ألفنا على أن يكون للمسافرين زاد يتزودون به في رحلاتهم وسفراتهم فيعينهم عليها وهو كما اعتدنا جميعاً طعام وشراب. ولكن خلال معسكرنا كان زادنا مختلفًا….. ففي الفيوم وبالتحديد في قرية تونس تزودنا بسحر وجمال الطبيعة البكر التي لم تفسدها يد الإنسان بعد – بالرغم من بعض تدخلاته – وبالإبداع الفطري للإنسان.
هناك أقمنا بمكان يسمى“زاد المسافر” وهو فندق بيني يسمى بالإنجليزية“Ecolodge” أو الإقامة الصديقة للبيئة وهو أقرب لمضيفة البيوت الريفية والقروية البسيطة منه للفنادق المعروفة برسميتها ومحدوديتها وجفائها في بعض الأحيان. تتجلى روعة هذا المكان في البساطة والهدوء والحميمية التي يتميز بها وحفاوة القائمين عليه ….. يقع المكان بالقرب من بحيرة قارون وتحف به الأراضى الزراعية الشاسعة، وهو مشيد ومجهز بالكامل من المواد البيئية فبناؤه من الطوب اللبن وأثاثه من جريد النخيل مع بعض اللمسات العصرية الحديثة التي لا تفسد جماله بل تسهل من شكل الحياة به مثل سخانات المياه والصرف الصحي وحمام السباحة المتوسط للغرف المشيدة بشكل أفقى ذلك بالإضافة للجلسات البسيطة منها ذات الطابع العربي التي تسمح للزائرين باستنشاق النسمات الصافية صباحاً ولقاءات السمر مساء والمطعم الذي تناولنا به أشهى الوجبات وخاصة الريفية منها.
وللبداية حكاية بدأت فكرة إنشاء المكان عندما أعجبت السيدة” ايفيلين بوريه” وهي سويسرية الجنسية وزوجها المصري بطبيعة المكان وهدوئه أثناء زيارتهما لأحد أصدقاء الزوج بالفيوم والذي يمتلك مساحات شاسعة من الأراضى ففكرت في شراء قطعة أرض وإنشاء ورشة لصناعة الخزف لاهتمامها بذلك المجال وقد كان… وتدرجت الفكرة لإنشاء مدرسة لصناعة الخزف وكان ذلك منذ حوالي عشرين سنة وبدأت بتعليم العديد من أهالي القرية الذين استهواهم الأمر وتخرج من المدرسة حوالي ٤٠ شخصا أصبحوا فنانين بعضهم لا يزال يعمل بالمدرسة والبعض الآخر أنشأ ورشا خاصة به .
نتيجة لذلك بدأ يتوافد على المنطقة الكثير من الأهالى من القرية والقرى المجاورة للتعليم أو العمل بالمدرسة، بالإضافة لأصدقاء ايفيلين من الفنانين وغيرهم فأصبحت المنطقة جاذبة للكثيرين من خارج الفيوم الذين قاموا بشراء منازل وبدأوا يترددون بكثرة على المكان كما انتقل للإقامة بالمكان العديد من الأهالي. عندها ظهرت الحاجة لإنشاء مكان يوفر الإقامة المريحة لبعض الزائرين للاستجمام أو العمل في هدوء فأنشئ“زاد المسافر” منذ حوالي أربع سنوات ….
مركز إشعاع
ولم يقف الأمر عند حد الاستضافة بل تطور إلى مركز إشعاع تنموي في المنطقة بحيث تفرعت عنه جمعية خدمات عامة تمارس بها عدة أنشطة منها الصناعات اليدوية وعيادة طبية لسكان القرية ومركز للتدريب على الكمبيوتر ومركز لتدريب الأطفال على مشروع“التعليم من خلال الفن” وحضانة، ويتم كل ذلك برعاية الجمعية المصرية للتنمية الشاملة في القاهرة. كما تفرع عن زاد المسافر مشروع فصل النفايات ويعمل به ٧ أشخاص بحيث تم التخلص من مشكلة القمامة في قرية تونس كلها بشكل لا يضر بالبيئة.
بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء جمعية داخل زاد المسافر تسمى“أصدقاء وادي الريان” تهدف إلى رفع الوعي بضرورة الحفاظ على البيئة في المنطقة المحيطة بوادي الريان وبحيرة قارون ووادي الحيتان … يقوم الأعضاء النشطون في الجمعية بزيارة المدارس والتجمعات السكانية وإلقاء المحاضرات وتوزيع المطويات على التلاميذ والسكان لحثهم على الحفاظ على البيئة.
لقطات مضيئة
– وفرت زاد المسافر ومدرسة الخزف حوالي من ۷۰۰ – ۸۰۰ فرصة عمل لأبناء القرية والقرى المجاورة
– تم تدريب العاملين بزاد المسافر على التعامل مع الضيوف والزائرين وخاصة الأجانب بالإضافة لتعليمهم بعض اللغات.
– تونس الآن تضم تجمعا سكانيا مكونا من ٣٥٠ بيتا .. تضم كتابا، فنانين، معماريين، مترجمين، أساتذة جامعات، بالإضافة إلى أهالي القرية.
– مدرسة الخزف تقوم بتعليم الأطفال هذا الفن الرائع الذي اتخذه الأهالى كمهنة وأصبحت لديهم رغبة قوية في عدم اندثاره.
– من أهم وأشهر الفنانين الذين خرجتهم المدرسة وأصبحت لديهم ورشهم الخاصة: راوية، محمود شريف، عبد الستار، إبراهيم سمير
