تحرير ’الكريستولوجيا‘ (علم طبيعة المسيح) من النزعة الأبوية
تاريخ النشر:
2012
اعداد بواسطة:
تحرير ’الكريستولوجيا‘ (علم طبيعة المسيح) من النزعة الأبوية*
ينبغي أن تكون عقيدة المسيح المخلِّص (the doctrine of Christ) أشمل الطرق التي يعبر بها المسيحيون عن إيمانهم بالخلاص من كل الشرور والخطايا في الحياة الإنسانية، تلك العقيدة التي تحتضن إنسانية البشر الحقيقية وآمالهم المتحققة. وفي حين يظهر لنا جليًا أن التصنيفات اللاهوتية التي تبنتها المسيحية المبكرة واستخدمتها في شرح عقيدة المسيح المخلِّص، أو ما يمكن أن نسميه الكريستولوجيا المبكرة كانت تشمل النساء، نرى أن عقيدة المسيح المخلِّص، من بين كل العقائد المسيحية الأخرى، هي ذاتها التي استخدمت لإقصاء النساء عن المشاركة الكاملة في الكنيسة المسيحية. كيف لذلك أن يحدث؟
استخدمت المسيحية المبكرة لفظة ’الكلمة‘ (logos) للإشارة إلى تجسد الله في شخص يسوع المسيح. وقد اعتمدت هذه اللفظة موروثًا متراكمًا من الفلسفة الدينية. إن ’الكلمة‘ الإلهية في تراث الفلسفة اليهودية اليونانية والهللينية هو الوسيلة التي خلق بها إله متعال هذا العالم. ولهذا، فقد كان ’الكلمة‘ تعبيرًا عن تجسد الله وحلوله بين البشر، وأساس الخلق في الوقت ذاته. ومن خلال ’الكلمة‘ خلق الله العالم وأرشده وتكشف له وصالحه لنفسه.
لقد ارتبط مفهوم ’الكلمة‘ بشكل خاص بالأساس العقلي لكل نفس بشرية. وقد حالت المسيحية المبكرة دون حدوث الفصل الذي كانت تنذر به الغنوصية (gnosticism) المبكرة بين أساس الخلق وأساس الخلاص، وذلك بربطها بين ’الكلمة‘ والمسيح أو المخلِّص (the Messiah) الذي وهب به الله الخلاص للعالم. فإن الله الذي تجلى في صورة المسيح هو نفسه الله الذي خلق العالم في البدء، فهو إذن الأساس الحقيقي للخلق الذي تجلى في صورة متحققة تتخطى اغتراب الخلق من كينونيته الحقيقية. كان مقصودًا من لفظ ’الكلمة‘، الذي يشير إلى طبيعة المسيح الإلهية، أن تدل البشر جميعًا على الأسس التي قامت عليها إنسانيتهم الحقيقية.(1)
ولكن التراث اليهودي والإغريقي والهلليني قد تشكل داخل ثقافة أبوية أعطت ألفاظًا مثل ’الكلمة‘، و’المسيح‘ معاني متمركزة حول الذكورة وبالتالي منحازة إلى الرجال. ولأن هذه الثقافات الأبوية كانت تفترض أن العقلانية خاصَّة ذكورية محضة، فقد قامت بتعريف كل النقاط المرجعية المستخدمة في تعريف المسيح من منطلق متمركز حول الذكورة. وقد أدى ذلك إلى الربط بين مفاهيم مثل الناسوت (humanity) وتجسد الله في صورة البشر و’الكلمة‘ داخل إطار متمركز حول الذكورة. وقد عززت تلك التعريفات الافتراض القائل بأن الله مذكر، وبذلك فلا بد أن يكون المسيح مذكرًا حتى يمكن للإله المذكر أن يتجلى فيه.
وبالرغم من أن المسيحية لم تذكر أبدًا أن الله مذكر بصورة حرفية، فلقد افترضت أن الله يمثل بجلاء صفات العقلانية والسيادة. وبما أن هناك افتراضًا مسبقًا يرى أن تلك صفات الرجال لا النساء، فقد رؤى أن استخدام تعبيرات مجازية مذكرة تليق أكثر بالله، في حين لا تليق به التعبيرات المجازية المؤنثة. وقد افتُرض أيضًا أنه من اللائق تصوير ’الكلمة‘، أو الكلمة الذي تجلى فيه الأب، في صورة مذكرة. أما لقب ’ابن الله‘ الذي يمثل مجازًا غير دقيق للتعبير عن التجسد الإلهي بين البشر في صورة والد ينجب ذرية، فقد اتخذ حرفيًا دليلاً آخر على ذكورة ’الكلمة‘. وقد أثرت تلك المفاهيم المرتبطة بذكورة الله بدورها على تفسير ’صورة الله‘ (imago dei) في المسيحية.
ويرد في سفر التكوين ۱: ۲۷–۲۸ الآتي: “فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم.” وتترك الفقرة الباب مفتوحًا لإمكان أن نفهم كلمة رجل (آدم) بوصفها كلمة تشير إلى نوع لا إلى جنس [ تعتمد روثر في طرحها هنا على الترجمة الإنجليزية التي تستخدم كلمة (man) في حين أن الترجمة العربية ستخدم “الإنسان“. (المترجمة)]، وأن الجزء الثاني من 1: ٢٧ في سفر التكوين يقول إن كلا الجنسين مخلوق على صورة الله بشكل متساو (وهو ما يعني أيضًا أن النساء يشتركن في سيادة ’الرجل‘ على الأرض التي يشير إليها سفر التكوين 1: ٢٦).(2) ولكننا نرى أنه من الناحية الفعلية نبذ تراث كتابات آباء الكنيسة والعصور الوسطى أجمعه إمكان أن تكون النساء مخلوقات على صورة الله بالقدر نفسه كالرجال. فقد فصل ذلك التراث بين مفهوم صورة الله والاختلاف في الجندر (النوع). وقد يعني ذلك أيضًا أن صورة الله كانت لا جنسانية أو روحانية، وعلى هذا فلم تكن ذكرًا ولا أنثى. تلك هي قراءة جريجوريوس النيصي (Gregory of Nyssa) للنص.(3) ولكن معظم آباء الكنيسة قد خلصوا إلى أن الرجل هو المخلوق على صورة الله معياريًا، في حين أن النساء من حيث هن نساء لسن مخلوقات على صورة الله، ولكنهن صورة الجسد أو الخلق الأدنى، الذي أُعطى للرجل لكي يتسيد عليه(4).
ونري هذا الرأي في كتاب أوغسطينوس (Augustine) عن الثالوث حيث نجده يقول:
كيف إذن يخبرنا الرسول أن الرجل هو صورة الله ولهذا ينهي عن تغطية رأسه في حين أن المرأة ليست كذلك ولهذا تؤمر بتغطية رأسها؟ إلا إذا كانت المرأة في الحقيقة، وكما ذكرت فيما سبق في سياق تناولي لطبيعة العقل البشري، هي مع زوجها صورة الله، مما يجعل من التركيبة أجمعها صورة واحدة. ولكن عندما يشار إليها وحدها، بوصفها معينًا ومساعدًا، وهو ما يخص المرأة وحدها دون الرجل، فهي ليست صورة الله. أما بالنسبة إلى الرجل بمفرده، فهو صورة الله بالقدر نفسه من الاكتمال الذي يكون عليه عندما تشاركه المرأة ليصبحا معًا صورة الله.(5)
لم ينكر أوغسطينوس ولا آباء الكنيسة أبدًا فكرة أن روح المرأة قابلة للخلاص. ولكنهم كانوا يؤمنون بأن الأنثى، بحسب أنوثتها الخاصة، سواء الجسدية أو النفسية، هي نقيض ما هو إلهي. وعلى هذا، فقد خلصوا إلى أن المرأة ليست مخلوقة على صورة الله، أي أنها – بمعنى آخر– لا تستطيع أن تعكس صورة الله. وقد استخدمت تلك الفكرة لاحقًا في تبنى الكنيسة وتطويعها لعلم الأحياء الأرسطي، الذي كان يؤكد (وإنْ ثبت لنا اليوم خطؤه) أن الرجل وحده هو الذي ينتج البذرة أو الشكل الوراثي للطفل، وأن المرأة لا تسهم إلا بالمادة القابلة للتشكيل والنمو. وبما أن البذرة الآتية من الأب مذكر، فإن الذرية المكتملة التشكيل تكون مذكرة. أما النساء فيأتين نتاج عيب في الحمل تكون فيه المادة المستمدة من الأم غير مكتملة التشكيل، مما ينتج أنثى أو ذكرًا ’معيبا‘، يكون أدني في الجسم والذكاء وضبط النفس الأخلاقي.(6)
ويعرِّف اللاهوتيون القروسطيون الذين استخدموا التراث الأرسطي (من أمثال توما الأكويني Thomas Aquinas) المرأة بأنها بشر لا معياري (non-normative)، أيْ لا يتمتع بالطبيعة الإنسانية بشكل تام. أما الرجل فهو تعبير ’مثالي‘ أو معياري عن النوع البشري. وقد خلص الأكويني من ذلك البحث الأنثروبولوجي إلى أن ذكورة المسيح كانت ضرورة أنطولوجية، ولم تكن مجرد مصادفة تاريخية. كان من الضروري أن يأتي المسيح ذكرًا حتى يمكنه تمثيل الإنسانية الشاملة، لأن الرجل وحده يتمتع بالطبيعة الإنسانية المكتملة. ولا تستطيع المرأة تمثيل النوع البشري سواء لنفسها أو بشكل عام.(7)
وتهدد تلك المفاهيم المتعلقة بذكورة الله والكلمة وصورة الله والمسيح بتقويض العقيدة المسيحية الأساسية التي ترى أن ناسوت المسيح يشمل إنسانية النساء، وأن النساء متضمنات في تجسد المسيح والخلاص الذي قدمه. وقد كان آباء الكنيسة يفترضون أن الخلاص يشمل النساء، غير أنهن في الوقت نفسه كائنات لا معيارية وأنهن غير مخلوقات على صورة الله. وقد تأسس هذا الاعتقاد على الأيديولوجية الأبوية التي ترى أن النساء يفتقرن إلى قدرات بشرية مساوية لقدرات الرجال فيما يتعلق بالذكاء والقيادة، وأن إنسانية المرأة متضمنة في الجزء الأدنى من إنسانية الرجل، تترأس عليها عقلانية الرجل وتقودها. واليوم، تخضع كل تلك الأفكار المنحازة إلى الرجال في ذلك البناء اللاهوتي للنقد، حيث نرى وصول النساء إلى التعليم العالي ودخولهن مجالات القيادة في الحياة العامة، مما يدحض تلك الافتراضات، كما يدحضها ثبوت خطأ علم الأحياء الأرسطي. واليوم، فإن آية كريستولوجيا تعلى من شأن ذكورة المسيح لتجعلها ضرورة أنطولوجية تعنى أن ناسوت المسيح لا يشمل المرأة على الإطلاق. إن التجسد في صورة ذكر فقط لا يشمل النساء، ولهذا فالنساء لن يحصلن على الخلاص. بمعنى آخر، لو كانت النساء لا يمثلن المسيح، فإن المسيح لا يمثل النساء. أو كما تذهب حركة رسامة النساء (women’s ordination movement)، ’إن لم تكونوا ترغبون في رسامة النساء قسيسات، فلتقلعوا عن تعميدها‘. وترى بعض النساء أنه يجدر بالنساء ترك المسيحية والبحث عن دين آخر يعترف بإنسانيتهن في لاهوته الذي يصف العلاقة بين الإلهي والبشري.(8)
نجد أنفسنا في حاجة إلى فحص البدائل التي كانت متاحة في التراث اليهودي الذي شكل المسيحية المبكرة، حتى نتمكن من إعادة تقييم العلاقة بين عقيدة المسيح المخلًّص والجندر. ينظر التراث اليهودي إلى الله على أنه متخطٍ للجندر، حيث يرى ذلك التراث الله في إطار السيادة والسلطة. وتترجم هذه السلطة في صور تتسم بالغضب والنزعة العقابية، كما تترجم في صور تتسم بالرحمة وطول الأناة. وفي صورة الله، تسود الأدوار الاجتماعية الذكورية. ولكننا نجد الفكر اليهودي يستخدم أحيانًا صورًا أنثوية، وبخاصة صورة الأم، في سياق الحديث عن رحمة الله وطول أناته.(9) ولا يجب أخذ أية صورة من صور الله مأخذًا حرفيًا. ويشمل ذلك الحظر أسماء الله المنطوقة والتشبيهات المصورة له. ومن الواضح أن ذلك التراث يسمح بإمكان أن تعكس المرأة صورة الله، في الوقت ذاته الذي ينهي عن أخذ أية صور لله قائمة على الجندر مأخذًا حرفيًا أو حصريًا.
ومن اللافت للانتباه أن تراث أسفار الحكمة (Wisdom tradition) في نصوص العهد القديم يصور تجلى الله في الخليقة وفي الوحي وفي الخلاص من خلال تشخيص الحكمة الإلهية تشخيصًا أنثويًا.(10) إن ذلك المفهوم عن الحكمة الإلهية هو الفكرة اللاهوتية نفسها التي يطلق عليها في التراث المسيحي ’الكلمة‘. وأحيانًا، نجد لفظتي ’الحكمة الإلهية‘ Logos)) و’الكلمة‘ ( Word of God) مستخدمتين الواحدة مكان الأخرى. وهكذا، لا يمكن أن نأخذ فكرة أن تجسد الله في الخليقة ’يشبه‘ العلاقة بين ابن مذكر ووالد مأخذًا حرفيًا، يجعل من الله المتجسد إلهًا ثانيًا، أو يجعل من الأوصاف المتمركزة حول الذكورة أوصافًا دالة على ’ابن ذكر‘ . فليس الكلمة– الحكمة الإلهية (Logos-Sophia of God) ذكرًا ولا أنثى، وقد صورها التراث اليهودي الرئيس الذي شكل عقيدة الثالوث في المسيحية في تشخيص أنثوي.(11)
وقد رأى التراث اليهودي المخلص ملكًا من ملوك إسرائيل القادمين، وافترض المجتمع الأبوى أن هذا الملك ذكر، بالرغم من أن الفكرة الجوهرية هنا هي أنه/ا بشر مختار يمارس/ تمارس سيادة الله. وقد كان يسوع يفضل أن يكون اللقب الذي يخلعه على القادم/ القادمة (والذي/ التي لم يطابقها مع نفسه) لقب ’ابن الإنسان‘. ولكن ذلك التعبير المأخوذ من سفر دانيال والأسفار النبوية الأخرى، يجعل من المخلِّص تعبيرًا جمعيًا عن إسرائيل، وهو ما يجعله بدوره تعبيرًا عن الإنسانية الشاملة. (ولأن الإنسانية الشاملة لا يمكن أن تُرى اليوم معياريًا في صورة ذكر، فإن اللغة الجامعة التي تشمل الجنسين والمستخدمة في كتاب الصلوات الذي يتضمن فصولاً من التوراة والذي يقوم حاليًا المجلس القومي للكنائس بالولايات المتحدة بإعداده قد اختارت أن تترجم ذلك اللقب الذي استخدمه يسوع إلى عبارة “البشرى/ البشرية” (the Human One)).(12) بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الوعي بالنظرة النبوية في تعاليم يسوع التاريخي وممارساته (كما فسرتها المسيحية المبكرة)، وهي نظرة تدين النظم الاجتماعية والدينية التي تستثني الأشخاص التابعين والمهمَّشين من التمتع بالحظوة الإلهية. وقد كان يسوع يرى أن مهمته الإلهية هي أن يسوق ’البشارة‘ للأشخاص المحتقرين الذين كانت تَعُدُّهم طبقات الكهنة ورجال الدين في وقته غير مستحقين لأي أمل في الخلاص. وتحتل إحدى الممارسات النبوية مكانة مركزية في قصة يسوع، حيث تدين ادعاءات طبقات الكهنة ورجال الدين الذين يدَّعون حصولهم على امتیازات خاصة لدى الله، ويقصون عنهم الأشخاص غير المتعلمين و’غير النظيفين‘. وغالبًا ما تمثل النساء من بين تلك الطبقات المحتقرة هؤلاء الذين يمكنهم سماع كلمة الله النبوية الجديدة ومن ثم الهداية، بينما نجد طبقة النخبة الدينية لا تكتفى بإغلاق قلوبها دونها، ولكنها تتآمر من أجل القضاء على نبي الله.
وغالبًا ما تمثل النساء “الآخرين الذين سيصبحون أولين في ملكوت الله“، وذلك على وجه التحديد لأنهن يأتين في أدنى مرتبة في نظم الامتيازات التي ينتقدها المسيح بشدة في البشائر. وهكذا، تجد لوقا في “نشيد مريم” يجعل من مريم، أم يسوع، ممثلة إسرائيل الجديد أو المخلص، بوصفها أمة الرب التي سترفع بينما ينتزع الأعزاء من فوق عروشهم.(۱۳) وتحكى الأناجيل الأربعة جميعها قصة يسوع في صورة دراما تقدم صراعًا متناميًا نرى فيه أولاً أن عائلة النبي المخلِّص وأهل بلدته يلفظونه، ثم تلفظه القيادة الدينية، ثم الجموع، ثم أتباعه الذكور المجتمعون في العليَّة.(١4) وقد استُخدمت الطبيعة الثانوية واللاتاريخية لقصة “القبر الفارغ” استخدامًا مكثفًا من قِبَل الدراسات الأكاديمية (الذكورية) الحديثة.(16) ولكن ذلك يقودنا إلى أن نتساءل: لماذا تحكى تراثات الأناجيل الأربعة جميعها قصة يسوع بهذا الشكل، إلا إذا كانت تريد التأكيد في إطار درامي على أن أول من يدخل الملكوت من المؤمنين، وأول من يشهد القيامة ويحمل البشارة للآخرين سيكونون من هم الآن في أدنى درجات السلم الاجتماعي؟ وقد أكد لوقا بشكل أكبر على تضمين النساء في روايته عن يوم الخمسين (Pentecost) حيث استخدم نبوءة يوئيل (Joel) ليقول إن روح النبوة التي سوف تعود إلى جماعة المخلِّصين في الأيام الأخيرة سوف تمنح “للعبيد والإماء“، “فيتنبأ بنوكم وبناتكم“.(17) وقد أدرجت النساء في الوظائف النبوية في العهد القديم كما في المسيحية المبكرة(18). ونحن نعلم من الترتيب الكنسي، والتقليد الرسولي، أن بعض المسيحيين في أواخر القرن الثاني كانوا لا يزالون يؤمنون بأن النبي هو القائد المعياري للمجتمع المسيحي المحلي.(19)
وإذا كانت أفعال وممارسات يسوع التي تظهر بشكل غير مباشر في رؤية المسيحية المبكرة تعد قلبًا للتسلسلات التراتبية (hierarchies) الثابتة وأنها تتضمن النساء وتضعهن في مكانة أولية ضمن المؤمنين، فلماذا يبدو لنا أن ذلك التضمين للنساء قد تلاشى سريعًا؟ وللاجابة عن هذا السؤال يجب أن نعي أن المسيحية المبكرة التي قامت بتأويل قصة يسوع بهذه الصورة النبوية القائمة على تضمين النساء قد فهمت تلك الرسالة أيضًا في سياق رؤية للعالم كانت في أصلها متزعزعة وغير قادرة على الاستمرار تاريخيًا بهذا الشكل. ولأن تلك المسيحية المبكرة كانت ترى في نفسها جماعة المخلصين في أواخر الأيام، فلم يكن لديها منطلق ثالث لتأسيسها التاريخي. وقد كان مفهومها لربوبية المسيح (the Lordship of Christ) يقدم بديلاً لتأسيس الوجود، وهو بديل يتعالى على النظم السائدة في المجتمع وفي ’هذا العالم‘، وهو البديل الذي يمكن لضعفاء هذا العالم الاعتماد عليه. ولأن المسيحية المبكرة، كانت تفترض أن التسلسلات التراتبية الأبوية في العائلة وفي الدين وفي الدولة أمر متأصل في ’هذا العالم‘، فإن المسيحيين الأوائل لم يستطيعوا تخيل بشرية جديدة تضم النساء بوصفهن أندادًا إلا من حيث هي بشرية ترسم النهاية لدور المرأة الإنجابي. وهكذا، نجد أن القديس بولس يري بالفعل أن المنتمين إلى جماعة المخلِّصين لا يندرجون تحت التكليف الإلهي بالزواج والإنجاب، وهو الأمر المتصل بنسق الطبيعة واستمرارية الجنس البشري التاريخية.(20)
وهكذا، نجد المسيحية مع نهاية القرن الأول تنقسم إلى تأويلين متضادين. فقد أعاد أحد فروع المسيحية دمج بنيتها الاجتماعية داخل العائلة الأبوية، كما قام بتفسير قيادتها المعيارية على أنها قيادة الرجل الذي هو بالبرهان الثابت ’رئيس الأسرة‘.(21) وقد دخلت تلك المسيحية الأبوية في صراع عنيف مع مسيحية بديلة أمرت أتباعها بعدم الزواج، كما شجعت قيام النساء بالتعليم في العلن، واستحضرت نصوص من سفر التكوين ١ و 2 بغرض التصدي لتلك المسيحية البديلة وتأكيد أن مكانة المرأة تالية لمكانة الرجل سواء من حيث طبيعتها، أو لوقوعها في العقاب بسبب الخطيئة. ولهذا، كان عليها التزام الصمت، في حين أن إنجاب الأطفال هو ما سوف يؤدي بها إلى الخلاص (1تی ۲. ۱۲–١٥).
وتتمثل المسيحية البديلة في كتاب أعمال بولس وثيلكا ((Acts of Paul and Thelca حيث تنبع سلطة بولس من وجهة نظر مضادة تمامًا. هنا، تكمن هداية امرأة في تبنيها العفة ونبذها فكرة الزواج، وهو اختيار تثاب عليه، بعد سلسلة من المغامرات، بأن يكلف بولس ثيلكا بالوعظ وبالعودة إلى بلدتها بوصفها مبشرةً بالإنجيل.(22) وقد عبرت جماعات العصر الألفى السعيد (millennialist) والروحانيين (spiritualist) عن تلك المسيحية البديلة خلال القرن الثاني، حيث أكدت تلك الجماعات إدماج النساء في الكنيسة، ولكن تأكيدهم جاء عن فهم الكنيسة بوصفها جماعة تضم مَن خلصهم المسيح، وهو فهم يتجاوز النسق الإنجابي المرتبط بالجنسانية (sexuality) والحمل.(23) وقد كان لمثل هذه الطوائف الأخروية eschatological)) أن تحافظ على بقائها تاريخيًا إما بهداية أشخاص بالغين جدد في كل جيل أو بالاعتماد على قطاع من المسيحيين والمسيحيات المتزوجات اللاتي يُدخلونهن بعد ذلك في مسيحية التبتل، التي كانت تُعَدُّ أرقى مراتب المسيحية وأنقاها.
ونجد أنه مع حلول القرن الرابع، وُصمت تلك الطوائف التي كانت تطالب كل المسيحيين بالتبتل بالهرطقة،(24) في الوقت الذي حدث فيه اندماج بين الكنيسة الأبوية ونسخة معدلة من المسيحية الأخروية، وهو الاندماج الذي ولَّد توليفة جديدة ترى الأشخاص المتزوجين من الطبقات الدنيا في الكنيسة، في حين تنظر إلى النخبة المتبتلة بوصفها أعلى تلك الطبقات وأكملها في التعبير عن الكنيسة. ولأن تلك الكنيسة تفترض أيضًا أن قادتها المرسومين يتبعون النسق الأبوي في الخلق، فقد حرمت النساء المتبتلات من الخدمة الرعوية وهمشتهن بأن قصرتهن على الأديرة، بينما فرضت التبتل المستقى من تراث الرهبنة (وهو في الأصل ترات لا ينطبق على الإكليروس (non-clerical)) على القساوسة والأساقفة المتزوجين.(٢٥) وقد انتقلت تلك التوليفة المكونة من المسيحية الأبوية والمسيحية الأخروية إلى العصور الوسطى لتصبح الصورة المعيارية للمسيحية. وتمثل حركة الإصلاح ثورة ضد الأخروية بوصفها ثقافة مضادة متأسسة في حركة الرهبانية. فقد أنهت وجود أديرة الرجال والنساء على حد سواء، كما وضعت نهاية لتبتل رجال الدين. ولكن ذلك كان يعني أيضًا أنها حصرت نفسها أكثر، وزادت من ترسيخ وضعها في نمط المسيحية الأبوي. وعليه، فقد شددت على فكرة أن نواة الكنيسة في العائلة الأبوية المبنية على نموذج الراعي المتزوج وزوجته وأولاده الصالحين. ولكننا نجد أن حركة الإصلاح لم تقض على الأخروية بوصفها ثقافة مضادة داخل المسيحية، لأن ذلك لم يعن إلا ظهورها مجددًا من حين إلى آخر في صورة الطوائف الصوفية والألفية التي ترى أن الكنيسة تمثل جماعة المخلِّصين التي تعيش آخر عصور تاريخ العالم منعزلة بعيدًا عن أنساق هذا العالم الاجتماعية الشريرة وفي انتظار ملكوت المسيح. وقد أدى ذلك أيضًا عند بعض هذه الطوائف الصوفية والألفية إلى نتيجة أخرى مؤداها أن هؤلاء المخلصين قد تجاوزوا النسق التاريخ التناسلي، وتحرروا من أدوار الجندر ليصبحوا متساوين في ترتيب الخلاص الجديد. ونجد في العديد من تلك الطوائف كثيرًا من الأفكار المتعلقة بطبيعة الله الجنسية المزدوجة وتضمين النساء في مهام التعليم وإدارة الكنيسة، وتبنى فكرة تبتل كل المخلصين.(26)
ويمكن تناول هذين النوعين المختلفين من المسيحية عبر نوعين من الكريستولوجيا، وذلك على الرغم من احتواء معظم الكريستولوجيات على عناصر من المذهبين معًا. فمن ناحية، تحركت المسيحية الأبوية باتجاه تضمين سيادة المسيح ورئاسته في كل التسلسلات التراتبية الدنيوية. هنا، يمثل المسيح بوصفه كلمة الله قمة نظام اجتماعي قائم على التسلسل التراتبي، وهو النظام الذي اتخذ اسم ’العالم المسيحي‘. ويتسيد المسيح الآتي من الأب على الكون، وهو بدوره مصدر التسلسلات التراتبية في العالم المسيحي، الكنسي منها أو السياسي، كما أنه وعلى مستوى شخصي أكثر ينعكس في دور الرجل بوصفه رأس المرأة داخل الأسرة، وسيادة العقل على الجسد في العالم الإنساني (الذكوري) المصغر. أما النساء، بوصفهن ذواتًا وبوصفهن السواد والزوجات، وأيضًا بوصفهن صورة الجسد، فيمثلن كل ما يجب على المبدأ الكريستولوجي الذكوري التحكم فيه داخل كل تلك الأنظمة القائمة على التسلط والخضوع.(27)
وعلى العكس، يمثل المسيح في الكريستولوجيات الصوفية والألفية أساسًا متعاليًا للوجود بالنسبة للمخلِّصين الذين خرجوا عن هذا العالم وأنساقه الاجتماعية وينتظرون الخلاص الأبدي ويتعجلونه فيما وراء التاريخ. فالمسيح إما أن يكون متجاوزًا الجندر (أي أنه لا جنسي)، أو يشمل الجنسين بشكل يتخطى ذلك الانقسام إلى جنسين ودورين إنجابيين منفصلين (أيْ أنه مزدوج الجنس من الناحية الروحانية). ويشارك المخلِّصون في الحياة الأخروية للمسيح بأن يتعالوا على الجنسانية والتكاثر (أيْ أن يصيروا متبتلين). وهم بذلك يستعيدون إنسانيتهم الروحانية المزدوجة الجنس التي كانت هناك قبل السقوط في الخطيئة والموت، وما استتبع ذلك من الاحتياج إلى الجنس والتكاثر. وهكذا، يمكن التغلب تمامًا على كافة أشكال التسلسلات التراتبية الجنسية، مما يسمح للنساء بالمشاركة في قيادة جماعة المخلِّصين على قدم المساواة مع الرجل.(۲۸)
ويبدو هذان الرأيان متضادين، ولكنهما يشتركان في فرضية أساسية واحدة، ألا وهي أن الأبوية نسقُ الخلق. وعليه، فإذا أردنا تجاوز التسلسل التراتبي الجنسي، يتعين أيضًا تخطى نسق الخلق الذي هو أيضًا نسق تكاثر النوع. وبدون تجاوز هذا الافتراض، لن يكون باستطاعتنا تصور تعريف للخلاص يتجاوز الأبوية ولا يقضى على علاقة الإنسان بالتكاثر. وهكذا، كان علينا أن نتخيل نسقًا أساسيًا للطبيعة يتصف بالمساواة ولا يكون أبويًا، أيْ نسقًا أساسيًا للطبيعة يمكن عَدُّه الحالة المتجسدة التي نحن عليها الآن، وليس وجودًا روحيًا سابقًا على التجسد. وفي ذلك النسق المساواتي للطبيعة، يمكن القول بأن الأبوية هي تشويه الطبيعة. وسوف يمكننا ذلك من النظر إلى الرغبة في إحقاق المساواة بين الجنسين على أنها استعادة للإنسانية الحقة من خلال الإصلاح التاريخي للثقافة والمؤسسات، وليس على أنها ابتعاد لا تاريخي عن التاريخ وعن الوجود المتجسد.
وقد تأسست هذه الأنثروبولوجيا الجديدة في أوروبا وأمريكا خلال الفترة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، حيث شهدت تلك الفترة –من ناحية– رفضًا متناميًا للأنماط الأبوية في المسيحية وفي العالم المسيحي القائم بوصفهما يمثلان أنساقًا اجتماعية مختصرة أكثر مما يمثلان مستقبلاً يحمل الخلاص. ومن الناحية الأخرى، أخد جناح المسيحية الألفي التقدمي في تطبيع نفسه في صورة حركات مختلفة مثل حركات المساواتيين والحفارين (Levellers and Diggers) أثناء الثورة التطهيرية الإنجليزية التي كانت ترى المستقبل المساواتي مستقبلاً تاريخيًا جديدًا وليس مستقبلاً أخرويًا يقع فيما وراء التاريخ.(29) وقد أدى ذلك إلى علمنة المسيحية الألفية بصورة أكبر في حركات عصر التنوير والحركات التحررية والاجتماعية خلال القرن التاسع عشر.(30)
وقد رفضت تلك الحركات التسلسلات التراتبية في النظام القديم سواء في الكنيسة أو المجتمع لأنها تتناقض مع الإنسانية الحقة، معلنة أن هذه التسلسلات التراتبية تمثل جنوحًا مجحفًا عن نسق الطبيعة المساواتي الأصلي. وقد شرعت كذلك في خلق مجتمعات جديدة تمنح المواطنة لكل ’الرجال‘ (أي للذكور البيض من أصحاب الأملاك) على حد سواء، وهو ما سوف يستعيد نسق الطبيعة، حيث ’الرجال‘ جميعًا قد ’خُلقوا متساوين‘. وقد اقتصر سعى تلك الحركات التحررية في البداية على القضاء على التسلسلات التراتبية الاجتماعية التي كانت تفصل بين طبقات النبلاء الإقطاعيين وطبقة التجار. ولكن مع الوقت أصبح من الممكن استخدام اللغة العالمية التي اعتمدتها تلك الحركات في تحقيق جهود أكثر تقدمية تسعى إلى تضمين آخرين مثل العمال (الاشتراكية) والعبيد (القضاء على الرق) والنساء (النسوية) في ذلك المستقبل الموعود. وهكذا، كانت النسوية تعبيرًا واضحًا عن استخدام لاهوت الخلق الداعي إلى المساواة في مجال الجندر، ليصبح إدانة للأبوية بوصفها مجحفة وشريرة، لا بوصفها نسق الطبيعة ومشيئة الله.
وهنا، نجد أنفسنا في وضع يحثنا على التساؤل عن التأثير الذي يمكن أن تؤثره هذه الأنثروبولوجيا المساواتية على الكريستولوجيا إذا ما طبقناها على كل نواحي فهمنا للعلاقة بين الله والإنسان. سوف يعني ذلك في المقام الأول تقويضًا لتلك الأنثروبولوجيا (بما في ذلك أسسها البيولوجية الخاطئة) التي تَعُدُّ النساء تعبيرًا أقل اكتمالاً عن الطبيعة الإنسانية من الرجال. وسوف يستتبع هذه الخطوة تأكيد أن النساء مخلوقات على صورة الله، وأنهن يشتركن على قدم المساواة في صورة الله وفي مسؤولية البشر المشتركة في التسيد على الخلق (أو بلفظ أدق، العناية بالخلق). إذن، النساء لا يمثّلن ما يتعين التسيد عليه مثل الجسد أو الطبيعة غير الإنسانية. وإذا كانت النساء مخلوقات على صورة الله مثلهن مثل الرجال، فإن ذلك يعني أيضًا أن الله يمكن تصوره بوصفه ذكرًا وأنثي على حد سواء. ولذلك، يمكن تصور الله بوصفه مصدرًا للوجود يتجاوز الوجود المادي، وبوصفه يمثل تجلى ’الكلمة‘– الحكمة، في صور استعارية مستقاة من الذكورة والأنوثة، دون أن نجعل الرموز الأنثوية تابعة وخاضعة للرموز الذكورية.
وهكذا، يجدر القول بأنه ليس لذكورة المسيح التاريخي أية علاقة بتجلي ’ابن‘ ذكر يعكس بدوره صورة ’أب‘ ذكر، ذلك أن ’الأب‘ الإلهي هو أيضًا وبالقدر نفسه أمٌّ، كما أن ’الابن‘ هو بالقدر نفسه ابنة. وقد نحتاج إلى جعل اللغة نفسها التي تتناول التجاوز والحلول لغة نسبية، وذلك باستخدام استعارة أخرى غير استعارة الأبوة/ الأمومة والبنوة؛ حتى يتسنى لنا بصورة أفضل تناول تلك العلاقة بين رب متعالٍ ورب متجلٍّ في الخليقة وفي التاريخ.
أما فيما يتعلق بالمسيح التاريخي، بوصفه تعبيرًا خاصًا ومثاليًا عن ’الكلمة‘– الحكمة الإلهية في الكنيسة المسيحية، فإننا هنا في غير حاجة إلى جلاء خصوصيته أكثر من ذلك، ولكننا محتاجون إلى مقدرة أعم على قبول خصوصيته دون أن نخلط بين أحد أوجه هذه الخصوصية، وهو ذكوريته، وجوهر المسيح بوصفه كلمة الله المتجسد. ونحن نلمس في غالبية الكريستولوجيات سعيًا نحو محو معظم أوجه خصوصية المسيح (كونه يهوديًا ومخلِّصًا قادمًا من الجليل في القرن الأول) بغرض جعله رمزًا لإنسانية كونية، ولكن مع الإصرار في الوقت ذاته على جعل الخصوصية التاريخية لذكورته أمرًا أساسيًا في عملية تمثيله المستمرة. وقد تأسست هذه الفكرة – كما رأينا– على أن الذكورة يمكن بالفعل أن تمثل إنسانية كونية شاملة، وتلك أنثروبولوجيا متمركزة حول الذكورة من الواجب رفضها. كيف لنا إذن أن نفهم معنى المسيح بكل خصوصيته بوصفه شخصًا تاريخيًا، ليس فقط بوصفه ذكرًا ولكن بوصفه مخلِّصًا يهوديًا قادمًا من الجليل في القرن الأول، وفي الوقت ذاته لا نجعل من تلك الخصوصيات حدودًا على تمثيله بوصفه تجسيدًا لكلمة الله الكونى الجديد؟ يجب أن نقوم بتلك المهمة، لا بأن نؤكد الخصوصيات البيولوجية، ولكن بأن نؤكد رسالته التي عبر عنها في خدمته، وهي الرسالة التي تمثلت في كلمة البشارة الثورية للفقراء. وتعني البشارة أن الحصول على رضا الله والأمل في الخلاص لا يستندان إلى المكانة الاجتماعية في تسلسل متراتب داخل مجتمع ظالم، ولكنهما نعمة إلهية تُمنح دون مقابل، وهي متاحة لكل من يتجاوب معها بالتوبة على قسوة القلب، وبالانفتاح على الآخرين بوصفهم/ بوصفهن أخوة وأخوات. ومن هذا المنظور، نرى أن تأكيد ذكورة المسيح بوصفها أمرًا أساسيًا في تمثيله المستمر لا يعد فقط أمرًا لا يتسق مع جوهر رسالته التي تحمل البشارة للمهمشين (مثل النساء)، ولكنه يتعارض معها تمامًا.
ويعني ذلك أننا، أيْ الكنيسة، الذين أضحينا نعرف المسيح بروحه وليس بجسده، نحمل وجوده بيننا، ليس بمحاكاة أيًا من خصوصياته العرقية أو النوعية، ولكن بالوعظ بكلمته وممارستها في حياتنا. علينا أن نحيا كمن يسوق البشارة إلى الفقراء، وأن نتخلي عن امتيازاتنا المزيفة فيما يتعلق بالجندر والعرق والطبقة والثقافة. وعندما نفتح قلوبنا لكل الناس بوصفهم يحملون صورة الله، يجب أيضًا أن نكون مستعدين لاستثارة عداء مَن هم ملتزمون بعكس ذلك في هذا العالم، بما فيهم هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم ’الكنيسة‘. ويعني ذلك أننا من الممكن – بل ومن الواجب – أن نكون قادرين على أن نَلقى المسيح، كما ورد في أحد النصوص التي تصف الشهداء الأوائل في المسيحية المبكرة “في صورة أخت لنا“.(31)
روزماري رادفورد روثر (Rosemary Radford Ruether): باحثة أمريكية نسوية متخصصة في الدراسات الدينية. وتعتبر من رائدات الدراسات الدينية النسوية، مع تركيزها على لاهوت التحرير وخاصة في فلسطين وأمريكا اللاتينية. وتتناول في أبحاثها مفهوم النسوية المسيحية وتجلياتها، ومن أشهر كتبها كتاب شاركت في تحريره عن الكتابة الدينية لدى النساء الأمريكيات خلال أربعة قرون. كما أنها معروفة بمواقفها المناهضة للحروب، بدءًا من موقفها ضد الحرب الأمريكية على فيتنام، كما تعبر عن مواقف واضحة ضد الإمبريالية والعنف.
*Rosemary Radford Ruether, “The Liberation of Christology from Patriarchy,” New Blackfriars 66 (1985); rept. in Feminist Theology: A Reader, ed. Ann Loades (Great Britain: SPCK-Holy Trinity Church, 1990) 138-148.
(1) للاطلاع على تطور عقيدة المسيح الكلمة Logos Christology) ) في العهد الجديد، وبخاصة في إنجيل يوحنا، انظر/ي:
C.H Dodd, The Interpretation of the Fourth Gospel (Cambridge and New York: CUP, 1963), pp.263-285. وللتعرف على عقيدة المسيح الكلمة في مسيحية القرن الثاني، وبخاصة في لاهوت جاستن مارتر Justin Martyr))، انظر/ي:
E. Goodenough. The Theology of Justin Murtyr (Amsterdam, Philo Press, 1968), pp.138-175.
(2) P. Bird, “Male and Female He Created Them: Gen. 1: 27b In the Context of the Priestly Account of Creation,” Harvard Theological Review 74: 2 (1981), pp.129-159.
(3) G. Nyssa, De Opif, Hom. 16.7
وانظر/ي: R. Radford Ruether, “Misogynism and Virginal Feminism in the Fathers of the Church,” in R. Radford Ruether (ed) Religion and Sexism: Images of Women in the Jewish and Christian Traditions (New York: Simon and Schuster, 1974). pp. 153-155.
(4) K. Borresen, “God’s Image: Man’s Image; Female Metaphors Describing God in the Christian Tradition,” Temenos 19 (Helsinki, 1983), pp.17-32.
(5) Augustine, De Trinitate, 7.7.10.
(6) Aristotle, Gen An., 729b., pp.737 -738.
(7) T. Aquinas, Summa Theologica, pt. 1,q. 92, art. 1.
(8) تعتنق نسويات ما بعد المسيحية من أمثال ناعومى جولدنبرج هذا الرأي في كتابها:
Naomi Goldenberg, The Changing of the Gods (Boston: Beacon Press, 1979).
(9) على سبيل المثال في Isa. 42. 13, 14 and Isa. 49. 14-15.
انظر/ي كتاب: L. Swindler, Biblical Affirmations of Women (Philadelphia: Westminster, 1979)
(١٠) المرجع السابق، صفحات ۳6- 48.
(11) لوقا 11. 49، متی ۱۱. ۱۸– ۱۹:
انظر/ى: J.M. Robinson, “Jesus as Sophos and Sophia: Wisdom and Tradition in the Gospels,” وكذلك:E. Schuessler Fiorenza, “Wisdom Mythology and the Christological Hymns of the New Testament,” in R.L. Wilkin (ed.) Aspects of Wisdom in Judaism and Early Christianity (South Bend, Indiana: Notre Dame University Press, 1975), ff. 35.
)12) انظري المدخل الذي يتناول ’ابن الإنسان‘ في كتاب: An inclusive (Philadelphia: Westminster, 1983) Language Lectionary: Readings for Year A ، الذي أصدرته لجنة اللغة الجامعة (inclusive language) التي تتبع قطاع التعليم والخدمة في المجلس الوطني لكنائس المسيح في الولايات المتحدة الأمريكية.
(13) لوقا 1: 46-55.
(14) متی ۲۷: 56، مرقص 15: 40، لوقا ٢٣: 49. إن يوحنا هو الوحيد الذي يورد ذكرًا لأم يسوع على الصليب أو للتلميذ يوحنا، ولكنه يؤكد كذلك وجود مريم الجدلية هناك. ونجد متى يذكر في قصة القيامة أن الملاك أمر المرأتين بإعلان الحدث للتلاميذ. ويكتفى لوقا بذكر أن النساء قد أخبرن به التلاميذ ’الأحد عشر والآخرين جميعهم‘، في حين يذكر مرقص أنهن لم يخبرن أحدًا بما رأين. أما الحكاية التي يوردها يوحنا عن وجود ماريا المجدلية فهي أكثر الحكايات تفصيلاً، إذ يقول إنها في البدء أخبرت بطرس ويوحنا عن القبر الفارع، ثم تحدثت لاحقًا مع الرب المُقام الذي أمرها بأن تخبر الإخوة بما رأته: متی ۲۸: ۱-8، مرقص ۱6: ۱–۸، لوقا ٢٤: ۱–۹، يوحنا ۲۰: ۱–۱۸. وقد توسع الغنوصيون في الروايات الواردة في البشائر في وصف دور مريم المجدلية في قصة القيامة، جاعلين منها شخصية محورية في تفسير رسالة القيامة للرسل الذكور. ويشكل ذلك للغنوصيين تأكيدًا على مكانة النساء في الخدمة والتعليم الرسوليين.
انظر/ي بشارة مريم في كتاب:J. Robinson et al. Nag Hammadi Library in English (San Francisco, Harper & Row, 1977), pp.471-474.
(16) انظر/ی کتاب: E . Schillebeeckx, Jesus, an Experiment in Christology (New York: Seabury, 1979), pp.39-44.
(17) يوئیل ۲: 28-32 ، أعمال الرسل ۲: ۱۷–۲۱ .
(۱۸) انظر/ي مقالة: E. Schussler Fiorenza, “Word, Spirit and Power: Women in Early Christian Communities,” in Women of Spirit: Female Leadership in the Jewish and Christian Traditions (New York: Simon and Schuster,1979), pp.39-44.
(19) التقليد الرسولی ۱۱: 3-۱۳. ۷.
(20) ۱ کورنثوس ۷: ۲5-۳۱.
(۲۱) ۱ تيموثاوس ۳: ۱– 12.
(22) انظر/ی: D. R. MacDonald, The Legend and the Apostle: The Battle for Paul in Story and Canon (Philadelphia: Westminster, 1983) ، حيث يقدم المؤلف طرحًا بأن مولف 1 تيموثاوس هو مسيحي ينتمي إلى الجيل التالي من معتنقي المسيحية يجسد فهمًا أبويًا لتعاليم بولس وذلك بغية معارضة فهم بديل لبولس نجده متمثلاً في قصص التراث الشفاهي المتضمنة في أعمال بولس وثيلكا.
(۲3) كانت تهمة إهمال الأزواج توجه إلى النبيات المونتانيات، وهو ما يوحي بأنهن كن يعتنقن الفهم الذي تقدمه أعمال بولس وثيلكا ومؤداه أن النساء اللاتي آمنَّ بالمسيح يتجاوزن التزاماتهن الزوجية. وقد كانت النساء الغنوصيات كذلك يؤمنَّ بأن لولادة الروحية الثانية تتجاوز الزواج والإنجاب لتصل إلى مرتبة جديدة من الازدواجية الجنسية. وقد ساندت كل من هاتين المجموعتين تولى النساء مواقع قيادية، تبعًا لتراث المسيحية المبكرة الذي يعطي القيادة للرسول والأنبياء والمعلمين.
انظر/ي مقالة: Fiorenza, “Word, Spirit and Power”, p.42 ، وكذلك كتاب:E.pagels, The Gnostic Gospels (New York: Random House, 1979), pp.48-69.
(24) أضحت الصيغة الثابتة بين أنصار التنسك في القرن الرابع من أمثال القديس جيرومي والقديس أثاناسيوس هي تأكيد ثلاثة مستويات من النعم: ثلاثون ضعفًا من النعم للزواج، وستون للعفة أثناء الترمل، ومائة للعذرية، مما يؤكد أفضلية العفة على الزواج وكذلك بغية التمييز بين هؤلاء الناسكين والجماعات الأخرى التي تحرِّم الزواج تحريمًا تامًا على المعمَّدين.
انظر/ي: Athanasius, Ep. 48 and Jerome, Ep, 48.2
(25) S. Laeuchli, Power and Sexuality: The Emergence of Canon Law at the council of Elvira (Philadelphia, Temple University Press,1972). كان مجمع إلفيرا في عام 400 بعد الميلاد أول من فرض العفاف على رجال الدين، الأمر الذي يبرز ظهور العلاقة بين تبتل رجال الدين وتسلط فكرة السيطرة على جنسانية النساء.
(26) انظر/ى: R.R. Ruther, “Women in Utopian Movements,” in R. Radford Ruether and R. S. Keller, Women and Religion in America: The Nineteenth Century (New York: Harper & Row, 1981), pp. 46 -100.
(27) Eusebius, Oration on Constantine, 10.7.
(28) تظهر أقوى أشكال مراحل تطور الاتحاد بين اللاهوتين الصوفي والألفي جنبًا إلى جنب مع تأكيد المساواة بين الجنسين في لاهوت طائفة الشيكرز (Shakers) الأنجلو– أمريكية أو ما يسمى الجمعية المتحدة للظهور الثاني للمسيح The united society of Christ’s second appearing. انظر/ي على وجه الخصوص كتابهم المقدس المسمى دليل الظهور الثاني للمسيح:
The Testimony of Christ’s Second Appearing (United Society, 1856)
(29) لمزيد من المعلومات عن حزب المساواتيين أثناء حرب التطهير بين الأهلية، انظر/ى: W. Haller, Liberty and Reformation in the Puritan Revolution (New York, Columbia University Press, 1955), pp. 254-358 ، وانظر/ي كذلك: C. Hill, The World Turned Upside Down: radical ideas during the English Revolution (London: Temple Smith, 1972)
(30) يعد الفكر الألفى المتعلمن من المظاهر المعتادة في كتابات عصر التنوير.
انظر/ى على سبيل المثال: A.N. De Condorcet, Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind, trans. June Barraclough (London: Weidenfeld & Nicolson, 1955) .
(31) أعمال شهداء ليون وفيينا في كتاب:H. Musurillo, The Acts of the Christian Martyrs (Oxford, Clarendon, 1972), p.75