الواحة……. راحة

التصنيفات: أنشطة وأخبار

تأليف:

الواحة……. راحة

 

سيوة.. سيكون لهذا الاسم دائمًا وقع في أذني. لم أعرف بوجود هذه الواحة إلا منذ سنوات قريبة، ولم أتعرف عليها إلا منذ شهور قليلة عندما بدأت أعمل هناك. أصل سيوة دائمًا وأهلها نائمون، تنتظرني سيارة لتقلني إلى فندقي المفضل المزود بكافيتريا على سطحه تطل على سوق سيوة والمدينة القديمة (شالي). أتمكن هناك من رؤية الغروب وتأمل السماء وممارسة هواية الرسم المفضلة لدي، وكل ذلك بمفردي، فنادرًا ما يجلس أحد في هذه الكافيتريا.

أحرص وأنا في سيوة على زيارة عين كليوباترة أو فطناس، وهما أقرب الأماكن التي يمكن الذهاب إليها سريعًا. يوجد في كلتيهما عين مياه باردة يمكن الاستحمام فيها وكافيتريا يمكن شرب الشاي السيوي فيها أثناء تأمل النخيل والأشجار المحيطة بالمكان. ولا يقطع الهدوء سوی حضور أناس آخرين كل فترة من جنسيات مختلفة سواء بعربات الجيب 4×4 أو بالكارتة (الكاروزة)، كما يسميها أهل سيوة، وهي عربة لها سقف ومقعدان متقابلان يقودها صاحب الكاروزة ويجرها حمار. وهنا لنا وقفة.. فالحمار عند أهل سيوة مهم وحيوي جدًا، حيث يجر وسيلة المواصلات الوحيدة لديهم وهي الـ donkey taxi كما يكتب بعضهم على الكاروزة الخاصة به ويلونها بألوان زاهية. والظاهرة العجيبة هي أن الحمير دائمة النهيق وكأنها تتبادل أطراف الحديث سويًا. فما أن يبدأ حمار بالنهيق الحمير تجد جميع الحمير ترد عليه الواحد تلو الآخر ثم تصمت فجأة. ولا يجد أحد على حد علمي تفسيرًا لتلك الظاهرة. ولكن هذا السلام لا يدوم طويلا، فبمجرد اقترابها من بعضها البعض تبدأ إحدى المشاجرات بين – حمار وجاره، قد تصل إلى أن يقتل أحدهما الآخر، ولا ينهي هذا العراك سوى عصا غليظة طويلة من أحد صاحبي الحمارين. ويوصي دائمًا بألا يترك حماران قرب بعضهما البعض. والطريف في الأمر أن جميع الحمير ذكور !!! نعم فلا توجد إناث مطلقًا وقيل إن هذا أمر صدر من أعلى الجهات بعدم دخول إناث الحمير سيوة وذلك لأسباب خلقية (مش خاصة بالحمير طبعًا).

تتردد شائعات بأن المجتمع السيوي ينتشر فيه بدرجة كبيرة جدًا اللواط، بل ويقال إن هذه هي إحدى العادات السيوية، حيث يحرصون هناك على تعويد الصبي عليها عندما يصل لسن الحلم ويمارسون ذلك في المناسبات الهامة. وأعتقد أننا بحاجة إلى البحث في حقيقة هذه الأقوال أو في حال التأكد من وجودها، ينبغي أن نبحث في أصولها.

أما في عين كليوباترة فيمكن قضاء أروع سهرة هناك على الموسيقي والأنغام السيوية، والاستمتاع والرقص والعشاء المطبوخ بالطريقة البدوية تحت الرمال. ويتصادف دائمًا مقابلة الأفراد الذين رأيتهم صباحًا بالسوق يسهرون معنا. ففي سيوة يمكن فعلاً القول أن الدنيا صغيرة، كل شيء تتم معرفته عن أي شيء وأي شخص. أكبر دليل على ذلك أني مرضت آخر مرة قبل السفر ولم يعلم بذلك سوى مديرة المشروع الإيطالية ثم سافرت وعندما وصلت سيوة لم يمر عليّ أحد ممن أعرفهم إلا ويسألني عن صحتي وأخبار مرضييا ترى مين اللي فتن ؟

يتميز المجتمع السيوي بعدة أشياء منها على سبيل المثال وليس الحصر لغته المحلية ويطلق عليها الأمازيغية يتكلم بها أهل سيوة مع بعضهم البعض، أما مع الأغراب فيتكلمون العربية من أمثلة الكلمات باللغة السيوية.. “لوظاخةيعني جعانة، لهوايعني هواء، شاهينيعني شاي. وهكذا لا نجد لها حروفًا أبجدية لتعلمها بل تكتب كما تسمع بالعربي لمن أراد تعلمها، ويعتقد أن حروفها كانت عبارة عن رسومات تطرز أشكالها على الأثواب السيوية التقليدية. ولكن الأصول اندثرت وما تبقى الآن من نقوشات تطريز على الأثواب هي أشباه حرفت مع مرور الزمن.

يرتدي الرجال الجلباب الطويل مع بنطلون لونه غالبًا أبيض أما النساء فيرتدين الجلباب السيوي التقليدي وفوقه عباءة تسمى (طرفوط) ألوانها أبيض في أزرق ومطرزة بالأشكال المميزة لتطريز سيوة تغطي بها المرأة رأسها وكل جسدها، ولا بد للمرأة المتزوجة أن ترتدي هذا الزي، أما الفتاة فيمكن أن ترتدي الجونلة والبلوزة والحجاب الذي يغطي الرأس ويمكن معه النقاب أو لا. وذلك يرجع لرغبة الفتاة.

ولا يختلف حال النساء بسيوة عن حال النساء في المجتمعات الشرقية عمومًا خصوصًا بالنسبة للأدوار داخل الأسرة، فالراجل راجل والست ست، ولكن المجتمع في تطور مستمر خصوصًا مع زيادة تعليم الفتيات وكذلك عمل العديد منهن كمدرسات أو مدربات للأشغال اليدوية غير المهنة الرئيسية وهي الفلاحة وساعد على ذلك احتكاكهن المستمر بالأجانب كذلك، إضافة إلى المشاريع التنموية المهتمة بتنمية الحرف اليدوية التقليدية. وكان من حظي السعيد أن أشارك في أحد هذه المشاريع مما هيأ لي التعامل عن قرب مع السكان المحليين ووجدت أن الأجيال الجديدة من الفتيات يفضلن التعليم والعمل عن الزواج حتى أن هناك فتيات تعدت سنهن الـ 22 دون زواج وهذا طبعًا شيء جديد على مجتمع بدوي.

عندما أسير في طرقات الواحة البكر. بفردي أندهش بشعور بالأمان لا أشعر به في أي مكان آخر. في ثقافتنا يرتبط دائمًا الأمان بالرجل فلا أجد أي رجل كان. إن المجتمع السيوي مجتمع مسالم جدًا نادرًا ما تنشب فيه مشاجرات. فهل ما شعرت به هو السلام الذي أدى للأمان؟ هل فعلاً الأمان مرتبط بالرجل وحمايته؟ هل لا يتحقق الأمان إلا في وجود السلام أم هناك ارتباط ما بين ما يشاع عن الرجال في سيوة وبين ذلك الأمان؟ أسئلة كثيرة أحب أن تفكروا فيها معي. كل ما توصلت إليه هو أن الشعور بالأمان هو حق لكل إنسان وله دور قوي في الشعور بالتوازن النفسي، وإنني أتمنى من كل قلبي ألا يؤثر التغيير السريع الحادث للمجتمع السيوي على هذا الأمان. فكل من يهوى الطبيعة البكر يدب في قلبه القلق، فالاستثمارات الأجنبية هناك قوية ولكنها مازالت مقننة حتى الآن. أتمني أن تبقى تلك الطبيعة البكر إلى ما شاء الله أن تبقى، فلا بد أن تترك الأصالة والسلام في حالهما.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات