تحسين صحة الأمهات: السعى لتطبيق أفضل الممارسات

تحسين صحة الأمهات: السعى لتطبيق أفضل الممارسات

من غير المرجح أن يحدث انخفاض فى وفيات الأمهات برغم توفر التدخلات رخيصة التكلفة الفعالة التي تعتبر جزءاً من السياسة الرسمية. تستطلع هذه المقالة الأسباب القائمة على بحث فى مجال خدمات الولادة في بنجلاديش وروسيا وجنوب إفريقيا وأوغندا. يوضح نموذج الاستجابات الديناميكية البسيط أن مفتاح فهم تحديات التطبيق يكمن فى الاستجابات الانعكاسية والمعقدة والديناميكية لموظفى الصحة وأعضاء المجتمع تجاه السياسات والبرامج. وتعتبر هذه الاستجابات “ديناميكية” في ذلك حيث إنها تنشأ بسبب قوى من داخل النظام ومن خارجه ومن ثم تبذل قواها الخاصة. إن هذه الاستجابات تسفر عن تباين بين نظام الصحة المتصور في السياسة، وما يتم تطبيقه من قبل موظفى الصحة وما يعانيه المستفيدون. كما أن البرامج التى تهدف إلى تحسين صحة الأم ليست برامج فنية فحسب ولكن اجتماعية أيضًا ويجب أن توضع من هذا المنظور موضع التقدير والاهتمام، واستخدام الوسائل التي تم تطويرها لتقييم التدخلات الاجتماعية المعقدة والتى تهدف إلى إحداث التغيير. وقد تم عالمياً تعريف عناصر البرامج المؤثرة. إلا أنه فى سبيل الحصول على نتائج الأعمال، تتباين أهمية المقام. وبالتالي، يحتاج المستشارون الفنيون إعطاء “الاستشارة” على نحو أكثر إتقاناً، ويجب تدريب مديرى البرنامج المحلى على إجراء التعديلات المحسنة للبرنامج بشكل متواصل، ويجب توثيق التفاصيل الخاصة بالعملية، وليس مجرد المخرجات التقييمات.

*Improving Maternal Health: Getting What Works To Happen

 Loveday Penn-Kekana،a Barbara McPake، Justin Parkhurst، November 2007;15(30):28-37

الكلمات المفتاحية: خدمات الأمومة، الأنظمة الصحية، تدخلات التغيير الاجتماعي، الاستجابات الديناميكية، بنجلاديش، روسيا، جنوب إفريقيا، أوغندا. في السنوات الثلاث الماضية، كان هناك عدد من المنشورات المهمة حول صحة الأمهات، منها تقرير الصحة العالمى ۲۰۰5 ، وتقرير فريق العمل حول صحة الأطفال وصحة الأمهات عن “تغيير الأنظمة الصحية من أجل النساء والأطفال” ، وسلسلة مجلة لانست حول بقاء الأمهات. (1 – 7). وقد مثلت تلك المنشورات إسهامًا قيمًا ، حيث وفرت ملخصاً للتفكير الراهن الحالي بين الخبراء البارزين في هذا المجال حول اسئلة من نوع لماذا لم تحقق تقدماً فيما يتعلق بتقليل وفيات الأمهات وما الذي يجب القيام به لتغيير الوضع. في أحدث سلسلة صادرة عن مجلة لانست، ركزت إحد الإسهامات على “البدء بما نجح” (١، 7) ، بينما ركزت مساهمة أخرى على “الشروع في ترقية الرعاية المهنية الماهرة” (7). وتشدد هذه الإسهامات على ضرورة الاستثمار فى صحة الأمهات وعناصر حزمة رعاية الأمومة. على سبيل المثال، تقدم هذه الإسهامات دليلاً على أن الإستراتيجية المتمركزة على المراكز الصحية التي توفر الرعاية أثناء الوضع سوف يكون لها الأثر الأكبر على وفيات الأمهات، والحاجة لرفع كفاءة القوة العاملة في مجال رعاية الأمهات، وقد أشار كل من كامبل وجراهام إلى أن “الاستراتيجيات ستعمل إذا كانت مجموعات العناصر فعّالة، وإذا حققت الوسائل المستخدمة لتوزيعها تغطية كبيرة للمجموعة المستهدفة” (رسائل هامة، ص ١٢٨٤) في نهاية برنامج بحوث نظام الصحة الذي استغرق خمس سنوات في بنجلاديش وروسيا وجنوب إفريقيا وأوغندا، والذي مثلت خدمات صحة الأمهات البؤرة الأساسية له. خرجنا باستناج هام هو أن تلك الحجة تحتاج إلى أن تتغير رأساً على عقب، بدلاً من ذلك، هناك حاجة لمزيد من التركيز على مبدأ أن الاستراتيجيات لن تعمل إذا لم يتم الحفاظ على فعالية عناصر الحزمة المقدمة، وإذا لم تحقق الوسائل المستخدمة لتوزيعها تغطية عالية للمجموعة المستهدفة. ففي صحة الأمهات، هناك مجموعة من التدخلات المؤثرة الواضحة التي من شأنها تخفيض معدل وفيات الأمهات. والعديد من تلك التدخلات جزء من السياسة الرسمية، تقريباً في كل الأماكن التى تحتاج لوجودها ، ولكن فى الممارسة هناك إقرار – وبشكل أكبر فى البلدان ذات الدخول القليلة أكثر من الدول ذات الدخول المرتفعة – بأن التدخلات المقصودة لا تقدم بشكل فعال فى المواقع التي تحتاجها. ومن ثم فإن مجرد تنقيح حزمة التدخلات لتحقيق أفضل مزيج من التدخلات الفعالة لا يعالج هذه المشكلة. أحد العوامل التى غالباً ما تساهم في عدم تقديم التدخلات المخطط لها بشكل فعال هو الإخفاق في استثمار موارد كافية. وهو ما يعنى ضمنياً أن المدخلات لن تكون متوافرة مادياً. أن قلة أعداد المشرفين المهرة على الولادة، كما أبرزها كوبلينسكي (7) تقدم مثالاً على هذا الفشل، والذى من الواضح أنه واسع النطاق. وبناء عليه فإن الدعوة للمزيد من الموارد دعوة مناسبة. وقد يتم توزيع المدخلات بشكل سيئ، الفرد أو الجماعة المقرر لهم الحصول على التدخل، الموظف الصحى المؤهل لتنفيذ التدخل والأدوات واللوازم المطلوبة، حيث أن جميع هذه الأشياء مطلوب توافرها في المكان والزمان نفسيهما وذلك لتقديم التدخل المحتمل بشكل فعال. وقد لا تتواجد الثلاث في آن واحد بسبب إخفاق في أنظمة النقل والإمداد وفرص التدريب غير الكافية وسوء استراتيجيات تقديم الخدمات المقررة والعوامل الأخرى القادرة على الحل التقنى. ومرة أخرى تعتبر المشورة بهذه الأمور من الخبراء الفنيين من الأشياء الخاصة المفيدة. بيد أنه توجد العديد من الأمثلة المتكررة للفشل في الحفاظ على فعالية الاستراتيجيات أو تقديمها للمجموعات المقصودة برغم توافر المدخلات والموظفين المدربين تدريباً مناسباً فى المكان والزمان المناسبين، وفى بعض هذه الحالات. وبينما تعتبر المدخلات والموظفون من المشاكل الصعبة، إلا أن هناك عوامل أخرى ساهمت فى تقويض التدخلات وجعلها غير فعالة. وتركز هذه الورقة على هذه القيود التي تعترض بقاء الأمهات على قيد الحياة إثر النفاس.

يعد برنامج تطوير الأنظمة الصحية من الأقسام التابعة لبرنامج المعرفة التابع لإدارة التنمية الدولية البريطانية، الذى استمر منذ عام ۲۰۰۱ حتى ٢٠٠٦. وقد تم تنفيذ أغلبية العمل في هذا البرنامج في بنجلاديش وروسيا وجنوب إفريقيا وأوغندا: وتوفر هذه المجموعة المختارة من البلدان إمكانية مقارنة الدول ذات الدخل المتوسط التى تعيش مرحلة انتقالية، والتي يعود السبب الرئيسى لفشل أنظمتها إالى عدم المساواة، مع الدول منخفضة الدخل، والتى تتوزع مشاكل أنظمتها الصحية بشكل أكثر اتساقاً. وتعتبر مشاكل كلا النظامين مهمة للغاية للتصدى لمسألة إبقاء الأمهات على قيد الحياة إثر الولادة على المستوى العالمي: ولكنها قد تظهر خصائص منهجية مختلفة إلى حد ما. وقد ركز البرنامج على مجموعة من الظروف والخدمات الصحية “كإجراءات” يمكنها أن تعطى رؤية متبصرة في تشغيل الأنظمة الصحية. وتعتمد خدمات صحة الأمهات على نظام صحى عامل فى مجموعة مستويات مختلفة، كما تتطلب هذه الخدمات بشكل خاص أن يعمل النظام بكفاءة في الأطراف في حالات الطوارئ.

في بداية البرنامج، تم إجراء تحليل لحالة خدمات صحة الأمهات فى الدول الأربع المذكورة، واشتمل هذا التحليل على مراجعة المواد المنشورة وغير المنشورة ومقابلة العناصر الفعّالة الرئيسية وتحليل البيانات الفرعية المتاحة. ثم قام برنامج البحث بتنفيذ مجموعة من المشروعات باستكشاف القضايا الرئيسية التي نشأت عن تحليل الحالة. ففى بنجلاديش وأوغندا – حيث يعتبر استخدام الخدمات هو القضية الرئيسية – كان هذا هو تركيز الدراسات التي جاءت بعد ذلك. أما في روسيا، فقد تم بحث العوامل التى تفسر التغيرات في أرض الواقع والنتائج فى المؤسسات، وسبب عدم اتباع أو تطبيق الممارسين للمعرفة الاكلينيكية المستندة إلى الأدلة. أما في جنوب إفريقيا – حيث تم تحديد تدنى ممارسات مقدمي الخدمة باعتبارها العامل الرئيسي الذي يسهم فى وفيات الأمهات – فقد كان التركيز الرئيسى على عوامل المؤثرة على عمل القابلات في أقسام الولادة بالمستشفيات، وأيضًا تلك العوامل المؤثرة على مستويات الموظفين وحركة تغيرهم وتحفيزهم. التفاصيل الكاملة بخصوص جميع هذه المشروعات البحثية والإصدارات متاحة على www.hsd.Ishtm.ac.uk/links/index.htm

قرب نهاية البرنامج، تم تطوير إطار مفاهيمي (شكل ۱) انطلاقًا من التأملات المشتركة حول العمل في مجال صحة الأمهات التي تمت في جميع أنحاء الدول الأربع وأيضًا الإجراءات الأخرى. فى هذا النموذج يعتبر السياق وأيضًا العاملون فى مجال الرعاية الصحية وردود فعل المرضى والمجتمع مؤثرة على أسلوب عمل الأنظمة الصحية، ونجاح أو عدم نجاح السياسات والبرامج الجديدة التي تحاول تحسين خدمات صحة الأمهات في تلك البيئة.

ويؤكد الإطار على ما يلى:

۱) عمليات اتخاذ القرار أكثر تعقيداً ، أي ليست مجرد علاقة بسيطة بين السبب والأثر: بل سلسلة من العوامل تعمل على مدى طويل إلى حد ما، مما يتسبب في تفاعلات عديدة،

۲) الطبيعة الاجتماعية لعمل الأنظمة الصحية، أى أهمية التفاعل بين العناصر البشرية. ويقر هذا المنهج بأن العاملين في الرعاية الصحية عبارة عن مجموعة بشرية معقدة، يتم تحفيزهم بموجب مجموعة مختلفة من الدوافع المالية وغير المالية، متغلغلة في أنساق قيمية ثقافية ومهنية. إنهم ليسوا أناساً آليين يقومون بتنفيذ ما يملى عليهم بدون تفكير: كما أنهم ليسوا ملائكة يفكرون فقط فيما فيه خير لمرضاهم. وبالمثل، ليس المرضى أو المجتمع الذي يعمل فيه هؤلاء الموظفين مجرد عقول فارغة تنتظر “التعليم” أو إزالة العوائق المالية والمادية، ولكنهم مشاركون فعالون في سلسلة من العمليات التي تسفر أو لا تسفر عن مشاركة فعّالة. “من الصعب غالبًا تقدير حجم سلوك الأفراد الذي يتسم بالفوضى(9).

في هذا النموذج، تعتبر ردود أفعال العاملين في الرعاية الصحية وأفراد المجتمع بمثابة همزة الوصل بين الترتيبات الرسمية ( النظام القانوني، ما الذي يجب القيام به) والنظام الواقعى (ما يحدث بالفعل في المرافق الصحية ويعيشه من يستخدمون الخدمات الصحية). تصنف هذه الاستجابات بأنها “ديناميكية” بمعنى أنها تنشأ بسبب قوى من داخل النظام ومن خارجه، لكنها بالتالي تطرح هى أيضًا تأثيرها الخاص. وبينما تقدم الترتيبات الرسمية نقطة البدء للتدخلات، إلا أن قدرة الناس على الوصول إلى خدمات تلبى احتياجاتهم، تعتمد بصفة أساسية على كيفية استجابة موظفى ومديرى الرعاية الصحية المسئولين عن تطبيق النظام القانوني وبناء عليه، فإن العلاقات الموجودة على أرض الواقع في أهمية مجموعة المدخلات، ويجب معالجتها طبقاً لذلك. فالسياسة، وكيف يتم تطبيقها ، ولماذا ؟ جميعها أمور على القدر نفسه من الأهمية وتستحق النظر والتقييم. إن تطوير البرامج والسياسة التى تحسن النتائج للمستخدمين يتطلب اشتباكاً مباشراً مع السياقات، ومع كيفية تفاعل الهياكل التنظيمية الرسمية والحوافز المقصودة والإجراءات الإدارية، مع الهياكل غير الرسمية والسلوكيات والعلاقات على أرض الواقع.

تعتبر السمة الخطيرة فى النموذج هو أنه لا يعقد صلة مباشرة بين النظام القانونى والنظام الواقعي، وبناء عليه فليس هناك صلة ضرورية بين توفير المدخلات وبين تنظيمها وإدارتها بشكل قانوني، والنتائج التي تنشأ عنها. النظام الصحى الوحيد الذي قد يعاني منه مستخدموه هو ذلك النظام الذى ينشأ عن التفاعلات البشرية المتعددة.

الشكل 1

نموذج الاستجابات الديناميكية

 

إننا نستعين بأمثلة من عملنا لشرح ما نحاول إقامة الحجة عليه فى هذا النموذج. فقد استعنا بعملنا الخاص بشكل جزئى وذلك لأننا أكثر إلمامًا به، ولكن أيضًا لأن الأمور التي حددناها ليست مقصورة على البحث الخاص بنا، وقد كرسنا عملنا لاستكشاف هذه الديناميكيات. وقد أشارت دراسات أخرى العلاقات والهياكل والسلوكيات غير الرسمية، ولكن نادرًا ما ما تم التركيز على كيف تتفاعل مع بعضها البعض ومع العوامل الأخرى، وكيف تؤثر على السياسات أو الاستراتجيات.

جنوب إفريقيا

انتهى تحليل حالة الخدمات الصحية للأمهات في جنوب إفريقيا إلى أن أداء جنوب إفريقيا سئ للغاية مع العلم بأنها من الدول متوسطة الدخل التي تتمتع ببنية تحتية صحية هائلة، ، وتوفر العاملين، والإجهاض القانوني، ورعاية صحية مجانية للنساء الحوامل ومستويات عالية من الاستفادة من خدمات الولادة (۹۲% في المسح الديموجرافى والصحى لعام ۱۹۹۳). وتضمنت العوامل التوضيحية الرئيسية مستويات عالية من عدم المساواة وتأثير فيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز، والمشاكل المتعلقة بعمل مقدمى الخدمة وتحفيزهم. وقد تم إجراء دراستين استطلعتا المزيد من القضايا المتعلقة بمقدمي الخدمة.

دراسة إثنوجرافية لمستشفيين

تم إجراء هذه الدراسة في مستشفيين إقليميين، أحداهما مدينى والآخر ريفى. استهدف المشروع استكشاف العوامل التى تؤثر على عمل مقدمي الخدمة باعتباره عنصر رئيسى فى حالات وفيات الأمهات ( 10). وقد اكتشفت الدراسة فجوة كبيرة بين العمل المنصوص عليه في وثائق السياسة القومية ( النظام القانوني) وما يحدث فى الواقع في رعاية المريضات في أقسام الولادة (النظام الواقعي). فالقابلات في مثقلات بالأعباء في المراتب الدينا من نظام هرمى، يناضلن لتطبيق مجموعة هائلة من السياسات الجديدة، والتي لم يكن معظمها يمت بصلة مباشرة لصحة الأمهات. وفى مواجهة هذه المطالب الهائلة، أعطين الأولوية للسياسات التي يرين أن مديريهن يهتمون بها أو السياسات التي يعاقبن على عدم تنفيذهن لها، أو السياسات التي يسهل تطبيقها. فقد طبقن أوجه السياسات الجديدة التي تتسم بالسهولة – مثل تعليق ملصقات حول المبادئ التوجيهية لعلاج الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات، ولكن لم يتم تنفيذ سوى القليل لدعم تلك المبادئ التوجيهية خلاف ذلك. كما تم تجاهل التغيرات الأكثر تعقيداً أو الأكثر صعوبة، خاصة إذا كانت تؤثر على ثقافة المرفق الصحي أو تتعارض مع ديناميكيات القوى الموجودة. ونادراً ما يتم شرح الغرض من السياسات أو مناقشتها مع الموظفين، ولكن يتم تقديمها مع قائمة من المهام المطلوب تنفيذها.

وكان هذا ملحوظاً مع مجموعة من السياسات التي تحاول تمكين المريضات وتحسين العلاقات بينهن وبين مقدمي الخدمة. يتعين على الممرضات تعليق بطاقات تحمل أسماءهن، ويتم معاقبتهن من قبل المديرين إذا لم يقمن بذلك، ولكن لم يكن واضحاً لهن أن هذا يحسن العلاقات مع المريضات (أو أن هذ مسألة يعتبرها هؤلاء المديرين أنفسهم أمراً مهماً). أثناء الدراسة، لاحظ الباحث إحدى الممرضات تسخر من المريضات لعدم قدرتهن على قراءة بطاقة الاسم، وفى العديد من التفاعلات الملحوظة، لاحظ الباحث أيضًا أن المريضات لا يستخدمن أسماء الممرضات أو لا يتذكرنها عندما يريدن أن يقدمن شكوى فى ممرضة ما. وكانت صناديق الاقتراحات معلقة على الحوائط فى كل من المستشفيين. ففى أحد المستشفيات لم ترد أي أخطاء، أما في مستشفى آخر كان يُطلب من المريضات بشكل منتظم كتابة الأخطاء كجزء من عملية تسريح الموظفين. وتتم الاستعانة بتعليقات المريضات على الأخطاء لكتابة التقارير الشهرية التى يتم تقديمها لإدارة المستشفى والحكومة المحلية، ولكن لم يتم معالجة محتوى الشكاوي فما يعتبر مهماً وما تم تقييمه كجزء من عمل مدير القسم بالمستشفى هو كتابة تلك التقارير.

وهناك مثال آخر واضح حيث يكون للعلاقات غير الرسمية أثر على الخدمات الفعلية التي يتم تقديمها بخصوص التدريب. كان هناك تدريب حقًا، ولكن كان هناك أيضًا صراع حول من يتلقى التدريب سواء داخل الأقسام أو بين الإدارة والنقابات، وهو ما يعني أن التدريب لم يكن دائماً له تغذية مرتدة لبقية القسم، كما أن بعض الأفراد غير المناسبين حصلوا على التدريب ليتيقنوا من “العدالة” (١١).

أما فيما يتعلق باستجابات المريضات والمجتمع، وجدت الدراسة الإنتوجرافية أن المريضات كن يتخذن قراراتهن بشأن المستشفى التى يريدن الولادة بها، بشكل يتعارض مع ما يتصوره مخططو الصحة. على سبيل المثال تفضل النساء السود والبيض الولادة في المستشفيات التي كانت تخص البيض فقط فيما سبق، وذلك لأنهن يرين أن جودة الرعاية تكون أفضل هناك. وحدث ذلك على الرغم من أن هذه المستشفيات كانت بعيدة عن الأماكن التى يعشن فيها، كما أن تلك المستشفيات مستواها متدن بالإضافة إلى عدم إتاحة عمليات الولادات القيصرية في الغالب.

أجريت دراسة ثانية فى ثلاثة من أفقر المناطق في جنوب إفريقيا. وتم إرسال استبيان بالفاكس لمستشفيات القطاع العام التى تقدم خدمات التوليد في المناطق الثلاثة. وقد تمت زيارات ميدانية لعدد ١٥ مستشفى و ٢٧ عيادة تم اختيارها من خلال تجميع عينات متعددة المراحل. وكان للدراسة أربعة عناصر: أداة لقياس حركة تغير العمالة والغياب ومعدلات الإجازات ومعدلات الوظائف الشاغرة وعبء العمل، مسح حول تحمس العاملين، وتجربة اختيار متميزة، وقسم كيفى يستكشف رؤى مديرى التمريض لتحديات التعامل مع والحفاظ على العاملين فى أقسام الولادة وجدت الدراسة أن طاقم التمريض يفتقد للحماس أو الدافع للعمل وأن ما يزيد على النصف يفكرن في ترك العمل. كما أن الأجور الضعيفة واحتمالات الترقية الضئيلة والشعور بعدم الدعم من جانب الإدارة والعلاقات السيئة مع الزملاء ترتبط جميعها بعدم الالتزام التنظيمى. كما وجد الاختيار المتميز للتجربة أن العوامل المالية وغير المالية تؤثر على قرارات الممرضات بشأن عملهن. كما أن الإدارة الجيدة والمستشفى المجهز تجهيزاً جيداً لهما تأثير على قرارات الممرضات بخصوص مكان العمل كتأثير علاوة في الأجر بنسبة ١٥%.

كشف القسم الكيفى من البحث عن العديد من السياسات التى لا تعمل وفق المخطط. على سبيل المثال قامت حكومة جنوب إفريقيا بتقديم بدل عمل في المناطق الريفية لإعادة الممرضات إلى تلك المناطق: إلا أن هذا البدل لم تحصل عليه إلا الممرضات المحترفات فقط. أما الممرضات من الدرجات الدنيا فلم يحصلن على شيء منه، مما نتج عنه حدوث توتر شديد في مستشفيات الولادة. ولا يقتصر ظهور أثر الإصلاح فقط على أن الممرضات اللاتى لم يحصلن على البدل لم يكن لديهن دافع للعمل: ولكن أيضًا فى التسبب في “احباط مضاعف” (12) بين الممرضات اللاتى حصلن على البدل المذكور، اللاتي شعرن بالذنب أو بالخجل أو التخلف لأن زميلاتهن لم يحصلن على البدل المذكور، وحاولن محاولات مضنية مع العاملين الذين يرأسونهم والذين قالوا: “حيث أنكن تحصلن على البدل فلتقمن بالعمل إذن”.

ومن النتائج الرئيسية الأخرى معاناة مديرى المستشفيات والأقسام من الأدوار الموكلة إليهم، فالعديد منهم كانوا “قائمين بعمل المدير”، مما يجعلهم يشعرون بأنهم يتحملون مسئولية دون أن يكون لهذه المسئولية مقابل أو مكافأة. وقد عبر العديد منهم عن اعتقاده في أن عمليات التعيين ليست نزيهة. “إنهم يمنحون الوظيفة لأى شخص، وعادة ما يكون صديق شخص ما، ولا يهم إذا كان هؤلاء الأشخاص لا يعرفون أى شيء عن الإدارة”.

ففي بعض المرافق الصحية كان هناك معدل تغيير عال في العاملين على مستوى الإدارة، وفى بعض المرافق الصحية كانت الإدارة تعمها حالة من الفوضى. على سبيل المثال، في إحد المرافق الصحية، قام ثلاثة أفراد بتقديم أنفسهم على قائمون القائم بأعمال المدير. وفى بعض المستشفيات الأخرى، انشغلت الإدارة والموظفون بالصراع على بعض القضايا الخاصة التي أثرت على أوجه العمل ككل فى المستشفى، بما في ذلك على رفض الموظفين تطبيق العديد من السياسات وأوجه الرعاية بالمرضى كتحد للرئيس التنفيذي (١٣). وفي ظل هذه الظروف، من الصعب تصور عدم تشوه التدخل الذي يهدف إلى تحسين أوجه صحة الأمهات.

روسيا

كشف تحليل الحالة فى روسيا أنه على الرغم من البنية التحتية الهائلة التي تستخدمها النساء على نطاق واسع، فإن النظام لم يفلح في تحقيق النتائج الصحية. أحد تفسيرات ذلك هو أن المجموعات المهمشة، هؤلاء الذين يعتبرون فى أمس الحاجة للرعاية الصحية، يواجهون عوائق منهجية تحول دون وصول الرعاية لهم وقد لا تلبى الخدمات احتياجاتهم.(14، 15) ومن النتائج الرئيسية الأخرى التنوع الواسع في الممارسات في وحدات الولادة وأيضًا الخروج على الممارسة الدولية المعترف بها المستندة على الدليل. على سبيل المثال، مكثت العديد من النساء لفترات طويلة فى المستشفى رغم تصنيف حملهن بأنه “حمل غير طبيعي”.

التباين فى ممارسة عمل مقدمي الخدمة 

تم اختيار منطقة تولا للدراسة بسبب توافر قاعدة البيانات التى تم إعدادها لجمع البيانات الموسعة في نتائج الحمل والولادة فى المنطقة (١٥). وقد شملت الدراسة تحليل البيانات الفرعية ومقابلات متعمقة مع واضعى السياسات والممارسين ومديرى المرفق وأيضًا مراجعة الوثائق المتعلقة بالسياسة.

انخفض معدل المواليد فى تولا، كبقية أنحاء روسيا، إلى النصف بين عام ۱۹۸۷ وعام ۱۹۹۹. إلا أن النظام القانونى لم يستجب لذلك؛ حيث لم يتم تعديل أى من مستويات السعة السريرية أو الحوافز للحفاظ على السعة، التي ربطت التمويل بعدد الأسرة. وكانت النتيجة في النظام الواقعى هى زيادة عدد النساء اللاتي يدخلن المستشفيات لأسباب واهية مثل “منع سقوط الجنين”. ففي بعض المرافق الصحية، تم إدخال كل الأمهات الحوامل إلى المستشفيات لهذا السبب، عادة لمدة ٢٨ يوماً. كما أن نسبة الأسرة المستخدمة لمثل هذه الحالات قبل الولادية مقارنةً بتلك المستخدمة في الولادة قد ارتفعت من 21% إلى ٤٥% لجميع أسرة رعاية الأمهات بين عامی ۱۹۸5 و ۲۰۰۱.

أجريت المزيد من التغييرات بشكل غير رسمى على المستوى المحلى بهدف إبقاء المناصب الحالية غير الضرورية بدون إشغال واستخدام فائض الميزانية الناتج عن ذلك في دفع أجور أكبر لآخرين أو لبعض الوظائف الضرورية في الإدارة والرعاية المتخصصة مثل التخدير والتي لم تكن مدرجة في الميزانية.

كما وجدت الدراسة أن النظام القانوني محكم التنظيم ينص على قائمة طويلة من الإجراءات. في حالات كثيرة، لم تكن البروتوكولات الإلزامية تعكس المؤشرات المقررة دولياً بناء على الأدلة. وقد تضمنت تلك البروتوكولات الحقن الشرجية الدورية والحلاقة والاستلقاء على الظهر أثناء الولادة، والإشراف الدورى على الجنين. إلا أن قلة من أولئك اللاتي أجريت مقابلات معهن استطعن تذكر هذه البنود: لقد كانوا أكثر إلماماً بالقرارات القديمة للاتحاد السوفيتى التى تصف الهيكل المطلوب لخدمات صحة الأمهات. الممارسات التوليدية الدورية لم تكن ملمة بالأدلة الدولية وتضمنت وصفًا روتينياً للفيتامينات المتعددة وللقيود الغذائية الصارمة، على سبيل المثال، الفاكهة والخضراوات الحمراء.

كما وجد أن تطبيق بعض الإجراءات يرتبط بسمات المريضات دون أن يكون لذلك علاقة واضحة بالحاجة للإجراء. على سبيل المثال، كان من المرجح عمل بذل للسائل الأمنيوسى (المحيط بالجنين) للنساء الأصغر سنًا.

وكشفت الدراسة عن مقاومة التغيير الرسمى في النظام محل البحث، ظهرت واضحة في عدم الاستجابة لانخفاض معدلات المواليد، إلا أنه من جانب آخر كانت هناك استجابة غير رسمية تمثلت في مرونة استخدام الموارد: بحيث يتم استخدام بعض الموارد المخصصة لموظفى صحة الأمهات فى تمويل الأغراض ذات الأولوية. بعض الاستجابات غير الرسمية مثل هذه، تعمل على تعويض ضعف السياسة الرسمية، بينما تعمل استجابات أخرى على زيادة ضعف هذه السياسات. وقد اقترح بأن السياسة الفعالة يجب أن تبدأ بإدراك قدرة على النظام للاستجابة غير الرسمية.

بنجلاديش وأوغندا

في بنجلاديش وأوغندا ، ظهرت قضيتان رئيسيتان في تحليلات الوضع: أولاً ، تحديد المستويات المنخفضة من الاستفادة من خدمات التوليد المتاحة باعتبارها عقبة كبرى أمام التقدم في بقاء الأمهات، وثانياً، تأثير الإصلاحات الشاملة للقطاع الصحي على خدمات الولادة. برز هذان العاملان فى تحليل الوضع في كلا البلدين. وقد تم إجراء مشروعين بحثيين مشتركين على العوامل المؤثرة على استخدام الخدمات، وعلى تأثير إصلاحات القطاع الصحى على العاملين في الرعاية الصحية؛ لاستكشاف هاتين القضيتين بشكل أكبر.

لقد كانت الدراسة الأولى دراسة كيفية، فبدلاً من استكشاف أسباب عدم الاستفادة من خدمات التوليد، ركزت الدراسة على النساء اللاتى قمن بالفعل بالولادة فى المرافق الصحية، والدوافع وراء ذلك وكيف استطعن مع أسرهن تخطى العقبات التي تحول دون حصولهن على الرعاية التوليدية الموثقة جيداً في كلتا الدولتين. وقد تم إجراء الدراسة فى مناطق ريفية في كل من بنجلاديش وأوغندا. فى كل دولة، تم إجراء مقابلات مع۳۰ امرأة من النساء اللاتى وضعن مؤخرًا في المرافق الصحية.

ففى أوغندا، قررت ۲۸ امرأة، من إجمالي ۳۰ امرأة ممن أجريت معهن مقابلة شخصية، أن يلدن في المرفق الصحى، وكان الدافع الرئيسي الذي ذكرنه هو الخوف من المضاعفات المحتملة قبل الولادة وأثنائها. فعلى سبيل المثال، قالت إحدى النساء: “من الأفضل الوضع في مركز طبي لأن المرأة تستطيع الحصول على الرعاية المهنية الفورية خاصة، فى حالة حدوث أى مضاعفات.” (16)

وذكر الأزواج أنهم قد بدأوا الادخار منذ بداية الحمل وذلك لدفع تكلفة الانتقال؛ فرعاية الولادة مجانية في حد ذاتها، والمصاريف غير الرسمية كانت زهيدة إلى حد ما. كما ذكرت النساء أيضًا أن معظم النساء في وسطهن الاجتماعى يعتقدن أنه من الصحيح الولادة في المرافق الصحية. وكان هذا مدهشاً في منطقة لا تزيد فيها نسبة الولادة فى المرافق الصحية على 39% من إجمالي حالات الولادة. وقد يكون هذا نموذجًا مجمعاً لسلوك السعى عن الرعاية الصحية، الذي يكون فيه اتصال مجموعات من النساء من خلال شبكة اجتماعية لها معدلات استخدام أعلى للمرافق الصحية، ويوحى بوجود مجموعة من الاستجابات الديناميكية بين مستخدمى الخدمة في الشبكة.

إلا أن هناك تفسيراً بديلاً – وإن كان من الوارد أن تكون انحيازات المستجيبات هي السبب – ألا وهو إحساس المستجيبات أن هذه هى الإجابة “الصحيحة” التي يجب أن يقلنها عندما يسألن عن ممارسات صديقاتهن.

أما في بنجلاديش، فكان الوضع مختلفًا. حاولت اثنتان وعشرون امرأة من الثلاثين أولاً الوضع في المنزل معتقدات بأن هذه هي الطريقة الصحيحة، ولم يحاولن البحث عن المساعدة في العيادات والمستشفيات إلا بعدما لم تتم عملية الوضع بالطريقة الصحيحة، من بين النساء اللاتى خططن للوضع فى المستشفى، كانت اثنتان منهما قد فقدتا وليديهما سابقًا في ولادات منزلية، بينما فقدت واحدة أختها حيث توفيت أثناء الولادة. ومن ثم نرى أن معظم النساء حتى اللاتى ولدن في المستشفى لم يعتبرن هذا الإجراء كقاعدة يجب انتهاجها.

ذكرت النساء في أوغندا أنهن وأزواجهن هم المسئولون عن اتخاذ القرار، أما في بنجلاديش فإن مجموعة واسعة من الأفراد تتدخل في اتخاذ القرار، من بينهم أفراد الأسرة الممتدة وأفراد من المجتمع ومجموعة من مقدمي الرعاية الصحية التقليدية، مثل الروحانيين والمعالجين بالأعشاب والمولدات التقليديات وأطباء القرى المحليين وغير المؤهلين. وقد لعب بعض أفراد المجتمع مثل رجال الشرطة والمعلمين والممارسين الطبيين غير المدربين الذين يلعبون دوراً مهماً في إقناع النساء وأسرهن بأن هناك حاجة للولادة في المرافق الصحية، وتيسير الحصول على تلك الخدمة (١٦)

وبينما كانت النساء في أوغندا سعيدات بصفة عامة بالرعاية التى حصلن عليها، شعرت العديد من النساء في بنجلاديش بالارتياب بخصوص الولادة القيصرية. وقالت بعض النساء أن الولادة القيصرية يتم اللجوء إليها حتى عند عدم وصفها طبيًا، ورجحن أن الدوافع المالية كانت وراء النصائح المقدمة من كل من الأطباء والقابلات (15، 17، 18)

في أوغندا، تضمنت الاستراتيجيات الحالية لتحسين نتائج بقاء الأمهات نظاماً صحياً جديداً في المناطق الفرعية، يهدف إلى تقديم الرعاية التوليدية الطارئة بالقرب من المنازل. وفى بنجلاديش، تم تجهيز شبكة الرعاية الصحية الأساسية بالطاقة اللازمة لتقديم الرعاية التوليدية الطارئة. تشير النتائج من جديد إلى أن هذه الاستراتيجيات تتوسط فيها مجموعة معقدة من الاستجابات الديناميكية للخدمات المتاحة، تعمل في هذه الحالة على نحو كبير داخل المجتمعات وبين المريضات ومجتمعاتهن. وتتمتع الاستراتيجيات المقدمة بهذا الفهم بفرصة أفضل للنجاح. فعلى سبيل المثال، اقترح في بنجلاديش وضع مجموعة مرنة من المعايير التي تلفت نظر النساء إلى الحاجة للولادة في المرافق الصحية قد تسهل حصولهن على الرعاية الصحية، رغم العرف السائد، أى الولادة في المنزل.

تكمن الأولوية الأولى فى الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة فى ابتكار استراتيجيات أفضل لتطبيق تدخلات فعّالة. لكن أكثر الأدلة بشأن فعالية التدخلات لا تدعم هذه الأولوية. إن النموذج المفاهيمي البسيط الذي اقترحناه يسعى لوضع التأكيد الاستراتيجي على الإدارة الفعالة لعملية التطبيق بدلاً من ابتكار وتنقيح محتوى التدخل.

تدفع برامج التدخل إلى سلسلة من الاستجابات الديناميكية التى تتفاعل بطريقة تتسم بالتعقيد(19). أحد الآثار المترتبة على ذلك هى أن بعض التفاصيل، التي قد تبدو تافهة، من الممكن أن يتضاعف تأثيرها من خلال سلسلة من ردود الأفعال. وبالمثل، فإن تأثير عنصر الإصلاح أو السياسة الذي قد يبدو مهمًا يمكن أن يتم تثبيطه من خلال الاستجابات الديناميكية. ونتيجة لذلك، يصبح التنبؤ بأثر التدخل فنًا أكثر من كونه علمًا ويعتمد على إدراك أنماط الاستجابة المعهودة والإعداد لاحتمالات حدوثها.

ماذا يعنى ذلك إن أردنا أن يعمل عندنا ما نجح في أماكن أخرى؟ معناه أن الاستراتيجيات التي تم تقييمها بأنها فعالة فى أى مكان آخر ما هي إلا بداية وليست نهاية. وغالباً ما يلاحظ أن “المسألة تتعلق بالتفاصيل”؛ التفاصيل هى ما تحتاج دراسات خدمات الولادة للتركيز عليه، لكى يمكن استنتاج الأنماط وتصمم الإستراتيجية بحيث تراعى الاستجابات التي تمت ملاحظتها في

تستخدم القابلات القرويات فى سيراليون هذا الصندوق لتسجيل المواليد، يضعن حصاة فى الثقب المناسب، الرموز التي تظهر على غطاء الصندوق من اليسار إلى اليمين تشير إلى: مولود حى، حبل ملفوف حول الطفل، الطفل قد مات، وزن الطفل ضئيل عند ميلاده، الأم تعانى من مضاعفات ونقلت إلى المستشفى.

الدراسات الأخرى. كما أن الأهمية البالغة لهذه العوامل في علاقتها بالمخرجات لم تنعكس بشكل كاف في النصائح السياسية المقدمة حالياً، أو لم يتم منحها الاهتمام الذى تستحقه فى التقارير والمنشورات الرسمية.

على سبيل المثال، قد يحدد البرنامج باعتباره “تدريب القابلات” أو التوسع فى أعداد المشرفين المهرة على الولادة”، ولكنه سوف يتضمن الكثير من المكونات التفصيلية – إستراتيجية التوظيف، وإستراتيجية تقديم المشورة، ومنهج تدريبي، ومجموعة المدربين والمتدربين، ونظام للحوافز، وفريق إدارى، ونظام معلومات، وغيرها – التي يجب تحليلها وتعريفها ومراقبتها. مثل هذه التفاصيل لا يمكن أن تنقل عن برامج أخرى موجودة لإنه لا يمكن عمل نسخ من الأفراد المنخرطين في العمل، كما أن المنطقة الجغرافية وتوزيع السكان ليسا متشابهين. وهذا لأن السياق هو المهم. ولأن الاستجابات الديناميكية التي تحدد الأثر النهائى للبرنامج تتشكل من خلال العوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تختلف اختلافاً تاماً حسب المكان والزمان. فالتفرقة العنصرية السابقة فى جنوب إفريقيا كانت تلعب دوراً يفسر العديد من المشاكل التى تواجه الممرضات هناك (٢٠). كما أن التوترات السياسية فى الماضى السياسي والتسوية التي تم التوصل إليها للمساعدة على حلها في أوغندا شديدة الأهمية في فهم كيف تعمل الخدمات الصحية للولادة. كما أن وفرة الأطباء وأوضاعهم المتردية نسبيًا والمواقف السائدة تجاه الناس من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، تساعد على شرح نجاح أو فشل التطبيق في روسيا. كما أن المعايير الدينية والاجتماعية في بنجلاديش التى تتعلق بدور النساء تؤثر بوضوح على التطبيق.

ويقتضى نموذج الاستجابة الديناميكية طريقة مختلفة لتقييم أثر مخرجات التدخلات الصحية التوليدية وشرح ما يعمل منها وما لا يعمل. البرامج والسياسات التي تهدف إلى تحسين كيفية توصيل الرعاية الصحية التوليدية هي تدخلات اجتماعية، وليست مجرد تدخلات فنية فحسب. ومن ثم، فبدلاً من محاولة تكرار مناهج دراسات الفعالية التي عملت بشكل جيد في العلوم الإكلينيكية، هناك حاجة لتطوير أساليب التقييم التي تسمح بالتعلم، وظهور الأنماط، وفى الوقت نفسه تقر أيضًا بدور الاستجابات الانعكاسية الديناميكية المعقدة للعاملين والمجتمع تجاه السياسات والبرامج.

يوجد بالفعل تراث عظيم حول كيفية تقييم التدخلات الاجتماعية المعقدة التى تبنى على هذا المفهوم، إلا أنه لم يتم تطبيق سوى القليل على برامج إبقاء الأمهات على قيد الحياة في الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة. على سبيل المثال، منذ عام ۱۹۹۲ يقوم معهد أسبين في واشنطن بتطوير أساليب للتدخل المجتمعى وتقييمه. ويؤكد المعهد فى منشوراته الحاجة إلى “نظرية للتغيير” تقود تصميم التدخلات وإستراتيجية التطبيق والتقييم.

وقد خرجت نظرية التغيير هذه من لقاء تشاوري ضم الأطراف المعنية والمقيمين لصياغة ما تم ملاحظته إدراكه كالعناصر الرئيسية لبرنامج يمكنه أن يدفع باتجاه التغيير. وتصبح هذه النظرية هي الفرضية التي سيتم اختبارها مقابل البيانات التي يجمعها المقيمون. تتطلب النظرية دليلاً على التغيير المجتمعي، والعناصر الرئيسية وراءه في السياقات الأخرى. إن وجود قاعدة معرفية أفضل سوف يمكننا من تطوير إستراتيجيات أفضل للتغيير، وسوف تعمل نظريات التغير الأفضل على تحسين كل من تصميم مبادراتنا وفرص التعلم حول التغيير.” (2١)

وقد دعا كل من باوسون وتيلى (۲۲) الى مقاربة مشابهة بعنوان “التقييم الواقعى” ركزا فيه على “نمط السياق، والآليات والمخرجات”، بمعنى أنه في سياقات محددة تعمل آليات التأثير لانتاج مخرجات محددة نتيجة. تعمل البرامج من خلال إدخال أفكار و / أو موارد جديدة في مجموعة موجودة من العلاقات الاجتماعية ينبغى أن تشتمل المهمة الصعبة للتقييم ( من خلال إنشاء الفرضية وتصميم البحث) على استقصاء المدى الذى تستطيع به الهياكل الموجودة مسبقاً تفعيل أو عدم تفعيل آليات التغيير المقصودة. وعندئذ سيتيح هذا لواضعي السياسات في دول أخرى النظر في النماذج التي تتطور في أنحاء الدول والتعلم من الأخطار والمشاكل التى عانت منها الدول الأخرى وأيضًا الاستفادة من النجاحات الأخرى.

يمكن، وتم فعلاً، تحديد العناصر المحتملة للبرامج الفعالة على المستوى الدولى؛ إلا أن التفاصيل أمر حاسم لجعل ما نجح فى أماكن أخرى يحدث بالفعل، ويجب تحديدها محليًا فى المكان والزمان (أى ليس مرة وللأبد ولكن على أساس مستمر من إعادة التقييم). وهذا يتضمن:

  •  أن تتوخى الوكالات الدولية والمستشارين الفنيين الحرص فيما يقدمونه من نصائح
  •  ضرورة تطوير قدرات مديرى البرنامج المحليين على إجراء التعديلات التحسينية للبرنامج بشكل متواصل.
  • عند تقييم البرامج والدروس المستفادة من الضرورى توثيق التفاصيل المتعلقة بعملية ، وليس فقط مخرجاته.

برنامج تنمية البرامج الصحية تم تمويله من قبل إدارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة.

أ- باحث مركز السياسة الصحية, كلية الصحة العامة، جامعة ويتوتر سراند, جوهانسبرج، جنوب إفريقيا, البريد الإلكتروني [email protected]

ب – مدير المعهد الدولي للصحة والتنمية, جامعة كوين مارجريت, ايدينبيرج، المملكة المتحدة

ج – محاضر في السياسة الصحية, وحدة السياسة الصحية, كلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي، لندن، المملكة المتحدة

 

Campbell O, Graham W, onbehalf of Lancet Maternal Survival Series steering group. Strategiest for reducing maternal mortality: getting on withwhat works. Lancet 2006;368:1284-99.

Borghi J, Ensor T, SamanathanA, et al. Lancet maternal Survival steering group. Mobilising financial resourcesfor maternal health. Lancet 2006;368(9545):1457-65.

World Health Organization. TheWorld Health Report 2005;Make Every Mother and Childcount. Geneva:WHO, 2005.

UN Millennium Project. Who,sgot the power? Transforming health Systems for Women and Children. New York: UN, 2005.

Ronsmans C, Graham W, Onbehalf of Lancet MaternalSurvival Series steering group. Maternal mortality: who, when, where and why. Lancet2006;368:1189-200.

Filippi V, Ronsmans C, Campbellom et al. Maternal health in poorcountries: the broader context and a call for action. Lancet 2006;368:1535-41.

Koblinsky M, Matthews Z, Hussien J, et al. Going to scalewith professional skilled care. Lancet 2006;368:1377-86.

Blaauw D, Ambegaokar M, Mcpake B, et al. Neither angels nor robots: the edynamicresponces’ of health care workers and the unintended effects ofhealth system functioning.London: Health System Development Programme, 2006.

Balabanova D, Pardhurst K, Mckee M, et al. Access to heath care:taking into account health systems complixity. London: Health Systems Development Programme, 2006.

Pattinson B, editor. Saving Mothers: Third Report on Confidential Evquiry into Maternal Deaths in South Africa2002-2004. Pretoria: Department of Health South Africa. 2006.

Penn-kekana L. Ethnography of two labour wards. London: Health Systems Development Programme, 2006.

Carr S. McLoughlin D, Hidgsin M, et al. Effects of unreasonable pay descrepancies for under and overpayment on double demotivation. Genetic, Social and General Psychology Monographs 1996; 122(4):475-94.

Penn-kekana L, Blaauw D, Tint SK, et al. Nursing dynamics in the context of HIV/AIDS. Johannesburg: Frontiers Programme, Population Council, 2004.

Dimitrova B, Balabanoea D, Atun R, et al. Health Service providers’ perceptions of barriers to tuberculosis care in Russia. Health Policy and Planning 2006; 21 (4):265-74.

Danishevski K, Balabanova D, Atun R, et al. Health serviceproviders’ perceptions of barriers to tuberculosis care in Russia. Health Policy and Planning 2006; 21 (3): 195-205.

Parkhurst JR, Rahman SA,Ssengoba F. Overcoming access barriers for facility-baseddelivery in low-income settings: insights from Bangladesh and Uganda.Journal of Health Population and Nutrition 2006;24(4):438-45.

Ssengooba F, Rahman SA, Hongoro C, et al. Health sector reforms and human resources for health in Uganda and Bangladesh: mechanisms of effect. Human Resources for Health 2007; 5:3.

Parkhurst dJ. Rahman SA. life saving or money wasting?Perceptions of caesarean sections among users of services in rural Bangladesh. Health Policy 2007;80(3):392-40.

Lewin. Complixity: life at the Edge of Chaos. 2001. :London: Phoenix. 2001.

Marks S. Divided Sisterhood. Johannesdburg: Witwatersrand University Press, 1994.

Auspos P, Kubisch Ac. Buliding Knowledge about Community Change: Moving Beyond Evalutions. Washington DC: Aspen Institute, 2004. At:

<www.aspeninstitute.org/atf/cf/{DEB6F227-659B-4EC8-8f84-8DF23CA704F5}?BUILDINGKNOWLEDGE/pdf>. Accessed 16 August 2007.

Pawson R, Tilley N. Realistic Evaluation. London: Sage Publication, 1997.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات