تأملات في تدابير تمكين النساء

تاريخ النشر:

2015

اعداد بواسطة:

الموارد والقدرة الفردية على الفعل والإنجاز:

تأملات في تدابير تمكين النساء

القسم الأول:

تحديد مفهوم التمكين

مقدمة

حين تقوم الدعوة لقضايا المرأة على المطالبة بالتآزر بين الأهداف النسوية والأولويات الرسمية للتنمية تنال نصيبًا من مخططات التيار السائد في التنمية أكثر من الدعوة التي تقيم حجتها على أساس ما تدعو إليه أهدافها النسوية. والمنطق الذي يحكم هذا الوضع مفهوم. ففي وضع تقل فيه الموارد، ويكون فيه على واضعي السياسة أن يحكموا بين مطالب متنافسة، ويقرروا أيها صاحب الحق (Razavi 1997)، فإن الدعوة للأهداف النسوية على أساس ما تدعو إليه هذه الأهداف في حد ذاتها يحيد بواضعي السياسة عن ساحة المفاهيم التي اعتادوها – ألا وهي ساحة الرعاية الاجتماعية، والفقر، والكفاءة – إلى ساحة غامضة، في ساحة القوة والظلم الاجتماعي. ويحكم هذا الوضع أيضًا منطق سياسي، إذ أن أكثر الرابحين من مثل هذه الدعوة، وهن النساء، وخاصة نساء الأسر الفقيرة، ليس لهن تأثير كبير على من يضعون المخططات في المؤسسات الكبرى المعنية بوضع السياسات.

بناء على ذلك، طالما ظل أصحاب الدعوة إلى تمكين النساء يدافعون عنها كهدف في حد ذاته، ستميل الدوائر السياسية لسماع الدعوة على أنها لعبة صفريةيربحها الضعفاء سياسيًا ويخسرها الأقوياء. أما أشكال الدعوة الذرائعية (التي تعتبر الأفكار وسيلة لتحقيق ما هو نفعى)، التي تمزج ما بين الدفاع عن المساواة بين الجنسين / تمكين المرأة، وإظهار أن لهذه الدعوة مردودًا إیجابیًا هائلاً على غيرها من المجالات، فهي تقدم لواضعي السياسة إمكانية إنجاز أهداف مألوفة ومتفق عليها، حتى ولو كان هذا سيحدث بطرق غير مألوفة. إن الدعاوى المغرية التي قالت إن تمكين النساء له مردود سياسي مهم في مجال السلوك الإنجابي والتحول السكاني، وتحسين أحوال الأطفال ووفيات الرضع، والنمو الاجتماعي والتخفيف من وطأة الفقر قد أدت إلى ظهور دعاة لتمكين المرأة من بين العاملين في حقل التنمية الدولي لم يكونوا في الحسبان، منهم البنك الدولي، ووكالات الأمم المتحدة الكبرى، ومجموعة لجنة مساعدة التنمية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD- DAC).

لكن نجاح الأشكال الذرائعية من الدعوة له تكلفته. إنه يتطلب ترجمة الفهم النسوي للأمور إلى لغة الخطاب التقني للسياسة. وهي عملية لا بد من التضحية فيها ببعض المزايا الأصلية للنسوية. إن التعبير بلغة الأرقام أحد أوجه عملية الترجمة هذه. ولقلة الموارد في مجال السياسة، يعد قياس الأمور، بالطبع، من أهم اهتمامات ذلك المجال، فهذا القياس له مبرراته, ويتجلى فيه الاهتمام بحساب الكلفة / الفائدة لمختلف الدعاوى المتنافسة. وحيث إن فكرة تمكين المرأة تمثل في حد ذاتها للكثير من واضعي السياسات إدخال مفاهيم ميتافيزيقية على عالم سياسة التنمية، وهو عالم عملي وملموس، يبدو أن التعبير عن مفهوم التمكين بلغة الأرقام يضعه على أرض صلبة يمكن التحقق منها بشكل موضوعي. بناء على ذلك ظهرت الكثير من الدراسات التي تحاول قياس التمكين، سعت بعضها لتيسير المقارنة بين المواقع المختلفة أو حتى الأزمنة المختلفة، وسعت بعضها لإيضاح وقع تدخلات معينة على تمكين النساء، وحاولت دراسات غيرها إيضاح أثر تمكين المرأة على أهداف سياسية مرغوبة.

لكن لم يقبل الجميع فكرة أن التمكين مفهوم يمكن تحديد تعريفه بوضوح، ناهيك عن تحليل قياسه. تكمن أهمية مفهوم التمكين بالنسبة لكثير من النسويات في عدم تحدد معالمهبالذات. وقد عبرت إحدى النشطات في منظمة غير حكومية، اقتبس قولها في كتابات باتليوالا (Batliwala 1993)، عن هذا الاتجاه بقولها: “أحب مصطلح التمكين لأن أحدًا لم يحدد معالمه بوضوح بعد؛ فهو بذلك يتيح لنا فسحة من الوقت للتفكير فيه بعبارات تناسب الحركة قبل أن نضطر لربط أنفسنا بمعناه. وسأظل أستخدمه إلى أن أتأكد أنه لم يعد يصف ما نفعله“. وهذا البحث يقدم تقديرًا نقديًا لمختلف تدابير تمكين المرأة التي تتضح في الكتابات المتزايدة عن هذا الموضوع. ويستخدم البحث هذه التقديرات للتفكير في الآثار الضمنية المترتبة على محاولة قيس ما لا يسهل قياسه، ويستبدل الحجج الذرائعية بالحجج التي تدافع عن الأهداف النسوية من داخلها. لكن، حيث إن مفهوم التمكين ذو طبيعة خلافية، من المهم أن نوضح منذ البداية كيف سيستخدم في هذا البحث، حيث أن هذا سيؤثر في كيفية تقييم مختلف محاولات قياسه. وهذا ما نحاول فعله في بقية هذا القسم من البحث. أما الأقسام التالية، فسأعرض فيها مختلف تدابير تمكين النساء، وإلى أي حد تعنى هذه التدابير ما قصدت أن تعنيه، والقيم التي تجسدها ومدى ملاءمة هذه القيم للتعبير عن فكرة التمكين.

تحديد مفهوم التمكين: الموارد، وقدرة الفرد على الفِعل، والإنجاز

يمكن التفكير في القوة بعدة طرق، يتمثل أحدها في تناولها من حيث قدرة صاحبها على الاختيار: من ثم، يتضمن معنى عدم التمكين الحرمان من الاختيار.1 إنى أفهم فكرة التمكين على أنه مرتبط ارتباطًا لا فكاك منه بحالة عدم التمكين، وأنه يشير إلى العمليات التي يكتسب بها المحرومون من الاختيار القدرة عليه. بعبارة أخرى، يستدعي التسكين عملية تغيير. قد يكون من يمارسون الاختيار كثيرًا في حياتهم أقوياء، لكنهم لم يحدث لهم تمكين بالمعني الذي استخدم به هذه الكلمة, لأنهم لم يكونوا أبدًا غير متمكنين في المقام الأول.

لكننا لكي نجعل فكرة الاختيار ذات علاقة بتحليل القوة، لابد من تحديد شروط لها بعدة طرق. فأولاً وقبل كل شيء، يتضمن الاختيار بالضرورة بدائل، أي يتضمن القدرة على أن نختار شيئًا آخر. ويرتبط الفقر منطقيًا بعدم التمكين لأن عدم كفاية ما لدى الفقير من وسائل تلبية احتياجاته الأساسية كثيرًا ما يجعل قدرته على ممارسة اختيارات ذات معنى أمرًا مستحيلاً. لكن حتى حين تنتفي سيطرة ضرورات البقاء، تظل لدينا مشكلة أن كل الاختبارات ليست ذات علاقة متساوية بتحديد تعريف القوة. لبعض الاختيارات أهمية أكثر من غيرها من حيث عواقبها على حياة الناس، ومن ثم يجب أن نميز بين الاختيارات الأولية والثانوية، حيث تكون الاختيارات الأولية هي الاختيارات الاستراتيجية للحياة، كاختيار كسب العيش، وأين يقيم الشخص، وهل يتزوج، وممن يتزوج، وهل ينجب، وكم طفلاً ينجبه، وحرية الحركة واختيار الأصدقاء، وكلها اختيارات شديدة الأهمية الناس كي يعيشوا الحياة التي يرغبونها. تساعد اختيارات الحياة الاستراتيجية هذه على وضع إطار لغيرها من الاختيارات الثانوية والأقل عواقب، والتي قد تكون مهمة لتحسين نوعية حياة الفرد، لكنها لا تشمل القيم الثابتة التي تحدد الحياة.

فالتمكين يشير إلى توسيع قدرات الناس على ممارسة الاختيارات الاستراتيجية لحياتهم في سياق كانوا محرومين فيه من قبل من هذه الاختيارات.

يمكن التفكير في التغيرات التي تطرأ على القدرة على ممارسة الاختيار من حيث التغيرات في ثلاثة أبعاد تكَوِّن عملية الاختيار، وهي أبعاد ذات علاقة متبادلة ببعضها البعض: الموارد، التي تشكل الشروط التي يجري فيها الاختيار؛ وقدرة الفرد على الفِعل، التي تقع موقع القلب من العملية التي يجري بها الاختيار؛ والإنجازات، التي هي نواتج الاختيار. وهذه الأبعاد تعتمد على بعضها البعض لأن التغير في أي منها يسهم في التغيرات التي تطرأ على البعدين الآخرين ويستفيد منها. وهكذا، تترجم الإنجازات في لحظة معينة إلى تعزيز الموارد أو قدرة الفرد على الفِعل، ومن ثم القدرة على ممارسة الاختيار في لحظة زمنية تالية.

شكل 1: أبعاد التمكين

الموارد (شروط)

الإنجازات (نواتج)

قدرة الفرد على الفعل

(عملية)

قد تكون الموارد مادية، أو اجتماعية، أو إنسانية. وبعبارة أخرى، تشير الموارد الموارد الاقتصادية المعتادة، مثل الأرض، والأجهزة، والتمويل، ورأس المال العامل، إلخ، كما تشير أيضًا إلى مختلف الموارد الاجتماعية والإنسانية المتجسدة في الفرد، والتي تشمل ما لديه / أو لديها من معارف، ومهارات، وقدرات إبداعية، وخيال، وما إلى ذلك. من جهة أخرى، تتكون الموارد الاجتماعية من الحقوق، والواجبات، والتوقعات التي تتضمنها العلاقات، والشبكات، والارتباطات السائدة في مختلف مجالات الحياة، والتي تمكن الناس من تحسين أوضاعهم والفرص المتاحة لهم في الحياة بما يتجاوز ما قد يكون ممكنًا من خلال جهودهم الفردية وحدها.

توزع الموارد من خلال مؤسسات متنوعة ومختلفة. وتحدد القواعد والمعايير، والتطبيقات العملية السائدة في مجالات مختلف المؤسسات عمليات الحصول على الموارد والمداخل المؤدية إليها. من أمثلة هذه القواعد والمعايير المعايير العائلية، والعلاقات بين السيد والتابع، واتفاقيات الأجور غير الرسمية، والمعاملات التعاقدية الرسمية، والحقوق التي يكفلها القطاع العام. وهذه القواعد، والمعايير، والممارسات تعطي بعض الفاعلين سلطة على غيرهم في تحديد مبادئ التوزيع والتبادل في ذلك المجال. بناء على ذلك، يميل توزيع الموارد المخصصة إلى أن يكون مغروسًا في توزيع الموارد السيادية” (Giddens 1979)، وفي القدرة على تحديد الأولويات وفرض الحقوق. إن أرباب الأسر، ورؤساء القبائل، ومديري المصانع، ومديري المنظمات، وصفوة المجتمع يتمتعون جميعًا بسلطة اتخاذ القرار في سياقات ذات صفات مؤسية خاصة، وذلك بفضل مواقعهم في هذه المؤسسات.

وإذا أخذنا في اعتبارنا مسألة التمكين، لكانت الشروط التي يصل الناس بمقتضاها إلى الحصول على الموارد في نفس أهمية الموارد ذاتها. وقد تكون سبل الحصول على الموارد مرهونة بالكثير من الشروط في أشكال علاقات الاعتماد التي تتميز بقدر عال من التبعية، أو في ظروف العمل التي تتسم بقدر كبير من الاستغلال، أو قد يتمكن الفرد من التوصل إلى هذه السبل بطرق تجعله موفور الكرامة وتوفر له الشعور بقيمة الذات. إن التمكين يستدعي تغير شروط الحصول على الموارد، بقدر ما يستدعى زيادة سبل الوصل إلى الموارد.

يتعلق البعد الثاني من أبعاد القوة بقدرة الفرد على الفعل، وتعني قدرة الفرد على تحديد أهدافه والعمل على تحقيقها. وتتجاوز قدرة الفرد على الفِعل الحركة الملحوظة؛ إذ تتضمن أيضًا المعاني، والدوافع، والأغراض التي يضفيها الأفراد على نشاطهم، كما تتضمن شعورهم بأنهم فاعلين، أو بالقوة الداخلية“. كثيرًا ما يميل الباحثون – وخاصة في الكتابات الاقتصادية السائدة – لترجمة قدرة الفرد على الفِعل بلغة الخطوات العملية التي يمكن قياسها بها، ليبدو أنها اتخاذ القرار على المستوى الفردي، لكن نطاقها الواقعي يتسع ليضم الكثير من الحركات الهادفة التي تشمل: المساومة، والتفاوض، والخداع، والتلاعب، والإشراف، والمقاومة والاحتجاج، علاوة على عمليات عقلية غير ملموسة مثل التفكير والتحليل. وتتضمن قدرة الفرد على الفعل أيضًا التفكير والحركة الجماعيتين، وليس الفرديتين فقط.

ولقدرة الفرد على الفعل في علاقتها بالقوة معان إيجابية وسلبية معا.2 فكلمة القوة على [الفعل] “power to بمعناها الإيجابي تشير إلى قدرة الناس على تحديد اختياراتهم في الحياة بأنفسهم، وعلى السعي لتحقيق أهدافهم، حتى ولو في وجه معارضة الآخرين لهم. ويمكن أيضًا ممارسة الفِعل بالمعنى السلبي للكلمة، بمعنى “[فرض] القوة على [فرد آخر] “power over ، أو بعبارة أخرى، قدرة أحد الفاعلين من الأفراد أو الجماعات على أن يجُبَّ بسلطته قدرة الآخرين على الفِعل، من خلال استخدام العنف، أو القهر، أو التهديد مثلاً. لكن القوة يمكنها أن تعمل أيضًا في غياب أي فِعل صريح. فالقيم والقواعد التي تحكم السلوك الاجتماعي تميل إلى تأكيد إعادة إنتاج نواتج معينة دون ممارسة أي فِعل ظاهر. وحيثما تؤثر هذه النواتج على اختيارات الحياة الاستراتيجية التي أشرنا إليها سلفًا، فإنها توضح أن ممارسة القوة ممارسة لعدم اتخاذ القرار“(Lukes 1974). فقيم الزواج في جنوب آسيا مثلاً، تعطي الوالدين سلطة اختيار شركاء وشريكات الحياة لبناتهما وأولادهما، لكن لا يرجح أن يشعر الناس بهذه السلطة على أنها شكل من أشكال القوة، إلا لو تشكك فيها أحد.

والموارد وقدرة الفرد على الفِعل يشكلان معًا ما تسميه سين باسم القدرات، أي قدرة الناس الكامنة على عيش الحياة كما يرغبون، وأن يحققوا وجودهم وأعمالهمبطرق يرونها ذات قيمة. تستخدم سين فكرة العوامل الفاعلة (functionings)” للإشارة إلى كل الطرق الممكلة التي يرى الناس الذين يعيشون في سياق معين أنها ذات قيمة بالنسبة لهم لتحقيق الوجود والعمل (being and doing)” وتستخدم فكرة الإنجازات الفاعلةلتشير إلى الطرق المعينة التي يحقق بها مختلف الأفراد وجودهم وأعمالهم. ويشكل تحقيق هذه الإنجازات أو الفشل في تحقيقها البعد الثالث من أبعاد القوة من منظورنا. فمن الواضح أنه يمكن إرجاع فشل الفرد في إنجاز الوجود والعملبالطرق التي يراها ذات قيمة إلى كسله، أو عدم كفاءته، أو أي سبب آخر يخص هذا الفرد، فبذا، لا تصير مسألة القوة ذات صلة بفشله. لكن حين يتجلى في الفشل في الإنجاز وجود فوارق في توزيع القدرات، ذلك التوزيع الذي يشكل خلفية الإنجاز، يمكن أن نعتبر هذا الفشل من مظاهر عدم التمكين.

تحديد شروط الاختيار: الفوارق مقابل عدم المساواة

لكن الاهتمام بـ الإنجازاتكقياس للتمكين يلفت الأنظار إلى ضرورة بذل المزيد من الجهد لتحديد الشروط التي تفهم الاختيار على أساسها. ففيما يتعلق بالتمكين، نهتم بنواحي عدم المساواة التي يمكن أن تحد من قدرة الناس على اتخاذ قراراتهم لا بالفوارق بين الاختيارات التي يتخذونها. فملاحظة عدم التجانس بين الإنجازات الفاعلة (functioning achievements) لا يمكن أن يفسر أوتوماتيكيًا على أنه برهان على عدم المساواة، لأن من غير المرجح أن يضفي جميع أفراد أي مجتمع من المجتمعات قيمًا متساوية على الطرق المختلفة الممكنة لتحقيق الوجود والعمل“. بناء على ذلك، حيثما وجد تفاوت بين الجنسين في الإنجازات الفاعلة، يكون علينا أن نفك الاشتباك بين أوجه التفاوت التي تنجلي فيها الفوارق في التفضيلات والأولويات وأوجهها التي يتجسد فيها الحرمان من الاختيار.3 من أحد طرق التغلب على المشكلة لأغراض تخص القياس التركيز على عوامل فاعلة معينة مشتركة بين الجميع على مستوى الكون، وهي العوامل الفاعلة المتعلقة بالأساسيات الأولى للبقاء وصلاح الحال، بغض النظر عن السياق. فمن المتفق عليه عمومًا مثلاً أن التغذية الملائمة، والصحة الجيدة، والمأوي المناسب، والكساء المعقول، والماء النظيف، تشكل كلها عوامل فاعلة أولية يميل العالم كله إلى تقدير قيمتها. فإذا وجدت فوارق أساسية بين الجنسين في هذه الإنجازات الأساسية الفاعلة، يمكن أخذها كبرهان على عدم المساواة في القدرات اللازمة لتحقيق هذه الإنجازات بدلاً من اعتبارها فوارق في التفضيلات. وهذه مثلاً في الاستراتيجية التي أخذت بها سين Sen 1990)). ومع أن التركيز على إنجازات الاحتياجات الأساسية بتناول جانبًا واحدًا من المشكلة، إلا أنه يثير قضايا أخرى.

يحدث عدم المساواة في العوامل الفاعلة الأساسية عمومًا في أحوال الندرة الشديدة. وحصر تحليل جوانب عدم المساواة بين الجنسين في هذه الإنجازات وحدها يعطي انطباعًا بأن عدم تمكين النساء مسألة ترجع في معظمها إلى الفقر. وهذا أمر مضلل لسببين.

فمن جهة، يغفل هذا المنحى أنه في القطاعات المستريحة من المجتمع على الأرجح، قد يُحرَم أحد الجنسين من بعض المزايا المتحققة الجنس الآخر. فالرخاء في المجتمع قد يساعد على تقليص نواحي عدم المساواة بين الجنسين في العيش الكريم، لكنه قد يزيد من حدة قيود اجتماعية أخرى تفرض على النساء وتعرقل قدرتهن على الاختيار (Razavi 1992). ومن جهة أخرى، يعقل هذا المنحى أبعاد أشكال الحرمان المفروضة على أحد الجنسين في الأوساط الفقيرة، والتي لا تأخذ شكل الفشل في الحصول على الاحتياجات الأساسية الفاعلة. فمثلاً، يعد اتساع الفوارق بين توقعات طول العمر بين الجنسين، وبين نصيب الأطفال من النوعين (الصبيان والبنات) في التغذية مؤشرين يستخدمان على نطاق عريض لقياس التمييز بين الجنسين في الحاجات الأساسية المؤدية لصلاح الحال، لكن لا يبدو أن هذين المؤشرين منتشران في البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بقدر انتشارهما في جنوب آسيا. ويعزى هذا الفرق عادة إلى أن النساء في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى يمكنهن الإسهام في الاقتصاد بقدر أكبر من قريناتهن في بلدان جنوب آسيا، وإلى القواعد والمعايير الثقافية التي ظهرت اعترافًا بإسهامهن في الاقتصاد، لكن هذا لا ينفي أن حرمان أحد الحسين من المزايا يمكن أن يتخذ أشكالاً أخرى في هذه البلدان. فدراسة شافر (Shafer 1998) مثلاً لم تحد إلا قليلاً من الشواهد على التمييز في الدخل أو الاستهلاك بين الأسر التي ترأسها نساء وتلك التي يرأسها رجال في غينيا، لكن الرجال والنساء الذين تناولت الدراسة أحوالهم اعترفوا بأن النساء يحملن أعباء عمل أثقل بكثير من التي يحملها الرجال، علاوة على سيطرة الذكور على سلطة اتخاذ القرار في الحياة الخاصة والمجال العام، وقد عبروا عن إدراكهم لهذا الوضع على أنه من علامات انعدام المساواة بين الجنسين في مجتمعهم المحلي.

قد يكون تجاوز الإنجازات المتعلقة بأساسيات عيش الكفاف إلى إنجازات فاعلة أخرى يمكن اعتبارها ذات قيمة اجتماعية في معظم السياقات مخرجًا ثانيًا من هذه المشكلة. وهذه هي الاستراتيجية التي يتخذها مؤشر تأثير عدم المساواة بين الجنسين على التنمية البشرية (Gender- disaggregated Human Development Index) الذي يأخذ به برنامج الأمم المتحدة الإنماني (UNDP)، بالإضافة إلى المعيار الذي يقيس به تمكين النساء (Gender Empowerment Measure) .إن هذه المقاييس المركبة تلعب دورًا نافعًا في رصد الفوارق في الإنجازات عبر مختلف المناطق والأزمنة، وتلفت الأنظار إلى الفوارق التي تعتبر إشكاليات. لكن مع وجود أسباب وجيهة لقياس الإنجازات بمعايير تتجاوز العوامل الأساسية الفاعلة؛ مثل توقعات طول العمر والحالة الغذائية, إلى إنجازات أكثر تعقدًا؛ مثل التعليم والتمثيل السياسي، لا بد أن نتذكر أن هذه المقاييس – عدا ما فيها من نواقص تتطلب الابتعاد عن اتخاذ اختيارات النساء، أو حتى القيم السائدة في مجتمعاتهن المحلية كمعايير للقياس، واللجوء إلى تعريف للإنجازيمثل قيم من يتولون عملية القياس. وسنعود في قسم تال إلى أثر المشكلات التي قد تثيرها القيم الخارجية في مجال تحليل تمكين النساء.

تحديد شروط الاختيار: “اختيار عدم الاختيار

إن استخدام الإنجازات لقياس التمكين يلفت الانتباه إلى مشكلة أخرى من مشكلات التفسير مستمدة من المقام المحوري الذي يشغله الاختيار، والذي يمنحه له تعريفنا للقوة. قد يبدو استخدام القوة معادلاً للاختيار معقولاً في ظاهرة للحدس، طالما بدا الشيء المختار كشيء يسهم في صلاح حال من يختارونه. وفي الأحوال التي نجد فيها أمثلة صارخة على عدم المساواة بين الجنسين في الإنجازات الأساسية اللازمة لضمان صلاح الحال، قد توحي مساواة الاختيار بالقوة في ظاهرها بأن هذه الأمثلة من عدم المساواة علامات دالة على أن القوة تفعل فعلها، إما في شكل غياب للاختيار أو في شكل تمييز فعال يتولاه الرجال بوصفهم الجماعة المسيطرة. لكن مساواة الاختيار بالقوة يزيد من صعوبة استيعاب أشكال عدم المساواة بين الجنسين حين يبدو أن النساء يخترن هذه الأشكال من عدم المساواة بأنفسهن. لكن هذه المشكلة تبلغ غايتها في الكتابات السابقة عن النوع الاجتماعي وصلاح الأحوال في شكل سلوك تقوم به النساء يوحي بأنهن قد قبلن في دخيلتهن وضعهن الاجتماعي كأشخاص ذوات قيمة أقل. قد يكون لهذا السلوك آثار ضمنية غير مرغوبة على صلاح أحوال هؤلاء النساء أنفسهن وعلى غيرهن من نساء الأسرة. إن قبول النساء لوضعهن الثانوي من حيث الحق في المطالبة بنصيبهن في موارد الأسرة، وخضوعهن لما يوقعه عليهن أزواجهن من عنف، واستعدادهن للحمل على حساب تدهور صحتهن وفرصتهن في البقاء لإرضاء رغباتهن أو رغبات أزواجهن في إنجاب البنين، كلها أمثلة لسلوكيات تأتيها النساء تضر بصلاح أحوالهن. ومما يستحق الذكر مثلاً أن دراسة شافر عن غرب أفريقيا التي سبق لنا الاستشهاد بها وجدت أن كلا من النساء والرجال يدركون وجود أشكال عدم المساواة بين الجنسين من حيث تحمل النساء للمزيد من أعباء العمل الثقيل وسيطرة الرجال على اتخاذ القرار، لكن لا الرجال ولا النساء اعتبروا أن هذه الأشكال عن عدم المساواة بين الحسين ظالمة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تمسك النساء بالمعايير والممارسات الاجتماعية المرتبطة بتفضيل الأبناء على البنات، والتمييز ضد البنات في الحصول على أنصبة من الطعام والرعاية الصحية الأولية إلى حد يجور على فرصتهن في البقاء على قيد الحياة، والترويج لممارسة ختان الإناث، وقهر الحموات لزوجات أبنائهن وممارسة سلطاتهن عليهن، وهي مشكلة كثيرًا ما توجد في جنوب آسيا، كلها أمثلة يؤدي فيها قبول النساء في دخيلتهن لمكانتهن الأدنى في المجتمع الى توليهن التمييز ضد غيرهن من إناث ذلك المجتمع.

يمكن القول بأن هذه أشكال من السلوك يتجلى فيها الاختيار، لكنها أيضًا اختيارات تنبع من الوضع المتدني للنساء، وتعمل على دعم تدنيهن. تذكرنا هذه السلوكيات بأن التعبير عن علاقات القوة لا يحدث فقط من خلال ممارسة الفرد لقدرته على الفعل والاختيار، بل أيضًا من خلال ما يختاره الناس لأنفسهم. إن هذا المفهوم للقوة مفهوم خلافي لأنه يسمح بإمكانية أن تفعل القوة والسيطرة فعلهما من خلال الموافقة والتواطؤ كما يفعلان فعلهما من خلال القهر والصراع. إن مصطلح الوعي الزائف ليس مفيدًا على وجه الخصوص لوصف ما نقصده هنا, حيث أنه يشير ضمنًا إلى الحاجة للتفرقة بين الوعي الزائف والوعي الصحيح، وبين الوهم والحقيقة. فالوعي الذي نتحدث عنه ليس زائفًافي حد ذاته، وذلك لأن إدراك الناس لاحتياجاتهم ومصالحهم يتشكل بماضي كل فرد منهم على حدة وبوقائع حياته اليومية، والسياق المادي والاجتماعي لخبراته، وما يتيحه كل هذا للفرد من زاوية رؤية للتأمل الذاتي في الأمور. في أي حال، قد تكون بعض الحاجات والمصالح ظاهرة جلية، تنبع من الممارسة الروتينية للحياة اليومية، وتتمايز وفقًا للنوع الاجتماعي للفرد بقدر ما تتمايز مسئوليات الحياة اليومية ومتطلباتها الرتيبة حسب الوع الاجتماعي لمن تقع عليه مسئولية القيام بها. لكن بعض الحاجات والمصالح الأخرى ليست واضحة بذاتها بمثل هذا القدر لأنها تنبع بطبيعتها من مستوى أعمقمن مستويات الواقع، ولا تظهر بوضوح في سياق الحياة اليومية لأنها محفورة في القواعد، والمعايير، والأعراف المسلم بها بداهًة، والتي تدار أمور الحياة اليومية في إطارها.

نجد احدى طرق فهم هذا المستوى العميق من مستويات الواقع في فكرة بورديو عن الدوكسا [الفكرة المنطقية التي لم تثبت صحتها بعد بحجة عقلية]”، وهي نواحي التقاليد والثقافة التي تؤخذ كبديهيات مسلم بها، والتي أضحى الناس يعتبرونها من طبائع الأمور. تشير فكرة الدوكسا إلى التقاليد والمعتقدات المتجاوزة للنقاش أو الجدال، فهي لا تناقش، ولا اسم لها، ويسلم بها الناس دون جدال ولا تمحيص (Bourdieu 1977)، تساعدنا فكرة الدوكسا هنا لأنها تبعد انتباهنا عن التعارض الثنائي بين الوعي الزائف والوعي الصحيح وتوجهه إلى الاهتمام بمختلف مستويات الواقع وإلى المصالح العملية والاستراتيجية التي تنبع من هذه المستويات.

يقول بورديو أنه كلما ازداد تطابق التقديرات الذاتية للفاعلين الاجتماعيين مع ما يتاح لهم من إمكانات منظمة على نحو موضوعي، يظل عالم الدوكسا سليمًا. ولا يحدث المرور من الدوكسا إلى الخطاب القابل للمناقشة (وهو مستوى من الوعي يسمح بدرجة أكبر من الحكم النقدي على الأمور) إلا حين تصير الطرق المتنافسة للوجود والعملمتاحة كإمكانات مادية وثقافية, بحيث تبدأ أبعاد الثقافة المأخوذة بالسليقةفي فقدان طابعها الذي يضفي عليها ثوب طابع الأمور، فتكشف عما في خلفيتها من الطابع التعسفي للنظام الاجتماعي المعني.

وهكذا، فإن إتاحة البدائل على المستوى الخطابي، والقدرة على تخيل إمكان اختيار شيء مختلف على الأقل أمر شديد الأهمية لظهور الوعي النقدي، وهي العملية التي ينتقل الناس بمقتضاها من موضع قبول النظام الاجتماعي بلا نقاش، إلى النظر إليه من منظور نقدي. ولهذا أثر واضح على نقاشنا السابق عن الإنجازات الفاعلة كأحد جوانب التمكين. وكما سبق لي أن أشرت، فقد بدا أن إمكانية فعل القوة لفعلها من خلال وضع قيود على قدرات الناس على الاختيار، وأيضًا من خلال ما يفضلونه وما يعتنقونه من قيم، ومن ثم من خلال اختياراتهم تطرح تحديًا خطيرًا أمام المعادلة الأساسية التي عرضناها في هذا البحث بين القوة والاختيار. ومع ذلك، يمكن الحفاظ على هذه المعادلة بوضع مزيد من الشروط التي تحدد فكرتنا عن الاختيار، وتوسيع فكرة البدائل لتشمل البدائل الخطابية. بعبارة أخرى، عندما تضع تقديرًا لما إذا كان أحد الإنجازات يجسد اختيارًا ذا معنى أم لا، لا بد أن نسأل أنفسنا عما إذا كانت الاختيارات الأخرى ممكنة ماديًا وما إذا كان الناس يدركون أنها تقع في عالم الممكن.4

التمكين: أبعاده ومستوياته وعمليات التغير

وخلاصة القول، إن القدرة على الاختيار صارت أمرًا محوريًا لمفهوم القوة الذي يعنا عليه التحليل في هذا البحث. لكننا حددنا شروط الاختيار بعدة طرق لنجعله ذا علاقة بالتحليل، وتشير العوامل المتعلقة بتحديد شروط الاختيار إلى الحاجة إلى التمييز بين الاختيارات التي يتم اتخاذها من موقع مواتٍ تتوفر فيه بدائل فعلية، والاختيارات التي يتجلى فيها غياب البدائل، أو وجودها بثمن مرتفع يحمل طابع العقاب لمن يختارها. يتجلى في الشروط المتعلقة بعواقب الاختيار الحاجة إلى التمييز بين الاختيارات الاستراتيجية في الحياة، تلك التي تمثل سبل وجود وعمليقدرها الإنسان، والاختيارات الأخرى الأقل أهمية، التي تأتي في المرتبة التالية بعد تحقيق الاختبارات ذات الأولوية. كما يمكن تقييم عواقب الاختيار من حيث قدرتها على إحداث التغيرات، ومدى قدرتها على تحدي أوجه عدم المساواة الاجتماعية وزعزعتها، ومدى تعبير تلك الاختيارات عن هذه الأوجه لعدم المساواة وإعادة إنتاجها. إن الاختيارات المعبرة عن الأوجه الأساسية لعدم المساواة في المجتمع، أو المجحفة بحقوق الآخرين، أو التي تنقص من قيمة الذات على نحو نظامي لا تتفق مع فكرة التمكينكما يقدمها هذا البحث.

تمثل تلك الشروط محاولة لدمج الأبعاد الهيكلية للاختيار في تحليلنا. تعمل الهياكل من خلال قواعد، ومعايير، وممارسات مختلف المؤسسات لتحديد إمكانات الموارد، والقدرة على الفعل، والإنجاز المتاحة لمختلف أفراد الجماعات التي يتكون منها المجتمع، والمعايير التي وضعناها لـ البدائل” (هل كان بوسع الأفراد اختيار شيء آخر؟) تعترف بتلك القيود الهيكلية الأكبر التي تحكم الاختيار. لكن أفعال الأفراد والجماعات واختياراتهم يمكن أن تعمل بدورها على هذه القيود الهيكلية، فتدعمها، أو تدخل عليها تعديلات أو تحولات، علمًا بأن المعايير التي حددناها لـ العواقبتلفت الانتباه إلى إمكان حدوث هذا. إن هذا الفهم للتمكين يوحي بأن التمكين قد يتجلى فيه التغير على عدد من مختلف المستويات الممكنة (شكل ۲).

شكل ۲: مستويات التمكين:

المستويات الأعمق

العلاقات الهيكلية بين الطبقات / الطوائف/ النوعين (النساء والرجال)

المستويات الوسيطة

القواعد والموارد المؤسسية

المستويات المباشرة

موارد الأفراد، وقدرتهم على الفعل، وإنجازاتهم

يمكن أن يتجلى في التمكين تغييرٌ على مستوى الأفراد والجماعات، في إحساسهم بذاتهم وهويتهم، وفي كيفية إدراكهم لمصالحهم وفي قدرتهم على الفِعل. يمكن أن يحدث التمكين على المستوى الوسيط، في القواعد والعلاقات السائدة في مجالات الحياة الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية, والسياسية. ويمكن أن يحدث في الهياكل الخفية الأعمق غورًا التي تشكل توزيع الموارد والقوة في المجتمع وتعيد إنتاجه عبر الزمن. لكن لكي يمكن ترجمة مثل هذا التغير إلى عمليات تمكين مستديمة وذات معنى لابد له من أن يشمل أساسًا – كلاً من المستويين الفردي والهيكلي. لا معنى لمؤسسة الحقوق في أي إطار قانوني في المجتمع ما لم يكن لهذه الحقوق وقع حقيقي على نطاق الإمكانات المتاحة لكل الأفراد في ذلك المجتمع. كما أن التغيرات في الموارد التي يتمتع بها الأفراد دون المساس بهياكل عدم المساواة والتمييز يمكن أن تساعد على تحسين الأحوال الاقتصادية للأفراد دون أن تؤدي بالضرورة إلى تمكينهم.

أما بقية هذا البحث فسأعرض فيه مجموعة مختارة من الدراسات التي تحاول قياس تمكين النساء، والمستمدة إلى حد بعيد من الكتابات السابقة في مجالات الاقتصاد، والسكان، والنوع في دراسات التنمية. وكما سنرى، توجد بعض الفروق المهمة بين هذه الدراسات في كيفية تناولها لفكرة التمكين. تختلف هذه الدراسات عن بعضها البعض في أبعاد التمكين التي اختارت كل دراسة منها التركيز عليها، وفيما إذا كانت تتعامل مع القوة كصفة تعزى للأفراد أو كملك للهياكل المؤسسية. وتختلف تلك الدراسات عن بعضها البعض أيضًا في كيفية فهمها للتغير الاجتماعي.

في بعض الحالات، تفترض الدراسات أن التغير في أحد الأبعاد أو المستويات يؤدي إلى التغيير في غيره من الأبعاد أو المستويات، أو يتعاطف مع هذا التغيير، وبذا تقتصر هذه الدراسات على التعامل مع مؤشرات هذا التغير. إن مؤشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لقياس تمكين المرأة الذي يركز على التمثيل السياسي للنساء أو نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية مثال لهذا النهج. يفترض أن هذه المؤشرات تعطينا معلومات مهمة، وإن كان بطريق غير مباشر، عن قدرة النساء على اتخاذ اختيارات استراتيجية في جوانب أخرى من حياتهن، وتوجد دراسات أخرى تأخذ بمنطق السبب والنتيجة لرسم نموذج للعلاقة بين التغيرات في مختلف أبعاد التمكين أو مستوياته. تميل تلك الدراسات إلى الاقتصار على تناول التغيرات على المستوى الفردي، كالعلاقة بين التغيرات في قدرة النساء على الحصول على فرص لأعمال مدرة للدخل وقوتهن على اتخاذ القرار في الأسرة مثلاً، مع أن بعض الدراسات القليلة سعت أيضًا لرسم نموذج لآثار التغيرات على المستوى الهيكلي على اختيارات الأفراد.5 أما ما نتفهم غيابه عن الكتابات السابقة عن قياس التمكين فهي أمثلة النماذج الأكثر إجرائية للتغير الاجتماعي التي تشارك فيها الكثير من النسويات والتي تتمثل في الفقرة التالية التي نقتبسها من دراسة باتليوالا:

إن ممارسة الاختيار المشفوع بالعلم في إطار موسع من المعلومات، والمعرفة، والتحليل عملية يجب أن تمكن النساء من اكتشاف إمكانات جديدة، وخيارات جديدة ومخزون متنامٍ من الاختيارات وأن يناضلن مستقلات بأنفسهن من أجل إحداث تغييرات في الشروط المادية لوجودهن، وحياتهن الشخصية، وكيفية التعامل معهن في المجال العام إنها عملية تحدٍ لعلاقات القوة الراهنة, واكتساب المزيد من التحكم في مصادر القوة. (Batliwala 1993 and 1994)

يميل فهم التغير الاجتماعي عن طريق دراسة دور الناس في إحداثه إلى التعامل مع التغير الاجتماعي كعملية مفتوحة. يقوم هذا الفهم على فكرة أن قدرة أفراد الجنس البشري على الفِعل أمر لا يمكن توقعه، وعلى تنوع الظروف التي يمارسن الناس في ظلها هذه القدرة على الفِعل. قد يحاول هذا النهج لفهم التغير الاجتماعي تحديد عناصر أساسية في بنية المجتمع وقدرة أفراده على الفِعل، باعتبارها عناصر ذات قدرة كامنة على حفز عملية التغير الاجتماعي، لكنه لا يحاول أن يحدد مسبقًا كيف ستحدث هذه القدرات الكامنة فِعلها في الممارسة العملية. بناء على ذلك، يرى هذا النهج في فهم التغير الاجتماعي أن التعبير عن التمكين ببيانات كمية ليس أمرًا سهلاً.

 

قياس التمكين: مشكلة المعنى

قياس الموارد

المواردمن أبعاد التمكين التي تظهر للوهلة الأولى كأنها أسهل بعد يمكن قياسه من أبعاده. لكن القراءة النقدية لمحاولات قياس هذا البعد توحي بأنه ليس مهمة بمثل هذه السهولة، حتى عند تعريف الموارد بعبارات مادية أضيق نطاقًا، كما يحدث عمومًا. في الكتابات السابقة عن التمكين ميل كبير للحديث عن سبل الحصول على المواردبطريقة عامة، كما لو كانت الإشارة إلى نوع من العلاقة بين النساء والموارد ستؤدي أوتوماتيكيًا إلى تعيين الاختيارات التي تجعلها هذه العلاقة ممكنة. لكن الواقع أن الموارد تكاد تقارب الاختيار من حيث كونها تحوز قوة المقياس دون أن تكون اختيارًا متحققًا بالفعل. أن ترجمة التغيرات في الموارد المتاحة للنساء إلى تغيرات في قدرتهن على الاختيارات تعتمد جزئيًا على نواح أخرى من الظروف التي يخترن فيها. فنأخذ مثلاً سبل حصولالنساء على الأرض.

كثيرًا ما يعبَّر عن هذه السبل – على المستوى النظامي – بالتفرقة بين مختلف فئات الحقوق في حيازة الأرض بافتراض أن النساء يرجح أن يمارسن درجة أكبر من الاستقلال باتخاذ القرار في المناطق التي يتمتعن فيها ببعض الحقوق في حبارة الارض (مثلاً، (Dyson and Moore 1983, Boserup 1970). لكن الدراسات التي تستخدم معيار تيسر سبل حصول النساء على حيارة الأرض كمؤشر للتمكين نادرًا ما تمعن التفكير في الطرق التي تترجم بها سبل الحصولعلى هذا المورد إلى قدرة النساء كأفراد على الفِعل والإنجاز، ناهيك عن السعي لفهم هذه السبل بطريقة الملاحظة العملية لمجريات الأمور. من الجدير بالذكر مثلاً، أن الدراسات كثيرًا ما تربط مثلاً برباط السبب والنتيجة بين المبادئ السارية في السهول الشمالية لشبه القارة الهندية التي تربط الإرث بالنسب المنحدر عن الأب مقارنة بجنوبها؛ وبين تدنى مستوى قدرة النساء على الانفراد باتخاذ القرار في تلك السهول الشمالية لشبه القارة الهندية مقارنة بجنوبها. لكن قواعد ميراث الأرض في هذه المنطقة ليست موحدة أبدًا. فالهندوس يرون أن الملكية العائلية المشتركة من العقائد المحورية التي تحكم عمليات الإرث، مع بعض التنويعات المحلية في كيفية تفسير هذه العقائد. فعمومًا، توجد الملكية العائلية في نطاق نظام للشراكة في الإرث يقبض الرجال على ناصيته، وهم عادة الآباء والأبناء، إلى حد يصل إلى استبعاد النساء تمامًا من تلك الملكية (Mukhoaudhayay 1998). أما المسلمون، فقد تمتعت نساؤهم دائمًا بالحق في وراثة الممتلكات, وفي أن يرثنها بصفتهن الفردية. بالتالي، يتمتع النساء والرجال المسلمون بحقوق فردية، ومطلقة في الإرث، لكن أنصبة النساء والرجال من الميراث غير متساوية، إذ يوجد ميل لأن يرث الرجال ضعف نصيب النساء. وقد أدخلت تعديلات على القانون الهندوسي بعد استقلال الهند لمنح الرجال والنساء حقوقًا متساوية في الإرث؛ أما مبادئ الإرث عند المسلمين فلم تمس.

لكن رغم هذه الفوارق في الأوضاع العرقية والقانونية للنساء في طائفتين هنديتين، تميل الكتابات السابقة إلى التعامل مع النساء الهندوسيات والمسلمات على قدم سواء باعتبارهن جميعًا محرومات فعليًا من الملكية. فالمعايير والأعراف القديمة التي تحكم النساء الهندوسيات ما زالت قوية، وتعطينا دراسة أجروال (Agarwal 1994) دلائل تبرهن على الصعوبات التي يواجهنها في سعيهن إلى تأكيد رفع القانون فوق الأعراف فيما يخص وراثة الأرض. أما المسلمات، فيفضلن عمومًا – أو يشجعهن المجتمع على أن يفضلن – عدم المطالبة بحقهن في ميراثهن عن آبائهن لصالح أشقائهن، مما يؤدي إلى معاملتهن هن الأخريات كمحرومات فعليًا من الملكية. وهكذا، فان المعيار المهم الذي تقيس به الدراسات الهندية السابقة السمة المميزة لحصول النساء الهنديات على حيازة الأرض هو حقهن الفعلي لا حقهن القانوني في حيازة الأرض، وبناء على هذا المعيار لا توجد فروق ذات بال في هذا الصدد بين الطائفتين الهندوسية والمسلمة.

لكن لا يمكن أبدًا أن تمدنا معلوماتنا عن الملكية الموجودة في الواقع الفعلي بكل ما تحتاج إلى معرفته عن مجال الاختيار الممكن. فقد وضحت الدراسات مثلاً أنه على الرغم من أن النساء المسلمات لا يطالبن بحقهن في ميراث الأرض ويعطين نصيبهن منها لأشقائهن الذكور (وقد يفعلن ذلك، تحت ضغط شديد)، فإنهن يقوين بذلك من حقهن بمطالبة أشقائهن الذكور بإعالتهن في المستقبل لو انفصمت عرى زواجهن. ومع أن الإسلام يلزم الأشقاء الذكور بواجب رعاية شقيقاتهم، إلا أن تنازل الشقيقات عن حقهن في ميراثهن من الأرض لأشقائهن برسي أساسًا ماديًا لحقهن المعنوي في تلك الرعاية. قد تكون ضرورة حدوث مثل هذا التبادل أمر تتجلى فيه تدني أوضاع النساء في المجتمع، لكن اعتراف المجتمع أساسًا بحق النساء في حيازة الأرض يعطيهن موردا يتيح لهن المساومة في وضع لا يمتلكن فيه إلا القليل من الموارد الأخرى. كما أنهن يمكنهن مع تغير الأوضاع أن يضغطن للمطالبة بحقهن في هذا المورد. لقد وجدت دلائل تشير إلى ان نساء أرياف بنجلاديش قد بدأن في المطالبة بحقهن في إرثهن، رغم أن هذا يحدث أحيانًا تحت ضغط من أزواجهن (Kabeer 1994)، وقد لاحظت دراسة رازافي أيضًا دلائل من أرياف إيران على زيادة ترحيب النساء بالضغط للحصول على حقوقهن من خلال القضاء، وهن يفعلن هذا لتعويض تناقص فرصهن في العمل (Razavi 1992). وهذه الإمكانيات لا تتاح بسهولة للنساء في الأماكن التي لا تعترف قوانينها العرفية وتقاليدها بهذه الحقوق، حتى ولو أقرت التشريعات القانونية وجود تلك الحقوق، كما هو الحال في الهند. وقد وضحت دراسة داس جوبتا (Das Gupta 1987) في دراستها عن نظام القرابة لدى جماعة الجات بإقليم البنجاب أن مسألة حيازة النساء للأرض ليست مطروحة أصلاً: “فلو أصرت امرأة على حقها في وراثة الأرض على قدم المساواة بموجب القانون المدني، لعرضت نفسها لاحتمال كبير للموت مقتولة“.

أهم فكرة منهجية نستخلصها من هذا النقاش أننا إذا أردنا أن تكون المواردمفيدة كمعيار لقياس التمكين فلابد من تحديد أبعادها بسبل تفصح بوضوح عما يكمن فيها من إمكانيات لتحقيق قدرة الفرد على الفِعل وتحقيق الإنجازات ذات القيمة أكثر مما تفصح عنه عمومًا المؤشرات البسيطة الدالة على الحصولعلى هذه الموارد. من أوجه قصور استخدام ما يحدث في الواقع الفِعلي بشأن الحق في حيازة الأرض الذي ناقشناه هنا كمعيار لقياس التمكين أنه يتجاهل مختلف العمليات التي يحدث بها التملك أو الحرمان الفعليين، ومن ثم يفشل في تقدير ما يمكن أن يوجد بين النساء من فوارق في الاختيارات المتاحة ضمنًا في اختلاف موقف القانون من حقوقهن. كما أن ما لاحظته الدراسات من تفوق قوة الهياكل العرفية المنوط بها احقاق الحقوق على الهياكل التشريعية التي أدخلت حديثًا إلى المجتمعات التي تناولتها هذه الدراسات تثير أيضًا تساؤلاً عن عمليات التغير الاجتماعي ما زال على الكتابات التي تتناول التمكين أن تقدم إجابة له، ويتمثل هذا التساؤل في: كيف يمكن ترجمة محاولات تغيير الهياكل ذات الجذور العميقة إلى تغييرات في قدرة الأفراد على الفِعل والاختيار؟ علمًا بأن المقصود بتغيير الهيكال ذات الجذور العميقة هنا هو تصدي القانون للقواعد التي تبررها الأعراف والدين.

وقد أدرك العديد من المحللين ضرورة تجاوز مجرد المؤشرات الدالة على الحصولعلى الموارد الفهم كيف تترجم المواردإلى تحقيق الاختيار، مما أدى إلى ظهور مجموعة من المفاهيم المتنوعة التي تسعى لسد الفجوة بين الحق الرسمي في الحصول على الموارد والحصول فعليًا على هذه الحقوق، ويتحقق هذا عمومًا بإدخال بعض جوائب قدرة الفرد على الفِعل على المعيار المستخدم في القياس. وأكثر هذه المفاهيم التي تسد تلك الفجوة استخدامًا مفهوم التحكم، الذي يترجم عادة إلى خطوات عملية يسهل قياسه بها (operationalized)، وهي خطوات دالة على قدرة الفرد على أن تكون له كلمة في المورد الذي تعني الدراسة بقياسه. ورغم أن التركيز على مفهوم التحكمخطوة مهمة للأمام، فإنها لا تعني بالضرورة تيسير حل مسألة ما الذي يقاس، إذ نجد بدلاً من ذلك في الكتابات السابقة عن الموضوع ميلاً لاستخدام مفاهيم مثل الحصول على الموارد، والملكية، والحق في التملك والتحكم كمترادفات، مما يحدث خلطًا كبيرًا حول ما يعنيه مفهوم التحكمفعلاً.

فدراسة ساذر وكازي (Sather and Kazi 1997) مثلاً ترى أن الحصول على المواردو التحكم في المواردمفهومان متساويان في المعنى، إذ يعنيان أن يكون للمرأة كلمة مسموعة في القرارات المتعلقة بموارد معينة في إطار الأسرة، وتقيس هذه الدراسة الحصول على المواردبمعيار يعتمد على ما إذا كان للمرأة كلمة مسموعة فيما يتعلق بنفقات الأسرة، وما إذا كان بيدها مال سائل للإنفاق منه على الأسرة، وهل تتوفر لها حرية شراء الملابس، والحلي، والهدايا لأقاربها، بينما يقاس التحكم في المواردبأسئلة عن من يمسك بدخل الأسرة، ومن الذي له كلمة مسموعة في أوجه إنفاق هذا الدخل. ويذهب تحليل جيجيبهوي (Jejheebhoy 1997) إلى أن مفاهيم الحصول، والتحكم، واتخاذ القرارتستخدم جميعًا فيما يتعلق بالموارد، بحيث يشير مفهوم التحكمأحيانًا إلى تملك الموارد وأحيانًا أخرى إلى اتخاذ القرار بشأنها. أما دراسة كيشور فتُعَرَّف التمكين بأنه تحكم النساء في أهم نواحي حياتهنلكن محاولاتها لقياس هذا التحكمتتنوع ما بين اتخاذ القرار فيما يتعلق بالدخل والمصروفات؛ وتعريف التحكم بعبارة اعتماد المرأة على نفسها (هل تتمكن النساء من إعالة أنفسهن دون عون من أزواجهن)؛ والتحكم الذي يأخذ صورة اتخاذ القرار (من له الكلمة الأخيرة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمختلف المسائل)؛ والتحكم الذي يأخذ صورة الاختيار” (أن تختار المرأة زوجها بنفسها أو أن يؤخذ رأيها في اختياره).

لكن رغم تشوش المعنى الدقيق للتحكموكيفية قياسه وغياب الإجماع عليه، فإن التركيز على علاقة التحكم بالموارد كأحد أبعاد التمكين أمر يتجلى فيه اعتراف المحللين بأن الحصولعلى الموارد لا يمكن ترجمته إلى تمكين للنساء إلا لو تمكنت النساء من إدارة هذه الموارد أو لو كان حصولهن عليها بشكل لا رجعة فيه. من هنا، فإن أحد معايير تقييم مصداقية أي مقياس قائم على أساس الموارد كمؤشر لتمكين النساء هو مصداقية افتراضاته الصريحة أو الضمنية عن ما يمكن للنساء أن يمارسنه من أشكال قدرتهن على الفِعل كأفراد أو على المطالبة بحقوقهن نتيجة لحصولهنعلى المورد المعني بالدراسة.

قياس قدرة الفرد على الفِعل:

توجد في الكتابات السابقة في مجال دراسات التنمية طرق مختلفة لقياس قدرة النساء على الفِعل بصفتهن الفردية، تشمل أشكالاً سلبية من القدرة على الفِعل مثل عنف الذكور نحوهن، كما تشمل أشكالاً إيجابية منها مثل حرية حركة النساء في المجال العام في المناطق التي يسودها معيار عزل النساء عن الرجال. 6 لكني سأقتصر في مناقشتي للعلاقة بين معايير قياس قدرة النساء الفردية على الفِعل وبين تمكينهن على الشكل الذي تظهر به هذه العلاقة على أوسع نطاق في الكتابات السابقة، ألا وهو قدرة النساء الفردية على إتيان فِعل اتخاذ القرار“. وعادة ما يقوم قياس هذا النوع من قدرة الفرد على الفِعل على أساس إجابات النساء على أسئلة توجه لهن عن دورهن في اتخاذ قرارات معينة، وأحيانًا ما توضع الإجابات مع بعضها البعض في فهرس واحد، وأحيانًا أخرى تقدم منفصلة. وفيما يلي ملخص لأمثلة من القرارات التي تذكر عادة في جهود القياس التي تبذلها هذه الدراسات، وفي المناطق الجغرافية التي تغطيها.

القرارات التي تذكر عادة في مؤشرات اتخاذ النساء للقرار

  • مصر: ميزانية الأسرة، وأصناف الطعام التي ستطهوها، والزيارات، وتعليم الأطفال وصحة الأطفال، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة (Kishor 1997) .

  • الهند: شراء الأطعمة، وشراء السلع المهمة للأسرة، وشراء قطع الحلي الصغيرة, والتصرف عندما يمرض طفل، وتربية الطفل وتأديبه، والقرارات المتعلقة بتعليم الأطفال ونوعية المدارس التي سيلتحقون بها (Jejheebhoy 1997) .

  • نيجيريا : مشتروات الأسرة، وما إذا كانت الزوجة ستعمل أم لا، وكيفية إنفاق دخل الزوج، وعند الأطفال الذين سينجبهم الزوجان، والقرارات المتعلقة بشراء الأراضي أو بيعها، وقرار استخدام وسائل تنظيم الأسرة من عدمه، وإلحاق الأطفال بالمدرسة، وإلى أي مرحلة يتعلم الأطفال، ومتى يتزوج الأبناء ومتى تتزوج البنات، وما إذا كانت المرأة ستصطحب طفلها المريض للطبيب وكيف تربي الطفل (Kritz et al 1997).

  • زيمبابوي: عمل الزوجة خارج البيت، وشراء سلعة كبرى، وعدد الأطفال (Becker 1997).

  • نيبال: أي أصناف الأطعمة تبتاعها الأسرة، وأن تتخذ النساء القرار بالعمل خارج البيت، والتعاملات الكبرى في السوق، وعدد الأطفال الذين ينجبهم الزوجان (Morgan and Niraula 1995) .

  • إيران: أنواع الأطعمة وكمياتها، والإسهام في الدخل، والعمل في الإنتاج الزراعي وبيع المنتجات الزراعية (Razavi 1992) .

  • * باکستان: شراء الأطعمة، وعدد الأطفال، وتعليم الأطفال، وتزويج الأبناء والبنات, وشراء المشتريات الكبرى للأسرة، وعمل المرأة خارج البيت، وبيع الماشية وشراؤها، ونفقات الأسرة، وشراء الملابس والمجوهرات والهدايا لأقارب الزوجة (Sathar and Kazi 1997) .

  • بنجلاديش: القدرة على شراء المشتروات الاستهلاكية الصغيرة، والقدرة على شراء المشتروات الاستهلاكية الكبيرة، وإجراء إصلاحات في المنزل، وامتلاك الماشية لتربيتها، واستئجار الأراضي، وشراء الممتلكات الكبرى (Hashemi et al 1996).

  • بنجلاديش: تعليم الأطفال، وزيارة الأصدقاء والأقارب، وتولي مشتروات الأسرة, وتولي الأمور الصحية (Cleland et al 1994).

إن أي قراءة، حتى ولو كانت أولية، هذه القرارات المختلفة توحي بأنها ليست كلها تغري بالاستخدام كمؤشرات لتمكين النساء، لأن أهمية عواقبها لحياة النساء ليست متساوية. قليلة هي الثقافات التي تعمل بتوزيع ثنائي صارم للقوة بحيث يتخذ الرجال كل القرارات ولا تتخذ النساء أي قرار. الأكثر شيوعًا أن نجد تراتبًا هرميًا لمسئوليات اتخاذ القرار تعترف به الأسرة والمجتمع المحلي، يحتفظ للرجال بمجالات معينة مهمة من مجالات اتخاذ القرار بصفتهم رؤساء الأسرة مع تكليف النساء بمسئوليات قرارات في مجالات أخرى باعتبارهن أمهات، وزوجات، وبنات، وما إلى ذلك. وتوحي الدلائل التي وجدت في جنوب آسيا مثلاً بأن شراء الأطعمة وغيرها من المواد الاستهلاكية للأسرة والقرارات المتعلقة بصحة الأطفال يبدو أنها تقع في مجال القرارات التي تأخذها النساء، أما قرارات تعليم الأطفال وتزويجهم والتعاملات بشأن الأشياء المهمة ذات القيمة في السوق فتنحو بوضوح إلى أن تكون من شأن الرجال.

يتضح هذا تمامًا في دراسة ساذار وكازي (Sathar and Kazi 1997)، اللذان وجدا أن البيانات التي خرجا بها من باكستان تقول إن المجال الوحيد الذي قررت النساء أنهن يتخذن فيه القرار، إما بالمشاركة (71%) أو يلعب دور مهم في اتخاذ القرار فيه (51%) فهو مجال شراء الأطعمة. وقد شاركن في اتخاذ قرار عدد الأطفال الذين سينجبنهم لكنهن لم يلعبن دورًا أساسيًا في اتخاذ هذا القرار (بنسبة 65% و 16% بالترتيب)، وتعليم الأطفال (بنسبة 53% و 17%)، وتزويج الأبناء والبنات (بنسبة ٥٢% و 8%). وكانت مستويات مشاركة النساء منخفضة، بل أن احتمالات لعبهن لدور كبير في اتخاذ القرار كان أقل في القرارات المتعلقة بشراء المشتروات الكبيرة للأسرة (17% و 5%)، وتولي تجارة الماشية (٢١% و 5%). وهكذا، احتفظ الرجال إلى حد بعيد بالقرارات الاقتصادية الكبرى، أما النساء فلعبن دورًا أهم في القرارات الاقتصادية الصغرى. وقد شاركن في القرارات المتعلقة بعدد الأطفال، وتعليمهم، وإن لم يلعبن دورًا كبيرًا في ذلك، بل لعبن دورًا أقل فيما يتعلق بقرارات تزويج الأبناء والبنات.

من حيث المنهجية، توحي هذه الفروق بالحاجة إلى توخي المزيد من العناية في اختيار القرارات التي تصلح كمؤشرات للتمكين وتقديرها كميًا، مع الاهتمام بأهمية عواقب مختلف فئات القرارات أو مختلف مراحل عملية اتخاذ القرار. أن الدلائل على لعب النساء لدور في اتخاذ القرارات الأقل أهمية من حيث عواقبها، أو إسناد مثل هذه القرارات للنساء على أية حال بحكم تقسيم الأدوار والمسئوليات الموجود سلفًا بين الجنسين، كل ذلك لا يخبرنا عن قدرتهن على الاختيار إلا بقدر ضئيل، أقل بكثير مما تخبرنا به الدلائل على اتخاذهن لقرارات تتعلق باختيارات استراتيجية للحياة أو باختيارات كن قد حرمن منها في الماضي. يمكننا أيضا أن نميز بين مختلف لحظات إتاحة التحكمالمهمة في إطار عملية اتخاذ القرار نفسها، حيث نجد تعريف التحكم من حيث أهمية عواقية التي تؤثر على نواتج عملية الاختيار في هذه اللحظات المختلفة (Beneria and Roldan 1987). تمیز دراسة بال (Pahl 1989) مثلاً بين التحكم، أو وظيفة صنع السياسات في اتخاذ مختلف القرارات المتعلقة بتخصيص الموارد، وبين وظيفة الإدارة، التي تتعلق بالقرارات المتعلقة بتنفيد السياسات. قد يفسر هذا الفرق بين الوظيفتين نتائج المسح الذي أجري لدراسة الذكور المصريين في عام ١99٢ (والمذكور في البحث التالي: Ali 1996), الذي وجد أن الرجال قد هيمنوا على قرار استخدام موانع الحمل، وهو القرار السياسي، لكنهم مالوا إلى حد بعيد لترك اختيار وسيلة منع الحمل للنساء (رغم أن الدراسة الكيفية التي أجراها بحث على وجدت أن الرجال ما زالوا يتدخلون في اختيار النساء لوسائل منع الحمل أيضًا).

لكن لابد من أن نتذكر أخيرًا أن لوجهات النظر الإحصائيةفي صنع القرار حدودها، فهي مجرد نوافذ نطل منها على جوانب الواقع المعقد. قد تعطينا الإحصاءات نظرة سريعة قصيرة على عمليات اتخاذ القرار، لكنها لا تخبرنا إلا بالقليل عن المفاوضات الخفية التي تجري بين النساء والرجال في حياتهم الشخصية. بالتالي، قد تنقص هذه الإحصائيات من تقدير قدرة النساء غير الرسمية على الفعل، والتي كثيرًا ما يستخدمنها في مجال اتخاذ القرار. يمكن إيضاح هذا بمقارنة الطرق الرسمية وغير الرسمية لاتخاذ القرار لدى جماعة الكيسي في كينيا التي وردت في بحث سیلیبر شميدت (Silberschmidt 1992). فالتقارير الرسمية التي أعطتها النساء عن اتخاذ القرار أسندت معظم القوة إلى الرجال: “يقال إن الأزواج هم رؤوسالأسرة ومالكوهاوبعد إمعان التفكير قد تضيف الزوجات: “إن بإمكانهم أن يشترونا كما يشترون الماشية“. لكن تقاريرهن عن ما يحدث فعلاًبصدد اتخاذ القرار تعطي صورة مختلفة تمام الاختلاف:

لقد اعترفت (النساء) بأن الرجال يجب أن يستشاروا في كل الأمور، وأنه من المفترض أن يقرروا ما الذي يجب عمله في مختلف المسائل. لكن الكثير من النساء اتخذن مثل هذه القرارات بأنفسهن في الواقع. ويشيع بينهن تجنب المواجهات الصريحة مع استمرارهن في تناول الأمور بطرقهن الخاصة لا شك في أن الكثير من النساء كثيرًا ما يتلاعبن برجالهن ويتخذن القرارات بمفردهن. فمثلاً حيث إن الأرض يمتلكها الرجل، فمن المتوقع منه أن يقرر أي المحاصيل ستزرع في أية قطعة من الأرض. فلو خالفت زوجته رأيه، نادرًا ما تجاهر بذلك، بل تمضي ببساطة وتزرع ما تراه مناسبًا حيثما ترى. فلو اكتشف الزوج أنها لم تتبع تعليماته، تعتذر، لكنها تشرح له أنها تصرفت على هذا النحو لأن البذور لم تنبت، وكان عليها أن تزرعها بطريقة أخرى أو في بقعة أخرى من الأرض. (ص ٢٤٨)

إن عدم قدرة النهج الإحصائي الخالص على الإمساك بناصية هذا الجانب غير الرسمي ليس مجرد فشل في القياس، بل له أيضًا عواقب تتعلق بالمفاهيم. لدينا كم مهم من الأبحاث التي أجريت على مجتمعات جنوب آسيا تقول أن مفاوضات علاقات القوة، خاصة في إطار الأسرة، كثيرًا ما تدور بالضبط حول التغيرات في اتخاذ القرار بشكل غير رسمي، حيث تختار النساء أشكال التمكين ذات الخصوصية، التي تحافظ على سلامة الصورة العامة لمتخذ القرار تقليديًا وعلى شرفه، لكنها تزيد من قدرتهن على التأثير في عملية القرار من وراء الكواليس ” (Chen 1983; Kabeer 2000; Basu 1996). تتجلى في هذه الاستراتيجيات درجة معينة من الحذر تتوخاها النساء، وهي فضائل استراتيجية في الأوضاع التي قد تتساوى فيها خسائر النساء ومكاسبهن من تفكك العلاقات الاجتماعية.

قياس الإنجاز:

إن الفكرة المنهجية المهمة في حالة مؤشرات الإنجاز – مثلها مثل غيرها من أبعاد التسكين – تتعلق هنا أيضًا بالحاجة إلى الوضوح التحليلي في اختيار ما يقاس. لقد وضحت بالفعل الحاجة إلى التمييز بين إنجازات النساء منفصلة عن إنجازات الرجال التي تشير إلى الفوارق بين النوعين في القيم والتفصيلات، وتلك التي تلفت الانتباه إلى أشكال عدم المساواة في القدرة على الاختيار. إن فحص بعض الدراسات التي اشتملت تحليلاتها لتمكين النساء على مؤشرات للإنجاز سيساعدنا على ملاحظة معايير أخرى لاختيار مثل هذه المؤشرات.

استخدمت دراسة كيشور (Kishor 1997) البيانات القومية المصرية لاستكشاف آثار معايير القياس المباشرة وغير المباشرة لتمكين النساء في إنجازين فاعلين ذوي قيمة، وهو ما يتمثل في: معدل بقاء الأطفال على قيد الحياة، وتحصين الأطفال بالطعوم والأمصال. وقد اختارت دراسة كيشور هذين الإنجازين على أساس فهمها لتمكين النساء من حيث أنه التحكم، الذي عرَّفته بأنه قدرة النساء على الحصول على المعلومات، واتخاذ القرارات، والتصرف وفقًا لمصالحهن الشخصية، أو مصالح من يَعُلْنَهم (ص1)”, وحيث إن النساء يحملن على كاهلهن المسئولية الأساسية عن صحة الأطفال، فقد افترضت دراسة كيشور أن تمكينهن من شأنه أن يرتبط بإنجازات إيجابية من حيث صحة أطفالهن وقدرتهم على البقاء على قيد الحياة. وقد اعتمد تحليلها على ثلاث فئات من المؤشرات المركبة لقياس التمكين هي: “الدلائل المباشرة على التمكين؛ ومصادر التمكين؛ وظروف التمكين“. وقد لخصت هذه الفئات فيما يلي، كما قرنتها بملخص المتغيرات ذات الوزن الأكبر في كل مؤشر.

أولاً: الدلائل المباشرة على التمكين

أ) الانتقاص من قيمة النساء:

التقارير عن العنف المنزلي، والمهر الذي يدفع عند الزواج

ب) تحرير المرأة:

الإيمان بتعليم البنات؛ وحرية الحركة.

ج) ما ورد في التصريحات عن تقاسم الأدوار والمشاركة في اتخاذ القرار:

المساواة في الأدوار بين النساء والرجال والمساواة في اتخاذ القرار.

د) المساواة في الزواج:

التصريح بعدد أقل من تبريرات انفراد الأزواج بالطلاق؛ والمساواة في تبريرات حق الزوج أو الزوجة في إيقاع الطلاق.

ه) الاستقلال المالي:

تحكم المرأة حاليًا في دخلها، والنظرة لدخل المرأة كدخل مشترك للأسرة.

ثانيًا: مصادر التمكين

أ) المشاركة في القطاع الحديث:

مؤشر اقتناء المقتنيات؛ وتعليم الإناث.

ب) التوظف في حياة المرأة:

عملت قبل الزواج؛ وتحكمت في دخلها قبل الزواج.

ثالثًا: مؤشرات الظروف

أ) قابلية تركيبة الأسرة للتمكين:

لا تعيش الآن مع أهل الزوج ولم تعش من قبل معهم.

ب) ظروف الزواج المواتية:

صغر فارق العمر بين الزوجين، المرأة اختارت زوجها.

ج) الزواج التقليدي:

وجود فارق تعليمي شاسع بين المرأة وزوجها؛ المرأة لم تختر زوجها

وقد وجدت النتائج التقليدية للتحليل متعدد المتغيرات أن مؤشرات المصادر/ الظروف غير المباشرة الدالة على تمكين المرأة كان لها تأثير على تحديد قيمة متغيرات إنجازات المرأة بقدر أكبر بكثير من المقاييس المباشرة. ويوجد تفسيران ممكنان ومتوافقان مع بعضهما البعض لهذه النتائج. أحدهما؛ أن مؤشرات الإنجاز المباشرة التي استخدمتها دراسة كيشور لم تنجح حقًا في إجادة الإمساك بناصية فكرة التمكين، وهذا وارد جدًا، باعتبار أن الكثير منها استدعى معلومات عن الاتجاهات، والعلاقات في إطار الزواج مشحونة بالقيمة إلى حد بعيد، مثل الأساس الذي بني عليه اعتقاد النساء بأن من حق الزوج أن يطلق زوجته؛ وما إذا كان لكل من الزوجين الحق في طلب الطلاق على نفس الأسس؛ وما إذا كان للنساء أن يجاهرن باختلافهن مع أزواجهن. لكن كثيرًا من المؤشرات الأخرى القائمة على وقائع (مثل الاستقلال بالذمة المالية، وحرية الحركة“) لم تثبت فعاليتها أيضًا.

التفسير الممكن الآخر أن الإنجاز المعني لم يعتمد حقًا على ما إذا كانت النساء قد تم تمكينهن مباشرة أو لم يتم، بل اعتمد على عوامل أخرى يمسك متغيرا المواردوالظروفبزمامها. ويوحي التعمق في تفكيك النتائج التي توصلت إليها دراسة كيشور بأن وفيات الأطفال ترتفع في الأسر التي تعيش فيها النساء حاليًا مع حمواتهن وأحمائهن أو كن يعشن سابقًا معهم، كما ترتفع في الأسر التي تزيد فيها فوارق العمر والمستوى التعليمي بين الزوج والزوجة. وتقل وفيات الأطفال إذا كانت الأم تعمل قبل زواجها. أما بخصوص تطعيمات الأطفال، فقد وجد أن الأسر التي يرجح أن يتلقى أطفالها التطعيمات هي الأسر التي لأمهات هؤلاء الأطفال فيها خبرة ممتدة بالعمل الوظيفي، والتي صرحت فيها الأمهات بمتابعة وسائل الإعلام، وبأنهن قد تعلمن، وأنهن لسن تحت سيطرة أهل أزواجهن نتيجة للمشاركة في السكن. كما أن الأسر التي قل فيها الفرق بين عمري الزوج والزوجة، والتي عبرت نساؤها عن إيمانهن بالمساواة بين الزوجين ازدادت فيها فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة بمعدلات أعلى من غيرها من الأسر. فالمقياس المباشر الوحيد للتمكين الذي ثبتت فعاليته في التحليل كان مؤشر تمتع المرأة بالمساواة مع زوجها، ولم تثبت هذه الفعالية إلا في علاقته بتطعيم الأطفال.

نعود إلى نقطة أثرناها من قبل، وهي أنه إذا كانت رعاية الرضع تقع في مجال الولاية الموكلة سلفًا للنساء، كما هو الحال على الأرجح، فإن تحسين الإنجازات الفاعلة في هذا المجال لا بد أن تعتبر زيادة في كفاءة الأدوار الموكلة سلفًا للنساء، لا دليلاً على تمكينهن. بعبارة أخرى, كانت قدرة النساء على الفِعل يوصفهن أمهات لازمة لتحقيق الإنجازات فيما يتعلق بصلاح أحوال الأطفال أكثر مما لزمته قدرتهن على الفعل بصفتهن زوجات. وهذا هو السبب في أن المقاييس المباشرة للتمكين، التي تعاملت كثيرًا مع المساواة في إطار العلاقات الزوجية، ثبت عدم أهميتها في تفسير متغيرات الإنجازات. فبدلاً من ذلك، كانت المتغيرات التي تملكت زمام قدرة النساء على القيام بعمل فعال فيما يتعلق بصلاح أحوال أطفالهن هي التي قامت بهذا الدور التفسيري المهم. فمثلاً؛ النساء اللاتي يقمن مع أهل أزواجهن، أو اللاتي أقمن معهم من قبل، من المرجح أنهن خضعن أكثر من غيرهن لسلطنة امرأة تكبرهن، مما يقلل من احتمال قدرتهن على القيام بدور فعال في الوقت الذي تكون فيه قدرتهن على ذلك شديدة الأهمية لنتائج صحة أطفالهن. كما أن النساء اللاتي كان مستواهن التعليمي أقل من أزواجهن أو اللاتي كن يصغرن أزواجهن كثيرًا كن أقل استعدادًا للثقة في قدرتهن على القيام بأي تصرف ضروري لضمان صحة أطفالهن، كما كن أقل كفاءة وأقل امتلاكًا للسلطة اللازمة لمثل هذا التصرف. وكان لتعليم وعمل المرأة كليهما دور في تفسير نتائج صلاح أحوال الأطفال، مع شيء من التفاوت. كان لعمل النساء طوال فترة حياتهن أثر إيجابي مباشر على فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة، وعلى احتمال حصول الأطفال على التحصينات أيضًا. أما تعليم النساء فقد أثر بشكل غير مباشر على فرص بقاء الأطفال على قيد الحياة، من خلال ارتباطه بتحسن مستوى المياه والصرف الصحي في الأسرة، لكن أثره على تحصين الأطفال كان مباشرًا. أن الفوارق بين محددات اثنين من متغيرات الإنجاز أمر جدير بالذكر. إن تساوي تعليم النساء وعملهن مع المساواة بين الزوجينفي تأثيرهما المباشر على احتمال حصول الأطفال على التحصينات – مع أن عمل النساء لم يؤثر مباشرة إلا على فرص الأطفال في البقاء على قيد الحياة – يوحي بأن النشاط الأول ربما تطلب من الأمهات قدرًا أكبر من الفعالية في قدرتهن الفردية على الفِعل أكثر مما تتطلبه الأشكال الروتينية من سلوكيات السعي من أجل الصحة، التي تؤمِّن عمومًا بقاء الطفل على قيد الحياة.

يمكن أيضًا إعطاء دليل عملي في جانب حجة الوضوح التحليلي في اختيار المقاييس المتعلقة بالتمكينلقياس الإنجازات بالرجوع إلى دراسة بيكر (Becker 1997) التي استخدمت بيانات من زيمبابوي لاستكشاف الآثار الضمنية لتمكين النساء على مجموعة مختلفة من الإنجازات الفاعلة: استخدام مواقع الحمل وقبول خدمات الرعاية الصحية أثناء فترة الحمل. وقد أجرى تحليل انحدار (regression analysis) لهذه البيانات على مرحلتين. فأولاً وقبل كل شيء، استكشف الباحث آثار بعض المحددات المحتملة لهذه النتائج. واتضح له أن استخدام موانع الحمل يرتبط ارتباطًا إيجابيًا بثراء الأسرة، الذي قاسه باستخدام مؤشر الممتلكات، وعند الأطفال الموجودين على قيد الحياة، وعمل الزوجة وتعليم الزوج. ووجد أن النساء الأكبر سنًا اللاتي يعشن في مناطق قروية في كنف أزواج متعددي الزوجات أقل استعدادًا لاستخدام موانع الحمل. وارتبط احتمال تلقي النساء لخدمات الرعاية أثناء الحمل ارتباطًا إيجابيًا بتمتع الأسرة بالممتلكات، والسكن في المناطق الريفية، والفئة العمرية للنساء، وتعليمهن، وعملهن، وتعليم الزوج. وفي المرحلة الثانية، أضاف بيكر إلى معادلته مقياسًا لتمكين النساء ليرى ما سيضيفه من فرق. وقد قيس التمكين بمؤشر لقياس دور النساء في اتخاذ القرار في ثلاثة مجالات رئيسية: شراء الأشياء التي تخص الأسرة، واتخاذ قرار العمل خارج البيت، وقرار عدد الأطفال الذين ينجبهم الزوجان. لم تؤد إضافة مؤشر التمكين إلا القليل لتحسين ملاءمة المعادلة فيما يتعلق باستخدام موانع الحمل، لكنه حسن ملاءمتها بدرجة ذات دلالة فيما يتعلق بقبول خدمات الرعاية الصحية أثناء الحمل.

عند تأملنا لهذه النتائج نجد أن بيكر قد وضح أنه باعتبار التزام حكومة زيمبابوي بتنظيم الأسرة، فقد كانت خدمات منع الحمل متاحة على نطاق واسع من خلال أجهزة توزيع توجد في المجتمعات المحلية، وبالتالي أقد ارتفعت نسبة انتشار وسائل منع الحمل. استخدم ما يزيد عن50% من النساء في عينته وسائل منع الحمل، في هذا السياق الذي تتوفر فيه خدمات منع الحمل بسهولة، مما جعل استخدامها سلوكًا روتينيًا، زادت حالة عمل المرأة من احتمال استخدام هذه الموانع، لكن عدا ذلك، لم يظهر أنه يستلزم إصرارًا كبيرًا من جانب النساء على الحصول على الخدمات المتاحة. وعلى عكس ذلك، ارتبط قبول النساء لاستخدام خدمات الرعاية الصحية أثناء الحمل ارتباطًا وثيقًا بدورهن في اتخاذ القرار في داخل الأسرة وبكل من مستواهن التعليمي ووضعهن من حيث العمل الوظيفي، بما يوحي بأن استخدام هذه الخدمات يستلزم المزيد من الإصرار من جانب النساء عما يستلزمه استخدامهن لموانع الحمل. بعبارة أخرى، كانت النساء ذوات العزم والإصرار في جوانب أخرى من مجالات اتخاذ القرار داخل الأسرة، ومن اللاتي تلقين تعليمًا وتوظفن، أكثر احتمالاً لأن يكن ذوات اصرار وعزم أيضًا من جانبهن فيما يتعلق بسلوك إيجابي فعال وغير روتيني من سلوكيات السعي لتحسين الصحة.

في الدراستين اللتين نناقشهما هنا, نجد أن المقاييس المباشرة لقدرة النساء على الفعل كانت أكثر دلالة في تحديد نتائج هذه القدرة على الفعل في الأحوال التي تطلبت من النساء الخروج من الأشكال الروتينية للسلوك – كان يأخذن أطفالهن للتحصين في إحدى الحالات، وأن يزرن عيادات الرعاية الصحية أثناء الحمل في حالة أخرى – أكثر من دلالتها على تحديد نتائج السلوكيات التي تجعلهن يسايرن الممارسات الشائعة.

لكن بغض النظر عن مدى ما تتطلبه النتائج من خروج النساء عن حدود الأعراف المتفق عليها، لابد أيضًا من تقدير قيمة الإنجازات بأثرها في إحداث التحولات فيما يتعلق بمناحي عدم المساواة بين الجنسين التي كثيرًا ما تضرب بجذورها في هذه الأعراف. إن بقاء الأطفال على قيد الحياة وتحصيلهم إنجازان يقدران تقديرًا شديدًا من منظورات مختلفة، فمن منظور صانعي السياسات، إلى منظور الأسرة، ومن منظور النساء أنفسهن قبل أي شيء، كما أن من الجلي أن هذين الإنجازين قد أتيا نتيجة لارتفاع فاعلية النساء كأفراد قادرات على الفعل، إلا أن أيًا من هذين الإنجارين لم يتضمن في حد ذاته بالضرورة تغيرًا في علاقات القوة التي تكمن خلفه. بهذا المعنى، فإن قدرة النساء على الحصول على الرعاية الصحية أثناء الحمل تشير بقدر أكبر إلى نوع من القدرة على الفِعل يؤدي إلى إحداث التحولات، وهو النوع الذي تتحدث عنه هنا.

وينطبق مثل هذا التمييز أيضًا بين الإنجازات التي تشهد للنساء بارتفاع فاعليتهن من حيث قدرتهن على الفعل كأفراد في إطار أدوار فرضت عليهن بحكم نوعهن كنساء والإنجازات التي تشير إلى النساء كفاعلات من أجل إحداث تحولات على محددات وفيات الأطفال تحت عن خمس سنوات والتباين بين وفيات الأطفال حسب نوعهم (من أولاد أو بنات) في الهند كما ورد في دراستی دریز وسين (Dreze and Sen 1995). وجدت هاتان الدراستان أن محو أمية النساء قد أدى إلى خفض وفيات الأطفال تحت سن خمس سنوات، بينما أنت مشاركة النساء في القوى العاملة بالإضافة إلى محو أميتهن إلى خفض الزيادة في وفيات الإناث في الفئة العمرية تحت خمس سنوات. وقد فسرت الدراستان هذه الآثار كبراهين دالة على أن حصول النساء على التعليم وانخراطهن في العمل قد عزز من تمكنهن من ممارسة القدرة على الفعل. إني قبل هذه التفسيرات، لكني أذهب مع ذلك إلى أن للمعاني التي ينقلها كل من الإنجازين الفاعلين أثارًا مختلفة من حيث تمكين المرأة. يمكن أن نأخذ ارتباط انخفاض وفيات الأطفال تحت سن خمس سنوات بحصول النساء على التعليم كدليل على تمتع النساء بمزيد من القدرة الفعالة على الفعل، لكنه لا يشهد في حد ذاته على تمتعهن بقدرة على الفعل من النوع الذي يؤدي لإحداث تحولات. من جهة أخرى، نجد أن ارتباط انخفاض زيادة وفيات الإناث بارتفاع مستويات تعليم النساء وعملهن يوحي بوجود ما يتجاوز زيادة كفاءة النساء من حيث قدرتهن على الفعل كأفراد. وحيث إن انخفاض زيادة وفيات الإناث قد مثل زيادة في زيادة فرص بقاء الأطفال من البنات على قيد الحياة لا انخفاض في فرص بقاء الأطفال الصبيان على قيد الحياة، فإنه يوحي بأن النساء اللاتي حصلن على قدر من التعليم واللاتي لهن نشاط اقتصادي يزيد احتمال مساواتهن في القيمة بين الأولاد والبنات من ذريتهن أكثر من غيرهن واحتمال بذلهن لجهد متساو في رعاية أولادهن وبناتهن.

من ثم، تقترح دراستنا أنه في أحوال التمييز بين النساء والرجال بحكم نوعهن، فإن الشواهد الدالة على أن تعزيز قدرة النساء على الفعل يؤدي إلى خفض أنواع عدم المساواة الشائعة بين النساء والرجال في الإنجازات الفاعلة، كل تلك الشواهد يمكننا أن نأخذها دليلاً على تمكين النساء. وما علمناه من أن هذا قد يستدعي قدرة النساء على الفِعل كأفراد، كما في دراسة بيكر، لا يقصد به المطابقة بين التمكين والمصالح الذاتية، بل يقصد به الاعتراف عمومًا بأن جوانب عدم المساواة بين الجنسين كثيرًا ما تأخذ شكل وضع صلاح حال النساء في مرتبة ثانوية مقارنة بصلاح حال الرجال.7 وفي بعض السياقات ينتج عن هذه المرتبة الثانوية أشكال متطرفة من عدم المساواة بين الجنسين إلى حد يهدد الحياة. وفي حالات أخرى، قد تأخذ أشكالاً أقل تهديدًا للحياة, مثل عدم المساواة بين الجنسين في التعليم. وفي معظم الأحوال، من المعقول أن نقترض نظريًا أن التحسن في صلاح أحوال النساء يرجح أن يتضمن تحسنًا في أحوال بقية أفراد الأسرة الى الأفضل، بينما لا يتضمن تحسين أحوال بقية أفراد الأسرة بالضرورة تحسنًا في أحوال النساء إلى الأفضل.

استخدام تركيبة من عدة طرق منهجية ومعاني مؤشرات القياس: الموارد، والقدرة الفردية على الفعل، والإنجازات كل لا يتجزأ

كانت دراستنا حتى الآن للتلاؤمبين مختلف أبعاد التمكين والمؤشرات المستخدمة لقياسها في جوهرها دراسة عن التلاؤمبين المعاني النظرية التي أضفيت على كل مقياس منها ومعانيه التي تتجلى من واقع التجربة العملية له. وقد طرحت المناقشة بوضوح تام أنه من غير الممكن تأسيس معنى لأحد المؤشرات، أيما كان ما يقصد قياسه من أبعاد التمكين، دون الرجوع إلى غيره من أبعاد التمكين الأخرى. وبعبارة أخرى؛ فإن الأبعاد الثلاثة كل لا يتجزأ في تحديد معنى أي مؤشر ومصداقيته كمقياس التمكين. إن ذكر الحصولعلى أحد الموارد على وجه الخصوص يعطينا فكرة عن اختيار محتمل لا فعلي، وتعتمد مصداقية أي من مقاييس الموارد كمؤشر دال على التمكين اعتمادًا كبيرًا على مصداقية الافتراضات المطروحة عن ما يكمن في هذا المورد من احتمالات القدرة الفردية على الفِعل أو الاستحقاق. وبالمثل؛ من الصعب الحكم على مصداقية أي من مقاييس الإنجاز دون أن يكون لدينا دليل، أو أن نتمكن من الوصول لتخمين معقول عن أي من الأطراف يقيس هذا المقياس قدرتها الفردية على الفِعل، وإلى أي مدى أدى الإنجاز المعني الي تغيير جوانب عدم المساواة السائدة في الموارد والقدرة الفردية على الفِعل بدلاً من أن يعززها أو لا يتدخل في التشكيك فيها، تنطبق اعتبارات مماثلة على البراهين الدالة على القدرة الفردية على الفِعل: فعلينا أن نعرف أهمية عواقب كل منها من حيث أثرها على الاختبارات الاستراتيجية في حياة النساء، وقدرتها على تحقيق طرق ذات قيمة فيما يتعلق بكينونة النساء وأفعالهن، وإلي أي مدى تغير قدرتهن الفردية على الفعل الظروف التي يمارسنها فيها.

ينبع من هذا أثر منهجي، هو أننا بحاجة ماسة إلى استخدام تركيية من عدة طرق منهجية معًا, لمراجعة ما قدمته المؤشرات من دلائل بعرضها على مصادر ومناهج أخرى للتثبت من أنها تعني ما تعتقد أنها تعنيه. إن المؤشرات تضغط الكثير الجم من المعلومات في معلومة إحصائية واحدة، كما أنها تضع افتراضات، غالبًا ما تكون ضمنية، عما تعنيه هذه المعلومة. وكلما ازدادت الدلائل التي تدعم هذه الافتراضات، يزداد احتمال إيماننا بمصداقية المؤشر موضع الدراسة. واسمحوا لي أن أقدم مثالاً يبين أهمية استخدام وسيلة مركبة من عدة طرق منهجية، وهو تحليل النتائج شديدة التضارب بخصوص قدرة القروض التي تمنح للنساء على تمكينهن، والتي وردت في عدد من تقييمات نفس المجموعة الفرعية من برامج الائتمان في بنجلاديش.

في أبحاث أخرى، ذهبت إلى أن هذه النتائج المتضاربة يتجلى فيها زوايا فهم مختلفة للتمكين أكثر مما تظهر مجموعات متناقضة من الدلائل (للاطلاع على تحليل أكثر تفصيلاً لهذه التقييمات، انظر/ انظري (Kabeer 1998 and 2001).

وقد حاولت دراسة بيت وخاندكار (Pitt and Khandker 1995) أن تستنج الفوارق بين النساء والرجال في صفقات القوة في إطار الأسرة من مدى تنوع واختلاف مجموعة مختارة سلفًا من نتائج اتخاذ القرار بشأن القروض وفقًا لاختلاف نوع المقترض [رجل أم امرأة]. وقد سعي الباحثان بعبارة مصطلحات هذا البحث إلى وضع افتراضات عن قدرة الفرد على الفِعل على أساس دلائل عن العلاقة بين الموارد والإنجازات. لكن قيمة تحليلهما تقوضت لأنهما لم يقدما أي تبرير لاختيارهما لنتائج اتخاذ القرار التي درساها على وجه الخصوص، كما لم يتضح في الدراسة على الدوام ما إذا كانت هذه النتائج تشكل إنجازات تلبي هدفًا من الأهداف ذات القيمة، أو فشلاً في تحقيق مثل هذا الهدف. فمثلاً؛ خرج المؤلفان بنتيجة فحواها أن النساء اللاتي حصلن على قروض أنفقن مزيدًا من الوقت في أعمال تتعلق بالسوق أكثر من نساء الأسر التي حصل رجالها على القروض، وفسرا هذه النتيجة كدليل على تمكين المرأة، لكنهما نفسيهما اللذان فسرا النتيجة التي خرجا بها عن أن رجال الأسر التي حصلت على قروض (بغض النظر عما إذا كانت هذه القروض قد منحت لذكور الأسرة أم لإناثها) قد أنفقوا وقتًا أقل في أعمال متعلقة بالسوق, وربما أنفقوا مزيدًا من الوقت في الترويح عن أنفسهم على أنها نتيجة لزيادة الدخل، لكن آخرين فسروا تزايد انخراط النساء في أعمال تتعلق بالسوق نتيجة لحصولهن على قروض تفسيرًا أكثر سلبية، وهؤلاء الآخرون هم الذين قالوا بأن تزايد عمل النساء نتيجة حصولهن على قروض لن يؤدي إلا إلى زيادة عبء العمل الملقى على كاهلهن، وزيادة ساعات عملهن، وإرهاقهن، وإصابتهن بسوء التغذية (Montgomery et al 1995; Ackerly 1995; Goetz and Sen Gupta 1994) كما أن إتاحة المزيد من الترويح الرجال نتيجة لحصول أسرهم على قروض يمكن تفسيره بشكل معقول أيضًا كدليل على تميز الرجال وزيادة قوتهم لا على أنه (أو بالإضافة لكونه) “نتيجة لزيادة الدخل” . ولو توفر لنا المزيد من المعلومات عما قصدته نتائجهما بالفعل لساعدنا هذا على التمييز بين هذين الافتراضين المختلفين.

وقد تميزت دراسة رحمن (Rahman 1986) أيضًا بغياب مماثل للمعلومات المتعلقة بالقدرة الفردية على الفِعل التي تدخل في إنجاز نتائج معينة لاتخاذ القرار. لكنها اختارت على الأقل نتائج كان لها تأثير معقول على تسكين النساء، حيث أن هذه النتائج تتعلق بإنجازات السياسية تمس صلاح أحوال النساء في سياق يتميز بوجود تمييز كبير بين الرجال والنساء. وجدت دراسة رحمن أن النساء اللاتي تلقين قروضًا قد تمتعن بمستويات أعلى من صلاح الأحوال (الطعام والكساء، والإنفاق على الخدمات الطبية) مقارنة بنساء الأسر التي تلقى رجالها القروض أو نساء الأسر ذات المستوى الاقتصادي المعادل والتي لم تتلق أي قروض على الإطلاق. أن نتائج هذه الدراسة تقودنا إلى خلاصة مؤداها أن حصول النساء على القروض الائتمائية قد قلل من الفوارق بين النساء والرجال في صلاح الأحوال داخل الأسرة، وإن لم يلغها تمامًا. لكن هذه النتائج من حيث كونها دلائل على تمكين النساء كان من الممكن أن تكون أقوى لو تضمنت معلومات عن من الذي تدخلت قدرته / قدرتها الفردية على الفعل في ترجمة القروض إلى وقع مؤثر على صلاح الأحوال. هل تمثل زيادة الإنفاق على ما يصلح حال النساء زيادة في تملكهن القوة في مسائل شراء المستلزمات وممارسة ذلك بشكل فعال ومباشر؛ أم وهل تمثل تعظيمًا لدورهن في اتخاذ القرارات بشأن الأسرة فيما يخص توزيع موارد الأسرة؛ أم هل تمثل زيادة في الوزن الذي يعطيه رب الأسرة لما يصلح حال النساء اعترافًا بدورهن في جلب موارد اقتصادية للأسرة؟ من الواضح أن كل احتمال من هذه الاحتمالات يلقي ضوءًا مختلفًا على قضية القوة والقدرة الفردية على الفعل في إطار الأسرة، بحيث أننا إذ نصل إلى خلاصة قوية عن آثار حصول النساء على قروض ائتمانية على صلاح أحوالهن، تظل لدينا علامة استفهام عن تأثير هذه الفروض على تمكينهن.

إذا كانت لدى الباحثين والباحثات مشكلة في استنتاج القدرة الفردية على الفِعل على أساس عدم كفاية المعلومات التي لدينا على الإنجازات، فإن محاولات استنتاج إمكانات الإنجاز على أساس فهم محدود للقدرة الفردية على الفِعل يعد إشكالية بنفس القدر. يتضح هذا في دراسة جوتز وسين جوبتا (Goetz and San Gupta 1996) التي استخدما فيه أحد مؤشرات التحكم الإداريوجعلاه مؤشرهما الدال على تمكين النساء. وقد صنف هذا المؤشر النساء اللاتي حصلن على قروض إلى فئتين، تقع عند أحد طرفيها النساء اللاتي لم يكن لديهن علم بالكيفية التي استخدمت بها قروضهن، أو لم يلعبن أي دور في المشروع الذي مولته قروضهن، وعند الطرف الآخر النساء اللاتي ينطبق عليهن وصف أنهن مارسن التحكم الكاملفي قروضهن، إذ شاركن في كل مراحل المشروع، بما في ذلك تسويق منتجاتهن. والعدد الكبير من النساء اللاتي لم يمارسن إلا القليلمن التحكم في قروضهن، أو لم يتحكمن إطلاقًافيها، الذي وجدته الدراسة وفقًا لهذه المعايير، أدى إلى وصول المؤلفين إلى نتائج متشائمة خلصا إليها عن احتمالات لعب برامج القروض لدور في تمكين النساء.

لكن لو رجعنا إلى نقطة أثرناها سابقًا عن التراتب الهرمي في عمليات اتخاذ القرار، نجد أن مؤشر التحكم الإداريالذي استخدمه هذان الباحثان فيه مشكلة كبيرة، وهي أن هذا المؤشر قد خلط بين لحظات شديدة التميز في عمليات اتخاذ القرار، مما أدى إلى ترجمة حصول النساء على القروض إلى وقع مؤثر لها على حياتهن. وقد خلط هذا المؤشر على وجه التحديد التحكمبـ الإدارة، فلم يميز بين القرار السياسي الخاص بكيفية استخدام القروض وسدادها، وبين القرارات الإدارية التي ينفذ بمقتضاها القرار الخاص باستخدام القرض. فلو أن هذا الفرق قد أخذ في الحسبان، بغض النظر عن النسبة المجهولة التي تبلغ ٢٢% من نساء عينة الدراسة اللاتي وضعن في فئة اللاتي لم يتحكمنفي قروضهن اللاتي قلن إنهن لا يعرفن حتى كيف استخدمت قروضه، لأمكن لبقية الـ 78% من نساء العينة أن يمارسن – من جهة المبدأ قدرًا من التحكم في قروضهن، أكبر بكثير مما سمح به المؤلفان. وإذا نحينا هذه النقطة جانبًا، ولو كان التحكم في النشاط الذي يموله القرض في حقيقته لحظة تحكممهمة في العملية التي يترجم بمقتضاها الحصول على القرض إلى نطاق من الإنجازات ذات القيمة – كما يفترض جوتز وسين جوبتا نظريًا على ما يبدو – لأمكن بالتأكيد لـ التحكم الإداريأن يحلمنا بوصفه مؤشرًا دالاً على التمكين.

لكن تقييمًا آخر لمجموعة مشابهة من برامج القروض الائتمانية في أرياف بنجلاديش يناقض هذا الافتراض النظري على نحو مباشر. فقد صنفت دراسة هاشمي وآخرون (Hashemi 1996) كل المقترضات في عينة الدراسة وفقًا لفئات التحكم الإداريالتي أفصحت عنها دراسة جوتز وسين جوبتا. لكن النتائج تباينت تباينًا شديدًا وفقًا لكل من طول مدة عضوية النساء في المنظمات المانحة للقروض ووفقًا لكل منظمة من تلك المنظمات المانحة، إلا أنها أكدت أن نسبة عالية من النساء في قرى بعينها قد فقدنفعلاً القدرة في التحكم في قروضهن حسب معاير جوتز وسين جوبتا، وبالمضي في فحص العلاقة بين حصول النساء على القروض ونطاق من مؤشرات التمكين، تركزت تساؤلات هاشمي وزملائه أساسًا فيما إذا كان لحصول النساء على القروض أي أهمية في إحداث تحولات مهمة في حياتهن، بغض النظر عن من الذي مارس التحكم الإداري” . وقد استخدمت دراسة هاشمي المؤشرات التالية: الحراك في عدد من المواقع العامة؛ والقدرة على ابتياع المشتروات الصغيرة والكبيرة، بما فيها المشتروات التي تخص النساء أنفسهن؛ والمشاركة في المجالات الكبرى لاتخاذ القرارات الاقتصادية؛ واتخاذ القرارات الكبرى الخاصة بالأرض أو بشراء المقتنيات الكبرى ذات القيمة؛ وما إذا كانت النساء قد عانين من الاستيلاء على أموالهن أو أي من ممتلكاتهن الثمينة؛ أو منعن من زيارة بيوت أهاليهن أو من العمل خارج المنزل؛ ومدى عظم إسهام النساء اقتصاديًا في حياة الأسرة؛ وإسهامهن في حركات الاحتجاج والحملات العامة؛ ووعيهن السياسي والقانوني؛ وأمانهن الاقتصادي من خلال اقتنائهن للممتلكات ذات القيمة ووضع مدخرات بأسمائهن.

توحي نتائج تحليل بيانات هذه الدراسة بأن حصول النساء على قروض قد أسهم إسهامًا كبيرًا في تعظيم مشاركتهن الاقتصادية، كما قررت النساء؛ وفي احتمال امتلاكهن لمقتنيات ثمينة بأسمائهن، وفي زيادة تمتعهن بقوة ممارسة الشراء، وفي وعيهن السياسي والقانوني، كما أسهم في المؤشر المركب للتمكين. كما ارتبط حصول النساء على القروض أيضًا بزيادة مستوى حرية حرکتهن، وإسهامهن السياسي واشتراكهن في اتخاذ القرارات الكبرى لبعض المنظمات المانحة للقروض. وأخيرًا، استكشفت الدراسة كل أثر من آثار إسهام النساء اقتصاديًا في ميزانية الأسرة على حدة على مختلف مؤشرات التمكين، ووجدت أن فصل إسهام النساء الاقتصادي عن غيره من الآثار قد قلص من أثر حصول النساء على القروض على هذه المؤشرات، لكن وقع حصولهن على القروض وحده على مؤشرات التمكين ظل ذا دلالة مهمة. وبعبارة أخرى؛ كان كل من الحصول على القروض وحجم الإسهام الاقتصادي الذي أقرت به النساء على حدة كافيًا لكن ليس ضروريًا لإنجاز النتائج المتعلقة بالتمكين. وكان لهما معًا آثار تؤدي إلى تعزيز كل منهما للآخر.

إن هذه المقارنة بين مختلف المداخل إلى القياس الكمي للتمكين في سياق نفس المجموعة من برامج القروض الائتمانية يوضح بجلاء شديد الحاجة إلى الجمع بين عدة وسائل منهجية لقياس دلائل التمكين لضمان أن هذه المؤشرات الدالة تعني ما قصد بها أن تعنيه. أن غياب مثل هذه الدلائل المساندة يحمل خطر تحميل المحللين لمؤشراتهم الدالة بمعاني تنجلى فيها ما تعلموه في فروعهم العلمية، أو مناهج البحث التي درسوها، أو السياسات التي تعلموها بدلاً من الحقائق التي يسعون لتصويرها. إن الجمع بين عدة وسائل منهجية للقياس يتطلب استخدام مصادر متعددة للمعلومات لتفسير أي مؤشر دال، وفي ذلك حماية من تحيزات المحلل الذي يتولى التفسير. وينبغي أن نلحظ أن المؤشرات التي استخدمتها دراسة هاشمي وآخرونقد صممت على أساس دراسة إثنوغرافية سابقة، ولم تُستق من افتراضات مسبقة، وتفسر جاذبيتها الأشد من غيرها كمقاييس تقيس ما سعت الدراسة إلى قياسه. لقد ركزت المؤشرات الدالة لهذه الدراسة إلى حد بعيد على مختلف جوانب قدرة النساء الفردية على الفعل، إلا أننا يمكننا القول بأن كل علامة من علامات القدرة الفردية على الفعل التي قيست قد شكلت أيضًا إنجازًا ذا قيمة في حد ذاته.

قياس التمكين: مشكلة القيم

علاقة السياق بالمكانة والاستقلال باتخاذ القرار

لقد ركزت حتى الآن على مشكلة المعنى فيما يتعلق باختيار المؤشرات الدالة على التمكين: هل تعني المؤشرات الدالة على التمكين ما يفترض أن تعنيه؟ وأريد الآن أن أنتقل إلى مسألة القيم، وكيف تؤدي إلى تعقيد محاولات وضع أطر فكرية لتمكين النساء وقياسه. فلأبدأ بمسألة إدراك الجماعة لقيمها أو القيم كما يدركها أفراد الجماعة من داخلهم، وقبل أن أمضى في تناول التعقيدات التي تدخلها قيم الباحث الخارجي [الذي لا ينتمي للجماعة التي يدرسها] على ملاحظاته ودراساته. أتت الطريقة الأساسية للقبض على زمام القيم الداخلية الجماعة التي تتناولها الدراسةفي الدراسات التي بحثث تمكين النساء من خلال المتغيرات التي تقيس السياق الثقافيللجماعة قيد البحث. تميل مثل هذه الدراسات إلى الطابع المقارن، وهي تستكشف كيف تؤثر الفوارق الموجودة في السياق الثقافي على الموارد، والقدرة الفردية على الفِعل، والإنجازات. فقد لاحظنا بالفعل مثلاً النتائج التي وردت في دراسة جوتز وسين والتي خلصت إلى أن وضع تعليم النساء وعملهن الوظيفي قد ساعد على تفسير التباين في إجمالي وفيات الأطفال وزيادة وفيات الإناث من الأطفال في طول الهند وعرضها. لكن المتغير الأهم الذي انفردت به تلك الدراسة وفسرت عن طريقة زيادة وفيات الإناث، كان متغيرًا صوريًا يشير إلى الموقع الجغرافي، وهو يتمثل في أن الفوارق بين الذكور والإناث في معدل الوفيات كانت أقل وضوحًا بكثير في الولايات الجنوبية بالهند عنها في الولايات الشمالية والغربية.

إن هذه المتغيرات الصورية الخاصة بمناطق بعينها يمكن أن تفهم على أنها ضغط للمعلومات حول نطاق تام من المعايير والممارسات المتداخلة التي تتعلق بالزواج، وحرية الحركة والإرث، والتي تكون في مجموعها علاقات النوع بين الرجال والنساء في مختلف أنحاء الهند. فإذا قبلنا بأن الاستثمار في بقاء أي فرد من أفراد الأسرة على قيد الحياة وصلاح أحواله / أحوالها يقول لنا شيئا مهمًا عن القيمة التي تعزى لهذا الشخص، لوجدنا أن تحليل جوتز وسين يقول لنا إنهما وجدا أن المتغيرات الهيكلية التي تُكوِّن علاقات النوع بين النساء والرجال في مختلف أنحاء الهند أكثر أهمية بكثير في تحديد قيمة الطفلة في الأسرة؛ أكثر من دور السمات الفردية لوالديها في تحديد قيمتها.

أما دراسة جيجهيوي (Jejheebhoy 1997) التي تقارن ما بين التأميل نادو، وهي إحدى ولايات جنوب الهند، وأوتار براديش، وهي ولاية من الولايات الشمالية للهند، فتقدم نوعًا من الفهم ذي المستوى المنخفض للعلاقة بين السياق الثقافي وما يفضله الأفراد. تستكشف دراسة هذه الباحثة آثار نطاق من المتغيرات على قدرة النساء على الاستقلال باتخاذ القرار، تلك المتغيرات التي يتجلى في بعضها عوامل مرتبطة تقليديًا بمكانة المرأة (مثل عدد الأطفال، وبالأخص عدد الأبناء الذكور منهم؛ وسكناها مع حماتها في سكن مشترك؛ ومقدار مهرها) بالإضافة إلى التعليم والعمل بوظيفة مدفوعة الأجر، ومتغيرات ترتبط بنموذج اتباع نمط الحياة الحديثة. لقد شمل قياس قدرة النساء على الاستقلال باتخاذ القرار دورهن في اتخاذ القرار، وحرية حركتهن، ونسبة حوث تعرضهن للعنف المنزلي؛ وتيسير سبل حصولهن على الموارد الاقتصادية، وتحكمهن في هذه الموارد. وكما توقعنا، فقد حققت النساء في تأميل نادو نجاحًا في معظم المؤشرات الدالة على استقلالهن باتخاذ القرار أفضل مما حققته النساء في أوتار براديش. لكن الباحثة وجدت أيضًا أن محددات استقلال النساء باتخاذ القرارقد تباينت في المنطقتين.

وعمومًا، فإن العوامل التقليدية التي تنعم على النساء بوضع أفضل – عدد الأبناء الذكور الذين حملتهم، ومقدار مهرهن، وسكناهن في سكن مستقل مع أسرتهن النووية – ارتبطت ارتباطًا أشد بمؤشرات الاستقلال باتخاذ القرار في منطقة أوتار براديش عنها في سياق مجتمع منطقة التاميل نادو الذي تسوده المزيد من المساواة بين الرجال والنساء. ففي أوتار براديش، كانت النساء اللاتي جلبن مهورًا كبيرة لزواجهن، واللاتي عشن في أسر نووية، واللاتي أنجبن أبناء ذكورًا أكثر احتمالاً لأن يدلين ببيانات عن تمتعهن بدور أكبر في اتخاذ القرار داخل الأسرة، وتمتعهن بالمزيد من عدم التعرض للعنف المنزلي أكثر من غيرهن من النساء.

وقد كان لتوظف النساء أيضًا أثار مهمة وإيجابية على معظم المؤشرات الدالة على الاستقلال باتخاذ القرار في أوتار براديش، لكن أثر التعليم على هذا المؤشر كان أضعف وأقل أهمية بكثير. أما في التاميل نادو ، فقد كانت آثار هذه المتغيرات المتعلقة بمكانة النساء والأقرب للتقليدية أضعف بكثير، وكان لتوظف النساء تعليمهن علاقة أكثر اتساقًا باستقلال النساء باتخاذ القرار، وإن كان أثر التعليم أقوى.

تشير دراسة جيجيبهوي إلى مبرر قوي لزيادة احتمال اضطرار النساء في بعض السياقات إلى اللجوء إلى بعض الاختيارات التي تنافي التمكين في جوهرها. وتتمثل المتغيرات السياقية في دراستها – مثلما في دراسة جوتز وسين – في اختزال للقواعد، والمعايير والممارسات ذات الجذور المتغلغلة بعمق في مختلف أنحاء الهند والتي تشكل العلاقات الاجتماعية فيها وتساعد على التأثير في السلوكيات، وتحديد القيم، وتشكيل الاختيارات. وحيث إنه من المرجح أن النساء يحظين بمزيد من الاحترام في مجتمعاتهن المحلية لمسايرتهن لمعايير هذه المجتمعات, وأنهن يعاقبن لو لم يسايرنها، فمن المرجح أن تتجلى في القيم التي يعتنقنها والسلوكيات التي تصدر عنهن قيم وسلوكيات المجتمع الأوسع وتعيد إنتاج ما فيه من مظالم. فعلى سبيل المثال؛ يوجد دليل على أن النساء في الولايات الشمالية، مثل ولاية أوتار براديش، يزيد احتمال تعبيرهن بقوة عن تفضيل الأبناء الذكور أكثر بكثير من قريناتهن اللاتي يعشن في الولايات الجنوبية، مثل ولاية تاميل نادو (Moore 1983). إن الطبيعة الطوعية الظاهرة لهذه الاختيارات يجب ألا تحول دون انتباهنا لعواقبها. فلو وضع التمكين ببساطة موضع المعادل الدور في اتخاذ القرار والتحكمفي موارد الأسرة، لابد حينئذ من اعتبار إنجاب الأبناء الذكور والحصول على مهر كبير عوامل موصلة لتمكين المرأة. لكن المهر من الممارسات التي تعبر في نفس الوقت عن تفضيل الأبناء الذكور وتعززه، وتحول البنات إلى ثروات مالية لأهلهن. إن المهر وتفضيل الأبناء الذكور كليهما محور للقيم والممارسات التي تجند الوضع الاجتماعي للنساء كفئة تابعة، وهي الحالة التي ترتبط ببعض المؤشرات التي تعد من أكثر المؤشرات الدالة على التمييز ضد النساء بسبب نوعهن في شبه القارة الهندية.

وتوجد دراستان لهما صلة بالموضوع من أرياف نيبال، تقدمان مزيدًا من الاستبصارات المهمة في الدور الذي تلعبه العلاقة بين العوامل السياقية والفردية في تشكيل اختيارات النساء(Morgan and Niraula 1995, 1996). لقد قبضت هذه الدراسات على زمام السياقمن خلال المقارنة بين قرية تقع في منطقة تاراي أو منطقة السهول (وتشترك في الكثير من السمات الاجتماعية المميزة للثقافة الهندوسية في شمال الهند، بما في ذلك التشدد في التقسيم إلى طوائف والعلاقات بين النساء والرجال) وقرية تقع في منطقة التلال (وتتميز بهندوسية أقل تشددًا تجمع بين جوانب من المعتقدات القبلية والبوذية، كما تتميز بنظام متساهل عمومًا في مسألة الطوائف والعلاقات بين الجنسين).

شمل التحليل ثلاث مجموعات من المتغيرات. المجموعة الأولى من المتغيرات هي التي قبضت على زمام الدرجة التي تسمح بها الممارسات الاجتماعية المحلية للنساء بالتمتع بالقدرة الفردية على الفِعل والاختيار، وكانت تتعلق بعدد من متغيرات السلوكيات المرتبطة بالزواج، مثل: احتمالية اختيار النساء لشركاء حياتهن الزوجية عن طريق الاختيارلا الزواج المرتب؛ وقدرة النساء على التخلص من الحياة الزوجية غير المُرضية لهن والدخول في علاقة زوجية جديدة؛ والاستمرار في صلة الرحم مع أسرة والدي المرأة بعد الزواج؛ ومدى الاستعداد للسماح للأولاد والبنات باختيار شريكات وشركاء حياتهم وحياتهن بأنفسهم. وكانت المجموعة الثانية من المتغيرات التعلق بـ استقلال النساء باتخاذ القرار، وتكونت من مقاييس لقياس قدرة النساء الفردية على الفِعل، مثل: دورهن في اتخاذ القرار في الأسرة وحرية حركتهن في المجال العام. أما المجموعة الثالثة فكانت متعلقة بمقاييس الخيارات الإنجابية، مثل: حجم الأسرة الذي تفضله المرأة, وتفضيل الأبناء الذكور، واستخدام موانع الحمل استكشفت المرحلة الأولى من التحليل العلاقة بين القدرة على الفِعل على المستويين الاجتماعيوالفردي، ووجدت – كما هو متوقع أن النساء اللاتي مارسن اختيارًا أكبر في السلوكيات المتعلقة بالزواج قد تمتعن أيضًا بدور أكبر في اتخاذ القرار في الأسرة وحرية الحركة. لكن ما أن يتم التحكم في السياق بإدخال القرية كمتغير صوري حتى يقل بشدة الارتباط بين الجوانب الفردية للسلوك والمؤشرات الدالة على استقلال النساء باتخاذ القرار. فمثلاً؛ اختفى الارتباط القوي بين ممارسة النساء لاختيار شركاء حياتهن الزوجية وحرية حركتهن في المجال العام ما أن أخذ السياق في الحسبان.

لقد ساعد السياق على تفسير أوجه التباين بين نساء القريتين في الاستقلال باتخاذ القرار، لكنه وجد أيضًا حلاً لمسألة تأثير استقلال النساء باتخاذ القرار على ما يبدو أنهن يفضلنه. وعند استكشاف كل من القرية كمتغير صوري وقياس استقلال النساء باتخاذ القرار في معادلتين منفصلتين، كان لهما الآثار المتوقعة منهما. عبرت نساء القرية التي تقع في منطقة تاراي [منطقة السهول] التي تضع قيودًا أكثر على النساء عن تفضيلهن لإنجاب الأبناء الذكور بشكل أقوى من غيرهن من نساء القرى الأخرى، كما كن أقل ترحيبًا باستخدام موانع الحمل، وأقل احتمالاً لتعليم أطفالهن، وبالذات بناتهن. وكانت العلاقة بين الاستقلال باتخاذ القرار على المستوى الفردي وبين اختيارات النساء في المجال الإنجابي متوقعة أيضًا، فالنساء اللاتي يتمتعن بحرية أكبر في الحركة زادت احتمالات استخدامهن لموانع الحمل حين كن لا يردن إنجاب المزيد من الأطفال. وعند استكشاف آثار كل من الاستقلال الفردي باتخاذ القرار وظروف القرية معًا، ظلا ذواتا دلالة، وإن كان بشكل أقل. واستنتج المؤلفون أنه بينما زادت القدرة الفردية على الفِعل من قدرة النساء على تنفيذ اختيارتهن في مجال الإنجاب، فإن هذه القدرة الفردية على الفعل نفسها قد تشكلت إلى حد بعيد بالسياق الاجتماعي لا بالسمات الفردية للنساء.

ومن حيث مناقشتنا للتمكين، فإن تأثير السياق الاجتماعي، هياكل القيود، على السلوك الفردي والقدرة على الاختيار، يثير عددًا من القضايا المهمة. فهو يذكرنا أنه بينما قد تلعب النساء كأفراد دورًا مهمًا في تحدي هذه القيود، إلا أن أوجه عدم المساواة الهيكلية لا يمكن مواجهتها بمعرفة الأفراد بمفردهم. إن أفرادًا من النساء يمكنهن التحرك ضد المعايير المتعارف عليها، وهن يفعلن ذلك، لكنهن قد يتعين عليهن أن يدفعن ثمنًا باهظًا لممارستهن مثل هذا الاستقلال باتخاذ القرار، ويظل تأثيرهن محدودًا على مكانة النساء عمومًا. يرجع هذا إلى الفكرة التي ذكرناها سلفًا, وهي أن التمكين الفردي مكسب هش ما لم يمكن حشده لمصلحة التمكين الجمعي. أن مشروع تمكين النساء يعتمد على الحركة الجمعية في الساحة العامة بالإضافة إلى الإصرار الفردي في المجال الخاص.

ومن حيث مناهج البحث، يذكرنا النقاش في هذا القسم بالسبب الذي لم يمكن من أجله وضع إطار فكري للتمكين من حيث الاختيار وحده، بل لا بد من أن يشمل هذا الإطار تقديرًا للقيم المغروسة بعمق في الاستقلال باتخاذ القرار والاختيار، القيم التي يتجلى فيها السياق الاجتماعي الأوسع. يشير هذا – بعبارة أخرى إلى الحاجة للتمييز بين المكانةوالاستقلال باتخاذ القراركمعايير لتقييم القدرة الفردية على الفعل والاختيار من منظور التمكين. أن الاعتبارات الخاصة بـ مكانةالنساء تتعلقي بقيم المجتمع المحلي، سواء في المجتمعات ذات الهيكل التراتبي الهرمي أو ذات الهيكل المتسم بالمساواة بين الجميع، وهي تلفت الانتباه إلى تأثير الجماعة الأكبر في إعطاء قيمة أعظم لأنواع معينة من الاختيارات الفردية وإعلائها على غيرها، ومن ثم في إعطاء قيمة أعظم لمن يلتزمن / يلتزمون بهذه الاختيارات .

وحين تنشئ مثل هذه الاعتبارات للنساء توازنًا بين قدرتهن على اتخاذ اختيارات مستقلة في مجالات مهمة من حياتهن – مثل الزواج، والإنجاب، والصداقة، وما إلى ذلك وبين قدرتهن على التمتع بالمكانة في الأسرة والمجتمع والمحلي، تصير المكانة مناقضة للاستقلال باتخاذ القرار. وقد قالت سين تعليقًا على الاختيار في مجال الإنجاب: “تتضح الفكرة خصوصًا في المجتمعات التي تقوم على تراتب هرمي على أساس النوع، حيث قد ترتبط مكانة المرأة مثلاً بخصوبتها. فإنجاب المرأة للعدد الذي يحوز القبول من الأطفال يضفي عليها الحقوق والامتيازات التي تعطى للمرأة الخصبة، لكنه لا يعطيها بالضرورة مزيدًا من الاستقلال باتخاذ القرارات (Sun,G. 1993, 198).

والأقوى من ذلك، أنه في مثل هذه السياقات يرجح أيضًا أن تكون المكانة مناقضة للتمكين. فحاجة المرأة لإنجاب العدد الذي يحوز القبول من الأطفال من أجل ضمان المكانة الاجتماعية وقبول الأسرة له تأثير سيئ على أجساد النساء وحياتهن، إذ يحملن وينجبن أطفالاً بعدد يتجاوز طاقتهن على ذلك. كما أن اعتبارات المكانة في الثقافات التي تفضل الأبناء الذكور تتطلب من المرأة أن تلد عددًا معينًا من الأبناء الذكور، وأن تميز أبناءها عن بناتها بطرق تساعد على تعزيز التمييز الاجتماعي ضد النساء، وأن تربي بناتها على الحط من قيمة أنفسهن، وبذا تعمل النساء كوكيلات لنقل التمييز ضد المرأة عبر الأجيال. كما أن اعتبارات المكانة تؤدي إلى زيادة التكاليف الخفية للاستقلالية، وهي صعبة القياس، لكن النساء من جميع أنحاء العالم يشهدن بوجودها بفصاحة(Kabeer 1998; Rowland 1997; Villarreal 1990; Silberschmidt 1992) وأخيرًا، يمكن أن تقضي اعتبارات المكانة في حدها الأقصى إلى ثقافات تصير فيها قتل المواليد الإناث، وإجهاض الأجنة الإناث، وختان الإناث، وقتل النساء الأرامل أحياء استجابات رشيدةللأعراف الاجتماعية.

قيم الباحث/ الباحثة الآتين من خارج الجماعة تمكين النساء

بين إنكار الذات والاستقلال باتخاذ القرار

لقد شرحت بمزيد من التفصيل مبررات مختلف القيود والشروط التي تحصر فكرة الاختيار والتي شكلت فهمي للتمكين حين أشرت إلى أهمية القيم الاجتماعية لتبرير تدني مكانة النساء ولقبول النساء أنفسهن لهذه القيم في دخيلتهن. لكن هذه القيود والشروط تستدعي وضع المعايير من موقف خارجي، واتخاذ مجموعة من القيم تختلف عن قيم النساء أنفسهن كأساس لتقدير معنى اختياراتهن. والمشكلة التي يثيرها هذا الوضع ليست مجرد مشكلة وضع معايير فحسب – فقبل كل شيء، تقوم فكرة التنمية بأكملها على موقف من النوع الذي يضع المعايير للغير – بل هي مشكلة تحديد إلى أي مدى يعبر هذا الموقف لوضع المعايير عن قيم تتعلق بالواقع الذي تسعى لتقييمه. يوجد دائمًا خطر أننا حين نقدر الاختياراتفسوف يقودنا هذا إلى الرجوع لأنفسنا ولمعاييرنا ولقيمنا.

وقد لاحظت موهانتي (Mohanty 1991) وجود ميل إلى تمثيل الذاتعند تمثيلنا للـ آخر، وهي تصف الطرق التي تميل بها الدراسات إلى اختزال نساء العالم الثالث الآتيات من سياقات متنوعة مختلفة وإضفاء الصبغة العالمية عليهن، لاسيما في نصوص الدراسات في مجال النساء والتنمية. تقول موهانتي: “إن المرأة العالم الثالث المتوسطة هذه تعيش أساسًا حياة مختصرة تقوم على أساس نوعها الأنثوي (بمعنى أن هذه المرأة مقهورة جنسيًا) وكونها من العالم الثالث (بمعنى أنها جاهلة، وفقيرة، وأمية، وسجينة التقاليد، وحبيسة البيت، وموجية لخدمة أسرتها, وضحية .. الخ) (Mohanty 1991, 56). ورغم أن هذا التصوير لامرأة العالم الثالث المتوسطةالمحرومة من التمكين قد قصد به إثارة التعاطف مع هؤلاء النساء وتحريك الهمم لفعل شيء لهن، فإن له طابعًا اختراليًا يتجلى فيه مدى اتساع المسافات الاجتماعية التي تفصل الباحثات / الباحثين عن المبحوثات / المبحوثينفي مجال دراسات التنمية بوجه خاص، علما بأن هذه المسافات كثيرًا ما توجد في العلوم الاجتماعية عمومًا بسبب اختلاف الموقع، والطبقة، والجنسية واللغة بين الباحثات / الباحثين والمبحوثات / المبحوثين.

تساعدنا هذه المسافة نفسها على تفسير العوامل التي بسببها يتولَّد عن محاولات تعريف وقياس تمكين النساء ميول مثيلة لتقديم حالة متوسطةعند تصوير النساء اللاتي قدم لهن التمكين. أريد أن أشير لمثالين مميزين لمثل هذه الميول، وهما مستمدان من أنواع مختلفة تمامًا من الدراسات وكتابات الدعوة للتمكين، وفي المثالين كليهما شيء من الصدق، لكن فيهما الكثير من التبسيط. أحد النموذجين يروج لما يمكن أن يسمى نموذج المرأة الفاضلة التي حظيت بالتمكينوهو مرتبط بالأشكال الذرائعية من الدعوة لقضايا النوع التي لاحظناها من قبل. يعتمد هذا النموذج على أمثلة منوعة من الدراسات المعنية بقضايا النوع التي توثق ارتباط إحساس النساء بذواتهن بشدة بإحساسهن بغيرهن لتضفي عليهن سمات متنوعة تشكل الأساس الذي تقوم عليه الدعوة لحقوقهن، من هذه السمات طبعًا إنكار الذات، وتكريس النساء أنفسهن لما فيه الصالح العام لأسرهن، والحرص في الإنفاق، وتجنب المخاطرة، وتحمل العمل الشاق، الذي يتجلى في ساعات عملهن الطويلة، وضآلة احتياجاتهن من أوقات الفراغ التي يمكن أن يقضينها في الترويح عن النفس، وإحساسهن بالمسئولية المدنية، التي تتجلي في شكل ترحابهن بالاضطلاع بالعمل الاجتماعي غير مدفوع الأجر، وما إلى ذلك. وقد نشأ عن هذه السمات المفترضة نطاق من التدخلات التي تسعى لاستغلال عائد مكاسب هؤلاء النساء سياسيًا، ويتمثل هذا في صيغة المكسب الرابحالمعروفة الآن، والتي تؤكد على أن كلا من تحقيق المساواة للنساء وتمكين النساء هدف مهم في حد ذاته، كما أنه ضروري لتحقيق الكفاءة، والحد من الخصوبة، واستدامة صلاح البيئة، وصلاح أحوال الأسرة، والتخفيف من وطأة الفقر، والحكم الرشيد الصالح“.

تبرر الكثير من هذه التدخلات بأسباب ذرائعية، لكن هذا لا يعني أن النساء لا يجنين من ورائها أي نفع، فالذرائعية قبل أي شيء لعبة، يمكن أن يلعبها اثنان، وتوحي الدراسات بأن الأمر لم يقتصر على استفادة النساء من هذه التدخلات التي ضمنت لهن تيسر سبل الحصول على نطاق من مكاسب التنمية اللاتي حرمن منها من قبل، بل أن النساء قد اعتمدن أيضًا على هذا الخطاب من خطابات السياسة بطرق ذرائعية للترويج لمصالحهن (Harrisson 1997; Villareal 1990). لكن للذرائعية كلفتها. فقد كان على تمكين النساء كعنصر محوري للعدل الاجتماعي أن يتراجع إلى مرتبة ثانية ليدفع إلى المقدمة بإعطاء أمثلة عملية على اتساقه مع الأهداف الرسمية للتنمية. لقد انتخب الباحثون، والحكومات، وهيئات التنمية الدولية لغة التمكين، وكلهم لا يعدو اهتمامهم بتمكين النساء حدود ما إذا كان هذا التمكين قادرًا أم غير قادر على تسليم البضائع، وبدلاً من أن نجد عملية تحول اجتماعي مفتوحة نجد أن فكرة التمكين تطبق كشكل من أشكال العلاج بالصدمة الكهربائية التي تعطى على فترات متقطعة لضمان حدوث الاستجابات المطلوبة: “يبدو أن من الأفضل للناس فهمالتمكين مبكرًا وهو يحتاج إلى تعزيز بتعريضهم / تعريضهن المستمر لظروف فيها تمكين” (Kishor 1997, 16).

والهيئات التي تسعى لتوصيل الموارد اللازمة لتمكين النساء على أسس ذرائعية قد تفشل في تحقيق كامل قدراتها على إحداث تحول اجتماعي لأنها لم تضع التمكين أبدًا على جدول أعمالها حقًا. فبدلاً من ذلك، قد تمكن هذه الهيئات النساء لكن ليس عن قصد. بينما قد يبدو أن هناك أسبابًا وجيهة تفسر ترحيب النساء باستثمار الجهد والموارد لخدمة مصالح الأسرة الجمعية والنظر إلي ذلك باعتباره أفضل ما يخدم مصالحهن، كثيرًا ما يكون إنكار الذاتأحد مظاهر حرمان النساء من التمكين، باعتباره رد فعل لفرصهن المحدودة في الاختيار لا سمة طبيعية من سمات النساء. بالتالي، إذا نجحت جهود تحويل الموارد للنساء في تمكينهن، فستنجح أيضًا في تحويل عدد من الاختيارات إلى مجال الاختيارات الممكنة التي كانت النساء قد حرمن منها من قبل. لن تختار كل النساء الاختيارات التي يرجح أن تحظى بختم الموافقة رسميًا. ففي بعض الحالات، قد يؤدي ارتفاع صوتهنفي الأسرة إلى مزيد من الصراع داخل الأسرة، خاصة بين الأزواج والزوجات، وقد يمكن أن يؤدي لزيادة عنف الرجال معهن. وفي حالات أخرى، قد تختار النساء الهروبكخيار.

يقول إنجلاند وفاركاس أن زيادة حصول النساء على وظائف في الولايات المتحدة الأمريكية منذ خمسينيات القرن العشرين، وارتفاع أعداد الأمهات الوحيدات نتيجة للطلاق أو الولادات خارج إطار الزواج ليست مصادفة: “يحتمل أن يكون ملخص القصة أن العمل الوظيفي قد أعطى النساء حرية التخلص من الزيجات التعيسة” (England 1997). ولدينا دلائل مماثلة من غانا(Roberts 1989)، وزيمبابوي (Hooogenboezem 1997)، وتايلاند (Moor 1994)، والمكسيك، والفلبين، وكوستاريكا (Chant 1997)، وبنجلاديش (Kabeer 2000, 2001) تقول بأن تيسر الحصول على موارد مستقلة قد أتاح للكثير من النساء القدرة على التخلص من الزيجات التي لا ترضيهن.

ويبنما تميل الأفكار الذرائعية للتمكين إلى التأكيد على أن النساء أكثر إنكارًا لذواتهن، وأكثر إحساسًا بارتباط ذواتهن بالغير، ينصح أيضًا وجود نموذج بديل للتمكين في الكتابات التي تركز على عنصر الصراع في العلاقات بين النساء والرجال، ومن ثم تفضل نموذجًا أكثر فردية للمرأة التي تحظى بالتمكين. إن ما يعلى البعض من قيمته باعتباره دليلاً على إنكار الذات يفسره آخرون كدليل على قبول النساء في دخيلتهن لتدني مكانتهن، وميلهن لتقديم احتياجات غيرهن من أفراد الأسرة عن احتياجاتهن الخاصة. فدراسة فايرلبيك (Fierlbeck 1995) مثلاً تذهب إلى أنه من المرجح أن يزداد اتساع قدرة النساء على الاختيار إذا ما رأين أنفسهن کأفراد مستقلات لا كأفراد في جماعة اجتماعية. (ص٢٩)، أما دراسة جاكسون (Jackson 1996) فيرد بها التعليق التالي: “ربما كان من الحقيقي أن النساء يقدمن احتياجات أطفالهن على احتياجاتهن الخاصة، لكن المرء بود بمعنى ما أن تصير النساء أقل إنكارًا للذات وأقل تضحية بأنفسهن” (المصدر السابق ص ٤٩٧).

ومن المؤكد أنه في السياقات التي يحظى فيها الفصل بين الموارد في الأسرة يقبول ثقافي، وتوجد حقًا درجة ما من الفصل في الأسرة، فإن النساء قد يرين أن تحقق درجة أعلى من الاستقلال باتخاذ القرار هدفًا مرغوبًا لهن، وقد لاحظنا بعض أمثلة على هذا بالفعل. قد يكون من المعقول أن نتساءل في مثل هذه السياقات، كما تساءلت دراسة لويد (Lloyd 1995, 17): “هل لو توفر دخل يسمح بانفراد وحدة مكونة من الأم وأطفالها بتكوين أسرة منفصلة مستقلة باتخاذ قراراتها بدلاً من التحاقها بأسرة أكثر تركيبًا تحكمها سلطة آخر (يرجح أن يكون ذكرًا أو أنثى أكبر سنًا)، فهل تفضل النساء هذا الانفصال؟، لكن في السياقات التي تنظم فيها الأسر على أسس فيها المزيد من الارتباط بشركاء، حيث تربط أيديولوجية قوية، هي أيديولوحية الحياة معًابين أنشطة وموارد الأسرة في وحدة واحدة يحكمها عميد الأسرة الذكر، لا يكون لهذا السؤال موقع من الإعراب. في مثل هذه السياقات، حتى في ظل أوضاع تزايد عمل النساء وأجورهن التي استشهدنا بها سلفًا, لا تسعى النساء سعيًا فعالاً لانتهاز فرصة إنشاء وحدات أسرية مستقلة عن الرجال، لأن مثل هذه الوحدات المستقلة باتخاذ قرارها إما أنها ليست مقبولة اجتماعيًا، أو ليست مرغوبة من الأفراد. بدلاً من ذلك، تستثمر النساء وقتًا وجهدًا معتبرين في الحفاظ على زيجاتهن، وتقوية البعد التعاونيمن مركب التعاون – الصراع، ولا يسعين للانفصال إلا في الظروف الاستثنائية.

إن المؤشرات الدالة على التمكين لا تحتاج إلا إلى أن تشيرإلى اتجاه التغيير لا أن تقدم قياسًا دقيقًا له. لكن ما قد يظهر من عدم دقتها بل وكونها قد تكون مضللة له أسباب مختلفة، لقد رأينا كيف أن المقاييس المنفردة، المنتزعة من سياقها، تضع نفسها في خدمة معانٍ مختلفة. ولاحظنا أيضًا كيف أن أفكار تمكين النساء تعد مجال صراع بين فاعلين أساسيين يوافقون على قيم شديدة الاختلاف عن التنمية نفسها ومكانهم فيها. وأخيرًا، توجد مشاكل القياس المرتبطة بالامساك بزمام نوع معين من التغير الاجتماعي. والكثير من المؤشرات التي ناقشناها هنا تعطي تقارير في لقطة واحدة خاطفة، كثيرًا ما تستخدم تنويعات من التحليلات المقطعية المستعرضة للإمساك بزمام التغير. ويكمن خلف الكثير من تلك المقاييس افتراضات ضمنية بحيث يمكننا بشكل ما أن نتوقع عملية التغير المتضمنة في التمكين، أما قدرة البشر الفردية على الفِعل فلا يمكن تحديدها بدقة ولا بسهولة، ومن ثم لا يمكن توقعها, وأي تغيير في بنية الفرص والقيود التي يتخذ الأفراد اختياراتهم / اختياراتهن في إطارها يمكن أن تؤدي إلى إيجاد ردود فعل مختلفة، يمكن أن يكون لها وقع مختلف ومعانٍ مختلفة تمامًا في مختلف السياقات.

يوحي هذا بعدم وجود نموذج خطي واحد للتغيير يمكن به تحديد سببلحرمان النساء من التمكين، وتغييره لخلق النتيجة المرغوبة“.

إن محاولة التنبؤ بدقة منذ بداية التدخل بكيف سيغير هذا التدخل من حياة النساء، دون بعض المعرفة بطرق الوجود والفِعلالتي يمكن للنساء تحقيقها في هذا السياق، والتي يعطينها قيمة كبيرة، يعرضنا لخطر فرض وصفة لعملية التمكين، ومن ثم انتهاك جوهرها، ألا وهو تعزيز قدرة النساء على تحديد مصائرهن.

لكن رغم هذه المحاذير، أود التعبير عن رأيين عامين عمليين يمكن أن يشكلا أساسًا للنقاش في هذا البحث. فالكثير من الموارد، وأشكال القدرة الفردية على الفِعل والإنجازات التي تظهر في الكتابات التي تناولت التمكين جزء لا يتجزأ من مخططات التنمية الأوسع نطاقًا. إن الحجج التي أخذت جانب إعطاء قيمة متساوية لسبل الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم, والقروض الائتمانية، والأرض، ووسائل كسب العيش، وفرص العمل (بالإضافة إلى المساواة في المجال السياسي الأوسع التي لم نتناولها في هذا البحث) تقوم على أسس راسخة من الإنصاف على أساس النوع والعدالة الاجتماعية، بغض النظر عن وقعها على العلاقات داخل الأسرة واستقلال النساء باتخاذ القرار. ومهما كانت الأولويات الخاصة في مختلف السياقات، يشير البحث إلى أن لكل من هيئات التنمية الرسمية والحركات الاجتماعية إسهامات مهمة في إنشاء مشروع تمكين المرأة، ويتوقف هذا على ما لكل منهما من ميزات نسبية في مختلف هذه المجالات. إن خلق المساواة في سبل الحصول على هذه الموارد القيِّمة لقطاعات من المجتمع أمر واضح الأهمية ومجال للتدخل السياسي العام المشروع، علمًا بأن هذه القطاعات من المجتمع كانت ستستبعد من هذه المجالات لولا هذه المساواة.

إن التغيرات في سبل الحصول على أنواع الخيرات التي نتحدث عنها هنا قابلة للقياس على نحو أبسط بكثير – بغض النظر عن السياق – عن المفاوضات الخفية والمفتوحة التي قد تجري في إطار أسر متمايزة ثقافيًا نتيجة لمثل هذا التحسن في سبيل الحصول على الخيرات. وهي أيضًا مؤشرات دالة على التغيرات في أحوال الاختيار. كما أن رفع الاستثمار في صحة النساء وصلاح أحوالهن في السياقات التي عانت فيها النساء فيما سبق من الحرمان، وزيادة سبل حصولهن على أنشطة مدفوعة الأجر في سياقات حرمن فيها من قبل من مثل هذه الفرص، وتزايد دلائل مشاركتهن في العمليات السياسية لمجتمعاتهن المحلية في الأوضاع التي كن فيها محرومات من حق التصويت؛ كلها أبعاد مهمة لتغيير ظروف الاختيار.

وفي الوقت نفسه، يتطلب الإنصاف أن تتمكن النساء الفقيرات وغيرهن من الجماعات المستبعدة ليس فقط من الوصول لسبل الحصول على الخيرات القيمة، بل أيضًا أن يفعلن ذلك بشروط تحترم قدرتهن على تحديد أولوياتهن واختياراتهن بأنفسهن وتعزز هذه القدرة.

إن قياس مثل هذه الإنجازات كميًا أصعب، حيث إنها تتعلق مباشرة بمفاوضات علاقات القوة ولابد لها أن تكون ذات حساسية زائدة للفوارق الثقافية البسيطة. وينبغي رصد هذه القياسات الكمية لمثل هذه الإنجازات من خلال مداخل منهجية تعددية تمزج ما بين البيانات الكمية والكيفية، ويفضل أن تجمع هذه البيانات بمعرفة منظمات غير حكومية تعمل مع القاعدة الشعبية، إذ يضعها انغماسها في حقائق الواقع المحلي والتزامها بها على المدى البعيد في وضع أفضل يمكنها من المزج بين قيم الجماعة كما تدركها هذه الجماعة من داخلهاوبين تحليل الباحث الآتي من خارجهذه الجماعة.

نشرت صيغ سابقة مختلفة من هذا البحث في دورية التنمية والتغيير (Development and Change: 30. 3 (July 1999) ,pp. 435- 64) ووفي ورقة نقاش صادرة عن معهد بحوث التنمية الاجتماعية التابع للأمم المتحدة: United Nations Research Institute for social Development (UNRISD), discussion Paper DP 108 (August 1999) .

وتعيد المؤلفة نشر البحث بإذن من مالكي حقوق الطبع، وهم: معهد الدراسات الاجتماعية، هانوي The Institute of Social Studies, The Hague ومعهد بحوث التنمية الاجتماعية التابع للأمم United Nations Research Institute for social Development (UNRISD).

* Naila Kabeer, “Resources, Agency, Achievements: Reflections on the Measurement of Women’s Empowerment”, Discussing Women’s Empowerment: Theory and Practice, Sida Studies, vol. 3 (Stokholm; Sida,2001), pp.17- 57

1 الاختيار له مغزى ليبرالي جديد قوي لكن التمييز الماركسي بين عالم الضرورةوعالم الحريةيتضمن أيضًا شيئًا من فكرة الاختيار، وآمل أن تساعدنا الصفات التي نضفيها على مفهوم الاختيار في سياق هذا البحث على إبعاده عن جذوره الضاربة في الفردية المنهجية وإعطائه تفسيرًا أقرب إلى ما بعد البنوية.

2 العمل الإيجابي والسلبي مفهومان يتردد فيهما صدي أفكار سين التي مرت فيها بين الحرية الإيجابية والسلبية. حيث تتطابق الحرية السلبية مع التحرر من آثار الفِعل السلبي للآخرين أو استخدامهم للقوة على power over [الاستخدام القوة بفرضها على فرد آخر]”. أما الحرية الإيجابية متطابق بشكل وثيق طريقتي في تعريف الفِعل الإيجابي، إذ تشير إلى قدرة الفرد على العيش كما يختار، وتملكه للقوة الفعالة ليصل إلى النتائج التي اختارها (Sen, A.K 1985) .

3 تقدم مناقشة أجرتها فولبار مثالاً موجزًا بليغًا للتمييز الذي أحاول إيراده هنا: تشير إلى الآثار شديدة الاختلاف التي تترتب على نموذج المساواة في مجال النوع الذي يسعى لتحقيق مشاركة متساوية للنساء والرجال في سوق العمل كمؤشر على إنجازه لهدفه، ونموذج آخر يسعى إلى المساواة بين النساء والرجال في وقت الفراغ.

4 يشترك عند من تحليلات القوة في الإشارة إلى أهمية البدائل، المادية منها والخطابية. ويشير لوكز إلى أن غياب البدائل الفعلية أو المتخيلة من العوامل التي تفسر عدم الاحتجاج على الظلم الموجود في نظام يسوده عدم المساواة بين الناس. ويقول جيس (Guess 1981) إن معرفة الإنسان بالحياة الاجتماعية وبذاته لا تتطلب التحرير من العوز إلى الحاجات الأساسية فقط، بل تتطلب أيضًا توفر الإمكانيات المادية والثقافية التي تتيح التجريب، واختبار البدائل، وحرية التجربة ومناقشة نتائجها. وتعبر شاكلار بفصاحة عن مسألة البدائل حين تصرح بقولها لا سبيل أمامنا لنعرف ما إذا كان الضحايا الذين أصابهم أذى الحكومات – التقليدية منها والثورية – يستمتعون فعلاً بقيودهم، ما لم يحن الحين الذي يمكننا أن نقدم لهم فيه بدائل حقيقية وعملية لحالتهم الحاضرة …” (1964. التمسك بنص القانون /ليجاليزم)

5 من أسئلة هذه الدراسات دراسة هودينوت وآخرونعن تناقص معدلات انتحار الزوجات الذي يبدو أنه نتيجة للتغيرات التي أدخلت على القانون المنظم للطلاق في كندا.

6 نوقشت هذه النقطة في نسخة مطولة من هذا البحث نشره معهد أبحاث تنمية المجتمع التابع للأمم المتحدة UNRISID (1999)

7 فيما يتعلق بدراسة بيكر، من المهم أن نلاحظ أن الوضع في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى لا يشبه نظيره في بلدان جنوب آسيا, فلا يوجد في هذه المنطقة الأفريقية فرق ملحوظ بين الإناث والذكور في الوفيات أو توقعات العمر. لكن حيث أن بلدان هذه المنطقة تتميز بارتفاع معدل الخصوبة عن بقية أنحاء العالم، ومن ثم ترتفع فيها معدلات وفيات الأمهات، التي يفاقم منها غياب الخدمات الصحية الجودة، فإن قدرة النساء على الحصول على كل من الرعاية الصحية في مرحلة الحمل وخدمات منع الحمل يمكن أن تعتبر عوامل مساعدة على إصلاح نوع من أنواع الفشل الوظيفي المحكوم بنوع الفرد [هل هو رجل أم هل هي امرأة]. ومن الواضح أننا يجب أن ندخل في حسابنا الشروط التي تحكم تقديم موانع الحمل في هذه البلدان قبل أن نقبلها كدليل على التمكين.

Ackerly, B.A., “Testing the Tools of Development: Credit Programmes, Loan Involvement and Women’s Empowerment”, ids Bulletin, Vol. 25, No. 3, Brighton: 56 68.

Agarwal, B. (1994). A Field of One’s Own: Gender and Land Rights in South Asia.

Cambridge: Cambridge University Press.

Ali, K.A. (1996). Notes on Rethinking Masculinities: An Egyptian Case’ in S. Zeidenstein and K. Moore (eds.) Learning about Sexuality. New York: Population Council and International Women’s Health Coalition.

Appfel-Marglin, F. and S.L. Simon. Feminist Orientalism and Development’, in W.

Harcourt (ed.) Feminist Perspectives on Sustainable Development’. London: Zed Books. Arce, A., M. Villarreal and P. de Vries (1994). “The Social Construction of Rural Development: Discourse, Practices and Power’ in D. Booth (ed.) Rethinking Social Development: Theory, Research and Practice. Addison Wesley Longman: Harlow, Essex.

Basu, A.M. (1998). Female Schooling, Autonomy and Fertility Change: What do These Words Mean in South Asia’ in R. Jeffery and A.M. Basu (eds.) Girls Schooling,

Women’s Autonomy and Fertility Change in South Asia.

Batliwala, S. (1993). Empowerment of women in South Asia: Concepts and Practices. New Delhi: FAO-FFHC/AD.

Batliwala, S. (1994). The Meaning of Women’s Empowerment: New Concepts from

Action’. In G. Sen, A. Germain and L.C. Chen (eds.) Population Policies Reconsidered.

Health, Empowerment and Rights. Harvard University Press: Cambridge, Mass.

Becker, S. (1997). Incorporating Women’s Empowerment in Studies of Reproductive

Health: An Example from Zimbabwe’. Paper presented at the Seminar on Female

Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

Beneria, L. and M. Roldan (1987). Crossroads of Class and Gender. Chicago, IL: University of Chicago Press.

Boserup, E. (1980). Women’s Role in Economic Development. New York: St. Martin’s Press.

Bourdieu, P. (1977). Outline of a Theory of Practice. Cambridge: Cambridge UniversityPress.

Chant, S. (1997). Women-headed Household: Diversity and Dynamics. Houndmills,

Basingstoke: Macmillan.

Chen, M.A. (1983). A Quiet Revolution. Women in transition in rural Bangladesh.

Cambridge, Mass.: Schenkman.

Cleland, J., J.F. Phillips, S. Amin and G.M. Kamal (1994). The Determinants of

Reproductive Change in Bangladesh: Success in a Challenging Environment. World

Bank Regional and Sectoral Studies, World Bank, Washington.

Collier, P. (1989). Women and Structural Adjustment. Unit for the Study of African

Economies, Oxford University, Oxford.

Das Gupta, M. (1987). ‘Selective Discrimination among Female Children in Rural Punjab’.

Population and Development Review. Vol. 13 (2): 77-100.

Dharmalingam, A. and P. Morgan (1996). ‘Women’s Work, Autonomy and Birth Control: Evidence from Two South Indian Villages’. Population Studies, Vol. 50 (2): pp. 187- 201.

Dreze, J. and A. Sen, (1995). India, Economic Development and Social Opportunity.

Oxford, Oxford University Press.

Dyson, T. and M. Moore (1983). ‘On Kinship Structures, Female Autonomy and

Demographic Behaviour in India’ Population and Development Review. Vol. 9 (1)

England, P. (1997). ‘Conceptualising Women’s Empowerment’. Paper presented at the seminar on female empowerment and demographic processes, Lund, 1997.

England, P. and G. Farkas (1986). Household, employment and gender: a social, economic and demographic view. Hawthorne, NY: Aldine de Gruyter.

Fierlbeck, K., ‘Getting Representation Right for Women In Development: Accountability and the Articulation of Women’s Interests’, IDS Bulletin, Vol. 26 (3): 23-30.

Giddens, A. (1979). Central problems in social theory. London, Macmillan Press.

Goetz, A.M. and Sen Gupta, R., (1994). ‘Who Takes the Credit? Gender, Power and Control

over Loan Use in Rural Credit Programmes in Bangladesh’, World Development, Vol. 24 (No. 1): 45-63.

Guess, R. (1981). The Idea of a Critical Theory. Habermas and the Frankfurt School.

Cambridge: Cambridge University Press.

Harriss, J. (1996). ‘Between Economism and Post-Modernism: Reflections on Research on ‘Agrarian Change’ In India’ in D. Booth (ed.) Rethinking Social Development. Theory, Research and Practice. Harlow, Essex: Addison Wesley Longman. Harrisson, E. (1997). ‘Men in Women’s Groups: Interlopers or Aliens?’ IDS Bulletin, Vol. 28 (3): 122-132.

Hashemi, S.M., Schuler, S.R., and A.P. Riley. (1996). ‘Rural Credit Programs and Women’s Empowerment in Bangladesh’. World Development. Vol. 24, No. 4: 635-653.

Hoogenboezem, G. (1997). Some men really are useless. The Role of Participation in a Women’s Project, Empowerment and Gender in the Context of Two Zimbabwean

Women’s organizations. Occasional paper No. 56, Katholieke Universiteit Nijmegen,

Germany.

Jackson, C., (1996). ‘Rescuing Gender from the Poverty Trap’. World Development. Vol. 24, No. 3: 489-504.

Jejheebhoy, S. (1995). Women’s Education, Autonomy, and Reproductive Behaviour.

Experience from Developing Countries.

Jejheebhoy, S. ‘Operationalising Women’s Empowerment: the Case of Rural India’. Paper presented at the Seminar on Female Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

Johnson, H. (1992). ‘Women’s Empowerment and Public Action: Experiences From Latin America’ in Wuyts M., M. Mackintosh and T. Hewitt et al (eds.), Development Policy and Public Action. Oxford: Oxford University Press.

Jones, C., (1986). ‘Intra-Household Bargaining In Response To the Introduction of New Crops: A Case Study of Northern Cameroon’ in J.L. Moock (ed.) Understanding

Africa’s Rural Households and Farming Systems. Boulder, Colorado: Westview Press.

Kabeer, N. (1991). ‘Cultural Dopes or Rational Fools? Women and Labour Supply in the Bangladesh Garment Industry’. European Journal of Development Research No.3.

Kabeer, N. (1994). Reversed Realities: Gender Hierarchies in Development Thought.

London: Verso Publications.

Kabeer, N. (1997). ‘Women, Wages and Intra-Household Power Relations in Urban

Bangladesh’. Development and Change. Vol. 28: 261-302.

Kabeer, N. (1998). ‘Can’t Buy Me Love? Re-Evaluating Gender, Credit and Empowerment in Rural Bangladesh’. IDS Discussion Paper, Sussex: Institute of Development Studies.

Kabeer, N. (1999). The Conditions and Consequences of Choice, Reflections on the

measurement of women’s empowerment, Discussion Paper, DP 108, United Nations

Research Institute for Social Development (UNRISD), Geneva.

Kabeer, N. (2000). The Power to Choose: Bangladesh Women and Labour Market

Decisions in London and Dhaka, Verso, London and New York.

Kabeer, N. (2001). ‘Conflicts over Credit: Re-Evaluating the Empowerment Potential of Loans to Women in Rural Bangladesh’, World Development. Vol. 29, No. 1, pp. 63-84, January 2001.

Kishor, S. (1997). ‘Empowerment of Women in Egypt and Links to the Survival and Health of Their Infants’. Paper presented at the Seminar on Female Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

Kritz, M.M., P. Makinwa and D.T. Gurak (1997). ‘Wife’s Empowerment and Fertility inNigeria: the Role of Context’. Paper presented at the Seminar on Female Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

Lukas, S. (1974). Power: A Radical View. London: Macmillan.

Lloyd, C. (1995). ‘Household Structure and Poverty: What are the Connections.’ Population

Council Working Papers No. 74. Population Council, New York.

Mahila Samakhya (1996). Beacons in the Dark: a Profile of Mahila Samakhya Karnataka.

Published by Mahila Samakhya, Bangalore, Karnataka.

Mohanty, C.T. (1991). ‘Under Western Eyes: Feminist Scholarship and Colonial

Discourses’, in C.T. Mohanty, A. Russo and L. Torres (eds.), Third World Women and the Politics of Feminism. Bloomington and Indianapolis, Indiana University Press.

Molyneux, M. (1985). ‘Mobilisation Without Emancipation: Women’s Interests, State and Revolution in Nicaragua’. Feminist Studies, 11 (2): pp. 297-254.

Montgomery, R., Bhattacharya, D., and Hulme, D., 1996. ‘Credit for the Poor in

Bangladesh’, in D. Hulme and P. Mosley (eds.) Finance against Poverty. London:

Routledge.

Moore, H., (1994). ‘Is There a Crisis in the Family?’ UNRISD Occasional, Paper No. 3. UNRISD, Geneva.

Mukhopadhayay, M. (1998). Legally Dispossessed: Gender, Identity and the Process of Law. Calcutta, Street Publications.

McElroy, M. (1997). ‘The Policy Implications of Family Bargaining and Marriage Markets’ in L. Haddad, J. Hoddinott and H. Alderman (eds.) Intra-household Resource Allocation in Developing Countries: Methods, Models and Policy. Baltimore: John Hopkins University Press.

Morgan, P. and B. Niraula (1995). ‘Gender Inequality and Fertility in Two Nepali Villages’. Population and Development Review, Vol. 21 (3).

B.B. Niraula and P. Morgan (1996). ‘Marriage Formation, Post-Marital Contact with NatalKin and Autonomy of Women: Evidence from Two Nepali Settings’. Population

Studies. Vol. 50 (1): 35-50.

Naripokkho, 1998. Domestic violence in the Bangladesh. Research-in-progress.

Pahl, J. (1989). Money and Marriage. London: Macmillan.

Palmar, I. (1991). Gender and Population in the Adjustment of African Economies:

Planning for Change. Geneva: ILO.

Pitt, M. and Khandker, S., 1995. ‘Household and Intrahousehold Impacts of the Grameen Bank and Similar Targetted Credit Programs in Bangladesh’, paper presented at workshop on “Credit Programs for the Poor: Household and Intrahousehold Impacts and Program Sustainability”, by the Education and Social Policy Department, Washington and Bangladesh Institute of Development Studies, Dhaka. Held at the Bangladesh Institute of Development Studies.

Rahman, R.I. (1986). ‘Impact of Grameen Bank on the Situation of Poor Rural Women’, BIDS Working Paper No. 1, Grameen Evaluation Project, Dhaka, Bangladesh Institute of Development Studies.

Razavi, S. (1992). Agrarian Change and Gender Power: A Comparative Study in South Eastern Iran. D. Phil. Dissertation, St. Antony’s College, Oxford University, Oxford.

Razavi, S. (1997). ‘Fitting Gender into Development Institutions’. World Development. 25 (7): 1111-1125.

Roberts, P. (1989). ‘The Sexual Politics of Labour in Western Nigeria and Hausa Niger’. In K. Young (ed.) Serving Two Masters. Third World Women in Development. New Dehli: Allied Publishers.

Rowlands, J. (1997). Questioning Empowerment. Oxford: Oxfam Publications.

Sathar, Z.A. and S. Kazi (1997). Women’s Autonomy, Livelihood and Fertility: A Study of Rural Punjab. Islamabad, Pakistan Institute of Development Studies.

Schuler, S.R., Hashemi, S.M., Riley, A.P., and Akhter, A., 1996. ‘Credit Programs,

Patriarchy and Men’s Violence against Women in Rural Bangladesh’. Social Science

and Medicine, Vol. 43, No. 12: 1729-1742.

Sen, A.K. (1985). ‘Well-being, Agency and Freedom’. The Journal of Philosophy.

Sen, A.K. (1990). ‘Gender and Co-operative Conflict’, in I. Tinker (ed.) Persistent

Inequalities, Oxford: Oxford University Press.

Sen, G. and S. Baltiwala, ‘Empowering Women for Reproductive Rights-Moving Beyond Cairo’. Paper presented at the Seminar on Female Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

Sen, G. (1993). ‘Paths To Fertility Decline: A Cross-Country Analysis’, in P. Bardhan, M.

Dattachaudri and T.N. Krishnan (eds) Development and Change: Essays in Honour of

K.N. Raj. New Dehli: Oxford University Press.

Sender, J. and S. Smith (1990). Poverty, Class and Gender in Rural Africa. London:

Routledge.

Shaffer, P. (1998). ‘Gender, Poverty and Deprivation: Evidence from the Republic of

Guinea’. World Development. Vol. 26, No. 12.

Silberschmidt, M. (1992). ‘Have Men Become the Weaker Sex? Changing Life Situations in Kisii District, Kenya’. The Journal of Modern African Studies. Vol. 30 (2): 237-253.

Tsuya, N. (1997). ‘Low Fertility, Marriage Perceptions and Gender Relations in Japan: An Intergenerational Perspective’. Paper presented at the Seminar on Female Empowerment and Demographic Processes, Lund, 1997.

UNDP (1995). The Human Development Report, 1995. Oxford: Oxford University Press.

Villarreal, M. (1990). A Struggle over Images: Issues on Power, Gender and Intervention in a Mexican Village. M. Sc. Thesis, University of Wageningen.

شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان