…منعت وزارة التربية والتعليم ضرب التلاميذ في المدارس، ومنعت وزارة الداخلية عقوبة الضرب في السجون وأقسام البوليس، وأدانت منظمات حقوق الإنسان ووزارة العدل والهيئات القضائية الضرب حتى لو بغرض انتزاع الاعترافات، ولكن للأسف الفقهاء المسلمون لم يمنعوا ضرب الزوجات في البيوت، بل أباحوه وحبذوه كتأديب للزوجة وحل لنشوزها وكسر لأنفها المتعالى!!
واختلف هؤلاء فقط في درجة الضرب ونوعيته ومدى عنفه، وظلت إباحة ضرب الزوجة هي السلاح السري الفعال في يد الزوج المسلم يستعمله متى شاء وكيف شاء اعتمادًا على الفتوى التي تبيح له تأديب زوجته الناشز، بالطبع كما اختلفت الأقوال في ما هي كمية الضرب؟ اختلفت الأقوال أيضًا فيما هي درجة النشوز أو ما هو النشوز أصلاً؟ وبين هذا وذاك تاهت المرأة في دروب الفقهاء الوعرة ما بين ركلة وصفعة ولطمة ولكمة، وكله للأسف باسم الدين الذي هو من كل ذلك براء.
الأستاذ الإمام محمد عبده: إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة
محمد زكي عبد القادر: إنه يعجب النساء من الرجال من هو صعب لكي تكسر إرادتها بإرادته
الإمام الشافعي: الضرب يكون مفرقاً على بدنها، ولا يوالى به في موضع واحد، ويتقى الوجه لأنه مجمع المحاسن0000
لم يخرج فقيه مسلم واحد عن الطابور في موضوع ضرب المرأة، فلم ينكره منهم أحد ولم يشذ عالم فرد ليخرج ويقول إن ضرب الزوجة تحت أى وضع وبأي مبرر خطأ فادح وسلوك مجاف للإنسانية والتحضر، حتى أكثرهم استثارة خذلنا وقال قولتهم واتبع مناهجهم، ومنهم الإمام “محمد عبده” وهو إمام الاستنارة الذي قال عن موضوع ضرب المرأة وهاجم مقلدى الفرنجة الذين يرفضون الضرب كعقوبة قائلاً “أي فساد يقع في الأرض إذا أبيح للرجل التقى الفاضل أن يخفض من صلف إحداهن ويدهورها من نشز غرورها بسواك يضرب به يدها، أو كف يهوى بها على رقبتها؟!!! ويضيف المصلح الأستاذ الإمام قائلاً: إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى التأويل، فهو أمر يحتاج إليه في حال فساد البيئة وغلبة الأخلاق الفاسدة، وإنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه“.
عباس العقاد : يباح الضرب لأن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره
أما المفكر الإسلامي “عباس العقاد” فهو يردد نفس الكلام ولكن بصراحة أكثر حين يقول “يباح الضرب لأن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره، ومن اعترض على إجازته من المتحذلقين بين أبناء العصر الحديث فإنما يجرى اعتراضه مجری التهويش في المناورات السياسية“. وبنفس المنطق يتحدث “محمد زكي عبد القادر” ولكنه يلبسها رداء علم النفس ” إنه يعجب النساء من الرجال من هو صعب لكي تكسر إرادتها بإرادته، ومع أنهن يصرخن يحسسن في أعماق نفوسهن متعة الضعف تجاه قوة رجالهن“، أما المفكر والمؤرخ الإسلامي “أحمد شلبي” فيتبنى منطق الحرب في العلاقة الزوجية ويقول: إنه من الحماقة أن يتصور المرء أن ليس للجنس البشرى عضو يمكن إصلاحه بالضرب ولماذا لا يحتج هؤلاء على عقوبة الضرب في الجندية؟! ويتبنى المفكر الإسلامي محمد قطب نفس وجهة النظر العسكرية في كتابه “شبهات حول الإسلام” ويقول ” لابد من سلطة تقوم بهذا التأديب، هي سلطة الرجل المسئول في النهاية عن أمر هذا البيت وتبعاته، فإذا لم تفلح جميع الوسائل فإننا أمام حالة من الجموح العنيف لا يصلح لها إلا إجراء عنيف هو الضرب بغير قصد الإذاء، وإنما بقصد التأديب، وهنا شبهة الإهانة لكبرياء المرأة والفظاظة في معاملتها، ولكن ينبغي أن نذكر من جهة أن السلاح الاحتياطي لا يستعمل إلا حين تخفق كل الوسائل السلمية الأخرى“!!
ولا أعرف ما. هو مفهوم العلاقة الزوجية كما يفهمها هؤلاء الذين يستعملون مصطلحات الحرب والسلاح الاحتياطي، وأيضًا أعترف بجهلي بالفرق بين الضرب بغرض التأديب والضرب بغرض الإيذاء، فليس مطلوبًا من العلاقة الزوجية أن تكون ماتش ملاكمة بين الزوج والزوجة، والضربة حتى ولو كانت موزونة بترمومتر الفقهاء وبغرض التأديب هي في النهاية إهانة لكرامة المرأة وحط من قدرها الإنساني، وإذا بررنا الضرب بأنه للمرأة المريضة نفسيًا فمن الأولى علاجها بدلاً من ضربها، والنقطة المهمة التي تفضح توجهات هؤلاء الفقهاء الذكورية المنحازة إلى الرجل هي تحولهم 180 درجة حين يتحدثون عن نشوز الرجل وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل فيما بعد، ولكننا نقتبس الآن قول نفس المفكر السابق “محمد قطب” في نفس الكتاب حين يبرر عدم المساواة بين الرجل والمرأة في النشوز فيقول “قد يطيب لبعض الناس لأول وهلة أن يطالب بالمساواة الكاملة، ولكن المسألة هنا هي مسألة الواقع العملي والفطرة البشرية لا مسألة عدالة نظرية مثالية لا تقوم على أساس، أي امرأة سوية في الأرض كلها تضرب زوجها ثم ينبغي لها في نفسها احترامه وتقبل أن تعيش معه بعد ذلك؟ وفي أي بلد في الغرب المتحضر أو الشرق المتأخر طالبت النساء بضرب أزواجهن! ونسأل إشمعنى يا أستاذ قطب تذكرت الآن الغرب واستشهدت بهم، نحن نطالب بالطبيعي وهو عدم ضرب المرأة ولا نطالب بالشاذ وهو ضرب الزوجة للزوج، فلم يطالب أحد بذلك ولكنها البطحة التي على رؤوس أصحاب الفقه الذكورى المنحاز، ولنستمع إلى الرقة والرومانسية التي يتحدث بها مفكر إسلامي آخر هو “الخولي” في كتابه “الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة” حين يطالب المرأة أن تتلطف مع زوجها الناشز فيقول “فإن كان النشوز من جانب الزوج فلتستجمع المرأة كل حيلتها وذكائها تؤكد على الرحمة والمودة ومن آياته “أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” أما ما نسجه الفقهاء عن علاقة الرجل بالمرأة على أن الأخيرة هي ذخيرته الجنسية وعلاقتهما علاقة خادم بمخدوم أو سيد بجارية فهذا مرفوض ولا أتبناه بل أقاومه بكل ما أملك، ولكن إلى ماذا استند هؤلاء في مسألة ضرب الزوجة لتأديبها؟ استند واعتمد الفقهاء على منطوق الآية 34 من سورة النساء “واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجرهن في المضاجع وأضربهن فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً“، وبداية كما ذكرنا ميز الفقهاء بين نشوز المرأة ونشوز الرجل، فعلى سبيل المثال اعتبروا المرأة ناشزًا إذا غادرت بيتها لزيارة أهلها أو جارتها بدون إذن زوجها، أما إذا سافر الزوج وغاب فترة طويلة بدون علمها فلا يعد ذلك نشوزًا وليس لها حق التفريق إلا إذا تجاوز الغياب السنة، وإذا امتنعت الزوجة عن الفراش اعتبرت ناشزًا أما الرجل في مذهب أبي حنيفة إذا هجر الفراش وامتنع عن معاشرة زوجته فلا يعد ذلك نشوزاً، وتبرير ذلك كما يقول الإمام الرازي في تفسيره “لأن الزوج لا يجبر على الوطء” وكذلك لم يعتبر الفقهاء زواج الرجل بامرأة ثانية يحمل أي إساءة نفسية أو نشوزًا، واعتمدوا في تبريرهم للضرب كوسيلة تأديب على ما جاء في المأثور عن النبي – صلعم – الذي قال في خطبة الوداع “واتقوا الله في النساء فإنهن عندكن عوان – أي أسيرات – ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فأضربوهن ضربًا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف“، وبالطبع تغافل، هؤلاء المؤيدون للضرب أحاديث أخرى كثيرة قالها الرسول – صلعم – تناقض ما سبق مثل:
“لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم، صحيح البخاري من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا ليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء خيرًا… صحیح مسلم. أطعموهن مما تأكلون، وأكسوهن مما تكسبون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن“
سنن أبي داود، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله خادمًا له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا… سنن ابن ماجه. بالطبع اختلف الفقهاء في كمية الضرب وكيفيته، وكأنهم يمرنون كومبارسات في فيلم أكشن كيف يضربون دون جروح وكدمات؟ وكأن الضرب في حالة التأديب من رجل عصبي منحه الفقهاء تفوقًا أبديًا وقوامة سرمدية يستطيع التحكم فيه بهذه الدقة التي يتحدثون عنها، وكان أرحم هؤلاء الفقهاء وأكثرهم رقة الإمام الشافعي الذي قال في تعليماته “الضرب يكون مفرقًا على بدنها، ولا يوالى به في موضع واحد، ويتقي الوجه لأنه مجمع المحاسن، وأن يكون دون الأربعين… ولا يفضي إلى الهلاك… منتهى الرقة حقيقي!! ولم يذكر لنا الشافعي ما هي عقوبة الزوج الذي تفلت يده ببوكس في الوجه غصبًا عنه أو شلوتًا في الرحم غصبًا عنه أيضًا، هل نعفو عنه لأنه حدث غصبًا عنه والله أدري بالنوايا؟!! وأوصى فقهاء آخرون بالضرب بمنديل ملفوف بدلاً من الكرباج والعصا.. إلخ، وقد لجأ المعاصرون من المفكرين المستنيرين إلى أحد حلين لفهم هذه الآية والخروج من هذا المأزق، وكان الحل الأول هو فهم هذه الآية في نطاق زمانها وبيئتها والوضع الاجتماعي للمرأة حينذالك الذي كان يحمل بقايا البدوية الجاهلية، وهذا المنهج في الحل يعتمد على عدة سوابق في الاجتهادات الإسلامية المرنة التي واءمت تطور الزمن، والتي كانت توقف العمل بأحكام ذكرت في آيات قرآنية، والأمثلة كثيرة ومتعددة تملأ المراجع الإسلامية، ورفض هذا الحل الأول ناتج عن الخلط بين الحكم الشرعي والعادات والتقاليد العربية، أي بين ما هو دين وبين ما عرف في الجزيرة العربية، والخلط الحادث أيضًا بين الإسلام الذي أنزله الله وبين الفهم القومي لهذا الإسلام أي طريقة تطبيق المجتمع للدين حسب فهمه وتصوره واحتياجاته. فالدين غالبًا يدخل ويعجن في فرن الفهم والتفسير الخاص للمجتمع الذي يدين به، ونحن غير ملزمين بفهم وتطبيق هذا المجتمع، لأن ذلك هو نتاج تفاعلهم الخاص مع الدين، فالمجتمع البدوي القديم كان الضرب فيه سلوكًا غير مستهجن، ووضع المرأة كان متدنياً لظروف كثيرة ومختلفة ليس هنا مجال الحديث عنها الآن، ونحن غير مطالبين في القرن الحادي والعشرين وفي بلد عرف الحضارة والمدنية منذ الآف السنين أن نتبع ذلك الفهم البدوى بحذافيره مادمنا لم نخرج عن الأطر والمبادئ العامة التي وضعها لنا الإسلام الحنيف.
الحل الثاني هو قراءة مختلفة للآية، وفهم متطور للنص، وقد حاول الكثيرون تطبيق هذه القراءة المختلفة منهم “محمد شحرور” و “سلیمان حريتاني” و“الصادق النيهوم” وغيرهم من المفكرين المهمومين بفض الاشتباك بين الإسلام والموقف المتخلف من المرأة، واستخدموا غنى اللغة العربية وثراءها في تفسير هذه الآية تستقيم مع الغايات الكلية للإسلام، ومنها تكريم المرأة ومعاملتها كإنسان وليس كجارية واحترام وتقديس العلاقة الزوجية التي لابد ألا تتحول لساحة حرب، ففهموا معنى الضرب بمعنى آخر غير معناه المباشر، معنى العراك والشجار باليد…. إلخ، ولنقرأ التفسير الجديد الذي بالطبع لن يعجب البعض ممن تحولوا إلى كهنة لهم وحدهم حق التفسير وبالنظر إلى “ضرب” نجدها كلمة تدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثرًا، وتختلف في الاستخدام مثل الضرب في الأرض سفرًا مثل آية “وإذا ضربتم في الأرض” وهناك ضرب الأمثال مثل آية “فلا تضربوا لله الأمثال وهناك ضرب الخمار “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” وهناك ضرب الناي وضرب النقود، وكلها معاني لا تحمل معنى الضرب باليد أو العصا، ويقال للصنف من الشيء ضرب، وهناك الإضراب عن العمل وهو حجز النفس عن العمل، وعن الطعام وهو حجز النفس عن الطعام، وعندما نقول ضربت الدولة المتلاعبين بالأسعار معناه هو أن الدولة تتخذ منهم موقفًا حازمًا، وهذا هو المعنى الذي تقصده الآية أي عندما لا تفيد الموعظة والهجر في المضاجع أي الهجر مع بقاء الزوج في الفراش، وبعدها يأتي الحل العلني وهو اتخاذ موقف المقاطعة الاجتماعية، وهذه كلها درجات من التعامل في حالة الخصام حتى لا نصل إلى الطلاق ونتفاداه بقدر الإمكان، ولذلك لم ينصح القرآن الزوج بالتمادي في هذا الإضراب الاجتماعي لذلك جاءت الآية التالية مباشرة تقول “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها” وكذلك في نشوز الرجل لابد من البحث عن الصلح من خلال الأسرة أو مؤسسات المجتمع ككل، فيقول القرآن عن نشوز الرجل “وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير“.
مما يؤيد التفسير السابق للضرب بالإضراب الاجتماعي أو الخصام الاجتماعي عدم استخدام القرآن للضرب هنا بتحديد ماهيته ونوعيته باللطم أو الركل…. إلخ، كما عودنا القرآن في مواضع أخرى، ويضرب د. محمد شحرور أمثلة على ذلك منها الآية التي تقول “فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم” وصكت هنا تعنى الضرب على الوجه، وعندما قتل موسى الرجل قال القرآن “فوکزه موسى فقضى عليه ولم يقل ضربه موسى.. إلخ. وبالطبع لن تجدي هذه المحاولات لقراءة جديدة للنص مع الكهنة الجدد وفقهاء قمع المرأة وقهرها لأنهم يؤمنون بأن القدماء قد حسموا كل شيء ولا يوجد مجال لإجتهاد ودائمًا يرددون نفس الأسطوانة المشروخة “يعنى إنتم هتفهموا أحسن من الفطاحل القدماء” وكأن عقارب الزمن قد توقفت عند القرنين الأول والثاني الهجريين، وينسون أن مقياسنا هو الحق وليس الرجال الفقهاء مهما كانت مكانتهم، فلهم الاحترام ولكن ليس لهم التقديس، وأخيرًا أهدي هذه القصيدة لكل من يتبنى عقيدة الضرب لتأديب الزوجة، يقول نزار قباني:
“في حارتنا ديك سادي سفاح ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح ينقرهن يطاردهن يضاجعهن ويهجرهن ولا يتذكر أسماء الصيصان!”