبع سوى موقعه الوظيفي، وتم أخذ موافقته على نشر آرائه التي تعبر عن قناعاته الشخصية المحضة. ورغم قلة المقابلات التي أجريت معه مقارنة بالحالات الثلاث الأخرى، لكنه كان يتمتع بصراحة ووضوح غير مسبوقين، وهذا جزء من شخصيته والتي انصهرت بشدة في وظيفته، حيث الثقة الزائدة جدًا في النفس، والتعبير عن الآراء بصراحة، للاعتقاد في صحة هذه الآراء مائة في المائة، وعدم وجود أي احتمالات للخطأ أو المراجعة. واكتسب هذه الثقة بحكم وظيفته التي تجعله يتحرى الدقة و الثقة في الأحكام التي يصدرها، وبالتالي انسحب هذا على شخصيته وردود أفعاله أثناء المقابلات، فمبدأ النقاش والجدار غير وارد بقاموسه.

  • الحالة الثانية: ح. س أستاذ فقه بجامعة الأزهر، 44 عامًا، متزوج، يعمل أستاذًا للفقه والعقيدة بجامعة الأزهر، وبعض معاهد إعداد الدعاة. المقابلات معه كانت أكثر سهولة من المستشار، رغم انشغاله الدائم ما بين التدريس في الجامعة، والتدريس في معاهد إعداد الدعاة، وإعطائه دروسًا في بعض المساجد، وانشغاله بأمور الفتاوى أحيانًا، إما بالمقابلات أو عن طريق الهاتف. هذا الانشغال لم يمانع الدكتور ح. س من حضوری لبعض الدروس والمحاضرات التي يلقيها، وأحيانًا حضور بعض جلسات الفتاوى مع آخرين في حالة أنها أمور عامة، إذ أن هذا لم يكن متوفرًا في الفتاوى المتعلقة بأمور سرية أو ذات حساسية معينة. وهذا التنوع في المصادر عن ح. س، أتاح فرصة جيدة للتعرف عليه بشكل أكثر عمقًا، من أكثر من جانب.

  • الحالة الثالثة: س. أ محامٍ عام ويعمل في قضايا الأحوال الشخصية، 48 عامًا، مطلق ولديه ولدان، يعمل في مجال الأحوال الشخصية أحيانًا بجانب قضايا أخرى. تمتع هذا المحامي بالمرونة الشديدة سواء في إجراء المقابلات أو المناقشات وإبداء رأيه في كل الموضوعات بصراحة، ولكنه لم يوافق على حضور أي من جلسات المحاكم معه حرصًا على سرية وخصوصية معلومات المتقاضين. وبدت آراؤه مثالية إلى حد كبير ومبالغ فيها أحيانًا، ولكن من خلال المناقشات وردود الأفعال تجاه سرد بعض المواقف، كانت تظهر ردود الفعل البعيدة عن المثالية والأقرب إلى رفض كل ما يوافق عليه في بداية المناقشات، وبخاصة عندما كانت تدور المناقشات عن زواجه السابق، أو في حالة إقباله على الزواج مرة أخرى.

  • الحالة الرابعة: ع. س مهندس مدني، 38 عامًا، متزوج منذ 6 سنوات، ولديه معلومات عن الأحوال الشخصية من خلال عمل أخته المحامية في قضايا الأحوال الشخصية في إحدى الجمعيات النسائية الحقوقية. لم تتوفر لدى المهندس ع. س المعلومات القانونية الدقيقة أو الفقهية مثلما كان مع الرجال الثلاث الآخرين، وهذا بحكم طبيعة عمله البعيدة تمامًا عن هذين المجالين، ولكن كان لديه حد من المعلومات لا يستهان به، وهو جيد بالنسبة للفرد العادي الذي لا يكون بينه وبين هذه المجالات اتصال مباشر. واستمد ع. س معلوماته عن مسائل الأحوال الشخصية من خلال أخته، واتسمت المقابلات معه بالمرونة، بالإضافة إلى موافقته على إجراء مقابلات مع بعض أفراد أسرته.

فيما يلي نعرض الآراء حول مسائل الزواج والأحوال الشخصية من واقع الممارسات العملية والشخصية، وسوف ترمز للحالات بالحروف التي أشرنا لها سابقًا، وهي مجرد رموز وضعتها الباحثة، ولا تعبر عن أسمائهم الحقيقية، فحساسية الموضوعات والمناصب، جعلت من السرية واحترام الخصوصية عوامل مؤكدة وأساسية في هذا البحث، إضافة إلى أن هذا كان مطلبًا عامًا من الحالات الأربعة.

1 – الشروط في عقد الزواج

  • ذكر المستشار ب. ق أنه بحكم عمله في محاكم الأسرة، وانتدابه في الأقاليم لم يقابل حالات لوجود شروط في وثيقة الزواج، وقد يرجع ذلك إلى أن أغلب عمله في هذا المجال كان في الأقاليم، حيث تعد هذه الخانة المخصصة للشروط غير واردة من الأساس في تفكير الزوجة. وعلى المستوى الشخصى هو يرفض تمامًا أن: تضع زوجته شروطًا، حيث لا حاجة لها من وجهة نظره، لأن قوانين الأحوال الشخصية بالفعل حصنت الزوجة من أي أضرار ممكن أن تقع عليها. ولكن عدم حصولها على هذه الحقوق بشكل قانوني يعود الخطأ فيه إلى القاضي الذي لا يحكم في القضايا كما ينبغي. ويذكر أنه عندما عمل في إحدى القرى كان يعطى المرأة كل حقوقها، حتى في النفقات كان يحكم لها بأقصى حد ممكن، حتى أن الأزواج كانوا يخافون منه. ويرى أن تخصيص مكان للشروط في وثيقة الزواج، إنما يشير إلى انعدام الثقة، والزوجة التي تضع شروطًا، تبادر بإبداء سوء النوايا.

  • بينما يؤكد ح. س على أحقية المرأة في أن تكتب ما تريد من الشروط في وثيقة الزواج وهذا حقها الشرعي، بل إن هناك أمثلة على وثائق احتوت عديدًا من الشروط منذ الدولة العثمانية، وكانت المرأة تضع شروطًا قد يعتبرها البعض الآن دليلاً على الرفاهية، مثل أن تكتب رغبتها في السكن بجوار والدتها، أو أن لا يجبرها الزوج خدمة أهله حتى لو كانت ستسكن معهم. ويرى أن الأمور الآن أكثر تعقيدًا لغياب الفهم الصحيح لبعض الأمور.

  • لم يبد س. أ المحامي أي اعتراض في البداية على أن تضع الزوجة شروطًا في الوثيقة، ولكنه سرد الشروط الممكن أن تضعها الزوجة، سواء عدم الزواج عليها أو الاستمرار في الإنفاق أو أيًا كان الشرط، وطرح سؤالاً عن إذا لم يعمل الزوج بهذه الشروط؟ هل ستلجأ الزوجة إلى القاضي؟ ثم قال إن الزوجة التي تلجأ إلى التقاضي بشأن أمور بينها وبين زوجها، لا تستحق أن يتزوجها، أو أن تكون زوجة صالحة من الأساس، لأنها لم تعمل بمبدأ السكن والمودة والرحمة الذي هو أساس العلاقة الزوجية.

  • أشارع. س المهندس إلى أنه ليس لديه أي مانع في أن تضع الزوجة شروطًا، مادام الزوج واثقاً في نفسه، ويعلم أنه سيعاملها بما يرضى الله فلن يهتم بأي شيء، بالإضافة إلى أن حسن اختيار الزوجة من البداية يساعد في إذابة أي شكوك، وقد تكون موافقته على وضع الزوجة لشروط دون فصال أو جدال سببًا في أن تتراجع الزوجة هذا المطلب. ويرى أن رغبة الزوجة في وضع الشروط ترجع في الأساس إلى عدم إحساسها بالثقة، لذا يجب على الزوج إعطاؤها هذه الثقة، ولكن بصرف النظر عن أي أسباب هو لا يمانع في وضع الزوجة شروطًا.

2 – المهر وقائمة المنقولات

  • ذكر المستشار ب. ق أنه في عمله يحكم للزوجة في قضايا الخلع بقائمة المنقولات، وحتى إن لم تكن قيمتها محددة، وذكر أنه يتعمد الانحياز إلى جانب الزوجات في أحكامه، إذا شعر أن الزوج غير عادل معها، ويتعمد الإساءة إليها أو التسبب في معاناتها. ولكن على المستوى الشخصى لا يعترف بمثل هذه الأشياء، ولن يقدم مهرًا أو شبكة، بل ويرفض تمامًا أن يتحدث إليه أحد في تلك الأمور. ويرى أن قائمة المنقولات ليس لها أساس شرعي، لكنها فقط عادات وتقاليد وهو لا يأخذ ولا يعمل بها. وعند سؤاله كيف وقائمة المنقولات هي الحق القانوني الوحيد للزوجة، أجاب بأنها ليست حقًا لها على الإطلاق.

  • بالنسبة لأستاذ الفقه ح. س أكد أن المهر من حقوق الزوجة، وهو مؤكد ومذكور في أكثر من موضع في القرآن، بل إنه يجب على الزوج أن يعطيه للزوجة عن طيب خاطر، ويجب ألا يطالبها بأي شيء مقابله، وليس كما تجرى الأحوال ويدخل المهر في تجهيز الفتاة. ومن حقها تجهيز منزل الزوجية كله ودون إلزامها بشيء، ولكن للظروف التي يعاني منها الشباب، أصبحت مشاركة الطرف الثاني ضرورية، ولكن يجب أن تقابل مساهمتها هذه بالتقدير. ومن خلال حضور عدد من المحاضرات لوحظ أن (ح. س) يبجل المرأة ويحض على أهمية معاملتها بما تستحقه من مكانة كرمها بها الإسلام، وأن معاملتها بهذه الطريقة سوف تجعلها في المقابل تبذل ما في وسعها لصلاح الأسرة، ولأنها كائن رقيق حساس يجب التعامل معها بما يتوافق مع هذه الطبيعة التي عبر عنها الله في كتابه بالمودة والسكن والرحمة.

  • وافق س. أ المحامي على أن من حق الزوجة شبكة ومهرًا مناسبين لمستواها ولإمكانات الزوج، ويرى أن المبالغة في تقدير هذه الأشياء تكون سببًا في فشل عديد من الزيجات، ولا يمانع في كتابة قائمة منقولات. ولكن بإمكان الزوج إذا طالبته الزوجة بهذه القائمة أن يعيد إليها الأثاث تالفًا، ولها أن تلجأ إلى المحاكم التي من سماتها الأساسية إطالة إجراءات التقاضي. وبالتالي لن يمكنها استعادة القيمة الأساسية لقائمة المنقولات هذه، وقد تنفق على القضية والمحامين مبالغ كثيرة، دون حصولها على ما تريده. ويرى أن الزوجة لها أن تكتب ما تريد، ولكن هناك طرقًا عديدة ممكن أن يستخدمها الزوج للحول بينها وبين أخذ ما كتبته، بل إن الزوج قد يضطرها إلى التنازل عن كل شيء، بل والدفع له أيضًا للحصول على حريتها.

  • لم يبد ع. س المهندس أي اعتراض على حق الزوجة في المهر والشبكة وقائمة المنقولات، وأن هذه تقاليد سائدة في أسرته، بل إن زوجته لم تطلب كتابة قائمة منقولات، ولكن والده أصر على كتابتها، ووافقه ع. س، ولم يجد أي غضاضة في ذلك.

3 – حق الزوجة في تطليق نفسها (العصمة في يد الزوجة)

  • ذكر المستشار ب. ق أن الزوج الذي يوافق على هذا المطلب لا ينتمى إلى الرجال، وهو بهذا التصرف قد تنازل عن رجولته، ولم يذكر أي قضية قابلته تحمل هذا المضمون. ولكن إذا قابلته بالطبع سيحكم للزوجة، ليس لاقتناعه بأحقيتها، ولكن لأن الرجل الذي وافق على ذلك يستحق أي عقاب على ما ألحقه بنفسه من إهانة. وعند التوضيح بأن هذا حق شرعي للزوجة أحله لها بعض علماء الفقه، مقابل تعنت الزوج في الطلاق، رد بأن الزوج الذي يوافق على الاستمرار في الحياة مع زوجته بعد طلبها الطلاق يفقد من الأساس كرامته، وعليه أن يطلقها فورًا حتى لو لم تكن مظلومة معه. ويلقى بالخطأ على القضاة الذين يطيلون قضايا الطلاق للضرر، ويشير إلى أن أي امرأة تلجأ إلى القضاء في الأمور الزوجية تسقط من نظره وتفقد احترامه لها. وعند سؤاله عما يمكن فعله للسيدات اللاتي يتعرضن لإهانات الأزواج وسوء المعاملة ورفض إعطائهن حقوقهن مما يضطرهن للجوء إلى القضاء، لم يجب، وقال إن الأزواج يجب أن يغيروا اتجاهاتهم في التفكير.

  • أكد ح. س أستاذ الفقه أن العصمة في يد الزوجة لها أساسها الشرعي الذي يُحترم، لكنها بفعل العادات والتقاليد أمر مرفوض، وغير متعارف عليها، وأشار إلى أن الشريعة تأخذ في اعتبارها وفي أحكامها بالعرف، الذي له مكانة متميزة وأساسية في تكوين هذه الأحكام. ورغم قناعته الشخصية بهذا الحق للمرأة، لكنه يرى غضاضة في تنفيذه والتوصية به، لأن المرأة لديها حقوق كثيرة مثل المهر والشبكة والإنفاق وحق التطليق عند رغبتها في ذلك وحاليًا إقرار القانون للخُلع، فلن يكون من العدل والمساواة حصولها أيضًا على العصمة. فإذا أردنا تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن يكون ذلك في كل شيء، وأن نراعي جميع الأطراف بعدل.

  • وافق س. أ المحامي على المبدأ ضمنيًا، وقال إن كانت هذه رغبة مشتركة للزوجين فلا مانع من الاعتداد بها، ولكنه شخصيًا يرفض تطبيق هذا المبدأ في حياته الشخصية، لأنه سيشعره بانتقاص في رجولته. وعند سؤاله عن أنه حق شرعي أجاب أنه لا يمانع في المبدأ لكنه لا يستطيع الأخذ به في حياته الشخصية، قد تكون تقاليد أو موروثات ثقافية ولكنها ترسخت لديه ولدى غيره، ومن الصعب تغييرها.

  • أشار ع. س المهندس إلى أنه في بداية الأمر عندما طرح هذا الموضوع للمناقشة كان أشارع. يرفضه تمامًا، ويساوره شعور يشترك معه غير فيه بأن ذلك تعدٍ صريح على رجولته، وقد ساهمت تضخم هذا الاتجاه في التفكير وسائل الاعلام التي تُظهر الأمر بالسخرية والتهكم على الرجل الذي يقبل ذلك. ولكن بعد فهم الأمر جيدًا وبخاصة من مصدر شرعي وقانوني، والعلم بأنه مجرد تفويض من الزوج للزوجة فلا يرى مانعًا من أن يطبقه، ولكن هذا لأنه علم أنه لا ينتقص شيئًا من مكانة الزوج، وهذه حقيقة لا يعلمها الكثيرون.

4- القوامة والطاعة

  • تعنى القوامة عند المستشار ب. ق أن يكون الزوج هو صاحب الرأى الأول والأخير في المنزل، وأن على الزوجة طاعته والاهتمام بشئونه وشئون الأسرة، وعدم تحميله أو شغله بأي أمور قد تعوقه عن القيام بعمله أو تشغل تفكيره، ولكن مع ذلك ليس عليها أن تتصرف في أي أمر من الأمور قبل استشارته، وموافقته عليه. وهذا لا يعنى إلغاء الزوجة أو رأيها، بل على العكس هو يريد فيمن سيتزوجها أن تكون لها شخصية مستقلة، وتعلم كيف تواجه المواقف المختلفة، وكيف تتعامل معها، دون الاعتماد عليه بشكل كامل. وعند الإشارة إلى أن رأيه يحمل تناقضًا غير مفهوم، فكيف للزوجة أن لا تشغل تفكير الزوج، وفي الوقت نفسه أن تستشيره في كل شيء، أشار إلى أنه يقصد عدم الجدال والنقاش الكثير فيما يتعلق بأي أمر قد اتخذ فيه قرار، والموافقة على رأيه وقراراته لأن ما لديه من الخبرة كاف لإدارة شئون الأسرة، وبخاصة أنه يدير مصائر وأحوال الناس في أحكامه القضائية، ألن يكون قادرًا على إدارة شئون الأسرة. وما يعنيه بأن لا تعتمد عليه كلية، أي تستطيع تحمل مسئولية تحمل الأسرة وإدارتها وفقًا لما وضعه من نظام. لذا هو يضع شروطًا في زوجته المستقبلية، أهمها الطاعة، والعلم جيدًا بشخصية الزوج ووظيفته، وتقدير شخص هذا الزوج بما يستحق، وأنه شخص غير عادي ويعمل في مهنة غير عادية.

  • بينما يؤكد ح. س أستاذ الفقه أن القوامة هي تكليف للزوج ومسئولية يجب عليه التفكير بها من هذا المنطلق، وهي لا تعنى سلطة مطلقة على الزوجة، بل هي وإن كانت سلطة لكن في حدود المنزل وشئون الأسرة، ولكن تظل للزوجة شخصيتها المستقلة، وحرية التصرف في كل شئونها الخاصة. وتقوم أيضًا بالاعتماد على الزوجة وكيف تهتم بالمنزل والأبناء، وتقوم على الشورى والنقاش عند اتخاذ أي قرار يخص الأسرة، لأن الزوجة طرف أساسي في الحياة الزوجية، وفي حالات كثير تكون الزوجة هي صاحبة القرار الفعلي، ولكن ظاهريًا يبدو الزوج هو متخذ القرار. ويلقى ح. س مسئولية القوامة وطبيعتها على الزوجة، ويرى أن بيدها أن تجعلها صفة استبدادية للزوج وبيدها أن تجعلها صفة شرفيه فقط، ويذكر عديدًا من الأمثلة من الريف والبدو للزوجة فيها دور أساسي بل وقد يكون الأوحد في اتخاذ القرار، ولكن بذكاء المرأة الشديد تجعل الزوج يشعر وكأنه هو صاحب القرار، بل وقد توجهه إلى الوجهة التي تريدها هي، ولكن تصور للآخرين وللزوج نفسه أن ليس لها أي رأي بجانبه، فالأمر في النهاية يرجع إلى الزوجة، التي بيدها كل الخيوط، وتستطيع تحريكها كيفما تشاء إذا كانت راغبة في ذلك. وتستخدم أحيانًا اللين والرفق، وأحيانًا قد تأخذ مواقف مثل اللوم الرقيق أو العتاب، أو إظهار الضيق، أو الخصام، ولكنها مع كل هذا تظل ملتزمة بأداء حق الزوج والأسرة من اهتمام ورعاية، ولكنها تظهر عدم الرضا، أو التغير في المعاملة. كأن تقوم بأداء دورها وواجباها بشكل وظيفي روتيني، يفتقد إلى الروح والعاطفة، وبالتأكيد سوف يشعر الزوج بالتغير في المعاملة، والذي سيقابله بتغير في آرائه واتجاهاته لما يرضى الزوجة. وعن الطاعة يؤكد أنها مشروطة بعدد من الشروط، تجعل من إساءة استغلال الزوج لها غير واجبة، وليس كما يستغلها كثير من الرجال، وللأسف بعض علماء الدين في سياق حديثهم بأنها طاعة واجبة وعمياء. وليست أيضًا كما يصورها القانون في أنها منزل تذهب الزوجة لتعيش فيه بالإجبار، كيف نجبرها على شيء لزمت موافقتها عليه في بادئ الأمر، أين المعنى السامي من الآية (تسريحٌ بإحسان ) ؟

  • يرى س. أ المحامي أن الحياة الزوجية يجب أن تكون بالتفاهم بين الزوجين، ولكن عند اختلاف وجهات النظر وتصاعد المواقف، يجب أن يكون الرأى للرجل. ويشير إلى أنه لا يعتبر نفسه زوجًا ديكتاتوريًا بل يفضل دومًا الأخذ برأى الطرف الآخر الذي عليه أن يتحمل عواقب رأيه مهما كانت. ويرى أن الزوجة عليها العبء الأكبر في استقرار الأسرة، ويجب أن تتحلى بمواصفات خاصة حتى تتحمل هذه المسئولية وتؤديها بنجاح، فبينما يكون الزوج منشغلاً بعمله تتحمل هي كل ما يدور داخل المنزل. ويفضل أن يتزوج من فتاة لا تعمل حتى تتفرغ تمامًا للاهتمام به وبالأبناء مستقبلاً، وعلى سبيل المثال هو لن يكون متفرغًا لمساعدة الأبناء في المذاكرة، وأحيانًا الذهاب إلى الطبيب، أو شراء بعض متطلبات المنزل. وهو لا يمانع أيضًا في الإنفاق المشترك بين الزوجين عن تراض، يعني برغبة الزوجة المستقلة، ودون الضغط عليها، لأن ظروف الحياة أصبحت تتطلب مشاركة الطرفين. ويحمل الزوجة مسئوليات الأسرة كاملة، مقابل قيامه هو بالعمل والإنفاق، ويستشهد بآية القوامة في سورة النساء الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا وبما فضل الله بعضهم على بعض..” وعند توضيح أن القوامة لا تعنى الإنفاق فقط، بل الاهتمام بالأسرة ورعايتها من كل الجوانب، لم يقتنع وأصر على رأيه.

  • يرى ع. س المهندس أن مفهومه عن القوامة قد لا يكون دقيقًا، ولكن ما يعرفه أنه يجب أن يكون مسئولاً عن أسرته بشكل كامل، ولا يمانع مشاركة زوجته له المسئولية برغبتها. ولا يتمسك بآرائه في أغلب الأحيان، ولكن يعترف بأنه شخصية عنيدة جدًا، وقد يصمم على رأيه وهو يعرف أنه خطأ، ولكنه يراجع نفسه ويحاول التخفيف من عواقب قراره الخاطئ. ويشير إلى أن زوجته في كثير من الأحيان يكون لها رأى صائب، ولا يخجل من الأخذ به، ولا يستشعر الحرج في ذلك، الاختلاف وتصاعد المواقف لا يأخذ أي منهما أى قرار حتى تهدأ الأمور. ويرى أن طاعة الزوجة للزوج يجب أن يعبر عنها بعدم تعمد الزوجة مخالفة آراء الزوج دون مبرر، أو قيامها بما لم يتفقا عليه فقط لإثبات وجودها أو إثبات أن لها رأيًا. ويشير إلى أن أختيه الاثنتين وهما سيدتان متزوجتان كثيرًا ما يتهمانه بضعف الشخصية، وانسياقه خلف آراء زوجته، ولكنه لا يرى ذلك، فقط هو يقتنع بآراء زوجته أحيانًا، وأنها تفهمه جيدًا، وتعرف متى تناقشه، ومتى تتوقف عن المناقشة حتى يصلا إلى اتفاق مشترك.

5 – نشوز الزوج

لم يجد هذا المحور مجالاً من النقاش بين حالات الرجال الأربع، لأنه ليس من المألوف التحدث في هذه الأمور، إضافة إلى أن عدم تداول مفهوم نشوز الزوجذاته، أو عدم معرفته من الأساس لم يتح فرصًا للتعبير عن الرأي. وعلى سبيل المثال فإن المهندس ع. س لم يسمع بهذا المفهوم من قبل، وعندما أوضحته الباحثة له كانت إجاباته مقتضبة، وسريعة، ولم يرحب التحدث عنه باستفاضة، بل في البداية رفض التحدث في هذا الأمر.

  • أكد المستشار ب. ق أنه لم يقابل هذا المفهوم بشكل مباشر في مجال عمله أو حياته الشخصية مع معارفه، ويقول إنه ربما يكون هذا المفهوم مضمرًا أو متخفيًا في قضايا الخلع. وهو يعلم بوجود مثل هذه الحالات بين الأزواج، ويعتبر أن من يتخلى عن واجباته نحو زوجته وبخاصة فيما يخص العلاقة الزوجية بينهما يستحق أن تطلب منه زوجته الطلاق، وعليه أن يطلقها فورًا. وعند الإشارة إلى وجود حالات عديدة تعانى من نشوز الأزواج، ولا يمكنها التصريح بذلك، أكد أن الحياء يمنع المرأة حتى أحيانًا في ساحات المحكمة، وهذا شيء محمود لها، لكن يجب أن يأخذ الأزواج عقابهم عند عدم قيامهم بواجباتهم. ويشير إلى أنه يقابل مثل هذه الحالات بين بعض معارفه، ولا يشعرون بأنهم يرتكبون أي خطأ، بل يرون أن على الزوجات أن يتحملن، وأنهم أحرار فيما يقومون به. وعن رأيه الشخصي في هذا الأمر، يرى أن أزمة الزواج جعلت عديدًا من الفتيات يتحملن نصيبهن من المعاناة، ما دمن أردن الزواج، وبالنسبة للزوجات عليهن التعويض عن إهمال الأزواج بالاهتمام بالأبناء.

  • بينما يؤكد أستاذ الفقه ح.س أن عدم إعطاء المرأة حقوقها الشرعية غير جائز شرعًا، وحرام، لأنه ليس فقط يحرمها من حق أساسي لها، بل إنه يقصر في واجب الحفاظ على عفتها. وعند سؤاله عن أن الزوجة الناشز لها عقاب دنيوى وأخروي، فمإذا عن الزوج، أكد أن ليس للزوج عقاب في الدنيا، ولكن عقابه في الآخرة شديد. ويذكر أن عدم تحدث المرأة عن هذه المشكلة يرجع إلى صفة الحياء، والتي يجب أن يتحلى بها الجميع رجالاً ونساء، ولكن صمتها لا يعني عدم معاناتها، بل قد يكون أكبر دليل على معاناتها الشديدة، وعلى الرجال أن يحذروا من ظلم المرأة، وبخاصة إن كانت تعطيه جميع حقوقه، وتقوم بواجباتها كاملة.

  • يرى المحامي س. أ أن على الزوج إيفاء زوجته بجميع حقوقها في هذا الجانب، وقد قابل حالات مثل هذه وأغلبها كانت في إطار قضايا الخلع. ويرى أن الزوجة عليها أن تحاول تقويم زوجها، وأن تستعين بالأهل، وإن لم يتعظ يمكنها طلب الطلاق وقتها. ويشير إلى أنه قابل بعض الحالات الصريحة، ولكن كانت ترجع إلى وجود مشاكل طبية لدى الزوج، لكن الحديث هنا عن الأزواج الأصحاء، وفي هذه الحالة هو ملزم بإيفائها حقها.

  • لم يسمع ع. س المهندس بهذا المفهوم من قبل، وعند ذكر الآية القرآنية التي ذكرت «نشوز الزوج»، قال إنه قرأ القرآن كثيرًا، ولم تستوقفه هذه الآية، ولم يفكر من قبل في معناها. وعند توضيح المعنى المقصود بنشوز الزوج حيث إعراضه وترفعه عن زوجته، ويعبر عنه بعض الفقهاء بأنه يعرض عنها في الفراش، أجاب بأن هذا لا يجوز، ويجب إعطاء الزوجة حقوقها. وفي الواقع لم تستمر المناقشة مع (ع. س) كثيرًا في هذه النقطة، وطلب عدم التحدث في هذا الموضوع لأنه من خصوصيات وأسرار الحياة الزوجية التي يجب ألا تناقش على الملأ. وعند سؤاله عن دور الرجل في هذا الجانب بالحفاظ على عفة زوجته، أجاب بأنه لم يكن يعلم هذا أيضًا، وهو يتعامل مع هذا الأمر ليس بدافع الحقوق والواجبات، ولكن لأنه من المحاور المهمة التي يقوم عليها الزواج، والذي في أساسه حفاظ على الرجل بأن يلبي بعض حاجاته الطبيعية بشكل غير محرم، وانه ضروري للحفاظ على النسل. وعند التنويه بأن هذا حق للزوجة أو الفتاة المقبلة على الزواج أيضًا لحماية نفسها من العلاقات غير المشروعة، أكد هذا الرأي، ولكن دون الإطالة في المناقشة، وذكر أن إهمال بعض الأزواج لزوجاتهم بالفعل يعرضهن إلى الوقوع في علاقات غير مشروعة. وأشار إلى أن تأخر سن الزواج لكل من الشباب والفتيات أدى إلى تفاقم مشكلة العلاقات غير المشروعة، فلا نريد أن نزيد عليها الزوجات اللاتي يتعرضن للإهمال من أزواجهن.

6 – الخلع

  • أكد المستشار ب. ق للمرة الثانية أنه لا يكن الاحترام أو التقدير لأي سيدة تقاضي زوجها، وبالتالي هو لا يحبذ قانون الخلع، ولم يكن من مؤيديه، ولكن عندما تعرض عليه قضية خلع يحاول الإسراع في إجراءاتها ويحاول إصدار حكم سريع فيها. وعند سؤاله عن هذا التناقض الواضح ما بين قناعاته الشخصية وأحكامه التي يقول إنها دوما عادلة وفى صالح المرأة، أجاب بأنه يحاول جاهدًا أن لا يجعل آراءه الشخصية تؤثر أو تطغى على أحكامه القضائية قدر المستطاع. ولكن على المستوى الشخصي هو لا يؤيد هذا القانون، ومع مطالب إلغائه لأن ليس له أساس شرعى سوى حديث واحد فقط، وهذا غير كاف لإصدار قانون بناء عليه. وعند سؤاله عن السيدات اللاتي يعانين من تعنت الأزواج في الطلاق، أجاب بأنه يعطيهن ما يطلبنه حتى لا يكون سببًا في تعريضهن للظلم، ولكن هذا لا يعنى موافقته.

  • بينما يؤكد ح. س أن الخلع له أساس شرعي، وكان هناك أكثر من واقعة بجانب حديث ثابت بن قيس (12)، بل إننا إذا وقفنا قليلاً للبحث في سبب طلب زوجة حدیث ثابت، والذي هو فقط لأنها وجدت أنه غير وسيم، إذا ذكرته أي زوجة الآن ستقابل بالهجوم الشرس، والتهكم، رغم أن الرسول أقر لها بالخلع، وأن تفتدي نفسها. ویری (ح. س) أن الخلع هو مقابل شرعي وواقعي وموضوعي للطلاق الذي يتعنت الرجل في استخدامه. ولكن يرى أن تطبيقه في القانون به بعض السلبيات، وبخاصة أنه مرتبط باسم «سوزان مبارك»، وعند سؤاله عن حجم الاستفادة الفعلية من هذا القانون مقارنة باستفادة سوزان مبارك نفسها، لن نجد أي مجال للمقارنة، ولكنه أجاب بأن طريقة عرض وتمرير القانون كانت مستفزة، ولم يتم بالشكل الكافي.

  • لم يبد س. أ المحامي اعتراضًا على قانون الخلع، ويرى أنه مقابل لحق الطلاق الممنوح للرجل، ولكنه يرى أن به جانبًا منقوصًا، وهو أخذ رأى الرجل، ولهذا هو لا يعترف به بشكل كامل. وعند سؤاله عن أنه إذا تم أخذ رأى الرجل فهذا سيكون صورة أخرى للطلاق، لأن من الوارد جدًا أن لا يوافق، أجاب بأن الرسول محمد أخذ رأى ثابت. ولكن بالرجوع إلى نص الحديث وجد أنه لم يأخذ رأيه، بل قال اقبل الحديقة وطلقها تطليقة، وعند الرد على (س. أ) بهذا النص، بدا غير مقتنع، ثم قال أنه كمحام يمكنه التعامل بالقانون كيفما يريد، وكرجل إذ لم يكن لديه ضمير، سيجعل الزوجة لا ترد المهر فقط، بل وتدفع نقودًا وتتنازل عن كل ما تملك حتى تتخلص من زوجها، مهما كانت الخسائر التي ستتكبدها.

  • أشارع. س المهندس إلى تأييده لقرار الخلع، وأنه مقابل حق الزوج في الطلاق، ولا يرى أن به أي تعد على حق الرجل، ويشير إلى أن أخته المحامية والتي تعمل في جمعية أهلية كثيرًا ما كانت تسرد قصصًا لسيدات طالبن بالخلع، وكن في أشد الحاجة إليه، وأنقذهن من متاعب الأزواج المستمرة.

عرضنا آراء واتجاهات لأربع من الرجال، ثلاث منهم يشغلون مواقع وظيفية لها علاقة مباشرة بمجال الأحوال الشخصية، أحدهم مستشار في محاكم الأسرة، وأحدهم محام، وآخر أستاذ فقه بجامعة الأزهر، ويعطي فتاوى تخص أحكام الأسرة والزواج، بينما الحالة الرابعة وهو مهندس ويعلم قليلاً عن القضايا المطروحة في الدراسة من خلال عمل أخته كمحامية. ومن خلال العرض السابق، والتقصي عن حالات الدراسة، ومقابلة بعض أفراد أسرهم، وسؤال المصادر التي ساعدت في التعرف على هؤلاء الرجال، توصلنا إلى بعض الاستنتاجات عن كل منهم.

  • المستشار ب. ق: ظهرت تناقضات صارخة بين ما يقول المستشار ب. ق أنه يطبقه في أحكامه القضائية، وقناعاته الشخصية، وما سوف ينتهجه مع زوجته في حال زواجه، بل حتى المواصفات التي يطلبها في الزوجة يركز فيها على أهمية الطاعة والانصياع لكل ما يقوله. ونظرًا لعدم موافقته على حضوري أي من الجلسات التي يحكم فيها، لم تكن هناك وسيلة للتأكد من أنه يحكم بأحكام عادلة لصالح المرأة كما أشار، وكان المصدر الوحيد للمعلومات هي مقولاته. ولكننا خرجنا من هذا المأزق بالاستعانة بالشخص الذي ساعد في التعرف على المستشار، ولقد أكد أن ما قاله المستشار بالفعل حقيقي، وأنه معروف في مجال عمله بالوقوف بجانب السيدات في قضايا الأحوال الشخصية تحديدًا، وأنه صارم وسريع في أحكامه، وبخاصة أحكام النفقات، بل إن بعض المحامين عن الأزواج يخافون عندما يكونون في دائرته، ويعلمون أن لا مجال لديهم في التلاعب.

ولكن كيف تكون هذه حياته العملية بينما هو في حياته الشخصية يضع المرأة في أدنى مكانة، بل يعتبر أن وجودها فقط لأجل الرجل لمتعته وطاعته والقيام بالمسئوليات التي من شأنها أن توفر له راحته. وتلوح الإجابة من خلال التأمل قليلاً في شخص المستشار، وما هو معروف عنه من استقامة وصرامة وعدالة في الأحكام، أعطى له ثقة زائدة بالنفس، وجعله يشعر بالتميز فوق الجميع. وبما أن المرأة في الموروث الثقافي تتمتع بمكانة أقل، وبما أن العمل بهذه الموروثات يتم تغليبه أحيانًا كثيرة على الجانب الديني، فقد تضاعف شعور المستشار بذاته، مقابل تضاؤل المرأة بجواره، بجانب أنه بوجه عام لا يرى أن هناك فتاة تستحق أن تكون زوجته کما قال صراحةوأن الفتيات غير المتزوجات اللاتي يرغبن في الزواج كثيرات، وله أن يختار من يراها مناسبة.

  • أستاذ الفقه ح. س: كانت آراؤه معتدلة جدًا بل قد تعتبره مثالاً لعالم الفقه المستنير المعاصر لما تعانى منه المرأة من مشكلات، ويسعى لتأكيد حقوقها، والتي يستمدها من الإسلام ذاته الذي يسيء البعض استخدامه، وتفسير نصوصه وفقًا لأهوائهم الشخصية. وكما سبقت الإشارة فإن الدكتور ح. س دائم التاكيد على مكانة المرأة وأهميتها، وضرورة معاملتها بما تستحق من تكريم وإعلاء شأنها، وإيفائها حقوقها كاملة، لأن هذه مسئولية سوف يسأل الله عنها الرجال في الآخرة، وسيكون عقابهم شديدًا. كما يؤكد أهمية التصرف برجولة بما تحمله الكلمة من تحمل مسئولية، وشهامة، ورعاية للأسرة ليستحقوا صفة القوامة، ولا يتعاملوا بصفة الذكورة ويعتبرونها تفضيلاً على المرأة، وأن هناك نساء عدة يتحلين بصفات الرجولة، دون أن ينتقص ذلك من أنوثتهن، وهناك رجال يتباهون فقط بالذكورة أو أنهم في خانة النوع ذكور.

ورغم تأكيد الدكتور ح. س على هذه الآراء في كل مكان وأي مناسبة، لكنه دومًا وأبدًا يُحمل المرأة فشل العلاقة الزوجية وانهيار الأسرة، وعند استماعه لأى مسألة ليقول فيها فتوى تكون المرأة هي المخطئة. فإذا كان الزوج لا ينفق فهي مخطئة لأنها لم تجعله يعتاد على هذا الأمر، وإذا كان يتعامل معها بقسوة غير مبررة فهي مخطئة لأنها لم تصلح من شأنه، حتى لو لم يكن قابلاً للإصلاح لكن عليها العمل على ذلك، وهكذا أي موقف تتحمل المرأة تبعاته. ويرجع هذا إلى أنه رغم انفتاح تفكير وعقلية دكتور ح. س لكنه لا يزال بعيدًا عن الواقع الفعلى للمرأة وللفتاة. فهو يتحدث عن نموذج المرأة القوية التي تستطيع التحكم في زوجها باستخدام ذكائها الفطري، وعلى الفتاة أن تكون قوية وصلبة وتستطيع التحكم في اختيارات زوجها، وتملى شروطها. ولكن الدكتور أغفل عددًا من الجوانب المهمة، فليست كل السيدات على القدر نفسه من الذكاء والقدرة على ترويض الزوج، أو حتى أن تكون مؤثرة بقراراته، وليست كل الفتيات تستطيع التحكم في اختيارات زواجها بسبب تأخر سن الزواج وتضاؤل فرص الزواج أمامها، ورغبة الفتاة في الزواج والاستقرار وتكوين أسرة، والتي من أجلها قد تتنازل عن كثير من حقوقها. وهو في هذا الشأن يرى أن من تتنازل عن حقوقها من البداية تستحق أي شيء من الرجل، وهذا تعميم وحكم يجانبه الصواب والموضوعية والواقعية، وهو شأن أغلب علماء الفقه الذين يتعاملون مع مشاكل المرأة أحيانًا كثيرةمن منظور أنها مشاكل محدودة وليست منتشرة وتفتقر نظرتهم إلى شمول عموم أنواع النساء والفتيات والظروف المجتمعية الحالية.

  • المحامي س. أ تَطلب التعامل معه الحذر الشديد لما يتمتع به ذكاء، وصعوبة التوصل لما يقصده بالفعل، فكما سبقت الإشارة تبدو آرائه مثالية ومتوافقة مع كل حقوق ومطالب المرأة، لكن دومًا يتوسطها كلمة «لكن» والتي يأتي بعدها يكاد أن يهدم ما قبلها. ولكن من خلال المناقشات والحوار، اتضح أنه يعلم جيدًا بحكم عمله وبحكم شخصيته مواطن ضعف المرأة قانونيًا واجتماعيًا، ولا يتردد أن يستغل أيًا من هذه المعلومات للحصول على ما يريده من الطرف الآخر. ومن خلال حديثه عن زواجه السابق، والذي رفض أن يفصح عن السبب الحقيقي للطلاق فيه، بدا وكأنه شخص مثالي، وأن زوجته كانت مخطئة، وما زالت بينهما قضايا لم تنته بعد لأنها لا تريد أن تنهى الموقف. ولكن من الواضح أن س. أ محام ذو خبرة وذكاء لا يستهان بهما، لذا من الصعب تصور أنه لا يمكنه إنهاء القضايا مع زوجته بسرعة، وقد أكد هذا الرأى الشخص الذي ساعد في مقابلة المحامي، حيث أشار إلى أنه محام قوى وعلى دراية قوية بالقوانين وثغراتها، وقابلته قضايا أكثر تعقيدًا من قضيته وكان يجد لها حلاً سريعًا. وقد أكد س. أ أنه يفضل أن يكون محامٍ للرجل في قضايا الأحوال الشخصية، وعند سؤاله عن السبب قال إن الرجال أكثر يسرًا في التعامل معهم عن النساء.

  • تبدو آراء المهندس ع. م أقرب إلى الموضوعية والميل إلى إعطاء المرأة حقوقها كما أقرها الإسلام، ولا يهتم بالتناقض بينها وبين الأعراف والتقاليد المجتمعية. ولكنه يعاني من النظرة إليه بشكل سلبي من أفراد أسرته وتحديدًا أختيه، فلديه أختان متزوجتان، وإحداهما تعمل محامية في إحدى الجمعيات الأهلية المعنية بشئون المرأة، وهي مصدر معلوماته التي لديه عن قضايا الأحوال الشخصية. ولأن ع. س يمثل الزوج المثالي، الذي يقدر ويحترم زوجته، ويقوم بمسئولية القوامة بما لا ينتقص من شأنها، لكنه لا يحظى بتقدير من أختيه، فقمت بمقابلة أخته المحامية، وعند سؤالها عن سبب هذا الاتجاه نحوه، اتضح أن الأمر يتعلق بعلاقته مع الأختين، ففى الوقت الذي يقوم فيه بدوره كزوج بمثالية، إلا أنه يغفل أن مفهوم القوامة يمتد ليشمل هذه الأخوات البنات والأم، وهناك مسائل معلقة بينهم لوفاة الأب والأم – وتستلزم أن يقوم هو بها، لكنه يهملها على الإطلاق. وبالحوار مع هذه الأخت حول رأيها بوجه عام فيما يقوم به مع زوجته، أشارت إلى أنه زوج مثالي، وتتمنى أن يفعل زوجها مثله، وشعرت هي الأخرى بالتناقض ففي الوقت الذي تتمنى زوجها بواجباته، ترفض ما يقوم به أخوها، ولكن قد يكون هذا ناتجًا عن تضارب المصالح. ورغم مثالية المهندس ع. س إلى حد كبير، لكن الفهم لديه غير مكتمل، حيث إنه ركز على جانب واحد من الحياة على حساب الجانب الآخر، بالإضافة إلى أن البيئة الاجتماعية المحيطة (ممثلة في الأخوات) لا تؤيده أو تسانده، وهذا أيضًا أمر يجب التوقف عنده. ونطرح هنا تساؤلاً حول إلى أي مدى تدعم البيئة والسياق الاجتماعي والثقافي عملية تصحيح الاتجاهات والأفكار، والتي لها أساس شرعي وقانوني، مقابل أفكار يدعمها الموروث الثقافي والاجتماعي فقط؟

الخلاصة

تناول البحث الحالي موضوع التباين والتناقض الذي كثيرًا ما يظهر بين الأطر النظرية، والممارسات العملية، وركزنا هنا على بعض مسائل الأحوال الشخصية في مصر. وقد حاولنا استكشاف هذا التناقض من خلال عرض لحالات أربعة رجال يشغلون مواقع وظيفية بعضها يرتبط إلى حد كبير بمجال الأحوال الشخصية، والتعرف على ممارستهم العملية وقناعتهم وحياتهم الشخصية وعلاقة ذلك بما نصت عليه الشريعة الإسلامية، وبما أقره القانون.

وقد تعرض البحث لآراء المبحوثين حول كل من: الشروط في عقد الزواج، والمهر وقائمة المنقولات، والعصمة بيد الزوجة، والقوامة والطاعة، ونشوز الزوج، والخلع، باعتبارها أكثر القضايا إثارة للجدل على الساحة، وبالنسبة لأفراد دراسات الحالة فهذه القضايا تحمل معنى خاصًا، إذ أن قناعتهم الشخصية من الوارد أن تؤثر كثيرًا في أعمالهم المهنية، وتتم ترجمتها إلى ردود أفعال ناتجة عن آراء شخصية، عن كونها أحكامًا وردودًا موضوعية تستند إلى الشريعة والقانون.

وبالفعل لوحظ تناقض قوى بين ما أقرته الشريعة والقانون وما يحمله هؤلاء الرجال من أفكار، وبخاصة الثلاث الذين ترتبط أعمالهم بشكل مباشر مع مجال الأحوال الشخصية، ويسبقها سنوات دراسية تتعرض لهذا المجال من الناحية الشرعية والقانونية، ورغم محاولات الظهور بالمثالية في بعض المواقف، لكن الممارسة العملية والمواقف الشخصية تعكس أفكارًا متناقضة مع التمثلات النظرية. وما يبعث على الدهشة والتعجب هو رد فعل أحد هؤلاء الرجال الأربع، وهو المهندس، والتي لم تتح له دراسته أو مجال عمله الاحتكاك بالأطر النظرية لهذه القضايا، بل إن مصدر معلوماته مجرد مناقشات مفتوحة وغير متعمقة. و نطرح هنا تساؤلاً كيف يغير شخص قناعاته الشخصية بناء على مناقشات عامة لموضوع أو قضايا ما، بينما لم ولنتتغير قناعات أفراد آخرين أتاحت لهم دراستهم ومواقعهم الوظيفية التعرف على أصول ومبادئ هذه القضايا؟“.

وفي النهاية طرحنا تحليلاً للشخصيات الأربعة، لتوضيح الأسس التي بنيت عليها آرائهم، وحاولنا التوصل إلى أسباب التناقض بين الآراء النظرية، والممارسة الواقعية سواء في العمل أو في الحياة الشخصية. كما عرضنا كيف يكون السياق الاجتماعي مؤيدًا أو محبطًا لمحاولات التغير في السلوك والاتجاهات لتتوافق مع ما تقره الشريعة والقانون.

سوسن الشريف: باحثة اجتماعية وتربوية.

(1) رواه البخاري ( 1 272 ) ومسلم ( 1418 )

(2) عليه من حديث عائشة رضي الله عنها

(3) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي

(4) عبد الله محمد خليل، صورة مستحدثة لعقد الزواج في ضوء الفقه الإسلامي وقوانين الأحوال الشخصية، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، 2010، ص 43.

(5) لائحة المأذونين في مصر.

(6) محمد إسماعيل المقدم، عودة الحجاب، (الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع، 2006)، ص 293.

(7) https://www.ahram.org.eg/Accidents-supplement/News/183388.aspx

(8) عبد الوهاب البغدادي، التلقين في الفقه المالكي، تحقيق: محمد ثالث سعيد الغاني، (الرياض: مكتبة نزار، 19985)، باب الطلاق، ص333،

(9) محمد عمارة، الإسلام والمرأة في رأى الإمام محمد عبده، (القاهرة: دار الرشاد، 1997)، ص 69.

(10) الإمام الشافعي الأم (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1961)، باب الخلع والنشوز، ج5، ص189.

(11) نور الدين أبو لحية، حق الزوجين في حل عصمة الزوجية، (القاهرة: دار الكتاب الحديث، د.ت)،.167

(12) عن ابن عباس رضي الله عنها أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبی ﷺ فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكنني أكره الكفر في الإسلام ؟ فقال رسول الله ﷺ: أتردين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. قال رسول الله: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) رواه البخاري (4972).

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي