بيع “حبة الغلة”..  جريمة بلا توقف تحصد حياة النساء في مصر

تاريخ النشر:

أغسطس 2023

بيع “حبة الغلة”..  جريمة بلا توقف تحصد حياة النساء في مصر

تزايد في السنوات القليلة الماضية مؤشر حوادث الانتحار بتناول حبة الغلة، ويعود ذلك لسهولة تداولها وانتشارها في الصيدليات ومحلات المبيدات وعيادات الطب البيطري دون رقابة فالسبب الرئيسي لها هو  لغرض الزراعة وليس للبيع العام للجمهور، ففي الواقع هي تعتبر حبة الموت السريع، حيث يتناول الأشخاص وتحديدًا النساء مؤخرًا في المناطق الريفية، كوسيلة انتحار سهلة لضمان الموت بلا أمل في إسعافهن، وعادة ما يترتب وراء حالات انتحار النساء المتكررة ضغوطات ودواعي نفسية جعلتها سئمت من الحياة .

تتسم خطورة “حبة الغلة” بعد تناولها في إفرازها “غاز الفوسفين” شديد السُمية، فبمجرد دخول جسم الإنسان مقدار 500 مجم من هذا المركب فقط، كفيلة بإنهاء حياته على الفور، أما قرص حبة الغلة المتداول في الأسواق يحتوي على 1 جرام كاملًا أي ضعف الجرعة القاتلة، وهو غاز حتى الآن لم يتك اكتشاف علاج أو مصل له، جدير بالذكر أن سعر القرص جنيهًا واحدًا فقط، مما يعد مقابل زهيد جدًا، يتيح توافرها وسهولة شرائها.

هي في الأصل مبيد حشري مصرح به، لاستخدامه لحفظ معظم أنواع الغلال المختلفة من التسوس والآفات الضارة، يتم استيرادها من الهند والصين، وتدخل مصر على هيئة أقراص، واسمها العلمي “فوسفيد الألومونيوم”، وتباع في محال المبيدات الزراعية والصيدليات بأكثر من اسم، أشهرهم “حبة الغلة”.

وتعتبر من مبيدات التدخين التي يخرج منها الدخان أو الغاز ويتخلل أجواء المكان المغلق كصوامع القمح والغلال، فيقضي على الحشرات، وبعد فترة تتبخر الغازات دون أن تترك أثرًا.

استخدامها الصحيح في مجال الزراعة

من المفترض أن حبة الغلة السوداء تستخدم في مجال الزراعة، لحفظ معظم أنواع الحبوب المختلفة من التسوس والحشرات والآفات الضارة، وذلك أثناء عملية التخزين بعد موسم الحصاد، وذلك عن طريق ربطها بإحكام في قطعة من القماش ووضعها في صوامع الغلال، حيث ينبعث منها غاز “الفوسفين” لقتل الحشرات والقوارض.

ويتم استخدامها بدلًا من تقنية حفظ الأقماح بطريقة التبخير، لرخص سعرها، وهذا ما يجعلها منتشرة ومعروفة في المجال الزراعي، ولكن الخطورة تكمن في التعامل معها دون وعي وعدم توافر الرقابة في بيعها واعتبارها تجارة للربح دون حظر بيعها لغير المزارعين.

قنبلة كيميائية موقوتة بمجرد تناولها.. انتحار سريع

عند تصنيع “حبة الغلة” لم تكن مصرحة للاستخدام الآدمي، فقد أوضح الدكتور “محمود محمد عمرو”، أستاذ الطب المهني ومؤسس المركز القومي للسموم بكلية الطب القصر العيني، خلال وسائل الإعلام المختلفة، أنه في حالة تناول “فوسفيد الزنك، أوفوسفيد الألومونيوم أو فوسفيد الكالسيوم” والمعروفة باسم “حبة الغلة”، وبمجرد نزولها في المعدة تنشطر إلى جزئيين جزء منه الألومونيوم أو الزنك أو الكالسيوم، وجزء غاز الفوسفين وهذا يعتبر قنبلة كيماوية، حيث أن إطلاق الغاز يشبه بالانفجار لتفاعله مع حامض المعدة أو المياه، والذي يتسبب في وقف أجهزة الجسم تباعًا مثل القلب والكلى والكبد.

وقف مفعول السم لـ”حبة الغلة”

وقد أوضح الدكتور “محمود محمد عمرو”، في حالة تناول حبة الغلة، يجب إعطاء المريض سريعًا فنجان من الزيت متكرر خلال 15 دقيقة، وذلك لتغطية الحبة بالزيت وعدم التفاعل، ويتم ذلك خلال نقل المريض بالإسعاف إلى أقرب مستشفى.

 وهذا الأمر الذي نشيد به حتى تنتشر معلومة مبادئ الإسعافات الأولية لإنقاذ الضحايا ومحاولة سريعة لوقف انتشار مفعول الحبة داخل الجسم.

في العام الجاري.. رصد لوقائع  انتحار بـ”حبة الغلة السوداء”

خلال شهري يوليو الماضي وأغسطس الجاري فقط، أستطعنا حصر حوالي 18 حالة لسيدة وفتاة تتراوح أعمارهن من 16 إلى 40 عامًا، قاموا بالانتحار عن طريق تناول حبة الغلة، أو قرص مبيد حشري، في محافظات مختلفة بمصر، بعيدًا عن القاهرة، فتنوعت الحالات بين سوهاج، والدقهلية، والمنيا، وغيرهما.

ففي بداية شهر يوليو 2023، ذاع صيت حالة انتحار طالبة بالثانوية العامة، بمحافظة الدقهلية، من خلال تناولها “حبة الغلة”، وذلك عقب عودتها من امتحان اللغة الإنجليزية، بسبب معاناتها من ضغوط الامتحانات.

وهذه الحالة متكررة، فقد أقدمت العديد من طالبات الثانوية العامة بمحافظة الدقهلية، وسوهاج، والقليوبية ومحافظات أخرى، بالتخلص من حياتهم باستخدام قرص كيميائي “حبة الغلة”، لمعاناتهم من ضغوط الإمتحانات أو لعدم حصولهم على مجموع يتناسب مع طموحاتهم المستقبلية.

وفي منتصف الشهر ذاته، أقدمت ربة منزل في العقد الرابع من عمرها، بمحافظة المنيا، على الانتحار بحبة الغلة، لتعرضها لاضطرابات نفسية وخلافات بسبب إنجابها طفلا من ذوي الهمم.

أما في نهاية شهر أغسطس الجاري، أقدمت فتاة ذات الـ15 عامًا على التخلص من حياتها بتناولها تلك الحبة السامة، بإحدى مراكز محافظة الدقهلية، لخلافات مع أسرتها لعدم حصولها على مصروف شخصي.

هذا الحصر لبعض الحالات التي رصدناها لسيدات قاموا بالانتحار بالحبة السوداء، ولن تكون تلك المرة الأولى ولا الأخيرة للنساء التى يقتلن أنفسهم بتلك الوسيلة، وذلك ما يدفع لأهمية تسليط الضوء ونشر الوعي بمخاطر تلك الحبة المميتة والمنتشرة بالأخص في المناطق الريفية.

مطالب برلمانية بمنع تداول الحبة السوداء لغير المزارعين

بعد زيادة حالات الانتحار باستخدام حبة الغلة، خاصةً في محافظات الدلتا والصعيد، تقدمت النائبة “أمل سلامة”، عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب، في يوليو 2021، بطلب إحاطة طالبت فيه الدكتور “السيد القصير” وزير الزراعة والدكتور “نيفين جامع” وزيرة التجارة والصناعة بحظر تداول “حبوب الغلة” القاتلة من الأسواق المصرية.

كما طالبت الدكتورة “إيناس عبد الحليم”، عضو لجنة الصحة في مجلس النواب في عام 2022، بضرورة وضع ضوابط لاستيراد حبة الغلال ولا تسلم إلا عن طريق الجمعيات الزراعية ويتم وضع شروط لمَن تصرف له هذه الحبة ولا يتم تداولها إلا وفقًا لضوابط واشتراطات خاصة.

وأشارت أيضًا إلى أن تزايد حالات الوفيات بسبب هذه الحبة، في عدد من المحافظات، يستوجب على الحكومة سرعة التحرك لاتخاذ قرار عاجل يحظر تداول هذه الحبة، أو وضع ضوابط صارمة لبيعها، بتدوين اسم المشتري ورقمه القومي، ومنع بيعها لصغار السن والشباب من الجنسين.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات