تبنى الظلم:
البطريركية العنصرية وتفكيك الفعل الإيجابي (*)
ترجمة: شهرت العالم**
موجز:
يبحث هذا المقال في التوتر القائم بين النضالات التي تستهدف تحقيق المساواة العنصرية وبين الجنسين. ويجادل الكاتب أن الذكور البيض غالبا ما كانوا يحرضون النساء البيض ضد الأمريكيين الأفارقة، ويحرضون الذكور الأمريكيين الأفارقة ضد المساواة بين الجنسين، في محاولة لإضعاف تأثير النضالات الرامية إلى تحقيق المساواة العنصرية وبين الجنسين والإبقاء علي التفوق البطريركي للذكور البيض.
قد توافق الغالبية علي أن الأبوة ليست شيئًا سيئًا في حد ذاتها. لكن البطريركية – الحكم الأبوي – ليست شيئًا جيدًا. ذلك أن البطريركية تُعد موقفًا إيديولوجيًا واجتماعيًا في الوقت نفسه. إنها ترتكز على نقطة انطلاق أساسية تطرح أن النزوع الطبيعي (بحكم الجينات) والحكم الإلهي والممارسة التاريخية يعتبرون أن ما يتولى الرجال حكمه يعد أساسيًا، وما يعد أساسيًا يتولى الرجال حكمه. هذا علاوة على الافتراض القائل أيضًا إن الأمر يجب أن يكون على هذا النحو. إن هذه الفكرة حول تفوق الذكر – مثلها مثل إيديولوجية تفوق البيض – تستخدم الترتيبات الاجتماعية غير التمساوية والقائمة حاليًا دليلاً علي صحة أساسها. ولقد كانت حقيقة إدارة البيض/ الذكور لأغلب العالم – وهو الأمر الذي كان واقعًا لفترة من الوقت– تقدم كدليل كاف لتحديد من الذي يجب أن يتولي المسئولية. وتكمن أطروحتي في أن هذا التزاوج بين البطريركية والعنصرية يمدنا بمعلومات حول الهجوم الذي تعرض له الفعل الإيجابي.
إن الحديث عن أن الولايات المتحدة لم تكن أبدًا مجتمعًا عادلاً هو حديث حقيقي وليس مجرد عناوين إخبارية. ويقول سميث (Smith) في دراسته بعنوان “قوانين المواطنة الأمريكية” – (American Citizenship Laws) – إن: “… صناع القرار، خلال أغلب تاريخ الولايات المتحدة، قاموا دون اعتذار ببناء المواطنة الأمريكية من زاوية التراتبيات غير الليبرالية، والعنصرية غير الديمقراطية، والإثنية، وبين الجنسين” (1.Smith, 1997, p). وعند حديثه عن “القيود المفروضة على الهجرة، والتطبيع، والمواطنة على قدم المساواة“، يصر سميث على أن الثقافة السياسية والممارسات السياسية للولايات المتحدة “أظهرت معتقدات مشوبة بالعاطفة تطرح أن أمريكا كانت – بحكم حقها – أمة بيضاء، أمة بروتوستانتية، أمة ولد فيها الأمريكيون الحقيقيون الرجال من أسلاف أنجلو ساكسونيين” (3.p). وبجمع كل البحوث التاريخية، والتي تشهد على النضالات ضد السلطة المعادية للديمقراطية في شمال أمريكا، نجدها تملأ مجلدات عديدة (Zinn, 1995; Higgibotham.1978).
إن الخطابة التي تدور حول “إعلان الاستقلال والدستور“، فضلاً عن بنية حكومة الولايات المتحدة، يجري استحضارها دومًا كدليل على جوهر المساواة المزعوم للثقافة السياسية والقيم الاجتماعية في الولايات المتحدة (Zinn 1991). ونجد أن واقع العبودية، والأشغال الشاقة الموثقة، والإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، والأشكال الواسعة والخبيثة للتمييز ضد المعاقين وكبار السن والنساء والجماعات العنصرية والعرقية، وضد المثلية الجنسية سواء بين الرجال أو النساء، وضد المتحولين، غالبًا ما يجرى تجاهلها بعجرفة على اعتبار أنها مجرد هفوات عرضية في سياق النبض الديمقراطي المفترض أنه يعمل على تثبيت دعائم الحياة في الولايات المتحدة، ويجادل هذا المقال أننا نجد – على العكس من ذلك – أن المبدأ الأساسي لقانون الولايات المتحدة والسياسات والقيم الاجتماعية يتمثل في افتراض مسبق بالحكم الأبوي – أي البطريركية. وتوجد في أعماق هذا المبدأ تلك الأفكار المتعلقة بالعنصر والطبقة والنوع الاجتماعي، والتي تفسر المعارضة التاريخية والدائمة للسياسات والممارسات التي ترتقي بالتطبيق العملي للمساواة والديمقراطية. ويتمثل أفضل فهم للمناقشات المعاصرة حول الفعل الإيجابي، وغيره من الجهود الرامية إلى إغلاق الفجوة بين الوعد المزعوم بالمساواة والواقع الاجتماعي اليائس الواضح، في وضعها في إطار يؤكد عدم اشتمال الوثائق الأساسية لقانون الولايات المتحدة وسياساتها على مناصرة الوعد بالمساوة. لقد أصبح هذا الوعد، بالأحرى، نوعًا من الموضة – على مر الزمن – من خلال حركات المعارضة التي تعارض الأفكار والوثائق والممارسات المعدة لحماية وإثراء ودعم الحكم الأبوي. وتُشكل سياسات الفعل الإيجابي إحدى تلك الحركات المعارضة.
لقد مرت 42 سنة منذ أن قام الرئيس كينيدي بالتوقيع على الأمر التنفيذي رقم 10925 لعام 1961 واستخدام مصطلح “الفعل الإيجابي” للمرة الأولى، مما أجبر الأطراف المتعاقدة علي عدم الاشتراك في الأعمال التمييزية التي تحد من فرص العمل أمام الأمريكيين الأفارقة. وكانت الأفعال التي قام بها بعد ذلك كل من الرئيسين جونسون ونيكسون والكونجرس والمحاكم والشركات الخاصة تطرح أن الأمة ترغب في مواجهة ماض خسيس، ضم معاملة الأمريكيين الأفارقة والنساء بوصفهم “أقل من مواطن كامل المواطنة” (Curry. 1998). وقد جرى إرساء أسس العمل الأيديولوجي الذي يستهدف تبرير السياسات الجديدة التي تُجرم التمييز العنصري، وبعد ذلك التمييز بين الجنسين. كما أن الضرورات والدوافع الأخلاقية للسياسات، فضلاً عن الثمن الذي دفعته الحركات الاجتماعية التي حاربت العنصرية والتمييز على أساس الذكورة والأنوثة، قد أدت إلى تعزيز قرار أنصار المساواتية الجديدة وإيمانهم الراسخ. وقد أدت المعارضة الفورية والمكثفة وجيدة التنظيم لمثل تلك السياسات إلى الكشف عن إجماع غير مستقر، مزقته تحديات التوزيع الدائمة الموجودة في قلب أغلب النزاعات السياسية. وباتخاذ القرار وتقنين ما يجب القيام به، أصبح تخصيص الموارد من أجل تنفيذ السياسات في اقتصاد الأرجوحة الأفعوانية اختبارًا للإرادة. وعلي الرغم من مرور أربعة عقود من الحقوق المدنية والفعل الإيجابي، وتبيان علامات متواضعة من التقدم نحو. عدم خلق مجتمع يزعم استعداده لممارسة القيم الديمقراطية، فقد استمرت أوضاع المساواة (Farmer, 2003; Fields and Wolff, 2000, Gibelman. 2003).
يصر ناقدو الفعل الإيجابي على أن مثل هذه السياسات تضعف من نوعية العمالة والحياة الأكاديمية، وتنتهك الحق في العملية واجبة الأداء والمشمولة بحماية التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة. وترتكز المعارضة السياسية والإيديولوجية للفعل الإيجابي – وما يتعلق به من سياسات ومبادرات الحقوق المدنية – على العنصر باعتباره فئة “مشبوهة” من شأنها (بعكس اللغة الأصلية والمنطق الأصلي لهذه السياسات) أن تتيح للجماعات العنصرية المقهورة تاريخيا أن تعزز أو تستفيد من التفضيلات غير العادلة التي تضر بالبيض الأفراد. هذا هو الزعم الذي تطرحه أهم ثلاث قضايا عارضت استخدام العنصر عند الالتحاق بالكليات – باك (Bakke. 1978)، هوب وود (Hopwood 1998)، وقضية ميتشيجان (Michigan case) التي ستحكم فيها المحكمة العليا هذا الصيف. كان تقديم الدعوى في قضيتي هوب وود في تكساس وجوتر في ميتشيجان من جانب نساء البيض. وتدور القضيتان حول “الدافع“، وأقامهما مركز الجناح اليميني للحقوق المدنية. وتلقي القضيتان الضوء علي التوتر القائم بين القهر العنصري والقهر القائم علي النوع الاجتماعي في الولايات المتحدة، وتكشف هاتان القضيتان عن فاعلية استخدام كل من العنصرية والتمييز على أساس الذكورة والأنوثة لتفكيك السياسات المعدة لوضع نهاية لهذا الشكل وغيره من أشكال التمييز.
وتطرح حجج الفعل الإيجابaي تساؤلاً حول مدى عدالة الإضرار بالبيض الأفراد لصالح حماية جماعة “مفضلة” بوجه خاص. هذا هو السؤال الذي طرحه مقدمو الدعوى في ميتشيجان. ويتحريف ساخر للمنطق، يعمل مركز الحقوق الفردية لصالح المتقاضين الذين يقيمون دعوات باسم أفراد آخرين يشكون من التمييز الذي يعانون منه لانتمائهم إلى تلك الفئة. هذا، على الرغم من تأكيد المركز أن الدستور لا يحمي سوى الأفراد، وأن المغالطة المركزية ومشكلة العمل الإيجابي تكمن في حماية المجموعات. وتجادل هذه الورقة أن هذا الزعم والتساؤل ينغرسان في الأفكار البطريركية الكلاسيكية حول السلطة التي تتقاسم وتدعم “الرؤية العالمية العنصرية” (Smedley 1993) والحكم الأبوي.
تعد البطريركية العنصرية منظومة معقدة من المعتقدات والممارسات التي تدافع – مجتمعة – عن مذهب تفوق الذكور البيض (Goldberg, 1999; Harris 1855)، وحتى عندما يقوم أنصار الحكم الأبوي بدعوة الأمريكيين الأفارقة والنساء إلى دوائرهم، فإن ذلك يكون بهدف حماية الحكم الأبوي والحد من نفوذ الجماعات العرقية. وتعمل البطريركية العنصرية على تبرير الاعتداءات السياسية والإيديولوجية على النساء. كما تؤثر تأثيرًا مناوئًا مبالغ فيه على الأمريكيين الأفارقة وغيرهم من النساء من الأصول العرقية. وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن تقارب التفكير العنصري والتفكير التمييزي على أساس الذكورة والأنوثة يسفر عن تحالف بين الرجال البيض والنساء، والرجال الأمريكيين الأفارقة، والذين يقومون بدور المتحدثين الرسميين المكلفين بالعمل كمتحدثين رسميين عن النوع الاجتماعي والعنصرية، حيث يوضحون ويبررون المواقف والسياسات التي تنكر دلالة التمييز بين الجنسين أو التمييز العنصري (Rice, 2001; Steele 1998; McWhorter 2000. 2002. 2003).
في مجتمع الأمريكيين الأفارقة، كان الدفاع عن البطريركية شريكًا لفكرة تخنيث الأمريكيين الأفارقة الذكور بواسطة العنصرية، علاوة على الدعوة إلي القيم الأسرية، واعتبار السبب في مشكلات الأمريكيين الأفارقة يتمثل في الإجهاض ووجود أسر معيشية تعيلها النساء، فضلاً عن الاعتماد على الرفاه. وقد كان ذلك بمثابة المنطق خلف عمليات إصلاح الرفاه في عهد كلينتون (Jennings, 2003; Rice 2001). ووفقًا لما يطرحه بعض الباحثين، أنكر التخنيث على الرجال الأمريكيين الأفارقة فرصة ممارسة واجباتهم الأبوية المناسبة أو الاستمتاع بمميزات البطريركية الممنوحة لمجموعة مختارة من الذكور. إن الترويج لتفوق الذكور بين الأفارقة المستعبدين كان يمكن أن يقوض العبودية (Davis 1983). ويذهب بعض النقاد إلى أن تفكيك أدوار الجنسين على نحو مناسب هو المسئول عن “تدهور” الأسرة السوداء، نظرا لما ينتج عن ذلك من إبعاد الذكور كقادة للأسر المعيشية و“حرمان” العائلة من القيادة، ونماذج الأدوار، وكاسبي الرزق (Moymihan 1965,Staples, 1986; Murray 1984) وتؤدي مثل هذه الحجج إلى تقليص دلالة استمرار العنصرية والتمييز على أساس الذكورة والأنوثة، والتي تعتبر – على الأرجح – الجاني المسئول عن استمرار جوانب عدم المساواة.
ويعبر معارضو سياسات الفعل الإيجابي عن معارضتهم لتقدم العدالة والمساواة. وكما أوضحت قضية ميتشيجان، يؤكد هؤلاء النقاد التزامهم بالمبادئ المجردة للعدالة – وهي الحياد وعدم التحيز – كما يستخدم مؤيدو الفعل الإيجابي التصنيف العنصري للتمييز الحياد وعدم (Center for Individual Rights; National Association of Scholars). وعلى حين كانت معارضة الفعل الإيجابي بقيادة الذكور البيض المحافظين، نجدهم ينشدون الدعم ويكفلونه من أعضاء الدوائر التي تستفيد قطعا من ذات السياسات التي تعارضها، على أن ما يطرحه الحلفاء يتمثل في وضع حدود لفكرة “المصير المرتبط” بالعنصرية أو النوع الاجتماعي بوصفه شرطًا كافيًا للتنبؤ بدعم أو رفض الفعل الإيجابي (Dawson 1994). ويكشف التحالف – وإن كان بقدر من المبالغة – عن الانقسامات الإيديولوجية في مجتمع الأمريكيين الأفارقة، وذلك عبر توفير غطاء وبرامج واسعة النطاق لا تتناسب عن عمد مع نمط وجهات النظر التي أمكن الكشف عنها في اقتراع الرأي العام الذي أجري للأمريكيين الأفارقة، وخاصة فيما يتعلق بالفعل الإيجابي وقضايا الحقوق المدنية. ولا يقود هذا التحالف إلى تقليص الأسس التي تستند إليها المعارضة بشأن الفروض الفلسفية وراء معارضة الديمقراطية والعنصرية والتمييز على أساس الذكورة والأنوثة. وعلى الرغم من أن أجندة المعارضة لا تلتزم بالمساواة والعدالة بوضوح، فإنها تتخفى وراء قناع الخطابة التي تزعم الغيرية الليبرالية. إن مشاركة أعضاء المجموعات – الذين أعدت تلك السياسات لمصلحتهم – في تلك الأجندة، يترجم على نحو غير صحيح إلى الأصالة والمشروعية. أي، بينما توجد اختلافات فلسفية واضحة بين المؤيدين والمعارضين للفعل الإيجابي – نظرًا للتجانس الواضح بين ديموجرافيات المعارضة – يمارس المعارضون سياسات الهوية نفسها التي يزعمون معارضتها.
يعرف أغلب تلامذة النزعة النسوية خطاب أبيجل أدامز (Abigail Adams) إلى زوجها جون (John) في عام 1776، والذي تحثه فيه على “تذكر السيدات” لأنه كان يصيغ “مدونة جديدة للقوانين” تصبح فيما بعد الدستور. لكن الاقتباس الذي لا نسمعه غالبًا يتمثل في تأكيدها التالي: “إن جنسك يتسم بالطغيان من حيث طبيعته، وهي حقيقة راسخة بدرجة كبيرة تتيح الإقرار بعدم وجود نزاع لماذا إذن، لا نضعه خارج سلطة الخبثاء والخارجين على القانون لاستخدامنا بقسوة وبلا كرامة… إن الرجال الذين يمتلكون المشاعر، في جميع العصور، يمقتون بشدة تلك العادات التي تعاملنا بوصفنا التابع الذليل لجنسكم“. وجاء رد جون أدامز على النحو التالي: “يعرف الرجال ما هو أفضل من إلغاء نظامنا الذكوري” (Amdrews, 1995, PP. 33- 34). كان جون وأبيجل يملكان بعض العبيد. وبالتالي، لم يكن من الممكن ترجمة الرغبة في تلبية احتياجات النساء إلى الاهتمام بمأزق الأفارقة المستعبدين. لقد أقر جون أدامز بأن العبودية وإخضاع النساء تعد من أبعاد النظام الذكوري، والذي استفاد منه الذكور البيض. وفي أحيان كثيرة، كان العنصريون والبطريركيون يزعمون أنهم يولون أفضل اهتمام برعاياهم، ومن الضروري الحفاظ على الترتيبات القائمة من أجل حماية كل فرد. وبالمثل، يتهم معارضو الفعل الإيجابي النزعة الأبوية الموروثة في تلك السياسات بأنها تفترض – كما يصرون – عدم إمكانية النساء والأمريكيين الأفارقة المنافسة على قدم المساواة. ويناصر المعارضون أشكالاً من الحياد مثقلة بتحيزات تميز الذكور البيض (Guinier 1997). وتطرح البحوث الحديثة أن الكليات “تفضل بشكل روتيني قبول الأولاد على البنات اللاتي يقدمن طلبات التحاق أفضل” من أجل الحفاظ على توازن النوع الاجتماعي، حيث إن عدد البنات اللاتي يلتحق بالكليات أكبر من عدد الأولاد” (Lewis 2003). ونظرًا لأن الكليات تفسح مجال الالتحاق أيضًا للاعبين الرياضيين، وأبناء خريجي الجامعات، وسكان الدولة الذين تقل درجات قبولهم الكلية، فإن السؤال الذي يتكرر طرحه هو: لماذا لم يتولى “مركز الحقوق الفردية” إقامة دعاوى قضائية ضد المؤسسات التي تنخرط في مثل تلك الأشكال الواضحة من الفعل الإيجابي؟ هل يرجع ذلك إلى أن أغلب اللاعبين الرياضيين من الذكور، ويضفون طابعًا شخصانيًا علي الأفكار التقليدية حول الذكورة والتي تطرح تعرض البطريركية للإزاحة عن طريق المطالبة بالمساواة بين الجنسين؟ وهل يمكن أن تكمن المسألة في أن المال (مساهمات الخريجين) يشتري إمكانات النفاذ؟
إن النزاعات التي شهدتها الحركات المنادية بحق المرأة في الاقتراع في القرن التاسع عشر، والتصريحات العنصرية الكلاسيكية من جانب قادتها، فضلاً عن عنصرية منتصف القرن العشرين داخل الحركة النسائية، تقدم خلفية تاريخية لتحذير النساء الأمريكيات الأفارقة من ربط مصيرهن بمصير النساء البيض. وبالفعل، فإن الخطاب المعاصر حول الفعل الإيجابي يذكرنا بخطاب الأسلاف، وبالقوانين والمبادئ الدستورية والممارسات الاجتماعية. إن استمرار النزوع القضائي لوضع سياق وخصائص داخل المبادئ العامة، التي يجب أن تتيح معلومات وشكلا للقرارات في قانون الدعوى المنفرد، يقدم نهجًا “واحدًا مناسبًا للجميع” تجاه عدم المساواة (Guinier 1997). على أن “المصطلحات المطاطية في طابع الأمة يمكن أن تغلق التوتر الأخلاقي والقانوني، لكن المراوغة توضح، بدلاً من أن تحجب، حقيقة أن المبادئ المؤسسة لحرية الأهداف البطريركية قد أمكن ضمانها علي نحو انتقائي” (Lively, p 2). وعلى حين تُستخدم اللغة المهذبة قناعًا لإخفاء الحماية الدستورية للعبودية، فإن هذه الوثيقة تُعتبر أقل غموضًا فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي. لقد أدى قانون الولايات المتحدة وعاداتها إلى “ترك النساء مجبرات على الصمت، وغير ممثلات على نحو صحيح، ومحرومات، وخاضعات” (P. Smith 1993, p.1)، لكن النساء الأمريكيات الأفارقة واجهن تهديدًا إضافيًا وواجهن إهانة الاسترقاق الحقيقة التي جعلت فريدريك دوجلاس وهي ( (Frederick Douglassيؤكد أهمية تأمين حق الانتخاب للرجال الأمريكيين الأفارقة، عندما أصبح الاختيار إجباريًا (Philip Foner 1976).
إن العقلانية في مواجهة توسيع حق الانتخاب ليشمل النساء، في القرن التاسع عشر، تبدو تبريرًا لتفكيك الفعل الإيجابي في القرن الحادي والعشرين. وهو الأمر الذي يتضمن خطابًا حول أدوار النوع الاجتماعي المناسبة، وحقوق الدول، ودور الحكومة ومسئولياتها، وبنية الأسرة وقيمها -Murray, 1984; Staples, 1986; Tucker and Mitchell Kerman1995) على أن هناك اعتبارًا جديدًا يضاف إلى جوانب القلق في القرن 19 حول النساء وبنية الأسرة وحق الانتخاب، عند مناقشة القوانين والسياسات الاجتماعية التعويضية في القرن العشرين: إمكانية تعرض الذكور البيض للتأثر من جراء مطالب المساواة العنصرية وبين الجنسين. لكن هذا الزعم يمكن دحضه بسهولة عن طريق الاستعانة بالمقاييس الشائعة للرفاه الاجتماعي. ومع ذلك، تذكرنا هذه الهيستيريا المهذبة حول سيطرة النساء بالمزاعم الكلاسيكية المتعلقة بمخاطر منح حق الانتخاب للأمريكيين الأفارقة، والتي عرضت دراميا في فيلم “ميلاد أمة” (Birth of a Nation). إن تقدم وضع الأمريكيين الأفارقة لا يقلل من وزن جوانب عدم المساواة الدائمة (Farmer, 2003; Hinton 2003). وما يصدق على عدم المساواة بين الجنسين يصدق أيضًا على العنصر.
“نظرًا لأن الحواجز الرسمية… قد… أمكن التخلص منها – أصبح بإمكان النساء التصويت، واحتلال المواقع القيادية، والالتحاق بالكليات، والمشاركة في الأعمال التجارية، وحيازة الأملاك، وإبرام التعاقدات، وغير ذلك – يمكن أن يتصور الناس أن المساواة قد تحققت. وبالتالي، يجب تفسير التفاوت في الإنجاز – فجوة الأجور، على سبيل المثال – بواسطة الاختلاف في القدرات أو بالعوامل الاجتماعية التي تتجاوز نطاق القانون” (Smith, 1993, p 12).
وخلال السنوات العشر الماضية، أصبح الاتهام بالتمييز العنصري يُشكل أعلى نسبة مئوية من تهم التمييز التي تنظرها المحاكم والمرفوعة من جانب “لجنة المساواة في فرص العمل“. وتبلغ النسبة المئوية من تهم التمييز العنصري 35.4%، والتمييز الجنسي 30.2% من مجمل التهم التي تنظرها المحاكم والمرفوعة من جانب “لجنة المساواة في فرص العمل” في عام 2002. وعلى الرغم من زيادة الدعاوى القضائية، فإن عدد ما يصل منها إلى مرحلة التعويض المالي قد انخفض بدرجة دالة (EEOC Charge Statistics). وحتي على الرغم من تجريم التمييز، فإن ثلاثين سنة من البحوث حول التمييز العنصري وبين الجنسين تؤكد بالوثائق استمرار كليهما.
تعد قضية ميتشيجان بمثابة استعارة تعبر عن الصدام قديم العهد بين العنصر والنوع الاجتماعي في الولايات المتحدة. في هذه القضية، قامت امرأة بيضاء بتحدي سياسة الالتحاق بكلية القانون التي تواجه ميراث التمييز ضد الأمريكيين الأفارقة، وبدلاً من اتباع خطى “المجموعة” المسئولة عن التمييز ضد النساء والأمريكيين الأفارقة (الذكور البيض)، نشط مركز الحقوق الفردية في اجتذاب أصحاب الإدعاء البيض المستعدين لمعارضة أكثر المجموعات إصابة بالوصمة الاجتماعية، وبالتالي أكثر المجموعات عرضه للزعم بأن “تفضيلهم” يسفر عن معاملة غير عادلة للنساء البيض.
ومع ذلك، لم تبدأ البحوث النسوية المرتبطة بالبطريركية إلا خلال الثلاثين سنة الماضية في الكشف عن “خضوع النساء… والتدني بهن إلى دور واحد، والإبقاء على بقية جوانب الحياة للرجال” (P. Smith, 1993, p. 3). وقد واجهت النساء – مثلهن مثل الأمريكيين الأفارقة – مقاومة لا تصدق للجهود الرامية إلى إدخالهن إلى مجالات أوسع للحياة في الولايات المتحدة. وتعد ستينيات القرن العشرين علامة على الموجة الثانية من النضال من أجل حقوق المرأة. وفي أثناء السبعينيات، وبينما كانت المحاكم تسهم في توسيع حقوق النساء واستحضار خطاب دعم الحقوق المتساوية، كانت الثقافة الأوسع تتفاعل مع تزايد العداء والمعارضة للحقوق المدنية وحقوق المرأة. أما بالنسبة للنساء – كما هي الحال بالنسبة للأمريكيين الأفارقة – نجد أن الاعتداءات المعاصرة علي إدراجهن المحدود والتدريجي كانت تستحضر الأطروحات البيولوجية والثقافة التقليدية التي بررت بداية عدم المساواة.
إن بروز هذه الاعتداءات المعاصرة بهذه الكيفية يرجع إلى ظهورها بعد مرور سنوات على البحوث والأفعال التي توضح بشكل حاسم سخف تلك المزاعم. على أن قدرة الجمهور على سرعة إدراك هذه المزاعم الجاهلة تتعثر من جراء اختفاء تلك المزاعم بنجاح وراء قناع خطاب المساءلة المالية والعدالة والإحياء الرومانسي، بما يستحضر الحنين إلى العصور المبكرة عندما كانت النساء وكان الأمريكيون الأفارقة “يعرفون مكانهم“. لكن اللغة ليست نزيهة إلى هذا الحد. وفي المقابل، يمكن أن ينجح لويس فاراخان (Louis Farrakhan) في تنظيم مسيرة الألف رجل، حيث يتجمع الرجال من الأمريكيين الأفارقة حول استراتيجيات المساعدة الذاتية وضرورة ترسيخ مكانهم المناسب في الأسرة (Carbado, ed 1999). ويعكس هذا النداء خطابًا محافظًا. موجودًا بالفعل، وأجندة مماثلة داخل حركة الرجال. وبمقدور الرجال من مختلف الأعراق والجماعات العنصرية التحدث عن حاجة الآباء إلى تأكيد سلطتهم البطريركية، وبمقدور العلماء الاجتماعيين التحدث عن “مشكلة” الأسرة المعيشية التي تتولي المرأة قيادتها (ومؤخرًا – بما يستلزم حيادًا في مجال النوع الاجتماعي لا يبدو واضحًا في الاحصاءات – “الأسرة المعيشية التي تتكون من أحد الوالدين فقط“). ويثرثر الساسة – من كل نوع – بلا نهاية وبحنين إلى الماضي حول “القيم الأسرية“.
لقد شهدت السنوات العشرين الماضية ولادة جديدة للتضامن العنصري بين البيض (أساسًا الرجال، ولكن مع وجود الكثير من النساء)، يدعمه تنازل الأمريكيين الأفارقة عن الاستراتيجيات القانونية السياسية لصالح أجدات المساعدة الذاتية المتبادلة (Humphreys and Hamilton 1995). إن الأمريكيين الأفارقة الذكور إما لم يدركوا أو لم يهتموا بتبعات استخدام ميزة الذكورة في النوع الاجتماعي لتحقيق التقدم في النضال ضد التمييز العنصري. وعلى الرغم من أن ضعف انتصارات “الحقوق المدنية” وحق الانتخاب في القرن التاسع عشر كان ينبغي أن تمثل للرجال الأمريكيين الأفارقة والنساء البيض دروسًا مختلفة حول العنصر والنوع الاجتماعي – حول استخدام النوع الاجتماعي كصدع يعمل ضد كل شخص ما عدا الذكور البيض – فإن الأمر لم يكن على هذا النحو. لقد كان درسا لم يذهب هباءً بالنسبة للرجال البيض الذين اجتذبوا بقوة الرجال الأمريكيين الأفارقة والنساء البيض داخل معارضة إيديولوجية وسياسية للسياسات المناهضة للتمييز.
إن الرفض النسوي للبطريركية، ونضال الأمريكيين الأفارقة من أجل الحقوق المدنية، قد أسفر عن حركة ارتجاعية بارزة. وقد أعادت هذه الحركة الارتجاعية التقسيم الطبقي الاجتماعي المبني لدعم البطريركية باعتباره – بدلاً من ذلك – رفضًا للرجال. إن العلاقات المتبادلة غير الصحيحة بين وضع الأمريكيين الأفارقة البيض المتدهور ووضع النساء البيض الآخذ في التحسن قد أدت إلى تعزيز العداء للأجندة النسوية. وأصبح نداء الأمريكيين الأفارقة – الناتج عن ذلك – من أجل التضامن العنصري يدور في جوهره حول الحفاظ على عباءة حكم الأب وإعداد الأبناء ليرثوها، وليس تحقيق العدالة. إنه نداء يتخفى وراء قناع الخطابة الذي يتفق بسهولة شديدة مع نفس الفروض الأساسية التي تغذي الجهود الرامية إلى تفكيك الفعل الإيجابي والدفاع عن عدم المساواة العنصرية. إن مجرد نظرة خاطفة إلى المنظمات والأشخاص المنخرطين في الاعتداء على الفعل الإيجابي تُعد كاشفة. إن الإدراج العرضي للأمريكيين الأفارقة أو النساء بوصفهم متحدثين رسميين عن العنصر أو النوع الاجتماعي، باسم الأطروحات المعارضة، يجب ألا يعمينا عن الأجندات المعدة لدعم البطريركية وما يرتبط بذلك من دعم العنصرية.
أود أن أتوجه بالشكر إلي توني أفيجن (Tony Affigne) ومانيول أفالوس (Manuel Avalos) للساعات العديدة من الحوار والكتابة المشتركة، والتي ساعدتني علي صياغة بعض أفكار هذه الورقة البحثية، وخاصة فكرة البطريركية العنصرية.
* نشر هذا المقال في:
The Western Journal of Black Studies, Vol. 27, No. 1, 2003
**مترجمة
Andrews, Pat (1995). Voices of Diversity Perspectives on American Political Ideals and Institutions. Connecticut: The Dushkin Publishing Group. Inc.
Bergmann, Barbara R. (1996).In Defense of Affirmative Action. New York: Badic Books
Burbridge, Lynn C. (1995) “Policy Implications of a Decline in Marriage Among African Americans,” in The Decline in Marriage Among African Americans, M, Belinda Tucker and Claudia Mitchell-Kernan. Ed. New York: Russell Sage Foundation. 323-344.
Carbado, Devon W., ed. (1999). Black Men on Race, Gender, and Sexuality—A Critical Reader. New York: New York University Press.
Centor for Individual Righes. Website available at: https://www.cir-usa.org\.
Curry, George E., ed. (1996). The Affirmative Action Debate. Massachusetts: Perseus Books.
Davis. Angela Y. (1983). Women, Race & Class, New York: Vintage Books.
Dawson, Michael C. (1994). Behind the Mule: Race and Class in African
American Politics. New Jersey: Princeton University Press.
Farmer. Melanie Auetria (2003). “Asian Americans Divided Over Michigan
Affirmarive –Action Cases.” DiversityInc.Com, April 1. (accessed May 20, 2003). Available at https://www.diversityinc.com\members\4707print.cfm
Farmer. Melanie Austria (2003). “Race-Based Discrimination in Housing
Market Rises,” DiversityInc.com, April 18, 2003 (accessed March 19. 2003). Available at https://www.diversityinc.com\members\4802print,cfm
Fields, Judith and Edward N. Wolff (2000). “Gender Differentials in Industry Wage Premia, Affirmative Action, and Employment Growth on the Industry Level,: Gender Issues, Fall, Vo1. 18, 3-24.
Flax, Jane (1998). The American Dream in Black and White—The Calrence Thomas Hearings. New York: Cornell University Press.
Foner, Philp S., ed. (1976). Frederick Douglass on Women’s Rights. Connecticut: Greenwood Press.
Gibelman, Margaret (2003). “So How Far Have We come? Pestilent and {persistent Gender Gap in Pay, : Social Work, Vol. 48,22-33.
Golsberg, Steven (1999). “The Logic of Patriarchy, “Gender Issues, Summer, Bol. 17, 1-9. (accessed Mau 30, 2003). Available through InfoTrac One File, the Gale Group.
Guinier, lanai. Michelle Fine. And hane Balin 91997). Becoming Gentlemen –Women. Law School. And Institutional Change. Massachusetts: Beacon Press.
Guinier, Lani and Gerald Torres (2002). The Miner’s Canary: Enlisting Race, Resisting Power’; Transforming Democracy: Massachusetts: Harvard University Press.
Gutamn. Herbert G. (1977). The Black Family in Slavery and Freedom 1750-1925. New York: Vintage Books.
Harris, John (1855). Patriarchy. New York: Sheldon. Lamport & Blakeman.
Electronic Assess available at: https://80-www.hti.umich.edu.proxy.library.vcu.edu\cgi\t\text\text-idx?c=moa;idno=AED6473
Hine. Darlene Clark (2000). :Paradigms, Politic. And Patriarch in the Making of a Black History:Reflections in From Slavery to Freedom,” Journal of Negro History, Winter-Spring, Vol. 85, 18-21.
Higginbotham, A. Leon, Jr. (1978), In the Matter of color—Race & The American Legal Process: The Colonial Period. New York: Oxford University Press.
Hinton, Eric L. (2002). “Blacks Denied Mortgages Twice as Often as Whites. “ DiversityInc.com, October 2, 2002, (accessed March 19, 03).
Available at https://www. .diversityinc.com\members\3610print.cfm
Humphreys, Kcith and Eric G. Hamilton (1995). “Alternating Themes: Advocacy and Self-Reliance,” Social Policy, Winter. Vol. 26, 2, 24. 33.
Jennings. James (2003). Welfare Reform and the Revitalization of Inner City Neighborhoods, Michigan: Michgam State University Press.
Lens, Vicki (2003). “Reading Between the Lines: Analyzing the. Supreme Court’s views in Gender Discrimination in Employment, 1971-1982.” Social Science Review, Vol.77, March, 25-52.
Lewis, Adrienne (2(103). “Threats to College Diversity Programs Pose Risks for Boys. “ USA Today, May 23, 14A.
Lively, Donald E. (1992). The Constitution and Race. New York: Praeger.
Lords, Erik (2003). “Taking Sides: Legal Scholars May Be Divided in the Possible Outcome of the University of Michigan’s Affirmative Action Cases, But They All Agree It Will Be Historic, “Black Issues In Higher Education, February 27, 2003 (accessed May 15, 2003). Available through LexisNexis.
MacDonald, John A. (2003). “Diversity or Racism? High Court Will Hear University of Michigam Bias Case, “Hartford Courant, March 30, 2003, A 1.
McWhorter, John H. (2000). Losing the Race: Self Sabotage in Black America. New York: Free Press.
— (2002). “Need for Race Preferences Is Long Past, “Richmond Times Dispatch, December 15, 2002, El.
Moynihan, D. P, (1965). The Negro Family: The Case for National Action.
Washington, D. C.: Office of Policy Planning and Research, U.S. Department of Labor.
Mullings, Leith (1997). On Our Own Terms Race. Class and Gender in the Lives of African American Women. New York: Routledge,
Murray, Charles (1984). Losing Ground—American Social Policy 1950-1980. New York: Basic Books, Inc. Publishers.
National Association of Scholars. Website available at: https://www.nas.org\.
Rice, Joy K (2001). “Poverty, Welfare, and Patriarchy: How Macro-Level Changes in Social Policy Can Help Low-Income Women, “Journal of Social Issues, Summer, vol. 57,355 (accessed May 30, 2003). Available through InfoTrac one File, the Gale Group,
Smedley, Audrey (1993). Race in North America—Origin and Evolution of a Worldview, Colorado” Westview Press.
Smith, patricia, ed. (1993). Feminist Jurisprudence. New York: Oxford University Press.
Staples, Robert, ed. (1986). The Black Family Essays and Studies. 4th ed. California: Wadsworth Publishing.
Steele, Shelby (1998). A Dream Deferred–The Second Betrayal of Black Freedom in America. New York: Harper Collins Publishers.
Zinn, Howard (1995). A People’s History of the United States 1492 Present. New York: harper Perennial.
— (1991). Declarations of Independence—Cross-Examining American Ideology. New York: Harper Perennial.