أسفار بنت بطوطة اكتشفت أن التحرش محيط بها في كل مكان حتى في سيناء
التحرش بالسيناويات بين ثقافة العيب والقضاء العرفي
أصبح مألوفًا جدًا أن نرى الرجال يعاكسون النساء والمراهقات في مصر ، ويعترضون طريقهن ويتطاولون عليهن، وقد أصبحت ظاهرة التحرش عادة يومية، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ عن حوادث تحرش جديدة بالنساء، وقد وجد الرجال مبررات كثيرة لتفسير هذه الظاهرة التي يمارسونها سواء في الشارع أو أماكن العمل والدراسة مرورًا بالأسواق والنوادى الاجتماعية ، معتمدين في تبريرهم على وضع المسؤولية على النساء اللاتي لا يتحفظن في اختيار ملابسهن وطريقة ظهورهن خارج المنزل.
وإذا أردنا تعريف التحرش الجنسى فهو سلوك غير مرغوب فيه يتم بدون موافقة من يتعرض إليه ويشمل اللمس أو الاتصال الجسدي أو طلب خدمة جنسية أو تعليقًا شفهيًا جنسيًا أو عرض صور جنسية أو أي تصرف آخر شفهي أو غير شفهي غير مرغوب فيه ويحمل طبيعة جنسية. يحدث التحرش عادة من رجل فى موقع القوة بالنسبة للأنثى أو الرجل الذي يستشعر بأن النساء أضعف منه، ويتمثل التحرش فى عدة أشكال منها النظرة الخبيثة أو ذات المعنى للأنثى بينما تمر بمكان عام، التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسى، لمس الجسد أو النكات التى تحمل أكثر من معنى، الإصرار على دعوتها مرارًا إلى طعام أو شراب أو نزهات برغم الرفض المتكرر ويومًا بعد يوم يبتكر الرجال أشكالاً جديدة للتحرش بالنساء. التحرش بهذا المعنى ممكن يحدث في كل مكان لكن في سيناء حيث أخلاق البدو هذه هي المفاجاة التي سنتناولها فيما يلي.
التحرش في سيناء
يناهز عدد سكان سيناء ٣٦٠ ألفًا (قرابة ٣٠٠ ألف في الشمال و ٦٠ ألفاً في الجنوب)، ثمة أقلية تنحدر من أصول فلسطينية مع أن معظم أفرادها مولودون في مصر، وبقية السكان هم البدو وسكان الحضر والمغتربون، تختلف أشكال التحرش بسيناء حيث يحمى النساء البدويات العرف القبلى“هو مجموعة التقاليد والنظم والأحكام التي تحكم مجتمعًا قبليًا، وأخذت يحكم العادة ومضي الزمن إطارًا إلزامياً لأفراد هذا المجتمع، وصارت بذلك قانوناً اجتماعيًا يحكم علاقة القبائل والعشائر والعائلات بعضها ببعض“، لكن تلك الأحكام تحمى النساء البدويات وبعض من النساء المنتميات إلى عائلات سيناء العريقة ، ولا يصعب على الرجال معرفة هوية المرأة دون إخبارهم بها، فالنساء البدويات يتميزن بسمرة الوجه وبعض العائلات تتميز بالشقرة، أما النساء المغتربات فهن فريسة سهلة لدى الرجال، ويطلق عليهن ببعض الأحيان أبناء الوادي“أى وادى النيل” ، لا تخلو سيناء من أشكال التحرش سواء اللفظى أو المادى.
البدويات الفئة الأقل عرضة للتحرش
تكثر حالات التحرش بالنساء في المناطق الحضرية وتقل كلما اتجهنا إلى مناطق البدو ، ويرجع ذلك إلى العرف القبلي الذي تحظى به النساء البدويات، حتى بالأماكن الحضرية.
ويذكر أن إحدى المدرسات” بدوية” عاقبت تلميذة” ابنة إحدى عائلات الحضر” فتوجه والدها للحوار مع المدرسة وعند خروجه من السيارة أمام المدرسة نادى عليها” يا أستاذة” فلم ترد المدرسة ، التي بدورها توجهت إلى عائلتها لإلزام والد التلميذة عرفيًا، وقد حكم القاضي العرفى بتغريم” والد التلميذة” عشرة آلاف جنيه التى خفضت لتصبح ألف جنيه، تدفع إلى أسرة المدرسة” كحق عرفى” لمناداته عليها خارج مكان عملها. تلك هي حالة بعض النساء البدويات، فلم تكن كل الحالات كهذه، لكنها إلى حد ما قادرة على الدفاع عن نفسها، لكن العرف لا يحمى النساء بالعديد من الحقوق الأخرى، فهي لا ترث حتى الميراث الشرعى لها ولكن الوالى يحكم بمبلغ” ترضية” ربما يكون أقل بكثير مما يعطيها الشرع.
المغتربات أكثر عرضة للتحرش في سيناء
عقب توقيع معاهدة السلام في ٢٦ مارس ۱۹۷۹ وعودة سيناء إلى السيادة المصرية ، ذهبت العديد من الأسر المصرية للعمل بسيناء، وازدادت تلك الأسر عقب استرجاع سيناء بالكامل فى ٢٥ أبريل ۱۹۸۲ ولما كانت تلك الأسر لا تنتمى إلى سكان سيناء الأصليين أطلق عليهم” المغتربون” وأصبح لدى الرجال قدرة على التعرف على النساء المغتربات، ومع ازدياد ظاهرة التحرش الجنسي بسيناء، أصبحت المغتربات من الفئة الأكثر عرضة للتحرش، ولم يحم العرف القبلى المغتربات لعدم درايتهن بالأحكام العرفية وكيفية التوجه إلى القضاء العرفي. وقد ازداد التحرش بالمغتربات عقب إنشاء العديد من الجامعات سواء الحكومية أو الأهلية، ومن الملحوظ أن أغلب التحرشات تكون لفظية لكني لا أقدر على الجزم بعدم وجود تحرشات مادية.
تحرش رجال الأمن بالنساء
لكن عقب تفجيرات طابا أدخل إليهم شكل وفئة جديدة للتحرش وهم رجال الأمن، تروى زوجة أحد المعتقلين أن رجال الأمن هددوها بفعل كذا وكذا“الاغتصاب” إن لم تخبرهم عن مكان زوجها، الذى لم يكن موجودًا بالبيت أثناء مداهمة رجال الأمن له بل إنهم قذفوها بوابل من الشتائم منذ كسر الباب حتى لحظة احتجازها كرهينة لحين العثور على الزوج ، بل إن رجال الأمن تحرشوا بها أثناء قذفها في سيارة الترحيلات، تكررت تلك الأحداث مع العديد من نساء سيناء، بل تم تهديد الرجال” هتخرج بالذوق ولا نعمل كذا وكذا مع أمك ولا مراتك“.
وقد أعرب العديد من الرجال بأنهم يعاملون نساءهم باحترام شديد وأنه لا يقدر أى رجل غريب على الاقتراب من النساء البدويات على مسافة مائة متر إلا إذا تواجد معها رجل من عشيرتها. يرجع عدم وجود إحصائيات عن أعداد النساء اللاتي تم التحرش بهن إلى أنماط الحياة الثقافية والاجتماعية“ثقافة العيب” فى المجتمع المصرى حيث يمنع النساء من البوح بالتحرشات التي تحدث لهن، كما يتضح لنا أن ظاهرة التحرش الجنسى تفرض نفسها على المجتمع السيناوي، ويومًا بعد يوم ستمحى من الذاكرة حماية القانون العرفي للنساء، مثلما حدث فى العديد من الحقوق الأخرى.